تحديات إسلامية معاصرة

عزمي عاشور8 فبراير، 20123

بات الحديث عن الإسلام وثقافة التأسلم من الأمور التي تتطلب جدية في البحث، على اعتبار أن هذا المكون أصبح رافدا أساسيا في تشكيل عقلية وتصرفات الأفراد داخل المجتمع، والذي ظهرا بشكل واضح في نسبة التصويت الكبيرة التي أدت إلى حصول الأحزاب الإسلامية على الأغلبية في انتخابات ما بعد الثورة ....

نوح الهرموزي11 أكتوبر، 20110

بدا اختيار كرمان للفوز بجائزة نوبل للسلام، التي تعتبر الأرقى بين جوائز نوبل، أمراً مفاجئاً، وقد برزت الناشطة الحقوقية والصحفية اليمنية توكل كرمان في ساحات الاحتجاجات اليمنية التي تدخل شهرها التاسع، وعرفت بمناهضة انتهاكات حقوق الإنسان والفساد المالي والإداري في اليمن ومطالبتها بالإصلاحات السياسية، وكانت من أوائل الذين طالبوا بإسقاط نظام حكم الرئيس علي عبد الله صالح.....

منبر الحرية23 أبريل، 20110

لو قُدر للأنظمة العربية أن تتخلص من شيء، لتخلصت من يوم الجمعة، إذ بات يشكل مصدر قلق يهدد وجودها بعد أن كان ولقرون طويلة منبراً تطل منه على الجماهير للتأكيد على شرعيتها. ومما لا شك فيه أن خطب الجمعة قد لعبت دوراً محورياً في هذا الشأن، من خلال توسيع مفهوم السمع والطاعة للدرجة التي تصبح معها المعارضة السياسية خروجاً على الحاكم ودعوةً للفتنة....

عالمان من جذور إسلامية حصلا على جائزة نوبل في تخصصات علمية أحدهما باكستاني الأصل، وهو محمد عبد السلام و قد حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام، 1979 و الثاني مصري الأصل وهو أحمد زويل وحصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999. بين الجائزتين عشرون عاما وخلال هذه السنوات العشرين لم تتهيأ المجتمعات العربية و الإسلامية لإنتاج عاِلمٍ يحمل جنسيتها....

نوح الهرموزي21 مارس، 20112

إذا كان الإسلاميون جاهروا بطرح الشورى كسنة بديلة عن الديمقراطية في اختيار من يحكمون، إلا أن الشورى في الحقيقة ليست مرادفة للديمقراطية لأنها محكومة بأسباب، وبحقبة زمنية محددة، وبشكل تمظهرها. كل هذا يبعدها عن آلية وطبيعة الديمقراطية، بل أكثر من هذا، فالإسلام السياسي يرى أن الديمقراطية مناقض للحكم الإسلامي، بل أنه يدفع المسلم للكفر بالنظام الديمقراطي، حيث لا يمكن الجمع بين مسلم ولفظة ديمقراطي.....

peshwazarabic12 يناير، 20114

في العقود القليلة الماضية، وعلى تخوم القرنين العشرين والحادي والعشرين، شهد العالم نشاطا غير مسبوق من قبل الحركات الأصولية الإسلامية المتشددة ونشاطهم المحموم في إشاعة الفكر التكفيري.

