peshwazarabic

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

مع مضى شهرا حوليا كاملا مؤثرا بكل الحسابات في بلد  كالعراق ، ما تزال السجالات والتراشق السياسي الناري الذي يتصاعد مستعرا ، وينخفض متراجعا ، تبعا لمؤشرات الغزل والاحتدام السياسيين . فيما المشاورات المتباطئة لا تشير إلى تقدم جدي ملموس. على الطريق مشروع تشكيل الحكومة الجديدة . المباحثات ، والمشاورات ، والجولات المكوكية تجرى بحذر على نار هادئة إلى ما شاء الله دون النظر إلى الاستحقاقات الانتخابية ومتطلبات المرحلة ، التي تبدو هي الأحرج في الروزنامة السياسة العراقية الجديدة لما بعد نيسان  2003. فالجدل الببيزنطي حول أولوية القائمة أو الكتلة في مسألة التكليف بالتشكيل الحكومي اخذ حيزا غير منطقي وغير مبرر ، إذ اتسعت ضروب الاجتهادات السياسية المفضية إلى تخريجات سياسية مغلفة بغايات سياسية طامحة للسلطة وركوب  موجتها  عبر المنصب الأثيري ( رئيس الوزراء ) ، وطرح إشكال سيناريوهات، وعلى طريقة كل الطرق تؤدي إلى روما  دون النظر في تبعات هذه المواقف وتداعياتها ، فالغريب أن تحصر أية جهة سياسية كل برامجها ، وطموحها ، واستراتجياتها المستقبلية بشخص تريد له أن يكون رئيس الوزراء، فهي بهذا تنظر إلى مشكلات البلاد الكبرى من خلال مشكلتها أو عقدتها هذه وهي مجازفة لا تستحق هذا القدر من المغامرة لتنافيها مع النسق ا لسياسي الجديد الذي لا تقبله التجربة الوليدة لأنها تتناقض  مع جوهرها وخطاها .
وبالجملة فقد أضاف هذا التعصب الحزبي والجهوي عنصرا آخر في العقدة التي تشد إليها بممارسات كهذه المزيد من التعقيدات وسباق ضياع الوقت ، فصفقة تصفير الزمن لأجل كسب المزيد من الوقت الضائع المهدور هي الأكثر توصيفا للحالة السياسية- الاجتماعية في العراق اليوم، ومن هنا بدأ تأخر البلاد واشتداد حالة التخلف والفقر الضاربة أطنابها عمقا في التربة العراقية حتى لتخال أن الحديث عن دولة العراق الذي يملك ثاني مخزون احتياطي عالمي من النفط في المنطقة ، حديثا عن دولة قابعة على أطراف القرن الإفريقي وتعيش في فقر مدقع. إن تجربة الديمقراطية العراقية ما زالت تحبوا وسط زوابع من فلسفات وايديولوحيات ومخلفات فكرية وعقدية بالية ومع حالة كهذه يمكن أن يتحول فيه الحبو إلى كبوة ما لم يتم تأطير الحالة بمحددات ومؤشرات دقيقة وواضحة ،  تدفع بالتخريجات السياسية المتحذلكة بعيدا من أجل سلامة النمو الديمقراطي من جهة وعدم إفساح المجال لخمائر المخلفات الفكرية من النمو الفوضوي بمواجهة المد الديمقراطي، ومن هنا ضرورة وضع المحددات وآليات تشكيل الحكومة وفق منظومة قانونية ، شفافة ، واضحة بعيده عن الشد والجذب وأشكال المهاترات و السجالات السياسية واللجوء إلى التصريحات النارية المنافية مع تطلعات بلد وشعب يعاني الأمرين من آثار جروح خطيرة ونكبات إنسانية ومجتمعية على كل صعد . مع التأكيد على ضرورة التجديد، وبخاصة منصب رئيس الوزراء تحديدا لامتلاك العراق إرثا تاريخيا سيئا في مجال الزعامة  والحكم . ومن شـأن احتكار المنصب السلطوي لفترات متعاقبة تجديد أشكال الدكتاتورية ، ونشؤ لعبة جديدة لا طاقة للبلاد بحملها فالفواتير الماضية باهظة، وهي رهن التسديد بكفالة الدول الراعية للتجربة إلى جانب الركض المتهافت في أرجاء المسرح الدولي طلبا لإطفاء ديون سابقة ترتبت  بسبب سياسات عدوانية ، وعنصرية وليس من المنطقي التفريط بمستقبل البلاد ونهضتها لأجل طموحات شخصوية سلطوية تحت أية ذريعة ،  ومهما قيل عن مسألة تمثيل الشعب والغزل على هذا المنوال . ففي عراق اليوم يتسابق أكثر من ثلاثمائة حزب ، وحركة ، وكيان سياسي رئيسي ، و ثانوي ويتحدث الجميع بلغة تمثيل الشعب . ومهما كان حجم قاعدة الدعم الشعبي فليس بمقدور أي جهة الادعاء بأنها الممثل الأوحد . على أن مسار التجربة الديمقراطية ، وظهور حكومات مرحلة ما بعد الدكتاتورية لم تنجح في إعادة الروح إلى مفاصل البلاد الممزقة وبناها التحتية المدمرة وإطلاق شيء من الراحة،  في مجال إنعاش الاقتصاد الوطني وتحسين الحالة المعاشية للشعب الذي يرزح تحت خط الفقر بمؤشرات المنظمة الدولية وبشهادة الواقع العياني العراقي ، وهو واحد من أهم أسباب تباطآ دينامية التجربة الديمقراطية ،وفشل البرامج الحكومية  التي تعاني تشكيلاتها الوزارية من انفصام في الشخصية من ناحية الولاءات والتوجيه ، وعدم الانطلاق من أرضية مؤسساتها بحاجاتها واحتياجها ، وتسيير الأمور بمناهج حديثه لعدم كفاءة العديد من الوزراء من جهة وانعدام المرجعية الموحدة ، فالوزراء تعود مرجعيتهم  إلى كتلهم السياسية الواقفة خلفهم ومنها يستمدون الحركة والتوجيه ، ولما كان السباق يقتضي بالعرف السياسي المعمول ، الجري لتحقيق اكبر قدر من المصلحة الفئوية أو الجهوية ، وتحصينها ، فقد ضاع الخيط والعصفور في المعادلة. إن نهضة المجتمع تنطلق من تلاحم ووحدة المجتمع والدولة في مهمة بذل إخلاص الجهود من اجل تعويض الوقت الضائع وإيجاد لغة المصلحة الواحدة ، قولا وفعلا من اجل اختزال الزمن . إن امتلاك القوى السياسية لنظرات عابرة لمحيطها ، و محدداتها ، وتوجهاتها الجهوية ، الفئوية الضيقة وباتساع حركة المجتمع من شانه خلق الاستقرار السياسي المنشود واللحاق بالآخرين دولا ومجتمعات ، ويبدو أن هنالك ما تزال مصالح بإبقاء البلاد رهينة هذه الأوضاع المزرية . في المجال التراشق السياسي واتهام القوائم والكتل لبعضها بعودة البعث أحيانا كما في الحالة السنية والارتماء في الحضن الإيراني كما في الحالة الشيعية، فان العراق بحاجة إلى رئيس وزراء مستورد على طريقة الملك فيصل لدى تشكل دولة العراق في أب عام    1921. إن محاولة التمسك بأهداب السلطة والدخول في صراعات من اجلها من شأنه إصابة  العملية السياسية بمقتل ، من خلال تجميد مبدأ التدوال السلمي للسلطة مع ما تحمله من ترسيخ للديمقراطية في العمق ، والتي تحمي الدولة المجتمع من مخاطر الانزلاق إلى العنف من جهة وإعطاء مساحة المنافسة الحيوية المطلوبة من جهة أخرى . في السباق السياسي وحيث لابد من ظهور آليات مبدعة وبرامج قابلة للتحقيق من اجل امتلاك زمام المبادرة في أي عملية انتخابيه قادمة .
في الانتخابات المنصرمة وبعد الاتفاق السياسي بين القوى السياسية الوطنية التي وجدت ضرورة لاستبدال رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري بأحد الشخصيات من كتلته وهي الفرصة التي أظهرت المالكي إلى المواجهة ، ترى ماذا كان سيترتب لو أن الجعفري تمسك بأهداب السلطة ؟ وما هي فاتورة الحساب بالنسبة لكيانه السياسي وتداعيات ذلك على الساحة السياسية ؟. إن مسالة الاستبدال وإعطاء الآخرين الفرص تعكس الروحي الحقيقية للسلوك الديمقراطي ، فالديمقراطية ليست شعارات بلهاء وحفنة كلمات قابلة للمزايدة ، وإنما هي وحدة السلوك والممارسة والتعود على قبول النتائج كما هي تصب مصلحة الكيان السياسي نفسه ، من خلال تبنيه قدرا من المرونة يتطلبها المناخ السياسي الديمقراطي ، ومحاولة ترسيخ هذا التقليد السياسي كإحدى ثوابت العهد الجديد . نأمل أن تنتهي السجالات قريبا ، وان تكون الروح الوطنية سابقة للعواطف والرغبات ، وان يكون السلم السلطوي طريقا لخدمة الناس وليس دالة لخلق نزعات فردية كلفت أثمانا باهظة وخاصة في الحالة العراقية التي أصبحت دراما إنسانية معاصرة .
© منبر الحرية ،24أبريل /نيسان2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

اتفق العديد من المفكرين والباحثين الليبراليين على أن  الدكتاتورية أصبحت  فيما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ملمحا بارزا في العديد من دول العالم الثالث حديثة الاستقلال، والتي غلب على أشكال الحكم في معظمها الطابع العسكري، كما أن الدول ذات أنظمة الحكم الشيوعية والاشتراكية اعتبرت دكتاتوريات أيضا من وجهة نظرهم وكان السبب الرئيسي في توصيفهم هذا هو غياب الاستقرار السياسي عن الكثير من هذه الدول وشيوع الانقلابات العسكرية والاضطرابات السياسية فيها، فضلا عن ظهور مشكلات عديدة تتعلق بمسألة الخلافة على السلطة.
الشعب الكردي والموزع الآن بين أربع دول (تركيا، إيران، العراق وسوريا) تصنف جميعها ضمن خانة دول العالم الثالث (النامي)، ومن سمات الحكم السياسي في هذه الدول إن “استثنينا الحالة السياسية الجديدة المفروضة في العراق” أنها تأخذ طابعا منافيا للمبادئ والقيم الديمقراطية.
فتركيا وبالرغم من تعدديتها السياسية إلا أن هيمنة عقلية “الجندرمة الأتاتوركية” والمنافية للقيم الديمقراطية بالفطرة العسكرية، تبقى صاحبة الكلمة الفصل في القرارات المصيرية للحياة السياسية التركية.
وكذلك إيران ومن وراء عمامات الملالي لم تنجح في إخفاء الميول القومية “الفارسية”، وجسدته فيما عرف بقومنة الدين، وسورية محكومة بالفكر القومي المطلق متمثلاً بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، منذ قرابة نصف قرن من الزمن.
