peshwazarabic

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

المرتجى والمؤمل في صورة المشهد السياسي
احمد ناصر الفيلي*
ما تزال غيوم الخلاف والاختلاف تضلل صورة المشهد السياسي الذي بدا يغلي في مرجل تضارب التصريحات المتناقضة مع إيقاع حركة الأحداث واتجاهاتها، بدلا من تعميق مساراتها التفاوضية عبر مقاربات فكرية ورؤى واضحة موضوعية ترسم الشكل الأساس لمستقبل البلاد السياسي وفقاً لقواعده وأعرافه السياسية والديمقراطية الجديدة.
تناقض المواقف وضديتها تعكس ضعف البدائل المطروحة من جهة، وضياع شكل المرونة المطلوبة، فضلا عن غياب الرؤية المستقبلية الواعية التي تقفز فوق الرغبات والاتجاهات الواحدية، وتتخطى الحواجز الضيقة وهي إحدى المتطلبات الأساسية للمرحلة الراهنة، الغائبة عن قلب المسرح السياسي المتخم بأشكال الألاعيب السياسية المختلفة المفتقرة لأرضية رصينة يمكن أن تبنى عليها القواعد والمقبوليات والتراضي، فالتلويح بأوراق ضغط متنوعة ومتعاكسة سمة التباري السياسي الحالي وشكله الفضفاض. والحقيقة أن افتقار المسار السياسي إلى جملة مبادئ منطلقة من روحية البناء الديمقراطي ومصالح البلاد أدت إلى انهيارات جليدية على أكثر من صعيد وجبهة، فالمفروض أن تكرس القوى السياسية على اختلاف تلاوينها جل جهودها باتجاه بناء البلاد، وتعافيه من جروحه ألآمه وعديد أزماته المتفاقمة، إلى جانب إعادة البنية المجتمعية المنتهكة على أكثر من محور قيمي وأخلاقي واجتماعي ، ومده بأسباب التعافي القادرة خلق حوافز ذاتية لضمان مشاركته الفاعلة في حركة البناء والتغيير ومنحه مرونة التبادل بين الفرد والمحيط، بغية استيعاب طبيعة التحولات الممهدة للتفاعل الجدي والحقيقي بما ينعكس آثاره وتداعياته نحو خلق حركة نهضوية لانتشال البلاد من حضيض مستنقع الفقر والجهل والمرض والتخلف.
إن أخطبوط الأداء السياسي المتمرس خلف واجهات وشعارات شتى، قد مد أخاديده في زوايا المجتمع، لا لأجل تحفيز منطلقات الوعي الوطني ، وإنما لتكريس سياسات تهدف إلى مصالح جهوية ضيقة احتلت جزءً من تاريخ الأداء السياسي للماضي المفوت البغيض، والتي أدت تراكماتها الصدئة إلى جر البلاد نحو ويلات وكوارث ماحقة، أضاعت الثروات الطبيعية والبشرية، وزرعت تكسرات اجتماعية ستكلف عملية ترميم بناءها التاريخي،  وغسل أدرانها آماداً ليست بالقصيرة.
إن ظاهرة التوجه نحو الفئات، والطبقات، وأنماط التراتبية المجتمعية، ومحاولة تعبئتهم لأضيق الأهداف المصلحية وبالضد من التوجهات العامة وبما يخلق أجواء التوترات المقلقة المنذرة بسوء العواقب، ظاهرة سياسية قديمة- جديدة في التاريخ العراقي، وإذا ما استمر الساسة الجدد بلعبة العبث، لعبة  تجديد الموبقات السابقة، فستشكل عقبة صعبة ومعقدة على طريق التنمية السياسية المنشودة.
أن تبني أشكال السياسات المستندة على استراتيجيات مختلفة ومتنوعة، لكنها على درجة من الفهم الديناميكي القادر على اجتراح آليات خلاقة تطرح أكثر من معادلة جديدة تهتم بخلق شتى التجاذبات المجتمعية والنخبوية، مما ينبئ بالخروج من تجربة رصينة معززة بالخبرات، وبقدر ما يتم التوغل أفقياً وعمودياً في شكل هذه السياسات بقدر ما تطفو على السطح أولى الثمار الناضجة، بدلا من جر المجتمع وزجه في صراعات خلف أهداف انتهازية ونفعية وتضادية، في محاولة لمصادرة الأهداف العامة لصالح أهداف جزئية وفئوية لعينة، والتي تلعب دور البكتريا في الجسم المريض، وهي بكلية الأمر جزء من سياسات بالية ترجع بتاريخها إلى عهود الاستعمار الغابرة، ويبدو أن الساسة الجدد بات يزعجهم الاتعاظ من دروس الماضي، ولا يكلفون أنفسهم عناء قراءة التاريخ بوعي.
سبع سنوات عجاف مرت كسنين النبي يوسف في مصر، وما تزال البلاد في حقبة ما بعد الدكتاتورية غافية على شواطئ النسيان والإهمال، وتداعيات معدلات الفساد التي هبطت إلى أسفل درك، وعلى نحو مخجل أساء إلى توايخ نضالية لعديد القوى والأحزاب، والتي أفرغ الأداء السياسي والحكومي لها، الشيء الكثير من محتوى مضامينها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا شيء جديد سوى الدوران في حلقة الصراعات السياسية الجارفة والفارغة من أي محتوى، والمعبرة عن لغة الامتيازات، فامتيازات الصفوة أو النخبة هي شكل البيروقراطية الجديدة التي تجتاح البلاد من كل صنف ولون وحيث كل يبكي ليلاه على حساب الوطن.
ضياع البرامج الملتزمة وانعدام تحديد الأولويات هو التوصيف الأنسب لحركية الأحزاب والقوى السياسية المتصارعة التي تعودت أن تظهر عكس ما تبطن.
صراع السلطة، وتراخي لغة الاتفاق والبناء السياسي البناء، لحساب مشاريع سلطوية رخيصة تعكس أزمة بنيوية وسياسية حادة، وذهنية مفتقرة لمجموعة روابط سياسية قائمة على قواعد وطنية قادرة على لعب دور فعال في صياغة مشاريع وطنية سياسية وتنموية حاضنة لكل القوى السياسية، مع مقاربة لخطواتها وحركتها، مما يطلق شارة انطلاق عجلة الدوران الجديدة نحو فضاءات رحبة ترسم شكل المنافسة السياسية، بعيداً عن أنماط الصراعات التناقضية المتحولة بحتمية حركة التاريخ إلى صراع بقاء ووجود وفناء، لتهدد وتسحق أية حيوية نابضة في حركة المجتمع وقواه السياسية، إلى جانب تراكماتها وإرثها ذات التاريخ الموجع والسيئ في الذاكرة الجمعية.
الذاكرة والمذاكرة السياسية الجديدة بحاجة إلى شحن وطني جديد، يمنحها القوة والقدرة على التواصل مع أشكال الحياة الجديدة وترسم للمستقبل العراقي خطوطاً عابرة لأزماته ومعاناته، وتؤسس لثقافة وطنية متأصلة وأصيلة تمتلك مفاتيح  السؤال والجواب، لحزم الأسئلة المثيرة للدهشة والارتياب المانعة لشد اللحمة الوطنية ومد خيوط التعايش البناء وكفى الله المؤمنين شر القتال.
*كاتب وصحفي من العراق
‎© منبر الحرية،27 أكتوبر/تشرين الأول 2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

النظريات العامة التي تتحدث عن سبب اشتراك الناس في السياسة، تجعل الأحزاب السياسية بوصفها البؤر، التي تكمن فيها طاقة الوعي والفعل السياسيين، موضوعاً مركزياً لتحليلها. إن دراسة هذه الأحزاب، بنيتها الاجتماعية وطبيعتها الأيديولوجية، تتيح لنا إمكانية التنبؤ بالسلوك السياسي للمواطن إلى حدٍّ كبير، دوافعه ومقاصده. كما تتيح لنا إمكانية البحث عن البيئة السياسية- النموذجية للمشاركة السياسية.
هنالك نسق معرفي معتمد في الجامعات والمعاهد العالمية العليا، تحت اسم( علم الأحزاب السياسية المقارن) ينطلق الباحثون فيه من القناعة  بأن ازدياد حجم المشاركة السياسية وتطوير أساليبها من خلال  الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية والأطر المدنية، هو المدخل الصحيح اليوم إلى مواطنة صحيحة وإلى حياة وطنية أرقى وأشدّ تماسكاً. وخلاف ذلك يعني الحكم بالبؤس السياسي على المجتمع وتهميشه،  وتردّي الشعور بالانتماء والمسؤولية لدى المواطن.
تحقق الأحزاب في هذا السياق تواصلاً بين المواطن والعملية السياسية وممارساتها، وهي تمثل هنا إطاراً مرجعياً لقيم سياسية وأهداف عامة ومشتركة، ينبغي لها أن تستجيب لمصالح المجتمع الأكثر حيوية. هكذا تلعب هذه المؤسسات دوراً كبيراً في توجيه السلوك السياسي للمواطنين، فإذا كان غيابها الطبيعي مؤشراً على الجمود وبؤس الحراك السياسي، فإن حظرها ومنعها بقرار تعسفي من شأنه أن يخلق فراغاً سياسياً وأيديولوجياً يتعذر على الخطاب الأيديولوجي للنظام السياسي أن يشغله بمفرده. وعلينا ألا نقلل من مخاطر مثل هذا الموقف ، إذ يخبرنا التاريخ القريب أن النظم السياسية، التي صادرت أسس المشاركة السياسية الحرّة والديمقراطية  ووسائلها، وقاومت كل مساهمة، فردية أو جماعية، للمواطنين، مهدت بذلك الطريق لاكتساح أيديولوجيات في غاية التطرف سواء دينية كانت أو طائفية أو عرقية، ومن ثم عززت النزوع الارتدادي إلى انتماءات عصبوية متخلفة عمقت من تفكك المجتمع المدني، وأسست بالتالي للتناحر الداخلي بين مكوناته، بعد أن أتلفت كل فضاء تواصلي بينها.
الخلاصة، إن الانتقال من المساهمة السياسية الفردية إلى الشكل الحزبي الجماعي لها، هو الأسلوب العقلاني الحديث للممارسة السياسية، الذي يلازم تحرر الفرد من أشكال الانتماء المجتمعي السابقة وتراتبيتها، التي كانت تقيّد الفرد وتلزمه بمكانة اجتماعية ووظيفة تحول دون اكتسابه صفة العمومية، بوصفه مواطناً في مجتمع سياسي حديث .
إن ظهور المجتمع الحديث يعدّ مؤشراً نهائياً على تحرر الفرد– الإنسان من النظم الاجتماعية السابقة، وعلى ارتقائه وتحوله إلى كائن سياسي عمومي مساهم، لا يكتفي بتموضعه في أطر جزئية محددة، وإنما يلتقي مع غيره في أشكال أسمى من الانتماء. ويتخطى الحزب السياسي في بنيته، بوصفه هيئة منظمة وحديثة  ويتجاوزه في أهدافه ومقاصده العملية، إلى مستوى النشاط الجماعي الواعي القصدي للكل، الذي لا ينفي داخله كل اختلاف أو تعدد في الرؤى والانتماء .
لكن بالمقابل فإن أكبر تهديد مدمر للديمقراطية من جانب الأحزاب ينجم عن تسلطها. إذ يؤول بالمجتمع السياسي الفاعل إلى أوليغارشية متسلطة ومستقلة عن المجتمع المدني والدولة في آن. فلا تبقى لتلك الأحزاب المتسلطة من غاية سوى تكريس سلطتها الخاصة، إذ تنحرف عن أهدافها الأساسية المعلنة، وهي أن تكون في خدمة المصالح الاجتماعية العامة وتمثلها. وبدلاً من ذلك تتماهى مع المصالح الشخصية للطغمة السياسية، وهنا بالذات تكمن بؤرة الفساد السياسي الأوسع انتشاراً في ديمقراطيات عديدة مثل تركيا وإيطاليا، والذي يبدو مألوفاً وشائعاً جداً في ديمقراطيات غير أوروبية. ويلمح آلان تورين إلى أن الفساد  الأكثر خطورة على الديمقراطية هو ذاك الذي أتاح للأحزاب السياسية أن تكدس موارد على درجة من الضخامة والاستقلالية بمعزل عن مساهمة أعضائها الطوعية مما يمكنها من أن تختار المرشحين للانتخابات وتضمن نجاح عدد منهم، جاعلة من مبدأ الاختيار الحرّ للممثلين من قبل المحكومين موضع سخرية. هكذا تجرّد الديمقراطية من صفتها التمثيلية الحقيقية، لينشأ وضع من الفوضى، يتسم بهيمنة طغمة حزبية- اقتصادية، تمهّد لمجيء الدكتاتورية في المحصلة.
