peshwazarabic

peshwazarabic6 ديسمبر، 20100

نظم مشروع منبر الحرية بشراكة مع شبكة الليبراليين العرب ومشروع عالم حر في السابع والعشرين من نونبر الجاري يوما دراسيا بمدينة الدارالبيضاء المغربية حول الحرية الاقتصادية بالمغرب. وشهد الحدث حضور فاعلين سياسين واقتصاديين محليين بالإضافة إلى ممثلي وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة.كما عرف اليوم الدراسي حفل توقيع وتقديم ترجمة كتاب “الليبرالية” للمفكر الفرنسي باسكال سالان والذي أشرف على ترجمته المغربي محمد تملدو.
بين الخبراء الدوليين والمحليين
ويأتي اليوم الدراسي الذي حمل عنوان “الحرية الاقتصادية في المغرب:الواقع والمستقبل”واحتضنه فندق فرح بالدار البيضاء برعاية من مجموعة من المنظمات. فإلى جانب شبكة الليبراليين العرب ومشروع منبر الحرية ومشروع عالم حر، شارك المسؤول الأكاديمي بمعهد الكاتو ومؤسسة أطلس للدراسات البروفيسور توم بالمر بورقة حول الحرية الاقتصادية بالمغرب،كما قدم فريد ماك ماهون عن معهد فريزرالكندي تقريرا عن المؤشرات المعتمدة في إصدار التقرير. وعرف اليوم الدراسي أيضا حضور الاقتصادي الكندي فرونسوا ميناردي بالإضافة إلى الاقتصادي الفرنسي إمانويل مارتان.
وتنبع أهمية اليوم الدراسي من استدعاء خمسة خبراء مغاربة من أجل إدارة ورشات تناقش مضامين تقرير الحرية الاقتصادية بالمغرب حيث انتظم المشاركون في إطار خمسلجان مممبرفع ملاحظاتها إلى معدي التقرير بخصوص المؤشرات المعتمدة. وشارك في إدارة الورشات كل من الاقتصادي المغربي فارسي السرغيني رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. والمحلل الاقتصادي بمؤسسة أطلس الدكتور نوح الهرموزي بالإضافة إلى الدكتور احمد مفيد الأستاذ بكلية الحقوق بفاس كما يشارك في إدارة الورشات الدكتور هشام المساوي الأستاذ بجامعة السلطان مولاي سليمان وعضو مشروع عالم حر.
في كلمات المتدخلين :افتحاص الاقتصاد المغربي آفاق جديدة للحرية.
خلق اليوم الدراسي نقاشا فعالا حول موضوع الحرية الاقتصاية حيث أكد المتدخلون المحليين والدوليين على ان الحرية الاقتصادية تشكل المدخل الأساسي والبؤرة الأساسية للحرية. وأجمعت الكلمات التي ساهم بها الخبراء الدوليون على أن الحرية الاقتصادية بالإضافة إلى تضمنها للحرية الفردية فهي تتجاوز ذلك إلى حقوق الملكية والاستفادة من نتائج العمل ومحاربة الرشوة ودعم الديناميات البنكية.
وبهذا الخصوص قال رئيس شبكة الليبراليين العرب محمد تملدو” ترتبط الحرية الاقتصادية بالمعاش اليومي لأنها المرآة الحقيقية للحقوق وعلى رأسها حق الملكية والمسؤولية وغيرها”.وأضاف تملدو أن اليوم الدراسي “يأتي في إطار سياسة شبكة الليبراليين العرب الهادفة إلى الانفتاح على المؤسسات الدولية عبر أنشطة تتجاوز العموميات إلى انشطة تطبيقية تفتح نقاشا تفاعليا بين مؤسسات دولية فاعلة والفاعلين الأساسيين في العالم العربي. وهكذا يقول تملدو يرمي هذا النشاط إلى “فتح آفاق جديدة للاقتصاد المغربي من خلال التعامل مع التقارير الدولية بحس علمي يتجاوز ردود الفعل في اتجاه التأسيس لتفاعل إيجابي حول ما ينتج حول المغرب وفي نفس الوقت في إطار التعامل المنهجي مع مايصدر من تقارير دولية حول المغرب وفرض الرؤية العلمية وفق فعل علمي وفعال””
وشهد اليوم الدراسي حضور فعاليات وخبراء وباحثين ومهتمين محليين ودوليين كما ستشهد حضور أطياف متعددة من المجتمع المدني من أحزاب سياسية وممثلي العمال ورجال الأعمال والإعلاميين وأعضاء الحكومة والمهتمين بقضايا الحرية الاقتصادية بالمغرب,.
ومن جهته قال الدكتور نوح الهرموزي رئيس مشروع منبر الحرية بإن اليوم الدراسي “يهدف اليوم إلى استضافة معاهد دولية كبرى تعد فاعلة على صعيد رسم استراتيجيات السياسات الدولية الاقتصادية. فمعهد فريز الكندي أحد أشهر المعاهد الدولية في إعداد تقارير الحرية الاقتصادية خص المغرب بتقرير سنوي. لذلك فالفكرة الأساسية هي خلق نوع من التفاعل المباشر بين معدي التقرير والفاعلين الأكاديميين والسياسيين ورجال الاعمال وممثلي العمال بخصوص المؤشرات المعتمدة في أفق تقويم السياسات الاقتصادية.
ومن جانب آخراعتبر البروفيسور توم بالمر من معهد كاتو الأمريكي أن المغرب يشكل ثالث محطة بعد الأردن ومصر التي اختارها منبر الحرية ومعهد فرايزر من أجل تقديم تقرير الحرية الاقتصادي.  ودلالة ذلك، يضيف توم، درجة الانفتاح التي يتمتع بها المغرب، غير انه أضاف بالمقابل بأن”التقرير لا يدعو إلى القلق لأن المغرب يمكن أن يحقق تقدما ملموسا على مستوى تثبيت مزيد من الحريات الاقتصادية من أجل تحقيق الرخاء والتقدم”
تقرير معهد فرايز: مؤشرات واعدة لكنها غير كافية
أشار نائب رئيس معهد فرايزر الكندي البروفيسور فريد ماكماهون إلى أن تطورا ملحوظا طرأ على مؤشرات الحرية الاقتصادية بالمغرب خاصة فيما يتعلق بحجم الحكومة والتي حصل فيها المغرب على مرتبة متقدمة. غيرأن ما يتعلق بقانون العمالة وغيرها من المؤشرات الأخرى تظل بحاجة إلى مزيد من التطوير.
وحول  المؤشرات الأساسية التي تم اعتمادها في إعداد التقرير ذكر مسؤول معهد فرايزر حجم الحكومة حيث “عندما تصبح الحكومة كبيرة جدا فإنها لا تفسح مجالا لنشاط اقتصادي حر وتقتنص بالضرائب ما يكسبه الأفراد والأسر بشكل مشروع. كلما كبر حجم الحكومة، كلما ازداد حجم الأنفاق وبالتالي تزيد الضرائب، وتبدأ الحكومة تدريجيا بالتمتع بحرية أكبر على حساب الحريات الفردية، والاقتصادية ».
كما استعرض الخبير الكندي المؤشر الثاني  المتمثل في الوصول للعملة المستقرة وهنا قال فريد ماكماهون “يمكن للحكومات أيضا أن تقلل من الحرية الاقتصادية عبر خفض قيمة الدخول والممتلكات التي اكتسبها الأفراد بشكل مشروع من خلال التضخم. حيث يؤدي التضخم إلى التقليل من قيمة الأجور والمدخرات. لذا فإن العملة المستقرة ضرورية لحماية حقوق الملكية. وحينما يكون التضخم متقلبا وعاليا، يصبح من الصعب على الأفراد أن يخططوا للمستقبل واستغلال الحرية الاقتصادية بفاعلية.
وبخصوص  حرية التجارة قال فريد أن “حرية التبادل- بمعناها الأوسع، الشراء، والبيع، وإبرام العقود، وما إلى ذلك- هي شيء أساسي للحرية الاقتصادية، التي تتضاءل عندما لا تشمل المبادلات قطاعات الأعمال والأفراد في دول أخرى  ».
وفيما يتعلق بالنظام القانوني قال المسؤول في معهد فرايزر”إن نظاما قانونيا يعمل بشكل جيد أمر لا غنى عنه لحماية الملكية والحقوق وضمان ألا يتمكن الأقوياء من استخدام نفوذهم للتقليل من حرية الآخرين. وبغياب مثل هذا الهيكل القانوني التشريعي الذي يضمن حماية الملكية، وهي أسمى غاية ومبرر لوجود الحكومة، لا يمكن أن تكون هناك حرية اقتصادية ». أما التدابير التنظيمية فتعني، حسب ذات المصدر دائما، أن تكون قادرا على العمل لمن تريد وأن تستخدم من تريد؛ أن تبدأ عملا وأن تنهيه كما تريد؛ وأن تقترض وتستعير ممن تريد.
وهدف اليوم الدراسي إلى مناقشة الوضع الراهن للحريات الاقتصادية بالمغرب ومناقشة آليات وسبل تعزيز هذه الحرية الاقتصادي وتسليط الضوء على مكامن ضعف وقوة المبادرة الحرة للاقتصاد المغرب ومقارنة مؤشر الحرية الاقتصادية بالمغرب مع المعدل العالمي والمعدل العربي ومعدل الدول العشر الأوائل في العالم.وانتهى اليوم الدراسي بإعداد تقرير نهائي عن وضع الحرية الاقتصادية بالمغرب بتنسيق بين الخبراء المحليين والدوليين، وتضمن هذا التقرير توصيات رفعت لصناع القرار السياسي والاقتصادي بالمغرب.
توصيات من أجل اقتصاد سليم
تطرقت أوراش عمل اليوم الدراسي بالتحليل والتقييم لمجموعة من مؤشرات الحرية الاقتصادية المتعارف عليها دوليا من قبيل حجم الحكومة الأمثل ودورها ووزنها في النشاط الاقتصادي وحرية التبادل التجاري والإجراءات التنظيمية الهادفة إلى تنظيم الائتمان والعمالة والأعمال التجاري النظام القانوني وتأمين حقوق الملكية واستقرار وثبات العملة الوطنية.
وخلص المشاركون في اليوم الدراسي إلى أن العقبات الأساسية التي تواجه الحرية التجارية بالمغرب، تتمثل في معدلات التعرفة الجمركية المفروضة على الواردات والصادرات. بالإضافة إلى المعيقات المرتبطة بحقوق الملكية المفروضة على المستثمرين الأجانب.كما تطرقت إحدى خلاصات اليوم الدراسي إلى الضوابط المفروضة على الرأسمال والإكراهات الموضوعة من طرف السياسات النقدية التي ينهجها مكتب الصرف، والتي تحول دون التداول والانتقال السلس لرؤوس الأموال المحلية والأجنبية.
كما تعرض الخبراء الاقتصاديون إلى الأثر السلبي للسياسات التدخلية في مجال تحديد وتثبيت الأسعار، حيث يخلق هذا التدخل ندرة مصطنعة يستفيد منها مجموعة من اللوبيات وقوى الضغط، في صفوف المنتجين الكبار على حساب المنتجين المتوسطين والصغار، والأكثر من ذلك على حساب المستهلك المغربي سواء في أثمنة السلع أو جودتها.
وخص اليوم الدراسي في إحدى ورشاته صندوق المقاصة بالعديد من التوصيات إذ أشارت إحداها إلى أن الدعم الذي يقدمه صندوق المقاصة لبعض السلع يتم الاستحواذ على أغلبيته من قبل كبريات الشركات على حساب الشركات الصغيرة وعلى حساب المستهلك.
يذكر أن اليوم الدراسي الذي نظمه مشروع منبر الحرية  بالدار البيضاء المغربية حول الحرية الاقتصادية بالمغرب، يعتبر ثالث تجربة في استضافة معهد فرايزر الكندي، أحد أشهر المعاهد الرائدة في إعداد تقارير الحرية الاقتصادية في العالم. وسبق لمنبر الحرية أن استضاف معهد فرايزر الكندي ضمن مؤتمرين اقتصاديين مماثلين بكل من الأردن ومصر. وتدخل هذه الاستضافة ضمن استراتيجية منبر الحرية الهادفة إلى الانفتاح على المعاهد الدولية الفاعلة في رسم استراتيجيات الاقتصاد العالمي وتمكين الفاعلين وصناع القرارالعرب من التفاعل المباشر مع منتجي التقارير الاقتصادية الدولية، للرفع من مستوى الحرية الاقتصادية في العالم العربي.

