peshwazarabic

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

الحقد الديني ليس كمثله شيء في كثافته وعمائه وتأثيره الرهيب على وعي المتدين. ليس كمثله شيء في حماقته وجنونه وتعصبه. فتخيلوا إذن ذلك حين يكون هذا الحقد قوام الشعور السياسي لسلطة دينية تحتكر في نفسها شرعية السماء! كيف لها أن تحترم اختلاف الآخرين عنها سياسياً ومعتقداً؟ كيف تُعامل الآخرين، أفراداً وجماعات، دون تمييز حين تكون الهويّة الدينية قاعدةً لتصنيف الناس لديها؟
إيران، الدولة والمجتمع، تمثل ترسانة هائلة من العقائد التاريخية والثقافات العرقية المتنوعة. وتاريخها مفعم بالتحولات الفكرية والسياسية والمذهبية. ولم يكن بوسعها يوماً أن تكون غير ذلك بسبب من مكانتها الحضارية والجغرافية. وحينما شرع الإيرانيون بالتخلص من طغيان الشاه (16- كانون الثاني 1979) قَدِم رجل ملتحي وطموح، من أصول هندية، وراح يفرض نظاماً فجّاً متغطرساً ولامعقولاً على الحياة. أخذت المدينة كلها تغرق في الظلام والكآبة. فقد امتطى عربة الدين التي تجرها خيول المتعصبين. وجعل الشعب الإيراني يفقد عقله، جعله يهذي، وقاده إلى الهلاك!!! كما كان المخلوع محمد رضا بهلوي يقول وهو في حيرة من أمره ومصيره.
شكّل الإرث الديني والمذهبي للفرق الإمامية خلاصة سياسية لخطاب الخمينية. إذ عمد روح الله المصطفى إلى استلهام التراث الفقهي والسياسي للفرق المهدوية- الإمامية بهدف التأسيس لشرعية سياسية جديدة، وسعى إلى التماه مع الرؤى الميثولوجية الخلاصية بغرض اكتساب القداسة التاريخية. ومن هذا المنطلق أقام بنى سياسية ومؤسسات كُرّست بشرعية دينية، هيمنت على كل مناح الحياة.
في المبدأ فإن التشيّع نسق ديني سياسي خالص، وهو متخم بالمطالب الأيديولوجية والدنيوية المباشرة، وإن تلبس بلبوس التصورات الأخرويّة. ولهذا لم يكن عسيراً على قائد الثورة الطموح تأسيس نظام كليّ القدرة والقداسة تحت وصايته المطلقة، ومتمركز حول إرادته الذاتية، التي عدّت إرادة متعالية ومقدسة لارادّ لها، باعتباره التشيّع خميرة أيديولوجية لخطابه الثوري.
وفي هذا السياق يعدّ مفهوم” ولاية الفقيه” الذي جاء به الخميني تعبيراً عن هذا الطموح السياسي الصرف، الذي لا لبس فيه، لاحتكار السلطة، وإن اتخذ صيغة دينية أراد بها الخميني  أن تكون ذا سند أو مصدر إلهي يتعدّى إرادة البشر والتاريخ.
فصّل الخميني في كتابه” الحكومة الإسلامية” رؤيته في” ولاية الفقيه” وقصد بها أن يتقلّد المجتهد أو مرجع التقليد، أو نائب الإمام، أو المرشد جميع سلطات المهدي وصلاحياته الدنيوية حتى يتجلّى الأخير للبشر في آخر الزمان. وتنطوي هذه العقيدة على نوعٍ من التفويض الإلهي للمهمة الكوزمولوجية المقدسة للإمام الغائب للكائن الإنسان الذي يباشر الإمامة باسم المهدي.
وعبر هذا التفويض يستحيل الفقيه إلى إمام معصوم وحاكم منزّه، لا تناقش أوامره ووصاياه، التي تغدو مقدسة كذلك بالنسب. إذ طالما أن الإمامة ليست بالاختيار أو الانتخاب، وإنما هي من عند الله، فهي لأجل ذلك معصومة بالنسب المتتابع، وعليه لم يكن اعتباطاً إدعاء الخميني أن روح الله حلّت فيه، وبالتالي فإن إرادته تمثل تجسيداً للإرادة الإلهية.
إنه، على حدّ تعبيره في” كشف الأسرار”، ينوب مناب الإمام الغائب. فهو الحاكم والرئيس المطلق، له ما للإمام في الفصل في القضايا، والحكم بين الناس. والرادّ عليه كالرادّ على الإمام، والرادّ على الإمام كالرادّ على الله تعالى، وهو على حدّ الشرك بالله.
برغم هذا، يعتبر المستحكمون برقاب الشعوب الإيرانية كل التهريج السياسي والانتخابي القائم ديمقراطية من طراز خاص، ديمقراطية إسلامية مشفوعة ببركة السماء. ويتجاهل هؤلاء واقع أن فلسفة الديمقراطية تقوم على القول بالمصدر البشري الدنيوي للسلطة، وبأن القرار الإنساني الحرّ هو مبدأ كل قيمة سياسية أو أخلاقية. وأن لكل نظام اجتماعي أصلاً إنسانياً دنيوياً.
هذه الفلسفة تتعارض تماماً مع العقيدة الدينية الراسخة، التي تقول بالمصدر الإلهي للحكم والوصاية السماوية. و هي ترفض النظر، من هذا الموقع، إلى رعايا الدولة على قاعدة المساواة في المواطنة وفي الحقوق الطبيعية التي تفرضها صفتهم كبشر، والتي تكمن في طبيعة الإنسان بالذات. فحسب الكائن أن يكون إنساناً حتى تكون له تلك الحقوق وهي حقوق سابقة على أي انتماء أو وضع ديني أو قومي. وبما أنه لا يمكن لأي إنسان أن يكون إنساناً أكثر من سواه أو أقل، وبما أن صفته كإنسان لايمكن استعارتها أو التخلي عنها، مثلما أفادنا فلاسفة الحق الطبيعي، فإن كل فرد يحمل في ذاته حقه كإنسان وهذا الحق واحد لجميع الناس، بصرف النظر عن هويتهم الدينية أو القومية. هذه القناعة تتنافى مع النظرة الدينية السابقة لمصدر الحكم والغاية منه، بل وحتى مع التصور الديني للإنسان. فإذا كان النظام الديمقراطي هو شكل الحكم الذي يجسد المساواة في شعب من المواطنين، فإن الأيديولوجية والمؤسسة الدينيتين تقولان بالنظام القائم على شعب من المؤمنين وتفرضان نمطاً معيناً من الطاعة هي طاعة ” مافوق الدولة”. وكل من يتعارض في إيمانه أو رأيه مع النسق المعتقدي السائد ويختلف عنه يصبح كافراً ويغدو خارج نطاق الرعاية ويحكم عليه بالحجر.
لا ينبغي أن نتوهم بأي حال أن المساواة ممكنة في ظلّ سلطة دينية تتكئ على شرعية ماورائية ولاهوتية مجردة، وأن الديمقراطية ممكنة طالما أن هناك إرادة مطلقة تتعدى الإرادات جميعها، وإن المواطنة ممكنة في ظلّ تعريف الأفراد بموجب هوياتهم الدينية أو المذهبية أو عقائدهم. إذ لا تعود العلاقة السياسية المجردة بين المواطنين الأحرار والمتساوين ممكنة، وإنما تستحيل إلى علاقة بين رعايا قوامها الإيمان الشخصي والشعور اللاعقلاني، وتعدّ الريبة الدائمة والكراهية وغياب التسامح ناظماً لها. وتغذي السلطة الدينية هذه الانفعالات، وتميل عادة إلى توجيه الأفراد بهذا المنحى بعيداً عن مبادئ  العقل. بحيث تستحيل الاختلافات السياسية لديها إلى مجرد اختلاف في الإيمان الديني،  وتغدو المعارضة السياسية في نظرها مروقاً دينياً وهرطقة، تجابه عادة  بالقسوة والعنف الذي يغذيه الحقد الديني لدى السلطة. التي لا يعود لها من عمل سوى إرهاب المختلفين عنها سياسياً وردعهم وترويعهم دون رحمة.
© منبر الحرية، 04 يوليو/تموز 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

لا ريب في أن الإضطرابات والتداعيات التي تلت الإعلان عن نتائج الإنتخابات الرئاسية في جمهورية إيران الإسلامية تستقطب الإهتمام العالمي، الرسمي والإعلامي، ليس فقط بسبب الأهمية الجيوستراتيجية لإيران في منطقة تعد الأخطر والأكثر أهمية وإستعداداً للإلتهاب، ولكن كذلك بسبب تواصل طهران في في مشروعها النووي على نحو يوحي بالتحدي لإرادات الغرب بقيادة واشنطن، وبالرعب لإسرائيل التي تستشف بعداً عسكرياً من وراء المشروع النووي الإيراني المتواصل. ولكن إضافة إلى هذه الإعتبارات جميعاً، لم تبدو على الأوضاع الداخلية أية إشارات تنذر بعدم الإستقرار وبالفوضى اللامحدودة منذ إستتباب الوضع العام هناك بأيدي ثيوقراطية راسخة ومتنفذة. إلاّ أن المهم في سياق ما جرى من إضطرابات غليان في شوارع طهران عبر الأيام الأخيرة لا يمكن، برأيي، أن يسّوق على أنه “ثورة ثانية” أو “خضراء”، كما تحاول بعض وسائل الإعلام تصوير الأمر وتسويقه بطريقة تخدم أهدافاً سياسية،  باعتبار “إيران العصية على شروط الإذعان”.