peshwazarabic6 ديسمبر، 20100

إن المعضلة التي تشغل مصر ومعها العالم الخارجي هو الظاهرة الإسلامية، فقد عرفت مصر خلال الثلاث عقود الماضية  الظهور الكبير لجماعات سياسية تسعى – بطريقة عنيفة أحيانا – لتطبيق الشريعة الإسلامية، وارتفع شأن الإسلام كأيديولوجية، وكقوة سياسية وكجزء من المجتمع المدني. ورغم ما يبدو من تماسك تلك الظاهرة ، فإنها – تحت الرداء الفضفاض لكلمة الإسلام  أكثر تعقيدا وتعددية.
هناك خمسة مستويات داخل هذه الظاهرة :
أولا، إن الشعب المصري بمجمله قد ازداد تدينا( بمسلميه وأقباطه ) ومحافظة، فأصبح المصريون يصلون ويصومون ويذهبون إلى الحج بأكثر مما كان الأمر في السابق، وأصبح الملبس الإسلامي للرجال والنساء أكثر شيوعا، وحتى أجهزة الدولة والنقابات والأحزاب السياسية ( بما فيها العلمانية ) تحتفل بالمناسبات الدينية وتقوم بتجهيز رحلات حج مدعمة .
ثانيا، إن مؤسسة الأزهر الدينية التقليدية قد استعادت قدرا كبيرا من قوتها داخل المجتمع نتيجة وسائل الاتصال الحديثة من راديو وتليفزيون وفضائيات وصحافة . وهذا الدور تشرف عليه الحكومة وتوجهه ، فعلماء الدين في مصر- على عكس الحال في إيران- هم موظفون في” القطاع العام ” الديني .
ثالثا، إن الإخوان المسلمين الذين يمثلون القطاع القائد في الحركة الإسلامية المصرية قد أصبح لهم مكانة مرموقة في الساحة السياسية المصرية، فرغم أنهم لا يشكلون حزبا معترفا به، إلا أنهم نجحوا في الاندماج داخل العمل الشرعي السياسي فحصلوا على 88 مقعدا في انتخابات عام 2005 مما جعلهم يشكلون أكبر مجموعة برلمانية بعد الحزب الوطني الحاكم، كما أن نفوذهم تزايد بشدة داخل النقابات المهنية. المهم هنا أن لديهم  ميلا متزايدا للاعتدال وقبول للديمقراطية والشرعية وبتطبيق الشريعة تدريجيا وخطوة بخطوة وليس تغييرها كلية، وهذا الاعتدال المتزايد للإخوان المسلمين خلق فجوة كبرى  بينهم وبين الجماعات الراديكالية العنيفة.
رابعا، أن عودة الإخوان المسلمين قد ارتبطت بنمو” الاقتصاد الإسلامي ” الذي تمثل في البنوك الإسلامية والتي تأخذ إيداعات المصريين من أجل الاستثمار في مصر وفي أسواق المال العالمية، وهذه البنوك ذات طبيعة رأسمالية  وذات صلات وثيقة بالنظام الاقتصادي العالمي، ويطالبون باقتصاد حر في مصر، مما يجعلهم مختلفين جذريا عن طبقة البازار في إيران، فبينما كانت هذه الأخيرة تسعى إلى فك الارتباط بين السوق الإيرانية  والاقتصاد العالمي، فإن طبقة  رجال الأعمال الإسلاميين يساهمون في تدعيم هذا الارتباط تحت رداء إسلامي.
خامسا، الجماعات الإسلامية الراديكالية  والتي ظهرت في مصر منذ منتصف السبعينيات وارتكبت أعمالا عنيفة أبرزها اغتيال الرئيس السادات، فإنها حتى مع المراجعات التي قامت بها بعضها إلا أن التيار العام  الذي يحكمها هو تيار العنف.
من هذا الوصف ” للظاهرة الإسلامية ” فإنها تبدو أكثر تعقيدا وتركيبا وتعددية مما تبدو على السطح، فرغم أن هناك فاعلا للعنف في المستوى الخامس، فان المستويات الأربع الأخرى تبقى داخل التقاليد المصرية المعقولة والمعتدلة، ومرتبطة بالظواهر العامة للتعددية واللامركزية المصرية التي نمت خلال السنوات الماضية . إلا أنه تبقى هنا معضلة التمثيل السياسي للتيارات الإسلامية، فالأصل في المفهوم الديمقراطي أن تكون الأحزاب تمثيلا للقوى الاجتماعية والتيارات السياسية الفاعلة في المجتمع، وكلما عبرت الأحزاب السياسية والمؤسسات السياسية عن تلك القوى والتيارات، ازداد التناسق بين البناء السياسي والبناء الاجتماعي وازدادت فرص تحقيق الاستمرار .
وتثور المشكلة بشأن السماح للتيارات السياسية الفوضوية أو العنصرية أو الشمولية، التي تقوم على ممارسة العنف ضد الآخرين بالتنظيم. ومبعث المشكلة هو أن الديمقراطية تنهض على أساس قبول الأطراف المختلفة بالدستور وبالقواعد التي حددها لكيفية  الوصول إلى السلطة وتداولها. فهل يسمح النظام الديمقراطي بأن تستخدم آليات الديمقراطية وإجراءاتها لتقويض هذا النظام من أساسه، وهو ما حدث في جمهورية فيمار بألمانيا، عندما وصل الحزب الوطني الاشتراكي (النازي ) إلى السلطة من خلال الآليات الديمقراطية، ثم قام بإلغائها بعد وصوله إلى مقاعد الشرطة ومن ثم فإن المعضلة التي تواجهها مصر تتمثل في كيفية التوفيق بين توسيع دائرة التمثيل السياسي وفرصه من ناحية وضمان عدم استخدام آليات التحول الديمقراطي لوقف هذا التطور أصلا. مصر لم تحل تلك المشكلة مما يمثل إشكالية لابد من مواجهتها ووضع الحلول الإبداعية لها.
‎© منبر الحرية،1 دجنبر/كانون الأول 2010