لذلك فكل المظالم والإجراءات والقوانين الاستثنائية التي تطبق بحق الكرد في هذه الدول يجب أن لا تكون موضع استغراب، فالإرث الديكتاتوري العسكري التفردي إضافة إلى الأفكار القومية والدينية المتعصبة للسلطات الحاكمة في هذه الدول تفرض حتمية هذه الإجراءات القمعية.
الكرد، وفي نضالهم التاريخي للوقوف في وجه هذه المظالم،  أسسوا تنظيمات سياسية في أماكن تواجدهم واضعين على عاتقها مهمة رئيسية في الدفاع عن وجود الشعب الكردي على أرضه التاريخية والمطالبة بحقوقه السياسية والثقافية والاجتماعية المشروعة، واستطاعت هذه الحركات وبالرغم من كل الإجراءات القاسية التي ارتكبتها السلطات بحق مؤسسيها وناشطيها أن تنال الدعم والتأييد من قبل فئة كبيرة من أبناء الشعب الكردي حتى أن البعض منها حقق الكثير من الآمال والطموحات الكردية ولعل مكاسب الأحزاب الكردستانية في العراق خير مثال على ذلك.
لاشك بأن الظلم والاضطهاد الذي تمارسه السلطات الحاكمة بحقنا كأقليات عرقية قد انعكس علينا سلبا ومن مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لكن الاستفهامات المطروحة هي: هل هذه الإجراءات كافية لتبرير فشل بعض قياداتنا الكردية في التأسيس لفكر ديمقراطي حر في مؤسساتهم الحزبية؟  أيكفي أن نطالب السلطات الحاكمة  بحقوقنا الديمقراطية دون أن نسعى نحن إلى نشر وتبني هذه الثقافة ذاتياً؟ هل ما تعيشه القيادات الكردية هو ضرب من ضروب التماهي بالمتسلط كما يصفها الأستاذ مصطفى الحجازي في كتابه (سيكولوجية الإنسان المقهور)؟
على صعيد الساحة الكردية في سوريا شغلت هذه الأسئلة مؤخراً حيزاً واسعاً للنقاش من قبل المثقفين والسياسيين الكرد، فالتنظيمات الكردية التي تعارض أساساً النظام السوري حول تصرفاته اللاديمقراطية ،  تواجه اليوم معارضة حقيقية من قبل كوادرها الحزبية بسبب ما تعيشه بعض تلك الأحزاب من هيمنة فردية من قبل بعض القيادات على القرار السياسي والتنظيمي في إطار التجاهل التام لمبادئ وأسس الديمقراطية في الإدارة وآلية اتخاذ القرار السياسي، ما أنتج مؤخراً حالات إصلاحية لم يعتدها الشارع الكردي في سوريا كالحركة الإصلاحية التي يقودها السياسي الكردي فيصل يوسف  في وجه مايسميها بالتصرفات الديكتاتورية المتفردة  لزعيم أحد أقدم الأحزاب الكردية في سوريا الأستاذ حميد درويش والذي يترأس الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي منذ نصف قرن من الزمن، فالشعارات الإعلامية المميزة  والتي يطلقها قياديوا هذه الحركة كنعم للإصلاح والشفافية ، لا للفساد والتوريث ،  حركة كفاية الكردية، تلاقي صدى واسعا وقبولا لدى العديد من المثقفين السوريين، لدرجة أن البعض منهم بات يسميها “بالبيروسترويكا الكردية”  .
الحالة التفاعلية بين الجماهير الكردية من جهة والمطالبين بالإصلاح والديمقراطية في التنظيمات الكردية في سوريا  من جهة أخرى تدل على أهمية ترسيخ المبادئ الديمقراطية داخل الأحزاب الكردية، فالخوف من تحول قيادة  هذه الأحزاب مستقبلا إلى طغاة أصبح هاجساً لدى الكثيرين، وقد لا تشكل الحالة الكردية استثناءا في هذا المجال، فالعديد من الشعوب المضطهدة في العالم وفي نضالها للتخلص من الظلم والطغيان  قدمت الكثير من التضحيات، لكن ونتيجة إهمالها للكثير من الجوانب المتعلقة بالأسس والمبادئ الديمقراطية في حركاتها النضالية لم تنتج إلا طغاة جبابرة أشد بطشاً وقسوة من حكامها الأوليين والتجارب العربية حافلة في هذا المجال.
كما وأصبح حلم توريث حالة التجبر من قبل الحاكمين فرضية ممكنة من جديد، في الوقت الذي زادت فيه جرأة حركتنا الكردية للتصدي لحركات المطالبة بالديمقراطية، والعمل على تفريغ الحركة من الفكر الديمقراطي وزرع التناقضات والالتباسات ومحاولة تسميم العلاقات  التي ورثتها من حكامها، كمن يقول الإصلاح والشفافية زائلة، والديمقراطية أعمى لا تبصر. بمعنى آخر “ديكوراً ديمقراطياً” من أجل تطبيع حالة الدكتاتورية وتوريثها كردياً.
© منبر الحرية،12 أبريل /نيسان 2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

التاريخ ليس نصا مفتوحا يمكن قراءته وفق ما يرسمه إلهام نبي، أو قلم مبدع، أو عقل مفكر، أو نتيجة صراع بين طبقات اجتماعية محسوبة ومحسومة النتائج، بل التاريخ هو خلق مستمر دون توقف، تتنوع سبله، ويعج بالتناقضات، والمعارج والمنعطفات، لا يمكن لأحد التنبؤ بمساره، ولا الإحاطة بمآله الأخير، أو على أي شاطئ  يكون  رسوّه الأخير، وإن حاول بعضهم التكهن أو التنبؤ على بعض معالم مطاف رحلة التاريخ التي لا تنتهي..
ففي الشعوب البدائية تبين أن المساواة كانت محققة بين بني البشر، فلا استغلال ولا استرقاق.. يقول أحد السفسطائيين في القرن الخامس قبل الميلاد : (لقد أعطى الله كل إنسان حريته، والطبيعة لم تجعل من إنسان عبدا) هذا الاكتشاف من قبل علماء الاجتماع، أي تساوي بني البشر في المنطلق، دفع بعضهم لينشدوا اليوم مساواة حقيقية، في ركب التطور الحضاري والتكنولوجي المحققين؛ وما نشاهده اليوم من ظلم واستعباد وإذلال وقهر وإفقار من قبل الأشرار في العالم، ليست بسبب الطبيعة، أو أنها هي التي أكسبت الأشرار هذا الحق، إنما المؤسسات القائمة اليوم هي التي جعلتهم أشرارا بتعبير هولباخ…
كثيرا ما يوهم الواقع الزمني عبر التاريخ، حيث تخلّف العلاقات الاجتماعية، وضعف مستوى الإنتاج، يوهم حتى المفكرين، للخروج بأفكار خاطئة، فعلاقات الإنتاج غير الناضجة، تخرج بأفكار غير ناضجة كما يرى إنجلز،  لهذا جاءت أحكام كثير من المفكرين خاطئة تفتقر إلى نضج فكري، فهذا أفلاطون يرى أن الناس مكونون (من أنفس ذهبية وفضية وحديدية)، فينبغي حسب الاعتقاد السائد آنذاك من أن الأنفس الذهبية هي التي ينبغي أن تحكم الآخرين، هكذا كان الفرز بين المخلوقات البشرية دون مساواة، أما أرسطو رغم تقدمه على أفلاطون في هذا الجانب، حيث جاء تأكيده على حرية الفرد، وحريته في قراراته الخاصة لتحقيق سعادته، لكنه يعود ليقول أن بعض الناس :(مخلوقون لكي يحكموا) من قبل آخرين أي لم يكن بمقدور هؤلاء العلماء أن يساووا بين الناس، هكذا كان الفكر السائد، فالعلاقات الاجتماعية المتخلفة ألهمت هؤلاء بمثل هذا التفكير غير الناضج، لأن التفكير السائد هو تفكير الطبقة السائدة، ولم يكن ممكنا تجاوز هذا الإطار الفكري في ذاك الماضي السحيق.
لقد حلّ القرن الثامن عشر قرن الثورات البرجوازية في كل من إنكلترا والولايات المتحدة وفرنسا، عندها قام الناس يطالبون بحقوقهم، ومن بينهم النساء، فقد كتبت إحداهن منكرة ومستغربة قائلة : (عندما يكافح الرجال من أجل حريتهم، أليس من الغرابة والظلم قمع حرية النساء.؟) وقد نهضت الرائدات منهن خلال المطالبة بحقوقهن، فرحن يناصرن حقوق الزنوج الأمريكيين من أصل أفريقي، ورفضن مبدأ الاسترقاق، وطالبن بإلغاء العبودية، واعتبار مالك العبيد (سارق بشر).
وقبل ذلك التاريخ، أكدت الكنيسة المسيحية في الغرب على كرامة الفرد وعلاقته الخاصة بالإله، كما حذّر بابا إحدى الكنائس حذّر الصليبيين من التعدي على حقوق المسلمين واليهود، ثم قام بعضهم بشجب استرقاق الهنود الحمر، فشاعت عبارة: (كل هندي هو إنسان) فله بالتالي إرادة حرة، وهو حر يتحكم بتصرفاته كونه سيد نفسه، وهذا القول دليل على الشك السائد في إنسانية الفرد من الهنود الحمر، والتفهم والتقبل لأسباب استرقاقه، على الأقل عند الطبقات العليا.
لقد وقع حيف كبير على كثير من بني البشر عبر التاريخ، ولحق بهم ظلم لا يطاق، والفروق الطبقية، أو المراتبية في المجتمع كانت تقسّم البشر إلى مراتب وطبقات، تذلّ على أثر هذا التقسيم الشرائح الدنيا، وفق أنماط متعددة من التعامل تناسب كل مرحلة، فقد ظل حق التصويت في الغرب قاصرا على الطبقات العليا، ففي إنجلترا مثلا بقي سريان هذا الحق العلوي حتى عام 1832 حينها سمح للطبقات الوسطى من الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، أما العمال فقد أجازوا لهم بالتصويت في نهاية القرن التاسع عشر، والنساء فقد جاء السماح لهن في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1920 وفي بريطانيا عام 1928، كما ترافقت مع دعوة الحرية، دعوة نصرة الفقير في المجتمع الطبقي، وبأن له الحق أن يحيا حياة مريحة، شأنه شأن الغني الموسر، لا أن يرمى بسهام الإهمال أو الحطّ من قدره كإنسان، وكان آدم سميث صاحب كتاب ثروة الأمم، يرى أن الثروة الحقيقية ليس في تكديس الدولة من مال وكنوز، بل بما توفره من سلع استهلاكية، متيسرة لكل المستهلكين دون استثناء القدرة على شرائها واقتنائها واستهلاكها، فقد دافع جان جاك روسو عن العدالة الاجتماعية، وضرورة الاعتدال في توزيع الثروات بحيث (لا يكون أي مواطن من الغنى بحيث يستطيع شراء مواطن آخر، وان لا يبلغ أي مواطن من الفقر  يضطره إلى أن يبيع نفسه).