أما الحديث عن ثورة جديدة، تذكيراً بالثورة الإسلامية بقيادة آية الله الخميني، فإنه ضرب من ضروب الآمال المتمادية بالتفاؤل التي قد تقود الغرب إلى مفاجآت جديدة ومزعجة بقدر تعلق الأمر بالسياسات الإيرانية وبتمسك طهران بمشروعها النووي. لفظ ثورة revolution، بالمناسبة، يمكن أن يعني “دورة” (بالنسبة للعجلة في الفيزياء الآلية)، لذا يكون إفتراض وجود ثورة إنما هو إفتراض مبتنى على حدوث دورة، بحسب المنظور التاريخي الواسع: بعد ثلاثين سنة من تفجر الثورة الإسلامية. وهنا تكتمل فكرة الدورة الزمنية حيث تبرز الحاجة للتغيير أو للإنقلاب على الثابت الهامد على نحو 360 درجة، إذا ما إستخدمنا المصطلح الفيزيائي. إن هذا النوع من التفكير الذي هو في جوهره نمط من أنماط التمني المضاد للمشروع النووي الإيراني إذ أنه يراهن على ثمة تغيير جذري يجري داخل إيران، وهو تغيير سيكفي الآخرين شر القتال والإحتكاك، هذا التفكير يؤسس نفسه أو آلياته على ما شاع في الصحافة العالمية والعربية، حول الشأن الإيراني، عن ثمة تنافر بين الإصلاحيين reformists والمحافظين conservatives.
هذا التنافر المفترض صحيح ومقبول؛ ولكن بحدود، إذ يمكن للمرء أن يختزل الصراع داخل إيران اليوم بوصفه صراعاً بين فئتين: فئة الشبيبة المتطلعة للمستقبل وللتحرر على أنواعه، وهي فئة ذات طاقات مهولة، وبين فئة “العلما” Ulma، باستخدام المصطلح الإنكليزي، حيث انقلبت الموازين والقيم بين عام 1979 والعام الجاري: عام 1979 كان هناك ثمة إئتلاف أو تحالف بين الشبيبة والعلماء، وكان ذاك تحالفاً قوياً بسبب إحتماله لحيوية وعنفوان الشباب، سوية مع توازن ومنطق ورشد العلماء. لاحظ أن العلماء، سنة 1979، كانوا يمثلون قوة تقدم بوصفهم الرأس الصاعد لفكرة التغيير من خلال إنهاء إمبراطورية أسرة “آريامهر” ممثلة بتاج محمد رضا بهلوي.
لقد كمنت جذور الثورة الإسلامية آنذاك في فكرة مقاومة رمي الشاه نفسه ودولته بأحضان العالم الغربي تحت شعار وفلسفة التغريب Westernization، على نحو يذكرنا بسياسة كمال أتاتورك الذي وضع تركيا على أعتاب التغريب ومن ثم الإغتراب، باعتبار ان التغريب إنما هو مرادف للتحديث! كان العلماء آنذاك يمثلون قوة ثورية أو قائدة للثورة، وكان الشباب يمثلون مادة الثورة الأساس ووقودها الذي قدم نفسه ضحية لسطوة نظام بوليسي كان يعد نفسه “شرطي الخليج” آنذاك، باعتباره يمتلك “رابع” أقوى جيش في العالم. كانت الثورة عام 79 مبتناة على فكرة مقاومة تغريب إيران الإسلامية، لذا فانها وجدت نفسها في أحضان العلماء في نهاية المطاف، وحتى اللحظة.
إن ما يجري اليوم من إضطرابات الآن يقدم نوعاً من أنماط التكرار التاريخي، إذ يقدم الشباب (بمشاركة نسوية واضحة المعالم) مادةً ووقوداً لنوع جديد من التغيير، الذي يرنو إلى التفتح على العالم الخارجي، الغربي خاصة، عبر التفاعل والتناقل والتلاقح، الأمر الذي تحاول الإدارات الغربية تشجيعه وتغذيته إعلامياً واعتبارياً من خلال التركيز على الأدوات التي وفرها الغرب للشبيبة الإيرانية من أجل إختراق النظام الثيوقراطي وأدواته البوليسية (من هذه الأدوات: الإنترنيت والهواتف النقالة والرسائل القصيرة من بين أدوات أخرى). العالم الغربي، ومعه إسرائيل، يريدان تعميق الشرخ أو الطلاق بين الشباب والعلماء، أي بين تيار “الإصلاح” وتيار “المحافظة”، على عكس ما جرى عام 79 حيث كان التحالف بين الشبيبة والعلماء هو محور الثورة الإسلامية وورقتها الرابحة: وهي الثورة المضادة للتغريب. اليوم يحدث شيء معاكس، إذ يبدو أن الثورة الإسلامية قد حقنت الشعب الإيراني بجرعة زائدة من “المحافظة” (لمقاومة التغريب) د رجة إنقلاب الدواء إلى داء، حيث راح الشباب يطالبون بالتغريب والتحديث ومد الجسور الثقافية والإقتصادية مع العالم الخارجي بطريقة أو أخرى.
لذا فان ما جرى في شوارع طهران خلال الأيام القليلة الماضية إنما يمثل ردة فعل لجرعة المحافظة التي قدمتها الثورة الإسلامية بطريقة بدت وكأنها قطعت الجمهورية الإسلامية عن محيطها الكوني وكذلك عن محيطها الإقليمي.
ان الشعب الإيراني هو واحد من الشعوب الحيوية والقادرة على الإبداع، باعتبار تراثه العريق وحضاراته القديمة، لذا فانه شعب قادر على اختيار الطريق الصحيحة التي تقوده لأن يكون عنصراً فعالاً وبنّاءً في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي الذي هو الآن بأمس الحاجة للإستقرار وللعلاقات الندّية والسلمية الواعدة حيث إمكانية إحالة هذا الخليج من منطقة قابلة للإلتهاب إلى منطقة ترفل بالسلام والتعاون والأمن والإستقرار.
© منبر الحرية، 30 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

بعدما مرّت منطقة الشرط الأوسط بفترة انتقلت فيها عدوى الخطابات من مسؤول إلى آخر، تتوّجت بخطاب الرئيس الأمريكيّ باراك أوباما في القاهرة، ثمّ خطابات عديدة تلت خطابه، فيما يشبه الحمّى الخطابيّة، التي كانت استعراضيّة أكثر منها واقعيّة، حيث بدت المنطقة على مفترق خرائط طرق خطابيّة، تضع النقاط الرئيسة، ومناهج العمل المحتمَلة، لتوجّه ركب الشعوب المغلوبة على أمرها..
كانت مرحلة الخطابة السابقة، التي حفلت بالكثير من المثاليّات التي يستحيل أن تسمو إليها السياسات التي تُوصَم بأنّها تنطلق دوماً من المصالح فقط. جاءت بعدها مرحلة التأنّي والتدبّر ثمّ الكتابة والتحليل، وها نحن نجد – وهذا احتمال – أنّ بعضها بدأ يتجلّى واقعيّاً على الأرض، فخطاب الرئيس أوباما بدأ يؤتي أُكُله في إيران، كأنّما وجد الإيرانيّون في كلماته دافعاً للمطالبة بالحقوق المهضومة، المذابة في بوتقة الإسلامويّة الفارسيّة، أو لربّما هكذا شاءت المصادفات التاريخيّة، أن يسبق أحدها الآخر، كي يُنسب إليه.. أو لربّما، وهذا احتمال آخر، أنّ ما كانت إدارة بوش قد خصّصته من مبالغ ضخمة، قبل سنوات، لإثارة الأقلّيات في إيران قد بدأ ينتج تداعيات سيكون لها تأثيرها الخطير في مستقبل إيران التي ظلّت منظومتها الأمنيّة عصيّة على الاختراق طويلاً..
مع الوقائع الخطيرة على الأرض، تتناسى السلطات الإيرانيّة ممثّلة بالمرشد الأعلى للثورة، الأسبابَ الرئيسة، لتلتفت إلى اتّهام الغرب علناً بالتدخّل، تمهيداً لتفتيت إيران، وهذا ما كان مُبطَّن الخطاب، علاوة على التهديد والوعيد اللذين كان الخطاب/ الخطبة، مشبعاً بهما.. عدا القدسيّة المضفاة على كلّ رؤاه التي تأتيه من علياء مظنون.. وهو بذلك لا يتّهم الغرب، بل يخوّن شريحة كبيرة من أبناء الشعب؛ شعبه، رفضت الانقياد للتزوير الذي قرّرت التشهير به وفضحه.. كما أنّه يتناقض في جوهره مع نفسه، عندما وصف المرشّحين كلّهم بالأهليّة والاستحقاق، لكنّه تعدّى الافتراض إلى نفي الاعتراض، ووجوب القبول بالنتائج، والاعتماد على الوليّ الذي يكون ملاذ المعترضين. كما جاء وصفه للمتظاهرين بالمشاغبين، تتويجاً لنجاد، وتمجيداً لسياساته المتّبعة، والمستقبليّة.