© منبر الحرية،10 تموز/يوليو  2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

لأول مرة تحل ذكرى نكبة 67 بعد بلوغي الستين عاما، ولم أكون متصورا بلوغها، واختبرت شعورا جديدا بأن العمر مجرد لحظات، وبدأ من حولي  يستغرب لدرجة الاستنكار، وقد يفغر فاه دهشة، ويتمنى لي طول العمر!؟، وكأني بلغت الستين فجأة، وبدون مقدمات. ونسوا بياض شعري وأنا في الثلاثين، وكان يزداد بياضا كلما اقتربت  من الستين! حتى لو فرضنا أننا تجاوزنا عمر الستين… فهل يعني هذا النجاة من الموت..؟ وهو الحقيقة المؤكدة للجميع. فالعمر مهما طال فهو قصير كما تقول الجملة الفلسفية.  ولدت في نفس العام الذي ولدت فيه إسرائيل، واحتلت فلسطين، وأعلنت فيه مبادئ حقوق الإنسان، وفي أعماق ذاكرتي خيالات عن نفسي وهى تحمل صورة عبد الناصر في شرفة منزل أسرتي  بالإسكندرية، كنت  طفلا لا يعي حين سمعت عبد الناصر في الأزهر معلنا الحرب، وأخذت اهتف مع الآخرين حنحارب! وكبرت مع صوته وصورته وأخباره التي أسمعها من أبى العامل البسيط الذي لا يقرأ أو يكتب، ولكنه مدرك للأحداث حوله، وعلى كورنيش الإسكندرية كان يحملني فوق كتفه لرؤية وتحية عبد الناصر في موكبه بمناسبة 26 يوليه، واشعر بدموع أبى تنساب على يدي، وادمع معه تحية لهذا القائد. كنت أنتظر خطبة وأحفظها، وأسمع مقال هيكل من الإذاعة كل أسبوع ليس بقصد الفهم لصغر سني، ولكنه بحكم الحماس الوطني الذي سيطر على الجميع في تلك الأيام، كم نحتاج هذا الحماس الآن لنلتف جميعا حول الوطن؟ وأستغرب الآن من الذين يشككون في نوايا هيكل نحو بلده، وفي الذين يحاولون تقليده بدون أن يملكوا قدراته معتمدين على كهف النفاق الذي يعيشون فيه.  وأبحث في أعماق ذاكرتي، فتحضرني صورة عبد الناصر وتيتو ونهرو في مؤتمر باندونج، وصورته وهو يفجر ويغير مجرى النيل استعدادا لبدء السد العالي وهو المشروع التنموي الوحيد الذي نجحت مصر في تحويله إلى معركة وطنية اجتمع عليها المصريين، وسمعت وقرأت ودرست وكبرت مع  تأميم القناة وقوانين الإصلاح الزراعي، ومجانية التعليم وإنشاء القاعدة الصناعية في مصر التي نبيعها الآن. وعاصرت شعارات القومية العربية والكرامة، والوحدة العربية، والإمبريالية والاستعمار، والدول الرجعية والدول المتقدمة وما إلى ذلك من مصطلحات  التي سادت تلك الفترة. وفي المرحلة الثانوية  بدأت أدرك أن لنا جنودا في اليمن، وان جيشنا لا يقهر، وسوف نلقي إسرائيل في البحر، وأننا صنعنا من الإبرة إلى الصاروخ الخ تلك الأوهام التي سيطرت على الناس وقتها.  وكان عام 64 هو نفس العام الذي مات فيه أبى وجدي وخالي، هو نفس العام الذي ماتت فيه معاني كثيرة في مصر انتهت بنكبة 67  التي قتلت الحلم المصري، كنت مراهقا في الثانوية العامة اسمع احمد سعيد في صوت العرب وهو يهلل بسقوط مئات الطائرات للعدو فأطير فرحا مع شباب الشارع. واكتشفت مع حالة الحرب  بنت الجيران  التي تبادلني الإشارات الضوئية  الغرامية مستغلين إظلام الغارات، وكأن مراهقتي  كانت انعكاس لمراهقة آلية اتخاذ القرارات في مصر، وبلغت ذروة المراهقة أثناء النكسة، وحصلت على الثانوية عام الانكسار، ودخلت الجامعة أثناء حرب الاستنزاف.  وبكيت وبكينا جميعا في البيت والشارع والمدينة، في مصر كلها، بكينا غير مصدقين الهزيمة التي لم نبك عليها بقدر بكاءنا على قرار تنحي عبد الناصر، فالهزيمة لا تهمنا بقدر ما يهمنا عبد الناصر، لأنه في اعتقادنا سوف يكون قادر على تعويض الهزيمة، كنت لا أتصور مصر بدون عبد الناصر. ومنذ تلك الفترة بدأت أدرك، وأقرأ شائعات عن مرضه، وسفره للاتحاد السوفيتي إلى أن توفي رحمة الله عليه، وكان وقتها يودع الملوك والرؤساء العرب في القاهرة. وعندما تخرجت من الجامعة، جندت في الجيش لسنوات طوال انتظارا لحرب أكتوبر 1973 التي اشتركت فيها وخرجت بعدها احمل أمال الشباب، وأغلقت على نفسي، وأكملت دراساتي العليا، وعينت مدرسا جامعيا 1982 حين قتل السادات، ومنذ هذا الوقت وصاحبنا الستيني يخزن أفكاره ويدون ما يراه من أحوال الوطن، وشعر انه لا مكان له في هذا الوطن، ولم يسع للهجرة أو العمل خارج مصر، بل جاءت دعوة ترشحه للعمل أستاذا جامعيا في أكبر جامعات الخليج، وهناك من رأى الوطن بعين أخرى، رأى الوطن وهو يهان، ولا يستطيع أحد شيئا، وكانت إهانة الوطن في تلك الدولة وغيرها من دول البترول اكبر كثيرا من إهانة الاستعمار والاحتلال، لأن في الثانية أفرزت قضية التحرير التي أجمعت مصر كلها على تحقيقها ونجحت في ذلك، أما في الأولى فان الوطن أصيب في صميم بنيانه القيمي بمرض الإذلال وأصبح ينهج سلوكيات العبيد، وهنا يحتاج الوطن إلى سبارتاكوس لكي يثور العبيد على أنفسهم أولا، لذلك قررت وأنا هناك مجرد عبد من العبيد أن اخرج من قوقعتي أو جحر الخوف والقرف، وقررت أن أصرخ وأصرخ حتى يسمعني الوطن.
وصاحبنا الستيني واحد من الذين أطلق عليهم السادات الأفندية، واحد من القلة المنحرفة والتي لها أغراض خاصة، وتثير القلاقل والفتنة، وتثير الناس، وتطلق الإشاعات، ويتكلمون بغوغائية، واحد من الذين يضخمون الأمور كما تقول الحكومة وتصف به دائما الذين لا يؤيدونها، إنني واحد من الأغلبية الصامتة التي إذا تكلمت سوف تقول نفس الكلام الذي أقوله ويمكن أكثر، أحيانا يصفون من يتكلم مثلي بأني عميل، يميني، ومفتوح ومقفول  وأحيانا شيوعي ورأسمالي وشمولي وليبرالي  في نفس الوقت  حسب مزاج  الحكومة – يعنى هي الديمقراطية -،  وفي اغلب الحالات تصفني الحكومة بأني يساري علماني كافر  اشتراكي مشاغب مهووس بل مهروش مجنون، وأحيانا إرهابي علماني  متطرف، من أعداء النجاح، حاقد ناقم  جاهل ينعق مثل البوم، له أهداف خاصة، وفي القلة النادرة توصف الحكومة من يقول نفس الكلام تهذيبا بأنه مثقف يبيع كلام أو مريض نفسيا، ومن الذين لا يعرفون الحقائق والمصالح العليا للوطن والحكومة نعذرهم لأننا كلنا مواطنين !
هل عرفتني الآن؟، أنا مواطن مهزوم، مهموم بالوطن مشغول به، اهمس مخاوفي بصوت عالي محبط ويأس ومتشائم من مستقبل الوطن، وجدت نفسي إما اكتب واخرج  من الجحر الأكاديمي، أو أصاب بالضغط الذي أصبت به فعلا وأصبح يهدد حياتي، واكتشفت أن معظم المواطنين مثلي، أصيبوا بالضغط. كنت اعتقد أنني انفخ في الهواء واكرر كلام الآخرين، وفوجئت أن هناك من يقرأ لي وهناك من يشجعني على التعبير عنهم، ويقرأ أفكاري ويشجعني عليها، وكانت فرحتي وأنا أستاذ الجامعة ولي طلبتي ومحاضراتي لا توصف لأن هناك من ينتظر أفكاري كل شهر  في الدوريات المطبوعة،  وقررت أن يسمع صرختي  الجميع، فأنا اصرخ، وهذا ليس عيبا لأني لا املك شيئا آخر إلا أن أصرخ بهموم الوطن بل يجب أن نصرخ جميعا حتى يسمعنا الحكام إذا سمعوا، فالمثقفين وظيفتهم تشجيع وتنظيم هذا الصراخ، فلا حل أمامنا إلا الصراخ. والصراخ بصوت واحد جميعا قد يسقط قوى الظلام والفساد والإفساد، بل يجب أن نصرخ، لأن الكلام العاقل الهادئ الرزين لا يصلح في حالتنا،  فالهدوء    والعقل  في عرض هموم الوطن ترف ما بعده ترف، لأننا  على وشك الموت والخروج من التاريخ، على وشك التنازل الكامل عن الكبرياء الوطني بعد أن ضاع معظمه في الخليج. يجب أن نصرخ حتى يعرف حكامنا ذلك وبعدها نستعمل الهدوء والعقل كما يقولون. قد أكون مجنونا فالمجانين في الوطن فاضت بهم الشوارع والمستشفيات، أنا كل ذلك، و إذا قرأت  كلامي ستجده نفس كلامك الذي تقوله في سرك ومع أصدقائك، ومتأكد انك سوف تصفني بأني وطني مهموم  مثلك بالوطن.
© منبر الحرية،06 تموز/يوليو  2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

دائما عندما تطرح مشكلة الفساد في العالم العربي، تطرح كقضية جزئية قابلة للحل بفعل إجراءات إدارية بحتة تتمثل بمحاسبة موظفين، ووضع قوانين وتفعيل قضاء و..، أي أن موضوع الفساد  مازال يحارب بطريقة إدارية، بعيدا عن النظر إليه كمسألة سياسية تدخل ضمن إطار ما يمكن تسميته بناء الدولة الوطنية القادرة أو السير باتجاه بنائها على الأقل.
وجهة النظر السائدة عربيا في مقاربة الفساد تقول بأن الفساد مشكلة كغيرها من المشاكل الإدارية التي تهدد كيان الدولة والسلطة التي تسعى بصدق لمحاربته، ولكنها لا تمتلك الآليات اللازمة لذلك، بسبب عدم تبلور مفهوم واضح للدولة وبسبب غياب الوعي، وتصل وجهة النظر هذه إلى نتيجة مفادها أن السلطة خاصة في الأنظمة الشمولية تريد محاربة الفساد، ولكنها لا تستطيع وتقف عاجزة أمام تغوله وتمدده في كل شرايين الدولة التي اختزلت بمجرد سلطة بعض الأجهزة.
