peshwazarabic

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

تتفاوت قدرة الدول المنتجة للنفط على تحمّل الأعباء الناجمة عن الانخفاض في أسعاره والتي فقدت حوالي 60% من حدّها الأقصى الذي بلغته في تموز/ يوليو الماضي وهو 147 دولار، لكن الأكيد أن إيران هي الدولة الأكثر تضررا في المنطقة والأقل قدرة على امتصاص الصدمة. وقد لا تمس تداعيات انخفاض سعر برميل النفط على وضعها الاقتصادي فحسب، وإنما تمتد لتهدد استقرار نظامها السياسي والاجتماعي. ومن المتوقع في ظل هذه المعطيات أن تزيد العقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن من شدّة الأزمة في طهران وأن يتراجع نفوذها في المنطقة نتيجة شح الإمدادات المالية التي لطالما أغدقتها على محازبيها ومناصريها في البلدان العربية للمساهمة في خلق الفتن والانشقاقات لما فيه مصلحتها ومصلحة مشروعها الإقليمي.
70 إلى 90 دولار السعر المناسب لإيران
تعتبر إيران رابع أكبر مصدّر للنفط في العالم وثاني اكبر مصدّر لنفط في مجموعة “أوبك”، وتعتمد على العائدات النفطية بنسبة 80% من إجمالي دخلها القومي ويشكل النفط حوالي 83% من صادراتها. استطاعت طهران إثر ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات تاريخية قياسية أن تراكم عائدات تساوي حوالي 200 مليار دولار خلال الثلاث سنوات الماضية، علما أن نفس الرقم استلزمها قبل هذه الفترة حوالي 10 سنوات لمراكمته. ويشير تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي إلى أن إيران ستعاني من عجز في الحساب الجاري على المدى المتوسط إذا استمر سعر برميل النفط تحت معدّل الـ75 دولار وذلك بسبب القيود والعقوبات المفروضة عليها. فيما يرى اقتصاديون أن إيران بحاجة إلى أن يكون معدّل سعر برميل النفط بين 75 و90 دولار حتى تتمكن من موازنة حساباتها وتحقيق فائض.
تداعيات اقتصادية كبيرة
ومن شأن هذا الهبوط أن يحد بالتأكيد من الإنفاق الحكومي مما ينعكس سلبا على الوضع الاجتماعي المتردي أصلا منذ مجيء أحمدي نجاد إلى الحكم، على الرغم من وصول الإيرادات الحكومية في عهده إلى ثلاث أضعاف مثيلاتها في عهد خاتمي وذلك لصعود برميل النفط إلى حدود 147 دولار في الفترة السابقة.
وسيكون على حكومة أحمدي نجاد في هذه الحالة إما تخفيض الإنفاق وبالتالي ازدياد الوضع الاجتماعي سوءا وإما طبع المزيد من العملات وهو ما يعني تدنّي قيمة العملة الوطنية وارتفاع نسب التضخم المرتفعة أصلا والتي تعدّت الـ27%، وإما الاستدانة التي ستشكّل أعباءا إضافية حيث يتجاوز مجموع ديون إيران الـ 40 مليار دولار أي ضعف المعدّل الذي كانت عليه في عهد خاتمي علما أن سعر النفط تضاعف ثلاث مرّات خلال عهد نجاد.
تفاقم المشاكل الاجتماعية
ويبدو أن الأزمة آخذة في التحوّل من البعد الاقتصادي إلى البعد الاجتماعي. فهناك شرائح واسعة من الشعب الإيراني اليوم تعاني وتتذمر من سياسة أحمدي نجاد الذي كان وعدهم في العام 2005 بأن يضع عوائد النفط على موائد طعامهم ويقضي على البطالة ويحسّن من الوضع الاقتصادي للطبقات الفقيرة.
هذا مع العلم أن وزير العمل والشؤون الاجتماعية في إيران “محمد جهرمي” كان قد كشف سابقا أن الحكومة تواجه وضعاً صعباً بشأن تأمين المستلزمات المالية اللازمة نظراً لتداعيات الأزمة المالية العالمية وأثرها المباشر على اقتصاد البلاد، وأنه وبسبب هذه الأزمة فقد قررت الحكومة طرد 253 الف عامل من عملهم خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وان الوزارة بحاجة إلى مليارات الدولارات لتأمين الضمان الاجتماعي للعاطلين عن العمل، مع الإشارة إلى أن الحكومة ليست لديها أي ميزانية مالية تقدمها لهذه الوزارة في هذا المجال.
سخط سياسي على نهج نجاد
وعلى الصعيد السياسي نلاحظ اّن السخط من نهج الرئيس الايراني أحمدي نجاد كان قد سبق التذمر الاجتماعي، فقدّم عدد كبير من الوزراء استقالاتهم خلال السنة الماضية احتجاجا على هذه السياسية الفاشلة في إدارة البلاد واقتصادها. فحكومة أحمدي نجاد فشلت في ان تحتفظ بالمليارات التي جنتها خلال السنوات الماضية ولم يبق منها الاّ النذر اليسير الذي لا يكفي حتى لتغطية احتياجات إيران من الوقود المستورد لفترة قصيرة.
ولا شكّ أن السخط السياسي والاجتماعي قد ينعكس على ترشّح أحمدي نجاد في الفترة القادمة من العام الجديد، حيث من المتوقع أن يعطي الوضع السيء هذا، إذا ما استمر، دفعة للإصلاحيين خاصّة أنهم يركّزون على الوضع الاقتصادي حاليا الذي يعتبر من نقاط الضعف البيّنة لسياسة نجاد.
الانخفاض الكبير لمدخرات الصندوق الاحتياطي
وتشير بعض المصادر إلى أن صندوق الاحتياطي الإيراني لا يحتوي حاليا إلا على ما يتراوح بين 7 و 9 مليار دولار، لكنّ المصادر الرسمية لمّحت إلى وجود ما بين 20 إلى 25 مليار دولار في الصندوق، وهو ما دفع بعض الجهات إلى المطالبة بفتح تحقيق وتوجيه تهم إلى حكومة الرئيس نجاد لمساءلته عن إنفاق الحكومة 100 مليار دولار من رصيد الصندوق دون وجهة معلومة.
فساد حكومي ودعم لأذرع إيران الإقليمية
ولا يقف الأمر عند حدود الفساد وإنفاق حكومة نجاد أكثر من 75% من الموازنة الحكومية على شركات حكومية كبرى مفلسة تقدّم خدمات رديئة جدا للمواطنين (بحسب صحيفة نوروز الإيرانية)، إذ تشير مصادر أخرى إلى أن حكومة نجاد أنفقت مبالغ كبيرة من احتاطياتها على دعم وتعزيز مواقع أذرعها الإقليمية ومناصريها المنتشرين لاسيما في العالم العربي والذين يشكّلون رأس حربة لها في مشروعها الإقليمي ويعدّون خط الدفاع الأول عنها وعن خططها في المنطقة.
وتشير التقديرات إلى أن الدعم الإيراني لحزب الله اللبناني على سبيل المثال فقط يقارب الـ 1.2 مليار دولار سنويا، ولا شكّ أن هذا الدعم لسائر أذرع إيران سيتأثر بانخفاض عائدات النفط الإيرانية والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد وهو ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى انكماش أدوات إيران الإقليمية من أحزاب وميليشيات وهيئات وأفراد، حيث سينصب التركيز على معالجة الوضع الداخلي. ومن المؤكّد أن المشاريع الكبرى الداخلية سينالها جزء من الآثار السلبية حيث من المتوقع أن يطال الانكماش في الإنفاق مشروع البرنامج النووي الإيراني.
سقوط عنصر الردع الإيراني
على الصعيد الخارجي، فان من شان انخفاض سعر برميل النفط أن يعطي دفعا للقوى التي تريد توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووي الإيرانية، على اعتبار أن إيران فقدت عامل الردع المتمثّل بالأسعار المرتفعة التي كانت تحميها من أي هجوم كما قال بذلك صراحة اللواء محمد علي جعفري قائد قوات حرس الثورة الإيرانية في حزيران الماضي من أن “السعر المرتفع للنفط يشكّل عامل ردع في وجه الأعداء ويحمي البلاد”. أمّا اليوم، فتتعالى الأصوات في مطالبات شبه يومية بتخفيض الإنتاج في “اوبك” ورفع الأسعار.
ويبدو أن التخبّط الذي شهدته أسعار النفط العالمية خلال الفترة الأخيرة، وتهاويها إلى مستويات دنيا قد يقلب الطاولة ومعها الحسابات الإيرانية رأسا على عقب، فالنفط مازال يهوي ويهدد معه بجر إيران إلى الهاوية إذا ما استمر الأمر على ذلك.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

ردا على السفير البلجيكي كاريل دي جاشت الذي انتقد “الإمتيازات الكبيرة” التي يتمتع بها رجال السياسة الكونغوليين، ثارت ثائرة الرئيس الكونغولي جوزيف كابيل فاتهم بلجيكا بمحاولة التدخل في الشؤون الداخلية لبلاده والبحث عن وضعها تحت الوصاية.