كان أول اختراق لليبرالية في خلايا الواقع المتشكل من القهر والهيمنة هو دعوة جون لوك إلى التسامح الديني، جاءت الدعوة بوجوب حلّ الفرد من التزاماته الدينية تجاه الدولة، ودعا إلى ترك الخيار له فيما يعتقد أو لا يعتقد، وممارسة الطقوس الدينية بالشكل الذي يشاء، دون قسر أو تدخل من قبل الدولة. لقد دعا لوك هذا في القرن السابع عشر إلى التسامح الديني كما أسلفنا، فرأى ( حرية الضمير هي حق طبيعي لكل إنسان) وربما الدعوة إلى التسامح الديني يعود إلى القرن السادس عشر، عندما نادى مارتن لوثر بالحرية الدينية وبالتسامح الديني، وشاعت دعوة (كل حر في دينه) ومنهم من يقول أن الحركة الليبرالية ربما جاءت من هنا.
انتشرت مفاهيم الليبرالية كإيديولوجية للمستقبل من الدعوة إلى الحقوق الفردية، والملكية الخاصة، وبالأسواق الحرة، وحرية الفرد في حق العبادة والتجارة والتعبير والتنقل ..إلخ  كان (توكفيل) يرى الترابط بين الفرد والمجتمع في علاقة اتساق، وليسا في تعارض كما يتوهم بعضهم، ومن هنا جاءت الدعوة لمزيد من الحرية الفردية ضد جبروت السلطة، ومن نافل القول التذكير هنا برؤية ماركس في الحرية، لأن الاشتراكية والماركسية تتضمنان الليبرالية والديمقراطية، والماركسية بالأساس جاءت من رحم الليبرالية، يرى ماركس من أن الحرية شمولية متعددة الجوانب :(حرية التجارة، حرية التملك، حرية الضمير، حرية الصحافة، حرية القضاء، هذه كلها أنواع لأصل واحد، متشابه، هو الحرية)، والحرية الفردية، ضمن ما تعنيه، الموضوعية في الفهم، والوعي بحرية الآخرين في إطار يدركه الفرد الحر ولا يتجاوزه، لأن الحرية ضرورة وليست تعسفا فرديا.
كما هو شائع ومتداول عن الحركة الليبرالية، من أنها تجمع بين الحرية الاقتصادية، والحريات المدنية، وربما افترقت جناحاها في بعض المواقف السياسية، فقد وجدنا كيف أن أنصار الحرية الاقتصادية يؤيدون الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، والمحافظين في بريطانيا، وأنصار الحريات المدنية، يؤيدون الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، وحزب العمال في بريطانيا، وهذا ما يؤكد من أن الليبرالية أكثر من تيار، وبالتالي فمجال تكيّفه مع المستجدات أكثر حصولا وتحققا لما تتسم الليبرالية من واقعية في صوغ الشعارات المرحلية، فتكتب لها دفعة أخرى جديدة من حياة واستمرارية، ويندار إليها الناس في نضالهم الدائب والمتواصل بثقة وتفاؤل من أجل مزيد من الحرية.
إن ما تحقق اليوم من حريات فردية أو حريات اقتصادية جاءت نتيجة مكابدة طويلة وكفاح مديد، عانى خلالها الإنسان قرونا من الظلم والإقصاء والتهميش ولا يزال رغم ما تحقق، ولن يقف الإنسان عند حدود ما أنجز، فلسوف ينشد عالما جديدا أكثر حرية وتقدما ووفرة،عالما خاليا من الظلم والفقر والطغيان..! والباحث الحصيف سوف يدرك هذه الحقيقة من خلال متابعاته واستعراضه لتاريخ كثير من الأمم والتبدلات التي طرأت على طبيعة كثير من الحكومات خلال رحلاتها السياسية والتاريخية..!
© منبر الحرية،10 أبريل /نيسان 2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

ربما بات من غير المجدي أن يُطالَب المثقف بدور تاريخي، وأن يكون رسولا للحقيقة، ليس لان شريحة المثقفين أثبتت أنها عاجزة عن التغيير في مجتمعاتها، وأنها ليست النخبة الطليعية التي تقود المجتمع، والحديث هنا عن مجتمعات الشرق الأوسط، بل لان التاريخ لم يعد حاضنا للحقيقة، فليس ثمة تاريخ واحد، وبذا فالحقائق متعددة ولم تعد هنالك حقيقة واحدة مطلقة..
لكن المفارقة أن المثقف هو من يكتب التاريخ، هو من يريد أن يقول هنا الحقيقة فقط، لكن أي تاريخ وأية حقيقة، أنهما المرتبطان بالسلطة، أيا كانت سياسية، دينية، .. الخ. فهي من تملي عليه كيفية صياغة الأحداث وتوجيه حركتها، كما أن ما يخلفه التاريخ من ماض يقوم المثقف بتأويله وإعادة صياغته وكتابته، أنه يصنع التاريخ ويؤله لصالح السلطة التي يرتبط بها، لصالح الجماعة التي يمثلها، وما لا يستطيع المثقف أن يصنعه من التاريخ يستطيع تأويله، الصناعة للحاضر، والتأويل للماضي.
علاقة وظيفية بين المثقف والتاريخ، كتابة وتأويلا، وليس دورا تاريخيا يضعه في إطار الفعل الرمزي المنتظَر، الفعل الذي يُنتظَر من الأبطال والقادة والعظماء، لكن إذا لم يعد مطلوبا من المثقف أن يكون له دور تاريخي، أفلا ينبغي على الأقل أن يكون له حس تاريخي، أي أن تكون له القدرة على فهم التاريخ وطبيعته وحركته، قدرة تزوده بأدوات التحرر من أغلال السلطة التي يرتبط بها، وتمنحه دورا جديدا لكينونته كمثقف يمتهن التفكير الحر وسيلة لإعادة ترتيب العلاقات بين الأشياء.
لكن كيف نطور حسنا التاريخي؟ إنه يعتمد على:
–    كيف نقرأ التاريخ؟
–    كيف نفهم حركته؟
–    كيف نفهم شروطه الاجتماعية والاقتصادية؟
–    كيف نتجرد من مقدساتنا التي توجه وتؤول قراءاتنا للتاريخ؟
المثقف العراقي منذ نشوء العراق الحديث، أسهمت السلطة والسياسة في تكوينه، كيف يستطيع الآن بعد التغيير، أن يعيد صياغة رؤاه الثقافية وعلاقته مع السلطة؟ كيف يمكنه أن يقرأ تاريخه بعيدا عن هيمنة السلطة وتجاذبات الصراع السياسي..
ربما يلقي اتجاه “التاريخانية الجديدة” ضوءا كاشفا ومرشدا، على اقل تقدير، يسهم في تحديث رؤانا عن التاريخ، حين يركز على طبيعة الصراعات الأيديولوجية والقوى السياسية التي تهيمن على حقبة تاريخية، وتتحكم بالنتاج الثقافي، وحين تعد التاريخ شكلا من أشكال التمثيل الأدبي الذي يعتمد السرد وسيلة لإيصال الحقائق التي يريد تثبيتها، حقائق تصوغها بلاغة السرد، وحبكة الأيديولوجيا.
© منبر الحرية 03 أبريل /نيسان 2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

اعتمد الفكر السياسي العربي على الرابطة القومية و الانتماء الديني  أساسا لتقوم عليها غالبية الدول العربية, وإذا تتبعنا جذور الرابطة القومية سنجد لها امتداداتها القبلية والعشائرية , التي تحيل الدولة إلى ملكية خاصة لقومية واحدة أو عشيرة واحدة وفي بعض البلدان لعائلة واحدة , ومن جهة أخرى فان الانتماء الديني يأخذ جذوره من الانتماءات المذهبية والطائفية , فيتم بها  احتكار الدولة لأتباع  ديانة أو مذهب معين , لنقف على نماذج متنوعة ومتعددة لدول الأقليات أو دول الاكثريات, أما دولة المواطنة دولة الكل وليس الجزء فلا وجود لها , وهذا جلي في ديباجة دساتير الدول العربية , التي تنص على تعريف هوية الدولة على أنها دولة عربية أي مخصصة لقومية واحدة هي القومية العربية , وأنها دولة إسلامية وهي بذلك تكون دولة المسلمين وحدهم , ومع أن الدساتير على عيوبها لا قيمة واقعية لها, حيث نادرا ما يتم العمل بها, وكثيرا ما يتم خرقها من قبل واضعيها, فإنها تعطي مشروعية مزيفة لهذا الشكل المتخلف من أشكال الدول التي ثبت أن هياكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لم تكن مناسبة لبناء الدولة الحديثة في المرحلة السابقة، بقدر ما هي غير قادرة على الاستجابة لمتطلبات المرحلة الجديدة التي تشهد تبدلات في المفاهيم وتعطيها مضامين جديدة تساعد النماذج الأخرى من الدول الأكثر تقدما على التأقلم مع المناخات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الجديدة التي أخذت تسود العالم , حتى تكون قادرة ليس على مواجهة التحديات بل السيطرة عليها والاستفادة منها في تحقيق مصالحها الوطنية بدفع قوى التطور نحو مزيدا من الإنتاجية المادية والمعنوية الرفيعة .
إن الانتماء العرقي و الديني ليس هو النموذج الأفضل لبناء الدول, لأنه لا توجد امة نقية الدماء ولا يوجد مجتمع من ديانة واحدة, بفعل حركات الهجرة الطوعية والإجبارية للبشر التي تغير باستمرار خرائط ديموغرافيات الكرة الأرضية.
كان أعداد المهاجرين حول العالم 190 مليوناً لعام 2005، وفقاً لإحصاءات المنظمة العالمية للهجرة، والصورة الدينامكية العالمية متغيرة باستمرار, أما بالنسبة للبلدان العربية فانه بنتيجة عملية انتقال السكان في الحقبة الإسلامية بموجات هجرة كبيرة أدت إلى تغيير التركيبة العرقية والدينية للسكان لتفقد المجتمعات المحلية هويتها الأحادية , وتتحول إلى مجتمعات متنوعة الأديان والأعراق , فصار العنصر العربي أكثرية  و تحول السكان الأصليين إلى اثنية, وفق هذه المعطيات تشكلت اللوحة الديموغرافية في المجتمعات العربية الراهنة, حيث التنوع العرقي والديني والثقافي .