بمقارنة جسامة ما يحدث على الأرض في إيران، مع ما ينقل منها وعنها، فإنّ وسائل الإعلام لا تتمكّن من الحصول إلاّ على النذر اليسير، حيث مشاهد قليلة، صور محدّدة، مقاطع فيديو قصيرة، تهرَّب، بطريقة أو بأخرى، لتنقل جانباً من الواقع الذي يبحر فيه الإيرانيّون.. صور قتلى وجرحى وانفجارات، تذكّر بالحرب الكارثيّة على غزّة، أو بصور التفجيرات المتكرّرة في العراق، مع اختلاف بين الأطراف هنا، حيث الاقتتال الدائر، يشكّل شرارة للحرب الأهليّة التي تكاد أن تبدأ، ولا تتوانى السلطات الإيرانيّة عن تخوين «المارقين»، واتّهامهم بالعمالة للغرب، ذلك أنّهم يحتجّون على القداسة التي تُضفَى على كلّ الأفعال والتصرّفات التي تصدر عن الإمام، الذي لم يعد معصوماً عن الخطأ عند هذه الفئة التي توصَم بالضلال والإرهاب..
الصور والمشاهد التي تعرض جانباً ممّا يجري في الشارع الإيرانيّ، تمثّل اختراقاً للمنظومة الإيرانيّة التي تعتبر بمثابة حصن حصين ظلّ عصيّاً على الاختراق طويلاً، ثمّ جاءت الدعوات الإصلاحيّة والانفتاحيّة من قلبه، ساعية إلى تغيير تفترضه المستجدّات..
اختلف التعامل والتعاطي من قبل وسائل الإعلام مع الأخبار القادمة من إيران، لكنّها التقت في نقطة المنع المفروضة على كلّها، بقي الإنترنيت سيّد الحدث، ذلك لتحرّره الجزئيّة من الرقابة المُحكَمة، فنقلت معظم وسائل الإعلام أخبارها وصورها عن موقع «تويتر»، هذا مع الحرص الدؤوب من السلطات الإيرانيّة على تصدير الأزمة، ونقل الجمرة التي رقدت تحت الرماد، لتحرق بها أعداءها..
جنّيّ القمقم الإيرانيّ ينعتق من إساره، تتحوّل إيران إلى ملعب للأحداث لا لاعب بها، أو متلاعب، أو محرّك لها عن بعد في الساحات الإقليميّة التي كانت تدير فيها حروبها من خلف حجاب..
هل ما نشهده اليوم من صور الحرائق والنيران والتفجيرات والرصاص والدماء هي ثورة على الثورة.. أم أنّ النظام الإيرانيّ أصلب من «المؤامرات»..؟!
ذاك القمقم الإيرانيّ المغلق على الأسرار، المسكون بالمحظورات، انكشف، فهل يروَّض الجنّيّ القابع فيه، أم أنّه قد تحرّر ولن يعود إلى سجنه..؟!
© منبر الحرية، 28 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

أصبحت الفكرة التي مفادها أن العالم سيتعرض بصورة متزايدة لأعاصير و عواصف و فيضانات مهلكة نتيجة لزيادة معدلات الإنبعاث الحراري العالمي فكرة مترسخة في أذهان الرأي العام، تعززها في ذلك برامج سينمائية مثل فيلم آل غور “حقيقة غير مريحة” و قصص الرعب التي تطلقها جماعات الخضر. و لكن المعلومات المتراكمة على مدى قرن من الزمن بشأن الوفيات و الأضرار الناجمة عن قسوة المناخ و الحوادث المرتبطة بالطقس تتناقض مع هذه المزاعم. الأسوأ من ذلك هو أن الأفكار المقترحة لخفض معدلات الحرارة العالمية تمثل وصفة لكارثة حقيقية.
إن إمكانية التوصل إلى إتفاقية حول المناخ (والتي سيتم التفاوض عليها في وقت لاحق هذا العام في كوبنهاغن) تبشر بالتزام  البلدان الغنية اليوم بتحويل أجزاء كبيرة من إلتزاماتها بخفض الإنبعاثات الحرارية إلى البلدان النامية.  و تتمسك البلدان النامية من جهتها بإنشاء صندوقٍ برأسمال يبلغ عدة ملايين من الدولارات تموله البلدان المتقدمة لمساعدتها على تكييف أوضاعها بهذا الخصوص. و تستند وجهة النظر هذه، التي تحظى بتأييد العديد من سكان البلدان المتقدمه بدافع من إحساسهم بالذنب، إلى أن هذه الأموال تعتبر ديناً مستحقاً للبلدان النامية لأن البلدان المتقدمة هي المسؤولة عن معظم الإنبعاثات الحرارية (غازات الدفيئة) في الغلاف الجوي.
و أدت الآمالُ بالاستحواذ على حصةٍ من هذه المبالغ الكبيرة إلى تشجيع وكالاتٍ إنتهازية تابعة للأمم المتحدة إلى الانضمام إلى قائمة المنذرين بالتغيير المناخي. و لكن تصرفاً كهذا من جانب هذه الوكالات يحطُّ من قيمة المهمات التي تقومُ بها: فهو يجعلُها  تنخرط في قضية التغير المناخي علمنا بأنها ستعملُ على التخفيف من حدةِ مشاكلَ عالمية حقيقية إذا ما نفذت المهام المنوطة إليها على  أكمل وجه. في حين أن تخفيف حدة التغير المناخي لا يؤدي سوى إلى الحد من مشكلةٍ إفتراضية. ما يحدث في واقع الأمر هو أن هذه الوكالات تضحي بعصفور حقيقي في اليد مقابل عصفور على الشجرة – عصفورٌٍ قد لا يكون له وجودٌ حتى على الشجرة.
لنتوقف قليلا عند الاجتماع الذي عقده البرنامج العالمي للأمم المتحدة لتقليل مخاطر الكوارث في جنيف في الأسبوع الماضي. أكد جونسون هولمز، نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية و رئيس الإستراتيجية الدولية للأمم المتحدة لتقليل المخاطر في الخطاب الافتتاحي  “بأننا نعرف بأن التغيرات المناخية ستؤدي إلى الزيادة في تردد و حدة مخاطر الطقس و المناخ.”
و لكن إذا كانت تغيرات المناخ قد زادت حقاً في تردد و حدة مخاطر الطقس و المناخ، فإنه ليس هناك من دليل على ذلك يستند إلى البيانات الطويلة الأمد بشأن الوفيات الناجمة عن كوارث كهذه. بل إن المعدل العالمي السنوي للوفيات الناجمة عن حالات كهذه قد إنخفض في الواقع بنسبة 95% منذ عشرينات القرن الماضي بالرغم من تضاعف سكان العالم ثلاث مرات منذ تلك الفترة. و قد إنخفضت الوفيات التي تسببت بها موجات الجفاف، و التي تشكل 59% من حصيلة الوفيات الناجمة عن سوء المناخ و الطقس منذ عام 1900 حتى عام 2006، بنسبة 99,9% منذ عشرينات القرن الماضي. أما الوفيات الناجمة عن الفيضانات، و التي تشكل 35%  أخرى من أرقام الفترة بين 1900 – 2006 فقد إنخفضت بنسبة 99%.
بيد أن السيد هولمز كان على حق عندما أكد خلال الاجتماع بأن: “الكوارث تؤدي إلى الفقر و الفقر يؤدي إلى كوارث أشد سوءاً.”. التركيزُ على الحد من التغيرات المناخية، و الذي تهلل له منظمات الأمم المتحدة، سيكون لسوء الحظ ذو تكلفة باهظة على البلدان النامية، حتى لو تم، خلافاً للبلدان المتقدمة، إعفاؤها من خفض انبعاث غازات الدفيئة.
السبب في ذلك هو أن البلدان النامية في عالم اليوم المعولم تستمد جزءاً كبيراً من مداخليها عن طريق التجارة و السياحة والتحويلات المالية و الاستثمارات المباشرة من البلدان المتقدمة. و لذلك فإن أي لدغة إقتصادية لهذه الأخيرة ستشعر بها البلدان النامية.
و لذلك فإن إفقار البلدان الغنية سيؤدي أيضاً إلى إفقارٍ إضافي للبلدان الفقيرة التي ليست لها القدرة على تحمل نتائج كهذه. ونختم بالتذكير بمقولة السيد هولمز أن “الفقر يؤدي إلى الكوارث الأشد سوءاً”.
