إدريس لكريني

إدريس لكريني14 مايو، 20111

أعاد اغتيال زعيم القاعدة "أسامة بن لادن" صباح يوم الثاني من شهر مايو 2011 على أيدي قوات عسكرية أمريكية داخل الأراضي الباكستانية النقاشات بصدد تنظيم القاعدة إلى الواجهة من جديد، ومدى فعالية ونجاعة التدابير التي اتخذتها الولايات المتحدة في سياق ما تعتبره حملة "دولية" لمكافحة "الإرهاب"، ومدى تأثير هذا الاغتيال بالسّلب على مستقبل القاعدة وأدائها.....

إدريس لكريني2 مايو، 20110

ما حدث من أعمال إرهابية في ساحة جامع الفنا التي اعتبرتها منظمة اليونسكو جزءا من التراث الإنساني الشفهي، يطرح مجموعة من الأسئلة في علاقتها بمكان هذا العمل وتوقيته. فمراكش وما تحمله من رمزية ثقافية وحضارية وباعتبارها محجّا لعدد كبير من السياح من مختلف أنحاء العالم، تبرز أن الضالعين استهدفوا هذا الوجه المشرق وما ينطوي عليه من قيم للتسامح والتعايش.....(التفاصيل

إدريس لكريني4 أبريل، 20110

إن التدخل الأممي في ليبيا فرضته عوامل إنسانية ومسؤولية أخلاقية للمجتمع الدولي، غير أنه وبالنظر إلى الموقع الاستراتيجي لليبيا وللإمكانيات النفطية التي تزخر بها، يبدو أن التحمس في التدخل بالصورة التي بدت على الميدان أخيرا ينطوي على عوامل مصلحية أكثر منها تحقيق السلم والأمن الدوليين وحماية الشعب الليبي.....

إدريس لكريني24 فبراير، 20110

إذا كانت النخب السياسية قد أسهمت بشكل ملموس في الدفع بعدد من المجتمعات نحو تحقيق الديمقراطية والتطور والتنمية، فإن الأوضاع السياسية داخل الأقطار العربية، تعكس الحالة المتردية التي تعيشها النخب السياسية في مختلف هذه الأقطار نتيجة لعجزها عن قيادة أي تغيير أو إصلاح....

