وفق ماكس فيبر يكون النظام الحاكم شرعيا عند الحد الذي يشعر مواطنوه أن ذلك النظام صالح ويستحق التأييد والطاعة[1]، وأحد مصادر الشرعية السياسية لنظم الحكم ما يسميها فيبر العقلانية القانونية الداعية إلى اعتماد قواعد مقننة لتحديد واجبات وحقوق منصب الحاكم، ومساعديه وطريقة ملء المناصب وإخلائها وانتقال السلطة وتداولها وممارستها وهو تحديد واضح ومفصل للحقوق والواجبات، يجعل مبادرات الحكم قابلة للتوقع لأنها مشروطة في أصولها وفي نتائجها بشبكة من القوانين المعروفة والمتفق عليها. أما ايستون فقد أطلق صفة ” البنيوية” في محاولة لتأكيد دور المؤسسات وأهمية عملية المؤسسات. ووصف صموئيل هانتيجتون هذه العملية بأنها مسار تكتسب فيه المؤسسات والمعاملات القانونية استقراراً وقيمة لذاتها (3)
مأسسة العملية السياسية تعنى احتواء عملية صنع واتخاذ القرارات السياسية ضمن إطار المؤسسات السياسية، مما يسهل على النظام السياسي اكتساب قدر يعتد به من الشرعية السياسية . ذلك أن التنظيم المؤسس للعملية السياسية بقدر ما يمكن المبادئ والقيم الديمقراطية للممارسة السياسية فإنه يفيد في تحقيقه خصائص عديدة منها : قانونية العملية السياسية إذا تمكنت المؤسسات من أن تنظم عملها شبكة معقدة ومحكمة من الضوابط والتوازنات، وتعمل وفقا لأحكام محددة وأسس للتوظيف والتمويل وتقويم الأداء، وتخضع لمقاييس معروفة وعلنية للنجاح والفشل وضوابط للمراقبة والمحاسبة وقواعد للتنسيق بينها. وعقلانية العملية السياسية، ذلك أن المؤسسات والمناصب تسمح في إطارها بالعمل على أساس الكفاءة المهنية، مما ينعكس مباشرة على واجباتها تجاه المواطنين.علاوة علىعمومية العملية السياسية حيث يلغى العمل المؤسسي بالاعتبارات الشخصية واعتماد اعتبارات المواطنة ويركز عليها .وأخيرا استقرار العملية السياسية لأن العمل في المؤسسات لا يتأثر بتغير الأفراد . ويمكن إنتاج القرارات الحكومية والعمل على تنفيذها إذا ما تمتعت بالدعم الذي تقدمه المؤسسات المركبة والقوية. ويربط بين وجود المؤسسات والعمل على تقوية الدولة من خلال علاقة تبادلية لفاعليته ، فالدول عديمة المؤسسات تكون على العكس دولاً ضعيفة وسيئة، لأنها عاجزة ولا تستطيع السيطرة لضمان المصالح الخاصة والعامة . وبناء المؤسسات السياسية لا يمثل استجابة لمطالب المشاركة السياسية وحدها، بل هي أداة للحفاظ على الاستقرار السياسي من جراء التهديد الذي يتعرض له بفعل اتساع حجم الضغط الموجه نحو النخب الحاكمة من جانب القوى الاجتماعية الساعية للمشاركة السياسية .
ولا تكاد تخلو دولة عربية من وجود مؤسسات حيث تتعدد الأحزاب السياسية في بعض الدول العربية وتنتخب فيها مجالس نيابية، ولكن يشوب البيئة التي تقوم فيها هذه الأحزاب وعملية انتخاب هيئة المجالس وأدائها وبخاصة دورها الرقابي نقائص تقلل من قيمتها كمكون عضوي في نسق النظام السياسي . والمعروف أن الانتخابات تدار إلى حد كبير من قبل السلطة المهيمنة في المجتمعات النامية، ومنها الدول العربية فتمارس السلطة التنفيذية التدخل في عملية الترشيح بداية وتؤثر جوهريا في مجريات عملية الانتخابات بكاملها، وتتعرض الانتخابات لأنواع متباينة من الإفساد، ومن بينها توظيف الحظوة من السلطة والمال وانتهاك الحقوق بل تقوم مؤشرات على معالجة النتائج محلياً ومركزياً . وفي أحيان أخرى يصدر القضاء أحكاماً ببطلان الانتخابات في بعض الــدوائر، ولكنها لا تنفذ وتتحول المجالس النيابية إلى ما يشبه إدارات متدنية الكفاءة للسلطة التنفيذية تتوسل لرضاها بأن تأتمر بأمرها، ولا ينتظر من مثل هذا المجالس أن تمارس جدياً دورها الأصيل في الرقابة على للسلطة التنفيذية . وبالنسبة لمؤسسة القضاء ، فيلاحظ أن الدساتير غالباً ما تضم نصوصا نبيلة مستمدة في الغالب من مصادر أجنبية ولكن كثيراً من نصوصها يبقى حبراً على ورق وكثيراً ما يعطل العمل بالقوانين العادية، وتفرض حالة الطوارئ لسنين طوال وتسن القوانين لصالح الاستبداد، وقد لا تنفذ القوانين الحامية للحريات حتى وإن حكم بها القضاء، ويعانى سلك القضاء في بلدان المنطقة من مشكلات عديدة تقلل من هيبته، وفي النهاية من استقلاله وفي مقدمة ذلك تعمد الحكومة عمداً الإحجام من تنفيذ أحكام الجهات القضائية والتحايل على استقلال القضاء .
إن الدرس الذي تستخلصه من واقع تتبع خبرات مسالك النظم العربية ، أن هناك علاقة جد وثيقة بين درجة مؤسسات المنظمات والإجراءات السياسية والقدرة على التكيف مع المتغيرات الخارجية والتحديات الداخلية بنجاح والتعامل مع قوى التغيير بفاعلية والاحتفاظ في ذات الوقت بتوازن النظام السياسي
© منبر الحرية ،24 يونيو / حزيران 2010
[1] Max Weber The Theory of Social and Economic Organization translated by AM. Henderson and Talcott parson Edited with an introduction by Talcott parcons(New York Oxford Univ Press 1947 pp 120-126).
(3) Samuel p .Huntington , political order in changing societies (New Havern ct: Yale unin press,1968)p.24
One comment
حنان
7 مارس، 2012 at 10:28 م
في بعض المواقع من المقال جسد الكاتب الاستاذ عبد العظيم النظم العربية علي انها نظم غير مؤهلة للعملية الديموقراطية التي تقوم علي النزها في الاجراءات، وهذا غير ما يحدث في العالم الغربي الذي تتحكم فيها سيطرت النخبة السياسية والراس مالية. لا يمكن تجاهل هذه الظاهره التي تعد عالمية ولا تقتصر علي انظمة دون غيرها. ولكن في ما يتعلق بنظرية ماكس فيبر في شرعية الحاكم بحسب اتفاق الجمهور فقط، اختلف مع طرحك لهذه النطرية في هذا الموقع علي اعتبار ان نظرية ماركس تخالف ما جاء في القران الكريم هذا اولا وتختلف مع ما جاء في مقدمة ابن خلدون/الباب الثالث من الكتاب الأول (الدول العامة و الملك و الخلافة و المراتب السلطانية).