نحن لسنا بصدد تبرير أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية الكنغولية، إنما تجدر بنا الإشارة إلى أنه كلما وجه أحدهم انتقادا لأحد القادة الأفارقة سارع هؤلاء باتهامه بمحاولة انتهاك سيادة بلادهم. فمؤخرا، وعندما اشتدت عليه الضغوطات الخارجية بعد التلاعب بالانتخابات، أعلن الريس موغابي و بدون تردد “أن الزيمبابوي ليست للبيع”. كأن احترام نتائج الانتخابات الديمقراطية يشكل تهديدا لسيادة بلاده! فهؤلاء القادة اليوم، وأسلافهم من قبلهم، نصبوا أنفسهم كحامين للسيادة الوطنية، ثم استغلوا ذريعة الحفاظ على السيادة، لتبرير سياسات تنموية غير فعالة من جهة و جمود اقتصادي من جهة أخرى.

لا يمكن الاعتراض على أهمية سيادة الدول الإفريقية على أراضيها، ولاسيما سيادتها على ثرواتها الطبيعية من أجل تحقيق الازدهار الاقتصادي. ولكن تدخل الدولة لتوجيه الاقتصاد من أجل حماية هذه السيادة غالبا ما يفرز نتاـْج عكسية و سلبية كما أنه يكرس تبعية الدول الإفريقية اقتصاديا للخارج.

بعيد حصولهم على الاستقلال، قام العديد من صناع القرار في الدول الإفريقية (الجزائر، الكونغو(زائير سابقا)) بوضع إستراتيجية تنمية اقتصادية مركزية مبنية على عدم التبعية، وذلك عبر استبدال المنتجات المستوردة بالمنتجات المحلية، و فرض التعريفات الجمركية و غير الجمركية للحد من منافسة السلع الأجنبية و تأميم الشركات و تكريس احتكارات الدولة. لكن و للأسف، فقد فشل هذا الخيار الاستراتيجي على جميع الأصعدة. فعدم قدرة الاقتصاد على خلق الثروات من جهة، و قدم المعدات الصناعية الإفريقية من جهة أخرى يشهدان على فشل هذه الإستراتيجية التي جعلت اقتصاد الدول الإفريقية يزداد اعتمادا على السلع المستوردة. فاستبدال المنتجات المستوردة بالصناعة المحلية باء بفشل ذريع إذ أنه أدى إلى ارتفاع مهول في فواتير الاستيراد و زيادة العجز في الميزان التجاري وارتفاع الدين العام. فعلى الرغم من أن إفريقيا تضم قرابة % 14 من سكان العالم فإنها لا تغطي سوى 2.9% من الصادرات العالمية. كما أن سياسة التأميم واحتكار الدولة أدت إلى سوء الإدارة و التبذير و زيادة الدين العام.

من المعروف أن العنصر الأساسي للسيادة الاقتصادية للدولة يكمن في الحرية و القدرة على الاختيار. لذا فإن اعتماد مفهوم السيادة المطلقة قد أعطى لكثير من الدول الإفريقية الوهم بالحرية، لكنه، وفي نفس الوقت، عرض للخطر قدرتهم على التطور نحو الحكم الذاتي. لأن هذا المفهوم المطلق للسيادة لم يفشل فقط عمليا إنما استعمل أيضا كذريعة لتعطيل الإصلاحات.

لذا و لغاية سنة 1994، رفضت الجزائر السياسات الداعية إلى التغيير و ذلك بحجة الحفاظ علي “سيادتها”. فحتى لو كانت توصيات البنك الدولي و صندوق النقد الدولي قابلة للنقاش، لا شيء يمنع أصحاب القرار في الجزائر، مثلا، من المباشرة بإصلاحات هيكلية كانت تفرض نفسها. و في زمبابوي و الكونغو، كما في الجزائر، لم يكتف القادة بوضع البلاد في حالة جمود اقتصادي باسم السيادة، بل سخروا هذه السيادة لخدمة مصالحهم الشخصية. خير مثال على هذا، هي سياسة الرئيس الزييري موبوتو سنة 1974 التي هدفت إلى إعادة أملاك المقيمين في الخارج إلى أرض الوطن. فتحت غطاء سياسة “إنماء قومية”، انتقلت هذه الأملاك إلى أعضاء الحكومة و حلفائهم. وبينما كان القادة الأفارقة يتهمون الغرب بانتهاك سيادة بلادهم، لم يتوانوا عن سرقة أموال المساعدات الأجنبية لصرفها على حاشيتهم. فمعادلة السيادة مقابل الثروات المالية هي من أهم أسباب عدم النمو و الجمود المؤسساتي الذي تعيشه الكثير من الدول الإفريقية.

فالمشكلة لا تكمن في الحق بالحفاظ على السيادة إنما تكمن في الوسائل التي تجعل الحصول على السيادة ممكنا. فالاندماج الاقتصادي لا يؤدي بالضرورة إلى فقدان الاستقلال. بل على العكس، لأن الانفتاح الاقتصادي هو السبيل الوحيد لكي تحصل الدول الإفريقية على القوة الاقتصادية اللازمة، والتي ستسمح لها باتخاذ قراراتها بدون أي ضغوط خارجية. فالصين لم تخسر سيادتها،عندما اختارت الانفتاح الاقتصادي، بل على العكس، و بفضل حرية الاستثمار وحرية التبادل و تفعيل المنافسة، استطاعت الصين الحصول على رؤوس الأموال و التكنولوجيا اللازمين لكل تحرر اقتصادي. لذا فإن الدول الإفريقية ستكون رابحة لا محالة إذا اتبعت هذا النهج. فإذا كان المبتغى هو التمتع بالحكم الذاتي والوصول إلى السيادة الحقيقية فيجب علينا أن نتعلم أولا كيف نصل إلى مرحلة الفعالية. مرحلة لا يمكن إدراكها إلا داخل إطار يشجع على التبادل و الانفتاح. لأن البلدان والاقتصاديات المغلقة و “المحمية” تفتقر إلى الحوافز و المسؤولية الضروريين لتحسين الأداء الاقتصادي.  فعلى نقيض الأيديولوجيات السيادية التي يروج لها بعض رجال السياسة الأفارقة، تشكل الإصلاحات الانفتاحية، المتمثلة في حرية الاستثمار و الإنتاج و الاستهلاك و حرية التبادل، البوابة إلى الخروج من التبعية الاقتصادية نحو الاستقلال الذاتي و السيادة الحقيقية.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2008.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

ليس هناك نقص في الآراء عندما يتعلق الأمر بموضوع الحرب في العراق. لقد أشعل الوجود الأمريكي الذي طال أمده هناك نقاشا وطنيا ساخنا. فإلى جانب الاهتمامات الاقتصادية الملحة، إن حرب العراق هي أبرز وأهم جانب في حملة الانتخابات الرئاسية، بانقسام أوباما وماكين فكريا بشأن السياسات المقترحة، الذي يعكس موقف غالبية الأمة. ومع ذلك، يتفق الأكثرية على أن التكلفة تتكاثر بسرعة إلى مستوى لا يمكن السيطرة عليه. ويستحق الأمر تقييما جديدا لمعرفة مصير هذا الاستثمار. اليوم، بلغت تكلفة الورطة في العراق أكثر من نصف تريليون دولار، مع قليل، أو دون، عائدات لهذا الاستثمار.

لم تسفر هذه الحملة العسكرية الشاملة عن النتائج المرجوة لإدارة بوش. لقد كانت الفرضية الرئيسية للغزو هي إضفاء الطابع الديمقراطي على العراق الأمر الذي من شأنه في نهاية المطاف أن يسود العالم العربي. وبعد مضي خمس سنوات، لا يوجد أي أثر للديمقراطية الحقيقية سواء في العراق أو في أي مكان آخر في المنطقة. إن العراق الآن منقسم عرقياً ويقترب من حالة عدم الشرعية الخطيرة ويغامر بالخوض في حرب أهلية أكثر من أي وقت مع وجود الولايات المتحدة في وسط كل ذلك.

تقوم الإدارة الأمريكية الآن على تعزيز نهج جديد: الصبر. فهي تعتقد أنه لا مناص من حدوث تغييرات في نهاية المطاف في العراق. ربما ليس بنفس السرعة أو السلاسة التي نتأمل، ولكنها ستحدث. هذا افتراض زائف. وكما أظهرت السنوات الخمس الأخيرة، فإن من المرجح أن يفشل التغيير القسري الذي يعتمد على القوة الصارمة. بل على العكس، فإن وجود القوات الأمريكية قد ساعد على تنشيط وتنظيم المقاومة ضد الولايات المتحدة. أمريكا الآن في قتال ضد عدو محيّر، بعيد المنال وغير محدد. ولا يحتاج المرء سوى البحث في المجموعات التي شكلت حديثا والتي نشأت بعد غزو العراق والتي تهدف إلى محاربة الاحتلال الأمريكي.

يجب أن تَحدث التغييرات في العراق بطريقة طبيعية ومن الداخل. والإسراع في العملية وصفة خطيرة. ستتولى إدارة جديدة الحكم في واشنطن في كانون الثاني المقبل. وبغض النظر عن الرئيس المنتخب، فإنها فرصة لعرض وإدخال مفهوم القوة الليّنة في سياق السياسة الخارجية إلى العراق وحول العالم. إن الإبقاء على الوضع الراهن هو مثل إنفاق المال على مشروع فاشل.

القوة اللينة، التي تمت مناقشتها بشكل مستفيض من قبل البروفيسور جوزيف ناي من جامعة هارفارد، هي طريقة فعالة للتمييز بين الآثار الخفية للثقافة والقيم والأفكار وبين الإجراءات الأكثر قسرية مثل العمل العسكري. تاريخيا، لم تكن القوة اللينة للولايات المتحدة في أي مكان في الشرق الأوسط أكثر فعالية منها في لبنان.