إدريس لكريني25 يناير، 20110

رفعت مختلف الأنظمة السياسية العربية في مرحلة ما بعد الاستعمار شعارات تهم تعزيز الاستقلال، من خلال بناء الدولة وتحديث وتطوير المؤسسات الدستورية وإدخال الإصلاحات الاقتصادية والسياسية.. كما تمكنت العديد النخب العسكرية العربية من الانتقال إلى الحكم عبر الانقلابات باسم هذه الشعارات، غير أن الممارسة الميدانية أبانت بشكل واضح محدودية الجهود المتخذة في بناء دول قوية وتحقيق تنمية شاملة أو إقامة أنظمة ديمقراطية.
فبمجرد سيطرتها على مؤسسات الدولة، قامت غالبية النخب الحاكمة بصد أي محاولات إصلاحية تقودها النخب المعارضة، وفرضت طوقا أمنيا صارما على شعوبها، وأضعفت مؤسسات المجتمع المدني، وضيّقت على الحريات وعطلت العمل بالمؤسسات في كثير من الأحيان.. كما نجحت هذه النخب في تأبيد زعاماتها وتمييع الحياة السياسية والحد من تطورها، كما تفنّنت أيضا في كبت الحريات وتدجين النخب والشعوب بصورة غرست مظاهر الشك والحذر بين الجماهير..
ومن منطلق اقتناعها بدور الإعلام و”الثقافة” في تكريس هيمنتها والترويج لأفكارها، حرصت هذه الأنظمة على تجنيد وسائل الاتصال لخدمة أغراضها واستمالة عدد من “المثقفين” إلى صفّها بالتهديد والوعيد تارة والإغراء والكرم تارة أخرى، الأمر الذي أدى إلى نشر ثقافة سياسية منحرفة ملؤها الاستبداد والتعتيم، وأفرز تراجعات على شتى المستويات والواجهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. بصورة أثّرت بالسلب على أداء النخب السياسية المعارضة وضيّقت من هامش تحركها..
وبخاصة وأن السمة الأساسية التي تميز النخب السياسية العربية الحاكمة المستندة إلى شرعيات مبنية على الخوف والاستبداد والاحتماء بالقوى الأجنبية الخارجية..، هو الانغلاق وعدم التجدّد، الأمر الذي ولّد نوعا من الرتابة في المشاهد السياسية العربية وكرّس عزوف المواطن عن السياسية وفقدان الثقة في النخب الحاكمة وفي مختلف المؤسسات السياسية والدستورية.
وقد أدت هذه الأوضاع إلى انتشار الفساد بمختلف مظاهره وأشكاله وإلى خلق فجوة واسعة بين السلطة السياسية الحاكمة من جهة وما بين أفراد المجتمع من جهة أخرى، وولد شعورا بالإحباط في أوساط الجماهير.
لقد استأثرت قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان خلال العقود الثلاث الأخيرة باهتمام دولي متزايد، بعدما ظلت حتى وقت قريب تعدّ شأنا داخليا محاطا بجدار سميك فرضته سيادة الدول، وهذا ما شكل في أحد جوانبه رادعا معنويا في مواجهة مختلف الأنظمة الديكتاتورية.
وإذا استحضرنا أن الديمقراطية ترتبط في الغالب بمجموعة من المؤشرات من قبيل: تداول السلطة بشكل مشروع وسلمي بما يسمح بإشراك المواطنين في تدبير أمورهم والمساهمة في اتخاذ القرارات التي تهمّهم، واحترام حقوق الإنسان مع القدرة على تدبير الاختلاف بشكل بنّاء..، فإنه وباعتماد هذا التعريف المبسط ومقاربة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الأقطار العربية على ضوئه، يتبين منذ الوهلة الأولى أن هذه الأخيرة تعيش أزمة ديمقراطية حقيقية.
ففي الوقت الذي استوعبت فيه العديد من الأنظمة في كل من إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا دروس المرحلة واستجابت لتطلعات شعوبها، وانخرطت بحزم وإرادة قويّتين في اتخاذ خطوات وإجراءات بنّاءة وشجاعة على طريق التنمية الشاملة وتحقيق الديمقراطية الحقيقية، قاطعة بذلك كل الصلات مع مظاهر الانقلابات والاستبداد وتأبيد الحكم، ظلت الأوضاع السياسية في الدول العربية، وبحكم الطوق المفروض على أي إصلاح أو تغيير مجمّدة.
فيما بدت مختلف “الإصلاحات” التي باشرتها بعض الأنظمة العربية، بطيئة ومحدودة من حيث فاعليتها، ولم تعكس في مجملها تطلعات وانتظارات الشعوب، بقدر ما تبيّن وكأنها “إصلاحات” شكلية معدّة للتسويق الخارجي والتعتيم و”الإلهاء” الداخليين، وتبين أنها تتوخّى خدمة مصالح النخب الحاكمة بالأساس عبر الحفاظ على الأوضاع القائمة والتحكم في الأوضاع السياسية بأساليب وآليات مختلفة، وتعزيز مكانة النخب التقليدية في المشهد السياسي وكبح أي تغيير أو إصلاح حقيقيين منبثق من عمق المجتمع، متناسية بذلك أن الإصلاح أو التغيير الذي لا يتأسّس على قاعدة شعبية ويعكس رغباتها وأهدافها وتطلعاتها، يظل في آخر المطاف قاصرا وغير ذي جدوى.
لقد حسمت الكثير من الدول الديمقراطية بصرامة مع مظاهر الاستبداد وتأبيد الحكم، بعدما أكدت في دساتيرها على عدم جواز ترشح الرؤساء أكثر من مرتين للحكم، وقدم الكثير من الزعماء على امتداد مناطق مختلفة من العالم نموذجا راقيا في صدّ الاستبداد ودعم التحول الديمقراطي ببلدانهم، ف”تشرشل” و”دوغول” الذين لعبا أدوار وازنة وحاسمة في صد النازية وفي التاريخ الحديث لبلديهما، لم يتشبثا بالسلطة لآخر نفس، كما أن الزعيم التاريخي “نيلسون مانديلا” الذي غادر زنزانته نحو السلطة، فضّل مغادرة الحكم في عزّ عطائه وشعبيته برأس مرفوع بعد انتهاء ولايته الرئاسية، ليقدم بذلك درسا بليغا ورائعا في المقاومة والنضال والديمقراطية وحب الشعب.