ولكن النظر إلى وجهة النظر السابقة من زاوية نقدية، ربما توضح لنا  أن وجهة النظر السابقة والإصرار على تعميمها شعبيا لتكون مقبولة ومغطاة معرفيا يجعل من وجهة النظر هذه – في أحد وجوهها –  نوع من أنواع الفساد المعرفي الذي تعممه السلطات وأركانها وأزلامها من أشباه المثقفين لإعطاء شرعية ما لأنظمة مستبدة تجعل من الفساد وتعميمه لعبتها المفضلة، في تدجين وتخريب وتركيع وتقطيع أوصال المجتمع الذي تحكمه ،ليغدو قطيعا بحق، فاقدا لكل مقومات النهوض والمقاومة تجاه من ينتهكوه ويسرقوا قوته هذا من جهة ، ومن جهة أخرى تعمل وجهة النظر السابقة عبر تعميمها وترويجها على أنها المقاربة الصحيحة للفساد على إخفاء وتغطية الفساد الحقيقي  مرتين، مرة عندما تغطيه معرفيا بعدم النظر إليه كما هو، أي تعميم الوعي الكاذب والواهم به على أنه هو الصحيح، ومرة عندما تحجب النظر عن الترابط القائم بين الفساد والأنظمة الشمولية، ترابطا يكاد يكون أبديا وفق عقد مقدس غير معلن، بحيث يمكن القول أن الاستبداد لا يستمر دون وجود أجهزة ترعى الفساد وتعممه، ترعاه وتستخدمه مرتين أيضا، مرة لتحقيق مصالح شخصية للأشخاص الممسكين بزمام الأمور( ثراء غير مشروع وجنس ومناصب) ومرة لتحقيق أمن النظام الشمولي، وهكذا يتداخل الفساد الشخصي مع الفساد العام في جدلية معقدة ومتراكبة على أكثر من مستوى، جدلية لا يمكن فهم آلياتها وتركيبتها بسهولة، جدلية لا تسمح لنظيف يد أن يستمر في سلطة أو منصب، لأنه يغدو معيقا لآلية عمل النظام نفسه.
ونظافة اليد هذه أكثر ما تربك النظام الشمولي وتحيره، فهو من جهة بحاجة إلى أشخاص نظيفي اليد ليكونوا واجهة تغطي استبداده وفساده ،  ومن جهة أخرى وهي الأهم أنه بحاجة لهم لإدارة اقتصاد أنهكه الفساد ووصل مرحلة الترنح، هكذا يجد نفسه مضطرا بحكم الحاجة إلى الاستعانة بهم، ولكن إلى حين فقط، لأن الإجراءات التي سيتخذها الخبراء النظيفي اليد، ستعمل في مرحلة أولى على كشف فساد بعض الرؤوس والإطاحة بها وليس للنظام الشمولي في هذا مشكلة أبدا، لأن مصلحته هي الأهم، ولكن بعدها ستمس هذه الإجراءات البنى والأسس التي يقوم عليها النظام ككل، وخاصة الأجهزة التي ترعى أمن النظام وتحميه(لأنها كما قلنا هي شريك أساسي في الفساد بشكل شخصي وبشكل عام)، وهنا يجد النظام نفسه محاصرا بين من يرعون أمنه و”فساده” ويخربون اقتصاده بذات الوقت، الأمر الذي يدفعه إلى إنهاء المرحلة واختزال محاربة الفساد بإطاحة بعض الرؤوس التي تكون كبش فداء المرحلة.
هكذا إذن يستخدم النظام الشمولي الفساد كأداة لإفساد المجتمع وتفتيته حتى يمكن السيطرة عليه وإخضاعه، والنظام يتمنى لو يستطيع أن يبقي بيدق الفساد بيده وحده، ولكن إحدى صفات الفساد أنه كالزئبق لا يمكن إمساكه، ينتشر في كل أنحاء المجتمع وينشر قيمه الخاصة به، لنجد بعد فترة أن الفئات الأكثر تضررا من الفساد هي من يدافع عنه ويشرعه، ويصبح الفساد قيمة مجتمعية كاملة، ويصبح الناس عبيدا له مرتهنين لقيمه باحثين عن الثراء السريع بأية وسيلة، لتغيب قيم العمل والجد وتحل محلها الوصولية واللصوصية المشروعة، وهذا يؤدي في النهاية إلى تدمير مؤسسات القطاع العام وخسارتها لأنها تصبح محكومة بإدارة فاشلة وناهبة يضاف لها عمال لا يعنيهم ربحت المؤسسة أم خسرت، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى خلق دولة مشوهة ومعطوبة تعاني من أزمات وانسدادات بنيوية عميقة في كل مستوياتها.
ويمكن القول أيضا أن الفساد  كالماء يتسرب بين الشقوق، بما فيها شقوق النظام نفسه، فيملأها وينخرها إلى أن تحين لحظة الهتك الكبرى فيسقط كل شيء، لنجد أن الفساد حربة بيد النظام ولكنها أيضا حربة ضده على المدى الطويل، إذ يعمل خصوم الأنظمة الشمولية على استخدام هذا الفساد لتوجيه حربته نحو نحرها.
ربما يساعدنا ما سبق في فهم بعض أسباب فشل كل حملات الإصلاح التي تعلن بين حين وآخر، وبشكل خاص نفهم سبب فشل وجهة النظر القائلة بإصلاح الأنظمة الشمولية من داخلها، لأن الإصلاح الذي يطرح بشكل إداري بعيدا عن نقد المنظومة السياسية القائمة، وطبيعة الدولة، سيكون فاشلا، لأن الإصلاح لا يمكن أن يكون جزئيا، لا بد له أن يكون كليا، ينطلق من مقاربة أسباب العطب بشكل جوهري وواضح ، أي لابد من المعاينة بشكل كلي لا جزئي لأعطاب الأنظمة وهو غير ممكن في النظام الشمولي.
يمكن الخلوص إلى نتيجة مفادها أن الفساد يعمل في خدمة الاستبداد ويسعى إلى تمكينه من السيطرة على مجتمعه وخنق قواه الحرة عبر تجريدها من كل وسائل مقاومتها المدنية، ليغدو الفساد شرطا واجبا لاستمرار الاستبداد دون أن يكون الاستبداد شرطا واجبا لاستمرار الفساد لأن الفساد مرض ينتشر حتى في الدول التي تملك ديمقراطيات عريقة، ويتمثل الفارق بين الأنظمة الشمولية والديمقراطية في مقاربة الفساد، بأن الأولى لا يمكن مقاربة الفساد فيها إلا من وجهة نظر سياسية وكلية، بينما في الثانية يكتفى بالنظر إليها كمشكلة إدارية وجزئية.
© منبر الحرية ، 4تمّوز /يوليوز 2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

يقف العراق اليوم أمام منعطف جديد في تاريخه بعد إجراء الانتخابات النيابية الجارية والتي أعادت خلط أوراق الساحة العراقية داخليا، وتكوّنت استقطابات حادة لم يستطع أي فريق أن يحقق فيها نصرا حاسما يمكنه من تولي السلطة، كما أظهرت هذه الانتخابات موقع الخارج في تحديد الداخل والتأثير الحاسم في إعادة تكوين المعادلات العراقية الداخلية، بعد سبع سنوات من الاحتلال الأميركي، عانى فيها العراقيون الآلام الكثيرة وسقط فيها العديد من الضحايا، سواء خلال الغزو أو من جراء العمليات الانتحارية، ومن تهجير أكثر من مليونين من سكانه إلى الخارج، ومن دمار البنى التحتية وتخريب المنشآت، وصولا إلى ما هو اخطر من كل ذلك وهو المتعلق بتدمير بنى الدولة العراقية وانبعاث مقومات العصبيات وتفتت النسيج الاجتماعي العراقي. بعد هذه المدة غير القصيرة على الاحتلال، يمكن للمراقب تسجيل جملة محطات بارزة منها ما يتصل بالوضع الراهن، ومنها ما يؤشر إلى احتمالات المستقبل.
في حساب الأرباح والخسائر الأميركية أولا، يمكن رصد بعض المعطيات. على صعيد المكاسب، تجب رؤيتها بالعلاقة مع الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، والتي أملت على الولايات المتحدة الأميركية الإصرار على غزو العراق، رغم إدراكها بعدم وجود أسلحة دمار شامل تبرر الغزو. تقوم هذه الإستراتيجية على دعامتين مركزيتين، الأولى تتصل بالثروة النفطية في الخليج العربي وعلى الأخص منه العراق الذي يحوي مخزونا هائلا من الاحتياطي النفطي، وفي هذا المجال يأتي الإصرار على التواجد العسكري الأميركي المباشر لحماية هذا النفط، إنتاجا وتصديرا، بالنظر إلى انعدام الثقة الأميركية بقدرة الأنظمة القائمة على تأمين هذه الحماية بقواها الذاتية. وهو هدف أمكن النجاح في تكريسه واقعا. أما الدعامة الإستراتيجية الأميركية الثانية، فهي المتعلقة بحماية امن إسرائيل، وهو أمر يتحقق عبر الوجود الأميركي المباشر، والأهم عبر تفتيت الدول ذات الموقع الإقليمي المؤثر راهنا، أو الممكن تطوره لاحقا. بهذا المعنى يأتي تدمير الدولة العراقية، بوصفها إحدى القوى الإقليمية التي يمكن لها أن تهدد امن إسرائيل، من خلال ما تملكه من مقومات القوة والموارد المتعددة. هذان الهدفان أمكن للولايات المتحدة تحقيقهما، ولا يبدو في المستقبل القريب،على الأقل، أن هناك مخاطر تتهددهما، بالنظر إلى أن جميع القوى العراقية القائمة راهنا والمؤهلة لاستلام السلطة، تبدو مجمعة على العلاقة الجيدة مع الولايات المتحدة واستمرار علاقة إستراتيجية عسكرية معها.
في المقابل، لا يمكن سوى الاعتراف بفشل أميركي في ضبط الوضع الأمني وإيجاد استقرار وفق ما كان مرسوما في ذهنها عند الغزو، فلقد تكبدت القوات الأميركية خسائر فادحة في قواتها، جعلها تضع جدولا زمنيا لانسحاب هذه القوات في خلال عام. وإذا كانت الإدارة الأميركية تعبر اليوم عن خيبات أمل مما كانت تتوقعه، إلا أنها قادرة على تقديم منجزاتها إلى الأميركيين، وإقناعهم بان ما قامت به في العراق إنما يصب في خانة حماية الأمن القومي الأميركي، وأنها نجحت في ذلك.
على الصعيد العراقي الداخلي، لا شك أن وطأة نهاية حكم البعث وديكتاتورية صدام حسين تشكل لدى الغالبية الساحقة من العراقيين متنفسا وفسحة من الأمل. لكن السنوات السابقة قدمت أيضا للعراقيين أشكالا متعددة من العذاب والخوف والقلق على مصير بلدهم وعلى حياتهم الشخصية. صحيح أن الانتخابات التي جرت قبل خمسة أعوام، والتي جرت خلال هذا العام، تعبر عن انتقال فعلي إلى تداول ذي طابع ديمقراطي للسلطة، وهو أمر يجب تسجيله في خانة الايجابيات الفعلية، لكن العراق خلال هذه الفترة، شهد المزيد من التفكك البنيوي في مجتمعه وحياته السياسية يتمثل في الانقسامات الحادة الجارية اليوم في جميع ميادين حياته السياسية والاجتماعية، وكان تقويض بنى الدولة العراقية من اخطر نتائج الاحتلال على الإطلاق، تسبب إلغاء الجيش بانهيار مقومات الدولة، ونجم عن هذا الانهيار صعود العصبيات العشائرية والطائفية والقبلية والاثنية، وصولا إلى التعصب المذهبي داخل المجتمع. على رغم بشاعة الدولة المتسلطة وطريقة إدارة حكامها في كل مكان، لكنها تظل اقل شرورا من هيمنة الميليشيات المحلية التي تطبق قوانينها على المجتمع بطريقة استنسابية. وهو أمر يفتح البلد على صراعات أهلية وقبلية وحالات انتقام وثأر، خبرها العراق على امتداد السنوات السابقة، كما خبرتها بلدان أخرى مثال لبنان في فترة الحرب الأهلية في السبعينات وصولا إلى نهاية الثمانينات من القرن الماضي. مما يطرح اكبر التحديات على الحياة السياسية العراقية في إعادة توحيد الدولة وبنائها.
من التحديات الكبرى أيضا، الانفلات الأمني الواضح من خلال تواصل العمليات الانتحارية والتفجيرات التي تضرب المجتمع العراقي من دون تمييز بين عسكري ومدني. صحيح أن حدة العنف في العراق تراجعت إلى حد كبير خلال السنة الأخيرة، لكن حدتها ترتفع أحيانا من دون إنذار أو توقع، وتمعن في تصعيد عنف طائفي ومذهبي كبير. ومن دون قيام دولة فعلية وجيش قوي، يصعب تصور إمكان القضاء على هذا العنف أو الحد من انفلاته مستقبلا.