ومع انتشار الفكر القومي في العصر الحديث وتنامي حركة الشعوب من اجل الحرية وحق تقرير المصير, فإن حركة القومية العربية واجهت المسالة القومية, ولسوء الحظ فان التيار الغالب الذي حمل الفكر القومي العربي قد تأثر بالإيديولوجية الألمانية القائمة على التعصب العرقي والتي تدعوا إلى بناء الدولة على أسس رابطة الدم , وحين استلم هؤلاء السلطة اخذوا بمبادئ النظرية العرقية كعقيدة رسمية لدولهم وطريقة لمعالجة هذه المسالة,  لتصبغ مجتمعاتها بالصبغة العروبية- الإسلامية  وترفض كليا وجود قوميات أخرى في دولها وتهمش الأديان الأخرى لصالح الدين الرسمي, ولم تتوقف هذه السياسة على حدود الإقصاء والتهميش ,بل تطورت إلى إيديولوجيات شوفينية تحاول صهر الاثنيات الأخرى في البوتقة العربية, وحين رفضت هذه الاثنيات تطبيق سياسة التعريب عليها, لجأت النخب العربية الحاكمة إلى ممارسة سياسة الاضطهاد القومي في إجراءات تمييزية في بعض الدول وأساليب العنف في دول أخرى , مما أدى إلى ظهور مسالة الاثنيات والأقليات في هذه البلدان لتفجر حروب أهلية وصراعات دامية, تكلف الدولة خسائر بشرية ومادية باهظة وتنشط عوامل تعطيل مشاريع التنمية فيها وتهدد السلم الأهلي , وتقود إلى مآسي إنسانية و كوارث , حيث جرائم الإبادة الجماعية والتصفية على الهوية العرقية والدينية .
وهذا يدل على أن نموذج الدولة العرقية لا يناسب تكوين مجتمعات المنطقة القائمة على التنوع, وقد بات مطلوبا من النخب الحاكمة والسياسية والفكرية البحث عن وسائل لعصرنة الدولة وتحديثها وإعادة النظر في أسس بنائها وصولا إلى وضع تعريف جديد لها يراعي مسالة التنوع القومي والديني لسكانها , من خلال الأخذ بتجارب ناجحة لبناء الدول على أسس جديدة يمكن الاستفادة منها في عصرنة الدول العربية دون المساس بسلامتها ووحدة أراضيها ,إذ كثيرا ما تتذرع الحكومات القائمة بالحرص على سلامة الدولة لتتهرب من استحقاقات التغيير لتحافظ على الشكل القديم للدولة القومية .
هناك تجارب ناجحة وراقية, تستند على نظريات أخرى غير النظرية العرقية في وضع أسس الدولة, كنظرية المصالح الاقتصادية والإرادة المشتركة , التي تقدم مفاهيم جديدة عن الأمة والشعب والدولة ,حيث تكون رابطة الانتماء إلى الأرض هي الرابطة المشتركة بين جميع سكانها بغض النظر عن أعراقهم وأديانهم , إنها رابطة المواطنة التي يضمنها دستور حر وديمقراطي يحدد حقوق وواجبات المواطن دون تمييز ليحقق العدل والمساواة ما يضمن لكل المكونات الاجتماعية في الدولة أن تعبر عن هويتها القومية والدينية بحرية تامة , ليتحقق ذاك الانسجام الخلاق بين موزاييك مجتمع متعدد الأعراق والأديان , ويصبح التنوع عامل قوة واستقرار وتطور للمجتمع والدولة , فالتجربة السويسرية حققت نجاحا مذهلا في التعايش بين الأعراق ما سمح لها أن تكون في مصاف الدول المزدهرة حضاريا لتؤكد أن التنوع ثراء وغنى وليس نقمة , وفي الولايات المتحدة الأمريكية نجد النموذج الأرقى لدولة المواطنة لأنها بموجب الدستور قامت على أساس الانتماء إلى أرض الولايات المتحدة الأمريكية وليس على أساس الانتماء إلى عرق محدد أو ديانة معينة , وهذا ما ساعد على التفاعل بين سكان الولايات المتحدة التي تضم مجتمعا هو الأكثر تنوعاً اثنيا و دينياً في العالم ومع ذلك فان هذه الدولة تحافظ على وحدتها وتماسكها وليس هذا فحسب بل أصبحت أعظم قوة عالمية , و مرد ذلك أنها إلى جانب الثقافة الانكليزية السائدة سمحت بازدهار الثقافات الفرعية والمحلية لشعبها المتعدد الأعراق فإلى جانب العنصر الأوروبي والسكان الأصليين توجد العناصر الأفريقية والآسيوية والاقيانوسية. هؤلاء المهاجرين الذين يفدون إلى الولايات المتحدة يحافظون على روابط قوية مع أوطانهم الأصلية، عن طريق السفر، والبريد الإلكتروني، والهواتف الخلوية، و الفضائيات ولكن ليس هناك ما يخيف أميركا من هذه الناحية  فقد آمن مواطنوها الأوروبيين  المهاجرون الأوائل كما المهاجرين الجدد بهذا التنوع ولا تنظر الإدارة الأمريكية إلى هذا التنوع كمصدر خطر للصراعات العرقية بل وجدت فيه أسلوب ثري للتفاعل بين الشعوب و تمازج الحضارات , فإذا بالنموذج الأمريكي شكل مذهل وفريد من بين أشكال الدول الحديثة , حيث نجح الآباء المؤسسون  في خلق مجتمع متجانس فقد تضمنت الكلمات الأولى من الدستور الأمريكي عبارة ،، نحن شعب الولايات المتحدة ،، ليعطي فضاء رحب لمعنى الشعب متجاوزا المفهوم القومي أو العرقي لمصطلح الأمة أو الشعب إلى مفهوم المواطنة فكل من يسكن ارض الولايات المتحدة هو من شعب أمريكا مهما كان انتمائه العرقي أو الديني ، فالجميع  جماعة أهلية منضوية تحت التنظيم الواحد والمصالح المشتركة التي يجد كل أمريكي انه جزء منها كون هذا التنظيم الاجتماعي – السياسي الراقي يوفر حقوق متساوية للجميع .
فما الذي يمنع الحكومات العربية من الاستفادة منها لتعيد صياغة دساتيرها حتى تؤسس دولة الجماعة الأهلية والمواطنة, وليست دولة العرق أو المذهب ,حيث لم يعد مقبولا إقامة  دين أو قومية للدولة، بل يجب التركيز على  منح الحريات العامة للاثنيات مع الحرية الدينية، ففي ذلك يكون الاتجاه نحو المسار الصحيح للدخول إلى العصر الجديد, هذا هو التحدي الحضاري الذي يواجه الحكومات العربية إن كانت قادرة على وضع مبادئ جديدة  تضمن حقوق الاثنيات العرقية وتحافظ على الحريات الدينية للأقليات حتى تفسح المجال أمام هذا التنوع الثري ليعطي ثماره ، بخلق مجتمع تعددي لا تكون فيه هذه التعددية مجرد أمر نتحمله ونتعايش معه فحسب، بل تصبح هي ذاتها مصدر قوة المجتمع نفسه. ولكي تتحقق هذه الخطوة، يجب تغيير الأفكار المسبقة التي تصور الأقلية العرقية أو الدينية خطرا على امن دولة الأكثرية , من الضروري التخلص من هذه القناعات القديمة وإيجاد ثقافة عصرية تسمح لأبناء المجتمع الواحد بالتعرف على بعضهم بعضا حتى يعبّر فيها كل مكون اجتماعي عن شخصيته ويعرض مساهمته ورغبته بالمشاركة في  تأسيس دولة المواطنة كإطار جامع لمصالح كافة الشعب .
إن فكرة القومية ليست مقدسا ثابتا لا تقبل المساس بها . وإذا كانت بعض النخب العربية تعتقد أن إيديولوجيتها القومية هي الحقيقة المطلقة فهي مخطئة , فالفكر متحرك وليس ساكن، متبدل وليس جامد، والنظريات العلمية قابلة للتعديل كلما اكتشفت حقائق جديدة حول ظاهرة اجتماعية أو طبيعية , والمجتمع البشري حقل حيوي و مثير لدراسة ديناميكية التاريخ  فالشعوب تتطور وكذلك معتقداتها لذلك لا بد من التخلي عن التعصب القومي والديني حتى تستطيع الأغلبية فهم الأقلية على أساس أنها جزء أصيل من مكونات المجتمع وليس شيء طارئ يجب تصفيته, لقد بات على منظري الفكر القومي إعادة التفكير في مجموعة مفاهيمهم الشمولية حول الحياة والعالم ضمن سياق الواقع الديموغرافي و الديني المتعدد والمتنوع في مجتمعاتهم  حتى تعرف كيف تستطيع من هذه الكثرة أن تصيغ دولة واحدة .
إن التنوع سمة من سمات الدول العربية وفي العصر الجديد حيث تنتشر قيم الحرية والديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان بات من الضروري إلقاء نظرة أكثر عقلانية على الأعراق والأديان والثقافات والفنون الموجودة في هذه البلدان , حيث لم تعد سياسة الإنكار والتجاهل مجدية لان مثل هذه المواقف لا تحل المشكلة بل تزيد من تفاقمها, وترفع كلفة معالجتها خاصة أن المحاولات السابقة في حل هذه القضايا بوسائل العنف قد باءت بالفشل وعادت بسوء العاقبة على رؤوس أصحابها، ففي وسط مثل هذا التنوع الهائل ليس هناك من حلول غير الاعتراف بالأمر الواقع , وذلك بإعلان المساواة بين سكان الدولة وضمان الحريات العامة والدينية , وهذا يعني تغيير الدستور وإعادة صياغة تعريف للدولة , فهل النخب الحاكمة مستعدة لمثل هذه الخطوة, أم أنها مصرة في المحافظة على الشكل القديم للدولة القومية – الدينية التي تضمن لها استمرار سلطتها والحفاظ على مصالحها تحت شعار الوصاية على القومية وعلى المذهب.
© منبر الحرية، 07 مارس/آذار 2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

بداية علينا أن نعلم أن الأخلاق نتاج اجتماعي، تنبثق عن المجتمع، فتتمظهر على شكل قواعد وضوابط كرادع أدبي، يتعين على الفرد التقيد بها استجابة منه لمتطلبات هذا المجتمع..ومن خلال هذا التقديم، أو التعريف، بوسعنا أن نقول، أن الأخلاق كخصلة، ليست هبة من أحد، ولم يجد بها عقل مفكر، وليست مغروسة في الإنسان منذ الولادة، وغالبا ما، لا تملك الطابع المادي الرادع، فضلا من أنها ليست شيئا ثابتا، فهي كما قلنا صناعة اجتماعية، فبتغير المجتمع لا بد أن تتغير الأخلاق، أو تختلف نظرة المجتمع في مقاربة الأخلاق بالتعريف…
باعتقادي ــ وهنا غاية المقال ــ أن الاعتماد على الجانب الأخلاقي وحده في اختيارنا للمسؤول الحزبي، أو الوظيفي غير كاف، بل أتجرأ وأقول بأنه حتى غير مجد..
إن الدراسات العلمية، أوضحت لنا من أن الإنسان بشكله المكوّن أو المتبلور، ليس إلا مجموعة من العلاقات الاجتماعية، وبتغير تلك العلاقات لا بد للإنسان نفسه أن يتغير.
لا أعتقد أن الأخلاق ضابط وضامن لسلوك الفرد، ويمكن بالتالي الاكتفاء بها والركون إليها، في اختيارنا أو خياراتنا، وهذا لا ينفي أبدا الوازع الأدبي الذي تملكه الأخلاق في الإنسان، وبما له من سلطة، لكن السلطة تبقى  أدبية اجتماعية..