وإذا كان بعض الباحثين يعتقدون أن الدول الساعية إلى تحقيق انتقال ديمقراطي، تظل بحاجة إلى دكتاتورية وطنية مرحلية تعمل على مواجهة الفساد وأعداء الإصلاح والتغيير، مثلما حدث مع الجنرال “فرانكو” في فترات حاسمة من التاريخ السياسي الإسباني.. فإن تلاحق الأحداث تبرز أن الدكتاتوريات العربية تفتقد لأي شرعية أو روح وطنية، بعدما تمكنت في معظمها من تدمير أواصر الدولة والمجتمع، وتكريس الفساد والاستبداد.. بحيث ظل همّها هو تأبيد زعامتها بذرائع مختلفة أو تمرير السلطة لأقاربها ضمن خطوات مستفزة ومناقضة لإرادة الجماهير.
وفي زمن الإحباطات والهزائم العربية المختلفة، أعاد الشعب التونسي بثورته الإنسانية الاعتبار لإرادة الشعوب، واضعا بذلك الحد لكل المقولات التي ما فتئت تروج لنهاية الثورات الشعبية والتشكيك في قدرتها على التغيير.
إن خروج الشعب التونسي – الذي حكم على امتداد أكثر من عقدين من الزمن بقبضة من حديد- محتجّا بوسائل سلمية مختلفة متحديا الرصاص بصدر عار، يعكس رفض الفساد والرغبة في الانعتاق من الظّلم ومعانقة الحرية، ويبرز أن إرادة الشعوب قادرة على مواجهة وتجاوز الاستبداد مهما بلغت قوّته.
وتبيّن الظروف التي تمت فيها هذه الثورة والأبعاد التي اتخذتها، أن الشباب العربي الذي طالما اتّهم بإهمال القضايا العمومية والشأن السياسي بشكل خاص، أعطى درسا في النضال وأبرز أنه عندما يقرّر وضع للظلم والاستبداد، فإنه يستطيع ذلك، ولا يمكن أن تقف أمام تحقيق أهدافه النبيلة والمشروعة أية قوة كيفما كانت، وبخاصة عندما تقترن المعاناة الاجتماعية بالاستبداد والفساد والظلم وكبت الحريات..
وفي ظل الطوق الذي فرضه النظام التونسي السابق على حريّة الصحافة، أبرزت الأحداث أهمية الإعلام الإلكتروني في التواصل والتعبئة والتنوير، بعدما نقل الأحداث بالصوت والصورة لحظة بلحظة إلى العالم، وسمح بالتواصل التفاعلي بين الجماهير وأحرج النظام داخليا وخارجيا.
إن ما وقع في تونس هو رسالة واضحة إلى كل الدكتاتوريات في العالم والتي انتهى زمنها الافتراضي، كي ترحل بصمت وهدوء قبل أن ترحّل تحت الضغط بشكل مهين.
فقد كان بإمكان الكثير من المستبدّين أن ينهوا حياتهم آمنين ومكرّمين لو اختاروا دعم التغيير ببلدانهم من خلال مواجهة الفساد بكل أشكاله والتخلي عن السلطة بصورة سلمية بعد ولاية رئاسية أو ولايتين، بدل التهافت على السلطة. فما وقع في تونس وغيرها من تجارب دولية، يؤكد أن مآل رموز الديكتاتورية عادة ما يكون تحت حبل المشنقة أو بالهروب وتسوّل مستقر آمن..
لقد فرض الشعب التونسي احترام الدول الغربية الكبرى كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.. لثورته واختياراته، بعدما نجح في فضح الازدواجية المقيتة التي تسلكها معظم هذه الدول مع رموز الاستبداد في المنطقة العربية، بالتعامل معهم ودعم سلطتهم والسكوت عن انحرافاتهم عندما يكونون في موقع وقوة، والتنكر لهم في لحظات الضعف تحت ضغط الشعوب.. ففرنسا التي ثمّنت إرادة الشعب التونسي، هي نفسها التي قامت بدعم النظام التونسي السابق في أوج قوته واستبداده عندما كان في السلطة..
وكان من حسنات هذه الثورة أيضا أنها مكّنت الشعب التونسي من الوقوف على حقيقة نخبه المختلفة، سواء تلك التي فرضت نفسها عليه على مضض، بعدما اختارت الاحتماء بالنظام السابق والترويج “لمنجزاته”..، أو تلك التي اختارت التّموقع إلى جانب الشعب ومعانقة آلامه وآماله رغم الصعاب والتحديات المختلفة.
إن ما وقع في تونس هو ثورة حقيقية بكل مظاهرها الحضارية والإنسانية، التأم فيها الشعب بمختلف مكوناته، ولعب فيها الجيش دورا محوريا عندما فضل حماية المؤسسات العمومية لا قتل المتظاهرين.
وبذلك يكون الشعب التونسي قد طوى بثورته العفوية التي صنعها بنفسه، صفحة قاتمة من تاريخه المعاصر، بعد إزاحة رموز الاستبداد والفساد، وهي ثورة لن تكتمل معالمها إلا بجني ثمار تكون في حجم التضحيات، بما يسمح برسم مستقبل واعد لتونس يحدده الشعب بنفسه بعيدا عن أية وصاية أو إملاءات خارجية أو تهافتات أطراف تسعى لاستغلال دم الشعب والركوب على تضحياته لتحقيق أهدافها الخاصة.
‎© منبر الحرية،24 يناير/كانون الثاني 2011

إدريس لكريني12 يناير، 20110

بعد مرور أكثر من عقدين من الزّمن على انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة، وما رافق ذلك من أحداث وتبدّلات دولية متسارعة، يبدو أن العالم لم يرس بعد على نظام واضح المعالم، بالرغم من التبشير الذي أطلقته الولايات المتحدة في بداية القرن الماضي ببزوغ "نظام دولي جديد".