*الدكتور إنديور إم. غوكلاني هو مؤلف “الوفيات و معدلات الوفيات بسبب قسوة الطقس: مؤشرات أميركية و عالمية، 1900-2006” متخصص في شؤون تغيرات الطقس و التنمية الاقتصادية و التطورات التكنولوجية و التكنولوجيا الحيوية و التنمية المستدامة.
© منبر الحرية، 26 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

في جلسةِ حوارٍ على شاطئ المحيطِ الأطلسي في أبيدجان وبحضورِ عددٍ من أساتذةِ العلومِ السياسيةِ والشخصياتِ الثقافيةِ العالمية تمركزَ الحوارُ حولَ تفسيرِ (أو محاولة تفسير) الموقفِ الأمريكي منذُ نهايةِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ وللآن من عددٍ كبيرٍ من نظمِ الحكمِ الفاسدةِ في العالمِ الثالثِ، وما أدى إليهِ ذلكَ الموقف الأمريكي من نتائج وخيمة. وعلى سبيلِ المثال ، فقد أيدت الولايات المتحدة رؤساءَ جمهوريات الموز في أمريكا الجنوبية وشاه إيران وعددٍ من النظمِ التي لم يكن هناكَ شك أنها آيلة للسقوط – ولكن الولايات المتحدة كانت دائماً تساندُ الجانبَ الأسوأ . ويضاف إلى هذا (العك الأمريكي) موقف الولايات المتحدة خلال سني الحربِ الباردةِ والذي قام (في عددٍ من الحالاتِ) على مساندةِ الحركاتِ السياسيةِ الأصوليةِ (الثيوقراطية) ظناً من الولايات المتحدة أن هذا المارد (الأصولي) هو الذي سيُلجمُ المارد الآخر (الشيوعي) . وقد أثبتت التجربةُ أن إخراجَ ماردٍ من قمقمهِ لا يمكن أن يعني ضمان عواقب بروزهِ للسطح وإنطلاقه من قيدِ القمقم . ومعلومٌ للكافةِ أن الثورةَ الإيرانية التي أبكت الولايات المتحدة كثيراً كانت في سنواتٍ سابقة في ” حضن الولايات المتحدة ” إبّان هروبِ الخوميني إلى العراق ثم إنتقل الخوميني (بالتحديد) للحضن الفرنسي ولم يكمل بقاءه في ” الحضن الأمريكي ” . وفي عددٍ آخرٍ من الحالات ، تم إستعمالُ المارد الثيوقراطي بهدفِ إحداثِ توازنٍ مع ماردٍ آخرٍ . ولعل أشهرَ حالاتِ هذا اللعبِ غيرِ المسئول ، ما وقعَ في مصرَ في أوائلِ السبعينات عندما تم إستعمال المارد الثيوقراطي للحدِ من سطوةِ المارد التابع لمصرَ الستينات – وقد أدى هذا اللعب غير المسئول لقيام الماردِ الثيوقراطي بمأساة المنصة والتي قٌتل فيها أَولَ الذين أخرجوا المارد الثيوقراطي من قمقمه في مصرَ.
ولا شك عندي أن الماردَ الثيوقراطي الفلسطيني قد أُخرج من قمقمه لإحداثِ توازنٍ مع قيادةِ حركةِ فتح للنضالِ الفلسطيني – إلا أن الذين أخرجوه سوفَ يبكونَ طويلاً على تصرفِهم غيرَ العقلاني هذا. وقد إستمرَ الحوارُ طويلاً في محاولةٍ لفهمِ هذا ” العبث ” في المسلكِ الأمريكي والذي يكاد يتكرر في حالاتٍ أخرى جديدةٍ عديدةٍ كل عام … وكان الذي أوحى بالحوارِ وجودُ المتحدثين في منطقةٍ من العالمِ ضيّعها حكامُها الطغاةُ الفاسدون في ظل تأييدٍ قويٍ من الولايات المتحدة (موبوتو في زائير وغيره في مناطق أخرى مثل سوهارتو في أندونيسيا). وأذكرُ أنني كنتُ في تفسيري مختلفاً عن معظمِ الحضور ، فبينما ردَ البعضُ الظاهرةَ لضحالةِ الخبرةِ الدوليةِ للولايات المتحدة وبينما رد البعضُ الآخرُ الظاهرة للسيطرةِ اليهوديةِ على المقدراتِ الأمريكيةِ فقد كانت وجهةُ نظري أن المجتمعَ الأمريكي تحكمهُ إعتباراتٌ تتعلقُ بمصالحهِ على المدى الطويل تحتم أن يكونَ النظامُ السياسي في الولاياتِ المتحدة مسانداً للقوى القادرة على إحداثِ تطورٍ تنموي في مجتمعاتها بما في ذلك التطور الديموقراطي والتنمية الإقتصادية لصالحِ الإعتبارات الإجتماعية الأساسية . ولكن بمحاذاةِ هذه الإعتبارات توجدُ إعتباراتٌ أخرى تتعلقُ بمصالحِ المؤسساتِ الإقتصاديةِ والتي هي في الغالب الأعم مصالحٌ آنية (أي تتعلق بالمدى القصير) بصرفِ النظرِ عما سوفَ يحدثُ على المدى الطويل . وأضفتُ قائلاً : أن تاريخَ سياسة الولايات المتحدة منذ نهايةِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ يتجاذبها هذان الإعتباران فيجذبها أحدهم أحياناً للقيامِ بما يلبي المصالح الآنية للمؤسساتِ الإقتصادية ذاتَ التأثيرِ السياسي القوي (فتحدثُ المآسي التي ضربتُ أمثلةً لها من قبل) وتجذبها (في حالاتٍ قليلةٍ) إعتباراتُ المصالح طويلة المدى ، فتتخذُ الولايات المتحدة مواقفاً تتمشى مع ” المُثل العليا ” بما يحيرُ الدنيا (مثال : موقف الرئيس الأمريكي أيزنهاور من العدوانِ على مصرَ سنة 1956). وإذا كانت الإشتراكيةُ العلميةُ قد ماتت بسببِ أنها كانت تحملُ بذورَ فنائها داخلها (عدم القدرة على تحقيقِ النجاحِ الإقتصادي) فإن العالمَ الذي يسمى بالعالمِ الحُر وتقوده اليوم الولايات المتحدة يحملُ أيضاً بذرةً محتملةً لفناءهِ وهي ذلك التناقض المروّع بين المصالحِ الآنيةِ للقوى المؤثرة على القرارِ السياسي الأمريكي والمصالح طويلة المدى للمجتمع الأمريكي (وللعالمِ أيضاً).
وقد ختمتُ وجهةَ النظرِ هذهِ بقولي : أن هناكَ بوارق أمل أن يؤدي المناخ العام الذي ستفرزهُ الطفرةُ التكنولوجية وقفزة تكنولوجيا المعلومات الكونية وما قد (أقول : قد) يحدثُ من تطورٍ إيجابي لمنظومةِ حقوقِ الإنسانِ وحمايةِ البيئة (والتي لا تزال بدائية ومتضاربة التوجهات ومتسمة بعدمِ عدالةٍ مهول) قد يؤدي هذا المناخُ العام لتقويةِ إعتباراتِ المصالحِ طويلةِ المدى والتي طالما أجهضتها المصالحُ الآنيةُ للوحداتِ الإقتصاديةِ ذاتَ التأثيرِ المهولِ على صناعةِ القرارِ السياسي في الولايات المتحدة. كما أنني أضفت: أن هناكَ دوراً مهماً للدولِ المحوريةِ من بين دولِ العالمِ الثالث لتساهم بالإقتناع في تقويةِ هذا المناخ العام المأمول – علماً بأن إستمرارَ إحتقانِ العلاقة بين هذه الدولِ المحوريةِ في العالمِ الثالثِ والولاياتِ المتحدة الأمريكية هو أمرٌ يدعمُ بقاءَ الأحوالِ على ما هي عليه لصالحِ إعتباراتِ المصالحِ الآنيةِ المدمرةِ لسيناريوهات السلام العالمي وهو ما سيكون بمثابةِ الجرثومةِ التي ستدفع العالمَ لصداماتٍ وإحتقاناتٍ وإنفجاراتٍ قد تكون من أسبابِ إنهيارِ الوضعِ العالمي الحالي وإنقلابِ المسرحِ على رؤوسِ أكبرِ لاعبيهِ.
وقد ختمَ الحوارَ أستاذٌ فرنسي لامع للعلومِ السياسية بجامعةِ باريس رقم “1” بقوله : إذن فإنَ تراجعَ الولايات المتحدة الأمريكية كليةً عن نظريةِ أن هذهِ النظم الغريبة هي المانع لقدوم الطوفان ، إنما هو الوسيلةُ الوحيدة حقاً لتجنبِ الطوفانِ الذي تعمل المنظومة الحالية على تجنبهِ بالوسائلِ الكفيلةِ بالتعجيلِ بقدومهِ !
