
يبدو في الظاهر وكأن هناك تناقضا وتعارضا بين هذين الحدين. فالحريم يشير إلى المخملية واللطف والسعادة والحب والجمال والأنوثة الخالدة، في حين يشير الإرهاب إلى العنف في لاحدوده القصوى من قص للرؤوس وبقر للجثت وتشويه للملامح وإضرام نار والإبادة وحدانا وجماعات ضمن ما يطلقون عليه إدارة التوحش التي جعلت داعش تدون كجماعة عنف إرهابية تفوق الخمير الحمر وغيرهم.
لكن الممارسة شيء والتصورات النظرية شيء آخر. فالجامع بين الحريم والإرهاب هو الجنس، هو جسد المرأة ومناعمها. الجنس هنا مشترك حيوي أساسي: الحياة بالمعنى البيولوجي الدنيوي المتعارف عليه، والذي تذكيه مجتمعات وثقافات الكبت وتلهبه وتحوله إلى مخيال جماعي وفردي آسر، والحياة بمعنى المتعة الأخروية بكل متخيلها الجميل: الأشجار الباسقة، الأنهار المتدفقة من كل لون وذوق، وأساسا الجنس اللطيف، المكافأة الأخروية التي هي لذة دائمة محورها الحسان، الناهدات الكاعبات الشغوفات الطيّعات… الشهوانيات…
إلا أن كيفية التعامل الدنيوي (الداعشي) مع هذه اللذة القصوى تختلف بين الحريم الدنيوي والحريم الأخروي.
الحريم الدنيوي تم تحليله (من الحلال) وشرعنته بواسطة المجهود الفقهي فسمي جهاد النكاح.
فالجهاد المناسب للمرأة باعتبارها كائنا ذا قيمة وذا فعالية في تطور المجتمع هو تنكيحها أي تقزيمها إلى مجرد عضو جنسي سلبي ومتلقي مهمته هي تقديم الخدمات الجنسية (ولنقل مجازا التربوية) وإمتاع الرجال وتلبية حاجياتهم العضوية (نسبة إلى العضوين) مع الخروج من الدوائر الحديدية الصغيرة للزواج ونذر العضو النسوي ليصبح أداة إشباع لكل عضو ذكري حلا لمشكلة الندرة النسائية واستجابة لمطالب وحاجات ومتخيلات الذكورة والفحولة والتأدية المباشرة للجزاء الدنيوي نقدا وعدا دون تأخر.
وهدا إبداع من طرف داعش، قياسا إلى القاعدة والجماعات الدينية الأخرى الحبيسة ضمن تصور تصنيفي آخر بينت له التجربة التاريخية خطأه في حرمان الرجال من متع النساء وفي الفصل بين الحريم الدنيوي والحريم الأخروي. مما يدل على تطور فكري كبير يبلغ حد الخروج من الكليشيهات الأولى بحيل فقهية آسرة.
فالجمع بين العنف والجنس وجعل الجنس ترياقا استحلائيا للعنف وجاذبا له معناه تسخير دافع غريزي قوي لخدمة العنف الجهادي، وتسخير الحلاوة والعذوبة والنشوة الجنسية (ولنقل العسيلة) باعتبارها قمة اللذة الجنسية، في إطار خدمة المقدس الديني.
يأتي الجنس هنا كإكرامية (Un don) موجهة للمجاهدين الذين نذروا أنفسهم وأجسامهم دفاعا عن الإسلام ممثلا في دولته وفي خلافته وفي شهدائه الذين يتمتعون (ويستحقون) بكرامات وبهالات من القداسة. فهم شهود وشهداء وملاك خوارق وهم يقدمون التضحيات خدمة للإسلام أولا وللبشرية كلها ثانيا.
الغريب والطريف في كل هذا هو هذا الحضور القوي والمركزي للجنس في الحياتين وفي الحريمين.
المضمر في التصور الإسلامي هو المركزية المحتشمة للجنس من خلال عنصرين: المتعة والخلق إذ لا جدال في أن الجنس هو المتعة القصوى واللذة الكبرى لماذا؟ لأنه مرادف (ضمنا لا صراحة) للخلق.
فالعملية الجنسية أو الجنس بصورة عامة هي العملية التي تحدث فيها عملية الخلق، ومن ثمة أهمية ومركزية بل وقداسة (ووجهها الآخر دناسة) الجنس فهو حاصل في البدء والمعاد.
فالتقابل بين الحريم والإرهاب هو تقابل بين الحياة والموت، المتعة والألم، وهو إشارة إلى دورة الحياة: من الحياة (الولادة والخلق) إلى الموت، ومن الموت إلى الحياة. وهذا ما يفسر حضور الجنس في لحظتي الحياة والموت، أو على وجه الدقة بين الخلق والقتل.
*مفكر وأكاديمي من المغرب
منبر الحرية، 1 يونيو /حزيران 2017