لقد جرى تقاسم القيم والتقاليد الأمريكية تدريجيا وبشكل مستمر لما يقرب من قرن ونصف من خلال الجامعة الأمريكية في بيروت (AUB). لقد استفاد لبنان على وجه الخصوص، والمنطقة ككل، من وجود الجامعة الأمريكية في بيروت.

لقد أصبحت الجامعة الأمريكية في بيروت—والتي تأسست في عام 1866 من قبل المبشرين كجامعة خاصة غير طائفية للعلوم الحرة—منارة للتغيير في لبنان وأماكن أخرى في الشرق الأوسط. لقد كان، ولا يزال، الالتزام بالتفكير النقدي وبالتعليم المتكامل للعلوم الحرة جزءا لا يتجزأ من مهمتها. إن الدعم الأمريكي المتواضع للجامعة الأمريكية في بيروت ببضعة ملايين من الدولارات كل سنة (سريا أو علنيا) قد ساعد في تشكيل قادة ورياديي المنطقة وأسفر عن عائدات لا حد لها.

لقد كان الاهتمام الأمريكي في الجامعة الأمريكية في بيروت قويا دائما. وأصبحت الجامعة، والتي كانت تدار من قبل قيادة أمريكية بشكل مستمر، السفير الثقافي للولايات المتحدة. لقد استفادت المنطقة بمجملها من إنشاء الجامعة الأمريكية في بيروت. في هذا الصيف، سيصبح بيتر دورمان (Peter Dorman) من جامعة شيكاغو الرئيس الخامس عشر لهذه المؤسسة. إن تولي الدكتور دورمان منصبا في الجامعة الأمريكية في بيروت هو أمر شخصي مبني على تقاليد أسرية؛ فهو الحفيد الأكبر لإبن دانييل بلس، مؤسس الجامعة الأمريكية في بيروت.

وهناك حاجة لدعم المؤسسات الشبيهة بالجامعة الأمريكية في بيروت. إنها الطريقة الأكثر فعالية لإحداث التغيير من الداخل بالتزامن مع خلق النية الحسنة. وهذا هو جزء من تكلفة حرب العراق التي تبلغ 5.000 دولار في الثانية! ويمكن للمرء أن يتصور الفائدة إذا ما تم دعم مؤسسات مماثلة في جميع أنحاء العالم. كان من الممكن أن يشكل ذلك مساعدات خارجية هائلة.

سيستمر العراق في استنزاف الكثير من الموارد اللازمة التي يمكن أن تنفق بحكمة وفعالية في الداخل والخارج. إن الحرب في العراق ليست تجربة خاطئة فحسب، بل لقد أثبتت أن لها أيضا أثرا سلبيا على صورة الولايات المتحدة. وتؤكد استطلاعات الرأي العالمية تدني موقف الولايات المتحدة الذي تحتله الآن على الصعيد العالمي.

إن الاعتراف بفشل الولايات المتحدة في العراق هو خطوة في الاتجاه الصحيح. ويجري حاليا نقاش ما سيتم فعله في المستقبل. وآمل أن تكون القوة اللينة على القائمة. حيث لا يمكننا تحمل حرب عراقية أخرى.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 2 تموز 2008.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

قامت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بإرسال إشارة للدلالة على أنهما يريدان من حكومتيهما، وكذلك من الاتحاد الأوروبي، اتباع سياسة اكثر نشاطا في الشرق الأوسط. وبشكل لا يماثل سلفيهما جيرهارد شرودر وجاك شيراك، فهما يصران على العمل مع واشنطن عند التعامل مع التحديات في منطقة شرق البحر المتوسط، بما في ذلك النزاع الفلسطيني الإسرائيلي والخليج العربي، وأنهما يؤكدان على التزامهما بأمن إسرائيل.

وفي وقت قريب سوف تتاح الفرصة أمام ميركل وساركوزي وزملاءهما في الاتحاد الأوروبي لكي يجيدا العمل بدلا من إجادة التحدث بالكلام حول الشرق الأوسط. كما سيشكل انتخاب رئيس أمريكي جديد فرصة للبدء في رسم خطوط رئيسية لاستراتيجية ما بعد حرب العراق.

وبدلا من “اللا استراتيجية عبر الأطلسي” المتبعة من قبل الرئيس الأمريكي جورج دبليو. بوش وآيديولوجياته الفكرية النابعة من المحافظين الجدد والتي تستند إلى مفهوم أن يكون الأمريكيون هم الذين يتولون قيادة عربة الشرق الأوسط، بينما يقومون بمطالبة الألمان والفرنسيين والبريطانيين بتغيير زيت تلك العربة وبفحص دواليبها، فسوف يكون شاغل البيت الأبيض الجديد بحاجة إلى دعوة الأوروبيين للبدء فعلا للمشاركة في توجيه سياسة أوروبية أمريكية في الشرق الأوسط.

ومن جانبهم، سيكون على الأوروبيين أن يقوموا بالاعتراف بأن المرء عندما يفوز بالمزيد من السيطرة على سياسة معينة، فإنه أيضا سوف يكون بحاجة إلى تقاسم المزيد من المسؤوليات في مجال تنفيذها. وضمن هذا السياق الخاص بالشرق الأوسط، سوف لن يكون الاتحاد الأوروبي قادرا على مواصلة “الركوب المجاني” بالتكسب على ظهر السياسة الأمريكية في المنطقة: أي الانتفاع من الدور الأمريكي السياسي–العسكري هناك، بينما ينأون بأنفسهم عن نواحي السياسة الأمريكية التي تسير بشكل معاكس لمصالحهم.

وحتى ميركل وساركوزي، بالرغم من كلامهما المنمق حول التعاون مع واشنطن في الشرق الأوسط، فإنهما قد اخفقا في تبني سياسة مترابطة والتي تتطلب أيضا القيام باستثمار أوروبي، يتم قياسه بالمال وحتى بالمعايير العسكرية، بالنسبة لإدارة العراق أو حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي الحقيقة، فإن الزعيمين، من خلال رفضهما عضوية تركيا ذات السمة والثقافة الغربية للدخول في الاتحاد الأوروبي، فقد قاما بإضعاف النفوذ الأوروبي-الأمريكي في الشرق الأوسط.

وبتجنيب المشاكل المعقدة في الخليج العربي، بما في ذلك العراق وإيران، التي يتوجب أن تحتل مكانا مركزيا في أية استراتيجية يتم إعادة تنشيطها في الشرق الأوسط، فإن ميركل وساركوزي يمكنهما أن يحاولا السعي إلى استهلال دبلوماسي خلاق في منطقة شرق البحر المتوسط وذلك، على وجه اكثر خصوصية، بفعل إعادة إحياء “عملية السلام” المحتضرة في الأراضي المقدسة من خلال الإعلان عن استعدادهما برعاية مفاوضات بين إسرائيل ودولة فلسطينية مستقلة قد تؤدي إلى ارتقاء تدريجي لإسرائيل وفلسطين لدخول الاتحاد الأوروبي.

وبينما ينظر كل من الإسرائيليين والفلسطينيين إلى واشنطن باعتبارها مركزا بالنسبة لأي حل للنزاع بينهما، فقد بقي الاتحاد الأوروبي مهمشا في هذه العملية. فالاتحاد الأوروبي يُعتبر المانح الأكبر للمساعدات بالنسبة للسلطة الفلسطينية والشريك التجاري الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل. ومع ذلك، فقد اخفق في ترجمة ذلك النفوذ الاقتصادي إلى تأثير دبلوماسي.

إن إرسال إشارة إلى الإسرائيليين والفلسطينيين، بحيث تدل على أن الحل السلمي للنزاع بينهما قد يكون بمثابة بطاقة للدخول في الاتحاد الأوروبي، سوف يكون اكثر من مجرد إغرائهما بالمكافئات الاقتصادية. وان الاشتراط على إسرائيل بالموافقة على الانسحاب من الأراضي المحتلة وبتفكيك المستوطنات اليهودية الموجودة هناك لكي يتم دخولها في الاتحاد الأوروبي سوف يعمل على تقوية أيدي أولئك الإسرائيليين الذين يتصورن بان تكون دولتهم ليست عبارة عن غيتو (حي يهودي) مجهز عسكريا بل هي مجتمع ليبرالي غربي السمة والثقافة.

وبنفس الوقت، سوف يكون الشعب الفلسطيني مجبرا على الاختيار بين الأجندة المتطرفة التي تروج لها حركة حماس وبين برنامج مجهز للإصلاح والذي تتم متابعته من قبل قيادة فلسطينية جديدة تعمل مع الاتحاد الأوروبي كجزء من المفاوضات حول ذلك الارتقاء. وسوف يقوم ذلك البرنامج بإعادة بناء الاقتصاد في الضفة الغربية وغزة من خلال الاستثمار وخلق شراكات تجارية فلسطينية–إسرائيلية–أوروبية. ووفق نفس الطريق التي عمل بها تأسيس منظمة النافتا (إتفاقية التجارة الحرة لشمال أمريكا) على الضغط لإجراء الإصلاحات في المكسيك، فان نشوء وتطور التجارة والروابط المؤسسية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وفي النهاية مع الأردن وسوريا ولبنان، قد يضع الأساسات بالنسبة للتحرك نحو السلام والتغير الاقتصادي والسياسي لكامل منطقة شرق البحر المتوسط، وهو إقليم له روابط تاريخية وجغرافية وديموغرافية وثيقة مع أوروبا.