peshwazarabic2 ديسمبر، 20101

الجزء الأول
يترتب على زيادة القدرة التنافسية التصديرية الناتجة عن الاستثمار الأجنبي المباشر آثار هامة، والبلدان التي حققت أكبر المكاسب من حيث الحصص السوقية هي بصورة رئيسية بلدان نامية. وأصبحت تلك البلدان تنتمي بفضل ما اكتسبته مؤخراً من حصص سوقية إلى البلدان الـ20 الأكثر تصديراً في العالم. كذلك توجد 5 شركات مقارها في اقتصاديات نامية تحتل مكانة في قائمة أكبر 100 شركة في العالم.  أي إن هنالك تغيّرات هائلة قد أخذت تحدث في تكوين التجارة العالمية. ويمكن اعتبار ذلك من المؤشرات التي تبعث على الأمل، وهناك إمكانية للتقدم في حال تم استغلال الظروف والإمكانيات استغلالاً جيداً.
إن احتدام المنافسة يجبر الشركات عبر الوطنية على البحث عن سبل جديدة لزيادة كفاءتها وإمكانياتها، بما في ذلك عن طريق توسيع نطاق وصولها إلى المستوى الدولي، والوصول إلى أسواق جديدة في مرحلة مبكرة وتحويل بعض الأنشطة الإنتاجية من أجل تخفيض التكاليف. وهذا يؤدي إلى اتخاذ أشكال جديدة للإنتاج الدولي على مستوى ترتيبات الملكية وترتيبات تعاقدية جديدة . كما إن سياسة الدول الرائجة في عصرنا الحالي من فتح الأسواق المالية والسماح بجميع أنواع الاستثمارات الأجنبية، تساعد الشركات على زيادة استثماراتها في الخارج. بحيث أتاحت استراتيجية الشركات وتغيير النظم الإنتاجية العالمية إمكانات جديدة للبلدان النامية للانخراط في نظم الإنتاج العالمية.
ويلاحظ أن الكثير من البلدان التي حققت تقدماً في الأسواق التصديرية كانت معتمدة اعتماداً كبيرا ًعلى الاستثمار المباشر. وهناك بعض الميّزات النسبية التي تتمتع بها تلك البلدان تلعب دوراً في استقطاب الاستثمار الأجنبي، فمثلاً تتميّز الصين بحجم اقتصادها، أما كوستاريكا وأيرلندا فتتميّزان باتباع سياسات وطنية قائمة على نهج استباقي لاجتذاب الاستثمار الأجنبي في مجال التكنولوجيا الرفيعة المستوى والارتباط بشبكات الموردين الدولية.
أما هنغاريا والمكسيك وأيرلندا تتميّز بإمكانية وصولها إلى أسواق رئيسية وبشروط تفضيلية، فمثلاً ميزة المكسيك هي إمكانية التصدير إلى الولايات المتحدة الأمريكية وفقاً لاتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، مما يجعل المجال كبيراً أمام الدول التي تفرض عليها الولايات المتحدة شروطاً في تجاراتها مثل أن تدخل إلى السوق الأمريكية عن طريق المكسيك وهذا ما تفعله اليابان. وذلك أيضاً ما يحدث في هنغاريا وأيرلندا اللتين كانت تتميزان بحصولهما على شروط تفضيلية في الأسواق الأوروبية مما جعلهما محط أنظار الكثير من الشركات.
عمليه اجتذاب أنشطة الشركات الموجهة للتصدير عملية تنافسية إلى حد كبير. والدول المتقدمة قد تجد صعوبة في إدامة قدراتها التنافسية عندما ترتفع الأجور وتتغير الأوضاع في الأسواق. وهذا ينطبق أيضاً على الدول النامية، فالهند التي استطاعت من خلال مجموعة من المميزات ومنها الأجور المنخفضة أن تكون مصدر جذب من الطراز الأول للشركات عبر الوطنية. ولكن فيما بعد ونتيجة ارتفاع الأجور فيها جعلها تتراجع لتصبح روسيا – محط الأنظار – صاحبة الأجور المنخفضة أكثر من الهند.
فالفوائد المستمدة من التجارة المرتبطة بالشركات بدءاً بتحسين الميزان التجاري وتحسين العمليات التصديرية وإدامتها، تساعد على زيادة الصادرات. ولكن في المقابل فإن الشركات الأجنبية تستورد وقد تكون حصيلة النقد الصافي بين التصدير والاستيراد صغيرة في بعض الحالات. وقد تكون قيمة الصادرات مرتفعة، ولكن مع تدني مستويات القيمة المضافة تصبح العملية مستقبلياً تحمل في طياتها مخاطر ذات نتائج سلبية.
لا يمكننا اعتبار المكاسب الإنمائية الناتجة وتمتع تلك الاستثمارات بالديمومة والاستقرار مقولة قابلة للنقاش. ومن الخطأ أن يصبح جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة هدف بحد ذاته، بل من الحكمة أن تسخّر الدول النامية إمكانياتها للاستفادة من تلك الاستثمارات في إطار سياسات التنمية الشاملة، وفي كثير من الأحيان تتحمل الدول النامية مسؤولية فشل الاستثمارات في تحقيق نهضة اقتصادية نتيجة غياب التخطيط والسياسات العامة.
فالمسألة ليست في اجتذاب الاستثمارات بقدر ما هي كيف يمكن للبلدان النامية المضيفة أن تستفيد إلى أقصى حد ممكن من الأصول التي تتحكم بها الشركات؟
الأمر يعتمد على الاستراتيجيات التي تتبعها الشركات من جهة، وعلى ما يقابلها من قدرات السياسات العامة في البلد المضيف.إذ أن عدداً من المنافع المستمدة على المدى الطويل والتي يمكن عزوها إلى الشركات الأجنبية العاملة في التصدير قد لا تتحقق في البلد المضيف، بحيث من الممكن عدم قيام انخراط بين الشركات الأجنبية والاقتصاد المحلي، وبالتالي عدم قيام الشركات بتنمية المزايا النسبية الدينامية للبلدان المضيفة.
هناك أولويات مشتركة بين البلدان سواء كانت غنية أم فقيرة أهمها تحسين الصادرات وإدامتها لكي تسهم في التنمية إسهاماً كبيراً. فيجب على البلدان النامية النظر في كيفية التحول في أي صناعة من الصناعات إلى أنشطة ذات قيمة مضافة أعلى، وهنا يكمن التحدي في كيفية الاستفادة من إمكانيات الشركات لتحقيق التنمية المستدامة.
‎© منبر الحرية،25 نونبر/تشرين الثاني 2010

