peshwazarabic

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

يعرّف ستيوارت مِلْ الحرية الفردية في كتابه عن الحرية : “إنها حق الكيان الأخلاقي في أن يطوّر نفسه بطريقته الخاصة” (23)، وهو يهدف من وراء بحثه الشهيرتبيان القيمة الاجتماعية، التي تنجم عن تنمية الخصائص الفردية تنمية غنية وكامِلْة. وفي سبيل هذه الغاية يرى( مِلْ) أن الفرد يجب ألا يكون مقيداً بالاعتبارات الاجتماعية حين يعملْ على إنماء طبيعته العقلية والخلقية(24)، وعليه يدعو إلى أكبر قدر ممكن من تحرر الفرد من سلطة الجماعة على أن يكون هذا القدر متناسباً مع العيش  في مجتمع ما.(25)  من هنا يأتي دفاعه في مسألة حرية الرأي موجهاً ضد تدخل( السلطة الجماعية للرأي العام) في شؤون الأفراد التي لاتهمّ غيرهم من أعضاء المجتمع. فالنمو المحتم للمساواة الاجتماعية وسيطرة الرأي العام يقود، برأيه، إلى فرض نير ظالم من وحدة الرأي ووحدة العملْ على رقاب النوع الإنساني.  إن هاجسه الأساس نظير توكفيل، الذي كان يشعر أن المشكلة الأساسية في نظام مبني على حكم الشعب هي الحيلولة دون استبداد الطبقات العامة للشعب التي تؤلف الأكثرية- وهذه هي الطبقة غير المتعلمة التي تتألف من الجماعات العامِلْة- الحيلولة دون استبداد هذه الطبقة بالأقلية المؤلفة من الأفراد الممتازين (29)
كان أكثر الناس، برأي (مل)، ولا يزالون يخشون طغيان الأكثرية كما يخشون سائر أنواع الطغيان الأخرى، وذلك لأنه ينفذ في الغالب عن طريق إجراءات السلطات العامة. ولكن رجال الفكر يرون أن المجتمع حين يكون نفسه هو الطاغية-  أي حين يكون المجتمع بجمِلْته ضد الفرد-   فإن ذلك يعني أن أساليب طغيانه لا تنحصر بالإجراءات التي يمكن أن ينفذها عن طريق موظفيه السياسيين.(ص45) إن المجتمع قادر على إصدار الأوامر وعلى تنفيذها بنفسه. فإذا أصدر أوامر خاطئة بدلاً من الصحيحة، أو إن أصدر أوامر في شؤون يجب ألا يتدخل فيها، فإنه يمارس بذلك طغياناً اجتماعياً هو أ شد عتواً من كثير من ألوان الاضطهاد السياسي لأنه وإن لم تدعمه عادةً عقوبات شديدة، فإن وسائل النجاة التي يتركها قليلة، وهو ينفذ إلى الصميم في كثير من نواحي الحياة، ويستعبد الروح ذاتها. لهذا كان الاحتماء من طغيان الحكام غير كاف. وكان لا بد من حماية ضد طغيان الآراء و المشاعر الشائعة، وكان ميل ضد أن يفرض المجتمع  ( دون اللجوء إلى العقوبات المدنية) آراءه الخاصة وطقوسه كقواعد للسلوك، يفرضها حتى على أولئك الذين لا يوافقون عليها، ليكبل النمو و التطور، ويمنع إن أمكن تكوين أي شخصية فردية لا تكون منسجمة مع طرقه، ويجبر كل الطبائع على تكييف نفسها طبق أي نموذج من صنعه هو. إن هنالك حداّ للتدخل المشروع في استقلال الفرد من قبل الرأي الجماعي. وإن إيجاد ذلك الحدّ وصيانته من التجاوز أو الاعتداء عليه لازم لحسن سلامة شؤون الناس لزوم الاحتماء من الاستبداد السياسي.من هنا يوضح( مل) أن غرضه من  هذا البحث ليس الحرية التي تسمى حرية الإرادة والتي تقابل ما يسمى خطأ بالضرورة الفلسفية، وإنما موضوعه الحرية المدنية أو الاجتماعية، وطبيعة السلطة التي يمارسها المجتمع على الأفراد، وحدودها. (39)
السؤال الذي ينشأ، ويعدّه( مل) السؤال العملي والمباشر هو: أين يجب وضع الحدّ وكيف يمكن تحقيق التوفيق المناسب بين الاستقلال الفردي و السيطرة الاجتماعية..؟هذا السؤال يبقى الموضوع الذي عليه يتوقف كل شيء تقريباً.( 47) لا يعتبر مل أن حرية السلوك الذي يمس الغير غاية في ذاتها. فهو يشدد على قيمة الحرية و يلحّ على الاعتراف بها، ولكنه لا يدعي  أن أي حرية هي مطلقة. إن حرية الفرد مبررة  لأنها-  كما يرى-   تسهم في الصالح العام، وهي وسيلة قيمة لغاية أعلى منها هي( التقدم  الاجتماعي) الذي يهم كل عضو في المجتمع. ويعتقد مِلْ أن مبدأه يقدم مقياساً علمياً للتمييز بين تلك الأفعال التي تساعد التقدم وبين تلك التي تعرقله. فالأفعال الأولى يجب تشجيعها في الحياة العمِلْية أما الأخرى فيمكن تقييدها. هكذا يعتقد مِلْ أنه حل المشكلة في العلاقة بين الحرية و السلطة.
وبرأيه، فإن الغاية الوحيدة التي تجيز للبشر، أفراداً كانوا أم جماعة، أن يتدخلوا في حرية أفعال أي واحد منهم  إنما هي حماية الذات. أي أن الغرض الوحيد الذي من أجله يمكن ممارسة السلطة في أي مجتمع متمدن على عضو منه رغم إرادته إنما هو دفع للأذى عن الغير.فلا يكفي أن  يكون الهدف الخير الخاص للعضو، مادياً كان هذا الخير أم معنوياً. لا يجوز عدلاً إرغامه على القيام بأمر أو الامتناع عنه لأن ذلك خيراً له، أو لأن ذلك يجعله أسعد حالاً، أو لأن الآخرين يرون أن من الحكمة و الصواب فعل ذلك..( 55)  إذن الحالة الوحيدة التي تجيز إخضاع الفعل العفوي الفردي للقيد الخارجي هي حين تكون أفعال الفرد ماسة بمصالح الآخرين فإذا أتى امرؤ ما فعلاً يؤذي الغير فإن هناك وضع واضح يدفع إلى معاقبته عن طريق القانون أو بوساطة الاستنكار العام حين يتعذر تطبيق العقوبات القانونية بأمان. ولكن الشخص قد يسيء  إلى الغير لا بما يفعل فحسب ولكن بامتناعه أحياناً عن الفعل أيضاً وهو في كلتا الحالتين مسؤول أمام الغير عن الضرر.
ويشير( مل) إلى أن هنالك دائرة للأفعال، إن كان للمجتمع المتميز بجمِلْته عن الفرد مصلحة فيها فإنما هي مصلحة غير مباشرة، وتشمِلْ هذه الدائرة ذلك الجزء من حياة الفرد وسلوكه الذي لا يمس إلا شخصه وحده أو إن مسّ غيره من الناس فيكون ذلك بمحض إرادتهم، وموافقتهم التي لا خداع فيها،واشتراكهم. وهذا هو  نطاق الحرية البشرية الخاص بها. إنه يشمِلْ أولاً ممِلْكة الوعي الداخلية التي تتطلب حرية الضمير بأوسع معانيها وحرية الفكر والشعور، و الحرية المطلقة للرأي و العاطفة في كل المواضيع العلمية أو النظرية العلمية أو الأخلاقية أو الدينية……وثانياً يتطلب مبدأ حرية التذوق و المشارب، و حرية تصميم خطة لحياتنا توافق طبعنا، و حرية العمِلْ وفق ما نحب ونرغب…. وثالثاً، من هذه الحرية لكل فرد تنشأ ضمن الشروط نفسها حرية التكتل بين الأفراد،  حرية الإتحاد و التضامن في سبيل أي هدف لا ينطوي على إيذاء الغير….( 60) وكل مجتمع لا تحترم فيه هذه الحريات عموما ًلا يكون حرّاً مهما كان شكل حكومته، ولا يكون أي مجتمع حرّ حرّية تامّة إن لم تكن فيه هذه الحريات مطلقة و كامِلْة الشروط. و الحرية الوحيدة الجديرة بهذا الاسم هي حريتنا في أن ننشد خيرنا بطريقتنا الخاصة ما دمنا لا نحاول حرمان الغير من خيراتهم ولا نعرقل جهودهم في الحصول عليها.( 61)
ولكن وسائل الضغط المعنوي ضد الانحراف عن الرأي السائد قد استعملت هنا بشدة أعظم في المسائل التي تمس الفرد مما في المسائل الاجتماعية. ويعتبر(مل) هذا  الاستبداد أقسى بشكل يفوق ما فكر به أشد الفلاسفة القدماء صلفاً في تفكيرهم السياسي. وينكر(مل) على الأغلبية ممارسة حق الضغط والإكراه، سواء أكانت تمارس ذلك مباشرة أو عن طريق حكومتها الممثلة لها. ولو أجمع البشر كلهم على رأي وشذّ واحد بمفرده عنهم لما جاز لهم إسكاته، كما أنه هو، لو أوتي القوة، ولا يجوز له إسكاتهم…..ولكن الشر الخاص في إخماد التعبير عن الرأي أنه سرقة: أنه سرقة تقع على العرق الإنساني في الأجيال الحاضرة وفي الأجيال المقبلة، وتقع على مخالفي الرأي كما تصيب معتنقيه. فإن كان الرأي صحيحا حرموا فرصة استبدال الباطل(67) بالحقّ وان كان خاطئا خسروا فائدة كبيرة هي حصحصة الحق وظهوره جلياً واضحا بعد مقارعته بالباطل.( 68) إذ أن هناك، برأيه، بون شاسع بين افتراض صحة الرأي الذي يكون قد صمد في كل المناقشات ولم يدحض، وبين فرض صحة الرأي بغية عدم السماح بدحضه. والحرية التامة التي يتمتع بها كل إنسان في معارضة آرائنا ودحضها هي الشرط الأساسي الذي يبرر موقفنا في افتراض صحتها والعمِلْ بموجبها. وبدون هذا الشرط لا يستطيع أي مخلوق يحمِلْ معه المِلْكات الإنسانية أن يصل إلى ضمانة معقولة أنه على حق. ـ إن الميل القتّال إلى  إهمال التفكير والمناقشة في أمر لم يعد مشكوكاً فيه إنما هو سبب نصف أخطاء البشر ولقد أجاد احد الكتاب المعاصرين حين تحدث عن السبات العميق لرأي مقبول مقرر (114)
ويخلص ( مل) إلى البرهان على ضرورة النقد والتفكير والمناقشة  وحرية الرأي  استنادا إلى أربعة أسس هي :
أولاً: إذا أرغم رأي ما على السكوت، فمن الممكن أن يكون ذلك الرأي صحيحا وإنكار ذلك ادعاء منّا بالعصمة.
ثانياً: إذا كان ذلك الرأي الذي أخمد خاطئاً، فمن الممكن أن يحتوي على جزء من الحقيقة، وكثيراً ما يحدث ذلك. وبما أن الرأي العام أو الشائع في أي موضوع لا يكون كل الحقيقة، أو يندر أن يكون كذلك فلا أملَ في تأمين الجزء الباقي من الحقيقة إلا عن طريق احتكاك الآراء المتضادة .
ثالثاً: إذا كان الرأي المسلم به صحيحاً ويتضمن كل الحقيقة، فإنه، إذا لم يناقش بعزم وإخلاص، يبقى مجرد تحيز لدى معظم الذين يسلمون به، ثم إنهم لا يدركون إلا اليسر من أسسه المعقولة. ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ وحده، بل وهنا يجب أن نضيف :
رابعاً: إن  معنى المذهب نفسه يصبح مهددا بالضياع أو الضمور والهزال، ويفقد المذهب أثره الحيوي على الخلق والسلوك إذ يصبح المذهب المقرر مجرد  اعتراف شكلي لا خير(130) فيه يقف عثرة تحول دون نمو أي اقتناع حقيقي صميمي صادر عن العقل أو الخبرة الشخصية) 131)
في حدود سلطة المجتمع على الفرد يتساءل( مل) أخيراً ما هو الحدّ الشرعي لسيادة الفرد على نفسه؟ أين تبدأ سلطة المجتمع ؟ماذا يجب أن يعود للفردية من الحياة البشرية و ماذا يجب أن يعود للمجتمع؟ إن كلا منهما ينال حصته العادلة إذا هو احتفظ بما يخصه أو يعنيه. فيكون للفردية جزء  الحياة الذي يهم الفرد، وللمجتمع الجزء الذي يهم المجتمع.
إن من ينال حماية المجتمع، باعتقاد مل، يكون مديناً له مقابل ذلك، والعيش في المجتمع(167) يقتضي حتماً أن يتقيد كل فرد بخطة من السلوك تجاه الآخرين. يتألف هذا السلوك أولاً من عدم إضرار الواحد بمصالح الآخر، أو بالأحرى عدم الإضرار بتلك المصالح التي يجب أن تعتبر حقوقاً إما بموجب نص قانوني صريح أو بموجب تفاهم ضمني. ويتألف هذا السلوك ثانياً من تحمل كل فرد نصيبه( الذي يقرر وفق مبدأ منصف)مما تقتضيه صيانة المجتمع  أو أعضاءه من أتعاب وتضحيات. ويحق للمجتمع مهما كلف الأمر أن يفرض تحقيق هذين الشرطين على من يحاول الامتناع عن ذلك.( (168
ويعتبر الشخص هو صاحب الشأن الأول فيما يختص بخيره الذاتي، ولا يعتد  بشأن الآخرين فيه إلا في حالات العلاقة الشخصية القوية، وما شان المجتمع به كفرد إلا شان جزئي غير مباشر…. إن تدخل المجتمع  للتحكم في حكمه وأغراضه الخاصة به لا بدّ أن يقوم على افتراضات عامة قد تكون خاطئة، وان كانت صحيحة فقد يسيء تطبيقها على الحالات الفردية أناس يجهلون تلك الحالات كما يجهلها أولئك الذين ينظرون إليها من الخارج فقط. في هذه الدائرة من شؤون البشر يقع مجال عمل الفردية.( 170)  ويجزم ( مل) هنا بأن الضرر الذي يلحقه شخص بنفسه قد يكون ذا أثر خطير على الغير ممن لهم علاقة به، وبدرجة أقل على المجتمع عموما. فإذا قاد مثل هذا السلوك شخصاً إلى الإخلال بواجب واضح نحو الغير، فإن القضية تخرج عن نطاق الشؤون الذاتية وتصبح في متناول التنديد الأخلاقي بمعناه الصحيح. ( 178)
وباعتقاده، فإن أقوى حجة ضد تدخل المجتمع بشؤون الفرد الخاصة هي بأن تدخله غالبا ما يكون خاطئا وفي غير محله. إن رأي العموم، أي الأكثرية السائدة  في مسائل الأخلاق الاجتماعية والواجب نحو الغير كثيراً ما يكون خاطئاً، رغماً عن أنه كثيراً ما يظهر مصيباً  لأن المطلوب منه إذ ذاك أن يحكم في مصالح الأكثرية، وفي الطريقة التي يمكن أن يؤثر عليهم فيها نوع من السلوك قد يسمح بممارسته. أما فرض رأي الأكثرية  كقانون على الأقلية في شؤون السلوك الخاص، فإنه قد يكون خاطئاً بقدر ما يكون صائباً لأن الرأي العام في مثل هذه الحالات لا يعدو كونه  رأي بعض الناس فيما هو خير أو شر للغير، بينما هو كثيراً ما لا يعني حتى هذا، فتهمله العامة ولا تبالي بإرادة أصحابه ورضاهم ولا تهتم إلا بما تفضله.(182)
© منبر الحرية، 18 يناير/كانون الثاني2010