قد يقوم النقاد بوصف مثل ذلك العرض الخاص بإدخال إسرائيل وفلسطين إلى الاتحاد الأوروبي على انه عبارة عن مجازفة دبلوماسية، وأنه لا يوجد هناك مجال للشك بان ذلك الهدف سوف يستغرق الكثير من السنوات لكي يتم تحقيقه. ولكن، بفعل تبني مثل تلك الاستراتيجية المتمثلة بالمشاركة البناءة طويلة الأجل في الشرق الأوسط، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يحاول، من خلال استخدام المصادر الدبلوماسية والاقتصادية، تحقيق ذلك النوع من الأهداف بدلا من الطريقة الأمريكية في استخدام القوة العسكرية.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 8 نيسان 2008.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20101

ما مقدار التأثير الذي يطرأ على الاقتصاد الأمريكي بفعل السياسات التي يقررها رؤساء الولايات المتحدة؟ المرشحون لتولي الرئاسة الأمريكية هم قيد المباشرة بوضع سياساتهم الاقتصادية المفترضة، ويقول كل مرشح أو مرشحة للرئاسة بأن سياسته أو سياستها سوف تؤدي إلى ازدهار أكبر وإلى مزيد من الوظائف. والحقيقة هو أن لدى الرئيس في أمريكا صلاحيات محدودة فقط للتأثير على مجريات الأحداث، إلا أنه ما زال بإمكانه صنع فرق حقيقي. فكل زيادة في النمو الاقتصادي ستكون عرضة للتأثر بمعدلات الضريبة وبالإنفاق الحكومي وبالسياسات التنظيمية والتجارية، والتي تتطلب كلها القيام بعمل مشترك من قبل الكونغرس والرئيس معا. كما أن الفروع الحكومية كلها ستكون مقيدة بشكل كبير في حال عدم وجود بعض التعاون من قبل الفروع الأخرى، بما في ذلك المحاكم.
بإمكان القرارات التي تصدرها المحاكم أن تؤثر بشكل كبير على قدرة الشركات التجارية في العمل بشكل سليم وفي خلق وظائف جديدة. وهناك متغيرات غير قابلة للتحكم والتي تكون خارج سيطرة كافة الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الرئيس كالطقس والزلازل والحروب والسياسات الاقتصادية التي تقررها دول أخرى. هذه المتغيرات تستطيع أن تؤثر بدرجة كبيرة على نمو الاقتصاد الأمريكي. كما أن كل الرؤساء الأمريكيين الذين يتولون مناصبهم الجديدة يرثون عن أسلافهم (الرؤساء السابقين لهم) الضرائب التي قام هؤلاء الأسلاف بفرضها وكذلك الإنفاق الحكومي والسياسات التجارية والتنظيمية، وسوف يكون الرؤساء الجدد بحاجة إلى سنة واحدة فأكثر لكي يقوموا بتطبيق سياساتهم. وعليه، سيقدم الجدول التالي لقطة سريعة بالتركات الاقتصادية لرؤساء أمريكيين من خلال عرض أداء الاقتصاد خلال السنة التي غادرت فيها إدارة كل رئيس منهم.
عندما تولى الرئيس كارتر منصبة بتسلمه رئاسة الولايات المتحدة من الرئيس فورد، كان الاقتصاد الأمريكي ينمو بسرعة بعد ركود حاد، إلا أن التضخم كان مرتفعا جدا. بعد ذلك، قام الرئيس كارتر بتعيين جيه. وليم ميللر كرئيس للبنك الاحتياطي الفيدرالي، والذي استطاع أن يقدم لنا في العام 1979 تضخما قياسيا (بنسبة بلغت 13.3 في المائة)! وكان الفريق الاقتصادي للرئيس كارتر قد أخفق في هذا المجال بحيث كان يغير سياساته كل بضعة اشهر، والذي نجم عنه حدوث كساد في العام 1980، وإعداد المرحلة الخاصة بالكساد الكبير الذي حدث في العام 1982، عندما قام بول فولكر، رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي الجديد (الذي عينه الرئيس كارتر عند نهاية مدته تقريبا)، بالتنزيل التدريجي للنمو النقدي بغرض انتزاع التضخم من الاقتصاد.
أما الرئيس ريغان فقد قام بعد أن تولى منصبه بدعم السياسات النقدية “الصارمة” التي وضعها فولكر وأوصى بالقيام بتخفيضات كبيرة في الضريبة بغرض الوصول إلى تحريك للأنشطة الاقتصادية. وكان الكونغرس الذي كان تحت سيطرة الديمقراطيين قد أخفق في الموافقة على الكثير من الخفض الذي قام به الرئيس ريغان في معدل نمو الإنفاق المقترح، إلا أنه قام بالفعل بدعم الزيادة في إنفاقه العسكري بما يقارب نسبة 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وبمجرد وضع خفض الضرائب التي طلبها الرئيس ريغان موضع التنفيذ، انطلق الاقتصاد بحيث أدى إلى معدل نمو اقتصادي مذهل بلغ نسبة 7.2 في المائة في العام 1984. وقد تم توجيه الانتقاد إلى الرئيس ريغان بشأن الزيادات في العجز التي حدثت في السنوات القليلة الأولى من فترة رئاسته، لكن حقيقة الأمر تكمن في كون هذه الأمة تقوم دائما باستخدام التمويل من القروض بغرض شن الحروب. ولم تكن الحرب الباردة استثناء من ذلك.
وقام الرئيس بوش الأول بنسف الكثير من تركة الرئيس ريغان التي تم تسليمها له بفعل إخفاقه في الوفاء بوعد “التجميد المرن” الذي قدمه في حملته الانتخابية والمتعلق بالإنفاق وبـ”لا ضرائب جديدة”. كما قام آلن غرينسبان، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، بارتكاب خطأ أيضا اقترن مع أخطاء السياسة الاقتصادية التي اتبعها بوش، مما أدى إلى حدوث كساد غير حاد في العام 1990.
أما الرئيس كلينتون فقد استفاد من الأخطاء الاقتصادية التي ارتكبها بوش، حتى وإن كان الاقتصاد في حالة نمو منذ سنتين قبل الانتخابات الرئاسية. قام كلينتون بزيادة الضرائب حتى وإن قدم وعدا بأنه لن يقوم بذلك، ثم قام بعد ذلك بعكس وجهة السير بمجرد أن تولى الجمهوريون أمور الكونغرس من خلال التوقيع على خفضهم لمعدل ضريبة النماء الرأسمالي. وقام الكونغرس الجمهوري الجديد بالانضمام إلى إدارة الرئيس كلينتون الضعيفة بالتضييق على نمو الإنفاق العام مما أدى إلى هبوط كبير في الإنفاق كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، والذي كان في معظمه عائدا إلى هبوط الإنفاق العسكري. وبالفعل، فقد نما الاقتصاد بشكل سريع خلال معظم فترة إدارة الرئـيس كلينتون، والسبب في ذلك يعود جزئيا إلى سياساته بالنسبة للتجارة الحرة ولتقييد الإنفاق، إلا أن النمو في الضرائب كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي والأخطاء الجديدة التي ارتكبها غرينسبان قد وضعت الاقتصاد في حالة ركود في الوقت الذي كان كلينتون يغادر منصبه.
أما بالنسبة للرئيس بوش الحالي، فقد قام، وبشكل صحيح، بخفض معدلات الضريبة كي يخرج الاقتصاد من الركود وليستعيد النمو الاقتصادي، إلا أنه ولغاية الأشهر الأخيرة قد أخفق في فرض تقييد على نمو الإنفاق. وكانت نتيجة ذلك وجود اقتصاد نامٍ، لكن تشغيله كان دون إمكانياته. وسوف لن تكون تركة بوش الحالي الاقتصادية معلومة بالكامل لمدة سنتين، إلا أنه إذا ما استمر في مكافحة زيادة الإنفاق، فسيكون العجز قريبا من الصفر، وسينتعش النمو في السنة القادمة بما أن الاقتصاد قد أنجز المطلوب خلال مأزق الائتمان الذي تسبب به غرينسبان.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 23 كانون الثاني 2008.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