© منبر الحرية، 19 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

يكشف السياق التاريخي لنشوء المجتمع الأمريكي عن حالة فريدة, ذلك أن غياب ماض إقطاعي للولايات المتحدة، أدّى إلى خضوع الدولة للمجتمع المدني. ولهذا بقيت الدولة في هذه الحالة، دولة الحدّ الأدنى.
ظلت الدولة الأمريكية التي ظهرت على هذا النحو، كمستبد عديم الجدوى، منفصلة وتابعة للمجتمع المدني إلى حدّ كبير، وقد كرّس هذا الوضع النظام الاتحادي الذي مكّن سلطة المجتمعات المحلية لكل ولاية على حساب سلطة المركز حتى غدت كيانات سياسية أصيلة، شبه مستقلة, وكان الإسهام الأمريكي على صعيد نظرية النظام الفيدرالي أكبر تجديد جاءت به أمريكا في ميدان علم السياسة. فمنذ أمد غير قريب اتخذ الأمريكيون من الفيدرالية عقيدة ومبدأ رئيساً, وجعلوا من المجتمع المدني الديمقراطي أساساً, بحيث لايوجد أية سلطة بمعزل عن إرادته, ولا يمكن تصور فكرة البحث عن أية شرعية للسلطة خارج المجتمع. وبهذا فقط تكون الإرادة السياسية وحتى السيادة موزعة بالتساوي على كل فرد من أفراد هذا المجتمع, وتكون الخيارات السياسة تابعة لإرادة الجميع.
في مثل هذه الأحوال من المفيد أن نستعين بعبارات توكفيل, الذي لم يستطع مفكّر من قبله, ولا من بعده إلى حدّ ما, أن يصوّر الحياة الأمريكية بمثل دقته, ولا أن يتكهن مثله بقوّة الديمقراطية الأمريكية الثقافي وزخمها السياسي, التي أثبتت للتوّ تفوقها وامتيازها بأنها قادرة على التغلب على تناقضاتها, وأن تتخطى مثالبها السياسية أكثر من أي نظام سياسي آخر.
إن الشطر الأعظم من أسباب نجاح هذه الديمقراطية, لا ترجع إلى الدولة فحسب, وإنما إلى المبادئ السائدة في المجتمع الأمريكي والراسخة فيه, ذلك أن تاريخ الديمقراطية هو بالدرجة الأول تاريخ مؤسسات ومجتمعات ديمقراطية قبل أي اعتبار آخر. ويلاحظ أن الديمقراطية التي تستطيع أن تتجاوز مثالبها وعيوبها السياسية, وبخلاف الديمقراطيات الراكدة التي تنجم عن مجتمعات راكدة, يصاحبها عادة تحول في العادات والأخلاق والقوانين, إنها الديمقراطية الخصبة والحية. بهذا المعنى الديمقراطية في أمريكا كانت بالنسبة لـتوكفيل تمثل حالة أخلاقية وثقافية للمجتمع المدني أكثر من كونها نظاماً سياسياً. ومن هنا لانبدو مكترثين بديمقراطية النظام السياسي للدولة, وقد غدت أمراً واقعاً ومعاشاً, فحسب. إنما الأكثر أهمية من ذلك التنويه بثقافة المجتمع المدني الديمقراطية, حين يغدو الأخير حافزاً للحرية الفردية ويؤدي في المآل إلى إظهار إبداعات الفرد الخلاقة وتميّزه. نحن نبدو معنيين هنا بالبحث في الحرية المدنية والمساواة الفعلية وطبيعة السلطة التي يمارسها المجتمع على أفراده وجماعاته وأقلياته. هذا هو السؤال الذي يتوقف على إجابته فهم التحول الذي حدث في أمريكا بانتخاب رئيس من أصول أفريقية للمرة الأولى. وهو السؤال الذي يبحث في التوافق بين قوة الأغلبية في المجتمع المدني ودور الأقلية, وفي الشروط التي تؤمن تخطي استبداد الأغلبية العرقية أو الدينية أو السياسية؟؟
قوّضت نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة العقبات الثقافية والأيديولوجية, التي كانت تحول دون انجاز المساواة التامة بين أفراد المجتمع الأمريكي, بسبب التباينات الثقافية والعرقية وغيرها, وأزاحت إلى حدّ كبير الحالة القديمة وتناقضاتها المضادة للمساواة. فلو كانت المسألة مجرد مساواة شكلية تتم عبر تحقيق إرادة الأغلبية باسم شرعية انتخابية لقادت إلى استبداد وهيمنة العنصر الأبيض فحسب, دون أن تمنح الفرصة أو الحرية, لبروز عنصر ينتمي إلى ثقافة الأقلية. وهذا هو التحدّي الخطير الذي استطاعت الديمقراطية الأمريكية أن تتخطاه, وذلكم هو النظام العقلاني القائم على الانسجام بين المساواة والحرية كما تكهن توكفيل. إن التهديد المرعب للحرية والمساواة يكمن هنا, في احتمال طغيان الأكثرية, وتلكم أحد أهم شرور الديمقراطية, التي تعمل في العمق, في المنطقة السرية للحياة, حيث تتغذى على الأفكار والعواطف الدينية, وعلى المشاعر العرقية اللاعقلانية.
وحققت الديمقراطية في حدها الأدنى, بهذا التحول, نوعاً من المساواة في الحقوق, ومن ثم نوعاً من المساواة في الشروط التي تقود إلى تقدير متساو لجميع الأفراد بصرف النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية والثقافية. وجعلت من الجميع متساوين دون أن تفقدهم خصوصياتهم أو حرياتهم الخاصة, وقادت باراك أوباما, المهاجر الأفريقي, إلى سدة الرئاسة في أعظم دولة رأسمالية, دون أن ترغمه على تغيير لون بشرته, وهذا ماكان الحلم المستحيل بالنسبة للسود الأمريكيين في وقت من الأوقات. إن الديمقراطية لاتحقق المساواة السياسية عبر ضمان ذات الحقوق فحسب, وإنما هي أداة لتخطي التباينات الثقافية والعرقية والاجتماعية, باسم الفضائل المدنية العليا. وهي تبين أن التفاوت, في الثروة والجنس والعقائد, لايقف حائلاً دون ممارسة الحقوق المدنية والسياسية ذاتها.
لقد أثبتت الثقافة الديمقراطية السائدة قدرتها هنا على التسامح وعلى حماية التنوع والانسجام في وقت واحد, وعلى ضمان الخصائص الثقافية والدينية المختلفة للمجموعات العرقية, وصون التطلعات الفردية على نحو متكافئ. وهنا تكمن جدارة المجتمع المدني الأخلاقية والثقافية, حين يبدو قادراً على مقاومة هيمنة عنصر أو ثقافة دينية أو عرقية بعينها على السلطة السياسية, أو السيطرة على المجتمع السياسي وطبعه بطابعه الخاص. فالمجتمعات المدنية القوية وحدها القادرة على مقاومة هيمنة دين أو عرق أو أية ثقافة معتقدية على السياسة, وعلى مجابهة تماه الدولة في أيديولوجية قومية أو مذهبية مستبدة. وبموازاة ذلك تبرهن هذه السابقة التاريخية على أننا نستطيع أن نعيش معاً بطريقة أفضل برغم اختلافنا, ونؤسس لحياة أرقى وأكثر انفتاحاً وإنسانية برغم التنوع القائم, الذي يعدّ شرطاً لأي تواصل إنساني, حقيقي ومثمر.
ويتعين علينا أن نذكر أيضاً, إن هذه الديمقراطية, علاوة على تعدديتها, هي في بعدها الشامل علمانية. وكما يشير آلان تورين فإن ميزة الديمقراطية تكمن هنا في تناقضها مع هيمنة معتقد بعينه أو دين على السياسة, وفي إثبات حرية الرأي لشخص أو طائفة. إن الاتكاء على ثقافة دينية, أومعتقدية, أو عرقية من جانب السلطة السياسية تقوض الديمقراطية وتقيد أسس المساواة.
إن انتخاب أوباما  يعكس شغفاً لامتناه بالمساواة لدى المجتمع الأمريكي, هذا الشغف الذي ينمو بلا انقطاع لديه ولا يشبع, لأن هذا المجتمع لن يتوصل قط إلى مساواة تكفيه, وقد بلغت الآن انبساطها الأكمل لديه بهذا الحدث. وأثبتت نبوءة توكفيل بأن التحول الديمقراطي الشامل بعيد عن أن يكون عارضاً ومؤقتاً أو ذا طابع محلي. إن الاندفاع المتواصل إلى تحقيق المساواة يوازيه هنا بالمثل تقدم نحو تحقيق الحريات الاجتماعية والسياسية, الأمر الذي يبرهن على الدور المتعاظم للمجتمع المدني في النظام السياسي, وعلى عزم مكوناته وذواته الفاعلة على التصرف بشكل مسؤول وحرّ في الحياة العامة.