من التحديات التي تواجه العراق ما يتصل بعلاقاته الإقليمية وتدخلات القوى في حياته السياسية. تمثل الانتخابات الحالية، بنتائجها والقوى التي أفرزتها، احد النماذج في قراءة الخارج في علاقته بالداخل، حيث أظهرت صراعا إيرانيا من جهة، وسعوديا- سوريا من جهة أخرى، دار من خلال اللوائح التي تشكلت، وسعى فيها كل طرف إلى حفظ موقعه السياسي وحتى الأمني وملء الفراغ المتوقع حصوله بعد انسحاب الجيوش الأميركية من العراق.
لا يخفى على المراقب أن الانتخابات الأخيرة، موصولة بسنوات الاضطراب الماضية من الغزو، قد خلقت في العراق انقسامات حادة يمثلها اليوم “ملوك الطوائف وأمرائها” على غرار الحالة اللبنانية. لا يوحي هذا الاستقطاب والتبلّر الطائفي بالاطمئنان على المستقبل العراقي، فمثل هذا التذرر يقف موضوعيا في وجه قيام دولة مستقلة وقوية، لأنها بالتأكيد ستكون على حساب هؤلاء الملوك والأمراء والحد من نفوذهم وسلطتهم. يأمل المواطن العراقي أن تشكل الانتخابات النيابية الأخيرة مجالا لتكوّن مواطنية سياسية متجاوزة للانقسام الطائفي الحاد حاليا، وهو طموح مشروع، لأنه احد الممرات الرئيسية لبناء الدولة. فهل تنجح القوى السياسية الحاكمة في تحقيق هذا الحلم، وهل سيتمكن العراقيون من تجاوز انقساماتهم؟ وهل سيتمكن العراقيون من تشكيل حكم يضمن لكل الفئات المتنوعة موقعا في الحياة السياسية للبلد؟ انه سؤال يرسم مستقبل من الصعب التنبؤ بمدى نجاحه.
© منبر الحرية ، 26 يونيو / حزيران 2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

إن المعارضة السياسية كمصطلح يقترن بالأحزاب السياسية، وقد تتمثل المعارضة بحزب واحد، أو مجموعة أحزاب، وهي ترتدي أشكالا متنوعة من النضال، فقد يكون نضالها مشروعا بقانون تشرّعه مؤسسات الدولة المعنية، وهذا ما تعترف به الدول التي تعتمد النظام الديمقراطي في إدارة الدولة، ومثل هذه النظم ضمنا تؤسس لمبدأ تداول السلطة، بالمقابل ثمة أنظمة ديكتاتورية تحظر على المعارضة النشاط السياسي كما حال كثير من بلدان العالم  ومن ضمنها الأقطار العربية، والمعارضة تتنوع أشكال نشاطها، فمنها من يمارس العمل السياسي السلمي، وأخرى قد تعتمد الكفاح المسلح، وقد تتطور الحالة سلبا أحيانا لتنتهي بحرب أهلية لا سيما في البلدان المقسمة عرقيا أو دينيا أو طائفيا، وحالة لبنان مازالت ماثلة أمامنا لا تغيب عن البال وقد ارتدت الطابع الديني، واليوم الصراع الطائفي مازال مرشحا  للانفجار، كما شهد العراق حالات مماثلة …
على العموم المعارضة السياسية تحمل عادة الطابع التنافسي، وتعني فيما تعنيه مخالفة الرأي السائد سلطويا، ومعارضة سياسة النظام، فلها هي أيضا رؤاها وتطلعاتها، وقد تطرح برنامجا سياسيا بديلا، ترسم فيه تصورها التنموي اجتماعيا واقتصاديا، فضلا عن تصورها لطبيعة وشكل الحكم وإدارة السلطة، وللحقيقة نقول: لا إصلاحات دون معارضة، ولا سياسة أصلا دون تعددية ومن التعددية  تنبثق المعارضة والتنافس، فحيوية المجتمعات تعود من بعض الجوانب، إلى التعددية السياسية، وإلى المعارضة  النشطة حيث تكون ندا للحكومة ومعارضا لها، وبديلا عنها..
إن محاولات عديدة اليوم تبذل للنيل من المعارضة والحط من شأنها ومكانتها ومن جدوى بقائها والإساءة إليها، وبأنها عاجزة عن فعل التغيير، فلا ضرورة لوجودها إذن، وبالتالي القبول منطقيا بما هو قائم مهما قسا وعتا الحاكمون، والحقيقة أن واقع المعارضة تختلف في النضال السياسي بين الأنظمة التي تعيش الحياة الديمقراطية في الحكم من جانب، وبين الأنظمة الاستبدادية التي تتفرد بالسلطة من جانب آخر، فالقول بأن المعارضة ستبقى مشلولة وعاجزة عن صنع التغيير في الأنظمة الاستبدادية، وليست بقادرة أن تلعب دورها إلا إذا وجدت في النظم التي تتبع النظام الديمقراطي في إدارة الحكومة، حيث يكون تداول السلطة متوفرا ومحققا، مثل هذا الحكم ضار لا يمكن الأخذ به وهو مناف للواقع في ظل التقانة المعلوماتية الحديثة، مثل هذه الأحكام المحبطة وهذا اليأس في التغيير قاله غرامشي أيضا في فترة صعود الفاشية في كل من ألمانيا وايطاليا، وبأن التغيير لا يتم إلا من الخارج..، هذا الكلام رغم وجاهته لا يمكن أن يعتد به ويؤخذ كمقياس صارم وأكيد، ففي النظم الديكتاتورية قد تأخذ المعارضة -جراء القمع- النشاط السري، وكثيرا ما تكون مشلولة، وقد تكون على شاكلة خلايا نائمة، لكن علينا أبد أن لا نستهين بها كأداة للتغيير، مهما عاشت من ظروف قاسية، فهي لها التأثير الأكيد، وإن السلطة، أية سلطة كانت، ستبقى متوجسة منها خيفة، وإلا فلماذا هذه الملاحقة والقمع القاسي، إذا لم تكن المعارضة ذات أثر وجدوى..!؟ بيد أن اليوم بفضل تكنولوجيا المعلومات، أصبحت عورة النظم مكشوفة أمام أنظار شعوبها والعالم قاطبة، لا تستطيع السلطة إغماض العين عن ذلك، فهي متابعة كما نلمس بهدف بيان شكل المواجهة عن قليل، وفي ضوء ما ينشره الناس من خلال وسائل الإعلام المختلفة..
إن ثورة يونيو1952 التي قادها الضباط الأحرار في مصر، حقيقة قضت على القوى الليبرالية، القوى السياسية الوحيدة آنذاك التي اقترن اسمها بالتنمية والإصلاحات والحريات، فشلّت إثر ذلك الحركة السياسية في مصر، ولم يعد لها نشاط يذكر، وتراجعت أيضا التيارات العلمانية، حيث شمل القمع الجميع، وكان على الشعب المصري الولاء للنظام الراديكالي  الجديد، حيث انحصر كل شيء فيه، وبالتالي إسكات أي صوت مخالف، لكن (حزب الإخوان المسلمون) رغم ما تعرض له من بطش وتنكيل، استطاع بحكم كونه حزبا ذا تاريخ وتغلغله في خلايا الشعب المصري، وبسبب ما تعرضت له القوى الليبرالية وأيضا العلمانية واليسار عموما من ضرب وإقصاء، استطاع الإخوان المسلمون مستغلا ما تتيح لهم دور العبادة من نشاط، استطاع أن يلملم صفوفه من جديد ليصبح أقوى حركة سياسية في مصر، وليفرض الحزب بالتالي نفسه كأقوى معارضة، فيدخل الإخوان البرلمان بحيث لا يمكن للنظام تجاهلهم أو القضاء عليهم مهما عتا وتجبر، والحالة المصرية يمكن اعتبارها شكلا من أشكال تكوّن المعارضات..
علينا أيضا أن نعي كثيرا أن النظم الاستبدادية  تحاول خداع الرأي العام على أنها تعيش حالة ديمقراطية، ويروج لها مختلف وسائل الإعلام بهذا الاتجاه، رغم الاعتقالات الكيفية والتعذيب الجسدي والتعدي على حقوق الإنسان كما هي الحال في تونس حيث يتم توجيه الإعلام المأجور في سوق وتزيين صورة النظام..
المعارضة السياسية عادة تحمل معنى المضمون التنافسي بين جماعات سياسية لها تصورها الخاص في كيفية سياسة المجتمع وإدارته للوصول إلى السلطة، وهي تعني بالأساس مخالفة الرأي السائد سلطويا، فلها أجندتها النضالية الخاصة بها، وهي تستغل التناقضات بين السلطة والشعب وحالة اللااستقرار والتذمر والاستياء، مما يحدو بالناس اتخاذ مواقف مناوئة للسلطة، ويكون المجتمع المدني والأحزاب السياسية خارج السلطة تنشط  للعمل لمجيء بديل عنه يحلّ محل الفئة الحاكمة، والمعارضة في هذه الحال طالما تتكئ على الشعب فينبغي عليها أن تكون صادقة معه، لا تكون اللعبة فقط هي وسيلة للوصول إلى السلطة فحسب، وليس لتغيير النهج، ويغدو الفريق الحاكم كالفريق السابق أي (حكومة قيصرية برداء بلشفي) بتعبير بليخانوف في حالة روسيا..، فالمعارضة يمكن لها المطالبة بتسويات عديدة متفق حولها، وينبغي ألا تكون السلطة هي الهدف، أما الهدف الأساس فهو التعددية السياسية، مبدأ تداول السلطة، حرية التعبير والإعلام، العمل على التنمية  الاجتماعية والاقتصادية، الشعب مصدر التشريعات، فصل السلطات (التنفيذية، التشريعية، القضائية) فمن يقبل بهذا يعني أنه ساوى نفسه بالآخرين، فلا يبقى حينئذ غير التنافس عبر صناديق الاقتراع، ليحدد من الحاكم ومن هو المحكوم، واللعبة الديمقراطية هذه لا بد أن تستمر..
علينا أن نتنبه أن التغيير قد يحصل بطرائق مختلفة، ربما يكون بسبب التدخل الخارجي، وقد تكون نتيجة تحولات في الساحة الدولية، وفي  حالات لا يتنبأ بها لا الحاكمون ولا المعارضون، وهذا ما جرى في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وأيضا بعد انفضاض الحرب العالية الثانية، وما حصل من تغييرات كبيرة، حيث كان اختفاء نظم ولّى عهدها، وانبثاق نظم جديدة حلت مكانها..
هنا أريد أن أثير نقطتين تتعلقان بالموضوع ذاته، فمثلا أحدهم يقول أنه يتطير من لفظة المعارضة، وهو يطالب أن يحسّن النظام الحاكم أي نظام كان من أدائه، لكنه يرفض أن يقال عنه، (معارض) وكأن المعارضة جرم، فالمعارضة تعني في حقيقة الأمر المخالفة في الرأي وهذه ليست عارا ولا سبّة، ونقول لمثل هؤلاء هل أنكم ترفضون أن يكون لكم تمثيل في إدارة شؤون الدولة على مستوى قدراتكم..؟ في الوقت الذي تتبجحون أنكم تمثلون شريحة من المجتمع..، النقطة الثانية هي التي تقول من أي جهة تكتسب المعارضة شرعيتها، ليست هنا برأيي مسألة الشرعية أو اللاشرعية فالديمقراطيات هي التي تكسب أية قوى كانت الشرعية، وذلك من خلال صناديق الاقتراع وبيان بالتالي مدى قوتها وتمثيلها، ولاشك أن المعارضة تتكئ على شرائح اجتماعية وقد تعبر عن نفوذ طبقية، وحرية الاقتراع سوف تبين مدى قوتها ونفوذها، بالمقابل على المعارضة أن لا تستهين بمن تدعي تمثيلهم، وألا تتجاوزهم لأنهم سيخذلونه حتما في الجولات القادمة، كما أن المعارضة من طبيعتها أن تجدد نفسها، وتحسّن من آليتها، فتتنبه لنقاط ضعفها لتجاوزها، لكي تكون بالتالي منسجمة إلى حد كبير مع تطلعات وأماني من تمثلهم.