هل تعتقد بأن الدولار الأمريكي سيستمر في الهبوط أمام اليورو؟ النمو الاقتصادي في الربع الأول في الولايات المتحدة خُّفضَ إلى 0.6 في المئة ونما الناتج المحلي الاجمالي في منطقة اليورو، 3.1 في المئة، ووصل الدولار إلى أدنى سعر يُسجل للآن مقابل اليورو (في تموز 2001، كان سعر اليورو 84 سنتاً أمريكياً، وفي الأسبوع الماضي وصل سعره إلى 1.37 دولار).
الذين يتشاءمون تجاه الاقتصاد الأمريكي (وبعضهم من بداية عهد رونالد ريغان) يؤكدون أنهم كانوا على حق في ضوء نتائج الربع الأول. لكن، قبل أن نحكم على الولايات المتحدة بالفشل، قد يكون من الحكمة التطلع إلى البيانات المتوافرة، لأن التغييرات في النمو الاقتصادي تأتي غالباً نتيجةً لتغيرات في الضرائب والأنظمة والتجارة، والإنفاق الحكومي وسياسات البنك المركزي، تماماً مثل سرعة العدّاء التي تنخفض عندما يزداد وزنه وتزداد عندما يخففه.
في خمسينات وستينات القرن العشرين، كانت أوروبا متعبة وجائعة وتجري بسرعة لإعادة بناء اقتصاداتها التي دمرتها الحرب. وفي بداية السبعينات، بدأت تزيد وزنها ممثلاً بضرائب أعلى، وإنفاق حكومي وأنظمة. ونتيجةً لذلك، هبط معدل نموها. وعلى امتداد الربع الأخير من القرن الماضي نمت أوروبا ببطء أكثر من الولايات المتحدة.
في المقابل، أقدمت المؤسسة السياسية في واشنطن على عدد من الأمور الغبية على امتداد السنوات الأخيرة، أثّرت سلباً على المنافع التي تضمنتها خفوضات بوش الضريبية. فتسببت إجراءات الإدارة والكونغرس برفع الإنفاق بمعدلات كبيرة، ما أدى إلى تقليص الموارد الإنتاجية في القطاع الخاص ونقلها إلى قطاع قليل الإنتاج أو لا ينتج كلياً، كما في القطاع الحكومي، وإلى رفع الضرائب على الشركات الكبرى، وانغمست الإدارة في أنظمة مالية مدمرة (على سبيل المثال، قانون “سيربانيس-أوكسلي” الذي يطلب تسعير خيارات الأسهم)، ما أدى إلى هروب قطاعات رئيسية من المؤسسات المالية إلى لندن وغيرها.
في غضون ذلك، أخذ بعض الأوروبيين يرى فوائد سياسية واقتصادية في تحرير الاقتصاد (مثلما تعلم البريطانيون من مارغريت ثاتشر). واعتمد أكبر اقتصادين في منطقة اليورو، وهما الألماني والفرنسي، سياسات تشجيع النمو، بانتخاب قادة مؤيدين للسوق—مثل أنغيلا مركل في ألمانيا ونيكولا ساركوزي في فرنسا. وبعد سنوات من الجمود حققت ألمانيا وفرنسا نمواً اقتصادياً يتجاوز 2 في المئة—وهي نسبة تحقق تقدماً كبيراً على رغم تواضعها.
وما يثير الإعجاب أكثر، ازدياد نسبة النمو في الاقتصاد العالمي، حيث تبتعد بلدان كثيرة، مثل الصين والهند، عن الاشتراكية، وتتجه الى الأسواق الحرة وحقوق الملكية المؤمّنة.
ترتبط معظم العملات العالمية في شكل مباشر أو غير مباشر باليورو أو الدولار. الجنيه البريطاني والين الياباني هما العملتان المهمتان الوحيدتان المتبقيتان اللتان تثبتان وجودهما. والمعروف أن قيمة أي عملة مقابل عملة أخرى مسألة تعود إلى العرض والطلب.
المصارف المركزية تُقرر إلى حد كبير كمية العملات المطروحة، بيد أن الطلب يعتمد على عدد من العوامل مثل نسب التضخم المتوقعة، ونسب الفوائد الحقيقية، وقوة الاقتصادات التي تدعم العملة، وإيمان الناس بالحكومة التي تصدر العملات وباستقرارها وحكمتها.
ويعتقد عدد من أفضل الخبراء في المستقبل الاقتصادي مثل بريان وزبري وديفيد مالباس أن الولايات المتحدة عانت من بُطء موقت، وأن الاقتصاد سينمو بسرعة أكبر مما هو متوقع. فإذا كانا على حق في وجهة نظرهما، وهو ما أتوقعه، فإن مجلس الاحتياط الفيديرالي الأمريكي سيعتمد على سياسة مالية أكثر تشدداً من أجل كبح زمام التضخم، ما يؤدي إلى فوائد تزيد جاذبية الدولار. وعلى المدى الطويل يُتوقع أن يستمر الاقتصاد الأمريكي في تجاوز الاقتصاد الأوروبي للأسباب الآتية:
أولاً، الوضع الديموغرافي في الولايات المتحدة أكثر صحة بكثير—أي أن نسبة العمال إلى المتقاعدين ستبقى أفضل بكثير من نسبتها في المجموعة الأوروبية بسبب معدل نمو السكان الأعلى في الولايات المتحدة.
ثانياً، سيبقى معدل الضريبة على العمال أقل كثيراً في الولايات المتحدة (نحو 60 في المئة من مثيلاتها في المنطقة الأوروبية). ومع أن الأوروبيين يحاولون خفض الضريبة العمالية، فإن متطلبات برامجهم في حقل الخدمات الاجتماعية تحد قدرتهم على تحقيق ذلك.
ثالثاً، الأوروبيون يرفعون ببطء مرونة سوق العمل، بالضرورة، بيد أن من غير المحتمل أن تضاهي أسواق العمل الحرة عندهم مثلما مثيلاتها في الولايات المتحدة بسبب المعارضات السياسية (تذكروا الاضطرابات الفرنسية).
ويبالغ كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في إصدار الأنظمة والقوانين، لكن الأوروبيين أكثر عرضة للمرض من الأمريكيين. لذا، من غير المحتمل أن يكونوا منفتحين على المبادرات الحرة مثلما هي الحال في الولايات المتحدة.
وأخيراً، وعلى أساس القوة الشرائية المتساوية، فإن اليورو والجنيه الإسترليني مُقومان بشكل واضح أعلى من قيمتهما الحقيقية مقابل الدولار، ما شعر به كل أمريكي سافر إلى أوروبا في الآونة الأخيرة.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 9 آب 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

عندما كان أعضاء الكونغرس الديمقراطيون والمسؤولون في إدارة بوش يهنئون أنفسهم الأسبوع الماضي لاتفاقهم على إدخال مستويات قاسية وقابلة للتنفيذ بالنسبة لقضايا العمل والبيئة، كانت سياسة الولايات المتحدة التجارية تزحف ببطء نحو الهاوية. وفي غضون ذلك، فإن الاتفاقيات الثنائية التي وُقعت مع البيرو وبنما وكولومبيا وكوريا الجنوبية، وكذلك جولة الدوحة لمحادثات التجارة العالمية المتعددة الأطراف، قد تُركت يتيمة.
ومن الأمور ذات المغزى كيف أن التوقعات العريضة بالنسبة لتحرير التجارة العالمية قد تراجعت عندما اعتُبر الاتفاق بين الإدارة والكونغرس حول كيفية المضي في مفاوضات التجارة العالمية التي مضى عليها سنوات بمثابة اختراق مهم. وعلقت الناطقة بلسان ممثلة الولايات المتحدة إلى محادثات التجارة العالمية سوزان شواب على ذلك بقولها: “أظن أن هنالك درجة متنامية من الثقة والشراكة بين الحزبين التي تسمح لأجندة التجارة بالتقدم نحو الأمام. لقد بيّنا للعالم بأننا نستطيع أن نعمل معاً.” ويبدو أنها تناست بأن اتفاقيات التجارة تصاغ بين البلدان، وأن الاتفاق الذي تم على المستوى المحلي في الولايات المتحدة يجعل تلك الاحتمالات أقل حدوثاً.
للمراقب الذي يستخدم مشاعره أكثر من عقله، فإن لا بد للاتفاقيات التجارية التي تطالب ببنود أكثر صرامة في قضايا العمل والبيئة أن تبدو إحرازاً للتقدم. إنها قد تمثل تقدماً لأعضاء الكونغرس من الحزب الديمقراطي الذين يسعون إلى تأييد النقابات من أجل إعادة انتخابهم عام 2008، ولكنها لا تفعل شيئاً لتحسين إمكانيات التوصل إلى تحرير التجارة. وبدلاً من ذلك فإنها تشكل عائقاً أمامه. ومن خلال ذلك سوف تحرم البلدان النامية من فرص النمو الاقتصادي، وهو المفتاح لرفع مستويات العمال المحليين ونوعية البيئة.
في 1996 اختتم وزراء التجارة الذين يمثلون الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية اجتماعهم الوزاري في سنغافورة بإصدار بيانٍ قوي تم اتخاذه بالإجماع حول موضوع مستويات العمل. لقد أعرب البيان عن تأييده لجوهر القضية، بينما في الوقت ذاته عارض فكرة فرض مستوياتٍ عمالية كجزء من الاتفاقيات التجارية.
المستويات العمالية المطلوبة إنما تتحقق نتيجة “النمو الاقتصادي والتنمية والتي تلقى الدعم من التجارة الدولية ومن تحرير آخر للتجارة العالمية،” كما جاء في البيان. وبكلمات أخرى، فإن فرض شروط على التجارة والاستثمار في البلدان الفقيرة إنما يؤدي فقط إلى إبطاء النمو الاقتصادي وبالتالي الحيلولة دون ارتفاع مستويات العمل فيها.
واليوم، فإن منظمة التجارة العالمية تضم من البلدان النامية أكثر مما كانت تضم في عام 1996. المسألة ليست أن هذه الدول تُعارض مستويات أفضل لأحوال العمال والبيئة. بل السبب أنها تخشى من أن البلدان الغنية وانطلاقاً من مصالحها الخاصة فيما يتعلق بسياستها الاستيرادية سوف تستخدم تلك البنود ورقة ضغط لتحقيق نتائج حمائية. القلق الأكبر هو أن إمكانيات الزعم بمخالفة مستويات العمل والبيئة، وبغض النظر عن صحة تلك الاتهامات، سوف تُبعد المستثمرين الأجانب في المصانع المحلية وفي قطاعات أخرى من الاقتصاد المحلي، وهما المفتاح الحقيقي لرفع مستويات الرفاهية.
إن عودة الكونغرس إلى سيطرة الديمقراطيين في تشرين الثاني الماضي قلب المعادلة بشكل خطير. لقد كانت نقابات العمال الأمريكية تطالب منذ زمن طويل بتحقيق مستوياتٍ قاسية بالنسبة للعمل والبيئة، وهي الآن تفرض شروطها من خلال قيادة الكونغرس. الاستجابة والتأقلم مع تلك المطالبات اعتبرت وسيلة لكسر الحاجز أمام التقدم في المفاوضات ودفع الأجندة التجارية إلى الأمام. ولكن الآن وقد تمت الاستجابة لتلك المطالب، فإن نقابات العمال على ما يبدو ترفع من سقف مطالبها.
ففي رسالة إلى ممثل الولايات المتحدة في مفاوضات التجارة العالمية في الأسبوع الماضي، فإن تشارلز رانغل، رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب الأمريكي، وهو ديمقراطي عن ولاية نيويورك، توصل إلى نتيجة مفادها أنه، وبغض النظر عن الصفقة التي تمت في الأسبوع الماضي، فإن الاتفاقية مع كولومبيا ما زالت مسألة تدعو إلى الانتظار إلى أن يتمكن مكتب النائب العام في بوغوتا عاصمة كولومبيا من أداء أفضل في القبض على المجرمين الدمويين ومعاقبتهم!
وفي غضون ذلك ظل رئيس اللجنة الفرعية للجنة المالية في مجلس النواب عن ولاية ميشيغان ساندر ليفين، يعارض الصفقة التي تمت مع كوريا الجنوبية لأنها لا تشتمل على اقتراحه الداعي إلى جعل دخول السيارات الكورية إلى أسواق الولايات المتحدة مرتبطاً بنجاح مبيعات السيارات الأمريكية في كوريا الجنوبية!
المعارضة ليس لها أية علاقة مع قضايا العمال أو البيئة. يجب أن يكون واضحاً تماماً بأن نقابات العمال وحلفاءها في الكونغرس يعارضون معارضة شديدة أية اتفاقيات تجارية جديدة. وعلى الرغم من أن الاتفاقيات التي تمت مع البيرو وبنما قد تجد طريقها إلى الإتمام بسبب أن حكومتيهما قد ربطتا سمعتهما على التوصل إلى تلك الصفقات، فإن جولة الدوحة في محادثات التجارة العالمية هي الآن أكثر بعداً من أي وقت مضى بسبب الصفقة التي تمت بين الكونغرس والإدارة.
إن التوصل إلى اتفاقيات تجارية في بيئة تؤمن بسياسة الحمائية هو أمر بالغ الدقة. إنها تنطوي على عملية توازن بين المطالب السياسية المحلية والأهداف المتوخاة من صياغة اتفاقياتٍ تكون ذات قيمة للولايات المتحدة ولمصالح شركائنا التجاريين. وكلما كانت التنازلات للاعتبارات السياسية الداخلية أكثر كلما كانت الاتفاقيات النهائية أقل قيمة. فبالإصرار على بنود عمالية وبيئية قاسية، تم الوصول إلى نقطة يمكن القول بأن الكيل فيها قد طفح.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 30 أيار 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