© منبر الحرية، 17 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

يرى بعض الرأي أنه رغم ما تمثله السودان من أهمية حيوية للأمن الوطني المصري، سواء فيما يتعلق بحماية كامل الجناح الجنوبي لمصر، وسواء فيما يتعلق بالمصالح المائية المصرية، إلا أن مصر فيما يبدو قد تجاهلت السعي لإيجاد حل لمشكلة الجنوب السوداني إما من قبيل الحذر، أو لأن السياسة المصرية قد حيل بينها وبين القيام بدور هذا المجال من جانب قوى سودانية أو من جانب قوي إقليمية ودولية. لقد كان التعامل المصري مع مشكلة جنوب السودان يسيطر عليه الحذر إلى حد كبير ذلك أن التدخل المباشر قد تكون عواقبه أسوأ بكثير من التزام الحياد، ثم إن التزام الحياد قد يسفر عن إضرار بالأمن الوطني المصري ربما لا يمكن تفاديه. وإزاء ذلك لجأت مصر إلى استخدام أسلوب الدبلوماسية الهادئة في سعي منها للحفاظ على علاقتها مع كل القوي الفاعلة في السودان والعمل على تعزيزها، وقد كان هذا أمراً صعب المنال إزاء اضطراب خريطة القوى السياسية السودانية وتغير مواقعها من وقت لآخر. ولذا فإن الدور المصري لتسوية مشكلة جنوب السودان ظل محدودا إما تهوينا من شأن هذه المشكلة عندما اندلعت عام 1955، أو ربما يكون انفجار هذه المشكلة عامل ضغط على السودان لتقرر مصيرها بالوحدة مع مصر بدل الاستقلال. وقد يكون تردد السياسة المصرية في التدخل لتسوية مشكلة جنوب السودان راجعا إلى أن التدخل المصري قد يؤدي إلى بزوغ الحساسيات التاريخية بين الشعبين بما يسمح لقوى داخلية سودانية مناوئة لمصر الاستفادة منها في اللعبة السياسية الداخلية. وقد تواكب هذا وذاك مع عدم رغبة الحكومات السودانية المتعاقبة في قيام مصر بدور فاعل في تسوية مشكلة الجنوب قد يزعزع مركزها أمام بعض القوي الداخلية المناوئة لأي دور مصري في السودان.
أن الناظر للمراحل للتعامل مع مشكلة الجنوب السوداني , يجد أنه طغت على الفكر السياسي المصري تجاه السودان مدرستان:
المدرسة الأولى: ترى أن السودان غير المستقر أفضل بكثير بالنسبة للأمن الوطني المصري بحكم أنها ستظل منشغلة بقضاياها الداخلية، عاجزة عن ممارسة ضغوط على مصر لتعديل حصص المياه الواردة في اتفاقية مياه النيل لعام 1959، بل وعاجزة عن تسخير مواردها الطبيعية والبشرية بشكل لا يجعل منها قوة تهدد الأمن الوطني المصري.
المدرسة الثانية: ترى أن السودان القوية المعافاة يمكن أن تشكل رصيدا استراتيجيا لمصر، وأن ضعفها، وسيادة حالة عدم الاستقرار فيها يمكن أن يسفر عن تفتيتها،، بشكل يهدد الأمن الوطني المصري، وترى هذه المدرسة أن منطق التكامل بين الدولتين يمكن أن يكون مصدر قوة لكل منهما،. أن السياسة المصرية تفضل اللجوء إلى مقتربات المدرسة الثانية. إلا أن تطورات مضادة لهذا الإتجاه برزت مع تردي العلاقات بين البلدين خلال الفترة ما بين 1985 – 2003 نتيجة توجهات وممارسات النظم الحاكمة في السوادن خلال تلك الفترة حيث اتجهت السلطة السودانية الحاكمة لتوطيد علاقاتها مع دول كانت على عداء لمصر آنذاك والبحث عن التحالف مع دول أخري لموازنة الدور المصري أو لتقويضه في حوض نهر النيل، كما قامت وبالتوازي مع ذلك بتدمير عملية التكامل، وعملت على فتح ملف الحدود، ومياه النيل بين الدولتين مرة أخري في نفس الوقت الذي كان الجيش الشعبي لتحرير السودان قد تمكن من تدمير ما تم إنشاؤه في قناة جونجلي، وهكذا تحالف كل من حزب الأمة والجنوبيين بطريقة غير مباشرة في تخريب ما تم إنجازه من مرحلة التكامل بين البلدين، دونما سعي من جانبهما لحل مشكلة الجنوب.
وتقود الاتفاقات التي عقدت بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان
(الاتفاق الإطاري ماشاكوس 20 يوليو 2002 واتفاق الترتيبات الأمنية 25 سبتمبر 2003 واتفاق تقاسم الثروة 7 يناير2004، واتفاق تقاسم السلطة 26مايو2004 وبروتوكول تسوية الصراع في ولايات جنوبي كردفان والنيل الأزرق 26 مايو 2004وبروتوكول تسوية الصراع في منطقة ابيي 26 مايو2004، واتفاق الأمن والوقف الدائم لإطلاق النار، وترتيبات الفترة قبل الانتقالية، والانتقالية 21 ديسمبر2004 وأخيرا الاتفاق الشامل للسلام في31ديسمبر 2004) إلى أحد البدائل الثلاثة الآتية
البديل الأول : قيام دولة سودانية اتحادية عربية أفريقية
وهذا هو البديل المفضل، الذي يمكن أن يحقق مفهوم المواطنة المتساوية لكل أبناء السودان على اختلاف معتقداتهم، وإثنياتهم، وأقاليمهم، ومن شأنه أن يحقق إجماعا وطنيا سودانيا من جهة، ويدفع بالعلاقات المصرية/ السودانية قدما في إطار من الندية والمساواة لأنه يمكن أن يخدم ويحافظ على المصالح الاستراتيجية لمصر في السودان، و بشكل يمكن أن يزيل الحساسيات التاريخية المترسبة لدى بعض فئات الشعب السوداني والمتمثلة في الخوف من هيمنة مصرية ” متوهمة ” على أقدار السودان. إلا أن هذا البديل المفضل يصعب تحقيقه في المستقبل المنظور.
البديل الثاني : انفصال جنوب السودان
ويساند هذا البديل سيطرة الحركة الشعبية على معظم أراضي جنوب السودان وامتداد نفوذ عملياتها إلى شرق وغرب السودان وتمتعها بدعم من دول الجوار الإفريقي، وبمساندة غير محدودة من جانب الولايات المتحدة، ثم إن اتفاق ماشاكوس واتفاق نيفاشا قد كرسا هذا الوضع الانفصالي على طول الفترة الانتقالية.
إن خيار الانفصال – فيما لو تم – سيكون له آثار سيئة على المصالح الاستراتيجية المصرية، ولكن ليس بالصورة الخطيرة التي يروجها البعض، ذلك أن النيل الأزرق الذي يزود مصر بنحو 82% من احتياجاتها المائية لا يمر بجنوب السودان وبالتالي سيظل بعيدا عن التحكم في تدفقاته، و حتي النيل الأبيض والذي يزود مصر بالنسبة المتبقية يصعب بحال إقامة منشآت فيه تمنع تدفق مياهه إلى شمال السودان ومصر وإلا سيغرق الجنوب كلية، إضافة إلى انتشار المستنقعات الضخمة فيه. غير أن انفصال الجنوب لايعني بحال عدم الإضرار بالمصالح الاستراتيجية لمصر ذلك لأنه لا يعني انتهاء حالة الصراع بين الدولة الجنوبية “الأفريقية ” والدولة الشمالية العربية ” بشكل يدفع مصر إلى مساندة الشمال، والدول الأفريقية إلى مساندة الجنوب بشكل يؤدي إلى تدهور العلاقات المصرية مع دول حوض النيل.
البديل الثالث : قيام دولة سودانية ذات هوية أفريقية
وهذا هو البديل الأسوأ، الذي تتجه إليه السودان ويلقي ترحيبا من دول جوار جنوب السودان و من قبل الإدارة الامريكية.
© منبر الحرية، 15 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

جملة من التساؤلات والتناقضات يثيرها ويطرحها خطاب وزيارة الرئيس اوباما للرياض والقاهرة و تحتاج للمزيد من التأملات والتحليلات. فعلى الرغم من وصف الخطاب بالصفحة الجديدة من العلاقات مع العالمين العربي والإسلامي كما ذكرت سفيرة الولايات المتحدة في الكويت السيدة جونز، ووصفه بعض المحللين والساسة الأمريكان بأنه خطاب تصالحي مع العالمين العربي ولإسلامي فلابد من الوقوف عند الكلمة “التصالحي”, التصالح مع من مع الأنظمة؟ أم مع الشعوب؟
فإذا كانت الأنظمة بأغلبها صديقة للولايات المتحدة وتتسابق على كسب ودها فهل تحتاج إلى مصالحة؟  فلابد أن يكون التصالح مع الشعوب العربية والإسلامية . فإذا كان التصالح مع الشعوب فلابد أن تتوجه السياسة الأمريكية لأنصاف الشعوب والوقوف بجانبها لا أن تقف بجانب  الاستبداد و الانتهاكات المتتالية لحقوق الإنسان، فهل يعقل أن يبدأ الرئيس زيارته من الرياض وينتهي بالقاهرة العاصمتان المعروفتان بخروقاتهما و تجاوزاتهما لحقوق الإنسان.
