* Dalibor Rohac *نوح الهرموزي
يخوض الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة (البالغ من العمر 76 عاما) في هذه الأيام سباق الانتخابات الرئاسية سعيا لإعادة انتخابه لولاية رئاسية رابعة بعد ثلاث ولايات متتالية. ويطلق أنصار بوتفليقة وعودا بتحقيق “ديمقراطية واسعة” إذا فاز مرشحهم، لكن عقودا من الاضطهاد والاستبداد لا تمنح الجزائريين سببا كافيا لتصديق هذه الوعود.
وهذا التشكيك في محله، لا عندما يطال وعود الحكومة بالتحرر السياسي وحسب، وإنما عندما يطال أيضا آفاق الازدهار في هذا البلد. فإجمالي الناتج الوطني الفردي في الجزائر يبلغ (5,404 دولار)، وربما لا يمكن اعتبار الجزائر أفقر بلد في المنطقة، لكن أداء هذا البلد يعتمد بشكل كبير على قطاع النفط الذي يمضي في طريق الهبوط منذ أعوام، حيث تشكل الصناعات الهيدروكربونية ثلث إجمالي حجم الاقتصاد لكنها تشكل من الناحية العملية كل ما تصدّره الجزائر.
لقد عانى الاقتصاد الجزائري منذ السبعينيات الماضية من “المرض الهولندي”، والذي جعل صادرات هذا البلد أقل تنافسية في السوق العالمية وفاقم الضغط السياسي الذي يعمل لعزل البلد أمام التنافس الخارجي، ولذلك لا تزال الجزائر حتى يومنا هذا خارج منظمة التجارة الدولية، ولا تزال تحافظ على منظومة واسعة من الرسوم لحماية المنتجات المحلية.
ولا يزال إرث الماضي الدولاني للجزائر ظاهرا للعيان، فكل من أحمد بن بلا، أول رئيس للجزائر، وخلفه العقيد هواري بومدين حاولا استنساخ النموذج الاقتصادي السوفييتي؛ فبعد مصادرة مساحات واسعة من الأراضي من المستوطنين الفرنسيين، قام بن بلا بتجربة المبدأ الاشتراكي في الحوكمة الذاتية (الإدارة الذاتية للعاملين: Autogestion) في الزراعة، أما بومدين فقد قام بتأميم معظم الصناعات الجزائرية، بما فيها القطاع النفطي، وحاول فرض منهج التخطيط المركزي.
وقد أدت الأوضاع الاقتصادية القلقة في الثمانينيات الماضية، جنبا إلى جنب مع الصراع على السلطة بين الجهازين العسكري والاستخباراتي، إلى جر البلاد نحو حرب أهلية طويلة تسببت في نهاية المطاف بظهور رجل قوي آخر، وهو بوتفليقة الذي تسوء صحته يوما بعد يوم، وقد أمسك بزمام السلطة منذ العام 1999 وحتى يومنا هذا دون انقطاع.
حقق بوتفليقة النجاح في مسعاه من خلال الموازنة بين نفوذ الجيش ونفوذ الاستخبارات (DRS)، وهما الطرفان اللذان يتنافسان بشكل تقليدي على السلطة في الجزائر، مما أدى إلى استقرار ظاهري في الجزائر وانخفاض في عدد الاغتيالات السياسية في العقد الأول من القرن الحالي، لكن ذلك تحقق على حساب ظهور نظام استبدادي فردي يتميز بالمحسوبية واستشراء الفساد، وكان هنالك عمل منهجي للحط من شأن الحريات السياسية (بما فيها حرية الصحافة وحرية الانتماء إلى التنظيمات السياسية)، فنجا النظام الثقيل لبوتفليقة من الاحتجاجات التي عمت العالم العربي، بل إن بوتفليقة نفسه نجا من جلطة خفيفة في العام الماضي، لكنه أصبح لا يظهر بشكل علني إلا نادرا.