© منبر الحرية ، 20 يونيو / حزيران 2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

(الجزء الأول)
الديمقراطية في اصطلاحها العام ليست وليدة اليوم، إذ لها نسب فكري- نظري يمتد لأكثر من ألفين وخمسمائة عام، وقد اتخذت دلالات متنوعة تبعاً للسياقات التاريخية التي ظهرت فيها. وهي لم تزل إلى وقتنا الراهن موضع سجال مستمر، وقابلة للابتكار بصورة دائمة، بسبب زخمها السياسي الذي لا يستنفذ، وأيضاً بسبب النزوع المتنامي واللانهائي إلى المساواة لدى البشر. إن مسيرة الديمقراطية تتقدم من خلال التناقض بين مظهريها، بصفتها مثلاً أعلى وأيضاً كونها حقيقة واقعة. وقضيتها هي ليست الواقعية فحسب، وإنما أيضاً ما ينبغي أن يكون عليه عالم المساواة مستقبلاً. فهي لا تركن إلى ما هو قائم أصلاً، ولا تمنح موافقتها الدائمة لأي واقع قائم يفترض أنه الأمثل، أو ينبغي الاعتراف به على أنه الواقع الأكثر كمالاً. وبهذا أثبتت لحدّ الآن تفوقها وامتيازها بقدرتها على التغلب على تناقضاتها، و على تخطيمثالبها السياسية أكثر من أي نظام سياسي آخر. وبرهنت على أنها الشكل الأسمى لأيّ تنظيمسياسي/ مدني يعدّ  الإنسان مبدأ له، وسعادة الأكثرية غايته الرئيسة.
لقد حققت الديمقراطية في النصف الثاني من القرن العشرين حضوراً طاغياً، وفرضت ذاتها في كل مكان بصفتها الشكل السياسي الأكثر حداثة لحكم المجتمعات ولتنظيم الحياة في عصرنا. وواقع الحال أنه ليس ثمة مبدأ مركزي وحيد يختزل فيه تعريف الديمقراطية، كما ليس هنالك ديمقراطية منجزة تماماً يمكن عدّها النموذج الأشمل والأكمل لشكل الحكم أو لممارسته. ويشير الباحثون إلى أنماط رئيسة تحققت تاريخياً في دول مثل المملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا. وهي على التوالي،الديمقراطية الليبرالية، والديمقراطية الدستورية- المساواتية، والديمقراطية التمثيلية أو التنازعية.
ويمكن الملاحظة أن الأخيرة، وهي الأحدث لجهة تحققها التاريخي، تقوم على الإقرار بتعددية المصالح الاجتماعية والتوفيق بينها وبين المساواة القانونية للجميع. وتمكّن الفرد من المشاركة في الحكم، ومن الإسهام في تقرير خياراته السياسية عبر ضمان حقوقه الأساسية. بهذا المعنى فإن هذا المفهوم الأخير للديمقراطية لا يقوم على إخضاع السلطة لحرية طبيعية مفترضة أصلاً في الإنسان فحسب، أو تقييدها، وإنما أيضاً لاستخدام السلطة كوسيلة لخلق حرية جديدة وحقيقية. وهذا هو أحد أوجه الاختلاف بينها وبين الليبرالية. وينوّه آلان تورين بهذا الخصوص إلى أنه ليست ثمة ديمقراطية ليست ليبرالية، وإن كانت هنالك ليبراليات ليست ديمقراطية. ذلك أن الليبرالية تضحي بكل شيء في سبيل بعد واحد من أبعاد الديمقراطية، إنه تحديد السلطة.
الديمقراطية، إذن، لا تعني اليوم إزالة العوائق المادية والمعنوية أمام الأفراد وتحريرهم من القيود فقط، وإنما تعدّهم أيضاً ليكونوا صانعي تاريخهم، فاعلين ومساهمين في تقرير خياراتهم السياسية وإبداعها. والحال أنه ليس ثمة ديمقراطية دون حرية الاختيار، ودون تعددية سياسية تنافسية، ودون انفتاح وتواصل سياسيّ حرّ بين المختلفين. وتنبع الصفة التمثيلية للديمقراطية من هذا الواقع، واقع التعددية والتنوع في الرؤى السياسية والأفكار والمصالح وتنازعها. فلا يمكن تخيل الحاجة إلى ديمقراطية بوجود مجتمع متجانس ومتماه مع نفسه، دون تمايز أو اختلاف. وعليه فإن هذه الصفة التمثيلية تعكس اختلاف الذوات السياسية الفاعلة وتنوع العلاقات الاجتماعية التي تؤسس لأدوارهم. وبناءا عليه نستنتج أن السلطة المنتخبة، ذات الصفة التمثيلية، لن تكون ديمقراطية حتى ولو استحوذت على أغلبية الأصوات، مالم تكن تعددية في الوقت نفسه. ولا تعدو صفتها التمثيلية تلك أن تكون إلا شكلية ومجردة، ما لم تستغرق في ذاتها طيفاً واسعاً ومتنوعاً من الآراء والاتجاهات السياسية القائمة والمصالح الفعلية للبشر.
إن العديد من الأنظمة والشعوب صارت تأخذ اليوم مُثل التعددية  والديمقراطية السياسية على محملالجدّ، وباتت تراهن من خلالها على حياة  سياسية- إنسانية أرقى بكثير مما لو احتكر فرد أو حزب أو عرقأو طبقة الحياة في نفسه. وهذه النظرة أو الأسلوب غدا علامة صحيحة على تقدم المجتمعات سياسياً.فالحياة السياسية الأرقى هي تلك التي تنطوي على المقدار الأوسع من الحرية، وتضمن أكبر تنوع محتمل وتقر به. وكلما كان النظام السياسي ديمقراطياً وإنسانياً أكثر، عنى ذلك أن الذوات السياسية الفاعلة، التي تساهم في إنجاز القرار السياسي، سواء عبر المساهمة المباشرة أم غير المباشرة، على اختلافها هي الأكثر عدداً.
الأطروحة الشهيرة التي هيمنت على النظم السياسية في العالم العربي ودول العالم الثالث، ومنظومةالدول الاشتراكية في القرن العشرين على اختلاف أنماطها، كانت تقول: إن المصلحة الوطنية  الحقيقيةوسلامة النظام سياسياً واجتماعياً، تكمن في التماه بين الدولة والمجتمع وحزب وحيد يمنح نفسه احتكارالشرعية السياسية  والقانونية، وينطق باسم المجتمع وشرعيته، بعد أن استعار صوته ولغته. وقد شخصعالم الاجتماع الفرنسي ريمون آرون خمسة عناصر رئيسة مشتركة بين هذه الأنظمة:
1-                  احتكار النشاط السياسي ليقتصر على حزب واحد.
2-                   تحرك ذلك الحزب بفعل أيديولوجية تغدو الحقيقة الرسمية للدولة.
3-                  تمنح الدولة نفسها احتكار وسائل القوة  والإقناع.
4-                  معظم النشاطات الاقتصادية والمهنية مندمجة بالدولة وخاضعة للحقيقة الرسمية.
5-                  الخطيئة الاقتصادية أو المهنية تغدو خطيئة أيديولوجية، وعليه فينبغي أن تعاقب بإرهابأيديولوجي  وبوليسي في آن معاً.
وواقع الحال أن هذه النظم عمدت انطلاقا من هذه القناعة الأيديولوجية إلى تقويض الحياة السياسيةالحزبية داخلياً. وقلًصت الحراك الاجتماعي المدني إلى أدنى حدّ له، وحالت دون نشوء فاعلين سياسيين،وقضت على كل أشكال المشاركة أو المساهمة  السياسية.
إن أحد أبرز معايير ضعف هذه الدول ومجتمعاتها، كما كان يشير علماء الاجتماع السياسي، تتمثّل فيهبوط المساهمة السياسية، أو ما كان يسمونه بأزمة المشاركة السياسية. وقد عدّ في الوقت ذاته سبباًفي إحساس العديد من الأفراد في تلك المجتمعات أنهم هامشيون ومنبوذون في دول ومجتمعات لايشعرون بأنهم يساهمون فيها . كل ذلك دفعهم إلى الشعور المضاد للانتماء أي العزلة والاغترابالاجتماعي ومن ثم إلى التطرف السياسي وإلى الفوضى والعنف. وهنا تكمن إحدى البؤر المولّدة للعنفوالتطرف الأصولي، كما نلاحظ، في عالمنا.
© منبر الحرية ،يونيو / حزيران 2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

اعتمدت معظم الأحزاب والتنظيمات اليسارية وخاصة الأحزاب التي اتبعت النهج “اللينيني” في الحياة الداخلية للأحزاب، ومن ثم الأحزاب القومية مبدأ “المركزية الديمقراطية” كنظام تدير وفقه تنظيماتها السياسية من الداخل. و”المركزية الديمقراطية” مبدأ قام لينين بوضعه خلال مراحل التطور التي مرت بها الحركة البلشفية التي نشأت في بدايات القرن الماضي وتم اعتماده كمبدأ في إدارة الحزب الشيوعي الروسي وتبنته لاحقاً مختلف الأحزاب العالمية التي دارت في فلك اليسار الماركسي اللينيني.
فقبل ثورة عام 1905 كان لينين يرفض تطعيم تنظيمه الثوري بأدنى فكرة ديمقراطية وكان يرى في الميل نحو تطبيق القواعد الديمقراطية ميولاً “طوبويا، بل ومسخرة أيضاً” فالمركزية المطلقة هي الفكرة الوحيدة التي ائتمن لينين إليها حزبه في تلك المرحلة.
ولم يتخلَ لينين تماماً عن فكرة المركزية، رغم ما أنتجته من أزمات داخل التنظيم، ليضطر لاحقاً لإخضاع مركزيته لبعض الأسس الديمقراطية وفي مقدمتها المبدأ الانتخابي الذي بدأ العمل به بعد عام 1905، ولم تغدُ العملية برمتها فيما بعد أكثر من كونها محاولة توفيقية لا تخلو من القسر، بين المركزية والديمقراطية، فبينما كانت المركزية تمثل الأساس في التنظيم اللينيني وتقع على عاتقها وحدها مسؤولية الأخطاء التنظيمية الناجمة نتيجة الحراك المستمر، فقد نجح لينين بذكاء في تبرير المركزية بإسنادها إلى الديمقراطية وجعل الديمقراطية أساساً نظريا، وعروة عملية شديدة التقييد، ارتكز إليها في إعادة إنتاجه للمركزية مجدداً ليصطلح فيما بعد صفة “المركزية الديمقراطية”.
إن الدكتاتورية، كمثال، خاصية ملازمة لأية ثورة حقيقية وإن لم توصف بها، كذلك الأمر بالنسبة للمركزية التي لا يمكن للثورة التخلي عنها وهذا ما يفسر لنا وصف لينين للديمقراطية بالـ”الطوبوية والمسخرة” لكن التحرج في موقف الثوار الشيوعيين، وهم يواجهون الامتدادات الديمقراطية للّيبراليات القومية الغربية في تلك المرحلة، تجلى من خلال المخارج التنظيرية الخالصة التي لجؤوا إليها.
فالحديث عن ديكتاتورية البروليتاريا ورفع شعار “دكتاتورية العمال والفلاحين الديمقراطية”! الذي اعتبره تروتسكي في كتابه الثورة الدائمة ذا معنى “رجعي”، كذلك وبالقدر ذاته مصطلح “المركزية الديمقراطية”، ومحاولة إضفاء الصفة الديمقراطية على كل فعل تنتجه الثورة، إنما يخلق لدي شعوراً بأن المسألة لا ترقى لأبعد من كونها محاولات جاهدة لاغتصاب “الديمقراطية” وليّ عنقها.
ولا تزال معظم الأحزاب السياسية في العالم الثالث والمجتمعات المتخلفة تعتمد “المركزية الديمقراطية” منهجاً وأسلوباً في إدارة تنظيماتها من الداخل، رغم أن معظمها لا يصرح بذلك علناً، ولا تكف عن زعم الديمقراطية في كل مناسبة ومن خلال الشعارات التي يتم إطلاقها.
من هنا فإن “المشتكين من نقص الديمقراطية” حسب تعبير تروتسكي، داخل هذه التنظيمات، يتزايدون ويرون في مرتكزات المركزية الديمقراطية داخل التنظيم مجرد قواعد قانونية تسهل عملية الاستبداد من قبل القادة والمسؤولين، وكون “من المتعذر تقديم صيغة واضحة عن المركزية الديمقراطية تزيل نهائياً كافة أشكال سوء الفهم والتأويل الخاطئ” باعتراف من تروتسكي، فمن الطبيعي أن يغدو توضيح وتحديد اعتراضات المشتكين من نقص الديمقراطية في ظل مبدأ المركزية الديمقراطية، أمراً صعباً أيضاً.