لا بد إذن من ضوابط تتحكم بكل هؤلاء، ويمتثل لها الجميع بلا استثناء، وهذه الضوابط تملك من القوة المادية ما تتيح لها فرض قوانينها على الجميع ، بحيث يمتثل لها الجميع دون استثناء..
الإنسان كثيرا ما تحركه غرائزه باتجاه فرض هيمنته على الآخر، سواء أكان هذا الآخر حزبا سياسيا أو قطاعا اجتماعيا، فإذا لم تكن هناك من قوة رادعة له، فهو لن يرتدع أخلاقيا، ولن يتورع عن الإيغال في الخطيئة، هذا، إذا لم يلجمه ضابط مادي رادع له..
يحضرني هنا قول المرأة المسلمة التي نادت بوجه الخليفة الراشدي أبي بكر الصديق : (والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا) ردا على قول الخليفة، بعد أن ولي أمر المسلمين..ــ إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني.ـ ، أي أن لديها من القوة ما تمكنها الجهر بهكذا قول، وبمثل هذا العنفوان، الذي تجسد بقوة مادية رادعة، ومثل هذه القوة الرادعة تمكّن الرعية من أن تجعل أولي الأمر من أن يستقيموا مختارين أو مرغمين، أي لن نسمح لأولي الأمر، ولن ندعهم أن يتصرفوا على هواهم وكما يحلو لهم، بل سنكون لهم بالمرصاد، وسنحاسبهم، ولن ننظم العلاقة على التواكل، أو على الثقة فقط..
أما المثالية في التناول، فغير محبّذ وغير مجد البتة، كقولنا، فلان جيد، فليته شغل الموقع الفلاني، بديلا عن الفلان السيء..مثل هذا التفكير يفتقد للحجة والإقناع، وهو ضرب من التواكل، وفرط  من الثقة غير جائز، ولا يستند على أساس علمي، فلا بد إذن من ضوابط تقوّم العلاقات، عملا بقول الرسول الكريم في وجيز عبارته، عندما توجه إلى الأعرابي الذي أراد أن يدع راحلته تسرح دون ربط أو قيد، مستغنيا عن ذلك بالتوكل على الله، عندها قال له الرسول : أعقلها وتوكل على الله..
أبدا لا يجوز التناسي من أن الموقع السياسي قد يغرينا، ويدفعنا بالتالي  باتجاه الأنانية والذاتية المفرطة، أعرف أن قائدا حزبيا ظل في أمانة الحزب نحو ستة عقود, أي من المهد إلى اللحد، وهو في عجز صحي، بسبب كبر سنه وشيخوخته،.. آخر قال لمنافسه المحاور، هذا الكرسي لي، ولن أتخلى عنه، فإن استطعت فانتزعه مني، فإذن، أين فاعلية المبادئ والقيم والأخلاق والنظام الداخلي، كل هذه العناصر يفصلها بنو البشر على مقاسهم، وكثير منها يبقى حبرا على ورق، لا يترجم على صعيد الواقع، إلا إذا ما مالت كف من يتشبث بتلك المبادئ، وبالتالي يخلق عبر هذا الصراع ما يشبه التوازن في المصالح، ومن ثم التهادن، والتوافق على صيغ أخرى، يرتضي بها الأفرقاء  المتخاصمون، وفق المعادلة الجديدة، التي تفرزها موازين القوى..
ربما أحدنا يثير تساؤلات مشروعة، من أن هناك أناسا يلتزمون بالقواعد الأخلاقية دون ضغط أو إكراه.. أقول نعم، لكنهم قلة ولكل قاعدة استثناءات، فضلا من أنه رأي لا يمكن أن يسود ولا أن يعتد به، بل أكثر من ذلك فقد تجد عالما ثوريا، ينحدر من طبقة ثرية، وفي انعطافات تاريخية (يخون) طبقته.. مثل هؤلاء، ربما يراقبون حركة التاريخ، ويدركون مساره، ثم يناصرون المآل المفضي إليه السيرورة التاريخية، عندما يقرؤون حلول أوان أفول الطبقة المسيطرة، لتفسح الطريق أمام طبقة جديدة واعدة، فيناصرها الثوري بالتالي بفكره..
في الأيديولوجية الألمانية يقول ماركس وإنجلز : (إن تبدل الشخص نفسه، يترافق في النشاط الثوري مع تحول الظروف) أي إن تغير الظروف ينجم عنه تبدل الشخص نفسه…

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

مرت ذكرى تحرير و استقلال الكويت بهدوء. إذ غادر البلاد عشرات الألوف من الناس في حالة تبدو طبيعية تجاه السفر وتغير الأجواء، لكن بنفس الوقت تشير هذه الهجرة الجماعية والمؤقتة إلى حاجة الناس للتغير في ظل قوانين المنع التي تسود البلاد، فبالرغم من تزامن الإجازة مع هلا فبراير الخاص بالتسوق والترويح، إلا أن ذلك لم يغير شيئا. فحتى الآن لم تتحول البلاد لمركز مالي وتجاري أو سياحي جاذب، إذ لازال الاهتمام منصبا على طرق السيطرة على المجتمع والشباب من خلال القوانين. لهذا تأتي الاحتفالات بلا احتفال وتتحول البلاد إلى معسكر عمل بالنسبة لأغلبية كبيرة من السكان.   أما الذين بقوا في الكويت فانتشروا بين راحة مطلوبة وبين شارع الخليج الذي تم قلبه رأسا على عقب من قبل شباب يبحث عن المعنى. مرت هذه الذكرى والكويت  تعيش أزمة صاخبة في يوم وأخرى هادئة في يوم آخر. مواضيع الأزمات كثيرة بعضها ذو قيمة وبعضها خال من أي قيمة. تغادر الناس في الإجازة ثم ستعود لتجد أن شيئا لم يتغير: نائب يهدد وآخر يهدأ وثالث يحاسب ووزير يدافع، ومدير يستقبل.
تتصل بي رويتر متسائلة عن الاستجواب الجديد لوزير الإعلام. بدأت ساخرا أو مازحا: “هذه هدية العيد الوطني. يجب أن نضمن طريقة لقراءة الصحف في العيد خاصة للذين غادروا الكويت. “ وبطبيعة الحال يتحول كل استجواب لكرة ثلج، ثم ما يلبث وان ينتهي بنفس الغموض الذي بدأ به. لكن السـؤال: ماذا كانت النتيجة؟ وهل أدى هذا إلى تحقيق مطالب البلاد وتصورات التقدم؟
صديقي د. محمد رميحي كتب في احد الأيام في زمن بداياته الفكرية ( منذ عقود طوال) كتاب عنوانه: ”الخليج ليس نفطا“، وذلك عندما أطلق صرخته بأن الخليج يتكون من مجتمعات وحراك وأفراد وشعوب تبحث عن تنمية .  لهذا في ذكرى استقلال الكويت تبقى الأحلام محدودة واستغلال الموارد ضعيف بينما الاعتماد على النفط وصرف أمواله في التوظيف العشوائي هو الأساس.
في الكويت عدة قوى لكل منها دور، وهذه القوى إن بقيت في صراع سوف تبقى الكويت في فراغ وجمود وتآكل.  القوة الأولى هي التيار الإسلامي بكل تصوراته وتناقضاته في الجانب السني والجانب الشيعي. فهذا التيار يمثل شيئا أساسيا في الشارع والمجتمع وهو يحمل هموم وموضوعات تميل للمحافظة في جانب وتميل في جانب آخر إلى إقصاء الآخرين ورفض التعامل معهم. يجب التحاور مع هذا التيار للوصول لنتائج حول استقرار الكويت. أما التيار الآخر فهو تيار الليبراليين الذي يمثل إلى حد قوى فاعلة في القطاع الخاص والإعلام وبين الكتاب والمؤلفين والمسرحيين والمفكرين وفي كافة ثنايا المجتمع ولكنها غير منظمة نسبة للتيار الإسلامي.  هذا التيار الليبرالي الوسطي العريض الذي يؤمن بالحريات الاجتماعية والشخصية وبمساواة الناس وحقوق المرأة هو الآخر يمثل رؤية ولديه تصورات منسجم بعضها مع العولمة والتطورات العالمية في حقوق الإنسان  والتنمية. بلا حوار مع هذا التيار وبلا الاستفادة في قدراته وبلا جلبه إلى طاولة الاتفاق لن يكون هناك استقرار أو تنمية في الكويت. أما التيار الثالث فهو تيار شعبي وطني يبحث عن المطالب الشعبية على أرضية نقابية ومطلبية وهو الأخر تيار كبير في الساحة يضم ضمن أجنحته قوى عديدة تتلاقي والتيار الإسلامي في موضوعات شتى. هذا التيار مكون أساسي في الساحة ويجب محاورته. أما التيار الرابع فيمثل السلطة الرسمية بما فيها من رموز للعائلة السياسية الأهم في الكويت: عائلة الصباح. هذا التيار بكل توجهاته وتناقضاته وامتداداته السياسية والعائلية يمثل رمزا أساسيا للبلاد ولجذورها ولدورها.   بلا تفاهم حقيقي وصادق مع هذا التيار لن تستقر الكويت.
تيارات أربع أساسية في الكويت ولكن هذا لا يكفي لاختزال الكويت في ذكرى الاستقلال. ففي كل تيار تناقضات وتقاطعات واصطفافات طائفية وقبيلة تتطلب هي الأخرى حوارات واتفاقات.  هذه قضايا تتطلب حوارا صادقا. بلا هذا ستبقى الدعوة للوحدة الوطنية خالية من المتابعة. في ذكرى الاستقلال والتحرير يجب التفكير بهذه المسائل وإعادة النظر قبل فوات الأوان. ويجب أن يكون السؤال الأساسي: كيف تتفق هذه التيارات على رؤية للكويت، ولكن كيف يكون محور الرؤية المواطن والمواطنة بصفته فردا حرا لديه مصالح واحتياجات قبل أن يكون مرتبطا أو متعاطفا مع هذا التيار أو ذاك؟.
المصدر: الاوان
© منبر الحرية، 02مارس/آذار 2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

يمثل وصول البرادعي الى مصر نقطة مضيئة في واقع صعب شديد التناقضات. لكن قد تكون عودة البرادعي مجرد مؤشر الى عودة الروح الى مصر.  البرادعي شخصية دولية و مصرية، وهو يمثل اقلية صغيرة من العرب ممن فازوا بجائزة نوبل، ولكن الاهم الان انه يفكر بتحويل مصر الى بلد مدني حديث منتج يعتمد دولة القانون.  فهل ينجح البرادعي في ان يكون رئيس لجمهورية مصر، فيفتح مسمات التحديث والتجديد والبدء ببناء دولة مدنية تحرك مصر نحو مرحلة جديدة من التطوير والاصلاح؟  هل ينجح البرادعي في استعادة روح مصر بما فيها دور مصر الاقليمي؟
تواجه البرادعي معوقات عديدة في الوصول لموقع الرئيس. فهو يواجه دستورا يمنعه بالاساس الترشح لموقع الرئاسة، فشروط الترشح للرئاسة تتطلب عضوية قيادية في احد احزاب مصر لمدة عام او الحصول على تأييد ٢٥٠ عضو منتخب في مجلس الشعب والشورى. الشروط الراهنة صعبة وتتطلب تعديلا.  لكن المشكلة الثانية مرتبطة بمدى رغبة الرئيس مبارك البقاء في الرئاسة لمدة اضافية مما يدفعه للترشح مجددا. هذا يمثل ايضا تحديا امام البرادعي.