peshwazarabic16 نوفمبر، 20101

على الرغم من الجهود الحقيقية الحثيثة التي يبذلها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز لإصلاح المملكة وتحديثها، إلا أن ممارسات الرجعية التي يمارسها المناهضون للحضارة الحديثة هي في الواقع ممارسات فضيعة وضيعة تثير الإشمئزار. وما قضية علي حسين سباط، مقدّم البرامج اللبناني السابق، إلا مثالا على قولنا هذا. سباط مواطنٌ لبناني كان يقدّم برنامجا تلفزيونيا مباشرا، يُبث من لبنان ويغطي منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك السعودية وهو مسلمٌ أيضا. وكان خلال بث برنامجه، يتلقى الاتصالات من بعض الأفراد الذين يتصلون به، ويقدم لهم النصح والمشورة، كما يقوم ببعض التنبؤات حول مستقبلهم.
في مايو (أيار) عام 2008، وخلال قيامه برحلة للحج والعمرة إلى مكة، ألقت الشرطة الدينية السعودية القبض عليه واتهمته بالشعوذة و انتزعت منه الاعترافات وحوكم بلا محام للدفاع عنه. واستُخدِم اعترافه، الذي أ ُخذ بالإكراه، ضده وحُكم عليه بالإعدام في المدينة المنورة في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2009. وقد يُنفّذ الحكم في أي يوم من هذه الأيام.
وما تزال منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان الأخرى تطالب بالإطلاق الفوري لسراح سباط وغيره من المعتقلين المتهمين بمثل هذه “الجريمة.” وأيا كان ما يعتقده المرء حيال برنامج سباط التلفزيوني، فمن غير المعقول أن يُعدم  لتهمة كالتي أدين بها هذا الرجل. وإن لم يوقَف هذا القتل، فإن تراب السعودية سيُضرّج بجريمة: جريمة قتل. وستخلِّف هذه الجريمة أرملة ثكلى وخمسة أطفال. لا بد أن يمنع تنفيذ الإعدام.
توضّح هذه القضية، بما لا يقبل الشك، القوة الهائلة التي تتمتع بها الشرطة الدينية في السعودية. فالملك عبد الله يواجه معركة صعبة في كفاحه ضد المتطرّفين: ليس فقط  الإرهابيين من تنظيم القاعدة الذين يقتلون الأبرياء، بل الشرطة الدينية والقضاء الذين يقتلون الأبرياء أيضا. كلما أقدم الملك على إصلاح الدولة، أعترض المتطرفون طريقه. على سبيل المثال، قبل شهور قليلة، عندما افتتح الملك جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، وهي أول جامعة مختلطة في السعودية، واجه موجة عاصفة من الانتقادات التي أثارها رجال الدين. وفي آخر المطاف، أفتتحت الجامعة، وما كان من الشيخ سعد بن ناصر الشثري إلا أن قدّم استقالته من هيئة كبار علماء الدين. لا شك أن تلك كانت خطوة بالاتجاه الصحيح. مع ذلك، وكما تبرهن قضية سباط والآخرين الذين حكموا بالإعدام بتهم “الارتداد” أو “السحر،” فإن مقاومة المتطرّفين ما زالت مستمرة. ولكن الفرصة لا تزال سانحة أمام الملك عبد الله بن عبد العزيز بأن يتخذ قرارا شجاعا، كما فعل عندما جابه رجال الدين في الجدل المتعلق بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا. غير أن الملك ومؤيديه يحتاجون إلى العمل بحزم للحد من قوة المتطرفين وقدرتهم على تنفيذ اعتقالات غير القانونية، وتوجيه الاتهامات الباطلة، وانتزاع الاعترافات بالإكراه، وإقامة محاكمات غير عادلة، ولا سيما تلك التي تتكلل بارتكاب جرائم القتل (أي أحكام الإعدام). وما سباط والآخرون إلا أضحيات وقرابين بشرية يذبحها المتطرفون لا لشيء، سوى لإدامة قوتهم وسطوتهم.
ولكن ماذا سيأتي بعد؟ إعدام طفل يقرأ كتاب ’هاري بوتر‘؟ لقد خلق الحوار الإيجابي الذي بدأ بين إدارة أوباما ومعظم العالم الإسلامي فرصة لواشنطن لكي تعبّر عن قلقها حول مصير سباط. فكثيرا ما تحدّث الرئيس أوباما عن التزامه بحقوق الإنسان فعليه إذن أن يُشجّع الملك عبد الله بن عبد العزيز على اتخاذ موقف من أجل العدالة ووضع حد للأضحيات البشرية.
كما تقع على عاتق لبنان مسؤولية الدفاع عن مواطنيها وحمايتهم والمطالبة بسلامتهم. إن لحكومة رئيس الوزراء سعد الحريري علاقات خاصة مع العائلة الحاكمة في السعودية. لذلك، تحتاج هذه الحكومة، بوصفها حكومة تمثّل بلدا عربيا ديمقراطيا يمتلك صناعة قوية في مجال البث الإعلامي، تحتاج  أن تبيّن أنها ستدعم حرية التعبير – و لا سيما فيما يخص علي حسين سباط والآخرون.
على العاهل السعودي الملك عبد الله أن يُظهر شجاعته عبر مجابهة المتطرفين وإطلاق سراح علي حسين سباط وإعادته إلى لبنان. وإن فعل ذلك، يجب أن يحظى بدعم من جميع أمم العالم الأخرى.
© منبر الحرية، 01 يناير/كانون الثاني 2010