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

سأثير هنا بعض المسائل الخلافية بين دعاة العلمانية، وبين الإسلام السياسي، في مسألة الحكم، دون أن أغوص بعيدا في المسائل الشائكة بين الفريقين، وسوف أكتفي بما نقلته عن لسانهم خلال قراءاتي، وما ساقوه من حجج وبراهين، دفاعا عن مواقفهم، أو محاولة منهم لدحض آراء خصومهم، علما أني كثيرا ما لاحظت عدم اتخاذ دعاة الإسلام السياسي للتحاور سبيلا مع خصومهم العلمانيين، وربما أباحوا قتل العلماني لإلحاده حسب زعمهم، ونذكر هنا بمحاولة قتل الأديب الكبير نجيب محفوظ، أو قتل المفكر العلماني المصري الكبير فرج فودة، ربما إثر مناظرة بينه وبين محاورين آخرين من اتجاه الإسلام السياسي، أو ربما جندوا جيوشا من الإرهابيين خلف برنامج غير واضح المعالم والأهداف وهو ما يبرز تعطشهم لإراقة الدم في سبيل السطو على السلطة، والتفرد بها، وبالتالي تكفير العباد للنيل منهم.
يرى الإسلام السياسي، أن الإنسان لكي تكتمل هويته، وتتضح شخصيته، لابد له من العودة إلى القرآن، كتاب الله، وإلى سنة رسوله، والامتثال لإرادة السماء، لذلك فهم يطالبون بحكومة دينية، يكون الإسلام (القرآن  السنة) هو مصدر الشريعة أولا، ولا بأس  بعده من إعمال العقل تمسكا بالقرآن واقتداء بسنة  رسول الله، أو كما يقتضي القياس، أي العمل على هديهما، ومن هذا المنظور فإن الأحكام الوضعية التي يجود بها عقل الإنسان الذي يعاين أية مسألة مستجدة عليه أن يستنبطها ما أمكن من ثنايا الشريعة، أو ما يأتي بها القياس، ويؤكدون عند وجود نص صريح (القاتل يقتل) يبطل الاجتهاد، وتنتفي العملية الديمقراطية في استمزاج الآراء أو حتى الشورى بمفهوم الإسلام، وهؤلاء يصرون أن القرآن يؤكد أن الإسلام دين ودولة، وأن الإسلام هو الحل في كل ما يعترض سبيل الناس من أمور، وهم بالتالي يعترضون على الدولة المدنية، بزعم اللبس في المعنى، أو لتضمينها معاني غامضة، والدولة القائمة لابد لها إلا أن تكون من عقيدة الأكثرية المسلمة، وإن معاناة الدول الإسلامية اليوم من ضعف وتخلف، كان بسبب الابتلاء بالاستعمار، والقعود عن الاجتهاد، والبعد عن أخلاق الإسلام، وعن الدين الحنيف، وهم بالتالي يصرون على إقامة دولة دينية، وأن لا بديل عنها، ويعترضون على الدولة المدنية بقوة كما بينا آنفا.
أما العلمانيون فيرون أن الملوك قديما كانوا يحكمون بالحق الإلهي، كما كانوا يزعمون، هكذا كانت طبيعة الدولة الدينية، لكن عندما أصبحت الشعوب في أي بلد مصدرا للسلطات، سميت الدولة بالدولة المدنية، وقد يكون في الحالتين الحكم استبداديا، وكثيرا ما يكون الداعون للحكم باسم الدين في الدولة الإسلامية، أو باسم الشعب في الدولة المدنية غير صادقين …، بعض العلمانيين يحاولون أن يميزوا بين المعنى  في (الحكم) حكم النبي وحكم الملك، فالنبي كان يحكم بين الناس، أما الملك فهو يحكم الناس، وثمة آيات صريحة في بيان هذا المنحى، منحى حكم الناس، أو الحكم بين الناس، وبالتالي الفارق في وظيفة النبي والملك بيّن، ويرون بذلك أن دعوى الحكم بنظرية الحق الإلهي قد انتهت، وحلت مكانها نظرية، أن الشعوب هي مصدر السلطات، وهي تختار الحاكم، والعلمانيون عندما يتحدثون عن النبي محمد (ص) يخلعون عليه لقب الرسول وليس الملك، وبأن سلطة محمد كانت مقتصرة على الدعوة الإسلامية، وهدي الناس، ولم يشر القرآن إلى وظيفة أخرى للنبي محمد (ص) كالحكم، أما الخلفاء فجاء حكمهم باختيار الناس، فالخلافة بهذا مدنية، لكن الإسلاميين يعترضون على هذه النقطة بحجج وجيهة، فيؤكدون أن محمدا أقام دولة إسلامية، فقد قاد النبي دولة وأسس جيشا، وقام في عهده المكلفون بجباية الضرائب، وتحصيل الزكاة، وهذا دليلهم بأن ذلك لا يتم إلا في أعراف الدول، ومن هنا فهم يصرون من أن الإسلام الأول في عهد الرسول الكريم كان دينا ودولة، الإسلاميون يرون أن العلمانية والقانون الوضعي من آثار المستعمر الأجنبي، بيد أن العلمانيين ينفون هذه التهمة، فالقانون الوضعي، قد  وجد في بعض الدول حتى قبل وجود الاستعمار الحديث، لكن النقطة الموجعة والمفحمة التي ينادي بها العلمانيون تتمثل في جانبين، أولا بأي نظام إسلامي سياسي ستهتدون في الحكم، بأي نموذج ديني، في الدول الإسلامية ستقتدون؟. هل يكون الاقتداء بمثال النظام في السعودية أو في إيران أو في السودان؟. هاتوا نموذجا واحدا يمكن  أن تتبنوه في إدارة الحكم، حتى نجادلكم فيه، ثم يدلل كيف أن المنادين بالدولة الدينية لا يخرجون ببرنامجهم السياسي، ويشيرون كيف أن الإسلام السياسي بهذه الارتكابات الدموية وهو خارج السلطة، فكيف تكون الحال معه لو استلم السلطة، وتحت إمرته الجيش وقوات الأمن، وهذا ما يبعث على الذعر في نفوس الناس، وسيلان الدماء في بعض الأمصار، وربما أدت طبيعة الحكم إلى انقسام البلاد، ولذلك فالعلمانيون يركزون على الحكومة المدنية، التي تتميز بهوية المواطنة، وتركز عليها كأساس ومقياس الانتماء دون شيء آخر، ويطالبون بفصل الدين عن الدولة .
نقطة أخرى في برنامج بعض دعاة الإسلام السياسي، في مصر مثلا، هؤلاء يدعون قبولهم بما تفرزه صناديق الاقتراع من نتائج الانتخابات النيابية، والحق بالتالي لإدارة البلاد، وأعتقد أنهم واهمون عندما يؤكدون أنهم سوف يفوزون بنسبة أكثرية ساحقة، وهنا السؤال القاصم لظهر البعير: هل هم يقبلون باللعبة الديمقراطية على طول الخط؟، أم هي مناورة منهم وحنكة سياسية للحصول على السلطة، ومن ثمّ الانقلاب على آلية الديمقراطية، والتنكر لها؟. ثم متى كانوا يؤمنون بالديمقراطية؟. ألم يقولوا عنها أنها صنيع الاستعمار؟. ألم ننقل عن لسانهم قبل قليل ما قالوه: من أن الدولة ينبغي أن تكون من دين الأكثرية، ألا يعني ذلك أنهم يطالبون بدولة دينية إسلامية؟. فماذا يكون ردّ فعلهم لو فاز بالانتخابات مناضل قبطي، هل يقبلون به حاكما على جمهورية مصر، لسان حالهم يقول لا بالطبع لأنهم يترنمون دائما بمقولة من أن (الإسلام دين ودولة)، ومن أن الدين الإسلامي هو الحل لكل القضايا المختلف عليها، وبالتالي فهو (الإكسير) الناجع لكل أدواء المجتمع، فهل يمكن الذهاب معهم في ذلك؟.
© منبر الحرية، 10 شتنبر/سبتمبر 2010

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

غيب الموت في أوائل هذا الشهر السيد محمد حسين فضل الله. وكما يحدث عندما يسقط رجل جريء مثله، سرعان ما نكتشف كم مثّل علامة مضيئة في واقع إسلامي/عربي يتعطش للتجديد والبناء. إن أساس نجاح فضل الله ارتبط بقدرته على الربط بين الإسلام من جهة وتمكين الضعفاء والمهمشين في المجتمع مقروناً بالمقاومة ومناصرة القضية الفلسطينية من جهة أخرى. وغيابه المفاجئ ترك فراغاً كبيراً، لكن اجتهاده وجهاده سيكونان حتماً حافزاً لذوي الرؤى الإسلامية المجددة.
التقيت السيد محمد حسين فضل الله عام ١٩٧٦ من خلال والده المرحوم السيد عبد الرؤوف فضل الله الذي توفي عام ١٩٨٤. كان السيد عبد الرؤوف في ذلك الوقت إمام مدينة بنت جبيل عاصمة جبل عامل، وإمام سائر القرى والبلدات في جنوب لبنان. كنت حينها في أوائل العشرينات من عمري خريجاً جديداً في الجامعة أبحث عن فرص المقاومة الجادة في زمن العمل الفدائي في مدينة بنت جبيل الحدودية قرب فلسطين المحتلة بالتحديد. نشأت حينها بيني وبين المرحوم السيد عبد الرؤوف فضل الله، وعلى رغم فارق السن والتجربة، صداقة هي مجال اعتزازي. حينها عرفني إلى العائلة فرداً فرداً وعلى أبنائه السيد محمد علي والسيد محمد جواد، وصولاً إلى ابنه السيد محمد حسين فضل الله الذي كان قد قطع شوطاً في مسيرته.
وفي لقائي الأول بالسيد محمد حسين فضل الله اكتشفت بيسر وسهولة ذلك الرابط الخاص بينه وبين والده العلامة السيد عبد الرؤوف فضل الله. كان والده قد هاجر إلى النجف من بلدته بنت جبيل/عيناتا لتلقي العلوم الدينية ثم عاد إلى لبنان بعد غيبة طويلة عام ١٩٦٦. حمل عبد الرؤوف فضل الله فكراً منفتحاً تجاه الآخرين وتجاه الطوائف الإسلامية الأخرى، واتجاه التنوع والسلام بين الديانات. وكان زاهداً في حياته شديد التواضع والورع. وتعلمت منه في مرحلة مبكرة من تجربتي الإنسانية والفكرية الكثير عن ذلك التصالح الهادئ والمسالم الذي يمكن إيجاده بين الدين والحياة وبين واقع الإنسان والإيمان.
في سلوك فضل الله الأب انفتاح تلقائي على الآخر. ففي بنت جبيل في سبعينات القرن الماضي، وعلى رغم عدم سعيه إلى ربط السياسة بالدين وقف عبد الرؤوف فضل الله بقوة ضد الطائفية ومع المقاومة، وقف ضد الإساءة للمسيحيين في الجنوب ومع مقاومة التعامل مع إسرائيل، وقف بقوة ضد سلوكيات المقاومين الخاطئة ومع المقاومين الذين ميزوا أنفسهم بالتضحية والجدية والمحافظة على أرواح وممتلكات الناس وحقوقهم.
وفي المقابل كان السيد محمد حسين فضل الله يقول: انه تعلم العقل المنفتح من أبيه لأنه عندما تتلمذ على يده كان يطلب منه أن يعطي وجهة نظر معاكسة في كل موضوع. إذ يقول له: العلم يتطور بالاعتراض والاختلاف والتساؤل. من هذا المنطلق تعلم السيد محمد حسين من والده مبادئ المشاكسة الفكرية مع احترام للآخر.
ومع بداية تعرفي إلى السيد محمد حسين فضل الله في العام ١٩٧٦-١٩٧٧ كان قد خرج من تجربة نضالية وإنسانية صعبة، وسط لهيب الحرب الأهلية اللبنانية في منطقة النبعة. تحدث السيد في تلك الفترة الحساسة عن المقاومة وعن الإسلام الحضاري، والتجديد والعقلانية، وقد التف حوله عدد من الشبان ممن آمنوا بفكره وأطروحاته ووجدوا فيه داعية للمقاومة والإصلاح وللملائمة بين الدين والحياة والحرية والعدالة. كان آخر لقاء لي مع السيد محمد حسين عام ١٩٨١ في محاضرة له مع مجموعة صغيرة من الحاضرين في جنوب لبنان عن الثورة الإسلامية والتغيرات الجديدة في منطقتنا وعلاقة كل هذا بالمقاومة.
إن هذا التاريخ الشخصي والأسري والعلمي جعل فضل الله مهيئاً لأن يكون احد الذين صنعوا بيئة المقاومة بعد الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢. فهو أول من أعلن رفضه لاتفاق ١٧ أيار المعقود بين إسرائيل ولبنان تحت الحراب الإسرائيلية. وأول من طرح فكراً متماسكاً للمقاومة الإسلامية وأصدر كتابه «المقاومة الإسلامية آفاق وتطلعات». إن أكثر من تأثر بالسيد هم شبان جنوب لبنان وبيروت، وأيضا شبان «حزب الله» وهو في بداياته. لم يكن للحزب في أواسط الثمانينات قائد محدد، لهذا نظر شبان الحزب في بداياته إلى فضل الله بصفته رمزاً فكرياً لمقاومتهم ضد الاحتلال الإسرائيلي، ونتجت من هذا محاولات عدة لاغتياله وتصفية فكره ودوره.
من جهة أخرى، لم يؤيد فضل الله نظرية ولاية الفقيه، فهو تفهم هذه الولاية في إيران ضمن حدود حماية النظام الإسلامي، على رغم تأكيده بأنها غير متضمنة بالفقه الإسلامي، لكنه من جهة أخرى لم يرَ أن ذلك النموذج (ولاية الفقيه) يمكن تعميمه في لبنان أو العراق وبقية مناطق التواجد الشيعي والإسلامي. فهو لم يعتبر أن لبنان المتنوع دينياً ومذهبياً مؤهل ليكون جمهورية إسلامية كإيران، وحتى آخر لحظة في حياته أصر مع جميع التيارات العراقية التي جاءت لرؤيته على ضرورة إنصاف السنّة في العراق. ظل يردد بأنه يجب أن لا تكون هناك غلبة لفريق على حساب فريق آخر في الحكم في العراق. كان بطبعه وفطرته وجذور عائلته وما تعلمه عن أبيه وحدوياً: يوحد بين متناقضات قائمة بين طوائف وبين فئات مختلفة في وطنه لبنان وفي وطنه العربي والإسلامي الأوسع.
وتميَّز السيد محمد حسين فضل الله بجرأته على مراجعة الكثير من الثوابت التي تحد من حريات المسلمين وقدرتهم على التأقلم مع عناصر الحياة. لقد بحث في الواقع النفسي والسياسي والإنساني الذي يتحكم بمواقف وسلوكيات الأفراد، مما جعل اجتهاده رحيماً ومسهلاً للحياة. إن مقدرة السيد محمد حسين فضل الله على الإلمام بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والمعنوية والتاريخية وتعمقه بالفكر الإنساني والفلسفي والنفسي، أغنى اجتهاده وساعده على التوصل إلى فتاوى ودراسات أنصفت المرأة وساوتها مع الرجل وعمقت من حقوقها. إن فتاويه حول ضرب المرأة وحول جرائم الشرف جعلته نموذجاً لحضارية الإسلام. الإصلاح الديني والإسلام الحضاري هما جوهر أبحاثه ومؤلفاته الغزيرة.
لقد أفتى السيد محمد حسين فضل الله بحرمة جرائم الشرف تحت كل الظروف، وأفتى بحرمة جرائم الثأر واعتبرها عدواناً وإفساداً في الأرض، وأفتى بحق المرأة في أن تكون وزيرة وفي موقع الإفتاء، وأفتى بجواز ارتداء المرأة المسلمة الشعر المستعار (الباروكة) في حال اضطرارها إلى التخلي عن الحجاب كما حدث في فرنسا، وأفتى بحرمة ضرب الرأس في عاشوراء وأنها مظهر من مظاهر التخلف في استعادة الذكرى. كما أفتى حول الإجهاض والسماح له ضمن حدود السلامة قبل تكوّن الجنين، وبتحريم إثارة أي حديث مذهبي، ولا سيما بين السنّة والشيعة في الكويت في ما يتصل بالإساءة إلى صحابة النبي وزوجاته، وهو نفسه دعا إلى الاعتماد على العلم في محاولته توحيد المواقيت بين المسلمين الشيعة والسنّة في رمضان والأعياد. وأفتى بحرمة التفجيرات التي تستهدف المدنيين سواء في المغرب أو في المملكة العربية السعودية، وبتحريم التنازل عن حق الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم. لقد ساهم فضل الله من خلال فتاويه (وهذه بعض منها فقط) في التعامل مع المرأة بمساواة واحترام قلما وجدناه بين فقهاء المسلمين المعاصرين.
لم يكن غريباً أن فضل الله الذي بدأ في النبعة قبل الحرب الأهلية وانشأ فيها مسجداً وتجمعاً ثقافياً استمر في سعيه لبناء المؤسسات طوال الثمانينات وحتى وفاته. لقد أنجز حوالي ٣٠ مؤسسة منها المدارس والمؤسسات الصحية ومستشفى ومراكز ثقافية ومعاهد لرعاية المعوقين ومؤسسات لرعاية كبار السن والعجزة وغيرها من المؤسسات. وحول إيمانه بالناس وبحقوقهم إلى مؤسسة اجتماعية إنسانية ثقافية تعليمية متكاملة. هذا المنحى الإنساني هو نفسه الذي دفع فضل الله إلى إعلان رأيه في كل قضية مست الإنسان وحقوقه.
في كتاب الصحافية اللبنانية منى سكرية الصادر عام ٢٠٠٧ مقدمة كتبها رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سليم الحص عن السيد محمد حسين فضل الله قال فيها: «نحن المعجبين به ليس لكونه الجامع بين المذاهب الإسلامية بل لكونه الرافض للعصبيات الطائفية، وهو الداعية للوحدة الوطنية بين المسلم والمسيحي… وإعجابنا مضاعف به لكونه رجل العمل الإنساني والاجتماعي بامتياز».
المصدر: الحياة
‎© منبر الحرية،31 تموز/يوليو  2010