و يواجه البرادعي الحزب الوطني الديمقراطي وهو حزب السلطة الذي يتمتع بالكثير من الامتيازات والقدرة على التحكم بالاوضاع. ويواجه البرادعي ايضا سلطة الجيش والامن والتي هي حتى الان سلطة اساسية في حكم مصر. فمصر لم تعرف حكما وطنيا محليا الا مع الضباط الاحرار والجيش عام ١٩٥٢ . ولكن منذ ذلك التاريخ لم يحكمها احد من خارج المؤسسة العسكرية. لهذا فالبرادعي ان نجح في الوصول الى سدة الرئاسة سيكون اول رئيس مصري مدني في تاريخ مصر.  والواضح ان المؤسسة العسكرية المصرية قد خاضت نقاشات عدة حول المستقبل، وانها تميل الي البقاء خارج السلطة واللعبة السياسية المباشرة. لكن ذلك سيكون ضمن حدود.
مهمة البرادعي قد تكون مستحيلة، ولكن اليست المهام المستحيلة هي التي تتحقق في بعض الاحيان فتختصر لشعوب وامم الكثير من المعاناة؟ الم يكن توجه اوباما لرئاسة الولايات المتحدة امر مستحيل في بداية سعيه؟ لماذا لا يكون توجه البرادعي لرئاسة مصر هو الاخر تحقيق لفكرة جاء دورها ولمهمة طال انتظارها في مصر؟
البرادعي الذي عاش خارج مصر سنوات وعقود قد يكون الانسب لمصر، فمصر بحاجة لمن عاش التجربة العالمية من اوسع ابوابها وتعامل مع ازماتها ويمكنه النظر الى مصر بأعين جديدة وبتوقعات مختلفة. لنتذكر ان البرادعي رجل ازمات صعبة، وهذا ما تحتاجه مصر المكونة اليوم من اكثر من ٨٠ مليون مواطن خاصة وهي تواجه اكبر الازمات امامها  ملايين المصريين العاطلين عن العمل وملايين الشبان والشابات الباحثين عن العمل.
الذين يعرفون مصر في الخمسينات او السبعينات يعرفون جيدا ان مصر لعبت دورا كبيرا في قيادة الفكر والغناء والفن والادب والسياسة والابداع. ولكن بسبب ازمات كثيرة فقدت مصر ما كان يميزها، واصبحت تبدو طاقة معطلة تعمل بربع قدراتها. مصر اكثر الدول العربية ثباتا من حيث التاريخ وقوة الدولة وموقعها. من مصر انطلقت حركة التنوير العربية القديمة ( ومن لبنان ايضا)  ومنها انطلق تيار الاخوان المسلمين، ومنها انطلقت القومية العربية الحديثة. موقع مصر بحكم التاريخ، والحجم، وعدد السكان والمساحة والمكانة يبقى اساسيا في التركيبة العربية. لهذا فصلاح مصر سوف يعني صلاح العرب بنفس الوقت.
قد نجد الكثير من الاعذار لتراجع مصر، فنحن نعرف ان السادات حاول ان يسير في طريق الانفتاح والاصلاح الاقتصادي، لكنه لم ينجح في الاصلاح السياسي، كما ان السادات بعقده سلام مع أسرائل خفف على مصر الكثير من الاعباء الاقتصادية، لكن ذلك ادخل مصر في نفق اخر في العلاقة مع الولايات المتحدة واسرائيل والمنظومة العربية. ان مقتل السادات ادخل مصر في مأزق امني طويل الامد، فمنذ ذلك الوقت ومصر تعاني من حكم الطوارئ ومن قضايا امنية . وهذا بطبيعة الحال ابعدها عن طريق الابداع والاصلاح الذي يتطلب استقرارا، وانفتاحا، وتنوعا، وسعيا للتجديد.
الواضح ان طريقة مصر تختلف عن بقية العرب. المصريين اكثر العرب استعدادا للاصلاح، واقل العرب سعيا للعنف والثورة. رغم بعض مظاهر الغضب والعنف الا ان تاريخ مصر يؤكد تفضيل المصريين للتغير الهادئ على الصاخب وللاصلاح المرحلي على الثورة الكبرى. المناخ المصري يختلف عن العراقي والايراني والليبي. في مصر وقع اول انقلاب بلا سفك دماء عام ١٩٥٢، وفي مصر يعود البرادعي باستقبال كبير. الفرص امام مصر كبيرة، فهل يتم اقتناصها؟
المصدر: الأوان.
© منبر الحرية، 22 فبراير/شباط 2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20102

لا تزال المعارضة الإيرانية مستمرة للنظام الإيراني منذ انتخابات حزيران 2009. ولا تزال الأزمة تراوح مكانها برغم كل المحاولات التي بذلت، وذلك دلالة واضحة على عمق الانقسام الذي تعيشه إيران فهي أسوأ أزمة تشهدها منذ الثورة، فهي تكشف عن عمق التوترات والأمراض التي تنخر في النظام الإيراني، وتطلعنا على حجم التحديات المستقبلية، فالمجتمع كائن عضوي تكشف حالة المرض عن مدى كفاءة الأعضاء التي تكون بدنه وأحشاءه معا. ومن المعروف أن النظام السياسي يبقى مستقرا طالما كان موفيا بمطالب أعضاء النظام في مختلف النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ولاستجلاء حقيقة المعارضة الإيرانية، يتعين وضعها في سياقها التاريخي، وبالتحديد منذ الثورة الإيرانية. هذا التاريخ يكشف عن تركيبة النظام وبنية المجتمع، ومستقبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فالأحداث السياسية التاريخية هي التي تشكل خبرة الإنسان السياسية وتبقى مختزنة في الوعي السياسي للأمة وخزان وقودها، وتمد المجتمع السياسي بقوة دفع لا يستطيع إيقافها أي نظام مهما أوتي من قوة.
إن القراءة المتأنية لتاريخ المعارضة تساعد على الخروج بتعميمات نستطيع من خلالها فهم ما يجري في إيران في هذه الأثناء. هذه القراءة تؤكد أن المعارضة في تزايد مستمر، فضلا عن تزايد جرأتها ومطالبها. وعليه، لا نبالغ إن قلنا: إن مستقبل النظام مرهون بمدى استجابته للتحديات والآمال التي تكشف عنها ليس فقط الاحتجاجات الحالية، بل ما يكشف عنها تاريخ المعارضة منذ الثورة الإيرانية إلى الآن. فالنظام الإيراني يشهد بين الحين والآخر  حالة مزمنة  من التوترات شديد الحدة بما يشبه “الأزمة الممتدة”، وخصوصا الصراعات الحادة  بين التيارات السياسية داخل الجهاز الحكومي أو بين الأخير والقوى المحيطة بالنظام. ولكن هذه التوترات لم تصل إلى درجة تهديد النظام وتقويض بنيانه، قد تصل إيران إلى هذه الحالة، أي إلى أزمة حادة وبنيوية يصعب حلها في ظل النظام القائم إن لم يقم الجهاز الحكومي بتغذية راجعة يتفادى من خلالها الوقوع في أزمة مستقبلية قد تكون أشد حدة وقد تعرض بنيان النظام إلى خطر ماحق. فضلا عن ذلك إن هذه القراءة تكشف عن ثوابت المعارضة الإيرانية، ومدى استجابة النظام لهذه الثوابت، وردود فعله تجاهها؛ لاعتقادنا أن هذا محدد رئيس لاستشراف مستقبل النظام الإيراني.
وجدير بالملاحظة أن المعارضة السياسية مسألة ضرورية ولازمة لأي نظام سياسي. وفي النظام السياسي الإيراني، فإن الحاجة إلى المعارضة تعتبر ضرورة مضاعفة عن مثيلاتها في النظم السياسية الأخرى، ليس فحسب لأنها تكشف عن مثالب النظام واحتياجات البناء الاجتماعي، بل لأنها تهز استقرار النزعة المحافظة للنظام الإيراني.
وبعد مسح لأشكال المعارضة الإيرانية منذ الثورة إلي الآن ومطالبها وردود فعل السلطة تجاهها،  نعرض بعض الخلاصات التالية:
أولا:  في إيران أكثر من شكل واحد للمعارضة. والمفارقة رغم تنوعها الشديد إلا أن فاعليتها محدودة. ويمكن تصنيف المعارضة إلى ثلاثة أصناف:
1-  معارضة داخل الجهاز الحكومي
2-  المعارضة الدينية
3-  المعارضة المسلحة .
تشكل المعارضة داخل الجهاز الحكومي مجموعة من التيارات السياسية شديدة التباين تعمل من داخل النظام، تعارض بعضها بعضا، وتعتبر ولاية الفقيه مقولة دستورية ملزمة. وتحكمها تباينات عميقة تتعلق بالحقوق المدنية، وسيادة القانون، والمجتمع المدني، والفصل بين السلطات الثلاثة، وحدود سلطات الدولة. فهناك التيار اليميني التقليدي، وتيار اليسار الإسلامي، والتيار الليبرالي، وتيار معتدل  يغلب عليه الطابع الإداري والتكنوقراطي.
ولكل تيار قاعدة اجتماعية تناصره، وامتداد خارج مؤسسات الدولة، وصحف ناطقة باسمه. خلاصة ذلك أن هناك تنوعا شديدا في التيارات السياسية داخل الجهاز الحكومي بين يمين ويسار، متطرف ومعتدل، إصلاحي ومحافظ. يعكس هذا التباين التنوع في فئات وطبقات المجتمع الإيراني. وهكذا نجد أن لكل قاعدة اجتماعية ممثلين حكوميين. وهذه حقيقة في غاية الأهمية، فالتنوع السياسي- الاجتماعي والإيديولوجي، هو في الحقيقة ممثل بتيارات سياسية داخل الجهاز الحكومي. أهمية ذلك تكمن في أنه يحول دون وصول التناقضات السياسية والاجتماعية إلى ذروتها.