عزيز مشواط21 نوفمبر، 20100

ألقى الزعيم اللبناني حسن نصر الله في الآونة الأخيرة عددا من الخطابات، تناول فيها قضايا لبنان والعالم العربي وتطورات المنطقة وتعقيداتها السياسية في محيط إقليمي يظل منذ زمن بعيد محط أنظار العالم. وبحكم وضعية الحزب وتحالفاته الداخلية والخارجية وموقعه وتاريخ مواقفه، تحظى إطلالات الزعيم اللبناني بالكثير من الاهتمام الإعلامي، اهتمام تعززه قدرة الرجل الخطابية والبلاغية.
ويسجل جميع المراقبين، كما الأصدقاء والأعداء نجاح الإطلالات الإعلامية لحسن نصر الله في أكثر من مناسبة، إلى الحد الذي دفع جزءا كبيرا من القادة السياسيين والرأي العام في إسرائيل إلى أخذ تصريحات نصر الله بالجدية الاستثنائية. لكن خلف هذا النجاح توجد أكثر من كبوة لا بد من الالتفات إليها بعيدا عن العواطف والأحكام المسبقة.
في تجمع جماهيري إحياءا للذكرى الرابعة لحرب تموز قال حسن نصر الله”«كنا نطالب بإصدار أحكام الإعدام..والحمد لله صدرت العديد منها، واليوم نطالب بالإسراع بتنفيذ تلك الأحكام..» استغرق الخطاب أكثر  من ساعة، وحظي بتغطية إعلامية واسعة ونقلته على الهواء المباشر عدة قنوات تلفزيونية.. وبالتالي فإن الموقف من الإعدام المشار إليه أعلاه سيكون هو الآخر بالتأكيد حظي بنفس الانتشار.
بغض النظر عن السياقات التي صدر فيها الموقف، فإن صدوره من زعيم بحجم حسن نصر الله، يقتضي وقفة تأمل لم  تستطع المنظمات الحقوقية العربية أن تلتقطها، وهنا لا بد من الإشارة إلى مجموعة من النقاط.
إن هذا الخطاب يتناقض مع أبسط الحقوق التي ناضلت وتناضل الإنسانية من أجل إثبات الحق فيها:الحق في الحياة. إنه يضرب في العمق النضال من أجل إلغاء عقوبة الإعدام باعتبار أنها تصادر الحق في الحياة وأنها عقوبة لا إنسانية وحاطة بالكرامة الإنسانية.
إن المطالبة بإصدار عقوبة الإعدام وتسريع تنفيذه خطأ جسيم بكل المقاييس الحقوقية، مهما أخذنا بعين الاعتبار ملابسات التأهب التي يعيشها لبنان في مواجهة محيطه الخارجي، وضرورة ردع العملاء، ووضعية لبنان في مواجهة حكومات إسرائيلية متعنتة وذات نوايا عدوانية معادية.
يتمثل خطأ عقوبة الإعدام في أنها غير رادعة، كما أنها قد تصدر في حق أشخاص أبرياء في حالة عدم تطبيق شروط المحاكمة العادلة وضمان استقلالية القضاء، وحين تنفيذ حكم الإعدام، لا يمكن بعد ذلك تصحيح الخطأ، ونصبح آنذاك أمام جريمة فظيعة ارتكبت باسم القانون.
إن تصريحات حسن نصر الله غير الموفقة في هذا الشأن تستحق الكثير من التأمل، لأنها صادرة من زعيم تنظيم تبنى خيار المقاومة لإحقاق الحقوق الإنسانية ولاستعادة الكرامة في بعدها الإنساني، هذا على الأقل ما تحاول الشعارات والخطابات ترويجه. كما أنها، من جهة أخرى، توجيه قوي على المدى القريب والمتوسط والبعيد  للقضاء الذي يتم المطالبة باستقلاله، إذ كيف يمكن لقاض لبناني، كيفما كانت مصداقيته أن يظل طالبا للحقيقة في أي ملف يمس حزب الله، بشكل مباشر أو غير مباشر، بعد تصريحات حسن نصر الله. إنها تصريحات تختزن لهجة التهديد والوعيد لكل أجهزة الدولة بما فيها مؤسسة القضاء. ولا يمكن للقضاة بعد ذلك أن ينسوا أن صاحب التهديد ليس سوى زعيم حزب، استطاعت ميليشياته المسلحة في سبعة أيار أن تجتاح مناطق واسعة من لبنان في رمشة عين.