لكن أكثر ما هو واضح في كافة الأدبيات اليسارية، التي تحاول شرح وتحديد أسس المركزية الديمقراطية هما مرتكزان اثنان:
أولاً: كل هيئة حزبية تتخذ قراراتها بالتصويت وتخضع الأقلية لرأي الأكثرية.
ثانياً: وحدة الإرادة والعمل وخضوع الأقلية للأكثرية بحيث يمنع منعا باتاً أي تكتل داخل الحزب.
ويكشف هذا اللجوء إلى تسطيح فكرة التصويت وتلخيص نتائجها المتعلقة بالعمل التنظيمي، بخضوع طرف لآخر، جانباً مهماً من الاستبداد الذي يتم تبريره بالاتكاء إلى عملية تصويت قد لا تتكرر إلا مرة كل أربع سنوات في أحسن الأحوال، وأن يكفي تحقيق نسبة 50+1 لإخضاع نسبة 49% من الأعضاء الحزبيين واعتبارهم أقلية!.
والقضية ليست قضية استياء من انكشاف كون هؤلاء المشتكين “مجرد أقلية صغيرة” وبالتالي “ليس في الأمر انتهاكٌ للديمقراطية”، في محاولة تروتسكية لمعالجة المسألة، فالمشكلة تبدأ حين يتم التعامل مع ما نسبته 49% من القواعد الحزبية كمتلقين سلبيين تتاح لهم فرصة التعبير عن رأيهم مرة واحدة كل أربع سنوات من خلال المؤتمر العام أو الكونفرانسات المحلية، وليس أمامهم سوى الخضوع والتنازل التام والكامل عن حريتهم في التفكير والتعبير عن الرأي طالما أنهم قبلوا التأطر في إطار الحزب، عملاً بمبدأ “حرية المناقشة ووحدة العمل” هذا المبدأ الذي لا يتحقق شطره الأول إلا مرة واحدة كما سبق الذكر أو في نطاق ضيق من خلال الخلية الحزبية.
بينما يحق لهذه (الأقلية) الحزبية أياً كان حجمها في ظل الأنظمة الديمقراطية والليبرالية أن تمارس نشاطها بانضباط داخل التنظيم منطلقة من وجهة نظرها الخاصة لتروج لأفكارها، ساعية نحو تحقيق الأكثرية داخل الحزب، مع التزامها الطوعي والأدبي إن صح التعبير خارج إطار الحزب بما تم إقراراه في المؤتمر العام.
فالعلاقة بين المركزية والديمقراطية داخل الحزب لا تغدُ متكافئة، إذ ترجح كفة الديمقراطية مرة واحدة خلال السنين الفاصلة بين مؤتمر وآخر، وغالباً ما تكون ديمقراطية شكلية يتم إعدادها بوسائل غير سليمة بتخطيط من قبل المركز الأوحد الذي يقود الحزب بناءً على ما تمنحه إياه المركزية من صلاحيات تخوله بشكل مطلق ممارسة كافة الإجراءات التي من شأنها أن تسهل له تمرير مشاريعه أياً كانت، ومن ممارسات هذه الأحزاب الماركسية والقومية أنها تستسهل عملية طرد الأعضاء الحزبيين كممارسة داخلية حيث لا تكون حاكمة، وأنها تعتقل وتعدم معارضيها حيث تحكم، (إنها دون شك حالة طوارئ بالمعنى السياسي معلنة داخل الحزب)، ولم يتوان لينين في تعريف المركزية ودون تردد على أنها “حالة طوارئ ضد المصادر الكثيرة للتذبذبات السياسية” داخل الحزب.
إنه من الطبيعي، أمر نشوء تيارات وأجنحة داخل التنظيم الواحد، ومن الطبيعي أن تتنافس هذه الأجنحة داخل بيتها الحزبي بشكل ديمقراطي يتيح الفرصة أمام كل طرف ليحاول إقناع اكبر قدر من أعضاء الحزب بأطروحاته حول المسائل المختلفة، وهذا إن تحقق، فإنه أولاً يمكن القواعد الحزبية من المشاركة الفاعلة والتأثير المباشر في تحديد الخط السياسي للحزب من جهة وفي إعادة التأسيس المستمرة والمتجددة لأسلوب العمل السياسي والتنظيمي الذي يتطلب تغييراً مستمراً وفق المستجدات والمعطيات المحيطة بالحزب ودائرة نشاطه، ثانياً فإن هذا النهج ينقذ القرار السياسي من احتمالات احتكاره من قبل المركز، وثالثاً فمن شأن هذه العملية طرد ما بات يعرف بالسباتية في التنظيم من خلال تحريض القواعد بشكل مستمر للتدخل وفق آليات ديمقراطية في مختلف القضايا والقرارات.
كذلك فإن المركزية “الديمقراطية”، سبب أساسي في الانشقاقات التي تتعرض لها الأحزاب، حيث يمنع الظهور الطبيعي للأجنحة داخل الجسد الحزبي مما يؤدي إلى التصدعات التنظيمية، والحلول المبدئية تتلخص في توسيع الحياة الديمقراطية في مقابل المركزية الصارمة وإعطاء الدوائر الحزبية في مختلف المناطق مزيداً من الصلاحيات التنظيمية، وتقليص الفترة الفاصلة بين المؤتمرات العامة إلى سنتين كأقصى حد، ويفضل اعتماد مبدأ أغلبية الثلثين في عملية التصويت، والتأكيد على مبدأ التداول في قيادة الحزب، وكشف مداولات الحزب الداخلية أمام وسائل الإعلام أو إشراك أطراف أخرى حيادية، سياسية وثقافية، حسب ما تتيحه الظروف المحيطة، كي لا تتحول العملية إلى عملية انتظار صعود الدخان الأبيض أو الأسود كما هو معمول في كنيسة السيستين في الفاتيكان والتي تحيط عملية انتخاب البابا من بين 115 كاردينالاً بسرية وتكتم شديدين لكن ما ليس سراً أن العملية لا تتم إلا بموافقة غالبية الثلثين.
إن قبول هذه الإجراءات وحده سيضمن لأي حزب تطوره وتفاعله مع مراحل النضال الذي يبرر وجوده، وهذا وحده سيساعد الحزب في مواجهة التناقضات الداخلية والحؤول دون تحولها إلى أزمات وتعينه في نفس الوقت في التغلب على العقبات الخارجية التي تواجهه.
© منبر الحرية ، 24 ماي /أيار2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

تتّصل الوقائع والحوادث الإيرانيّة المُندلِعَة منذ شهور غداة انتخابات رئاسيّة، مشكوكٌ في نزاهتها إلى حدّ بعيد، بالعديد من العوامل “الداخليّة” بصورة رئيسيّة، ما برحت مفاعيلها تشكّل وقود المعركة الانتخابيّة والسياسيّة المُحتدَمة، فيما بدا من اللحظات الأولى أنّها لن تتوقّف عند حدود العمليّة الانتخابيّة وحسب. وهذا ما حصل في الواقع حيث مدى التفاعل الاجتماعيّ والسياسيّ الذي تولّد من جرّاء المنافسة الانتخابيّة شكّل ثورة في حدّ ذاتها و نواة  لتحوّلات مستقبليّة عميقة، سوف ترسم مستقبل النظام السياسيّ وصورة “الجمهورية الإسلاميّة” في طور مغاير وحقبة متمايزة عمّا عاشتها طيلة ثلاثة عقود.
لقد كانت الأسئلة تتكرّر حول مدى قابليّة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، للشروع في إصلاحاتٍ سياسيّة وقانونيّة وثقافيّة واقتصاديّة بعد عقودٍ من حكمٍ “دينيّ” متزمّت، فجاءت الأحداث الإيرانيّة الرّاهنة لتمتحن الجدل السياسيّ الداخليّ والصراع بين السلطة السياسيّة- الدينيّة النافذة من جهة وقوى المجتمَعين الأهليّ والمدنيّ اللذين يختزنا بؤراً حيويّة نابضة وروحٍ احتجاجيّة عاليّة، لم تفلح التسلّطيّة السياسيّة- الأمنيّة المدجّجة بسطوة دينيّة هائلة في القضاء عليها و محوها وتدميرها نهائيّاً (كما في نموذج التسلّطيّة العربيّة “العلمانيّة” مثلاً)، وسلّطت أشعةً كاشفة على قوّة كلا القطبَين، كما على البؤرة الحسّاسة في نظام الجمهورية الإسلاميّة؛ الأكثر حَسْماً في تصريف الشؤون الداخليّة والخارجيّة، أي دائرة التقاطع بين الدينيّ والمجتمعيّ والسياسيّ.
أوّل العوامل، كما أشير مِراراً، هو وَهَن الثورة التي قام على أساسها مُجمل النظام السياسيّ الذي بنيت عليه أركان الجمهورية الإسلامية في إيران بعد ثورة العام1979 الشعبيّة التي قادها الإمام الخميني؛ الفقيه ورجل الدين المثير الذي استطاع تكييف مبادئ عقيدية (ولاية الفقيه) – لا تحوز إجماعاً كبيراً في المجمّع الفقهيّ الشيعيّ ذاته – تُجيز لرجال الدين لعب دور سياسيّ مباشر وأساسيّ في حكم الجمهوريّة الإسلاميّة بصفته واجباً شرعيّاً لقيادة الأمّة حتّى ظهور الإمام (المهدي) “الغائب” المنتظر، وإعمال “ولاية الفقيه” وما يتفرّع منها في سبيل تثبيت حكم دينيّ لنظام سياسيّ هجين متنافر في بنيانه (ثيوقراطي – جمهوريّ)، الغلبةُ فيه للمكوّن الإكليروسيّ المُهيمِن في المجال الوطنيّ العامّ.
وبفعل التقادم التاريخيّ ومنطق الأشياء وَهَنت الثورة وضعفت جاذبيتها المعنويّة لأجيال ما بعد الثورة (وهم الجيل الثالث والرابع الآن)، فبرزت الاحتياجات الواقعيّة والحياتيّة الملموسة للمجتمع المدنيّ الإيرانيّ ؛ لا سيما الفئات المدينيّة ومجتمع البازار وأصحاب الكفاءات العلميّة والأكاديميّة وطلبة الجامعات (في العاصمة طهران والمدن الكبيرة خصوصاً)؛ الجمهور الأكثر تواصلاً مع العالم الخارجيّ والمنخرِط في شبكات التواصل العولميّ الإعلاميّة والثقافيّة( جماعات حقوق الإنسان- طلبة الجامعات-جمعيات نسويّة- منظمات مدنيّة متنوّعة…) تلك المحرومة من الحراك والنشاط الطبيعيّ والمدنيّ بسبب القوانين الجائرة والبيروقراطية المقيمَة والتسلّط السّياسيّ- الدينيّ الضاغط. ومن جهة أخرى تزايدَ التهميش الاقتصاديّ والاجتماعيّ بحقّ قطاعاتٍ واسعة من سكان الأرياف وأطراف المدن؛ لكن بنفس الوقت خيبة أملها في إجراء إصلاحاتٍ اقتصاديّة لصالحها كما وُعدت مراراً في العهد الإصلاحيّ، سنوات حكم الرئيس الأسبق محمد خاتمي الثمانيّة(1997 – 2005) الذي مهدّ بفشله في الإيفاء بوعوده المقطوعة لتنصيب أحمدي نجاد من بعده؛ الذي استغلّ مجمل الظروف الإقليميّة ،  وطبيعة الاقتصاد الريعيّ المموّل من عائدات النفط الكبيرة المُستعمَلة كرشوة وهِبَات لقطاعات اجتماعيّة واسعة من الفقراء و”المُستَضعَفِين” و”المحرومين” وعناصر الجيش والشرطة والحرس الثوريّ؛ التي مكنّت الرئيس أحمدي نجاد من استمالتها إلى جانبه كقوّة انتخابيّة أساسيّة (وهي ظاهرة كانت ملحوظة في بلدان أخرى مشابهة، حيثما أُتيحَ للسلطة المركزيّة تأطير المجتمع المحكوم وفق أواليات الاقتصاد الأوامري command economy فتحوز – أي السلطة- تبعاً ولاءً سياسيّاً قويّاً حتّى نفاذ القدرة الأبويّة تلك أو نفوق الموارد الطبيعيّة وتضعضع الدور الأبويّ للدولة، وهو ما بدأ في الواقع وغدا من الصعوبة الفائقة هيكلة المجتمع وفق تلك الآليات الآفِلة، غير المتاحة على نطاق واسع في النطاق الاقتصادي العالمي المعولَم). وهو قد زَعم تمثيلها “الطبقيّ” في الانتخابات الأخيرة، عن طريق استنهاض خطاب شعبويّ تعبويّ واستنفار الغرائز والشعارات الدينيّة فيما يتعلّق بموقفها العصابيّ من (الغرب الكافر) وقوى (الاستكبار العالمي) وإنكار المحرقة اليهوديّة من خلال نظرة دينيّة اصطراعيّة مع العالم بغية خلق إجماع قوميّ والحفاظ على ثوابت (الثورة الإسلاميّة) التي تخدم في نهاية المطاف تثبيت طبقة الحكم في طهران المتمحورة حول سلطة رجال الدين أساساً و تثبيت السّلطة حول المقدّس في الداخل، مع إظهار ملامح قويّة لقوميّة إيرانيّة؛ يشكّل التديّن الشيعيّ عنصراً مندمجاً في تكوينها، وهي لا تخفي طموحاتها الإقليميّة الواسعة ، المشروعة منها وغير المشروعة.