وبفضل وجود هذه التيارات في قلب النظام السياسي أمكن لصانع القرار مراعاة مصالح متعددة ومتنوعة. وهو متغير مهم يفسر لنا قدرة النظام الإيراني على الاستمرارية والبقاء في ظل ظروف إقليمية ودولية شديدة التعقيد، فضلا عن وضع داخلي ملتهب. وهذا ما يجعل النظام قادرا على تفادي أزماته ومعالجتها، دون حدوث ثورة أو تغيير انقلابي، كما يحدث في الأنظمة السياسية العالمثالثية. فقد أثبتت إيران قدرا عاليا على مواجهة التحديات والتصدي للأزمات الداخلية والخارجية. ولذلك فإن القوى المؤثرة في مصير النظام هي قوى “داخلية”- كما يقول الباحث الإيراني سعيد برزن-  أي داخل الجهاز الحكومي، وليس للقوى التي تتخندق خارج النظام سوى تأثير قليل جدا قد يصل إلى درجة الصفر. وبالتالي فإن التغيير ينتج ليس نتيجة صراع بين قوى النظام الداخلية والقوى المحيطة به، بل إن المنافسة بين تيارات النظام الداخلية هي التي قادت إلى التغيير. فـ “كلما ابتعدنا عن مركز النظام شاهدنا انخفاض مستوى التأثير لدى القوى السياسية”. خلاصة القول، لقد كان تحرك الفكر والسياسة من داخل الجهاز الحكومي نفسه. فالتيارات التي تشكل جسم النظام هي التي حملت لواء التغيير، أما القوى المحيطة بالنظام لم تستطع التأثير في هذا التحول التاريخي بشيء يذكر. وعليه فحتى تؤثر المعارضة في النظام يتعين عليها جذب التيارات الممثلة داخل الجهاز الحكومي لصالحها، فإن إحداث التغيير لن يكون بدون مساندة ومساعدة هذه التيارات السياسة.
أما المعارضة الدينية، فهي تنتقد النظام على أساس ديني، وتعارض أي شكل من أشكال المقاومة المسلحة للنظام. وتلعب دورا مؤثرا داخل النخبة السياسية الحاكمة خصوصا عندما يكون الصراع بين التيارات السياسية على أشده، فقد ينتهي الأمر بأن ترجح المعارضة الدينية كفة الإصلاحيين. وتتنوع مواقف المعارضة تجاه ولاية الفقيه. ثمة من يرفضها بالمطلق، ويعتبرها ” شرك بالله وفرعونية”. وثمة من لا يرفضها وإنما يرفض ولاية المرشد الحالي على خامنئي؛ لافتقاده المؤهلات الدينية الكافية لتولي الزعامة الدينية. هذه المعارضة تطالب بإحلال شخص أكثر كفاءة من خامنئي. وثمة من يطالب باستبدال قيادة الفرد الواحد وإبدالها بقيادة  جماعية من خلال مجلس فقهاء يتكون من فقهاء حاصلين على أعلى درجات العلم الديني لضمان الطابع الإسلامي للدولة. وثمة من يطالب بولاية محدودة تتمتع بصلاحيات سياسة محدودة؛ لتقييد سلطان ولاية الفقيه. وثمة من يطالب بانتخابه مباشرة من الشعب، أي ولاية الأمة.  وثمة من يرفض ولاية الفقيه جملة وتفصيلا، ويرون أن مبدأ ولاية الفقيه استباقا لفكرة المهدي المنتظر، ويشككون في شرعية أي حاكم قبل عودة الأمام الثاني عشر، هذا التيار يدعو إلى انسحاب علماء الدين من السياسة. وأخيرا من المعارضة الدينية من يطالب بتحويل ولاية الفقيه إلى ولاية شرفية فقط أي لا تتمتع بأي صلاحيات سياسية.
يتضح مما سبق أن المعارضة الدينية عبارة عن خليط غير متجانس، وتتشكل من جماعات تترابط برابط هش وضعيف، وتفتقر إلى التنظيم. وهذه نقطة ضعف قاتلة، تفقدها القدرة على التأثير في النظام. وعليه فهي لا تشكل تهديدا له، بل يسهل على النظام اختراقها وتفتيتها وإضعافها. ومرد ذلك ليس لضعف في تكوين علماء الدين المعارضين، بحكم ثقافتهم وتكوينهم العقلي والديني، بل في تفكيرهم المثالي، وبالتحديد رفضهم الانجرار وراء المناورات السياسية وألاعيبها، ويفضلون البقاء بعيدا عن ألاعيب السياسة والاكتفاء بدور المرشد والموجه والتعبير عن المبادئ الروحية السامية. وبالتالي فهم لا يصلحون لإدارة أجهزة الدولة.
لذلك تستغل النخبة الحاكمة والمؤيدة لـ “خامنئي” نقطة الضعف هذه جيدا.  ونقطة الضعف الثانية، تتمثل في أن الصراعات الدينية بين علماء الدين الشيعة سواء أكانت فيما بينهم أو بينهم وخصمهم “خامنئي”، نقول إن هذه الصراعات تكون غالبا وراء الكواليس ونادرا ما تتسرب أخبارها إلى الخارج، لذلك فهي بمثابة “حرب باردة” وصامته وبخاصة بين رجال الدين وخامنئي. وبالرغم من حدة الاختلافات بين المعسكرين والعداء بين الجانبين إلا أن بين المعسكرين اتصالات كثيرة وروابط متشعبة، ومتشابكين عبر الزيجات والروابط الأسرية والتجارب المشتركة التي جمعت بينهم خلال سنوات الدراسة ومعارضتهم للشاه. المهم هنا أن بقاء هذه الصراعات وراء الكواليس يجعل الرأي العام الإيراني غير مطلع عليها، وهذا خسارة سياسية لهؤلاء غير الممثلين داخل جهاز الدولة، وبالتالي لا يتم توظيفه سياسيا لصالح التيارات المعتدلة، وهذا يعد مكسبا للنظام ونخبته الحاكمة وخصوصا تيار اليمين المؤيد لـ”خامنئي”.
أما بخصوص تعامل النخبة الحاكمة مع المعارضة الدينية، فكان ولا يزال تعاملا سلبيا إما بالترهيب والإقصاء، أو بالسجن والإقامة الجبرية، أو من خلال الإهمال والرفض والعزل.
وبخصوص المعارضة المسلحة، فهي تمثل جماعات وأحزاب إيرانية يعيش معظمها في المنفى. تكرس نفسها لمقاومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالسلاح، وتصارع الأخيرة على  الدولة وعلى الإستراتيجية العليا للدولة الإيرانية. وتهدف إلى الإطاحة بالنظام أو انتزاع حكم ذاتي للأقليات العرقية أو الدينية. ومن هذه المعارضة “الحزب الديمقراطي الكردستاني” و” المعارضة السنية المسلحة” و”منظمة مجاهدي خلق” . هذه المعارضة لا تمثل أي تهديد حقيقي للنظام، دع عنك عن إطاحته. ولا تمتلك أي فرصة للاستيلاء على السلطة. وترفض الأغلبية العظمى من الإيرانيين، في داخل البلاد وخارجها، “منظمة مجاهدي خلق” وتحتقرها أغلبية الإيرانيين، وكانت دائما غريبة على جو “الحوزة” “ولها أراء غير تقليدية عن الإسلام”. وبالتالي فالمعارضة المسلحة ليس لها تأثير، وهي أيضا مفتتة وليس بينها رابط مشترك أو أهداف جامعة متفق عليها توحدهم في مناوئة النظام، فضلا عن مشاكل بنيوية تعتورها. وعليه، فهي عاجزة عن التأثير في مجريات الأمور في إيران، لا يمكن التعويل عليها لإحداث اختراق في بنية النظام.
ثانيا: تشكل المعارضة الإيرانية موقفا حرجا للجمهورية الإسلامية التي تتجاذبها القوى المعارضة. فلا تزال القضايا التي تثار متعلقة بمسألة ولاية الفقيه المطلقة التي تشكل الركيزة الرئيسية للحكم في إيران. المشكلة التي مابرحت تهيمن على النظام منذ الثورة إلى الآن هي كيف يمكن الجمع بين الدولة الدينية والمدنية في وقت واحد؟، حيث يؤخذ على النظام بأنه أخفق في تحقيق المصالحة بين المذهب الشيعي والعصر، وأخفق في تحقيق التوفيق بين الإيمان والحرية، دع عنك الاستجابة لطموح الأجيال الشابة. فالدستور مثلا يحاول أن يجمع بين المتناقضات، فيقر الحريات المدنية ويضيق في آخر كل مادة فيها هذه الحريات “ما لم يخل بالقواعد الإسلامية والحقوق العامة” أو “بشرط أن لا تناقض أسس الاستقلال والحرية والوحدة الوطنية والقيم الإسلامية”. أو “بشرط أن لا تكون مخلة بالأسس الإسلامية”. ومن المعروف أن الأسس والقواعد الإسلامية التي يشترطها الدستور لممارسة الحريات، هي مبادئ عامة ومجردة يستطيع كل تيار سياسي تفسيرها حسب معتقداته ومبادئه؛ لأنها غامضة وتحتاج إلى تفسير وثمة تفسيرات عديدة لهذه المبادئ، وكل التيارات تستطيع تفسيرها لصالحها.
فمثلا يعتبر تيار اليمين التقليدي أن كل نقض موجه للنظام أضحى نقدا موجها للإسلام نفسه. ناهيك أن النظام يلقي بتهمة “الحرابة” على من يخالفه، وقد أعدم الكثير بسبب هذه التهمة.
هذه التحفظات حاصرت حريات الصحافة، والاجتماع، ومكنت السلطات من الالتفاف عليها؛ لعجز النظام عن إيجاد التوازن بين “ولاية الفقيه” وبين ولاية الشعب، بين المدني والديني. وهذا يعد من المطالب الأساسية التي تكشف عنها المعارضة، بل ومن ثوابتها. ولا غرو أن الحركة الخضراء يعتبر جزء كبير من همها متعلق بالحريات، ويكشف عن ذلك المبادرة التي قدمها الزعيم الإصلاحي مير حسين موسوس التي تطالب بوضع حدود للسلطة، وأن تعمل في إطار القانون، وإعداد قانون للانتخابات يضمن منافسة نزيهة وعادلة، والإفراج عن جميع السجناء، وضمان حريات الصحافة والتعبير، والسماح للصحف الموقوفة بالعودة مجددا، والاعتراف بحق الشعب بالتجمعات القانونية، والسماح للأحزاب بالعمل وفق القانون. وعليه يرتكز تاريخ المعارضة الإيرانية على مسألتي في غاية الأهمية وهما: الحريات المدنية، وحدود سلطة الدولة وسياستها الخارجية، وتأخذ المعارضة على النظام أنه مفرط في سياسته الخارجية، وهذا الإفراط هو الذي يجلب المواجع داخليا؛ لأنها تبدد أموال الشعب.