إن اقتصاد الجزائر يعكس الطبيعة المتخشبة لحكومة البلاد، فالصلابة السياسية التي لوحظت خلال أحداث الربيع العربي جاءت على حساب إنفاق حكومي موسع مولته العوائد النفطية المتقلصة؛ وبفضل ضربة حظ رفعت مكاسب الجزائر من النفط، لم تؤدِّ زيادة الإنفاق إلى عجز في الميزانية على نحو مماثل لما شهدته اليونان، لكن انخفاض أسعار النفط سيؤدي إلى جعل الوضع المالي للبلاد ينزلق سريعا إلى وضع كارثي.
وكما هو حال عدد من دول المنطقة، تقدم الحكومة الجزائرية الدعم للمنتجات الهيدروكربونية، مما يؤدي إلى إنفاق حوالي (16%) من إجمالي الناتج الوطني على الدعم المكشوف والخفي. وكما هو الحال أيضا في المنطقة، فإن منافع هذا الدعم الحكومي تتجمع بشكل غير متناسب لدى الأغنياء الجزائريين، وليس لدى الأسر التي تحتاجه.
ويمكننا أن نتوقع قائمة من المشكلات التي تواجهها الجزائر: الاستخدام الاقصائي لعوائد المنتجات الهيدروكربونية، والتضخم المتقلب، والنمو البطيء للقطاع الخاص، وارتفاع معدل البطالة بين الشباب. إن صعوبة الحصول على الإئتمان و القروض، والبيروقراطية الإدارية، والفساد تقوم جميعها بخنق الاستثمار الريادي. كما إن النمو الاقتصادي خارج نطاق الصناعات الهيدروكربونية يتصف بالبطيء ويعتمد بشكل غير متناسب على الإنفاق الحكومي. والأسوأ من ذلك كله أن الحكومة المتحجرة تجعل أي تغيير للحالة الراهنة أمرا صعبا.
إن الأداء الاقتصادي المتواضع يغذي التوترات العرقية، ففي بلدة غرداية التي تبعد (600 كم) عن الجزائر العاصمة، اندلعت عدة اشتباكات بين المزابيين (البربر) والشعانبة (العرب)، وهذه الأحداث تعكس حالة متنامية من السخط في المنطقة الجنوبية في هذا البلد الذي يتصف في الوقت نفسه بثرواته الطبيعية والتخلف الاقتصادي.
ومع اقتراب الانتخابات التي ستجرى في الأسبوع القادم، قررت الحكومة غرس (1.5 مليون نخلة) على امتداد الشوارع الرئيسية للجزائر كرمز لأقدمية البلاد وقدرتها على التجدد، لكن، وخلافا للتوقعات، أطلق المشروع حالة من السخط لدى السكان المحليين الذين سئموا من سوء إدارة الشؤون البلدية والحالة التعيسة للخدمات العمومية. وعلى الرغم من ذلك، فإذا أخذنا بالحسبان الدعم الذي يتلقاه بوتفليقة من الأحزاب السياسية الرئيسية والنقابات و القوى الخفية…، فيبدو من غير المحتمل أن يحصل أي من المنافسين، ومنهم علي بن فليس الزعيم السابق لحزب جبهة التحرير الوطني (FLN) الحاكم، على ما يكفي من الأصوات ليحل محل بوتفليقة في السابع عشر من أبريل الجاري.
وبحسب تصريحات حسين مالطي، نائب رئيس شركة سوناطراك (الشركة الوطنية للنفط في الجزائر) سابقا، فإن الانقسامات التي يعاني منها جهاز الجيش و الاستخبارات لا تزال عميقة حتى بعد هذه السنوات من حكم بوتفليقة؛ وعلى الرغم من ذلك فإن جميع الأطراف لديها مصلحة في استمرار الوضع الراهن الذي يتيح لها اقتسام ما ينتج من النفط و الريع والسلطة، لكن مما يؤسف له أن ذلك يعني أن أمام المواطن الجزائري خمسة أعوام أخرى من الاضطهاد والنهب تحت سلطة رئيس غير قادر على أداء مهامه.
* من محللي السياسات في مركز (الحرية والازدهار في العالم) التابع لـمعهد كيتو بواشنطن العاصمة.
*أكاديمي ومدير المركز العلمي العربي للأبحاث
منبر الحرية،16 ابريل/نيسان 2014