peshwazarabic21 نوفمبر، 20101

الأستاذة الدكتورة البروفيسور آمال … سعدت وشرفت بلقاءك امس . وهو لقاء تأخر عدة سنوات . وقد استمتعت بالحوار الذى استمر لقرابة اربع ساعات أيما إستمتاع . ليلة أمس ، امضيت الساعات السبع من العاشرة مساءا للخامسة صباحا مع سفرك الفخم الضخم (ذى الألف صفحة) عن الاختلاف فى الثقافة العربية ، والذى طالعت (حتى الآن) بنهم وشغف متناهيين (وبالكامل ، ومع قراءة متأنية للمصادر) حتى منتصفه . عزيزتي : ماهذه الأبهة المعرفية والصولات العقلية والفحولات التحليلية ؟ ولما كانت أطروحتك تتصل (فى الأساس) بعالم كان هو احد اهم عوالمي منذ قرابة اربعين سنة ، فقد كان شغفي (وفرحي) بما كنت اطالع عارما . حصيلتك المعرفية بالموضوع هى كالمحيط الواسع مترامي الاطراف ‘ بعيد القاع ، بل غائر الاعماق . سيدتي : كنت (منذ سنوات) قانطا من ان اطالع نصا بهذه الروعة وبقلم من احاط بالفقه والتاريخ الاسلاميين كما انت محيطة بهما . كنت اضحك (فرحا) وانا اطير (بعينين محدقتين) فوق مصادرك ! فها أنذا مع عناوين اسفار عشت معها طويلا منذ اكثر من ثلاثة عقود . أمس (وكأنني “يوحي الي”) قلت لك (اثناء العشاء الياباني) انني احلم بان يفرغ مثقف كبير باحد المجتمعات الناطقة بالعربية لتوضيح دور العقل الذكوري العربي فى مسار (او مسارات) الفقه الاسلامي ! هل كنت أتنبأ بأن هذا ما سوف اطالعه (فى شكل عبقري) بعد ساعات (وربما ، بعد دقائق) ؟ … وما هذه اللغة المضفرة بروح الموضوع ، ورحيق زمن انفجار بركان الفقه الاسلامي (من القرن الثامن للقرن 11 الميلاديين) ؟ وما هذه الأبهة البلاغية ؟ كنت وانا اقرأ لك (ليلة امس) يخالجني شعور (مبهر ومضحك فى آن) انك كنت تكتبين وقد استلبك تقمص روح الثقافة والذهنية التى كنت تكتبين عنهما . فعندما تبدلين المترادفات (كالوطء والباه والمباشرة والتغشي …. الخ ) انما تعبرين عن درجة من فهم الذهنية العربية لا اظن ان احدا بلغها الا ثلة من الافذاذ . كذلك كانت هناك (وراء لغتك) رقيقة مذهلة من السخرية . خلال سنواتي الاكاديمية الثلاث بفاس (فى سبعينيات القرن المنصرم) قرأت بنهم وشغف وولع معظم محتويات مكتبة القرويين المتصلة بالفقه الاسلامي بوجه عام ، وبفقه الحدود والقصاص والتعزير بوجه خاص . وبالتوازي ، فقد جذبنى فقه النكاح الذى لاشك عندي انك احطت به احاطة عبقرية – وهو فقه ذكوري بامتياز ( يا سلام على عبقريتك عندما تثبتين ان مقدمات الجماع التى تناولتها النصوص لم تكن ابدا من منطلق مراعاة حق المرأة ، وانما من منطلق اكمال متعة الذكر وتحريكه واشعال النار فى شهوته ) . ان هذه الاطروحة (والتى سأواصل قراءتها اليوم) هى مهرجان معرفي وتحليلي شهد تفكيك مكونات الثقافة الذكورية العربية الجندرية التى كانت (ولاتزال) محطة انطلاق جل ما كتب فى الفقه الاسلامي فيما تناوله بحثك الفذ الذى حلق فى سماء العبقرية بجمعه بين الثراء المعرفي وقوة (وذكاء وألمعية ولوذعية ) الربط والتحليل . وكعاشق للشعر العربي (وان كنت ادرك عيوبه ومثالبه والمتعلقة جلها بتشخيصه للآفات الثقافية لبيئته البدوية القبلية الذكورية ) فقد راقت لي (لأقصى حد) اختيارتك الشعرية المجسدة لفحوى ما كنت تقولينه … وما اشد اعجابي بذكرك للبحر (الوزن – العروض) مع كل استشهاد . وما هذا بمستغرب من سيدة هى أم لمهيار وكثير . ومما أثلج صدري امس (ابان اللقاء واثناء المطالعة) اننى رأيت بأم عيني صوابية يقيني ان مجتمعاتنا بحاجة ماسة لعلم وكتابة مثل علمك وكتابتك ، وليس للغثاء الأحوي الذى تفرزه مدرسة الشتامين – وهى مدرسة مكوناتها هى الغضب الأحمق المضفر بالهزال المعرفي والضحالة العلمية والاسفاف الفكري واللغوي … مع فيض من الاعجاب والاحترام والتقدير والمودة – طارق حجي 20 يونيه / حزيران 2010