غير أنّ الشعارات الهادرة لا تقوى على التصدّي العمليّ للمشكلات الحقيقيّة وتقديم حلول واقعيّة لها وهي إنْ فعلت فإلى حينٍ، فالوقائع عنيدة في كلّ مكان. وبالفعل فإنّ جملة إشارات كانت تشير إلى تململ الداخل الإيرانيّ وتذمّره من الأوضاع الداخليّة المتدهورة والسياسات الخارجيّة الانعزاليّة والصداميّة مع الغرب والجوار الإقليميّ التي دفعت بهما القيادتان الدينيّة والسياسيّة البلاد إلى حدود متوتّرة. كما كان مأمولاً من قبل مراقبين كثيرين ألاّ تتكرّر مفاجئة انتخابات العام 2005 التي أوصلت محمود أحمدي نجاد، عمدة بلدية طهران القادم من صفوف الحرس الثوريّ ( الجهاز العسكريّ والأمنيّ الذي يتمتّع بنفوذ ماليّ واقتصاديّ وسياسيّ في البلاد)، إلى سدّة الرئاسة بتزكية ودعم فائقَين من قبل مرشد الثورة الإسلاميّة الإمام الخامنئي الذي يواصل اليوم السياسة ذاتها أي  دعمه لنجادي في مواجهة منافسيه الآخرين الأمتَنْ صِلة بالثورة الإسلاميّة والمؤسّسة الدينيّة في إيران التي يترأّسها الخامنئي بالمقارنة مع أحمدي نجاد ، ابن السلك الديبلوماسيّ والأمنيّ. مع ملاحظة أن كِلا الرجلين يتشاركان ،على الأقل، في تحدّرهما من المنبت الاجتماعيّ والاقتصاديّ الواحد والتوافق في التوجّه السياسيّ، فضلاً عن خضوع ” التلميذ الصغير” لسلطة الإمام الدينيّة.
لكن من غير الواقعيّ تماماً قصر وهن الثورة على سنّي حكم نجادي. فالواقع أن الثورة ولدَت وشاخَت بسرعة قصوى ونالَ منها ما نالَ الثورات الشعبيّة (الحقيقيّة، لا المدعاة مثل الانقلابات الشلليّة العربيّة) في أمكنة أخرى في زمن قصير للغاية. فانكفأت الرغبة الثوريّة الشعبويّة باكراً إلى تثبيت سلطة ضيّقة تحصّنت بالمزيد من التشدّد حيال “الشعب” الذي أنجبها(الثورة – السلطة). لكن لن يسهل عزل “الشعب” عن الحياة العامة نظراً للحركيّة السياسيّة العالية في المجتمع الإيرانيّ الذي لم يَغْب عنه الصراع السياسيّ والاجتماعيّ؛ وهو اليوم خميرة الاحتجاجات الإيرانيّة المتمادية بصورٍ شتّى. وهذا الصراع الدائر بقوّة في ثنايا المجتمع الناجم عن توازن القوى الاجتماعيّة الجديد وانشقاق النظام، لن يُحسم لصالح تعزيز سلطويّة النظام السياسيّ والإيديولوجيّ وتمكينه لفترة طويلة على ما قد تشير معطيات الداخل الإيرانيّ راهناً نتيجة الإفراط في استعمال القوّة والقمع وإرهاب المحتجّين والمعارضين. بل يمكن المجادلة في أنّ الشعب الإيرانيّ يخوض معركة بناء الديمقراطيّة (“من الداخل”)، وأنّ إيران صارت على سكّة الانتقال الديمقراطيّ ( في شروطه الإيرانيّة “الخاصّة”) العسير كنتيجة مُحْتملة راجِحة وحصيلة موضوعيّة للمخاض الطويل في البنى السياسيّة والاجتماعيّة لمجتمعٍ حيّ وإرثٍ من الخبرة المكرّسة في ممارسة السياسة والانخراط العميق في الشّأن العام لدى الجمهور الإيرانيّ ( ” الإرث ما قبل السلطويّ ” في لغة دارسِيْ نماذج الانتقالات من الحكم السلطويّ)، سليل أوّل ” ثورة دستوريّة ” في المنطقة، والممانِع للاستبداد والتسلّط ” إلى الأبد”، أيّاً كان مصدره “دينيّاً” أم “علمانيّاً”…
© منبر الحرية ، 20 ماي /أيار2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

يعود ظهور وسائل الإعلام في إيران  بدايات القرن التاسع عشر، وكان أولها ظهوراً الصحافة، حيث أنشئت في إيران أول مطبعة عام 1819 في مدينة تبريز إبان الحرب الثانية مع روسيا وكان أول إنتاجها “رسالة جهادية” التي كتبها ميرزا عيسى قائمقام فراهاني. أما أول صحيفة أو “روزنامة”، وتعني بالفارسية المعاصرة صحيفة أو رسالة اليوم، فقد أصدرها ميرزا صالح الشيرازي عام 1837، وفي عام 1851 صدرت أول صحيفة أسبوعية وكانت باللغة الفارسية مثل صحيفة الشيرازي. وأصدرت وزارة الإعلام في ذلك الوقت جريدة يومية في صفحة واحدة وكانت تعنى بالأبناء والأحداث اليومية ثم تطورت الصحافة كثيراً في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وتنوعت إصداراتها، وظهرت المجلات والصحف المتخصصة في شؤون الطب والهندسة والعمارة وغيرها.
ومرت الصحافة الإيرانية منذ نشوئها بالمراحل الست التالية: مرحلة دعم الدولة والمرحلة الدستورية ومرحلة رضا خان ومرحلة الفوضوية ومرحلة الصمت في العهد البهلوي الثاني ومرحلة ولاية الفقيه.
ومن المفارقات أنه قبل شهر من انتصار الثورة ألغى شهبور بختيار، آخر رئيس وزراء في حكومة الشاه الرقابة على وسائل الإعلام في إيران. ورغم أن الصحف استقبلت الخميني – الذي كان تحدث في خطاب له عام 1963 بصراحة ضد حرية الصحافة، لكنه عشية انتصار الثورة عام 1979 بدا “مؤيدا لحرية الرأي”التي استقبلته لدى عودته  البلاد بأكبر مانشيتاتها، وبعبارات الترحيب والمديح «للملك الذي دخل بخروج الشيطان»، وبعد أقل من ستة أشهر من قيام الثورة، قام متظاهرون بإحراق مبنى صحيفة «آيندكان»، ومن ثم الهجوم على مبنى مجلة «أُميد إيران» التي تجرّأ رئيس تحريرها ونشر صورة الدكتور شابور بختيار آخر رئيس وزراء في عهد الشاه على غلافها. ونشبت في يوليو (تموز) 1979، معركة دامية بين مسلحي «حزب الله» وفدائيي الإمام وحرس الثورة مع الطلبة والنساء والمثقفين المدافعين عن الصحف المستقلة.
وبموجب قرار أصدرته وزارة الإرشاد (تعادل وزارة الثقافة) في اليوم التالي للمعركة، تم توقيف أربع صحف وخمسين مجلة وصحيفة أسبوعية بأمر الإمام الخميني.
وكانت صحيفة«آيندكان» الصباحية، أكثر شجاعة من صحيفتي «اطلاعات» و«كيهان» في انتقاد رجال الدين وفكرة إقامة نظام ديني في إيران. كما تحولت مجلة «أُميد إيران»الأسبوعية، الواسعة الانتشار،  منبر للشخصيات والتنظيمات المطالبة بقيام نظام علماني في البلاد.
و أصدر مجلس قيادة الثورة قانوناً جديداً للصحافة، وفرض هذا القانون بعض القيود على وسائل الإعلام. ولم تتمكن الحكومة المؤقتة برئاسة رئيس الوزراء الليبرإلى مهدي بارزكان، التي لم توافق مطلقاً على هذه القيود الواسعة على حرية الصحافة ، سوى من إبداء معارضة بسيطة على هذا الإجراء. وفي عام 1981 فقط تم منع 175 صحيفة ومجلة.
وتم خلال الفترة من 1979  1984 مثلاً إعدام نحو 44 صحافياً إيرانياً إضافة  مئات المفكرين وفق تقديرات منظمات حقوق الإنسان.  وفي نهاية الحرب عام 1988 لم يبلغ عدد الصحف والمجلات الصادرة في إيران أكثر من 121 صحيفة ومجلة.
وازداد عدد الصحف والمجلات تحت حكم الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رافسنجاني مجدداً. وكان الرئيس التالي خاتمي حينها مسؤولاً عن وسائل الإعلام بحكم منصبه كوزير للثقافة. وخلال فترة حكم رفسنجاني تم أيضاً تأسيس إصدار الصحيفتين الكبيرتين “هامشاري” و”إيران” بمبادرة من قبل ما يسمون بالتكنوقراط.
وابتداء من العام 1989 أتاح التعديل الدستوري إدخال مادة تنص على أن “حرية التعبير والرأي ونشر الأفكار مضمونة، إذا لم يتم المساس بالمبادئ الإسلامية ومصالح البلاد” وحدوث تراجع في نفوذ الراديكإلىين. وظهور بوادر انفتاح ثقافي وإعلامي وفني، لذا صدر عدد كبير من المجلات الثقافية والاجتماعية والسياسية، كما عادت ظاهرة مجلات الكاريكاتير السياسي الساخرة ذات الحرية شبه المطلقة، ومنها مجلة “كل آفا”. وأيضاً صدرت مجلات ثقافية انفتاحية نسبياً مثل: مجلة “كيان” التي أصدرها محمود شمس، ودعت  إعادة الاعتبار  مهدي بازركان أول رئيس حكومة في الجمهورية الإسلامية كما صدرت مجلات وصحف معارضة للأيديولوجية الدينية الإسلامية مثل مجلة “عالم الكلمة”. ويضاف إلى ذلك الصحف والمجلات المعبرة عن تيارات وأجنحة النظام السياسي الإسلامي الإيراني، مثل صحيفة “سلام” التي تنتقد السياسة الإيرانية الخارجية، وصحيفة “جهان إسلام” اللتان تعبران عن التيار الراديكإلى. في حين عبرت صحيفة “رسالة” المسائية وصحيفة “جمهوري إسلامي” عن تيار المحافظين القريبين من مؤسسة البازار. أما تيار المعتدلين سياسياً وثقافياً فعبرت عنهم صحف: “طهران تايمز” و”كيهان” و”اطلاعات”.
ومن أغسطس (آب) 1979، وحتى انتخاب محمد خاتمي في مايو (أيار) 1997، كانت الصحف القليلة التي واصلت صدورها: «كيهان»، «اطلاعات»، و«جمهوري إسلامي»، وبعض الصحف والمجلات المهنية والدينية ذات توزيع محدود جداً، وكانت تشبه نشرات حكومية بلا طعم، بحيث لم تكن «كيهان» تختلف عن «اطلاعات» وهما تشبهان «جمهوري إسلامي». ورغم أن ظهور صحيفة «سلام» اليسارية الدينية التوجه أواخر عهد الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، أثار اهتمام بعض التيارات السياسية، غير أن توزيع الصحيفة لم يرتق  أكثر من ثلاثين ألف نسخة يومياً، علماً أن صحيفة «اطلاعات» في الفترة القصيرة التي كان الدكتور بختيار يتولى فيها رئاسة الوزراء، قد تجاوز توزيعها مليون نسخة في اليوم، بينما كان توزيع «كيهان» أيضاً بحدود المليون. أما توزيع كافة الصحف الصادرة في طهران عشية انتخاب خاتمي، كان أقل من مائتي ألف نسخة.