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

يعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948م، وثيقة تاريخية هامة، وإنجازا كبيرا على صعيد حقوق بني البشر، فقد جاء الإعلان إقرارا بكرامة الإنسان، واعترافا بحقوقه في المساواة والعدالة، والحياة الحرة والكريمة؛ وقد أشارت الجمعية العامة إلى كافة البلدان على أهمية نشر الإعلان وتوزيعه وإدراجه كبرنامج تثقيفي في المدارس والمعاهد التدريسية، وكل هذا جاء ابتغاء لعالم يتمتع فيه الفرد بكافة حقوقه، في إطار من الأمن والعيش الكريم بعيدا عن الخوف وذلّ الحاجة، وكم تذكرنا المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بقول الخليفة عمر بن الخطاب وهو يزجر أحد المنتهكين بعدوانيته إزاء حقوق إنسان آخر: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا).. قارنوا قول الخليفة هذا بالمادة الأولى من الإعلان العالمي والتي نصّها: (يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلا وضميرا، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء) فليت الإسلام السياسي اليوم، أن يقتدي بقول عمر، ويأخذ في البال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويضنّ بالتالي بأرواح البشر، لا أن يفجع الناس بمشاهد مروعة تقشعرّ لها الأبدان… ثم تشير المادة الثانية من الإعلان، على سواسية بني البشر، دون أي تمييز في القومية أو الدين أو اللون أو الجنس أو الرأي.. ثم تأتي المواد التالية، فتكمل شروط صون كرامة الفرد، وحقوقه، وتوفير الأمن، ومنع الاسترقاق، أو استعباد أي فرد، وعدم تعرض أي إنسان للتعذيب أو الحط من كرامة المرء…
إن مثل هذه الحقوق التي يتضمنها الإعلان العالمي، نفتقدها – للأسف – في عالمنا العربي، حتى أصبحنا نسمع هنا وهناك بوفاة إنسان ما تحت التعذيب، دون أن تكفل له التشريعات اللازمة باعتباره الشخصية القانونية كما يصرح بذلك الإعلان نفسه، الحماية اللازمة، ليدفع عن نفسه مثل هذا الأذى، ويلجأ إلى القانون لحمايته بالتالي، أو إلى القضاء لينصفه، كما يقر بذلك الإعلان في مواده الثامنة والتاسعة والعاشرة.. إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يضمن للفرد الكثير من الحقوق، ويجنبه كثيرا من التعديات والتجاوزات… فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، والحكم يأتي بعد أن يمثل الفرد أمام قضاء نزيه يوفر له الضمانات للدفاع عن نفسه… إن الإعلان يجيز للفرد حرية التنقل، ومغادرة بلاده، والبحث عن ملاذ آمن في بلد آخر هربا من الملاحقة والاضطهاد، ومن حقه بالتالي التمتع بجنسية بلد ما، فلا يحق لأية جهة أن تنتزع منه الجنسية تعسفا… كما إن الإعلان يبيح للفرد حق التملك، ويمنع بالتالي تجريده تعسفا من ملكه، فضلا عن هذا وذاك فالإعلان يعطي للفرد حق الانضمام إلى أية جمعية أو تنظيم، أهلي مدني، أو سياسي بمطلق الحرية والرغبة دون قسر أو إرغام..
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يرى ضرورة إيجاد فرص العمل للفرد بأجر عادل ومجز، وحمايته من البطالة، بغية تأمين نمط من العيش بعيدا عن العوز والفاقة، وتوفير ما يلزم لإتاحة الفرص في التعليم… وقد حذّر البيان في ختام مواده جميع المعنيين بذريعة أي تأويل، من النزوع إلى هدم الحقوق والحريات الواردة في الإعلان…
إذا ما انطلق واحدنا من الواقع العربي، وهو يستعرض مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فسوف يجد نفسه، أمام واقع آخر، واقع مغاير، أمام مفارقة كبيرة، بين المبتغى في الإعلان والواقع العربي المعيش، حتى يخيّل لواحدنا أن الإعلان يرصد واقعا مثاليا يبتكره خيال الإنسان لا عقله؛ فما زالت النظم العربية بعيدة عن التعايش مع مبادئ أساسية في حياة البشر والدول، كالحرية والمساواة وإرساء أسس العدالة، لأن الشرط الأول الذي تقتضيه هذه المبادئ هو عدم حصر السلطة في حزب ما مثلا، أو حكرها من قبل جهة واحدة، لكن أنظمتنا العربية بعيدة عن هكذا مناخات من الديمقراطية،
فلطالما السلطة الحاكمة هي التي ترعى القوانين، فكثيرا ما تقوم بصياغتها من جديد، وتأويلها وتفسيرها بما يضمن لها التحكم والسيطرة والاستمرارية، وبالتالي نسف تلك الحقوق والمبادئ التي يشهّرها الإعلان… إن التجاوزات القائمة من قبل النظم العربية لا يمكن حصرها في مجال ما، فما زال تعذيب المعتقل الأمر المنكر والفظيع ممارسا من قبل غالبية السلطات العربية الحاكمة، ويشهد على ذلك ضحايا التعذيب حتى الموت، فضلا عن الاعتقال الكيفي، وزج العشرات في أقبية السجون دونما محاكمة، أو على أحسن تقدير محاكمة صورية، كما أن الحجز على حرية الفرد، ومنعه من السفر، وسحب جواز سفره.من الممارسات الاعتيادية، وأيضا محظور على مختلف الأحزاب والتنظيمات حق التظاهر السلمي، ولو كان في سبيل مسألة قومية أو وطنية، فالشعب هنا ليس مصدر السلطات، بل محكوم هو بإسار سلطة جائرة، تحكم عنوة، فلا تسمح السلطات  بالتعددية على صعيد الأحزاب والتنظيمات، وبالتالي لا تعددية في الآراء،  كحق التعبير خلال حشد جماهيري، أو تجمع  سلمي، أو حتى على صعيد نشر الصحف. فضلا عن حالات أخرى عديدة…
إن الإنسان هو ركن الحياة الأول دون منازع في الكون، وهو دائما ينزع إلى الكمال، وإن سعي الأمم المتحضرة للرقي بالإنسان إلى هذا الكمال المنشود، من خلال تمتعه بتلك الحقوق التي يفردها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أمر محمود له ما يبرره، فإذا كان تحقيق هذه المبادئ عصي على التطبيق في بعض العوالم، منها العالم العربي، ولطالما أن تحقيق ذلك لا يدخل في خانة الاستحالة، فإذن ينبغي علينا أن نسعى ونناضل في سبيل تحقيق تلك المبادئ، وبمجرد السير في هذا الطريق، هو مناضلة  وإيمان بتلك المبادئ، فلا بدّ إذن من مواصلة النضال حتى يتحرر الإنسان من وطأة الظلم والطغيان، وليشهد حالة مريحة، تترجم فيها كثير من تلك المثل التي ضحّى من أجلها الإنسان منذ الأزل إلى حقائق واقعية، ليستمتع الفرد بنعم الحياة وفي مقدمتها حريته الوافرة، وكرامته المصونة.. ولقد كرّمنا بني آدم…
© منبر الحرية، 11 دجنبر/كانون الأول2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