الكثير من التحليلات الواردة في الخطابات الأخيرة لحسن نصر الله، تحظى في العالم العربي بتعاطف كبير، لكن ذلك لا يمنع  من أنه  جانب الصواب بشكل كبير في مطالبته بالإعدام أولا وبتسريع تنفذ الأحكام ثانيا. وإذا كان مفهوما المنطلقات التي ارتكز عليه زعيم المقاومة اللبنانية في إطلاقه تصريحات من هذا القبيل، فإن غير المفهوم  فعلا  هو سكوت المنظمات الحقوقية العربية عن هذه المطالب الإعدامية. صحيح، قد تتخوف هذه المنظمات من انتقاد التصريحات بحكم الحساسية الشعبية اتجاه موضوع مرتبط  بالصراع العربي الإسرائيلي والتخوف من أن يتحول الموقف ليصب في خانة إسرائيل لكن أعتقد أن هذه التبريرات على “وجاهتها العاطفية” تبقى غير مقنعة للسكوت عن موقف يتنافى والتشريعات الكونية ومبادئ حقوق الإنسان في مفهومها الشمولي.
إن  إخضاع حقوق الإنسان للانتقائية يفتح الباب واسعا لمزيد من الانتهاكات الجسيمة التي عانت وتعاني منها الشعوب العربية، بدعوى الخصوصية ومواجهة الأعداء. وفي هذا السياق فإن الصراع مع إسرائيل ذاتها ليس سوى صراعا لإثبات خرقها لحقوق الإنسان وحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والحياة الكريمة وفي الملكية وفي الاستقرار والأمن.
بعيدا عن هذه التبريرات، يبقى على عاتق المنظمات الحقوقية وعلى الفعاليات السياسية والقوى الديمقراطية العربية  النظر إلى حقوق الإنسان بمنظار شمولي لضمان الحق الإنساني المقدس بعيدا عن التبريرات الضيقة. فيما يتحتم على زعيم  حزب بحجم  شعبية حزب الله على الصعيد العربي أن يكون حذرا أكثر عند التعاطي مع قضايا الشعوب العربية، وخاصة الحقوقية منها لأن تصريحاته المتعلقة بتسريع تطبيق عقوبة الإعدام لا تبعث على الاطمئنان.
إن مبعث عدم الاطمئنان التي خلفتها تصريحات نصر الله “غير الحقوقية” نابعة من قوة الحزب محليا ومن النفوذ الذي يتمتع به التنظيم إقليميا، فهذه التصريحات تعزز مواقف العديد من الفرقاء السياسيين اللبنانيين الذين ينظرون بالكثير من الحيطة والحذر إلى إستراتيجية الحزب ومخططاته البعيدة المدى. وهي مخططات يمكن أن تقوده في يوم من الأيام إلى الاستحواذ على السلطة، إن بشكل مباشر أو من خلال تحالفاته (نموذج التحالف مع التيار الوطني الحر) التي جعلت منه الآمر الناهي في لبنان، خاصة مع توفره على ترسانة عسكرية تتجاوز ما يتوفر عليه الجيش النظامي.
إن سيناريو تمكن حزب الله من السلطة في لبنان، تحت أي شكل من الأشكال، سيدخل حقوق الإنسان  في بلد الأرز في نفق أكثر ظلامية، إذ يسهل تبعا لمنطوق تصريحات نصر الله، العبث بها  تحت مسميات وذرائع شتى، لذلك فإن عدول نصر الله عن موقفه المؤيد للإعدام، سيكون عين الصواب، طمأنة للمحيط الحقوقي الدولي والعربي والمحلي، وتعزيزا للنضال والكفاح من أجل قضايا الإنسان العربي العادلة، التي يقول الحزب أنه يدافع عنها، وإشاعة لروح الاطمئنان المفقودة في لبنان، بفعل اضمحلال دور المؤسسات وتضخم دور الميليشيات.
‎© منبر الحرية،13 أكتوبر/تشرين الأول 2010