ولعبت صحيفة “سلام” دوراً لا يستهان به في دعم الإصلاحيين، في انتخابات الرئاسة عام 1997 مما أدى في النهاية إلى خروج خاتمي فائزاً فيها.  وبعد وصول محمد خاتمي  الحكم عام 1997، عين الليبرإلى آية الله مهاجراني وزيراً للثقافة في حكومته. ومنح مهاجراني بسخاء تراخيص لصدور صحف ومجلات جديدة، الأمر الذي مثل ربيعاً ثانياً للحرية بالنسبة للصحافة في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
و كان ظهور صحيفة «جامعة» بشكلها المختلف عن شكل الصحف الرسمية الصادرة آنذاك، منعطفا في تاريخ الصحافة الإيرانية بحيث حققت الصحيفة نجاحا ليس فقط في مجال انتشارها ومقدار توزيعها فحسب، بل في استقطاب عدد من أبرز الكتاب والصحافيين، غير أن السلطة العليا والتيارات المحافظة التي كان فوز خاتمي بمثابة كابوس لها، أبدت استياءها ورفضها لأسلوب صحيفة «جامعة» وتوجهات كتابها بعد صدور بضعة أعداد من الصحيفة. ورغم أن خاتمي ظل مدافعا عن «جامعة» والعاملين فيها غير أن المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي أمر بتوقيفها بعد ستة أشهر من صدورها عبر أمر أصدره القاضي سعيد مرتضوي النائب العام لطهران والذي كلفه خامنئي بمراقبة الصحف ودور النشر. لكن صحيفة «جامعة» عادت تحت اسم «توس» وهي صحيفة محلية كانت تصدر في خراسان وحينما تم توقيف «توس»، صدرت صحيفة «نشاط» ومن بعدها «صبح آزاديفان» التي جرى توقيفها.
وخلال الفترة نفسها صدرت صحف إصلاحية أخرى، أبرزها «صبح امروز» لمستشار خاتمي سعيد حجاريان، و«مشاركته» لشقيق خاتمي الدكتور محمد رضا خاتمي نائب رئيس البرلمان السابق، و«خرداد» و«فتح» لوزير داخلية خاتمي الإصلاحي عبد الله نوري الذي دخل السجن لمدة خمس سنوات بعد توقيف صحيفتيه، وصحيفة «بهار» و«آريا».
وكان لتزامن عملية إطلاق الحريات الصحافية وانتخاب نقابة للصحافيين الإيرانيين مع اندلاع الجدال داخل النظام السياسي الإيراني حول مبدأ “ولاية الفقيه” انعكاسه الواضح في الواقع الصحافي-إذ- اهتمت الصحف القديمة والجديدة والمعتدلة والمحافظة في هذا النقاش، وفي نقاشات أخرى تهم الشارع الإيراني وتتعلق بموضوعات اجتماعية واقتصادية وسياسية. وتجاوب الرئيس خاتمي مع متغيرات المشهد الثقافي الإيراني. إذ أنه رداً على اعتداء أنصار حزب الله على مقر صحيفة “إيران الغد” المعارضة بسبب نشر مقالة تنتقد فيها ظاهرة الدعوة  إقامة الصلاة في البلاد، وانتقاد عمل منظمة إقامة الصلاة الدينية الرسمية، أمر الرئيس خاتمي بالاعتقال الفوري لمنفذي هذا الاعتداء الذي باركته صحيفة “شلمجة” الناطقة باسم أنصار حزب الله الإيراني.
كما انتقدت صحيفة “إيران نيوز” ممارسات عناصر الباسيج “المتطوعون” الذين أقدموا على منع حفلة لموسيقى إيرانية تقليدية في مدينة آراك على الرغم من أن فرقة “شكواك” التي شاركت في هذه الحفلة حصلت على ترخيص من السلطات. وبالمقابل وجهت صحيفة “شلمجة” رسالة تطالبه فيها بتطبيق القانون وعددت مظاهر الفساد في المطبوعات الجديدة ولا سيما تلك المتخصصة في السينما والرياضة.
و جعلت الصحف الإصلاحية والمجلات التي انتهجت الخطاب الإصلاحي والليبرالي إيران أكثر الدول في المنطقة نشاطا وحرية في مجال الإعلام في السنوات الأولى لرئاسة خاتمي، غير أن الوضع تغير بسرعة بعد أن اتهم آية الله خامنئي الصحف الإصلاحية بأنها تحولت  قاعدة العدو (أي أميركا)، بحيث أصدر القاضي سعيد مرتضوي قرارا بإيقاف 18 صحيفة يومية و90 مجلة أسبوعية وشهرية دفعة واحدة، مما يعني أن أكثر من عشرين ألفا من الكتاب والصحافيين والفنيين قد وجدوا أنفسهم بلا عمل، فيما انتهى أمر بعضهم مثل أكبر كنجي وعماد الدين باقي وشمس الواعظين  السجن.
وحتى عام 2000 أمر المحافظون بمنع أكثر من 80 صحيفة ومجلة، لكن العاملين في هذه الصحف تمكنوا من مزاولة نشاطهم الصحفي في الصحف الصادرة حديثاً. وفي بداية فترة رئاسة خاتمي لم يتجرأ المحافظون على منع أي صحيفة من دون أمر قضائي. وفي الأعوام اللاحقة أصبح المحافظون أكثر عدوانية وباتوا في وضع يمكنهم من منع الصحف غير المرغوب فيها حتى قبل صدورها. وتجاه ذلك لم يرغب أو يتمكن رئيس الدولة الإصلاحي خاتمي من فعل أي شيء يُذكر.
وسبق لوزير الثقافة والإرشاد الإسلامي السابق-رئيس مجلس الشورى الحالي- علي لاريجاني أن لخص المنجزات الثقافية في عهد الثورة الإسلامية. وتحديداً منذ العام 1979 وحتى 1993، بقوله: “هناك 600 صحيفة تصدر في إيران، وهذا يساوي ضعفي الرقم الذي كان يصدر قبل الثورة، وكثير منها متخصصة وبعضها عامة. ومنها ما يتخصص بطرح آراء المفكرين، وهناك صحف تصدر بلغات أجنبية (…)، وقبل الثورة كنا نطبع بين ألفين وثلاثة آلاف عنوان كتاب في السنة. والآن 1993 نطبع بين 8 و10 آلاف عنوان و60 مليون نسخة”. ولجهة الدقة صدرت في عهد الثورة الإسلامية 420 مطبوعة بينما كان عددها في عهد الشاه 150 مطبوعة.
ومع تولي أحمدي نجاد لرئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ساءت أحوال الصحافة في إيران بشكل واضح، فينما كانت وزارة الثقافة ما تزال تدعم الصحافة خلال رئاسة خاتمي، تغيرت هذه الوزارة خلال حكم أحمدي نجاد لتتحول  جهاز لمراقبة الصحافة النقدية. وفي السياق نفسه تم منع مجلة “بازتاب” الإلىكترونية المقربة من المحافظين. و أيضا منع صحيفة كارغوزاران المقربة من تيار رفسنجاني، بسبب نشرها بياناً لإحدى الروابط الطلابية، اتهمت فيه حركة حماس الفلسطينية باستخدام المدنيين في قطاع غزة كدروع بشرية.
وازدادت أوضاع الصحافة في إيران تدهورا خلال وبعد الأحداث التي شهدتها إيران بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في حزيران –يونيو2009، من خلال اعتقال عدد من الصحافيين وإغلاق بعض الصحف الإصلاحية، إضافة إلى هجرة عدد من الصحافيين. وفي الوقت نفسه تعمقت أزمة سميت أزمة الهوية الصحافية وأزمة أخرى في المهنية، بمعنى أن الوسط الصحافي الإيراني لم يستقر حتى الآن علی تعريف واضح لمهنة الصحافة، وهوية واضحة للأداء الصحافي.
وتم إرجاع الأزمة المهنية، وأزمة الهوية  محاولة الجيل الجديد من الصحافيين استغلال العمل الصحافي من أجل غايات سياسية محددة.
وبرر الأكاديمي والصحافي مهرداد خليلي لجوء بعض الصحافيين الشباب إلى خارج إيران بوقوعهم بين نارين، فهم لا يستطيعون من جهة تحمل الضغوط المالية والضغوط السياسية لمؤسساتهم الصحافية، ومن جهة أخری لا يمكنهم نسيان أجواء الانفتاح التي عاشوها لمدة قصيرة أيام الرئيس السابق محمد خاتمي. وبذلك، فإن مثل هؤلاء الصحافيين سيتجهون نحو أي باب يُفتح أمامهم، إحساساً منهم بأنهم ينتقلون إلى الصحافة المهنية.
ورغم القيود نشأ بعد بدء عملية الإصلاح في عام 1997 وعي ذاتي جديد بين الصحفيين المستقلين عن الحكومة الإيرانية. وبات من الصعب اليوم السيطرة على جيل جديد من الصحفيين في إيران، ومن أسباب ذلك استخدام هؤلاء للإنترنت بشكل أكبر، بعد أن باتت الصحف الورقية  في إيران في قبضة المحافظين.
لكن السلطات شددت الرقابة على الانترنت من خلال قائمة طويلة من “المخالفات” التي تعرض مرتكبيها للعقوبات. إذ تحظر القائمة التي وضعتها “هيئة خبراء” المواقع التي تحتوي على مواد “مخالفة للقيم الاجتماعية” أو “مخالفة للقيم الدينية” أو تنطوي على تهديد “للأمن والسلام الاجتماعي”, أو تلك “المعادية لمسؤولين حكوميين أو هيئات حكومية” أو التي “تسمح بارتكاب مخالفة” عبر التحايل على الحظر واختراق حجب المواقع. ويمنع النشر على الانترنت للمواضيع المنافية “للقيم الدينية”, أو التي “تتعرض للإسلام والأديان المعترف بها, والأنبياء والأولياء”, أو التي تنطوي على “دعاية للفرق المعادية للإسلام”, أو “شتم الإمام الخميني وكذلك المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي”.
وفي وقت يطالب حسن اختري، رئيس اتحاد الصحافيين المسلمين السلطات القضائية بتعاط أفضل مع الصحافيين من خلال وضع آليات  جديدة لتقليل الخسائر التي تواجه الصحافة والصحافيين، فإنه يعتقد بضرورة عدم وجود صحافي معتقل بسبب عمله الـصحافي أو على خلفية التعبير عن الرأي.
واعتبر اختري أن “إغلاق الصحافة في إيران لا يتم أيضاً بسبب كتابة مقال أو تعبير عن الرأي، وإنما لأسباب أمنية تتعلق بالتحريض أو الاتصال بجهات أجنبية محظورة، وأن بعض الصحافيين أو الصحافة عموماً فقدوا مهمتهم الحرفية وعملوا كأحزاب سياسية، وهذا ما أوقع هذه الصحافة في محاذير قانونية لا يرتضيها الجميع”.
ويعتقد كثيرون من المهتمين بالشأن الصحافي في إيران أن «المحكمة الخاصة بالصحافة» كانت تميل في حالات كثيرة إلى مصلحة الصحافيين أو الصحافة عندما تمثل أمام المحكمة، لكن المشكلة التي تقف أمام الصحافة المختلفة، هي أن المحكمة تقرر بداية وقف إصدار الصحيفة، ومن ثم اللجوء إلى إجراءات تقديم هذه الصحيفة أو تلك للمحاكمة. واللافت أن المحكمة أصدرت في حالات كثيرة الحكم ببراءة الصحيفة المعنية، لكن بعد بضعة أشهر من الإغلاق.
يشير واقع الصحافة الإيرانية في عهد ولاية الفقيه  صلته الوثيقة بواقع   النظام السياسي في إيران وأزمته الناتجة من حيث الجوهر من الإشكاليات   التي يطرحها تكريس مبدأ ولاية الفقيه وهي إشكاليات تقيد الحرية على أنواعها وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير وتاليا حرية الكلمة والصحافة والصحفيين.
© منبر الحرية ، 11 ماي /أيار2010

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018