ثالثا: ما برح ميزان القوى يميل لصالح النظام الحاكم وبخاصة لصالح تيار اليمين التقليدي المساند للمرشد والمدافع عن ولاية الفقيه. فالتيارات السياسية التي تشكل الجهاز السلطوي جميعها رغم اختلاف التوجهات السياسية، لا يمكنها تجاوز الأسس الدينية والسياسية والمبادئ العامة التي يقوم عليها النظام. فـ”مير حسين موسوي” زعيم الحركة الخضراء مؤمنا بكل أسس الثورة والمبادئ العامة التي أرستها. ورفسنجاني وخاتمي وكروبي يعتبرون أنفسهم أبناء النظام، ويرتبط بعضهم بالنخبة الحاكمة وبعلاقة مصاهرة ونسب وتجمعهم تجارب وآلام مشتركة. وهذا ينبئ بقدرة النظام على معالجة هذه الأزمة، فثمة ما يشي بذلك وخصوصا أن الحركة الخضراء بدأت تضعف وتتراجع وهناك انحسار ملموس في حجمها. بيد أن المستقبل لا ينبئ بذلك؛ لأن  تاريخ المعارضة يشير بتزايدها وتزايد جرأة مطالبها، فلأول مرة نشاهد هجوما على المرشد، وصورة تحرق وتمزق وهتافات تنادي “بموت الدكتاتور”. ولأول مرة نرى حدة التنافس والاختلاف بين المحافظين والإصلاحيين فضلا عن حدة الانقسام في النخبة السياسية والدينية. ولأول مرة نرى المرشد يعلن بوضح انحيازه لتيار بعينه، والخروج عن دوره المتعارف عليه وهو الحياد والمحافظة على التوازن داخل الجمهورية الإسلامية. ولأول مرة نجد هذا التدخل العسكري الواسع والعنيف في التصدي للمعارضة بهذا الشكل وما صاحبه من إعدام وسجن للخصوم. وعليه لا غرو أن البعض يصفها بالأزمة الأكبر والأخطر منذ الثورة إلى الآن، والأكثر كشفا لطابع النظام، الذي يكشف عن عمق الانقسام في المجتمع الإيراني. لذا فقد تفتح فصلا جديدا في تاريخ إيران تشكل هذه المعارضة مقدمته.
رابعا: إن التأثير السياسي للمعارضة الدينية التقليدية الرافضة لولاية الفقيه جملة وتفصيلا، يكاد يكون تأثيرا معدوما. فولاية الفقيه تمثل اجتهادا متطورا في الفقه الشيعي، فلا يعقل مطالبة المعارضة الدينية التقليدية تعليق قضية الحكم بحجة انتظار المهدي المنتظر. أما المعارضة الدينية الفاعلة والمؤثرة تنقسم إلى قسمين : الأول، أنصار ولاية الفقيه المطلقة. والثاني، أنصار الولاية المحدودة للفقيه.  والمعلومات تشير إلى أن التوجه الشعبي يسير نحو تأييد الخيار الثاني، فضلا عن أن هناك طائفة من النخبة تؤيد هذا الخيار وتدعم باتجاهه.  وجدير بالذكر أن انقسام المرجعيات بعد انقسام الزعامات يعني أن إيران دخلت المرحلة الأخطر، بعد أن نالت حدة الانقسام ولاية علي خامنئي وهزت مرجعيته وشرعيته.
خامسا: إن تزايد المعارضة وتصاعد وتيرة الأزمة  أو خبوها في المستقبل، يتوقف على انفتاح النظام على مطالب  المعارضة واحتياجاتها وأن تستثمر السلطة الحاكمة المطالب والاحتياجات وتستدخلها جميعها في نظامها وفي مشروعها، والقدرة على هضمها في بنية قرارات النظام السلطوية، لأن تسكين الأزمة ليس علاجا ناجعا. فثمة مرحلة جديدة من التحديات لم يألفها النظام، وهو مقبل عليها قسرا إذا استمرت استجابته بهذه النمطية.
نعم لدى النظام الحالي من القوة ما يمكنه من مواجهة المعارضة الحالية، ولكن العبرة بقدرة النظام على المحافظة على استمراريته وثباته وقوته، كيف يتم ذلك؟ هذا متوقف على التعامل البرجماتي مع الاحتياجات والمطالب التي تمظهرت. ولا ينفع النظام تهميش هذه المطالب بحجة أن الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بإيران غير مواتية، بسبب المخاطر والتهديدات التي تواجهها، وبخاصة ارتفاع وتيرة المواجهة مع الغرب بسبب أزمة الملف النووي الإيراني. ولا ينفعه اعتبار المعارضة صنيعة أجنبية ومدعومة من أمريكا والغرب. فاستمرار ذلك يعني أن  النظام  لا تزال استجابته للمعارضة استجابة لا تنم عن الفهم الكامل للحق في الاختلاف؛ لعدم إضفائه عليها أية مشروعية بل يعتبرها نشازا. ولا ينظر لهذه الاحتياجات بأنها تشكل لائحة مطالب ضرورية وتقريرا كاملا يكشف عن تحولات اجتماعية في شرائح المجتمع الإيراني، وتكشف عن فصل جديد ينتظر إيران، ومن مصلحة النظام التصالح مع مطالب واحتياجات المعارضة. ويتحتم التعامل معها من خلال إيجاد صيغة توفيقية تضمن احتياجاتها وتستوعب مطالبها بدلا من شيطنتها؛ لأن استمرارها ورد فعل الأجهزة السلطوية المسلحة تجاهها يعني تشويه صورة إيران ونموذجها وصدقيه نظامها الأخلاقي. لاسيما أن الفكر الإسلامي المنفتح يؤكد على وجود مفهوم المعارضة في الإسلام. فلا ينفع القمع لأن العوامل البنيوية ترجح كفة المطالب الشعبية الحيوية والثابتة. واستمرار القمع سيقود إلى إضعاف النظام في المستقبل، وبخاصة أن إيران مقبلة على تحديات مستقبلية من قبيل نمو تعدادها السكاني، فلا تزال إيران من أعلى المعدلات في العالم. ونظرا لوجود عدد كبير للغاية من الشباب فإن النظام يواجه تحديا يتمثل في مواجهة القلق المحتمل والتوقعات التي فشلت والتي تطالب بها المعارضة. ناهيك أن النظام الإيراني لا يعمل طبقا للظروف التي نمت فيها الثورة الإيرانية في نهاية السبعينات، عندما كان بمقدورها الانعزال، فاليوم يعيش النظام في عصر العولمة والانفتاح والعالم السريع والسهل والمنفتح، لذا فان عصر الثورة قد ولى. وعليه يتعين على النظام أن يبدأ بتنفيذ سلسلة من الإصلاحات تدريجيا إذا أراد أن يحافظ على وضعه، بدلا من تآكل النظام من الداخل والتحطم على صخور الواقع.
© منبر الحرية، 15 فبراير/شباط 2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

إن سير العملية السياسية بهذا الشكل المهادن والبطيء، لا يتناسب مع ما يمر به العراق من تحديات جمة من جهة وحاجات ورغبات وأماني الشعب العراقي من جهة أخرى.
فالبلاد  ما تزال معطلة، فالوضع الاقتصادي المتسم بالكساد والركود يحتاج إلى آلية فعالة كي تجري الدماء في عروقه مجدداً من اجل أن تنهض البلاد من جديد، ومن الغريب أنه في لجة تداخل هذين المنطقتين وأشكال الصراعات الطافية على السطح، فإن الخطابات السياسية وتصريحات البعض مازالت في غفوة غافية فما مشروع سياسي أو موقف معين إلا ونجد أشكالا من التباري السياسي والتصريحات العنترية، ويا ليت لو هناك مثل هذه الهمة في مجال العمل وتقديم الخدمات للشعب العراقي المبتلى والمنكود.
إن المسؤولين مدعوون إلى اختيار مفردات دقيقة للتعبير، وإلا فإن التهريج يزيد من عمق الفوضى ويغلي البركان ويزيد الأمور اهتياجاً. إن الفهم السطحي للأمور والمفاهيم واختزال زمنها التاريخي ومحتواها الاجتماعي الغني واقتصار كل ذلك على التصريح أمر يدل على أن تلك التصريحات إنما تخرج من مشاعر عاطفية تهدف إلى تثوير الجموع لا إلى حكمة وفلسفة نابعتين من الحياة وتجاربها وربما المشروع الأمريكي الأخير الخاص بتقسيم العراق إلى ثلاث فدراليات نموذجاً لذلك. من المحزن أن يفكر الآخرون بالنيابة عنك كي يحلو لك مشكلاتك.
ودعنا من الحديث عن الاستعمار ودائرته فقد ولى عهد الاستعمار في عالم يشهد النهضة في شتى أرجاء المعمورة، بفضل الثورة الفكرية والمعلوماتية المنتشرة والمتيسرة ما عدا هذه المنطقة التي تأبى الاستفاقة من نومها والاطلاع على العالم من حولها. وهذا الاضطراب الفكري والرئوي يعكس استبطان المراكمات السابقة على أكثر من صعيد، ورسوخها في أذهان العامة أمر طبيعي نظراً لإشاعة التعمية والتجهيل لكن إشاعتها في أذهان بعض النخب أمر تعيس، ويشير إلى عودة قهقرية إلى الوراء باتجاهات شمولية ارتبط بها تاريخ حافل بالمآسي على صعيد العراق والعالم, وحيث أن الدول الشمولية ومفاهيمها ظلت على الدوام ملطخة بدماء غالبية عظمى من الأبرياء الذين حملوا حباً حقيقياً للعراق وضميراً نقياً لخدمته. وأن اختزال التاريخ الاجتماعي والسياسي لعدد من المفاهيم التي ظهرت واستقرت من التاريخ بناءً على ماضي حافل بالصراعات والمآسي على شكل مفردات وكلمات لهو أمر يبعث على الحزن والسخرية معاً.
إن مثل تلك المقولات تبطن في داخلها هاجس كبير من معاناة البشر على أرجاء المعمورة، وهي تتطلب الدرس والجدية لأن قراءة التاريخ بوعي تعزز التجربة الإنسانية وتمدها بأبعاد تاريخية ومصيرية. ويبدو في الأفق أن عدد النخب العراقية ما تزال أسيرة الأفكار البالية عن الدولة الشمولية وعن فضائلها المفترضة والتي تداعت وانقرضت كلية عن مسرح الأحداث العالمية بعد مجازر ومآسٍ وخراب كبير جلبه هذا النظام على العالم من حولنا.
الدولة الشمولية في العراق عبارة عن تاريخ من المآسي و الآلام، وبحار من الدماء المسكوبة بتواريخ محفورة في الذاكرة العراقية الموشومة بتجارب مريرة تقشعر لها الأبدان، ذلك أن الدولة الشمولية في العراق هي مطية القمع والمصادرة واغتيال أشكال التآلف الاجتماعي واغتيال الفكر والحوار وكل مظاهر التمدن والحضارة. إن التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق ووصوله إلى هذه الدرجة التي هي في أواخر إحصائيات الفكر والمرض والجوع على مستوى العالم إنما تكمن خلف الدولة المركزية بلا منازع فهي قد أتاحت لفئات صغيرة ومعزولة من الوصول إلى سدة السلطة ببرامج، ومن ثم الإجهاز على مكوناته وفئاته وبشتى أنواع التفكيك المبتكر والمستورد، وبدلاً من تحقيق البرامج والشعارات صار إلهاء الفئات بالصراعات أحد أساليب تمديد عمر السلطة. إن الدولة الشمولية تمتلك تاريخاً حافلاً بالخزي وجرت على البلاد الويلات والدمار وآن الأوان للمراجعة والاعتبارات.
© منبر الحرية، 16 يناير/كانون الثاني 2010

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018