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

(الإسلام هو الحل )، و الديمقراطية  شعار ترفعه الجماعات الإسلامية الساعية للاستحواذ  على دور كبير و فاعل  في الحياة السياسية والاجتماعية  في البلدان العربية. والجماعات الأخرى المسلحة التي تسعى سعياً حثيثاً للوصول إلى السلطة
لكن أي من الجماعتين لم يوضحا بعد ماذا تعني لهم هذه العبارة .
هل تعتبر الديمقراطية بالنسبة إلى هذه الجماعات مجرد وسيلة تسعى من خلالها للهيمنة أو الوصول إلى الحكم ؟، أم أنها تطرحها كأجندة متكاملة تحتوي الوسيلة والقيم التي تتكئ عليها؟
هل شعار “الإسلام هو الحل”، بزعم البعض أنها أجندة متكاملة، يمكن أن يحقق ما تصبوا إليه الديمقراطية؟ وماذا لو تعارض شعار الديمقراطية مع شعار “الإسلام هو الحل”.. فعلى أي من الشعارين سوف تراهن تلك الجماعات  ؟
من أكبر المشكلات التي تواجهها أكثر الجماعات الإسلامية في تحقيق مبدأ الديمقراطية، تشدد بعض الحركات المنضوية تحت إطار الإسلام السياسي في التزامها بالديمقراطية “كآلية” لتنظيم العمل السياسي والحركي، لكنها ترفض الاعتراف بالديمقراطية كروح ومحتوى ومفهوم وتذهب إلى حد مواجهة المفاهيم الحديثة التي تتأسس عليها. فهي تضع نفسها في منطقة تبرز خلالها الآلية لتنفصل عن المحتوى، رغم أن الآلية ليست سوى وسيلة يستحيل أن تنفصل عن محتواها، وإذا ما انفصلت فستصبح هي الهدف ويتم تجاهل المحتوى، بالتالي سوف يتم التفريط بالكثير من القضايا المرتبطة بالمحتوى، كقضايا حقوق الإنسان، على حساب الزعم بأن آلية الديمقراطية هي التي تعبّر عن مفهوم الديمقراطية.
و بالرغم من الشعبية الكبيرة لهذه الجماعات في العالم العربي، و دورها البارز على الساحة السياسية، خاصة بعد الأحداث الأخيرة مع حزب الله في جنوب لبنان وحماس في فلسطين، ووصول بعض أعضاء الجماعات الإسلامية إلى مجلس الشعب المصري و حركة طالبان في أفغانستان. إلا أن هذه الحركات لم تحقق اندماجاً حقيقياً في المنظومة الأيدلوجية و الاجتماعية لهذه الدول، بل تحركت متفردة منفصلة عن هذه المنظومة بل ورسخت صداماً كبيراً و تشرذماً لأبناء الوطن الواحد. و هنا لا يمكن تحميل طرف واحد المسئولية كاملة فالأيدولوجية المعمول بها في هذه الدول هشة إلى الدرجة التي لا تمكنها من التماذج بين الليبرالي و الإسلامي، و تقبل التعددية الفكرية كما في التجربة التركية مثلاً التي حققت النموذج المتفرد في العالم الإسلامي لهذا الانسجام، و قدمت تجربة انتخابية لا يمكن أبداً مقارنتها بالتجارب الانتخابية المماثلة في العالم العربي و هنا أسئلة تطرح نفسها.
لماذا هذا الخوف والهلع الليبرالي من مستقبل حركات الإسلام السياسي؟ هل هو خوف مرتبط بتدخل سياسي في الأمر لعرقلة مكاسبها السياسية، والانتخابية، والتحريض ضدها ؟، أم هو خوف واقعي يستند إلى متبنيات فكرية ونظرية ووقائع على الأرض ؟وهل يرغب الإسلاميون في الاعتراف بأن الإسلام هو أفضل الحلول ولكنه ليس الحل الوحيد؟
يجب أن نقرر أولاً حقيقة أن السجال الدائر بين علمنة الدولة وتطبيق الشريعة الإسلامية هو في حقيقته سياسي وصراع على السلطة، وليس خلافا فكريا وفلسفيا والذي أدى لتفاقم هذا الصراع هو انخراط بعض الجماعات الإسلامية في السياسة أكثر من اهتمامها بتغيير فكر المجتمع و تفعيل دورها به ،  فانحدار هذه الجماعات في منعطف الصراعات السياسية كان بمثابة بداية النهاية لعدد كبير منها، فالسياسة وحدها تتكفل بخلق النزاعات و الخلافات، فممارسة السياسة في الدين بإخضاع الإسلام إلى مطالب السياسة والمصلحة والصراع، وممارسة الدين في السياسة عن طريق بقاء موقع قوي فيها باسمالمقدس، هي التي  أججت هذا السجال بين الليبرالي و الإسلامي .
تتبنى الأحزاب الإسلامية التي تسعى إلى السلطة الدفاع عن الحقوق السياسية والمدنية، والتأكيد على حرية التعبير، والحرية الدينية، وحرية المؤسسات في إطار مرجعية إسلامية. ويتقبل معظم الليبراليين في الدول العربية فرض قدر من القيود على الحقوق المدنية والسياسية، ولكن ما يخشاه هؤلاء الليبراليون هو تزايد تلك القيود بشكل كبير في ظل نظام إسلامي، ومن تلك الإشكاليات التي تتعلق بالحقوق المدنية والسياسية رغبة الإسلاميين في تقديم حق المجتمع على حق الفرد؛ فمن الناحية الفلسفية يجد الإسلاميون أنفسهم في مشكلة فيما يتعلق بقدرة الفرد على الاختيار، كما أن لديهم الاعتقاد بأن المجتمع لديه ما يعلو على الفرد.
لكن هذه المشكلة هي ناتجة عن المسافة الفاصلة بين النظرية و التطبيق فالنص الإسلامي وضع نظرية شاملة تصلح لأي زمان و مكان و لم يضع خطة تفصيلية واحدة يمكن اللجوء إليها كاستراتيجية أيدلوجية لإدارة الدولة و لو فعل ما كان نصاً صالحاً لكل زمان و مكان، و من هنا تبدأ الإشكالية بين استيعاب المتشددون في هذه الجماعات للنص و بين إمكانية تطبيقه كما استوعبوه ،  و ما نحتاجه كشعوب عربية من هذه الجماعات هو تبني برنامج ديمقراطي حقيقي مؤسس على مبررات إسلامية دينية ودنيوية, شخصياً أعتقد بوجودها . ما يهمنا ليس تجميل الماضي والدفاع عنه إلى درجة التصميم على إحيائه,وإنما بناء المستقبل, بمعنى تحسين ظروف حياة الناس المادية , الأخلاقية والاجتماعية. يهمنا أيضاً أن نعلم أن ما يحدث في الواقع هو ليس نتيجة حتمية لسيادة فكرة على المجتمع أو على غيرها من الأفكار, إنما هو نتيجة تلاقح الأفكار في إطار مجتمعي واقعي .
هنا من الممكن أن يتم التزاوج بين الفكرة والواقع الذي من الممكن أن يكون مناقضاً في بعض جوانبه لهذه الفكرة , ولمن يرى في ذلك خيالاً غير قابل للتطبيق فلينظر لحزب العمال البريطاني ذو الأصول اليسارية في مجتمع معولم وامبريالي, وللحزب المسيحي الديمقراطي في ألمانيا مع ازدياد معدلات التحلل الخلقي وتصاعد المادية هناك , بل لينظر إلى حزب العدالة والتنمية ذو الأصول الإسلامية والذي يتباهى أعضاؤه بتدينهم في مجتمع يكاد يكون السفور والتعري أحد أهم ما يميزه عن بقية المجتمعات الشرقية. تتعامل كل هذه الأحزاب مع الواقع دونما حرج, وأيضاً دونما خجل من نظرياتها الفكرية التي وصلت بهاالسلطة ، إنها الديمقراطية الضمان الأوحد لتتم عملية التلاقح بين الفكرة والواقع بصورة سلمية وعلمية، لا شك في أن نظام الدولة الديمقراطية الحديثة لا يرى في الدولة مركزاً فكرياً عقائدياً يستطيع عبره أن يجسد ذاته, وإنما هو نظام يعمل على تسيير شؤون الناس, كل الناس بما تقتضيه المصلحة الجمعية. وكل من يستطيع أن يتكيف مع هذه الحقيقة يستطيع, بل ينبغي, أن يساهم في بناء تلك النظم أياً كان موقعه فيها، فهل تستطيع الحركات الإسلامية المعاصرة تفهم تلك الحقيقة ؟، هل يمكن لها أن تبلور الحرية الدينية الموجودة في النص الديني لتحولها لواقع يمكنها من التعاطي و الاندماج مع مجتمعاتها ؟  أو ستظل خارجة عن النسق ؟
© منبر الحرية ، 3 ماي /أيار 2010