إدريس لكريني21 نوفمبر، 20100

حظيت مسألة إدماج وتمكين المرأة باهتمام محلي وعالمي واسع، بعدما اقتنع المجتمع الدولي بحجم التمييز والتهميش الذي يطالها؛ ومدى الانعكاس السلبي لذلك على تطور المجتمعات.
وإذا كانت مقتضيات الدساتير المحلية تؤكد على مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، فإن واقع الممارسة الدولية يبرز أن حضور المرأة في مختلف مراكز القرار الحيوية؛ يظل محدودا (حوالي 15 بالمائة) ولا يعكس كفاءتها وإمكانياتها في مختلف المجالات..
وقد جاءت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لتترجم الاهتمام المتزايد بتمكين المرأة؛ من قبيل الاتفاقية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة؛ وبرنامج عمل “بكين” الصادر عن المؤتمر العالمي حول المرأة المنعقد بالصين سنة 1995 والذي صادقت عليه 189 دولة. كما أن تقرير الأمين العام الأممي لسنة 2003 حول تنفيذ إعلان الألفية التابع للأمم المتحدة؛ أكد من جانبه على ضرورة تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. وفي السنوات الأخيرة؛ أضحى تمكين المرأة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. أحد أبرز المؤشرات لتقييم مستوى تقدم وتطور الدول ضمن تقارير التنمية البشرية.
وإذا كان الواقع الاجتماعي بموروثه الثقافي وتراكماته التاريخية.. إضافة إلى ضعف اهتمام المرأة بالعمل السياسي إجمالا؛ لا يسمح للمرأة بتحقيق المساواة الفعلية؛ رغم عطائها في مختلف المجالات العلمية والعملية؛ ورغم الضوابط القانونية التي تؤكد على حقوقها في هذا الشأن؛ فإن عددا من الدول ابتدعت سبلا وشروطا قانونية مرحلية؛ حاولت من خلالها تجاوز هذه الإكراهات والمعيقات للانتقال من المساواة القانونية الشكلية إلى المساواة الواقعية الفعلية؛ ومن تكافؤ الفرص إلى تكافؤ النتائج.
ويندرج نظام الحصص أو “الكوتا” ضمن هذا الإطار؛ وهي تقنية مرحلية تنحو إلى توفير فرص لعدد من الفئات الأقل حظا داخل المجتمعات (النساء والسود والأقليات وذوي الاحتياجات الخاصة..). وفي علاقتها بالنساء تتنوع “الكوتا” بين نظام محدث دستوريا؛ ونظام حصص محدث بمقتضى قانون انتخابي؛ وهما معا يسمحان بتنافس النساء على عدد أو نسبة من المقاعد المخصصة؛ ثم نظام حصص حزبي يقضي بترشيح نسب محددة من النساء في اللوائح الانتخابية المحلية و/أو البرلمانية؛ ويمكن لهذا الأخير أن يكون اختياريا في سياق توافقي؛ أو إجباريا بموجب نص قانوني.
لقد استأثرت هذه التقنية التي تنحو إلى تحسين مشاركة النساء؛ باهتمام ملفت داخل مختلف الأقطار المتقدمة منها والنامية التي ضمنتها في دساتيرها أو قوانينها الانتخابية أو الحزبية؛ وتشير الدراسات والتقارير المرتبطة بهذا الشأن إلى تنامي اللجوء إليها في ظل التطورات التي طالت حقل الديموقراطية وحقوق الإنسان في العقدين الأخيرين؛ على عكس المناصفة الذي يكاد يقتصر تطبيقه على النموذج الفرنسي والقوانين الداخلية لبعض الأحزاب اليسارية في أوربا الغربية، والذي يقضي بالمساواة في التمثيل داخل مختلف المؤسسات ومراكز اتخاذ القرارات بين الجنسين؛ ويعود السبب في ذلك إلى مرونة نظام الحصص(الكوتا) وإلى مراعاته للواقع السوسيو ثقافي للدول التي تعتمده.
وتؤكد الدراسات والأبحاث المرتبطة بهذا الشأن؛ أن أزيد من ثمانين دولة تعتمد هذا النظام على امتداد مناطق مختلفة من العالم؛ في كل من إفريقيا (جنوب إفريقيا؛ إريتيريا؛ غانا؛ السنغال؛ رواندا، بوركينا فاسو..) وأمريكا اللاتينية (الأرجنتين؛ البرازيل؛ المكسيك..) وأوربا(إسبانيا؛ بريطانيا؛ بلجيكا..) وآسيا (بنغلادش، باكستان؛ سريلانكا؛ الفيلبين؛ أندونيسيا..) وبعض الدول العربية (الأردن؛ فلسطين؛ العراق، موريتانيا؛ السودان؛ الإمارات العربية..).
وبحسب بعض الإحصاءات فإن 15 دولة فقط من بين الدول التي اختارت هذا النظام؛ هي التي استطاعت أن تتجاوز النسبة الحرجة المحددة في 30 بالمائة؛ وهنالك 30 دولة فقط تجاوزت نسبة ال20 بالمائة. وتوجد 45 دولة زادت مشاركة النساء فيها علي 15 بالمائة عن طريق قوائم الأحزاب.
وقد تباينت المواقف الفقهية بصدد هذه التقنية (الكوتا)؛ بين متحفظ ومعارض من جهة؛ وبين متحمس ومؤيد لها من جهة ثانية؛ فالاتجاه الأول يرى فيها وسيلة لتجاوز مختلف الحواجز والمعيقات العلني منها والخفي، باتجاه تحسين أوضاع النساء الاقتصادية والاجتماعية..؛ والانتقال من الصيغة النظرية لتكافؤ الفرص إلى واقع ملموس وتجاوز ضعف التمثيلية السياسية للمرأة في البرلمان والمجالس المحلية بشكل خاص؛ ولا يعتبرها رواد هذا الاتجاه تمييزا ضد الرجل بل تعويضا للمرأة عن التمييز السياسي الذي يطالها..
ويركز آخرون على مبدأ العدالة الذي يحتم تمثيل نصف المجتمع في المجالس النيابية على كافة مستوياتها، ومنطق تمثيل المصالح؛ ويعتقد جانب مهم داخل نفس الاتجاه أن المقومات الثقافية والسياسية في عدد من البلدان النامية التي تندرج الدول العربية ضمنها؛ لا تسمح بتكريس مشاركة فعالة للنساء من خلال مدخل الممارسة الديموقراطية المبنية على تكافؤ الفرص والتباري بصفة مباشرة مع الرجل؛ مما تظل معه العديد من الفعاليات النسائية الكفأة في مختلف الميادين والمجالات؛ مبعدة ومقصية من المساهمة في تعزيز المشهد السياسي والتأثير في القرارات الحيوية لبلدانها.
وإذا كانت “الكوتا” تعد إجراء تحفيزيا ودعما قانونيا يسمح بتطوير الثقافة السياسية وتذليل العقبات أمام المرأة لتصحيح ما يعتبره هذا الاتجاه خللا حاصلا في تمثيليتها في أفق توفير الأجواء النفسية والسياسية التي تسمح بانخراطها في تنافس ندي مبني على الكفاءة إلى جانب الرجل مستقبلا، فإن الاتجاه الثاني يرفض هذا الخيار؛ معتبرا إياه يتنافى مع مبدأ المساواة بين المواطنين ويتناقض مع مبدأ تكافؤ الفرص؛ فهو بموجب هذا الرأي تدبير غير ديموقراطي يمنح النساء حقوقا اعتمادا على اعتبار النوع لا الكفاءة؛ بل إن هناك من يعتبره حيفا في حقها؛ ويعبر عن تخوفه من أن يؤثر اعتماد هذه التقنية سلبا على نضال المرأة باتجاه التحسين الجذري لأحوالها وتعزيز مشاركتها السياسية في المستقبل.
وقد اعتبره البعض تشويشا على الممارسة الديموقراطية؛ من حيث أنه يفرض على الناخبين مسبقا الاختيار بين مرشحات فقط؛ كما يرى رواد هذا الاتجاه بأن منطق العدالة والديموقراطية؛ يفرضان ولوج المرأة إلى البرلمان ومختلف المجالس المحلية؛ من خلال الخضوع للضوابط المعمول بها بالنسبة للرجل أيضا؛ وإقناع الناخبين؛ بعيدا عن أي إجراءات تجانب مبدأ تكافؤ الفرص.
وبغض النظر عن هذه المواقف؛ فإن المشاركة السياسية للمرأة تظل مطلبا ملحا؛ ذلك أن تعزيز الخيار الديموقراطي والتنمية الحقيقية التي تركز على الإنسان باعتباره وسيلة وهدفا؛ لا يمكن أن تتحقق دون الالتفات لنصف المجتمع الذي تشكله المرأة.
وإذا كانت المرأة تتحمل قسطا من المسؤولية في ضعف مشاركتها في هذا الصدد؛ نتيجة عدم مبالاتها بالشأن السياسي.. فإن هنالك أسبابا أخرى تتحملها الدولة والمجتمع وتسهم في تفشي هذه الظاهرة؛ من قبيل تعرضها للعنف بجميع مظاهره والفقر والأمية.. كما أن الأحزاب لا تتيح فرصا كافية لتعزيز مكانتها في الحقل السياسي بشكل عام وفي التمثيل البرلماني على وجه الخصوص..
إن تحقيق مبادئ الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان وشروط التنمية الحقيقية لا يتم دون فتح المجال لمشاركة المرأة وإدماجها داخل المجتمع؛ وهي مهمة لا تقتصر على فتح باب المشاركة السياسية وولوج البرلمانات والمجالس المحلية.. أمامها فقط؛ بقدر ما ترتبط بتمكينها من المساهمة الفعالة في اتخاذ القرارات الحيوية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية..
© منبر الحرية، 10 مارس 2009