تعكس علاقة الأمّة بالثقافة موقفها من تاريخها و راهنها ومستقبلها، وتعكس درجة استقلالها ووعيها بذاتها. وتختلف هذه العلاقة، من حيث القوة والحجم والتأثير المتبادل، من مجتمع لآخر، ومن زمن لآخر في المجتمع الواحد. إذ ليس لأمة حيّة، طموحة ومتقدمة، أن تكتف بثقافة تقليدية- عامة تقتصر على الأعراف والعادات المتوارثة والأشكال الأولية من المعارف الجمعية والعقائد والقيم التي تشير إلى خصوصيتها وتؤكدها. ولذلك تطلع، بصورة مستمرة، إلى ثقافة أرقى وأكثر تقدماً تتناسب مع آفاق تقدمها، وتستجيب لغاياتها المستقبلية، مع الحفاظ على الحد الأدنى من خصوصيتها ومن سمات هويتها الثقافية، التي لا تتعارض سيرورة تطورها الشامل.
تمتلك الثقافة بذاتها قدرات هائلة على تغيير المجتمعات وتجديدها، بل تشكل أسّ هذا التغيير وجوهره. وبالمقابل فإن البشر حينما يعمدون إلى تغيير أنفسهم وأوضاعهم، إنما ينتجون وعياً أرقى بهذا التغيير يشكل روح ثقافة أكثر تقدماً. وهنا تتراكم المعارف والخبرات في سياقٍ إعادة تشكيل ثقافة الأمّة وتطور هويتها.
إذن، ثمة علاقة ضرورية بين التحولات الثقافية والتحولات التاريخية، تكون الهويّة الثقافية، وفقاً لها، مشروعاً بنائياً متواصلاً، يقوم على الاحتواء لما هو ماض وحاضر و يتجاوزهما. إنها علاقة جدلية قوامها النفي والاستبقاء، أي تحرير الذات مما هو سلبي في الماضي، والاستبقاء النقدي لما هو إيجابي وفاعل. وعليه فإن ما يميّز الذات أو الهويّة الثقافية للأمة هو هذا السياق التاريخي الخاص لتطورها.
بهذا المعنى، الهويّة الثقافية للأمة ليست ثابتة ومنجزة دفعة واحدة في التاريخ، ولا ينقصها التناقض والانقسام الداخلي، اللذين يشكلان حافزاً لتخطي ذاتها على الدوام، ولهذا هي تتجاوز ذاتها باستمرار في الأزمنة المختلفة. فلا يمكن القول عنها إنها مغلقة، بل مفتوحة بالمعنى التاريخي التفاعلي، ويتم إنتاجها وإعادة تشكيلها في صيرورة تاريخية لا تكتمل أبداً.
ويمكن القول أيضاً، إن الهويّة الثقافية لأمة من الأمم ليست مفارقة للتاريخ، للزمان والمكان، وإنما هي محايثة لها، تنبثق في جغرافية معينة، وفي زمان معين، ولها تاريخها الخاص. إنها أبعد ما تكون عن الثبات المطلق. ومن هنا فإن هذا التأكيد على الخصوصية التاريخية لثقافة لا ينبغي أن يكون لهدف تكريس وهم أيديولوجي معين، يقود إلى تصور لا تاريخي للهوية الثقافية، أي بوصفها جوهراً خالداً، أو ماهية ثابتة تتعالى على التاريخ.
انطلاقا من هذا الموقف، فإن النظر إلى تلك العلاقة يستدعي تعريفاً إجرائياً لمفهوم( الثقافة الحرّة) بإزاء( الثقافة التابعة أو المقيدة) أو ثقافة الإتباع لا الإبداع. فإذا كانت الثقافة عموماً هي فكرة الأمة بالذات عن ذاتها وعن الآخر، فإن الثقافة الحرّة هي ثقافة وعيُّ أمة بضرورة حريتها، التي تطلع إلى المزيد منها، تمارسها وتنافح عنها، تعبير عن الشغف الدائم بها. فالحرية حاجة متواصلة، والحاجة برأي هيغل، هو وعيّ النقص. والحال أن الحرية لا تكون بالنسبة للأمة حاجة، ما لم تدرك هذا النقصان بها، وتعي افتقارها الدائم إليها. هنا تقاس قيمة الثقافة الحرّة وأهميتها، بدرجة وعيّ الأمة المنتجة لها بالحاجة المستمرة إلى الحرية، على أنها ثمرة وعيها الحرّ بضرورتها. الثقافة الحرّة هي ممارسة كلّ القوى من أجل هدف الحرّية الكاملة اللامتناهي.
الأمة الأكثر حرّية، هي الأقل جهلاً، والأكثر عقلانية ووعياً بالضرورة. وتبدو لنا الثقافة الحرّة، حاجةً تلازم كل أمة لا تريد لنفسها أن تكون خاضعة للضرورة اللاواعية والفوضى والاعتباطية. وهي في الوقت نفسه الأقل تعصباً والأكثر تسامحاً. فالثقافة الحرّة ليس لها أن تحقق امتداداً إلا في التواصل الإنساني والتعايش، تكرّس الحوار والتفكير الحرّ وسيلةً، ويصاحبها التسامح وقبول الآخر مظهراً لها.
لا تسعى الثقافة الحرّة إلى تأبيد الواقع وتكريس ما هو قائم، بل تتطلع إلى تجاوز العالم الراهن وتخطيه. إنها في العمق تنطوي على قناعة بأن ثمة واقعاً أكثر كمالاً  وجمالاً يمتد وراء الوضع القائم، الذي يبدو ناقصاً من وجهة نظرها، وتعبر عن الثقة بالمستقبل والتفاؤل به.
وتفصح الثقافة الحرّة عن إمكانات تطور هذا الواقع وتقدمه، عبر التشكيك والنقد. إن ما يعدّ نتاجاً لهذه الثقافة يدخل في نطاق الثقافة النقدية، التي تعيد تشكيل أسئلتها وتعيد إنتاج ذاتها في سياق تشكيل الواقع باستمرار. وحينما تصل الثقافة الحرّة  إلى هذه الدرجة من نقد العالم فلا تكون مقيّدة إليه أو تابعة، أو في حالة إمحاء تامٍّ، تنشأ لديها الرغبة في تخطي ذاتها وعالمها الواقعي. فلا تمنح موافقتها الدائمة لأيّ واقعٍ قائمٍ يفترض أنه الأمثل أو ينبغي الاعتراف به على أنه الواقع الصحيح والعقلاني معاً. هنا تقبع معارضة الثقافة الحرّة لكلّ سلطة، أيّاً كانت، أخلاقية، سياسية، دينية، اجتماعية، تسبغ على نفسها القداسة.
© منبر الحرية، 06 سبتمبر/أيلول 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

أثارت وما تزال تثير المسألة التعليمية بالمغرب اهتماما كبيرا في مختلف الأوساط الفكرية والتربوية والسياسية والاجتماعية (من مفارقات هذه المسألة تناولها سياسيا أكثر من مقاربتها سوسيولوجيا أو تربويا) بل وكتبت مؤلفات حولها تسعى لتقديم الوصفات السحرية لأزمة لم تشخص بعد، لكن هيهات أن تصل على سبيل المثال إلى النظرية البورديوزية نسبة إلى بيير بورديو ورفيقه جان كلود باسرون حول التعليم بفرنسا في كتابهما ” إعادة الإنتاج ـ عناصر في سبيل نظرية نظام التعليم ـ، وانتهجت بصددها سياسات مختلفة ومتباينة لعل وعسى أن تنجح في معالجة الموضوع الذي لم يبرح مكانه بالنظر لجزئية الحلول المفضية إلى تكريس تفاقم المشكل الذي لم يكن وليد اللحظة الراهنة بل نتاج تراكم فترات سابقة. إذ منذ الاستقلال والإصلاحات تتنوع وتتعدد غير أنها لم تصل إلى حد إحداث تغيير جوهري في الوضع أكثر مما تمكنت من تعقيد المشاكل الموروثة عن النظام التعليمي السابق (الفرنسي) وعن النظام الاجتماعي من جهة، ومن أخرى نجد غياب التصور الشمولي للإصلاح الحقيقي وحضور المصالح الإيديولوجية ما سيكشف عن الفشل الذريع لهذه المحاولات الإصلاحية عفوا الترقيعية فهو التعبير الأنسب.
إن ما يبدو جليا أن عقارب ساعات الإصلاح قد تعطلت في ورش التربية والتكوين، فكل المؤشرات تدل على أن المسافة تزداد هوة وبعدا بين طموح الخطاب وواقع الممارسة، رغم كون هذا الورش هو ثاني قضية للمغاربة بعد مشكل الصحراء إذ أكد العاهل المغربي محمد السادس في خطبة افتتاح الدورة التشريعية على كون التعليم النافع إلى جانب التشغيل المنتج و التنمية الاقتصادية و السكن اللائق الانشغالات الحقيقية لمغرب اليوم والغد. فكيف إذن يحظى قطاع بكل هذه الأهمية ويأتي في ترتيب التقارير الدولية دون مستوى تعليم غزة التي تعيش تحت الحصار؟ إن إطلاق برنامج استعجالي يرمي إلى”إصلاح الإصلاح” يراه الكثير من المهتمين بالشأن التعليمي مجرد تحيين وإعادة إخراج لنفس سيناريوهات الأداء التعليمي بالمغرب. فلماذا كل هذا الفشل في قضية تنال منزلة مرموقة في أولويات الدولة؟
لن نكون مبالغين إذا قلنا أن البقاء في هذا الوضع سياسة متعمدة من لدن الجهات الوصية على هذا القطاع بالنظر لأسباب عدة نجملها في:
ـ غياب سياسية حقيقة حول حقل التعليم وازدواجية تسييره ما بين وزارة الحكومة ووزارة الظل.
ـ التبعية التاريخية للنظم التعليمية الفرنسية البالية وغير الملائمة للخلفية الثقافية التي غرست فيها بعد استيرادها.
ـ أزمتي المعرفة والمنهج التي تتخبط فيها البرامج والمقررات التعليمية بالمغرب في كل المستويات بدء بالابتدائي وصولا إلى الجامعي.
ـ ضحالة الميزانية المرصودة للبحث العلمي المحصورة عند سقف %0.8 من الناتج القومي مقابل تخصيص دول كالصين ل%9 و أمريكا ل% 7 و جنوب إفريقيا ل % 3 من  الناتج القومي.
أكثر من ذلك فمعطيات من قبيل ترتيب المغرب في الدرجة 126 من أصل 177 دولة في تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة برسم 2007 و 2008، ونسب الهدر المدرسي ما زالت مرتفعة، فأزيد من 400 ألف تلميذ يغادرون أقسام الدراسة سنويا، كما نجد مليونين ونصف المليون طفل خارج الزمن المدرسي. ونسبة الأمية ما زالت تهم %38 من الأطفال في سن العاشرة فما فوق ـ حسب دراسة للسوسيولوجي المغربي عبد الرحيم العطري ـ. تكشف عن نية مبيتة لثبات الوضع واستمراره، إذ كيف يعقل أن تكون هذه الأرقام في دولة تزعم أنها تشتغل على ورش التعليم منذ أزيد من نصف قرن.
“إن ما سمي بالإصلاح الجامعي في نظري كارثة وطنية لأن تبعاتها ستمتد على الأقل من 10 إلى 15 سنة قادمة”، تعود مقولة الدكتور المهدي المنجرة هذه لخمس سنوات مضت لكنها تكشف عن ما سبق وأكدناه. تعد الجامعة قمة نظم التعليم الرسمي ما يجعلها في طليعة المؤسسات التي ستقود حملة تحسين قدرات الإنسان ورفع مستواه، ولكنها تحجم عن القيام بهذا الدور القيادي بالنظر لجملة من العراقيل التي تتخبط فيها من قبيل مشاكل التشارك الانتقائي، التخصص الضيق، إهمال القضايا الحيوية، هشاشة البرامج والمقررات الدراسية، اعتبارها حقلا لتخريج جحافيل المعطلين، انغلاق الجامعة على محيطها الخارجي، أزمة البحث العلمي التي لا تتجاوز استنساخ ما سلف من البحوث، اعتماد الترقية بمعيار الأقدمية بدل معيار الإنتاج العلمي والمعرفي ما يشجع الأساتذة على الكسل والخمول.
هذا ما يخص الشق الأول من المعادلة أما عن الشق الثاني فالواقع أدهى وأمر إذ وصل  مستوى الوعي الطلابي بواقع الأزمة إلى الحضيض، فإذا كانت الحركات الطلابية بالجامعات الغربية قد زعزعت وبشدة العالم المتقدم، فإن انعدام الوعي من جهة و واجبات “الأمن الوطني” من أخرى قد ساهمتا جنبا إلى جنب في تجميد كل تغيير باسم الاستقرار والحفاظ على الأوضاع.
وقبل الختم نرى من نافلة البحث القيام بإطلالة على تصنيف WEBOMETRICS  الخاص بترتيب الجامعات على الصعيد العالمي حتى نتمكن من توسيع نطاق التناول بين المقاربة الداخلية والخارجية. فأحدث تصنيف كان في يناير من هذا العام واضعا أول جامعة مغربية وهي جامعة القاضي عياض بمراكش في الدرجة 3412 عالميا، وهي بالمناسبة أول جامعة مغربية تتوفق في الانخراط بنجاح في نظام الجودة محصلة بذلك على شهادة الجودة “إيزو 9001”. كل هذا أهلها إلى أن تحتل المرتبة 17 على المستوى القاري و 21 على المستوى العربي مع ملاحظة أساسية تجلت في احتلال جامعة كينية للمرتبة 12 إفريقيا متجاوزة  هارفارد إفريقيا( جامعة الأخوين) التي جاءت في المرتبة 29 قاريا و36 عربيا و4571 عالميا.
هذه اللعنة من الأرقام لا تريد أن تنفك عن قطاع من الأهمية بمكان في الأجندة السياسية للبلاد، وذلك ببساطة لكون التقدم في ميدان حيوي كهذا رهين بوضوح الرؤية والالتزام على الصعيد السياسي أولا، والاستقلال الثقافي الذي لا يؤخذ أو يعطى عن الاتفاق الدولي ثانيا.
© منبر الحرية، 15 يوليو/تموز 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20101