فهنا تختفي القيم الديمقراطية الأمريكية وتقفز بدلها المصالح الأمريكية، وليس غريبا على السياسة الأمريكية هذه الازدواجية والتناقض، فالساسة الأمريكان كلهم برجماتيون عمليون، ففي الفلسفة البرجماتية لا دخل للأخلاق في عالم المصالح. إذا الخطاب لغة قديمة بمفردات جديدة  والهدف منه التخفيف من الضغط الشعبي على الحكومات المستبدة.
ومرة أخرى يتناقض الرئيس مع القيم الديمقراطية التي تدعو الولايات المتحدة الى نشرها في العالم، حينما قال أن الحرب على العراق كانت خطأ  وأقول له نعم يا سيادة الرئيس إنها خطأ لو لم يكن هناك نظاما ً دكتاتوريا مستبدا ً كالنظام المقبور ، فهل الإبقاء على الدكتاتوريات يا سيادة الرئيس من الصواب ؟ فإزالة نظام دكتاتوري بغيض ليس خطأ ً ياسيادة الرئيس . بل الإبقاء على الأنظمة الدكتاتورية ودعمها وإسنادها هو الخطأ بعينه، وليس من الضروري أن تزال الأنظمة الدكتاتورية بالحرب ولكن على الاقل وهذا أضعف الايمان أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطا ً على تلك الانظمة وان تحملها على عدم انتهاك حقوق مواطنيها.
واني أعتقد اعتقادا ً جازما أن الرئيس أوباما بكلمته هذه عن العراق كان يغازل المتشددين والطائفيين العرب الذين وقفوا ولا زالوا يقفون ضد العملية السياسية الجارية في العراق، لأن ما يجري في العراق يفتح الباب على مصراعيه لمطالبتهم أي ( الحكام العرب) بالديمقراطية والحرية والتعددية السياسية ومعنى ذلك زوال الأنظمة الحالية.
وفي الختام تبقى كلمة الرئيس اوباما خطوة مهمة بالاتجاه الصحيح وإن كان إختيار المكان غير موفق، وهي بديل جيد عن المواجهة واستعمال القوة وتبقى الشعوب العربية والإسلامية تنتظر ما سيترجم من هذه الكلمة من أفعال على الواقع وسيبقى الشعب العراقي هو الآخر ينتظر جدية تطبيق الاتفاقيات الموقعة بينه وبين الولايات المتحدة ومدى جدية الحكومة الأمريكية في دعم القيم الديمقراطية في العراق والضغط على أصدقائها من دول المنطقة في عد م تحميل العراق وشعبه آثام وخطايا النظام السابق  .

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

مع كل انتخابات تجري في البلدان العربية ويحصل فيها “الزعيم” أو “من يسبحون باسمه” على نسبة تأييد تتجاوز 90 في المائة، يعود السؤال الأزلي إلى الواجهة: لماذا تأبى طبائع الاستبداد على الاختفاء من المنطقة العربية؟ هل حكم علينا بالعيش المؤبد تحت حكم ديكتاتوريات أزلية؟ وهل الاستبداد ماركة عربية مسجلة؟
للاستبداد تفسيرات كثيرة، ربطه البعض بكونه ظاهرة مرضية في المجتمعات، مثل ما هو ظاهرة مرضية في نفسية المستبد. ووصفه د. أنطوان سيف في كتابه “وعي الذات وصدمة الآخر” بـ “إنه فيروس شديد الخطورة يدمر كل خلايا الجسم الاجتماعي ويشل حركتها المبدعة.كما يشل الجسم السياسي فتعم قيم الانتهازية والتملق، وتعم الفوضى والفساد مما يتيح الفرصة لمزيد من تغلغل وتقوية فيروسات جديدة وهذا بدوره يضعف المناعة”.
مهما تعددت التفسيرات واختلفت، إلا أن الذين تجشموا عناء تفسير استبداد المنطقة قسمان، الأول يرى أن القراءات الخاطئة والتراثية للإسلام مسؤولة عن إرساء “طبائع الاستبداد” من خلال مجموعة من الأطروحات المتمثلة أساسا في ضرورة طاعة أولي الأمر وما رافقها من قراءات أيديولوجية للدين للتحكم في رقاب الناس وغيرها.. والثاني يربط الاستبداد بتعرض المنطقة لموجة استغلال بشع مع فترات الاستعمار وما أفرزه ذلك من ربط مصالح المنطقة بالخارج، الذي لا يزال يدعم نخبا سياسية غير ديمقراطية، تحفظ مصالحه ويحافظ على بقائها في السلطة.
التفسيران على وجاهتهما يعانيان من الكثير من الاختزال، لأن المتمعن في طبيعة السلطة السياسية القائمة في الوطن العربي يكتشف أن هناك سلطتان أساسيتان تتحكمان في سلوك المجتمعات العربية  هما السلطة الدينية، التي تفرض نفسها على المجتمع من خلال التعاليم اللاهوتية والأخلاقية فتضبط سلوك الناس بثنائية الخير والشر، والجنة والنار،والحلال والحرام…وسلطة الدولة الدنيوية التي تفرض أعرافها وقوانينها للتحكم بسلوك المجتمع من خلال استخدام آلية العنف (الشرطة؛ والجيش؛ والمخابرات؛ والأمن..) فمن يخرج عن الأعراف والقوانين الوضعية التي أقرتها الدولة يستحق العقاب ويزج في السجون والمعتقلات.
ما بين الآليتين استغلال متبادل، لا يمكن الفصل بينهما، إنهما وجهان لعملة واحدة، فأدعياء الدين يجدون في الدولة وسيلة لحفظ الامتيازات والسيطرة على مقدرات الناس، وتأبيد الجهل والأمية والتفسيرات الخرافية للواقع.. في حين تسخر الأنظمة السياسية، رغم زعم بعضها فصل الدين عن الدولة، الدين ومؤسساته بحثا عن شرعية شعبية مفقودة. هذا التداخل في مستويات الاستغلال يحول الاستبداد العربي إلى ظاهرة مركبة، ويدخل الشعوب في حلقة مفرغة تستعصي على التوقف جارفة معها آمال المنطقة في أنظمة ديمقراطية تعلي من شأن الإنسان المبدع والخلاق وتمنح للمواطن كرامته الإنسانية.
إن تدقيق البحث في أعماق المجتمعات العربية الإسلامية لا يكشف فقط تغلغل ثقافة الاستبداد في كل ركن من أركان الإنسان العادي، بل إن الاستبداد مكون عضوي في التربية والاقتصاد والسياسة، إذ يمارس كل استبداده في مجال اختصاصه: الرجل في أسرته، والمدرس في قسمه، والمدير في مؤسسته، والمسؤول مهما كان منصبه وصولا إلى قمة الهرم السياسي. مما يدفعنا إلى التساؤل” كيف يمكن إنتاج مؤسسات ديمقراطية، كبنيات فوقية بتعبير الماركسيين، في حين تنضح البنيات التحتية بالاستبداد؟
إن اختراق الاستبداد لكل البنيات المجتمعية يجعل استئصاله مهمة عسيرة، بدون الوقوف على جذوره العميقة، والمتمثلة في عقلية القطيع التي تكرست عبر قرون من الوصاية والاحتقار لقيمة الإنسان، واعتباره مجرد رعية تابع، لم يصل بعد إلى سن الرشد. إن المشكلة الأساس التي تواجه العديد من العرب اعتقادهم بأن الديمقراطية مكسب إنساني سهل لا يحتاج إلى مكابدة ومعاناة، في حين أنه قيمة سعت وراءها الشعوب والأمم، عبر تاريخ طويل من التأسيس الفلسفي والسياسي والاجتماعي.
لقد نشأت الديمقراطية في الغرب كمسؤولية وكوعي اجتماعي، ترافق مع انحسار المد الإقطاعي في أوروبا خلال القرنيين الثاني عشر والثالث عشر وما أعقبها من صراعات سياسية وثقافية أفرزت نتائج جعلت من الديمقراطية مسؤولية بالدرجة الأولى تجسدت في الثورات العديدة التي شهدتها أوروبا طلبا لتحقيق المواطنة وهي الثورات التي بلغت ذروتها في الثورة الفرنسية.
وبالمقابل فإن “الديمقراطية” في صيغتها “العربية” لاتزال منتوجا مستوردا، حيث لم يشهد الوطن العربي تطورا سياسيا مماثلا فقد تحولت السلطة من الخلفاء إلى السلاطين وعاد الناس إلى الارتداد إلى أصولهم القبلية والطائفية بحثا عن الأمان من السطو والاستعباد. وحتى مبدأ الشورى الذي سنه الإسلام لم يعد ذو قيمة سياسية فاعلة، بعد أن تحولت العلاقة بين الحاكم والمحكوم إلى علاقة سلطوية يؤطرها تصور الإنسان ليس كمواطن بل كتابع و مريد .