إدريس لكريني18 نوفمبر، 20100

أمام الوضعية المأزومة والحرجة التي وصل إليها ملف قضية الصحراء، نتيجة استحالة تطبيق خيار الاستفتاء، وازدياد المخاوف من انهيار اتفاقيات وقف إطلاق النار المبرمة بين الجانبين (المغرب والبوليساريو) وإمكانية اندلاع مواجهة عسكرية بين الطرفين من جديد، وذلك بعد استقالة مبعوث الأمين العام الأممي المكلف بملف القضية السيد “جيمس بيكر”، كان من اللازم والضروري البحث عن سبل جديدة تمكن من إيجاد حل يحظى بموافقة الطرفين.
فالأمم المتحدة لم تخف رغبتها في الإسراع لإيجاد حل لهذه المعضلة التي كلفتها كثيرا من الوقت والإمكانات، كما أن بعض القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة وبعض دول أوربا، ومن باب اهتمامها بالموقع الاستراتيجي للمنطقة وتنوع مكوناته الاقتصادية، أصبحت مقتنعة تمام الاقتناع، بأن مكافحة ما تسميه “إرهابا”، يتطلب احتواء مناطق التوتر ومواجهة الانفلاتات الأمنية وبخاصة بعد ظهور “قاعدة المغرب الإسلامي” وتمركزها في المنطقة.
وبخاصة وأن هذه الأخيرة توجد على مقربة من أوربا وقبالة القارة الأمريكية وبمحاذاة منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، المعروفة بتوتراتها ومشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية..
في ظل هذه الأجواء التي طبعها الجمود، قام المغرب بطرح مبادرة الحكم الذاتي، كاقتراح يستلهم عمقه من تجارب ومقاييس دولية عديدة متعارف عليها في هذا الشأن.
والحكم الذاتي هو نظام يستمد مقوماته من القانون الدستوري للدول، اعتمدته العديد من الدول كسبيل لتحقيق التنمية ولتدبير بعض الاختلافات العرقية أو الثقافية.. داخل بعض الأقاليم، عبر منحها استقلالا لممارسة مجموعة من الصلاحيات في إطار لامركزية سياسية، تحت إشراف السلطة المركزية، الأمر الذي يجعل منه حلا توفيقيا يوازن بين مطالب الاستقلال من جهة ومطالب فرض السيادة الكاملة من جهة أخرى.
إن الممارسة الدولية تحفل بتجارب نموذجية رائدة في هذا الشأن، سواء داخل الدول البسيطة كفرنسا وإسبانيا.. أو المركبة كبريطانيا وألمانيا.. والتي أثبتت نجاعتها على مستوى تدبير العديد من الصراعات الإقليمية أو العرقية المزمنة وتحقيق التنمية.
وإذا كان المغرب كدولة بسيطة قد اختار اللامركزية في بعدها الإداري منذ عدة سنوات، فإنه من خلال هذا المقترح يحاول توسيع وتطوير هذه اللامركزية الإدارية إلى لامركزية سياسية في هذه المنطقة.
وتشير المبادرة ضمن مقتضياتها إلى أن المغرب “يكفل من خلالها لكافة الصحراويين مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيدا عن أي تمييز أو إقصاء”، كما أن الفقرة 27 منها تنصّ على أنه: “يكون نظام الحكم الذاتي للجهة موضوع تفاوض، ويطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديمقراطية..”.
وجاء أيضا في المادة 28 من المشروع أنه سيتم “مراجعة الدستور المغربي وإدراج نظام الحكم الذاتي فيه، ضمانا لاستقرار هذا النظام وإحلاله المكانة الخاصة اللائقة به داخل المنظومة القانونية للمملكة”.
ويبدو أن نظام الحكم الذاتي المقترح في حالة الموافقة عليه، سيطبق في المنطقة بشكل خاص، حيث سيستثني باقي المجال الترابي الذي سيظل خاضعا للقواعد الإدارية القائمة (الجهوية، اللامركزية، اللاتركيز).
ويلاحظ أن المشروع لم يتحدث بتفصيل عن محددات الحكم الذّاتي، بقدر ما حدّد توجّهاته العامة، وهو وإن كان يحرص على سيادة المغرب في الأقاليم الصحراوية، من خلال احتفاظ الدولة بمجموعة من الصلاحيات السيادية المرتبطة بالعلم والنشيد الوطني والعملة والاختصاصات الدستورية والدينية للملك والدفاع والعلاقات الخارجية..، فهو ينصّ على مجموعة من الصلاحيات الحيوية والهامة التي ستخول للسكان، مع تخصيص مجموعة من الموارد المالية، بما سيضمن للساكنة هامشا مهمّا لتدبير شؤونهم المحلية، عبر مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية خاصة..
كما أنه تضمن عددا من الركائز والمقتضيات التي تحرص على صيانة حقوق وحريات الساكنة، وتضمن ممارستها. ويلاحظ أيضا أن المشروع أشار بشكل مكثف ضمن فقراته إلى التفاوض، فهو يتأسس في جزء كبير منه على الحوار، حتى أنه لم يشر بتفصيل مدقق إلى الاختصاصات التي ستخول للسكان في هذا السياق، ويبدو أن واضعي المشروع كانوا على وعي بهذا الأمر، وذلك لإتاحة الفرصة في هذا الصدد لما قد يتم بلورته من معطيات ومقترحات تفصيلية ستثريه وتعززه، من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين.
ومن ناحية أخرى، حاول المقترح المغربي استحضار الخصوصيات الاجتماعية والثقافية للمنطقة في كثير من بنوده (الفقرات 12 و19 و22 و25 و26 من المشروع).
كما نص على إمكانية عرض الصيغة النهائية المتفاوض بشأنها منه على استفتاء حرّ أمام السكان، كشكل من أشكال تقرير المصير الذي يستمدّ أساسه من الميثاق الأممي (الفقرة الثانية من الفصل الأول) وقرار الجمعية رقم 1415.
ويبدو هذا الطرح موضوعيا وواقعيا إذا ما استحضرنا أن العديد من المبادئ التي أقرّها القانون الدولي من قبيل عدم التدخل في الشؤون الداخلية والمساواة في السيادة.. تطورت ولم تعد بالقداسة والصرامة التي كانت عليها سابقا، نتيجة لمجموعة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أفرزها تطور العلاقات الدولية في العقدين الأخيرين. فهي (التحولات) تتيح التعامل مع مبدأ تقرير المصير بنوع من المرونة والواقعية، لأن الحكم الذاتي يمكن أن يشكل امتدادا لتقرير المصير، إذا ما مورس الحكم الذاتي في إطار ديمقراطي وضمن اختصاصات حيوية وهامة..
ولعل هذا ما دفع المبعوث الأممي السابق إلى الصحراء “فان فالسوم” الذي تابع تطورات الملف ووقف على خلفياته لأكثر من ثلاث سنوات، إلى التعبير صراحة في تقريره المقدم إلى مجلس الأمن عن عدم واقعية إنشاء كيان مستقل في الصحراء.
إن الانفصال هو أحد المظاهر المتعددة لحق تقرير المصير، لأن هناك سبلا أخرى تجد أساسها في القانون الدولي بإمكانها تحقيق أهداف وغايات هذا المبدأ، والحكم الذاتي يعد من أهم هذه المظاهر الناجعة، وتبدو موضوعية هذا الطرح في ضوء الحقائق والوقائع التي تجسدت في المنطقة على امتداد أكثر من ثلاثين سنة.
لقد لقي المشروع استحسانا كبيرا من قبل مجموعة من دول العالم، بما فيها بعض القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا.. وهو استحسان يترجم الشعور بواقعية وموضوعية هذه المبادرة، وبخاصة وأن المجتمع الدولي أصبح أكثر وعيا واقتناعا بأهمية وضرورة حسم هذا المشكل الذي أضحى من بين أقدم النزاعات التي خلفتها مرحلة الحرب الباردة، وكلّف شعوب المنطقة والمنتظم الدولي الكثير..، كما أن مجلس الأمن أشاد بدوره بهذه المبادرة واعترف بجديتها، بل إن المجلس في قراراته التي أعقبت طرح المبادرة(القرار 1754 بتاريخ 30 أبريل 2007 والقرار 1783 بتاريخ 31 أكتوبر 2007، والقرار 1813 بتاريخ 30 أبريل 2008، والقرار 1920 بتاريخ 30 أبريل 2010)، وإن أشار إلى التزامه بمساعدة الطرفين على التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم “يكفل لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره”، فقد ظلّ يؤكد على أهمية التفاوض بين الطرفين وعلى ضرورة بلورة حل مقبول لدى الطرفين.
إن استمرار التوتر في هذه المنطقة الحيوية لن يكون في صالح أي طرف، فخيار التسوية السلمية والبحث عن حل واقعي مقبول لدى الطرفين يفتح آفاق واسعة من التنسيق والتعاون، تفرضه التحديات الدولية الراهنة التي تؤكد يوما بعد يوم أن مناطق التوتر والصراع، تفرز تداعيات اجتماعية وسياسية واقتصادية.. خطيرة تتجاوز الحدود.
ومعلوم أن المشكل فوت فرصا عديدة على المنطقة المغاربية برمتها، فهو أثر بشكل سلبي ملحوظ في مسيرة المغرب العربي في زمن أصبح فيه التكتل أمرا ملحا، وأسهم في تنامي المشاكل بين المغرب والجزائر..، كما كانت كلفته الاقتصادية على دول المنطقة ضخمة جدّا.
© منبر الحرية،27 تموز/يوليو  2010