تفرز أسئلة وقضايا “الجامعة والمجتمع” في البلدان العربية العديد من الموضوعات الساخنة المثيرة للجدل؛ وهي من النوع الذي ما فتيء يعيي ويشغل تفكير وتأملات الأكاديميين العرب. بيد أن واحداً من أكثر هذه القضايا إثارة للشجون ومدعاة للإهتمام يتشكل من شائكية علاقات الجامعات العربية بالجامعات الأجنبية، الغربية على نحو خاص. واحدة من الملاحظات التي تستحق الرصد والعناية في هذا السياق هي الشعور الوسواسي بـ”دونية” مؤسساتنا الأكاديمية مقارنة بمثيلاتها في الدول الأخرى، الأمر الذي يبرر ما يلاحظ من ظواهر التقييم العالي، والمبالغ به أحياناً، للأساتذة الأجانب ولخريجي الجامعات الأجنبية من الأساتذة المحليين مقارنة بخريجي جامعاتنا. بيد أن الطريف هنا هو أن أغلب القيادات الجامعية المحلية غالباً ما تتحدث عن المستوى العلمي اللائق لجامعاتنا درجة المطالبة بمعادلة الشهادات والمساواة بين الخريجين القادمين من الخارج وهؤلاء المتخرجين من الداخل. ولكن عندما يكون المسؤول الجامعي المعني “على المحك”، فإنه غالباً ما يعمد إلى التفاخر لأنه خريج هذه الدولة الأجنبية أو تلك، متخلياً عن إدعاءاته أن الجامعتين، المحلية والأجنبية، سيان في المستوى العلمي. والدليل على وطأة “عقدة” الأجنبي قد تمثلت مراراً في حالات إعتذار الجامعات العربية عن قبول أساتذة عرب على درجة رفيعة من اللياقة والتدريب الأكاديمي الرفيع للعمل فيها في الوقت الذي يقبل فيه الأساتذة الأجانب كأختيار أفضل على نحو متعام، تجسيداً لـ”عقدة الخواجة”.
لاشك في أن لهذه الظواهر ما يبررها من الأسباب، ذلك أن الجامعات الأجنبية (من نواحي الإنجاز والتاريخ الأكاديمي) متطورة للغاية مقارنة بجامعاتنا العربية التي تعد فتية نسبياً، لا تزيد أعمار أقدمها عن قرن واحد من الزمان في أفضل الأحوال، إذا ما إستثنينا مفهوم “المدرسة” التقليدي الموروث من العصر العباسي وما تلاه. بيد أن هذه الحال لا تعفينا من المعضلات التي إنبعثت من تعقيد العلاقة بين مؤسساتنا الأكاديمية ومكافئاتها في الدول الأخرى، خاصة بعد أن صار هذا الموضوع مثيراً للجدل الساخن بسبب الحساسيات من كل ما هو أجنبي، الأمر الذي أحال هذه القضية إلى نوعين من الإستجابة، هما: (1) الإستجابة الإنغماسية؛ (2) الإستجابة الإنكماشية. في الحالة الأولى، يدعو خريجو الجامعات الأجنبية إلى “الإستنساخ” أو المحاكاة المتعامية التي تقود مؤسساتنا الجامعية لأن تكون نسخاً مكررة للمؤسسات الأكاديمية الأجنبية. وبهذا تظهر لنا الجامعة في البلدان العربية وكأنها عضو غريب مستزرع أو منقول إلى أرض عربية لا تمت إليه بصلة، فهو يخشاها ويرفضها ويقاومها. أما في الحالة الثانية، يدعو بعض المنظرين الأكاديميين، المنغمسين حد الرأس بالمحلية وبالتراثيات، إلى “نسخ” التجارب الأجنبية والإمتناع عن محاكاتها بوصفها تجارب غريبة لا يمكن أن تناسب المجتمعات والتقاليد المحلية. وهكذا كان الإرتطام بين الرأيين والرؤيتين، متبلوراً في عدد من المحكات والمحطات التي أعيت الحياة الجامعية في العالم العربي عبر عقود طوال من الزمان وتركت آثارها حتى اللحظة.
واحدة من هذه المحكات المنطوية على التنافر بين رؤيتي النسخ والإستنساخ تتجسد في حركة “تعريب المناهج” الجامعية التي، كما يبدو على السطح، كانت من أهم المهمات الملقاة على عاتق المؤسسات الأكاديمية العربية بعد تحقيق الإستقلال السياسي. ففي الوقت الذي إندفع فيه العديد من القياديين الجامعيين والمنظرين العرب إلى تطبيق التعريب (إعتزازاً باللغة وبالتقاليد القومية)، ذهب البعض الآخر من خريجي الجامعات الغربية إلى ضرورة الإبقاء على اللغات الأوربية (الإنكليزية في المشرق العربي، والفرنسية في المغرب العربي) كوسيلة للتدريس وللدراسة وللبحث العلمي في جامعاتنا. وكانت النتيجة فوضوية بدرجة مقلقة: في الحالة الأولى، أدارت مجامع اللغة العربية والمؤسسات الترجمية في العواصم العربية عجلاتها بكل طاقاتها لتعريب المناهج والكتب الدراسية من الفيزياء إلى الطب، الأمر الذي إنتهى إلى ظهور العديد من هذه الكتب على نحو فوضوي مشوه وغير موحد بين الجامعات العربية نظراً لسيادة التشبث الفردي ولغياب لجنة مركزية لتوحيد المصطلح العلمي والفني وللإتفاق على تعريب وصياغات تشمل جميع الكليات والأقسام. زد على ذلك بروز مشكلة اللغات الأجنبية بين الطلبة العرب الذين يعانون أصلاً من صعوبات تعلمها منذ نعومة أظفارهم. وقد أدت هذه الحال إلى صعوبة إبتعاث خريجي بعض الجامعات العربية للدراسة في الجامعات الأجنبية بسبب المعوقات اللغوية والتمايزات الثقافية، علاوة على تعقيدات الإتصال بالمؤسسات الأكاديمية الأجنبية وصعوبات مواكبة الجديد في حقول العلم والثقافة، البحث والإستقصاء.
ولكن من ناحية ثانية، بقيت بعض المؤسسات الأكاديمية في العالم العربي متمسكة باللغة الأجنبية في الكتب المنهجية وفي الحاضرات وكتابة الأطروحات والبحوث العلمية، الأمر الذي أدى إلى نوع من التباعد بين الحقول العلمية الأكاديمية وبين الحقول الحياتية والإجتماعية التطبيقية. لقد كان حاجز اللغة من أهم العوائق التي شابت تقوية العلاقة بين المجتمع والجامعة. وهكذا سقط العديد من هؤلاء الأكاديميين في مأزق الإغتراب، حيث صارت الكلية أو القسم الدراسي “قلعة” محصنة منفصلة عمن يبحث عن فوائدها وجدواها ومردوداتها الإجتماعية العامة.
وإذا كان موضوع “التعريب” نموذجاً يستحق الرصد والمعاينة، فإن هناك أمثلة كثيرة تعكس تعقيد العلاقات بين مؤسساتنا الأكاديمية وبين مكافئاتها الأجنبية. بيد أن هذا لاينبغي أن يعمي المرء عن حقائق كونية المعرفة universality التي إشتقت لفظة “الجامعة” university منها، الأمر الذي يفرض علينا الإتصال والتواصل مع الآخر للإفادة من المؤسسات الجامعية الأجنبية لإغراض تبادل المعارف والتجارب والتراكم المعرفي والبحثي. إن المؤسسات الأكاديمية العربية بحاجة إلى تأسيس “شراكات” مع الجامعات الأجنبية لبلوغ المستويات العلمية الدولية وللحصول على الإعتراف العالمي بالشهادات الممنوحة لخريجي الجامعات المحلية. هذا ما لا يمكن أن يتحقق من غير مد جسور التعاون مع الجامعات الأجنبية ومع المنظمات الأجنبية المختصة في هذه الحقول من أجل تكريس دور الجامعة في تطوير الموارد البشرية والكوادر الإختصاصية والعالية المهارة. لذا ينبغي لإستراتيجيات التعليم العالي العربية التفتح على الإبتعاثات العلمية من ناحية، وعلى إستقبال الأساتذة الرفيعي المستوى لإلقاء المحاضرات وإجراء التطبيقات أمام الطلبة المحليين، علاوة على الإهتمام بـ”ورشات التدريب” للأكاديميين وللإداريين الجامعيين المحليين في الجامعات الأجنبية. إن تبادل الزيارات بين الأساتذة وإرسال مجاميع من الطلاب المتفوقين في دورات قصيرة أو متوسطة المدى ستصب في هدف الإتساق والتناغم بين ما يجري “هنا” وما يجري “هناك” . ومن أجل تعظيم الفوائد من تجارب الجامعات الأخرى، تظهر أهمية إستقبال معارض الكتب والمطبوعات والمجلات العلمية التي تصدرها دور النشر الجامعية العالمية كي تفتتح في كلياتنا وأقسامنا العلمية. وبضمن هذه الأنشطة تظهر أهمية إتفاقيات التعاون العلمي والأكاديمي بين الجامعات المحلية والجامعات الأجنبية، حيث إن مثل هذه الإتفاقيات تقوي التبادل المعرفي والتفاعل الأكاديمي عن طريق تبادل الزيارات العلمية وقيام أساتذة أجانب بالإشراف على باحثي الدراسات العليا المحليين، والعكس صحيح. وأخيراً، تبرز الآن ظاهرة “التوأمة” بين بعض الجامعات العربية وبين جامعات أجنبية كبرى، إذ تؤول هذه العملية المهمة إلى تحقيق وبلوغ شيء من التوازي في المستويات العلمية ومخرجات الأداء والكفاءة.
ولكي لا تثير مثل هذه الأفكار حفيظة المحافظين، فإنه من المفيد تجنب فتح “فروع” لجامعات أجنبية في بلداننا، بيد أن هذا لا يعني منع تأسيس جامعات محلية/أجنبية، جامعات تحاول الإفادة من معطيات التقدم الذي أحرزته الأكاديميات الأجنبية دون التضحية بسجايا الثقافة المحلية والهوية الوطنية، من الدين إلى اللغة.
© منبر الحرية، 23 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