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

يمثل  محاولات وصول  حركات الإسلام السياسي في العالم العربي  الوصول إلي السلطة عاملا مركزيا من عوامل تحريك عدم الاستقرار الهيكلي –والياته- بحكم وضعه الجيوبوليتيكي, فضلا عن وزنه الاقتصادي كمستودع للطاقة بالنسبة للعالم فضلا عن وزنه السياسي, علاوة على أنه يمثل تحديا سياسيا كبيرا  للنظم العربية . سواء في المشرق أو المغرب وهذه الحركات  الأخيرة المغاربية  تؤثر نسبيا على التفاعلات السياسية  في المشرق العربي , نظرا للارتباطات الإيديولوجية والسياسية , والتنظيمية لها مع حركة الإخوان المسلمين في مصر, والسودان, وبعض الجماعات الأخرى بالإضافة إلى  وجود علاقات مع نظام الأصولية الشيعية الحاكمة في إيران, وتحكمها في حزب الله اللبناني الذي يتبع لها عقديا وايدولوجيا وسياسيا ويتبنى بالكامل أجندتها. فضلا عن التغلغل الإيراني في العراق , وما الأزمة السياسية التي حدثت بين الجزائر وبين الصفوة السياسية الحاكمة في إيران بعيد منع جبهة الإنقاذ من تولي الحكم في الجزائر, وما قطع العلاقات بين المغرب وإيران مؤخرا نظرا للأنشطة الشيعية الدينية في المغرب الا دليلا على ذلك. وكان نجاح حركة حماس وقبلها جبهة الإنقاذ وإلى حد ما حزب الله اللبناني وحركة الإخوان المسلمين في مصر في الحصول على مقاعد نيابية عبر صناديق الاقتراح, تمثل حالات وصول الأصولية الإسلامية السنية إلى مفاصل الحكم عبر الآليات الديمقراطية –باستثناء حالة الجبهة القومية الإسلامية في السودان, التي تحالفت مع انقلاب عسكري, مما يعدها الأصوليون تجارب مرجعية يتم استلهماها  في المنطقة كلها , سواء في إدارة العملية السياسية مع الدولة أو في آليات إدارة العمليات الانتخابية. وقد يكون لازما عرض التباين بين نموذجين من تلك الحركات : إذا نظرنا إلى نماذج الإسلام السياسي الطرفي وهو النمط الذي برز منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي في السودان وتونس والجزائر, وهو نمط انتشر انطلاقا من مرجعية تاريخية تتمثل في حركة الإخوان  المسلمين في المركز (مصر ), وتميزت العلاقة بين إسلام المركز والأطراف , بالضمور الفكري وتآكلها الذاتي على مستوى بنية الأفكار السياسية , والإجتماعية في المركز, و ما بدا من حيوية وتمدد في الأطراف, ففي حين أن الكوادر القيادية في المركز تتسم بالشيخوخة – العمرية والسياسية –اتسمت عناصر في القيادة في الأطراف, بالتكوين الثقافي المتميز في مستوياته العليا, وبالتفاعل الخصب بين الجماعات والقيادات السياسية في الأطراف , ونقل الخبرات التنظيمية , وصياغة الخطاب السياسي الإسلامي الجديد. مع ملاحظة طبيعة التكوين العلمي والثقافي لهذا النمط من القيادات ( عباس مدني الذي كان يرأس جبهة الإنقاذ الجزائرية ثقافته ثلاثية المكونات انجلوفونوفرانكوفونوعربية، ودكتوراه في التربية من انجلترا). و(حسن الترابي الذي قاد انقلاب الإنقاذ في السودان، دكتوراه في القانون الدستوري حول الظروف الاستثنائية في النظامين الفرنسي والإنجليزي , ومعرفة بالشريعة الإسلامية على مستوى رفيع).
وتميز الإسلام الطرفي في إنتاجه الأيديولوجي بخطاب مختلف وحديث ,ونظام لغوي يختلف عن خطاب ولغة المركز التقليدية , التي تجاوزها خطاب الإسلام السياسي الراديكالي (الجهاد مثلا-)وكلاهما  يستخدم  المناورة من خلال بروز اتجاه يرى إمكانية تحقيق الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية –وفق مفاهيمهم-عبر صناديق الاقتراع , وبين اتجاهات ترفض الآلية الانتخابية لبناء الدولة الإسلامية , تحت شعار “إلى الدولة الإسلامية فورا”, و” الدولة الإسلامية فريضة ولا تحتاج إلى صندوق اقتراع”. .وانطلاقا من الإطار الجيوبولتيكي والإيديولوجي الذي تتحرك فيه حركات الإسلام السياسي الأصولي, سواء في المركز أو الأطراف يمكن رصد حركتهم السياسية في سبيل الوصول إلي السلطة على النحو التالي:
(1)    استفادة من بيئة  نمو الغضب الاجتماعي والسياسي في المدن, والتي تتمثل مكوناتها في البطالة –الشباب- وأزمة الإسكان .
(2)     محاولة الاستفادة من فجوة المصداقية السياسية التي تكرست من خلال عجز تلك النظم وأجهزتها, ومن ثم محاولة تجنيد هؤلاء الشباب وإعدادهم ايدولوجيا وتعبئتهم سياسيا ضد نظم الحكم في الجامعات والأحياء ومحاولة الانتشار داخل النظام الإقليمي  .
(3)    استغلال  وتوظيف الخطاب الديني الذي تسانده الدولة عبر وسائل الإعلام , والتعليم في البناء عليه , وتطويعه نحو خطاب تلك الحركات انطلاقا من أن سيادة وشيوع البيئة والرموز والأسانيد الدينية للخطاب الحديث يؤدي إلى إضعافه وقوة الخطاب الديني .
(4)    استغلال المساجد في التعبئة , والتنشئة الدينية العقدية, وتجنيد الكوادر. والاهتمام بوجود كادر  قيادي وسيط قادر على ملء الفراغ القيادي في حالة اعتقال القيادات العليا. مع محاولة الاستحواذ على النقابات المهنية عبر استغلال الحشد والتنظيم مع تقاعس الآخرين أو عدم حماستهم للإدلاء بأصواتهم .
(5)    محاولة إعداد قائمة الأعمال السياسية لتلك الحركات بمهارة ودقة , ومحاولة فرضها على الدولة والحكم , والقوى السياسية الأخرى , لتكون تلك الحركات هي المبادرة بالقائمة والفعل المواكب لها , وتكون القوى الأخرى , وعلى رأسها الحكم بمثابة رد فعل لمبادراتها وسلوكها السياسي , وهو الأمر الذي يؤدي إلى إرباك الخصوم السياسيين , وعدم قدرتهم على بلورة رؤية سياسية مخططة قادرة على المبادرة .
وتلك الحركات تثير إشكالية حيث أضحت المسألة الديمقراطية, وحقوق الإنسان أبرز بنود المطالبات المتعددة بالتغيير في عالمنا الذي يموج بالدعوات المختلفة للتعدديات مع ملاحظة أن الضغوط القادمة من النظام الدولي , وما دونه إلى قاعدته , تخفي وراءها مصالح متعارضة , ومتشابكة , وتجد دعاوى التعددية أيا كانت مصادرها مقاومات في البنيات الداخلية , هنا  التناقض الإشكالي بين التوق العارم في الحركة الاجتماعية , والسياسية للديمقراطية والتعددية كأسلوب حياة , واليات العمل المؤسسي واليومي , وبين طبيعة التكوين الفكري والخبراتي للفاعلين سياسيا , إذ أن هؤلاء يرفعون شعارات , وخطابات التعددية , والليبرالية , والاحتكام إلي صناديق الاقتراع, وفي ذات الوقت يقفون ضد هذه القيمة الأساسية إذا ما أدت نتائج الاقتراع إلى ظهور الخصم السياسي- الثقافي ظافرا. وفي ذات المستوى فإن بعض القوى اختارت الوصول إلى السلطة السياسية عبر آليات التعددية والاقتراع , وذلك لتنفيذ مشروع سياسي يناهض جذريا المشروع الليبرالي التعددي في قيمه, والياته ,.
© منبر الحرية، 26 مارس/آذار 2010

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

لا يمكن، نظريا على الأقل، اعتبار تصويت نسبة تفوق النصف من الناخبين السويسريين لفائدة قانون يمنع بناء مآذن المساجد بهذا البلد، بمثابة تحول كارثي  في تدبير الجانب الديني والثقافي في ملف مهاجري أوروبا، أو بخصوص العلاقة المرتبكة أصلا بين الغرب من جهة وإسلامه ومسلميه من جهة أخرى، أو حتى بما قد يحيل على إشكالية حضور الرموز المعتبرة دينية بالفضاء العام الغربي، تحديدا الأوروبي.
تعيش هذه الرموز معركة وجودها منذ زمن بعيد نسبيا، ليس على مستوى العالم الغربي فقط بل وعلى امتداد بعض بلدان العالم الإسلامي الذي يشكل مصدر الغالبية من مسلمي الغرب ¬¬)هل يجب التذكير هنا بالخطوات التي اتخذتها تونس و تركيا في اتجاه حظر الحجاب في المؤسسات العمومية؟(. أما علاقة الغرب بالإسلام فليس بالأصيل القول بأن طائرات الحادي عشر من شتنبر قد دمرت مع برجي مانهاتن الشجرة التي كانت تحجب تاريخا  طويلا من التوتر والتوجس.أما عن تدبير ما يسمى بالاندماج الثقافي والديني للمهاجرين فالأزمة واردة لا محالة في ظل اعتقاد غالبية المهاجرين الشرقيين بإمكانية الفصل بين رفاهية الغرب المعيشية و نموذجه الثقافي، واعتقاد غالبية الغربيين بإمكانية جلب سواعد المهاجرين دون ثقافتهم واعتقاداتهم.
مع ذلك فقد تشكل معركة المآذن بسويسرا بالنسبة للمهتمين بالإشكاليات المذكورة مجالا خصبا لإعادة تحيين تصوراتهم وآرائهم وفق مختلف سياقاتها وتداعياتها. ولعل أول ما يثير الاهتمام في المعركة المذكورة هو سياق حدوثها. لقد قدمت سويسرا عن نفسها خلال أطوار هذا المسلسل صورة بلد يخوض حربا بالوكالة، فلقد كان مستغربا أن لا تحدث معركة المآذن في بلد يعيش أزمة مركبة على مستوى تدبير الاختلاف الديني المعقد الناجم عن تاريخ طويل من استقبال و توطين المهاجرين كفرنسا أو هولندا مثلا.
لا زالت سويسرا جنة أوروبا و هي ليست بأي حال وجهة مفتوحة أو حتى ممكنة أمام المهاجرين القادمين من الجنوب. و سواء كانوا مسلمين أم غير ذلك فإن مهاجري سويسرا أبعد ما يكونوا عن الصورة التقليدية للمهاجر الإفريقي أو الآسيوي بأوروبا، فهم في جملتهم مؤهلون في جامعات ومعاهد أوروبا بما جعلهم يحملون في نهج سيرهم ما سمح لهم بالاستقرار في جنة أوروبا.
كل هذا يجعل من أي نقاش حول المشاكل المتولدة عن ظروف اندماج المهاجرين في مجتمعات الاستقبال، أمرا هامشيا بهذا البلد مقارنة ببؤر التوتر التقليدية في هذا المجال وفي مقدمتها كما ذكرنا فرنسا وهولندا. وفق هذا، ألا يمكن اعتبار حظر بناء المآذن بسويسرا بمثابة إجابة عن أسئلة غير مطروحة على الأقل في الوقت الراهن و في المستقبل القريب لسويسرا؟
النقطة الثانية التي قد يمكن استخلاصها من معركة المآذن بسويسرا تشكل، من وجهة نظرنا الجزء الصادم في هذه القضية. لقد استطاع حزب يميني متطرف أن يدفع بما يتجاوز نصف ناخبي بلد أوروبي باتجاه التصويت على قانون مثير للجدل بخصوص أقلية دينية بهذا البلد. لقد ولى إذن الزمن الذي كانت فيه أحزاب اليمين المتطرف مجرد أحزاب أقلية تفتقد لأي تأثير سياسي بالمجتمعات الغربية. على العكس من ذلك، فقد أبان الحزب المعني بسويسرا عن فعالية كبيرة في مجال تأطير الرأي والسلوك  السياسيين للناخب السويسري على هامش معركة المآذن. هذا الصعود المخيف لأحزاب اليمين المتطرف، ألا يدفع للتساؤل حول مستقبل ميراث فكر الأنوار بأوروبا؟
إضافة إلى الطابع الديني، السياسي والاجتماعي للنقاشات المصاحبة لهذه القضية ، فقد أثارت معركة المآذن بسويسرا إشكالية فلسفية عميقة تهم حدود الديمقراطية وتطبيقاتها. ذلك أن الممارسة الديمقراطية التي من البديهي أن تشكل صمام أمان حفظ وتثبيت حقوق الإنسان قد تم توظيفها لصالح تصفية أحد الحقوق الإنسانية الأساسية المتمثل في الحق في الاختلاف الديني والثقافي. لقد شكلت المنهجية الديمقراطية المتمثلة في طرح الأمر للاستفتاء حجة من كانوا وراء القانون المذكور ومن اعتقدوا بمشروعيته، لكنها قد تكون شكلت، و بشكل مفارق، نقطة الضعف الأساسية أيضا.
إن سويسرا أبعد ما تكون عن جمهوريات الموز التي تختزل فيها الديمقراطية في عملية التصويت.  أي أنه من البديهي أن تتعدى الممارسة الديمقراطية بها مجرد الذهاب إلى صناديق الاقتراع و الإدلاء بالأصوات لصالح أو ضد قانون معين إلى مجال صناعة الرأي العام والسلوك السياسي للمواطنين. هذا الأمر تلعب فيها التنظيمات السياسية دورا مهما من خلال أدوات التأثير المتمثلة أساسا في وسائل الإعلام.
في هذا السياق يكتسب التساؤل بخصوص تفاصيل ما حدث بسويسرا مشروعيته. أما الأسئلة الأكثر إلحاحا بهذا الخصوص فتتعلق بأدوات التأثير هذه. فإلى أي حد كانت وسائل الإعلام السويسرية موضوعية ومنصفة في التعاطي مع المسألة بما يمكن من صناعة الرأي العام بطريقة عادلة وموضوعية؟ إلى أي حد تم احترام مبدأ الرأي والرأي المخالف الذي يعد عصب الممارسة الديمقراطية؟ بصيغة أخرى، هل حصل أنصار هذا الموقف أو ذاك على نصيبهم العادل في التعبير عن موقفهم و الترويج له؟
أما إذا ابتعدنا عن التفاصيل المذكورة فسنجد في عمق معركة المآذن بأوروبا إحدى أهم الإشكالات التي تخص مجال تدبير الاختلاف الديني وحقوق الأقليات بالغرب، تلك التي تتعلق كما أسلفنا بحضور الرموز المعتبرة دينية بالفضاء العام الغربي، الأوروبي تحديدا. لكن المثير في الأمر هذه المرة هو خروج مجال النقاش واتخاذ القرار من هامش النخب الفكرية الواعية بالتعقيدات الكثيرة المحيطة بأمر كهذا إلى مجال عموم المجتمع.
إن  أمرا كهذا ليس من شأنه، من وجهة نظرنا، سوى تهديد أفق التعايش الديني والثقافي الذي يشكل الضمانة الأساسية لتدبير المجال العام الغربي في سياق البلقنة الدينية والثقافية المتولدة عن الهجرة. وتسويق هذه النقاشات من طرف أنصاف المختصين بطريقة تحريضية إلى عامة الناس لن يؤدي إلا إلى مزيد من تغذية مشاعر الحقد و الكراهية تجاه كل ما هو غريب ومختلف عن ما تنتجه مجتمعات الاستقبال . نختم في هذا الإطار بالتساؤل عن عدد الناخبين السويسريين الذين ذهبوا للتصويت وهم قادرون على التمييز بين المئذنة والبناء الكلي للمسجد. بصيغة أخرى ألم تكن أوراق ال”النعم” الكثيرة التي وضعها أزيد من نصف الناخبين السويسريين موجهة في حقيقة الأمر للمساجد التي تمت شيطنتها ومرتاديها في سياق الخوف و التخويف الذي يعيشه الغرب إزاء ما أسماه هنتغتون يوما ما بالمد الأخضر؟ أما المآذن فتلك حكاية أخرى…
© منبر الحرية، 05 يناير/كانون الثاني2010