إدريس لكريني18 نوفمبر، 20100

قبل ظهور الأمم المتحدة كان اللجوء إلى القوة العسكرية أمرا معهودا في الساحة الدولية كمدخل لتنفيذ سياسات الدول القومية وللحسم فيما يثور بينها من خلافات؛ وهو ما جعلها – القوة – تحظى بأدوار حاسمة على مستوى تدبير النزاعات والخلافات الدولية؛ رغم بعض الجهود الدولية التي تمت في إطار اتفاقية(دراكو بورتر) لسنة 1907 التي أكدت على تحريم استعمال القوة لاسترداد الديون المستحقة، وكذا عهد عصبة الأمم الذي ميز بين الحروب المشروعة وغير المشروعة، ثم ميثاق (بريان كيلوج) لسنة 1928 الذي حاول دون جدوى التضييق على استعمال القوة في العلاقات الدولية. غير أن اندلاع الحرب العالمية الثانية كشف قصور وهشاشة هذه الجهود والمحاولات؛ ولعل هذا ما حدا بهيئة الأمم المتحدة لأن تجعل من أهم أولوياتها الملحة مكافحة القوة والعنف في العلاقات الدولية.
وفي هذا الإطار نصت المادة الثانية من الميثاق في فقرتها الرابعة على أنه: “يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة.”؛ فبموجب هذه المادة يتبين أن الميثاق لم يكتف بتحريم اللجوء إلى القوة فقط، وإنما حرم حتى مجرد التهديد باستعمالها، كما أنه لم يهتم بالأسباب المادية لهذا اللجوء للقوة ولا بوجود سبب يبرره؛ ما عدا في الحالات الاستثنائية المشروعة والمنصوص عليها صراحة في الميثاق وهي حالة الدفاع الشرعي الفردي أو الجماعي(المادة 51 من الميثاق) وحالة تدخل الأمم المتحدة لمواجهة تهديد السلم والأمن الدوليين أو الإخلال بهما أو وقوع أعمال العدوان في إطار ما يعرف بنظام الأمن الجماعي (المادتين 41 و42 من الميثاق).
وبالرغم من ذلك؛ فإن الممارسة الدولية تحفل بحالات كثيرة من استثمار للقوة بكل أشكالها في تدبير المنازعات والخلافات؛ بذريعة ممارسة حق الدفاع الشرعي.
والدفاع الشرعي هو إمكانية وقائية واحترازية تتيحها القوانين الداخلية كما الدولية للدفاع عن النفس؛ عندما يصعب أو يستحيل الاستعانة بالقانون في رد الاعتداءات والأخطار الداهمة وحماية الحقوق. وهو يندرج ضمن الحقوق الطبيعية التي يملكها الفرد والتي تسمح له بالقيام بكل ما يراه نافعا لنفسه، وكفيلا بضمان بقائه واستمراريته. وحرصا على ضمان تطبيق هذه الإمكانية القانونية على وجه سليم وبعيد عن كل انحراف؛ حرص المشرع والفقه المحليين كما الدوليين على تطويقها بمجموعة من الشروط. فالخطر موضوع الدفاع ينبغي أن يكون داهما وحقيقيا، مع استحالة اللجوء إلى السلطات الأمنية والقضائية لدفع الخطر وتجاوزه، وأن يكون الرد آنيا؛ ويتناسب مع حجم الخطر ولا يتجاوزه.
وعلى الصعيد الدولي تعتبر المادة 51 من الميثاق الأمامي بمثابة المرجع القانوني لإعمال وتنظيم هذا الحق، فهي تنص على أنه: “ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول؛ فرادى وجماعات في الدفاع على أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء “الأمم المتحدة”، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي…”. ويبدو من خلال هذه المادة أن الميثاق أطر استعمال هذا الحق(الدفاع الشرعي) بمجموعة من الضوابط والشروط؛ حتى لا يكون ذريعة ومطية لترهيب الدول والاعتداء على الشعوب وتحقيق المصالح الضيقة.
وخلال عملياتها العسكرية الأخيرة في غزة؛ حاولت إسرائيل أن تروج بأن هذه العمليات تندرج ضمن “الحق المشروع الذي تمارسه في سياق الدفاع عن نفسها” بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة؛ في مواجهة الصواريخ التي تقصف بها حركة حماس مناطق في العمق الإسرائيلي.
وباستحضار مقتضيات هذه المادة؛ فالحق في الدفاع الشرعي مشروط بوقوع عدوان مسلح؛ وقد اعتبرت إسرائيل أن إطلاق الصواريخ من غزة بمثابة عمل عسكري حقيقي؛ وهو ما لا ينطبق على الأعمال الدفاعية التي تقوم بها المقاومة الفلسطينية في غزة كرد على الحصار وإغلاق المعابر..؛ طالما أنها في وضعية رد الاحتلال ومقاومته؛ الأمر الذي أكدته المادة السابعة من توصية الجمعية العامة رقم 3314 المرتبطة بتعريف العدوان والصادرة بتاريخ 14 دجنبر من سنة 1974؛ التي نصت على أن تعريف العدوان لا يمكن أن يمس على أي نحو بما هو مستقى من الميثاق من حق في تقرير المصير والحرية والاستقلال للشعوب المحرومة من هذا الحق بالقوة..
كما أن الأعمال التي باشرتها المقاومة في غزة تنتفي فيها “عتبة الخطورة”، التي تعد معيارا رئيسيا للتمييز بين العدوان وبين أعمال القوة الأخرى؛ فهي لا تصل من حيث الخطورة إلى الدرجة التي تسمح بمباشرة هذا الحق؛ شأنها شأن حوادث الحدود؛ وهذا ما تم التأكيد عليه في المادتين 2 و3 من توصية الجمعية العامة المرتبطة بتعريف العدوان.
و يشترط في الهجوم أيضا أن يحمل قدرا من الفجائية؛ التي تجعل تلافي مخاطره بالسبل القانونية أمرا مستحيلا؛ بينما نجد أن رد المقاومة في فلسطين كان متوقعا؛ كما أنه جاء كرد فعل على الاحتلال وعلى إغلاق المعابر والحصار الذي باشرته إسرائيل.. وكان بالإمكان تلافي هذا الرد عبر اتخاذ تدابير وقائية أخرى يسمح بها القانون الدولي كاللجوء إلى مجلس الأمن أو عقد اتفاقات هدنة ورفع الحصار..
ومن جانب آخر؛ فاستعمال هذا الحق ينبغي أن يتم بشكل احتياطي ومحدود وبعد إبلاغ مجلس الأمن بالأمر؛ حتى يتسنى له التدخل والقيام بما تمليه عليه مهامه وواجباته في هذا الشأن؛ باعتباره المسؤول الرئيسي عن حفظ السلم والأمن الدوليين؛ ولكي لا يتحول رد الفعل إلى عمل انتقامي. غير أن المجلس لم يتحمل مسؤولياته في إيقاف هذه العمليات عبر اتخاذ ما يسمح به الميثاق من إجراءات وتدابير في هذا الشأن؛ وهو ما أسهم في إعطاء فرصة كافية للجيش الإسرائيلي لتنفيذ عملياته العسكرية في غزة.
وقد أكد القانون والقضاء الدوليين كما الفقه على شرط التناسبية في ممارسة حق الدفاع الشرعي؛ ذلك أن حجم رد الفعل ينبغي أن يكون ملائما ومتناسبا مع الفعل ولا يفوقه خطورة؛ وهو ما ينتفي أيضا في العمل العسكري الإسرائيلي على غزة؛ الذي استعملت فيه الطائرات والقنابل والدبابات ومختلف الأسلحة المحرمة دوليا.. في مواجهة صواريخ محدودة التأثير تأتي في سياق مواجهة الاحتلال وممارساته؛ كما طال المدنيين العزل واستمر لمدة طويلة تجاوزت ثلاثة أسابيع.
وبناء على هذه المعطيات؛ فالعمليات العسكرية ضد غزة والتي حاولت إسرائيل تسويقها كعمل يندرج ضمن ممارسة حق الدفاع الشرعي؛ تتنافى بصورة لا لبس فيها مع مضمون وأهداف المادة 51 من الميثاق الأممي؛ بل هي عدوان واضح المعالم وتندرج ضمن الأعمال الانتقامية التي يحرمها القانون الدولي؛ وما تصاعد الاحتجاجات الدولية والتنديد بهذه العمليات والمطالبة بعرض المسئولين عن اقترافها أمام المحكمة الجنائية الدولية؛ إلا دليل آخر على اقتناع المجتمع الدولي بعدم مشروعيتها.
وجدير بالذكر أن تنامي التحايل على استعمال هذه الإمكانية (حق الدفاع الشرعي) بغير حق أو مشروعية؛ يسهم في تكريس الفوضى في العلاقات الدولية؛ ويشجع بعض الدول على ارتكاب سلوكيات انتقامية وعلى الاعتداء على دول أخرى بتهم وذرائع مختلفة؛ مما يسهم في تكريس اللجوء إلى القوة العسكرية لتسوية الخلافات بالشكل الذي سيؤدي حتما إلى تهميش السبل الدبلوماسية لتسوية المنازعات وإدارة الأزمات ويحد من دور الأمم المتحدة في تدبير النزاعات والأزمات الدولية ويشجع على التدخل في شؤون الدول الضعيفة دون حدود أو ضوابط.
© منبر الحرية، 27 أبريل 2009