تنقسم القمم على خلفية الهدف المرجو منها إلى ثلاثة أقسام،1. قمة مصارحة و هي الأبدى بين القمم،2. قمة مصالحة هي تعلن بصراحة عن وجود خلافات تسعى لحلها
و كلاهما تؤتى منهما الثمار، 3. قمة مصافحة و بوس اللحى و هي التي لا تؤت ثمار لبذور لم تغرس قط.
هنا يجب الحديث عن جدوى القمم العربية و أهمية انعقادها بشكل دوري.
القمة هي الآلية الكبرى التي تعتمد المحور السياسي و الاقتصادي و الأجتماعي و انعقادها بشكل دوري ضروري لإدارة الملفات المستجدة على كافة المحاور السابقة.
و لكن هل القمم العربية تفعل هذا الدور المنوط بها ؟
يتضح هذا من خلال مقارنة بين القمة الأفريقية و القمة العربية اللتان بدأتا دوريات انعقادهم في نفس الوقت، في حين انعقدت 39 قمة أفريقية انعقدت 21 قمة عربية حقيقة لا تحتاج لتعليق ! و في مقارنة أخرى بين قمة انشاص عام 46 التي خرجت بنتائجها غير المعلنة عن حضور سبع دول عربية و قرار ظل طي الكتمان حتى عام 48.قمة 63 التي لفت فيها الرئيس المصري عبد الناصر أنظار العالم العربي عن خطورة تحويل مياه نهر الأردن لصالح إسرائيل، هذه قمم سجلت في ذاكرة التاريخ فماذا عن قمة الدوحة الأخيرة؟!
إدارة الخلافات بدلاً من المصالحة العربية !
تمثيل عربي على أعلى المستويات و غياب الشقيقة الكبرى !
تمسك بمبادرة السلام العربية المطروحة على طاولة المفاوضات لست أعوام على التوالي بشكل لم يعد يصلح للتصديق عليها أو إغفالها !
صعود سوداني.. هبوط فلسطيني !
المصالحة العربية كانت عنواناً عريضاً لهذه القمة و خيار لا بديل عنه لدول الحضور و الخلافات كانت أعمق من قمة لم تتعدى الملاسنة و بوس اللحى إلى عرض حقيقي للمشكلات و محاولة البحث لها عن حلول فخرجنا بأضعف الإيمان على لسان الرئيس السوري الأكثر صراحة في هذه القمة معلناً إدارة الخلافات أضعف الإيمان.
ما عن القضية الفلسطينية التي كانت محوراً لكل القمم العربية السابقة فقد توارت كثيراًُ في هذه القمة خاصة و لم يحدث تصالح فلسطيني فلسطيني كما كنا نأمل قبل انعقاد هذه القمة.
و كان غياب الشقيقة الكبرى الحدث الذي لم نجد له مبرراً مقنعاً عن هذه القمة التي حرص جميع الزعماء العرب على التواجد فيها لماذا ؟ هل هكذا تعاقب الشقيقة الكبرى أشقائها الأصغر ؟! ما هي الرسالة التي توجهها مصر بهذا الغياب و إلى من؟
غياب مصر في أجواء تصالحية كما يبدو للوهلة الأولى غير مبرر و لكن من يجيد قراءة ما خلف الكواليس يجد أن الشقيقة الكبرى أرادت بهذا الغياب عقاب الأشقاء الصغار على عرقلة سعيها في حلول بعض القضايا الأقليمية و التلاسن الإعلامي الذي طالها و لكن هل في السياسة يوجد كبير و صغير أم أن من يتحمل دوره يستحق الاحترام ؟ و هل الغياب الطريقة المثلى لحل الخلافات ؟
تعاني منطقة الشرق الأوسط من فراغ في الأدوار الأقليمية و تكالب من بعض الدول على سد الثغرات دون تحديد للأدوار و من هنا بدأت المشكلة التي أججتها قطر بدورها الكبير في زيادة مساحة الخلاف الفلسطيني الفلسطيني و محاولتها دحض الدور المصري في إدارة ملف غزة، دعم التدخل الإيراني في الملفات العربية الساخنة في الوقت الذي مازالت مصر تعمل بنظام اقليمي عربي يحافظ على آليات الجامعة العربية و لا يقبل التدخل في شئون القطر العربي التي تتحمل العبء الأكبر في حلها إلا في صورة أدوار تكميلية و ليست تدميرية لدورها و سيادتها التاريخية.
فيما كانت كلمة د.مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والبرلمانية نائباً عن الرئيس المصري رسالة عتاب موجهه حين قال ( نحن مع دعم الإعلام المسئول الذي يلتزم الحقيقة في مادته الإعلامية و ينأى بنفسه عن ترديد الشائعات )
و أشار في رسالة أخرى إلى ضرورة تفعيل آلية القمم المصغرة و فق قواعد جديدة حتى لا تتحول إلى آلية لنفخ جذوة الخلافات العربية المشتعلة.
في الوقت الذي تنتهج فيه مصر آلية الجولات المكوكية أو القمم الصغيرة لإيمانها بأنها تحل كثير من الخلافات التي لا يمكن طرحها على مائدة مفاوضات قمة مارس من كل عام.
فيما نتوقع جولة مكوكية قريبة لتصفية الخلافات تجمع أمير قطر و رئيس سوريا مع مصر و السعودية صاحبتا التمثيل الدبلوماسي الأقل في هذه القمة.
فيما تضمنت كلمة د. مفيد شهاب رسالة أخرى تطوي بداخلها طرح قضية التعريب في كلمة صريحة موجعه متطلعة للمستقبل ( إحدى جارات العالم العربي دخلت عالم الفضاء )
أما عن الملف الرئيسي لهذه القمة و هي مبادرة السلام فما جدوى هذه المبادرة التي يبدو بشأنها كل هذا الخلاف في ظل سياسة التهويد و الاستيطان الإسرائيلية ؟ و المرحلة الصعبة التي ستقبل عليها ملفاتنا العربية المفتوحة مع إسرائيل في ظل القيادة اليمينية المتشددة للحكومة الجديدة و حفائر المسجد الأقصى التي لم تتوقف ؟ و لكن هل سحب المبادرة مناسب في هذا التوقيت ؟ و ما هو البديل ؟
يقول المحللون السياسيون أنه في ظل تغير نظرة العالم الغربي لإسرائيل و تشكك أمريكا المعلن في إمكانية تحقيق تقدم في قضية السلام مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة ستقدم هذه المبادرة العرب للعالم كدعاة سلام و ستصبح غطاء لمطالبنا المشروعة.
لكن الواقع له حديث آخر فنظرة العالم الغربي التي يشار بتغييرها لن تغير في مواقفه التي يتبناها تجاه العالم العربي الكثير لأن المسألة تدخل فيها التوازنات السياسية و الأقتصادية و لا مجال فيها للجانب العاطفي الذي يعول عليه المحللون في ضرورة التمسك بهذه المبادرة.
كما أن هناك حقيقة لا تقبل الشك في أن هذه المبادره المثار حولها الخلاف لم تعد تصلح الآن حتى على مستوى إدارة الخلافات العربية بعدما اخفقت في تحقيق حلم المصالحة بالأقتراب من الملفات الرئيسية و الاتفاق على الحدود الدنيا لحلها و أصبح لزاماً علينا الآن تبني موقف عربي موحد وفق تصورات عربية جديدة تتفق و الموقف المتأزم الذي تمر به المنطقة و تتلامس مع المتغيرات العالمية الجديدة بتقديم أجندة أقتصادية و سياسية موحدة تجبر العالم على خيار السلام، تجبره لا تستجديه فهل نحن قادرون على تقديم مثل هذه الأجندة أم سنظل نتفق و نختلف حول عبارة السلام خيار إستراتيجي العبارة مطاطة التي تحمل أي معنى حقيقي و التي تبنتها الاتفاقية في أول بنودها ؟!!!!
© منبر الحرية، 31 مايو 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