peshwazarabic21 نوفمبر، 20101

يختزل تاريخ الرياضة علاقة من نوع خاص مع الدين. فمنذ البداية، كانت الألعاب الرياضية على تماس مباشر وحاد مع التفسيرات ذات الطبيعة الدينية الخالصة. فحسب رودلف براش، فإن الرياضة بدأت كطقوس دينية. ومنشأ ذلك بحسب براش: إن الإنسان كان يخاف من قوى الطبيعة التي تحيط به وتنال منه، الأمر الذي غرس في الإنسان البدائي نزعة إحراز النصر على الأعداء المرئيين وغير المرئيين للسيطرة على قوى الطبيعة، ولزيادة الخصوبة في المحاصيل والماشية؛ فقد كان الملعب والألعاب طريقة الشعوب البدائية لضمان وإحياء الزرع والضرع.
وعلى سبيل المثال، فإن ألعاب الكرة كانت تمثل لشعب المايا في أميركا الوسطى جزءاً هاماً من عقيدته الدينية، كما أن الأولمبياد هو نتاج علاقة خاصة بين الدين والرياضة، حيث كانت احتفالات الإغريق الدينية تأخذ طابعاً رياضياً تنافسياً، وكان الاحتفال أو المهرجان الأكثر شهرة، بحسب الدكتور أمين الخولي في كتابه “الرياضة والمجتمع”، هو المهرجان الأولمبي الذي كان يقام على سفح جبال أولمبيا في بلاد الإغريق لتمجيد ما أطلقوا عليه اسم “رب”.
ومثلما كان الدين دافعاً قوياً لازدهار الألعاب الرياضية، كان سبباً في تراجعها. فقد قرر الإمبراطور تيودور الأول فور اعتناقه المسيحية عام 394 منع الألعاب التي كانت معروفة لدى الإغريق، بحجة أنها تمثل احتفالات وثنية. وقد ظل يُنظر إلى الرياضة مسيحياً على أنها تتعارض مع القيم الروحية والإيمان الحقيقي، لأنها تغرق الجسد في الملذات والمادية.
لكن منذ القرن التاسع عشر، حصل تحول جوهري في نظرة الكنيسة للرياضة، ويعود الفضل في ذلك إلى بعض رجال الدين المسيحي الذين أدركوا أن الرياضة لا علاقة لها بما قد يرتكبه الإنسان من آثام، بل على العكس يمكن للرياضة أن تساعد في بناء شخصيته بطريقة أفضل.
وفي الواقع، كان هناك سبب آخر جعل الكنيسة تتحمس لدعم الأنشطة الرياضية، وهو، كما يذكر عالم الاجتماع جورج سيج، خدمة الرب. وهو ذات السبب الذي من أجله اهتم اليهود بالرياضة، إذ كانت الأنشطة الرياضية تقام في يوم السبت، الأمر الذي أصبغ عليها صبغة دينية، وجعلها تبدو وكأنها عملية إيمانية بحتة.
في المقابل، فإن نظرة الإسلام إلى الرياضة كانت مختلفة بعض الشيء، إذ لم يكن هناك أي تعارض بين التعاليم الإسلامية والرياضة، بل إن كثير من كبار العلماء في التاريخ الإسلامي لم يخفِ إعجابه ببعض الألعاب الرياضية كالفروسية والرمي والمبارزة، باعتبارها حاجة ضرورية لبناء جسم قوي، وبالتالي لبناء مجتمع قوي ودولة قوية.
لكن انحطاط المسلمين الحضاري غيّر الرؤية تجاه كثير من المسائل ومنها الرياضة التي يُنظر إليها على أنها تضييع للوقت في غير فائدة. ورغم أن هذا العصر يكاد يكون عصر الرياضة، فإن هناك أصوات دينية ما تزال ترى في الرياضة مؤامرة “يهوصليبية” لإلهاء المسلمين عن أمور دينهم وعن قضايا أمتهم، فمتابعة كأس العالم، بحسب الدكتور يحيى إسماعيل، وهو عالم دين أزهري، يعادل “تعاطي المسكرات المحرمة شرعاً لأنها تلهي عقول الأمة وتغيّبها وتعمي بصيرتها عما يراد بها ويستهدفها”، مؤكداً في جوابه على سؤال لموقع “إسلام اون لاين” حول حكم الشرع في اهتمام العالم الإسلامي بكأس العالم أن “الوقت لا يسمح بأي حال من الأحوال أن تركز على متابعة مباريات الكرة، بينما يدافع النساء والأطفال عن المسجد الأقصى”، بالإضافة إلى أن الظروف المحيطة بالأمة سواء في العراق أو أفغانستان أو كشمير ليست كما ينبغي.
ليس هناك أفضل من التيارات الأصولية في استغلال معاناة الناس العاديين والتحريض على الرياضة ومن يمارسها؛ فالمرتبات العالمية التي يحصل عليها اللاعبون هي “جنون وسفه”، فيما لا يتحدث أحد عن فساد كبار المسئولين واستيلائهم على مئات الملايين بغير حق.
لكن هذا الموقف المتشدد تجاه الرياضة يعبر عن ازدواجية مفرطة، فالحركات الإسلامية التي لا تتوانى في انتقاد الإنفاق على المسابقات الرياضية هي ذاتها من تحاول الاستفادة منها لفرض آرائها وتوجهاتها. وفي هذا الإطار يقال أن “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” الجزائرية استطاعت الفوز في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 26 كانون الأول/ ديسمبر 1991 بواسطة الرياضة، حيث كان يتم ترديد شعاراتها في الملاعب الرياضية.
كما أن حركة الإخوان المسلمين وهي تُعد أم الجماعات الإسلامية والتي تأسست في 1928، كان تولي الجانب الرياضي وخصوصاً الألعاب القتالية عناية خاصة، لإدراكها أن الرياضة هي إحدى البوابات الرئيسية لتحقيق أهدافها في الاستيلاء على الحكم.
ولسوء الحظ، فإن هذه الازدواجية تحقق لهذه التيارات الأصولية ما تصبو إليه، فهي من خلال اهتمامها بالرياضة غير الاحترافية (أي بالأندية الصغيرة على صعيد القرى والحواري) تحصل على الشعبية المطلوبة بأموال ليست كبيرة، فهي غير معنية بالمنافسة على الصعيد الدولي التي تتطلب صرف الكثير من الأموال، لأن الوطن بالنسبة لها لم يتحقق بعد على أرض الواقع، ذلك أن الوطن بحسب معتقداتهم لا بد أن يجمع تحت لوائه جميع المسلمين في دولة واحدة هي “دولة الخلافة”، على العكس من الأصولية المسيحية التي تجاوزت الكثير من آرائها المتشددة تجاه الرياضة لإظهار تفوق الديانة المسيحية في هذا المجال، فهذا يساعدها في حملاتها التبشيرية في دول العالم المختلفة، وخصوصاً في أفريقيا وآسيا.
وقد توصل بافو سبانين، في دراسته عن الأولمبياد من المنظور الديني المقارن خلال الفترة (1869- 1968)، إلى أن الأمم البروتستانتية تأتي في المرتبة الأولى لناحية الإنجازات الرياضية، يليها الأمم الكاثوليكية والأرثوذكسية، فيما حلت الأمم الإسلامية والكونفوشيوسية واليهود في ذيل القائمة.
هذا “التفوق المسيحي” – إن جاز القول – في المسابقات الدولية يزيد من فرص الجهات والهيئات ذات الطابع التبشيري في تحقيق أهدافها؛ فالانتصارات التي تحققها الفرق المسيحية يمكن اعتبارها    “حروب صليبية” ناجحة. في المقابل، تبرز أندية المساجد في الدول العربية والإسلامية بوصفها “خطوط الدفاع” الأخيرة ضد “الغزو المسيحي” الأجنبي، إذ دائماً ما تكون الندوات ذات الطابع الديني المتشدد من أهم الأنشطة التي يحرص على وجودها القائمين على هذا النوع من الأندية إلى جانب ألعاب كرة القدم وكرة الطائرة والألعاب القتالية على وجه الخصوص للتذكير بالعدو، وللتصدي لموجات ما يسمى “الغزو الثقافي”.
ختاماً، بات من الصعب تجاهل صعود الظاهرة الدينية المستمر منذ منتصف القرن الماضي، وهذا بلا شك يؤثر في طريقة تفكير الناس، ومنها الجماهير الرياضية التي تعرف ماذا يعني أن يقدم لاعب على أداء حركات وإشارات دينية. إنه ببساطة يريد أن يقول “إن هذه المواجهة الرياضية تتطلب دعماً إلهياً”، وهذا بالتأكيد ما تحرص الأصوليات المختلفة على إظهاره، لكن ذلك – لسوء الحظ – يجعل الرياضة في خطر دائم.
© منبر الحرية، 14 نوفمبر/تشرين الأول2009

