لم يكن العام الذي ودعناه أقل من سابقيه من حيث استمرار تدني مستوى التنمية البشرية في العالم العربي. فقد رسم التقرير الصادر عن صندوق الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2014 صورة قاتمة للوضع العربي نتيجة مخاطر متشعبة تعيشها المنطقة العربية نتيجة عدد من العوامل من قبيل ضعف تمثيل المرأة في البرلمانات والفوارق بين الجنسين في المشاركة في القوى العاملة.
فعلى الصعيد العالمي، احتلت النرويج الرتبة الأولى متبوعة بأستراليا وسويسرا ثم هولندا والولايات المتحدة الأمريكية. وهم َ هذا التقرير 187 دولة ومنطقة معترف بها من قبل الأمم المتحدة. ويعرف واضعو التقرير مؤشر التنمية البشرية باعتباره «القياس الموجز لتقييم التقدم الطويل الأمد في ثلاثة أبعاد أساسية في التنمية البشرية: حياة طويلة، الصحة، الوصول الى المعرفة ومستوى معيشي لائق. «
وتبعا لهذه الأبعاد، واصلت قطر ريادتها على صعيد المنطقة العربية محتلة الرتبة الأولى في سلم التنمية البشرية فيما تشبث السودان بالمرتبة الأخيرة. وما بين الرتبة الأولى والأخيرة عربيا ظل نصيب الدخل 15.817 دولار في الوقت الذي تعدى فيه المتوسط العالمي بحوالي 15 في المائة. وحلت السعودية ثانية على الصعيد العربي فيما صنفت في الرتبة 34 عالميا بينما جاءت في المرتبة الـ 60 في تقرير 2013، وحلت الإمارات في المرتبة الثالثة عربيا والـ 40 عالميا بينما جاءت في المرتبة الـ 42 عالميا في تقرير العام الماضي.
وجاءت البحرين في المرتبة الـ 44 والكويت في المرتبة الـ 46 ضمن فئة التنمية البشرية المرتفعة جدا، بينما جاءت ليبيا في المرتبة الـ 55 وسلطنة عمان في المرتبة 56 ولبنان في المرتبة 65والأردن في المرتبة الـ 77 وتونس في المرتبة الـ 90 والجزائر في المرتبة الـ 93 ضمن فئة التنمية البشرية المرتفعة. وجاءت فلسطين في المرتبة الـ 107 ومصر في المرتبة 110 وسوريا في المرتبة الـ 118 والعراق في المرتبة الـ 120 والمغرب في المرتبة 127ضمن التنمية البشرية المتوسطة. بينما جاء اليمن في المرتبة الـ 154 والسودان في المرتبة الـ 166 ضمن فئة التنمية البشرية المنخفضة.
وأورد التقرير مؤشرات أخرى كرست الوضعية المتأخرة للمنطقة العربية. فبخصوص مؤشر العمر المتوقع عند الولادة ظلت المنطقة العربية دون المتوسطات العالمية. وأشار التقرير الى تأخر الدول العربية نسبة إلى المتوسطات العالمية بمقياس دليل التنمية البشرية بعامل عدم المساواة في التعليم والصحة والدخل حيث يصل متوسط عدم المساواة إلى أكثر من 17 في المائة .
ومن جهة أخرى، حلت الدول العربية في المرتبة الثانية من حيث نسبة الأطفال من مجموع السكان. ويعيش الأطفال والنساء، الذين يشكلون أعلى نسبة من أعداد النازحين، الحرمان بأوجه متعدّدة. وكثيرا ما يعيشون في فقر، محرومين من الخدمات العامة الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم. وهذا الحرمان يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية تعيش مع الفرد مدى الحياة، فتؤثر على نموّه العقلي، وتفقده سبل معيشته، وتقوّض إمكاناته على المدى الطويل.وتحتل عدم المساواة في التعليم مستويات مرتفعة حيث يصل متوسطها إلى 38 في المائة وكذلك في الصحة والدخل، حيث يصل متوسط عدم المساواة إلى أكثر من 17 في المئة.
وحول العوامل التي أدت إلى ارتكان المنطقة العربية في مراتب متأخرة، قال التقرير أن للنزاعات المسلحة ولا سيما تلك التي تدور داخل الدول إضافة على الاضطرابات المدنية، تكاليف باهظة على التنمية في البلدان المعنية. وعزا التقرير اندلاع الاضطرابات إلى سياسات الإقصاء والنخب الساعية إلى الريع، والمظالم الاجتماعية مما يؤدي إلى الشقاق الاجتماعي ضعف التماسك والتلاحم ضمن المجتمع الذي هو من شروط تحقيق المنعة والاستدامة في التنمية البشرية، خاصة وأن المجتمع المتماسك، حسب تعريف التقرير، هو ذلك الذي يسعى إلى رفاه أفراده ويقضي على الإقصاء والتهميش ويقدم لأفراده فرصا للحراك والارتقاء. وبخصوص إمكانيات بناء المناعة ضد هذه المخاطر أشار التقرير إلى ضرورة تمكين الأفراد ورفع القيود عنهم، فيتمكنوا من ممارسة الحرية والقدرة على التعبير كما يتطلب مؤسسات قوية تدعم جهود الأفراد حيث يتوقف مستوى الرفاه على رحابة الحريات التي يعيش في ظلها الأفراد.
منبر الحرية، 25 يناير/كانون الثاني 2015