الإخوان المسلمون، والسلفيون .. قادمون للبرلمان المصري، وربما تكون الأكثرية هي لجماعة الإخوان، فمع انتهاء المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب، وإعلان النتائج الرسمية لها، وحصول قوائم حزب “الحرية والعدالة” الذراع السياسي لجماعة الإخوان على نسبة 40 بالمائة من الأصوات، و36 مقعدا من بين 56 مقعداً فردياً بنسبة 66 بالمائة، بما يؤشر لحصول الحزب الإخواني على الأغلبية البرلمانية المطلقة في نهاية المطاف، أو أن يقترب منها ويضطر للتحالف مع حزب النور السلفي الذي يليه ترتيبا في نتائج المرحلة الأولى (بنسبة 20 بالمائة من الأصوات للقوائم).
اللافت أنه بمجرد ظهور مؤشرات تفوق الحزب الإخواني، بدأت قيادات الجماعة والحزب، حملة “علاقات عامة” عبر وسائل الإعلام، تطالب بأحقيتهم في تشكيل الحكومة، وسرعان ما لحق بهم قادة حزب النور السلفي مطالبين بأن يكونوا شركاء الحكم، باعتبارهم جاءوا في المرتبة الثانية بعد الحرية والعدالة ..وإذا كان معلوماً، أن جماعة الإخوان تؤمن بأن الإسلام “دين ودولة” بحسب تعاليم حسن البنا مؤسس الجماعة، فإن هذا كله يعنى أننا مقبلون على “معركة” يشعلها التيار الإسلامي للفوز بتشكيل “الحكومة” عقب انتهاء الانتخابات بمرحلتيها الثانية والثالثة في شهر يناير المُقبل، وهو ما يفرض مناقشة الخيارات المتاحة في هذه المعركة المنتظرة. لدينا “الإعلان الدستوري” الصادر بمرسوم عسكري يوم 30 من شهر مارس الماضي، يجعل للبرلمان سلطة التشريع أي سن القوانين و يعطى للرئيس أو بديله (المجلس العسكري) سلطة إصدار هذه القوانين أو الاعتراض عليها، كما أن للبرلمان سلطات رقابية مُحددة حصرياً.. وليس من حق الأغلبية سواء كانت منسوبة للتيار الإسلامي أو غيره تشكيل الحكومة، إذ أن هذا يحدث في النظم البرلمانية فقط، مثل بريطانيا وإسرائيل، بينما تسير مصر وفقاً للنظام “الرئاسي”، مثل أمريكا وفرنسا .. ذلك أن الإعلان الدستوري يمنح “المجلس العسكري” سلطة تعيين رئيس مجلس الوزراء والوزراء، ولم يمنحها للحزب الحائز على “الأغلبية البرلمانية” .. وواقع الحال أن مجلسنا العسكري المصري، لم يستحدث هذا النظام الرئاسي، بل أنه موجود بالدساتير المصرية التي جاءت بعد ثورة يوليو 1952، وآخرها دستور عام 1971 المعطل مع قيام ثورة 25 يناير. في ظل إلحاح التيار الإسلامي بجناحيه الإخواني والسلفي، على تشكيل الحكومة، فإنه قد يكون هناك ثلاث سيناريوهات محتملة وقابلة للتطبيق : أولها .. أن يتمسك المجلس العسكري بصلاحياته المقررة بالإعلان الدستوري، بأن يختار هو إعادة تكليف الجنزوري أو غيره بتشكيل الحكومة، وهنا فقد تتعاون الأغلبية البرلمانية مع الحكومة، لتسيير شئون الحياة في المجتمع وحل المشكلات العالقة، أو أن نواب الأغلبية قد يقفون بالمرصاد لكل قرار يصدُر عن الحكومة ويعارضونه ويثيرون حوله قدرا من البلبلة والإرباك، ومن شأن ذلك، أن يخلق حالة من الإحباط والتعويق لمسيرة النشاط الحكومي، وإثارة الرأي العام وتحريكه، وهذا التيار له قدرة على الحشد لأنصاره، و بما قد ينتهي إلى استقالة بعض الوزراء أو الحكومة نفسها، خاصة ونحن أمام شارع صار في حالة رفض دائم وحركة ثورية مستمرة، ولم يعد من الممكن تجاهل مثل هذه الحركة . وهو ما يعيب هذا السيناريو، أي عدم تعاون الأغلبية مع الحكومة .. ثاني السيناريوهات ..