peshwazarabic21 نوفمبر، 20101

ما من مرة استمعت أو شاهدت برنامجاً من برامج الفتاوى، المنتشرة على الفضائيات والإذاعات العربية، إلا واتصل أحد المستمعين أو المشاهدين وسأل سؤالا مفاده: هل المصافحة حلال أم حرام؟ وهل هذه المصافحة تجوز مع ارتداء قماش حاجب كالقفازات؟ وهل تنقض الوضوء أم لا تنقضه، ومن هم المحارم الذين تجوز مصافحتهم؟.. وما إلى ذلك من هواجس تقض مضاجع المسلمين، كان من بينهم من سأل أن ابنة عمة أمه في السبعين من العمر تقبّله أثناء السلام عليه، فهل يجوز ذلك؟؟
وغالبا ما يجيب المفتي بإجابة أصبحنا نحفظها عن ظهر قلب، وهي أن الأصل في الوجود هو الإباحة وأن الممنوعات هي قليلة، وفيما يتعلق بالمصافحة فقد أفتى الامام أبو حنيفة بكذا وكذا وأفتى الامام الشافعي بكذا وكذا وأفتى الامام مالك بكذا وكذا عليهم السلام جميعا، ثم ينهي كلامه في الأغلب الأعم بتحريم المصافحة وعدم جوازها طلباً للأمان والسلامة.
الأمر نفسه يتكرر مع الموسيقى والغناء، ويتكرر السؤال كل يوم: هل سماع الموسيقى ومشاهدة الاغاني حلال أم حرام؟ وهل الفن حلال أم حرام؟ فيفتي البعض بجواز الإنشاد بدون آلات موسيقية، وإذا كان لا بد للمنشد من الموسيقى فيُكتفى بالدفوف. ويفتي البعض الآخر بشرعية الغناء حتى مع وجود الآلات الموسيقية، كما هو الحال مع الشيخ يوسف القرضاوي الذي يقول إنه ينظر إلى الغناء نظرة جادة إذا كان الغناء جاداً وأن الأصل في الوجود هو الإباحة خصوصاً الطيبات، فإذا كان الغناء طيبا وكلماته طيبة فلا ضير في ذلك مع وجود الضوابط في الموضوع وطريقة الأداء.  كذلك تخبرنا سيرة الشيخ جلال الدين الحنفي إمام جامع الخلفاء ببغداد، والمعروف بتنوّره واعتداله، أنه كان محباً لتعلم اللغات والاستماع إلى الموسيقى، ويذكر الباحث رشيد الخيون كيف أن الشيخ الحنفي تعرض للنقد على اهتمامه بالموسيقى، والذي تعدى الاستماع إليها إلى التعلم على عزفها عندما انتمى في العام 1940 الى معهد في الموسكي بمصر لتعلم العزف على العود، ويورد نقلا عن صديقه الرشودي أن هذا الصنيع يدل على أن الشيخ يرى رأي أبي حامد الغزالي في حلية السماع ما دام لا يشغلك عن عبادة ربك ولا يدعو الى المجون أو الفجور وأن الغناء ما هو إلا محاكاة لعندلة البلابل وهديل الحمائم وزقزقة العصافير. كما يورد الكاتب رأياً مشابهاً لعالم دين معاصر من أائمة الشيعة، هو الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في أن الغناء، سواء رافقته آلات الطرب الموسيقي أم لا، مباح ما لم يستخف السامع الى حد يخرج به عن الكمال.
إن هذا الاعتدال، الذي يتسم به فقهاء متنورون يجعلون في الدين فسحة من التفاؤل والأمل والفرح وينأوْن به عن اليأس والتجهّم والعبوس، يجعلنا نتوقف باستغراب أمام مواقف أخرى في الطرف الآخر من هذه المعادلة حيث يقف الرأي المتشدد من الموسيقى، ذلك الذي حجب جائزة الإنشاد العالمية عن سامي يوسف لأن القائمين على الجائزة كانت لهم ملاحظات شرعية على فنه فيما يتعلق باستخدامه الموسيقى التي لا يوافق عليها الإسلام برأيهم. كما نتوقف باستغراب أمام مواقف أخرى متطرفة ومتشنجة بحق المرأة نجدها غريبة عن الإسلام، هذا الدين الثائر الذي جاء ليمنح المرأة حقوقاً ما كانت لتخطر على بال الرجال، وليقول إن النساء شقائق الرجال وإنهما خُلقا من نفس واحدة وإن للمرأة الأهلية للإرث والتملك والتصرف بأملاكها والتعليم واتخاذ القرار في شؤون حياتها من زواج وطلاق، بل إن الإسلام جعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة. لكن من الرجال من ظلوا ولا يزالون يقاومون هذا الوضع الجديد ويمارسون قمعهم لهذا الكائن الرقيق ويغالون باعتباره  فضيحة يجب التستر عليها وإخفاؤها عن الناس بأغرب الوسائل وأكثرها قسوة، كالبرقع أو النقاب الذي وصل الى وجوه النساء من الحجيج في التفاف واضح على الدين والسُّنة النبوية الشريفة وعلى الملابس المخصصة للإحرام أداء مراسم الحج.
هذا البرقع أو النقاب يستشري، الأسود منه خصوصاً، بشكل غير مسبوق على وجوه النساء العربيات من المحجبات وفي مناطق معروفة من الجزيرة والخليج العربي، ولا أدري كيف سمح أصحاب الفتاوى الشرعية والفقهاء بانتشاره وجعله جزءاً حلالاً ومكملاً للحجاب، وهو الذي يسيء إلى صورة الرجل المسلم قبل المرأة المسلمة، ويقدمه بصورة غير إنسانية باعتباره وحشاً كاسراً لا يفكر بغير رغباته الحيوانية، وهو غير مسيطر عليها إلى الدرجة التي تجعل المرأة تمشي في الشارع ووجودها الإنساني ملغًى تماماً لكي لا يغوي وجهها هذا الوحش الكاسر أو يفتنه. وهنا أيضا تتكرر الملاحظة حول رجال الفتاوى في تلك البرامج الدينية، من الذين تطفو رجولتهم على السطح فيفتون بأنه لا ضير من ارتداء البرقع ويشجعون النساء على ارتدائه، متجاهلين الحديث النبوي الشريف بإظهار الكف واليدين، ومتطاولين على عباد الله الذين هم أمانة في أعناقهم، وعلى صورة الإسلام والمسلمين التي يجب أن ينقيها هذا المفتي من الشوائب لا أن يسمح لتعصبه الشخصي على تشويهها تحت شعار الدين والتقوى. ولو دخلت على أي موقع إسلامي للفتاوى الدينية لدخت وشاب رأسك من آلاف الإحالات والمصادر التي ينحتها كل واحد منهم حسب عصبيته وفهمه ودرجة انفتاحه أو تشدده.
التشدد الآخر الذي بدأ يستشري في مجتمعاتنا هو ارتداء الحجاب من فتيات صغيرات لا زلن بعدُ في سن اللهو والطفولة، وأذكر في هذا الصدد أبنة جارتي التي رأيتها ذات يوم وهي تلهو وتلعب مع صويحباتها مرتدية فانيلة وسروالاً قصيراً(شورت) من الذي يرتديه الأطفال الصغار، وفي اليوم التالي وجدتها ترتدي (الإيشارب) على شعرها وقميصاً عريضا يستر جسمها النحيف الصغير. ولما سألتها عن السبب قالت إن أختها أخافتها من السفور وحدثتها بأنها ستُحرق بالنار إنْ لم تتحجب.
هنا يجب أن نعترف ونقول إن (حرب الملابس الفاضحة) التي تشنها بعض الفضائيات، والابتذال الإعلامي الذي تمارسه، مع سبق الاصرار والترصد، القنوات التي تتحدى التقاليد، هو سبب من الأسباب التي أدت إلى انتشار مثل هذه الظواهر والرؤى المتشددة، وهو أيضاً يجعلنا نتعاطف مع قوانين الرقابة التي بدأت الحكومات تلوّح بها بوجه من أساء استخدام الحريات، وبعضهم، مع الأسف، من المخرجين المرضى والنجمات الفنانات اللواتي يقضين حياتهن الفنية في خرق العادات والتقاليد ثم يقررن فجأة الاعتزال والحج وارتداء الحجاب.  ولكن أليست أجواء الحريم التي يوحي بها البرقع الأسود والعباءة السوداء هي أيضا من المظاهر الحسية التي تحيل إلى المخادع وامتلاك الرجل لهذه المراة كجسد للمتعة ليس إلا؟ وأليس ذلك المفهوم الحسي للمرأة المسلمة، هو ما ركز عليه المستشرقون في اختيارهم للموضوعات واللوحات المأخوذة من قصور السلاطين مدفوعين بعنصر الإثارة التي أصبحت تمثله كلمة الحريم؟
إننا مع الأسف لا زلنا نعيد ونكرر مادعا اليه قاسم أمين ورواد النهضة من الإصلاحيين قبل مئة عام من الآن، ولا زال  حالنا مثل سيارة (تعتعت)، مرة تتوقف ومرة تمشي إلى الامام ومرة ترجع إلى الخلف…. ففي مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي قال الزهاوي وهو الشاعر الجريء، صاحب (ثورة الجحيم) الخارجة عن المألوف:
اسفري يا ابنة فهر، فالحجا   بُ داء في الاجتماع وخيم
كل شيء إلى التجدد ماض    فلماذا يقـر هذا القديـم؟
ثم تراجع عن دعوته إلى السفور بسبب ثورة رجال الدين ضده وضد آرائه ممن أسماهم مجايله الشاعر الرصافي، الذي لا يقل جرأة عنه، ببوليس السماء. ثم انتهت الحرب العالمية الثانية فأحس الناس بجمال الحياة وانفتح العالم على ثورة في الأدب والفن والأزياء، وصلت إلينا في الستينيات فأصبح السفور مظهراً من مظاهر الرقي الاجتماعي، وأصبحت حفلات أم كلثوم التي نشاهدها الآن في أغاني زمان قادمة من زمان المستقبل وليس الماضي، إذ لا تجد في الحضور امرأة واحدة ترتدي الحجاب. وفي السبعينيات بلغ الانفتاح مدًى غير معقول ولا مقبول، مع ظهور الميني جيب والسراويل النسائية وقصّات الشعر الرجالية وملابسهم المتأثرة بالهيبيز والبيتلز وما إلى ذلك من صرعات. ثم عادت الأمور إلى التوازن في الثمانينيات، ومع بدء الحروب والاضطرابات في الوطن العربي، عادت ظاهرة الحجاب من جديد، فانتشرت مثل انتشار النار في الهشيم، وتفاقمت أشكالها فوق رؤوس النساء، حين أصبحت على شكل عمائم ولفّات غريبة عجيبة، وانتهت، كما أشرنا قبل قليل، الى رؤوس البنات الصغيرات ممن لا وعي لديهن ولا حيلة ويُربَّيْن منذ الصغر على كبح تلقائية الخلقة وإخفاء الضحكة والابتسامة والقوة والرأي الجريء، فهذه كلها فضائح يجب التستر عليها ووأدها منذ نعومة الأظافر.ان القول بانتقاد هذه المظاهر لا يأتي من اعتدال الدين الاسلامي وسماحته فحسب، وإنما من إحكام العقل والحس السليم الذي يقول إن حجاب العقل هو الذي يحول الرجال من وحوش كاسرة، إن كانوا كذلك، إلى بشر، وثقافة المرأة هي التي تحولها من حرمة الى إنسانة محترمة في المجتمع، وهي التي تصونها من الخطأ
.
© منبر الحرية، 19 سبتمبر/أيلول 2009

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018