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

سأثير هنا بعض المسائل الخلافية بين دعاة العلمانية، وبين الإسلام السياسي، في مسألة الحكم، دون أن أغوص بعيدا في المسائل الشائكة بين الفريقين، وسوف أكتفي بما نقلته عن لسانهم خلال قراءاتي، وما ساقوه من حجج وبراهين، دفاعا عن مواقفهم، أو محاولة منهم لدحض آراء خصومهم، علما أني كثيرا ما لاحظت عدم اتخاذ دعاة الإسلام السياسي للتحاور سبيلا مع خصومهم العلمانيين، وربما أباحوا قتل العلماني لإلحاده حسب زعمهم، ونذكر هنا بمحاولة قتل الأديب الكبير نجيب محفوظ، أو قتل المفكر العلماني المصري الكبير فرج فودة، ربما إثر مناظرة بينه وبين محاورين آخرين من اتجاه الإسلام السياسي، أو ربما جندوا جيوشا من الإرهابيين خلف برنامج غير واضح المعالم والأهداف وهو ما يبرز تعطشهم لإراقة الدم في سبيل السطو على السلطة، والتفرد بها، وبالتالي تكفير العباد للنيل منهم.
يرى الإسلام السياسي، أن الإنسان لكي تكتمل هويته، وتتضح شخصيته، لابد له من العودة إلى القرآن، كتاب الله، وإلى سنة رسوله، والامتثال لإرادة السماء، لذلك فهم يطالبون بحكومة دينية، يكون الإسلام (القرآن  السنة) هو مصدر الشريعة أولا، ولا بأس  بعده من إعمال العقل تمسكا بالقرآن واقتداء بسنة  رسول الله، أو كما يقتضي القياس، أي العمل على هديهما، ومن هذا المنظور فإن الأحكام الوضعية التي يجود بها عقل الإنسان الذي يعاين أية مسألة مستجدة عليه أن يستنبطها ما أمكن من ثنايا الشريعة، أو ما يأتي بها القياس، ويؤكدون عند وجود نص صريح (القاتل يقتل) يبطل الاجتهاد، وتنتفي العملية الديمقراطية في استمزاج الآراء أو حتى الشورى بمفهوم الإسلام، وهؤلاء يصرون أن القرآن يؤكد أن الإسلام دين ودولة، وأن الإسلام هو الحل في كل ما يعترض سبيل الناس من أمور، وهم بالتالي يعترضون على الدولة المدنية، بزعم اللبس في المعنى، أو لتضمينها معاني غامضة، والدولة القائمة لابد لها إلا أن تكون من عقيدة الأكثرية المسلمة، وإن معاناة الدول الإسلامية اليوم من ضعف وتخلف، كان بسبب الابتلاء بالاستعمار، والقعود عن الاجتهاد، والبعد عن أخلاق الإسلام، وعن الدين الحنيف، وهم بالتالي يصرون على إقامة دولة دينية، وأن لا بديل عنها، ويعترضون على الدولة المدنية بقوة كما بينا آنفا.