إدريس لكريني18 نوفمبر، 20100

يعد البحث العلمي سواء في صورته المرتبطة بالعلوم الطبيعية أو تلك التي تنصب على مقاربة العلوم الإنسانية؛ أدق وأسمى الحقول المعرفية؛ فهو يعتمد على مناهج وسبل منظمة قوامها التجربة والملاحظة.. لاستجلاء الحقائق والمعارف والتأكد من الفرضيات بصدد مواضيع وقضايا مختلفة؛ بهدف التوصل إلى نتائج دقيقة تسهم في حل مشاكل وقضايا المجتمعات.
والإسهامات البحثية والفكرية يفترض أن تحمل قدرا من الموضوعية والأصالة والإبداع بما يسمح باحترام أصول وقواعد الأمانة العلمية؛ فهذه الأخيرة وعلاوة عن كونها تقتضي الإشارة إلى مصدر المعطيات والمفاهيم والتعريفات والإحصاءات.. ومختلف المعلومات التي وظفت في البحث دون تحريفها أو تشويها؛ فإنها تفرض عليه أيضا الالتزام بإدراج النتائج والخلاصات التي توصل إليها الباحث دون تحفظ أو مجاملة أو نقصان.
وتفيد العديد من التقارير والأخبار أن وتيرة السرقات العلمية تزايدت في السنوات الأخيرة في مناطق مختلفة من العالم بشكل عام؛ نتيجة لتطور وسائل الاتصال وما أحدثته ثورة الإنترنت في هذا الشأن؛ والتي سهلت عمليات وتقنيات هذه السرقات من جهة؛ وصعبت من جهة ثانية مأمورية المقاربة القانونية في هذا الشأن.
وهي سلوكات مشينة تنطوي على استعمال حقوق الملكية الفكرية للغير على نحو غير مشروع؛ وعلاوة عن كونها عمل غير قانوني تجرمه مختلف التشريعات الوطنية؛ والاتفاقيات الدولية؛ فهي سلوك لا أخلاقي ويتنافى مع أبسط الحقوق التي كفلتها التشريعات المحلية والدولية للإنسان. ذلك أن الثانية من المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تشير إلى أن “لكل فرد الحق في حماية المصالح الأدبية والمادية المترتبة على إنتاجه العلمي أو الأدبي أو الفني”.
وإذا كان من المألوف أن نجد هذه السلوكات المنحرفة في المجالات الصناعية وما يرتبط بها من ملكية صناعية؛ أو في أوساط بعض الباحثين المبتدئين أو بعض الكتاب المغمورين إما عن قصد بهدف الربح المادي أو الشهرة أو سعيا للترقية في سلم الإدارة.. أو نتيجة للأخطاء وقلة الوعي.. فإن الممارسة والواقع يثبتان يوما بعد يوم تورط العديد من الأساتذة والباحثين الجامعيين في هذه المنزلقات؛ سواء تعلق الأمر منها بترجمة أو نقل الكتب والأطروحات والمحاضرات الأجنبية وغيرها ونشرها أو عرضها على الطلبة باعتبارها إنتاجا وإبداعا شخصيا؛ أو بالترامي على أفكار الغير واستنتاجاتهم بشكل جزئي أو كلي دون الإشارة إلى مصادرها وأصحابها..
والسؤال الذي يظل مطروحا في مثل هذه الحالات: كيف يمكن لمتورط في هذه الممارسات أن يتحمل مسؤولية تربية وتعليم النشء وتلقينه مبادئ وقيم البحث العلمي ومناهجه؟ وكيف يمكن أن يستأمن على مؤسسات حيوية بالمجتمع والدولة؟
ويبدو أن تفشي هذه الظاهرة في الأوساط الأكاديمية العربية؛ لا يمكن فصله عن الأزمة التي يعرفها الحقل الجامعي والبحث العلمي في الأقطار العربية بشكل عام.
إن حجم الاستثمار في مجالي التعليم والبحث العلمي؛ أضحى معيارا ومؤشرا أساسيا لقياس مستويات التنمية الاجتماعية والاقتصادية.. داخل الدول. وتعتبر الأقطار العربية من ضمن أكثر الأقطار حاجة إلى تطوير قطاعي التعليم والبحث العلمي والمراهنة عليهما في تنميتها؛ كسبيل للحاق بركب الدول المتطورة في هذا الشأن.
وإذا كان التعليم بكل مستوياته يعد أحد أهم المداخل الرئيسية لتحقيق تنمية حقيقية محورها الإنسان؛ وبوابة لإعمال تنشئة اجتماعية بناءة قادرة على إعداد جيل مبدع وخلاق، فإن عددا من الأبحاث والتقارير المحلية والدولية تشير إلى المأزق الذي تعرفه منظومة التعليم في عدد من الأقطار العربية؛ نتيجة لضعف الاعتمادات المالية المرصودة لهذا المجال الحيوي؛ ولعجز المؤسسات التعليمية عن مسايرة مختلف التطورات العلمية؛ وعدم انفتاحها على المجتمع؛ بالإضافة إلى اعتمادها مناهج وطرق تعليمية جامدة ومتجاوزة؛ ترتكز إلى الحفظ والتلقين والشحن؛ عوض الفهم والمناقشة والإبداع والتحفيز على طرح السؤال؛ وفي ظل نظم تعليمية وتربوية عقيمة؛ أغلبها ينحو للماضي أكثر منه إلى الحاضر والمستقبل؛ ويكرس التقليد والتبعية بدل الاجتهاد والإبداع. الأمر الذي يجعل شهادات العديد من خريجي المعاهد والجامعات لا تعكس المستوى العلمي الحقيقي لحامليها.
