الدول النامية والاستثمار المباشر وإشكالية الأولوية في التغيير (الجزء الثالث)

peshwazarabic26 يناير، 20110

من الخطأ أن يصبح جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة هدف بحد ذاته، بل من الحكمة أن تسخّر الدول النامية إمكانياتها للاستفادة من تلك الاستثمارات في إطار سياسات التنمية الشامل. ولكن لا يمكن تحديد السياسات العامة الأكثر فعالية لتحقيق تلك الاستفادة بشكل مطلق، بل من الضروري استخلاص العبر من تجارب بعض الدول في هذا الصدد مع الأخذ بعين الاعتبار توخي الحذر عند التطبيق، من منطلق أن لكل بلد إطاراً اقتصادياً وتاريخياً وجغرافياً وثقافياً وسياسياً يختلف عن الآخر.
إن عملية جذب الدول للشركات للاستثمار المباشر، تختلف من الدول الغنية إلى الدول النامية، حيث تعمل الدول المتقدمة على تقديم ما يعرف بالهبات المباشرة في كثير من الأحيان. بينما تلجأ الدول الفقيرة إلى حوافز تخفيض الضرائب. كما أن هنالك ترتيبات تفضيلية، مثل اتفاقيات الاتحاد الأوروبي مع كثير من الدول والتي تعرف باسم اتفاقيات الشراكة، وكذلك مبادرة الولايات المتحدة الأمريكية لحوض البحر الكاريبي. وأيضاً قانون النمو والفرص في افريقيا الصادر عن الولايات المتحدة. ولكن يجب النظر دائماً إلى مثل تلك الترتيبات على أساس أنها منفذاً مؤقتاً وليس دائماً.
والتحدي الأكبر يكمن في إمكانية تحقيق تلك الحوافز الفوائد المرجوة؟ وهل يؤدي ذلك إلى خطر إنفاق الأموال العامة؟ وهل هناك خطر من مدى القدرة على ضمان بقاء تلك الشركات في البلد المضيف؟ ومن يضمن بقاءها في حال انتهاء الحوافز أو توقفها؟ أو في حال لم يعد بإمكان الشركات الاستفادة من الترتيبات أو التفضيلات الممنوحه للدول من أجل تشجيعها؟
ومن الممكن استغلال منافع الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تضطلع به الشركات عبر الوطنية استغلالاً أكبر، فلقد بدأت التكنولوجيا تتغير، والعمليات والوظائف قابلة للتجزئة بصورة متزايدة، والحدود الفاصلة بين ما هو داخلي وما هو خارجي للمؤسسات تتبدل. والتحدي الذي تواجهه البلدان التي ترغب بالتطور والتقدم هو كيفية الاستفادة من تلك الشركات استفادة أكبر، وهنا تظهر أهمية السياسات العامة المعتمدة من قبل تلك الدول.
ومقدار النجاح الذي يحققه البلد المضيف للاستثمارات أصبح يعتمد على قدرة البلد على تطوير القدرات المحلية، والدول الأكثر نجاحاً في مجال استقطاب الشركات عبر الوطنية هي التي لجأت إلى اتباع نهج ثنائي يستند إلى تنمية القدرات المحلية مع استهداف الموارد والأصول للشركات. والصين تعتبر من أكثر الدول المعتمدة على هذا النهج في استراتيجيتها لجذب استثمارات الشركات عبر الوطنية. ومن عناصر هذا النهج :
توافق ما هو مستهدف في تشجيع الاستثمار مع الاستراتيجات الإنمائية والصناعية الأوسع نطاقاً للبلد المعني.
توفير رزمة من الحوافز بطريقة مركزة لتشجيع الشركات عبر الوطنية على الاستثمار في الأنشطة الرئيسية.
إشراك الشركات المنتسبة في تطوير ورفع المستوى المهني والتكنولوجي للموارد البشرية.
بنية رفيعة المستوى من قبيل مناطق التجهيز والمجمعات العلمية والمدن الصناعية بالإضافة إلى المناطق الحرة.
إن قدرة الدول النامية على الاستفادة من الفرص الجديدة الناشئة عن التنافس بين الشركات يعتمد إلى حد كبير على ما تتخذه بنفسها من إجراءات بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى ما تقدمه الدول المتقدمة من مساعدات سواء على صعيد تطوير القدرات المؤسسية، أو إزالة الحواجز أمام صادرات البلدان النامية خاصة في ظل بيئة تنافسية عالمية تزداد حدة. كذلك من الضروري طرح دور منظمة التجارة العالمية، الذي من الممكن أن تلعبه لتشجيع الدول النامية على التصدير والحد من سياسات الحماية المتبعة من قبل الدول الصناعية، كسياسات الدعم والإعانات المتخصصة، والتدابير الوقائية التي تقوّض فعلاً الفرص المتاحة أمام البلدان النامية لاستغلال ميزتها النسبية على أتم وجه.
الكثير من الأفكار والنظريات تعتبر أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتمثلة بالشركات هي من سلبت خيرات وإمكانيات الدول النامية وأنها تبحث فقط عن مصالحها الخاصة، وجعلت الدولة النامية أكثر تبعية لها. لكن في هذا السياق لا بد من التساؤل عن بعض التطورات الحاصلة في هذا الإطار:
هل كان بإمكان الصين الدولة العملاقة ودول أخرى كالهند وكوريا الجنوبية وإيرلندا تحقيق ما حققته في المجال الاقتصادي دون هذه الاستثمارات ؟
إذا كانت الدول النامية تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية فما هي طرق العلاج؟ وإذا كانت محصلة الأوضاع في كثير من الدول سيئة للغاية، فالحصول على شيء أفضل من لا شيء. فمصر لا تملك أية قدرة على مستوى صناعة السيارات، والآن تمتلك مصانع لتجميع سيارات “BMW” وما نتج عن ذلك من انعكاسات على المستوى التصدير، وخلق فرص عمل واكتساب خبرات ومهارات في مجال صناعة السيارات. فهل كانت مصر قادرة على فعل شيء من ذلك دون الاستثمار المباشر الأجنبي لشركة “BMW” ؟؟؟
© منبر الحرية،26 يناير/كانون الثاني 2011

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018