قد لا يكون الاستقرار كل شيء، ولكن يمكن اعتبار كل شيء آخر غير كافٍ بدونه. لقد تعلمت تركيا هذا الدرس وجلبت الاستقرار والنمو. وقد أنتجت هذه التطورات الإيجابية، المقترنة مع الخصخصة الواسعة ومناخ الاستثمار الدولي الذي شجع على المجازفة، طفرة غير مسبوقة فى تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى تركيا. هذه أنباء طيبة، ولكن ينبغي وضعها في المنظور الصحيح.
لم تكن تركيا منفردة في ذلك: فلقد ارتفع تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل ملحوظ على صعيد عالمي على مدى الثلاث سنوات الأخيرة. وتأتي الأخبار الأكثر واقعية عندما يبحث الشخص في تفاصيل ما يجعل اقتصاد ما تنافسيا، وهو قياس هام في أعين المستثمرين الأجانب. ومن الواضح أنه، وفي حين توفر إمكانات كبيرة لدى تركيا، فإن الأعمال التجارية والعمال فيها مثقلون بأعباء نظام قانوني دون المعايير وبيروقراطية ضخمة تنتج الكثير من الروتين الحكومي ووجود نظام ضريبي لا يشجع على العمل في الاقتصاد الرسمي. تؤثر هذه العوامل السلبية على حصول تركيا على ترتيب منخفض نسبيا في الدراسات التي تقيس التنافسية. فعلى سبيل المثال، تحتل تركيا المرتبة الثالثة والثمانين (أقل بقليل من مولدافيا وكينيا) في مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2007.
سلكت إستونيا هذا الطريق، فلننظر إلى إنجازاتها. منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، تخلصت إستونيا من الروبل الروسي وبدأت في إصدار عملتها الخاصة بها (كرون) في عام 1992 عن طريق إنشاء مجلس للعملة: اصدار الكرون المدعوم دعما كاملا باحتياطيات العملة الاجنبية والممكن تحويله بدون قيود بأسعار ثابتة تبلغ 15.65 لكل يورو. كما سنت إستونيا أيضا مجموعة واسعة من إصلاحات السوق الحرة، بما في ذلك إدخال نظام ضريبي بسيط وثابت. ولا عجب في أن تتبوأ إستونيا خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة المرتبة الثانية عشرة من ضمن قائمة أكثر الاقتصادات حرية في العالم (أعلى مرتبة توصلت إليها أي دولة شيوعية سابقة)، وأن يرتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى عشرة أضعاف منذ عام 1992، ليصل إلى 12900 للفرد هذا العام.
لدى تركيا، وبالنظر إلى شعبها وموقعها وتاريخها، إمكانات اقتصادية كبيرة ويمكنها أن تجري تحسينات هائلة في قدرتها التنافسية. وتكمن المشكلة في عدم تحقيق هذه الإمكانية بسبب تاريخها المليء بالسياسات الاقتصادية المشكوك فيها وعملتها غير المستقرة. وكمثال على ذلك، إن إنتاجية القطاع العام في تركيا أقل من نصف إنتاجية القطاع العام في سنغافورة. وكذلك، وحسب تقرير “بدء الأعمال لعام 2007” الصادر عن البنك الدولي، الذي يقيّم 175 دولة، تحتل سوق العمل في تركيا المرتبة 146 من حيث الصعوبات التي تواجهها الأعمال التجارية والشركات في توظيف العمال وتسريحهم، ومن حيث ارتفاع الضرائب المرهق على الأجور.
إن أفضل طريقة تتبعها تركيا من أجل تحديث وتحسين القدرة التنافسية لديها هي تنفيذ، ومن جانب واحد، مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية “المصنوعة في تركيا”. لقد دعى الاقتصاديون الليبراليون، منذ آدم سميث، الدول أن تقوم، وبشكل منفرد، بتبني السوق الحر وسياسات التجارة الحرة لسبب بسيط هو أن تلك السياسات صحيحة من حيث المبدأ والممارسة. كما جادلوا ضد مبدأ المعاملة بالمثل، الذي يلزم الدولة على خفض القيود التجارية مع الدول الأخرى التي تحذو حذوها فقط. ومن ناحية عملية، إن الممارسة الأحادية لسيادة القانون وسياسات السوق الحرة شائعة وتعمل بشكل جيد. ولا يوجد مثال لذلك أفضل من سنغافورة.
نالت سنغافورة استقلالها في عام 1965، وفعليا، طردت سنغافورة من اتحاد مدته سنتين مع ماليزيا. وفي ذلك الوقت، كانت سنغافورة متخلفة جدا، وفقيرة، وكان لديها مصدر قوة واحد فقط هو موقعها الاستراتيجي. لقد كانت سنغافورة بقعة صغيرة على الخريطة في جزء خطير من العالم، كما كان سكانها يتكونون من مجموعة متنوعة من المهاجرين مع تاريخ من التوترات الطائفية. إلا أنه كان لديها قائد قوي ذو رؤية واضحة لكيفية تحديث بلده.
استبعد (لي كوان يو) صراحة الاستجداء وقبول المساعدات الأجنبية من أي نوع. وتضمن مبدأه الرئيسي لتنظيم الحكومة السير بصرامة دون أي هدر أو فساد. ولتنفيذ هذا المبدأ، عين (لي كوان يو) موظفين من الدرجة الأولى فقط في الخدمة المدنية، كما دفع لهم أجورا مرتفعة من الدرجة الأولى. المبدأ الآخر الذي احتضنه (لي يو) هو منافسة دول العالم الأول، والذي تحقق من خلال الضرائب القليلة، والحد الأدنى من تقييد الأعمال والتجارة الحرة. وأخيرا، أصر على الأمن الشخصي والنظام العام وحماية الممتلكات الخاصة. وليس بالمستغرب أن تكون سنغافورة اليوم واحدة من أغنى الدول وأكثرها تنافسية في العالم.
بالرغم من أن الاستقرار شرط ضروري للرخاء والازدهار، إلا أنه لا يتحقق إلا مقابل ثمن في دولة لها تاريخ طويل من عدم الاستقرار النقدي. وهذا هو السبب في كون معدل الفائدة في تركيا من أعلى المعدلات في العالم، فهي مرتفعة لدرجة قاسية وغير مستدامة. لن يؤدي مجلس العملة التقليدي، على غرار مجلس عملة إستونيا، إلى تثبيت سعر صرف الليرة (مثلا، إلى اليورو أو الدولار) على شكل معقول فحسب، بل سيؤدي أيضا إلى تعديل مشكلة معدل الفائدة الحقيقية في تركيا.
يتحتم على تركيا أن تجري الإصلاحات اللازمة لتحقيق مكانة كبيرة. سيكون التحدي الذي تواجهه هو تعيين أشخاص من أجود النوعيات في المناصب الرئيسية وتحديد الطريق لهم بصرامة. لا ينبغي الاستخفاف بهذا التحدي. ولو كان التاريخ دليلا، ستتلاشى القوة الدافعة للإصلاح مع الزمن.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 22 أيار 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