وكنتيجة موضوعية لهذه الوضعية أصبح البحث العلمي العربي في السنوات الأخيرة يعرف مجموعة من الاختلالات والمشاكل المرتبطة بظهور عدد من الكتب والأبحاث والدراسات العقيمة التي تغيب فيها الأصالة ومقومات البحث والأمانة العلميين.
ونظرا لارتباط ظاهرة السرقات الفكرية بالاعتداء على حق من أهم الحقوق المكفولة للإنسان؛ وللخسائر المادية والمعنوية التي تترتب عنها والتي تتجاوز في تداعياتها ومخاطرها حدود الدول في ظل تشابك العلاقات الدولية وتسارعها؛ سعى المجتمع الدولي منذ فترات مبكرة إلى نسج عدد من الاتفاقيات والمعاهدات الثنائية والجماعية؛ أهمها الاتفاقية العالمية لحقوق المؤلف؛ على طريق وضع حد لهذه الممارسات السيئة واحتوائها ضمن سياق الاعتراف المتبادل بهذه الحقوق.
وقد تم الإقرار لأول مرة بأهمية الملكية الفكرية في اتفاقية باريس بشأن حماية الملكية الصناعية سنة 1983، كما تعد اتفاقية (برن Bern) بشأن حماية المصنفات الأدبية والفنية التي اعتمدت بتاريخ 9 شتنبر 1886؛ من أقدم الاتفاقيات الدولية في مجال الملكية الأدبية والفنية. وبالرغم من مشاركة معظم الدول العربية في منظمة أو اتحاد دولي لحماية الملكية؛ فإن تطور قانون الملكية الفكرية في معظم الأقطار العربية مازال متعثرا ولم يرق إلى حجم التحديات المطروحة.
ويكاد يجمع الباحثون والمهتمون على أن ظاهرة الاعتداء على الملكية الفكرية تنتشر عادة وبشكل صارخ في أوساط الدول المتخلفة؛ كمؤشر عن عدم إيلاء صانعي القرار الاهتمام للفكر والإبداع بشكل عام؛ وعدم مواجهة مرتكبي السرقات بالصرامة والزجر المطلوبين؛ على عكس الدول المتقدمة التي تواجه الظاهرة بإجراءات وتدابير وقائية وزجرية صارمة؛ تضيق من فرص حدوثها.
لقد صادقت عدة أقطار عربية على مختلف المعاهدات المرتبطة بهذا الشأن؛ ومنها من أصدر تشريعات في هذا الخصوص كمصر؛ المغرب، سوريا..؛ غير أن جمود القوانين وعدم مسايرتها لتطور وسائل هذه القرصنة المعتمدة على تطور التكنولوجيا الحديثة، إضافة إلى وضعية القضاء وما يحيط به من مشكلات مرتبطة بعدم الصرامة في فرض احترام القوانين؛ أو اقتصار العقوبات على بعض الغرامات المالية..؛ تفرغ هذه الضوابط من كل فعالية؛ الأمر الذي لا يشجع العديد من ضحايا القرصنة إلى اللجوء إلى القضاء..
وأمام هذه الوضعية؛ يكتسي فضح سلوك مقترفي السرقات العلمية أهمية وضرورة قصوى؛ بالنظر إلى فعاليته ونجاعته في صد وردع هذه الممارسات.
ونقصد بذلك؛ العمل على فضح هذه السلوكات إذا ثبت حدوثها بالفعل؛ والترويج لها على نطاق واسع، وهي مهمة يفترض أن تتحملها مجموعة من الجهات من باحثين وجامعات وإعلام ومراكز للأبحاث.. كإجراء لردع مقترفي هذه السلوكات؛ وتكريس ثقافة تقر بأهمية هذه الملكية وتؤمن بضرورة مواجهة الممارسات المسيئة لها.
إن اللجوء إلى تقنية الفضح يجد مبرراته في كون عدد كبير ممن يتعرضون لهذه السرقات يمتنعون عن اللجوء إلى القضاء؛ لقناعتهم بعدم فعاليته ونجاعته في ردع هذه الأعمال أو لاعتبارهم أن المسألة أضحت عادية ومعهودة ولا تستدعي اهتماما كبيرا؛ كما أن الحكم القضائي إذا ما صدر في هذا الصدد؛ وعلاوة عن كونه غالبا ما يقتصر في مضمونه على تعويض الضحية دون اتخاذ إجراءات تأديبية تمنع الجناة من مزاولة مهام البحث والتعليم بشكل نهائي أو لفترات محددة أو من المشاركة في الندوات واللقاءات أو في المؤسسات العلمية..؛ يظل في الغالب محدود الإشعاع؛ بحيث يقتصر العلم بمضمونه على الجاني والضحية والقاضي فقط.
والفضح من هذا المنطلق؛ لا يعني الامتناع عن اللجوء إلى القضاء؛ فاللجوء إلى هذا الأخير ضروري في جميع الأحوال؛ مع الترويج لهذا السلوك في حالة التأكد من وقوعه، بل ينبغي أيضا الترويج للقرارات القضائية التي تصدر في حق الجناة بهذا الصدد؛ حتى تفي بوظيفتها وهدفها المطلوب.
© منبر الحرية، 21 فبراير 2009

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018