أذهلَ قاض ٍ سعودي مؤخرا العديد من السعوديين، كما صَعَقَ الرأي العام العالمي، من خلال إتمامه عقد زواج بين طفلة تبلغ من العمر ثمان سنين ورجلٍ عمره سبعة وأربعون عاما. فقد ذكّر ذلك الحُكم الرأي العام بممارسة مقيتة لطالما كانت متوارية عن الأنظار، وبعيدة عن النقد العام والمناقشة العلنية.
لم تكن تلك القضية فريدة من نوعها. فهناك قضية أخرى في اليمن هزّت الرأي العام مؤخرا، حيث طالبت طفلة تبلغ من العمر عشرة أعوام المحكمة بالطلاق، بعد أن أجبرها والداها على الزواج من رجل يبلغ الثلاثين من العمر، استغّل هذا الامتياز الذي حصل عليه بموجب عقد الزواج ليغتصبها وينتهك شرفها. إنه لمن المخزي أن يُسمح بحدوث مثل هذه “الزيجات” القسرية الفاضحة. ومع ذلك، فإن المطلعين على الأنظمة التعليمية في العالم العربي لم يتفاجأوا.
إن الأنظمة التعليمية المخزية التي تقمع التفكير النقدي السليم هي التي جعلت مثل هذه الممارسات الرجعية تتواصل دونما رادعٍ، تتحصن خلف النظرة الدينية المحلية الضيقة الغير الخاضعة للتحقيق. إن مثل هذه الأحكام  و نظيراتها  في العربية السعودية ما هي إلا نتائج للنظام التربوي الفاشل.
لقد فشلت بعض المجتمعات العربية، وبشكل بائس، في خلق أجيال معدّة أعدادا جيدا، لتكون قادرة على اللحاق بركب العالم بشتى مجالاته. فالمناهج التربوية الدينية في السعودية، التي تزاوج إستظهار النصوص وحفظها عن ظهر قلب مع القبول السلبي للممارسات القبلية بلا نقد ولا مراجعة، هي التي أدت إلى تخلف البلاد. فهي لا تهيأ الطلبة لمواكبة  الحداثة والسير  في ركبها، ولا تأهلهم للإسهام الفعّال والمنتج في المنظومة الاقتصادية العالمية.
وعلى الرغم من سيل المليارات تلو المليارات من أموال النفط التي تُنفق على النظام التعليمي العام، لا يزال الطلبة السعوديون يقبعون وبشكل مستمر في أدنى المراتب ولا سيما في الرياضيات والعلوم.  والمذنب الأكبر الذي يتحمل وزر هذا الأمر هو القمع؛ قمع التفكير النقدي، فضلا عن قلة التعاطي مع الرياضيات والعلوم. فالمحصلة هي ضياع استثمار كبيرٌ  في البنى التحتية للتعليم العالي وعدم إتيان أكله. يبدو الأمر كما لو أن الدولة قد اشترت أحدث  جهاز الحاسوب، ولكنها أهملت برنامج الاستعمال المناسب لتشغيله.
تفشل معظم الأنظمة التربوية العربية في إعداد خريجيها للحياة العملية الإنتاجية. فيتخرج في كل عام آلاف الطلبة من الجامعات بشهادات في الشريعة الإسلامية أو الأدب العربي. ولكن السواد الأعظم من هؤلاء الخريجين سيلتحق بصفوف البطالة، أو سيشعل مناصب لا تناسبه، أو يوَظّف في القطاع الحكومي المترهّل، مما يسهم أيضا في ضعف الأداء الحكومي الذي يعاني مسبقا من عدم الكفاءة. لقد أُضعفت وروح المبادرة والاستقلال و التفكير الذاتي التي تعتبر الدعائم الأساسية لإذكاء روح المقاولة والممارسة الديمقراطية. فلا عجب إذن من أن يقوم القضاة بالحكم على الفتيات البريئات بمثل هذه المصائر المفجعة.
على العربية السعودية وغيرها من الدول العربية أن تنظر إلى سياسات الولايات المتحدة والهند التي حوّلت التعليم وجعلت منه قوة فاعلة وأساسية في تحقيق النمو الاقتصادي.
أوضحت كلاوديا غولدن ولورنس كاتز من جامعة هارفارد أن العائدات الاقتصادية للاستثمارات التعليمية هي عائدات ضخمة. إذ يكسب خريجي الجامعات، في الأنظمة التعليمية الموائمة لسوق العمل، عائدات جيدة جراء استثماراتهم للمال والوقت اللازمين. كما أن رغبة الأمريكيين في الاستثمار في الرأسمال البشري، نخبة كانوا أم عامة الشعب، حفّزت الإزهار الأمريكي وسارعت وتيرته. ولكن المفتاح لم يكن كمية الاستثمار فقط، بل في التفكير النقدي الموضوعي الذي جعله ذلك الاستثمار ممكنا. وعلى العكس من ذلك، نجد أن العربية السعودية تُغدقُ الإنفاق على التعليم العام المجاني، بهدف إدامة نوع من المعتقدات الدينية التقليدية التي يقوم بتدريسها معلمون ضعفاء الإعداد.
لقد أدى استثمار الهند في التعليم إلى انتشال مئات الملايين من البشر من حالة الفقر المدقع عبر نمو اجتماعي حقيقي مثير للإعجاب.  فقد قالت رئيسة الوزراء الهندية الراحلة إندريا غاندي: “إن التعليم هو قوة مُحررة، وفي عصرنا هذا هو قوة دفع صوب الديمقراطية أيضا، فهو يتخطى حواجز الطبقات والفرق والطوائف، مما يخفف من حدة التباينات التي تُفرَضُ بالولادة و عبر إكراهات أخرى ” غير أن تلك القوة المُحرِّرَة لم تكن تلقى تمويلها من الدولة فقط، كما لاحظ جيمس تولي من جامعة نيوكاسل في بحثه الميداني وفي كتابه الأخير الموسوم  الشجرة الجميلة. فقد استثمر الفقراء بشكل كبير من مواردهم الشحيحة ليؤمّنوا التعليم الملائم لأطفالهم. فكانت إحدى ثمار هذا التعليم الموجه صوب المهارة والتفكير النقدي هي نمو الصناعات التكنولوجية المتطورة في الهند، وهو فرصة لم يكن أحدا يحلم بها قبيل أعوام قليلة.
إن المهمة التي تواجه العديد من البلدان العربية هي الإقرار بأهمية التعليم وأولويته على التدريس المجرد. وليس السر في إنفاق المزيد من المال. فالكيمياء لم تفشل نتيجة نقص في الاستثمار في الأكاديميات المتخصصة بعلم الكيمياء. والمناهج التربوية التي تركّز على الحفظ والاستظهار و النقل لا بد من إصلاحها لكي تسمح بالتفكير النقدي الدي يعتبر عنصرا أساسيا للتخلص من براثن التخلف.  كما أن هذا الأمر نفسه ينطبق على تخلّف النظام القضائي و على التخلف الاقتصادي. فالإصلاح العميق والمتأني – الذي لا يقتصر على الجانب المالي فحسب بل يضع نصب عيناه  التفكير النقدي الحر – يمكن أن ينتج قضاة حكماء. أما الاستظهار فلا ينتج و يكرس سوى التخلف.
* تنشر هذه المقالة بتعاون مع صحيفة ذي ديلي ستار.
© منبر الحرية، 16 مايو 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

لا تختلف الشعوب على أهمية التعليم العالي. به تربعت أمريكا العالم قلبا وقالبا، ومن خلاله انطلقت نمور الشرق واعتمدت عليه دول أوربا في تقدمها. إن سياسات التعليم الجامعي تؤثر وبشكل كبير في حراك التنمية ومستوى الفكر والمعرفة الثقافية والاجتماعية لدى الأفراد، وهو في السنوات الأخيرة نقطة انطلاق لكثير من الدول النامية في أنحاء العالم. أما في السعودية مثلاً وبالرغم من ميزانيات التعليم التي تلتهم النصيب الأكبر من ميزانية الدولة إلا أن نتائج السياسة التعليمية لا ترقى إلى حجمً تلك الميزانيات و الاستثمارات.
تطرح السعودية كنموذج تعليمي العديد من علامات الاستفهام. حين تخرج المدارس الثانوية كل عام مايقارب 300 ألف طالب وطالبه وبارتفاع سنوي يقترب من 4.3%، في حين لاتزال أعداد الجامعات 20 جامعة حكومية نصفها حديثة التأسيس  و12 جامعة أهلية أخرى تتركز في المدن الرئيسية الثلاثة ( الرياض – جدة – الدمام). هذا مقارنة مع بلد كالأردن الذي يستقطب بجامعاته ال40 كل عام الطلاب بسكانة لا تتجاوز 5 مليون نسمة أو دولة البحرين كمثال آخر، والتي تحوي 20 جامعة أخرى بتعداد سكان يقارب 600 ألف نسمة.
لا تكون التنمية إلا بجيل مسلح بالعلم، والعلم الكفء فقط، جودة التعليم التي تعطي الطالب الرغبة في التخصص والانطلاق في الإبداع والدعم اللا محدود ومصادر التعلم المتنوعة ومواكبة للعصر. إن جولة سريعة في جامعاتنا تكفي عن استيعاب واقعها المزري. وتجدر الإشارة هنا إلى تحول نسبة كبيرة من الجامعات إلى مصادر تلقين أو تدجين بعيداً عن أساليب الاقتناع العملي الحر، والأسئلة المتلاحقة، وأفكار البحث العلمي المعروفة، وقد لا أنسى ترتيب الجامعات العربية في الترتيب العالمي.
وبالنظر إلى كل هذا، نجد أن الضرورة ملحة لوضع عدد من البرامج والنقاط  للمساهمة في حل هذه المعضلة منها :
1-     فصل المشاريع الجامعية الكبرى ضمن مشاريع وطنية مستقبلية بعيدا عن روح البيروقراطية والمنهجية ينطلق من خلالها مبادرات فعالة و مستدامة
2-     تنشيط إدارات التعليم الجامعي الأهلي بوزارات التعليم العالي في استقطاب الجامعات العريقة لفتح فروع لها وتقديم الدعم المادي والمعنوي والاستثماري لهذه الجامعات ( جامعة مريلا ند استقطبتها دول في أربع قارات خلال سنتين – جامعة الأمير محمد بن فهد في السعودية بدأت العام 2007 باستقطاب خبرات أكثر من 20 جامعة أمريكية ).
3-     هيكلة السياسة التعليمية وجعلها مؤهلة و قادرة على استقطاب رؤؤس الأموال للاستثمار في مشاريع تعليمية مربحة حين نرى أن جامعة هارفارد تستحوذ على أموال وسندات واستثمارات تفوق 25 مليار دولار ولا ننسى ربط هيئات الاستثمار كعضو فعال في هذا المجال.
4- الاهتمام بجودة التعليم عبر توفير مراكز بحث علمي ومنشات ومراكز خدماتية ومكتبات وغيرها.
5- الاستفادة من خبرات إدارات التدريب على المهن والأعمال الفنية الدقيقة في مجال دعم معاهد القطاع الخاص وانتشارها.
6- الاهتمام بمفاهيم التعليم المفتوح والتعليم عن بعد وفتح المجال أمام العديد من موظفي الدول والقطاع الخاص لاكتساب المعرفة وصقل المواهب.
7- مجاراة فرص العمل في طرح برامج تعليمية عملية تواكب هذه الفرص.ً
إن التجربة الماليزية والهندية والصينية والايرلندية والفنلندية وغيرها  لهي أمثلة لدول نامية حققت انجازاتها من خلال اهتمامها بتعليمها ككل وتعليمها الجامعي بشكل خاص في عالم ينتظر منا ليس التقدم ولكن التقدم بأسرع ما يمكن.
© منبر الحرية، 16 أبريل 2009