مجمل القول، أن المجتمع العربي يعرف اليوم تغيرات سريعة، لكنها لا تسير دائما في اتجاه تأسيس المجتمع الديمقراطي، إنه يتطور، ولو نسبيا، في منسوب التصنيع وربما البنيات التحتية والاقتصادية الجاهزة، لكنه يمضي في ميادين الحرية بمختلف أنواعها إلى مزيد من الانغلاق الذي يكرسه تقاطع مصالح بعض الأنظمة الحاكمة والحركات المتطرفة في استغلال الدين لتأبيد التبعية والوصاية على الإنسان… لكن رغم سوداوية الواقع، فإن الثابت وجود أرضية في المنطقة تقبل التغيّر وإشاعة روح الديمقراطية وحقوق الإنسان والحداثة والقيم العالمية في نفس الوقت الذي توجد فيه مقاومات ترفض التجديد الذي تعتبره متعارضا مع القيم والعناصر الثقافية “الدخيلة”. وهنا يلزم التفكير في صيغ مقبولة لا تلقى هذا الكم الهائل من المقاومات المتزايدة.
إن فهم فشل المجتمعات العربية في التحرر من الممارسات الاستبدادية والمكرسة لقيم الوصاية والتبعية، لا يستقيم إلا من خلال عمل تكاملي تتضافر فيه مقاربات من تخصصات مختلفة، التي يجب أن تنصب على دراسة الأنظمة التربوية والعائلية والمجتمعية. أما الهدف الإنساني فيتمثل أساسا في التقليص من “المقاومات” التي تتخذ صيغا مصلحية وتتخذ رداء الوطنية أوالدين أوالخصوصية. صحيح أنه لا يمكن أن نحلم بانتهاء هاته “المقاومات” الزائفة في الأمد القريب، لكن عملا ثقافيا واجتماعيا وسياسيا وعلميا يقتضي تشجيع أصوات المفكرين العرب والمسلمين الذين يعانون من كثير من الإقصاء، خاصة وأن الهدف الأساسي هو” الدفع بالإنسانية في اتجاه الأفضل عبر تحقيق شرط “حرية الوعي “.
© منبر الحرية،11 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

تنصب الشعوب عليها الحكام ليدافعوا عن حريتها، لا ليستعبدوها، كما يقول ج.ج. روسو. من هنا تكتسب الحكومات شرعيتها السياسية والأخلاقية، التي تؤسَّس على حرية مواطنيها، وليس العكس. إذ بمقدار مايكون الشعب حرّاً فإن شرعية الحكم لاتزيد على أن تكون تعبيراً عنه، وممثلة لإرادته الحرّة. وبهذا المعنى فإن الشعب الحرّ حين يرتضي الخضوع لسلطة حاكمة منبثقة عن تلك الإرادة، فإنه لايخضع إلا لنفسه، فلا يجوز لأي حاكم مخوّل أو سلطة مفوضة الإدعاء بالسيادة على الشعب، الذي لاسيادة لأحد سواه. ولا تستطيع أية قوّة أو سلطة، تحت أية ذريعة، أن ترغمه على الخضوع لها أو تنتزع منه تلك السيادة، أو إدعاء الوصاية على حريته ومصيره.
يصعب البرهان على أن الحكومة القوية هي الأكثر مسؤولية وقدرة على صون حرية مواطنيها. ذلك أن قوّة الحكومة لا تبدو مبررة وضرورية إلا في حالات معدودة جداً، وهي تلك التي يعجز فيها المجتمع عن القيام بمهامه ومواجهة مشكلاته. فالمجتمع الأكثر كمالاً وصحة واستقلالاً، هو الأقل حاجة إلى سلطة سياسية قوية. ويستنتج توماس بين أن ثمة علاقة عكسية بين مجتمع حرّ وحكومة بسيطة تمثل الحدّ الأدنى من السلطة، وبين مجتمع مقيد مستعبد وحكومة معقدة، مركزية وقوية. ذلك أن الحكومات القوية هي الأكثر بُعداً عن الحرية، والأقرب إلى الاستبداد، ويتعذر في أيّة دولة تعتمد على تركيز لسلطة الحكم وعلى شمولية القوّة أن تصان الحريّة، إذ لابدّ أن تقع تحت إغراء إساءة استعمال السلطة وتتعسف حتى ولو كانت دولة ديمقراطية. من هنا تقتضي حرية الأفراد والمجتمع تحديداً للسلطة وتقييدا دائماً لاندفاعها، وكبحاً لها ولجماً، الأمر الذي يستحيل تحققه بوجود حكومة قوية، لا تكترث بالحدود، وتنعدم لديها الروادع المجتمعية والدستورية.
لقد غدا التمييز بين الدولة والحكومة، لجهة المنشأ والأهداف، أمراً بدهياً في أدبيات الفكر السياسي. ومن الواضح أن التباين في الغاية من القوّة بين الكينونتين هو أيضاً أساسي. فلا يجوز تزييف هذه المسألة عبر تحويل الهدف من قوّة الدولة إلى الداخل، واختزال ذلك في قوّة السلطة، الأمر الذي يعني ببساطة إضعاف المجتمع والهبوط إلى الدكتاتورية. إن قوّة الدولة لاتكون قط إزاء المجتمع، وموجهة نحو الداخل، بل تكون إزاء الآخر- الخارج، الذي ينافس وجودها ويهدده. وثمة ميل دائم لديها لإثبات قوتها إزاء الكينونات المماثلة، التي تشكل تحدياً لها وتستهدفها، وهي تحقق ذاتها على هذا الأساس. وبخلاف الحكومات القوية، فإن أكثر الدول قوّة هي تلك الأكثر ديمقراطية، وتكفل لمواطنيها أعظم قدر من الحرية والمساواة. فلا يمكن لأية دولة أن تبرهن على وحدتها وقوتها إزاء الخارج، مالم تكن ديمقراطية مبنية على المساواة بين مواطنيها وتعدّ حريتهم غاية أساسية لهم. والحال أن السلطة القوية أو الحكم الذي يتكئ على القوة يشعر باستمرار بضعفه إزاء المجتمع، لأنه يضمر اعتقاداً بأن التهديد الداخلي لها، لا الخارجي، هو الأشد خطراً على وجوده. ويعيش دائما تحت شعور هذا التهديد بهزيمته المحتملة أمام المجتمع مما يدفعه إلى التطرف في القوة والهيمنة.
الشعوب الحرّة فقط تستطيع أن تدافع عن وجودها وعن استقلالها. والبشر مالم يتركوا أحراراً، أو أن يعيشوا حريتهم ويشعروا بها داخل أوطانهم، لايمكن للفضيلة الوطنية أن تتحقق فيهم. والحال أن الشعب الجاث على ركبتيه لا يمكن أن يصمد أمام أي تهديدٍ خارجي أو يقاوم. وعلى الدوام كانت أقدام الطغاة في الداخل تمهد طريق الغزاة، وهذا ماحصل بالفعل في العراق، البلد الذي لم يجد شعبه بدّاً من التخلص من عبودية الداخل إلا عبر الرضوخ والقبول بالغزو الخارجي، وينبغي النظر إلى ردّة فعل العراقيين عشية سقوط بغداد على هذا الأساس.
ثمة استنتاج، عمومي ونسبي، يلزم عن معيار التمييز السابق نشير إليه هذا السياق. هو إن ما ينبغي البحث عنه في الدولة هو قوّتها، لا شرعيتها. فالحديث بهذا المعنى ينبغي أن يكون عن الدولة القوية، لا الدولة الشرعية. لأن شرعية الدولة هي في وجودها بالذات، في عقد تأسيسها، ولايفترض البحث عنها خارجها. ولا تبدو هذه المعادلة بالنسبة لسلطة الحكم غير ذي أهمية. إلا أن الأولوية هنا، وبخلاف الدولة، تكمن في الشرعية، شرعية الحكم والسلطة السياسية، التي تتمثل في توافق السلطة مع مصالح المجتمع. في حين أن قوة نظام الحكم ومركزيته لا يصلحان إلا لإضعاف المجتمع والشعب الذي يأخذ بهما، ويقودانه في المحصلة إلى العبودية والقهر.
يواجه العراقيون مجدداً مشكلة احتكار السلطة، عبر الدعوة إلى ( المرْكزة) والعودة إلى نظام حكم قويّ يختزل في نفسه السلطة والسيادة. بذريعة أن غياب مركز ثقل سياسي واقتصادي ونظام وصاية، هو الجذر الحقيقي للفوضى والعنف والانقسام السائد. والحال أن التجربة التاريخية، تدحض هذه الادعاءات، وتثبت أن أكثر أشكال العنف والاضطراب قسوة، وأكثر الحروب المدمرة حدثت بوجود سلطة قوية مستبدة. فهي عوضاً عن أن تكون سبباً للأمن والسلام، والحرية ووسيلتها، أصبحت مصدراً للفتن والقهر والخراب الشامل.
© منبر الحرية، 01 يونيو/حزيران 2009

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018