قام البنك الدولي بإجراء تغيير على اسم “دائرة تقييم العمليات” التابعة له، إلا أن ذلك لا يعني تغييرا في أساليبه. وقد ظهر على اللوحة الجديدة التي تم تثبيتها على باب تلك الدائرة اسم “مجموعة التقييم المستقلة”. وبهذا العمل، يقوم البنك في الوقت الحالي بالتخندق استعدادا للدفاع عن مطلب صريح بشكل متزايد بخصوص إجراء مراجعة مستقلة حقيقية للإشراف الذي يقوم به البنك على المعونات الخارجية.
وبانقضاء نصف قرن وبصرف مبالغ تزيد عن 500 مليار دولار، سوف يكون هناك الشيء القليل الذي سيتم الكشف عنه بفعل الجهود التي يبذلها البنك الدولي. غير أنه لن يتوفر لدينا أي مقياس لأداء البنك سوى ما سيقوم بالإعلان عن اختياره، وليست هناك وسيلة يتم بها التثبت من حكمة الاستثمارات الجماعية لدول العالم الصناعية.
لن يكون بإمكان التفاؤل الذي سينجم عن التقارير الهامة أن يعمل على تغطية الحقائق الكامنة فوق الأرض. فمستويات المعيشة للدول الأشد فقرا قد أصابها الركود[1] حتى أنها هبطت بشكل كبير وصل إلى نسبة 25 في المائة. وهناك ثماني وثلاثون دولة تتراكم عليها قروض غير قابلة للسداد لجهات متعددة بلغت 71 مليار دولار والتي جرى تشجيعها بفعل توقعات البنك المسيرة ذاتيا حول نمو الدول، والتي بمقتضاها يتوجب على دافعي ضرائب الدول الغنية في الوقت الراهن أن يقوموا بالوفاء بها. وقد تم الكشف عن الفساد المستشري داخل البنك وداخل برامجه والذي يقدر في الوقت الحالي بما يزيد عن 100 مليار دولار. وهناك احتجاجات تصاعدت بين كبار المفكرين الإفريقيين الذين يسعون إلى إيقاف كافة المعونات نظرا لأنها تهدف فقط إلى تحصين وإثراء سلسلة من نخب الفساد في إفريقيا. كما أن هناك إثباتات كبيرة في إفريقيا تتم روايتها تدل على حدوث تبديد وعلى وجود عدم كفاءة وسرقات علنية لم يعد بالمستطاع أن يتم تجاهلها.
لقد منح البنك لنفسه درجات جيدة وهو يتفاخر متبجحا بان ما يربو على ثلاثة أرباع المشاريع التي قام بإنجازها قد تحقق لديها “نتائج مرضية”. غير أن مدققي الحسابات عندما يكونوا مقيّدين، وعندما يكون توقيت إصدار الحكم قد استحق قبل أوانه، وعندما تكون المعايير خاطئة وتكون الأرقام متلاعب بها بشكل انتقائي، فكم ستكون عندئذ مصداقية الاستنتاجات؟
مدققو الحسابات المقيّدون

التعبير بكلمة “مستقلين” المستخدمة من قبل البنك هي مجرد كلمة تجميلية بخصوص تغيير مؤقت طرأ على أحد دوائر البنك وسوف لن يعمل تركيب لوحة تحمل اسما جديدا على تغيير التوقيع الذي يتم وضعه على شيك دفع الرواتب أو على المكافآت الخاصة بجهاز الموظفين التابع للبنك. وتعتبر “مجموعة التقييم المستقلة” بمثابة دائرة في البنك كأية دائرة أخرى فيما عدا شكليات تسلسل التبعية إلى مجلس الإدارة التنفيذي والتي تكون في افضل حالاتها سلبية. ومن ناحية أعضاء مجموعة التقييم جميعهم باستثناء حامل لقب المدير العام، هناك باب دوار يتجه عائدا إلى الوظائف القياسية وفق نفس المستوى وللترقيات المتوفرة لدى البنك. وبسبب قيام البنك بالإعلان عن النتائج فقد تمت ممارسة ضغوط قوية لكي يتم الإظهار بان هناك نجاح قد تحقق في هذه النتائج. أما التدقيق الخارجي فقد تم الحيلولة دون إجرائه بسبب عدم وجود وصول يتاح أمام العامة إلى البيانات الأساسية والتي بالكاد أن تعزز إصدار أحكام نزيهة ودقيقة جدا حتى وإن قام البنك بالتفاخر بان من غير الممكن بالنسبة لموظفيه أن يقوموا بمراجعة وتدقيق المشاريع التي يقومون هم أنفسهم بتصميمها.
وبالنسبة لبعثات تقصي الحقائق، فهي بعثات مشتبه بها بما أنها لم تقم ببذل قصارى جهدها نحو المواضيع المنوطة بها. ولقد عمل كبر حجم إخفاق شركة إنرون على إلقاء الضوء على الحماقة التي يتم ارتكابها عندما يتم حصر المصداقية في المراقبة الداخلية وحتى عندما يتم حصرها في مدققي الحسابات من الخارج حيث يمكن أن يتم تخويفهم من قبل أولئك العملاء الذين يتمتعون بالإنفاق المرتفع.
من الواجب على مدققي الحسابات الخارجيين والذين هم وراء إحداث أي تأثير على هذا الموضوع أن يقوموا باختراق وتمزيق غشاوة التمجيد الذاتي وأن يقدموا إجراءات ضبطية تعمل على حماية المصلحة العامة.
المنهجية المشكوك بها والتلاعب الانتقائي

عند وضع مسألة “الاستقلالية” جانبا فان منهجية التقييم التي يتبعها البنك تقوم باستفراغ تلك الاستنتاجات دون أن يكون لها أية قيمة. أما الأشياء التي يقوم البنك بالإعلان عنها كنتائج فهي في واقع الأمر عبارة عن توقعات فقط تمت صياغتها في لحظتها عندما يكون التفاؤل في وضعية عالية. ويقوم البنك بتعريف كلمة “النتيجة” على أنها تعني فعلا فقط “احتمالية” أن يكون ذلك المشروع أو البرنامج ناجحا وفق ما تم تصنيفه من قبل ضابط القروض عندما يتم الانتهاء من تقديم الأموال. وقد تجري مثل تلك الأشياء وفي أحيان كثيرة قبل سنوات عديدة من إدارة وتشغيل المشروع المادي. فـ”برامج الإصلاح (الاقتصادي)” المعممة والشائعة هي التي تقوم بجذب أعلى الدرجات. ومع ذلك، تتطلب الإصلاحات الموعودة سنوات عديدة لإحداث تأثير على الاقتصاد إذا صدف وقد تم تنفيذها فعلا.
ولم يحدث أن قام البنك بالعودة إلى تفقد وتفحص نجاح مشروع طويل الأجل إلا في حالات نادرة حيث أن هناك الكثير من التحريات التي تمت في موقع المشروع قد توصلت إلى لا شيء بفعل افتقارها إلى الرقابة والسجلات. أما التركيز فهو يكون منصبا على كمية مدخلات البرامج مع بذل القليل من الجهد ليشمل قياس المخرج الفعلي الذي سينتج عن تلك البرامج.
ولقد تم التلاعب بمقاييس الأداء كي تعمل على دعم ادعاءات ومزاعم الإدارة في تحقيق النجاح وفي دحض النقاد. وفي أواخر أعوام التسعينيات من القرن الماضي قفزت مرتبة التصنيفات الإرضائية عندما تمت مراجعة المعايير استنادا إلى تعليمات إدارة البنك دون أن تتم تسوية مقابلة في السنوات السابقة لضمان التناغم والتناسق في القياس، بناء أيضا على تعليمات صادرة عن إدارة البنك.
الحاجة إلى تدقيق أداء مستقل
يبدو أن البنك أكثر كفاءة ودقة في إدارة أرقامه مقارنةً بإدارة برامجه! المطلوب هو وجود مدقق حسابات خارجي حسن النية يتم إرساله إلى موقع البنك من قبل القطاع الخاص ليقوم بالبت في المساهمات الدائمة التي يقوم بها في مشاريعه لدى الدول الأشد فقرا بعد تاريخ تشغيلي يمتد ما بين 3 إلى 5 سنوات وليعطي مقياس فعلي دائم بالنسبة لفعالية وكفاءة المعونات التي يقدمها. ويجب أن يكتب مدققو الحسابات التقارير بشكل مباشر إلى الدوائر التشريعية والتنفيذية لدى حكومات مجموعة الدول السبع، كما يجب أن يتم نشر أعمال تدقيق البرامج الفردية والتقييمات الكلية للأداء وأن يتم تكرار هذه الممارسة كل ثلاث سنوات.
إن اعتراضات البنك على القيام بأعمال تدقيق من الخارج قد تركزت على الضرر الذي قد يصيب الناحية المعنوية لهذه المؤسسة وعلى تبديد الأموال وعلى عدم وجود علاقة مع السجلات السابقة حيث تم التذرع بأنها قد تمت معالجتها من خلال الإصدار الأخير المسمى “البنك الجديد”. والسبب الأخير يعتبر بمثابة الرد الروتيني الذي يصدر عن سلسلة من إدارات البنك على مدى العقود الثلاثة الماضية.
ومن بين المعوقات الأخرى فقد تم ذكر الأمور الفنية الخاصة بسرية العملاء وبحقوق سيادة الدول التي ترغب في تحاشي أعمال التدقيق. أما بالنسبة لتلك الأطراف الكائنة في الجانب المتلقي لمليارات الدولارات من المعونات التي تتدفق من دافعي الضرائب في الدول الصناعية من خلال قناة التمويل التابعة للبنك الدولي، فمن الواجب أن يكون هناك التزام مقابل لدى هؤلاء المتلقين، ويجب أن يتم اعتبار الوصول الحر إلى الحقائق والقدرة على نشرها والإعلان عنها شرطا من شروط قروض البنك الدولي كلها.
وبما أن الهدف من برنامج “التنمية الألفية التابع للأمم المتحدة” المتمثل بجعل الفقر المدقع يصل إلى النصف قد اكتسب زخما قويا، فان الدول المانحة تنزع إلى التمويل من خلال زيادة المعونة التنموية بأرقام مرفوعة بقوة كبيرة—مضاعفة التدفقات السنوية إلى 50 مليار دولار للدول الأشد فقرا بحلول عام 2010 و50 مليار دولار أخرى كزيادة سنوية تم التمهيد لها للعام 2015. وبناء عليه، سيقوم البنك بالحصول على اكثر من حصته. عندئذ، سوف تكون هناك مكاسب غير متوقعة تتمثل بما يسمى بتخفيف عبء الديون والتي بمقتضاها قام البنك بانتزاع ابتزازي بمقدار مائة سنت لكل دولار من مجموعة الدول السبع بخصوص محفظة مالية بلغت 46 مليار دولار من قروض عديمة القيمة على الدول النامية والتي كان البنك قد قام بإدارتها لمدة تزيد عن عقدين من الزمن. وقد كانت نتيجة ذلك عبارة عن سيل من الأموال المضمونة التي تتدفق على إحدى الأدوات الآلية بغرض ملء ثغرات عميقة في ميزانية البنك العامة ومن ثم بعد ذلك يتم إغداقها كمعونات جديدة غير مصرح بها.
إن تقديم مقادير كبيرة من الأموال سوف لن ينهي مسؤولية الدول الغنية تجاه الدول النامية. فللمانحين اهتمام لا مهرب منه في الاستخدامات التي يتم تخصيص المعونات لها وفي النتائج التي سوف تحققها تلك المعونات. ويجب أن يتم وزن هذه المبالغ الهامة مقابل الاستخدامات البديلة بالنسبة للموارد النادرة لدافعي الضرائب.
لقد حانت اللحظة المناسبة كي يتم الإصرار على أن البنك الدولي يجب أن يخضع لمراجعة ولتدقيق خارجي جدي ومستمر وأن يصبح قدوة في الشفافية والمساءلة بحيث تقتدي به الدول النامية وأن يصبح توفير تدقيق خارجي ليقوم بتدقيق أداء البنك كل ثلاث سنوات شرطا من شروط موافقة اتفاقية مجموعة الثمانية على تخفيف عبء الديون وعلى تمويل المعونات المستقبلية. فسوف لن يكون هناك إصلاح اقتصادي دون الاعتراف بالإخفاقات التي تمت في الماضي.
ملاحظات:

[1] لم تكن المعونة هي القوة المحركة وراء المكاسب الضخمة التي تحققت في الصين والهند وإندونيسيا حيث حصل، افتراضيا، تقدم شامل في مستويات معيشة الدول النامية.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 20 آذار 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

قبل عام مضى بدت أوروبا الوسطى كمثل يحتذي به الآخرون. أما اليوم فإنها منطقة تتسم بالتعصب المتنامي وعدم الاستقرار السياسي. البعض يلوم الإصلاحات الليبرالية، زاعمين بأن الرأسمالية ركزت أموالاً كثيرة وسلطاناً في أيادٍ قليلة.
أما الحقيقة فهي أن الإصلاحات لم تذهب إلى الأبعاد الكافية. فقطاع الأعمال ما زال يرزح تحت وطأة أنظمة مبالغ فيها والحكومات تنفق أموالاً كثيرة. هذا يشعل موجة الفساد وعدم الرضا الشعبي بالنسبة للعملية الديمقراطية.
وبشكل عام فإن أوروبا الشرقية تمثل قصة نجاح. جمهورية التشيك وسلوفاكيا وهنغاريا وبولندا تنتهج ديمقراطيات السوق الحرة. وبينما كانت تلك الدول سابقاً جزءاً من حلف وارسو، فإنهم الآن أصبحوا أعضاء في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. شعوب أوروبا الوسطى يحصلون الآن على مداخيل أعلى ويعيشون حياة أطول ويلتحقون بالمدارس أكثر من أي وقت مضى. ومع ذلك فإن الليبرالية، وهي فلسفة الحرية السياسية والمدنية والاقتصادية التي كانت الأداة في تحقيق تلك المكاسب، هي الآن في موقع الدفاع.
في سلوفاكيا هزم تحالف وطني اشتراكي حكومة ميكولاس تزوريندا الإصلاحية، وفي بولندا استطاع تحالف بين المحافظين والوطنيين من إبقاء دعاة الإصلاح المدني خارج الحكم. وفي جمهورية التشيك، نجح الحزب الليبرالي المدني الديمقراطي في الانتخابات، بيد أنه أضعف من أن يتمكن من تشكيل حكومة. وفي هنغاريا أُبعد الشعبيون من الحصول على السلطة ولكن بمجرد شعرة، وبسبب أن أصحاب السلطة من الاشتراكيين كذبوا حول حقيقة وضع الاقتصاد العام.
وقد رأى كثير من المعلقين في أداء الأحزاب الليبرالية الضعيفة في الانتخابات علامة على ضعف التأييد العام للسوق الحرة. بيد أن الحقيقة هو أن معظم الاستطلاعات التي أجريت في البلدان التي التحقت بالاتحاد الأوروبي والتي قام بها معهد غالوب في عام 2003، وجدت أن معظم سكان أوروبا الوسطى يؤيدون المنافسة الحرة كما يؤيدون تدخل حكومي أقل في حياتهم. وكذلك فإن الكثير من إصلاحات دزوريندا الراديكالية، بما في ذلك الضريبة المقطوعة، قد نالت تأييد غالبية الشعب السلوفاكي قبيل انتخابات 2006.
إن صعود الأحزاب الشعبية في أواسط أوروبا يعود جزئياً إلى وعودها بمحاربة الفساد. وعلى سبيل المثال فإن تصنيف بولندا في سلم قياس الفساد على المستوى الدولي من حيث الشفافية قد هبط إلى 3.4 في عام 2005 من 4.6 في عام 1998 وهبط تصنيف التشيك إلى 4.3 من 4.8 وهنغاريا ظلت في مستوى 5، أما في سلوفاكيا فقد ارتفع المؤشر إلى 4.3 من 3.9. وعلى النقيض من ذلك فإن آيسلندا، التي كانت تعتبر من أقل بلدان العالم فساداً، نالت 9.7 نقاط من مجموع 10.
لماذا يظل الفساد مشكلة كبيرة في أواسط أوروبا؟ على الرغم من الارتفاع الدراماتيكي في حرية الإقليم الاقتصادية منذ زوال الشيوعية، فما زالت معظم اقتصاديات أوروبا الوسطى مكبلة بالأنظمة. وقد وجد البنك الدولي أن سلوفاكيا وجمهورية التشيك وهنغاريا وبولندا مكبلة بأنظمة أكثر من معظم اقتصاديات البلدان المتقدمة بما في ذلك معظم الدول الأعضاء في المجموعة الأوروبية. هذا يعني أن هنالك جيوشاً من البيروقراطيين في تلك البلدان الأربع، التي يوجد لديها فرص عديدة لابتزاز الرشاوى من الشركات الخاصة.
يضاف إلى ذلك أن الشفافية الحكومية، والرقابة البرلمانية، واستقلال القضاء وقوة جهاز الخدمة المدنية تظل غير متطورة نسبياً في أواسط أوروبا. فالإنفاق العام قليلاً ما يكون شفافاً كما أن أنظمة العطاءات للعقود الحكومية كثيراً ما تخضع لأهواء الموظفين العامين شديدي الطمع. وهكذا فإن الأنظمة الكثيفة والعطاءات التي يلفها الغموض قد ساهمت في خلق طبقة كاملة من الناس تربطها علاقات سياسية والتي جمعت ثرواتها بوسائل غير مستقيمة. وقد انتقم الرأي العام الغاضب من الطبقة الحاكمة الفاسدة بسحب تأييده عن الأحزاب السياسية القائمة.
إن صعود الأحزاب الشعبية من شأنه أن يؤجل المزيد من الإصلاحات الاقتصادية. هذا أمر يُؤسف له، لأن حجم وآفاق الدولة في أوروبا الوسطى لا بد أن يخفَّضا من أجل تقرير مشكلة الفساد. ومن المفارقات أن تأجيل المزيد من اللبرلة وما يرافق ذلك من فشل في معالجة الأسباب الكامنة وراء الفساد قد ينال من أوضاع حكام أوروبا الوسطى الجدد وأن تمهد الطريق لتجددٍ ليبرالي.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 13 آذار 2007.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018