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

يجد العرب في أيامهم هذه أنهم وسط مأزق يزداد عمقاً وينعكس على حياتهم السياسية وحرياتهم بكل أبعادها. فهم حققوا دولاً قبل وبعد أواسط القرن الماضي، ولكن ما لبث معظم هذه الدول أن تراجع عن برامج التنمية والسعي للاستثمار في المواطن ومستقبله. في العقود الماضية ساد الاعتقاد العربي بإمكان ردم الهوة مع الغرب، وإذا بالهوة تزداد مع الغرب والشرق الآسيوي في زمننا هذا. في العقود الماضية سعى العرب للانتصار في الصراع على إسرائيل، وإذا بإسرائيل تعود وتلتف على العالم العربي وتسبب لدوله تراجعات متتالية إلا من محاولات شعبية من قبل أطراف شعبية، كما حصل مع حركة «فتح» بعد عام ،١٩٦٧ وفي حرب ٢٠٠٦ مع «حزب الله»، وحرب غزة مع حركة «حماس» عام ٢٠٠٩.
في العقود الماضية سارت دول العالم نحو الديمقراطية وإذا بالدول العربية تتخلف في هذا المجال وتتراجع. وبينما سقطت الشيوعية منذ أكثر من عشرين عاماً إذا بالعرب يتمسكون بالبيروقراطية الضاغطة على الإنسان والمستنزفة للموارد. ومنذ عقود اعتقد العرب بأن الدين لم يعد أساسياً في تقرير شؤون الطوائف وخلافاتها وإذا به يعود متدخلاً في الحريات الشخصية ومثيراً للكراهية بين الفئات.
العقود الماضية كانت قاسية على العرب من خلال الحروب التي شنت عليهم في زمن الاستعمار أو من خلال حرب ١٩٤٨ حين قامت إسرائيل، أم من خلال الحروب التي شنوها على بعضهم من اليمن إلى لبنان إلى الجزائر إلى السودان إلى العراق والكويت والعراق وليبيا في التشاد والصومال. لقد حمل العرب أحلاماً لم يمارسوها، وسعوا إلى معارك يصعب الفوز بها نظراً لوسائل تنظيم ضعيفة وطرق تفكير تائهة، وركزوا على أولويات أقل أهمية وأهملوا قضايا كان يجب أن يثابروا عليها. مرت عقود والعرب منغمسون في قضايا تنقصها العصرية: إذ استمروا ضعفاء في التفكير العلمي والتنمية الثقافية وقوة الحضارة ومقدرة العلم والعمل الجماعي ودعم ازدهار الأفراد. ظلوا تائهين عن ضرورات العصر الأهم: الحرية وكرامة المواطن.
في حصيلة التطورات: تراجعنا، ضُربنا وضربنا أنفسنا. فشعار الوحدة والقومية هُزم على أنقاض الخلافات العربية العربية كما هُزم على يد إسرائيل، كما أن شعار تحرير فلسطين هو الآخر واجهته حقائق صعبة المرة تلو الأخرى، أما شعار «الإسلام هو الحل» بالصيغة التي طرحت في العقدين الماضيين فقد واجه تعثرات مرتبطة بطريقة التطبيق والتضييق على الناس في أبسط حرياتهم وخياراتهم.
إن كل جيل عربي ومنذ عقود طويلة انتهى إلى خيبات أمل متراكمة تجاه حكّامه ومؤسساته، وتجاه اقتصاده وحقوقه. لقد شعر العرب على الدوام بدوار التاريخ وبعقم الحقيقة وبحدة الهزائم. في هذا تولد بينهم منطق خاص ميّزهم عن غيرهم من الشعوب: اعتزاز كبير بالتاريخ، وتمسك حاد بكل ما كان في الماضي من تراث وقوة مصحوب بخوف كبير من المستقبل. وقد وصل هذا التناقض في الوضع العربي إلى حد أنه دفع العرب نحو استكانة كبيرة تجاه تغير أوضاعهم وتحسين أنظمتهم ومواجهة مسؤوليات عالمهم، أو دفعهم أيضا بنفس القوة والحدة نحو التطرف والسعي للانتقام من العالم كما هو حاصل في تعبيرات تنظيم «القاعدة».
لقد أصبح الاستضعاف جزءاً من الذاكرة التاريخية للعرب، فهل نحن «يهود العصر» نسبة إلى حالة التهميش والاضطهاد والتميز التي عرف بها يهود التاريخ؟ نحن العرب كنا جزءاً لا يتجزأ من الدولة العثمانية التي خسرت كل شيء في الحرب العالمية الأولى، وكنا أيضاً جزءاً من العالم الذي خضع للاستعمار بين الحربين الأولى والثانية. وما أن حلمنا بالاستقلال إلا وولدت قضية فلسطين ومعها قيام دولة إسرائيل عام ١٩٤٨ وذلك في ظل ملايين اللاجئين. وما أن تفاءلنا بإمكان هزيمة إسرائيل لاستعادة أراضينا التي احتلت وإعادة لاجئينا الذين طردوا من أراضيهم وبلادهم وتحقيق الوحدة العربية، إلا وهوت كل الأحلام بهزيمة العرب عام ١٩٦٧ وخسارة المزيد من الأراضي والحياة. وما أن شعرنا بإمكان تحقيق حلم النهضة أو حلم الأمة العربية ذات الرسالة الخالدة، إلا وتوالت خيبات الأمل الناتجة عن أنظمة عسكرية منعتنا من التعبير، وحدت حريتنا ودمرت كل فكرة جديدة وكل روح تسعى إلى التجديد. وما أن وقع هذا إلا ودخلت أكثر من دولة عربية في حروب أهلية صغيرة وسط حالة تدين وصحوات إسلامية مصحوبة بالشكليات والتعصب بينما خيم الجمود القاتل على معظم بقاع العرب.
والأغرب أننا أصبحنا أعداء أنفسنا: فالدعوة العربية من أجل فلسطين تناقضت دائماً مع التخلي عنها في مجالات شتى، كما تناقضت دعوات الأخوة والسلام بين العرب مع صراعات دائمة بين فئاتهم ومجتمعاتهم، وتناقضت الدعوات إلى نبذ الطائفية مع عمق المأزق الطائفي، وتناقضت الدعوة إلى الديمقراطية والمساواة مع تدن كبير في حقوق الإنسان العربي. كما تناقضت الدعوات إلى التضامن مع الشعب الفلسطيني ورفض التوطين في البلاد العربية مع اضطهاد الشعب الفلسطيني وانتهاك حقوقه الإنسانية في الحياة الكريمة والعمل في أكثر من دولة عربية. كما تناقضت حالة التدين الأكثر تطرفاً في عالم العرب مع هروب الأفراد من الدين، فكلما ازدادت الطقوس الدينية ازداد الهروب من الضغط الذي تسببه والحد من حريات الناس في التعبير والتفكير بحرية. حالة غريبة هذه: محبة ولا محبة، قبول ورفض، وحدة وتفكك، شعارات عظيمة وممارسات قبيحة. إن معظم عرب اليوم لم يتوقعوا أن نمر اليوم بنفس ما مر به من سبقنا من آباء وأجداد. بل يمكن القول أننا كررنا أخطاءهم وكررنا كل ما حذرونا من عدم تكراره.
إننا نعيش مأزقنا الحضاري الأكبر. نجد هذا واضحاً في تجاربنا الجديدة، فالشواهد نجدها في شوارع وعواصم بلادنا العربية وفي أرقام التنمية وأوضاع الجامعات وحالة المؤسسات وتعبيرات السياسة. ربما يكون الاعتراف بالفشل والتساؤل عن أسبابه بداية التعلم من الأخطاء والممارسات التي أدت إلى ما نحن فيه.
العرب مطالبون بالتساؤل عن الحال العربي. فكما تساءلوا عام ١٩٤٨ عن أسباب النكبة، وعام ١٩٦٧ عن أسباب النكسة، عليهم اليوم التساؤل الأعمق عن أسباب النكبات الجديدة التي تمر علينا وتفرض على بلادنا. فالتساؤلات السابقة عن الأوضاع العربية لم تشمل أسس تنظيم المجتمعات العربية وإصلاح تركيبتها القبلية والعشائرية، الطائفية والمدنية، السياسية والنفسية، كما لم تشمل طريقة التداخل بين الأخلاق والسياسة بما يعزز الأخلاق في السياسة، كما أنها لم تشمل الترابط بين الدين والسياسة بما يحمي الدين من السياسة، ويحمي السياسة من الغلواء الديني في وسائل الحكم العربية. ولم تشمل التساؤلات مناهج التعليم ومبادئ الديمقراطية وحرية التعبير وضرورات الإبداع لننجح في مواجهة المخاطر وليكون في بلادنا مجتمع ينمو لصالح أفراده وازدهارهم.
التساؤلات العربية السابقة لم تتعامل مع مسببات التراجع الذاتية ومسببات التراجع المحلية التي تؤدي إلى الهزائم الوطنية سواء في الحروب مع إسرائيل أم في معارك الجهاد الأكبر مع التنمية ومع الديمقراطية ومع الإدارة الحديثة. التساؤلات السابقة تجاهلت فوق كل شيء عناصر النهضة والازدهار والتجديد بصفتها عملاً تراكمياً يتطلب حشد قدرات الأمة وطاقاتها الإبداعية في ظل مناخ من الحرية والتقدير.
المصدر: الحياة
© منبر الحرية،31 أكتوبر/تشرين الأول 2010

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018