هي أن يرضخ المجلس العسكري لمطلب الإخوان، ويترك لحزب الحرية والعدالة تشكيل الحكومة، بأن يقوم الحزب باعتباره صاحب الأغلبية (على اعتبار ما سيكون)، بتسمية “رئيس الحكومة” والوزراء، وما على المجلس إلا إصدار قرار التكليف والتشكيل، لمن اختاره الحزب الإخواني، وهنا يمكن للمجلس العسكري أن يمتنع عن التعاون مع الحكومة الجديدة التي هي حكومة الإخوان، كما أنه يملك عمليا عدم التعاون مع البرلمان، بل وإصابته والحكومة بالشلل التام، إذ أن قيام البرلمان مثلا بسن تشريع أو قانونِ ما وإقراره، في حد ذاته، لا يكفى لسريانه، ذلك أن القوانين لا تسرى إلا بعد نشرها بالجريدة الرسمية، وهى لكي تنشر لابد أن تصدُر من الرئيس أو “المجلس العسكري” الذي يحل محله، فإذا امتنع المجلس عن إصداره، فلا يكون له أي قيمة تقريبا، ولا يكون قابلاً للسريان والتطبيق، وبإمكاننا قياساً على ذلك أن نتصور شكل العلاقة بين السلطتين التشريعية (البرلمان)، والتنفيذية ( المجلس العسكري والحكومة)، في حالة إذا اختار “العسكري” عدم التعاون مع حزب الأغلبية، ومن المؤكد أن الصدام قد يقع ويجعل جزء كبير من البرلمان (حزب الأغلبية) ومعه حكومته صفاً واحدا، في مواجهة المجلس العسكري، فيما لا يمكن التنبؤ بموقف الجماهير التي تتحرك في الشارع والميادين، ومثل هذا السيناريو، يعيبه بخلاف إمكانية وقوع الصدام، فإنه قد يؤخر أو يؤجل انتخابات الرئاسة، أو إجرائها في أجواء غير مواتية، وحتما يؤدى هذا السيناريو إلى تأخير كتابة الدستور، خاصة وأنه من المتوقع أن تشتعل الأزمات حول معايير وشروط اختيار “الجمعية التأسيسية” المنوط بها إعداد الدستور وكتابته، ومعلوم أن هذه المعايير التي وردت بوثيقة المبادئ الدستورية الحاكمة، والمسماة ب”وثيقة السلمي”، كانت هي التي فجرت غضب التيار الإسلامي، وأدت إلى مليونية يوم 18 من شهر نوفمبر المنقضي، وما تلاها من أحداث عنف معروفة .. ويبقى السيناريو الثالث المحتمل .. وهو أن يضطر الإخوان (حزب الحرية والعدالة) للتحالف مع السلف (حزب النور السلفي) تحت قبة البرلمان على هدف تشكيل حكومة الأغلبية من الحزبين، وهنا سوف يكون الخطاب السلفي هو الأعلى صوتاً وصدى، لكونه أكثر تشدداً من الخطاب الإخواني المعتدل إلى حدٍ ما، وفى حال موافقة المجلس العسكري، و صعود مثل هذه الحكومة، فقد يؤدى هذا إلى عزل مصر دوليا، بأن يرفض الغرب الأمريكي والأوربي التعاون مع مصر، على غرار ما حدث مع حكومة حماس المُقالة والمُحاصرة في غزه، ولا يكون أمام المجلس العسكري إلا ا
لقيام ب”انقلاب عسكري” والاستيلاء على السلطة، إنقاذا لمصر من هذه الُعزلة، بل وامتثالا لمطالب القوى السياسية والشعبية الأخرى، ومنها الأقباط الذين يعانون من القلق مما هو قادم مع هذه السيناريوهات المحتملة.
سعيد السنى كاتب و صحفي مصري
© منبر الحرية،23 دجنبر/ديسمبر2011
One comment
هنادي
24 ديسمبر، 2011 at 6:02 ص
اسم الكاتب غير محدد في المقالة