أما العلمانيون فيرون أن الملوك قديما كانوا يحكمون بالحق الإلهي، كما كانوا يزعمون، هكذا كانت طبيعة الدولة الدينية، لكن عندما أصبحت الشعوب في أي بلد مصدرا للسلطات، سميت الدولة بالدولة المدنية، وقد يكون في الحالتين الحكم استبداديا، وكثيرا ما يكون الداعون للحكم باسم الدين في الدولة الإسلامية، أو باسم الشعب في الدولة المدنية غير صادقين …، بعض العلمانيين يحاولون أن يميزوا بين المعنى  في (الحكم) حكم النبي وحكم الملك، فالنبي كان يحكم بين الناس، أما الملك فهو يحكم الناس، وثمة آيات صريحة في بيان هذا المنحى، منحى حكم الناس، أو الحكم بين الناس، وبالتالي الفارق في وظيفة النبي والملك بيّن، ويرون بذلك أن دعوى الحكم بنظرية الحق الإلهي قد انتهت، وحلت مكانها نظرية، أن الشعوب هي مصدر السلطات، وهي تختار الحاكم، والعلمانيون عندما يتحدثون عن النبي محمد (ص) يخلعون عليه لقب الرسول وليس الملك، وبأن سلطة محمد كانت مقتصرة على الدعوة الإسلامية، وهدي الناس، ولم يشر القرآن إلى وظيفة أخرى للنبي محمد (ص) كالحكم، أما الخلفاء فجاء حكمهم باختيار الناس، فالخلافة بهذا مدنية، لكن الإسلاميين يعترضون على هذه النقطة بحجج وجيهة، فيؤكدون أن محمدا أقام دولة إسلامية، فقد قاد النبي دولة وأسس جيشا، وقام في عهده المكلفون بجباية الضرائب، وتحصيل الزكاة، وهذا دليلهم بأن ذلك لا يتم إلا في أعراف الدول، ومن هنا فهم يصرون من أن الإسلام الأول في عهد الرسول الكريم كان دينا ودولة، الإسلاميون يرون أن العلمانية والقانون الوضعي من آثار المستعمر الأجنبي، بيد أن العلمانيين ينفون هذه التهمة، فالقانون الوضعي، قد  وجد في بعض الدول حتى قبل وجود الاستعمار الحديث، لكن النقطة الموجعة والمفحمة التي ينادي بها العلمانيون تتمثل في جانبين، أولا بأي نظام إسلامي سياسي ستهتدون في الحكم، بأي نموذج ديني، في الدول الإسلامية ستقتدون؟. هل يكون الاقتداء بمثال النظام في السعودية أو في إيران أو في السودان؟. هاتوا نموذجا واحدا يمكن  أن تتبنوه في إدارة الحكم، حتى نجادلكم فيه، ثم يدلل كيف أن المنادين بالدولة الدينية لا يخرجون ببرنامجهم السياسي، ويشيرون كيف أن الإسلام السياسي بهذه الارتكابات الدموية وهو خارج السلطة، فكيف تكون الحال معه لو استلم السلطة، وتحت إمرته الجيش وقوات الأمن، وهذا ما يبعث على الذعر في نفوس الناس، وسيلان الدماء في بعض الأمصار، وربما أدت طبيعة الحكم إلى انقسام البلاد، ولذلك فالعلمانيون يركزون على الحكومة المدنية، التي تتميز بهوية المواطنة، وتركز عليها كأساس ومقياس الانتماء دون شيء آخر، ويطالبون بفصل الدين عن الدولة .
نقطة أخرى في برنامج بعض دعاة الإسلام السياسي، في مصر مثلا، هؤلاء يدعون قبولهم بما تفرزه صناديق الاقتراع من نتائج الانتخابات النيابية، والحق بالتالي لإدارة البلاد، وأعتقد أنهم واهمون عندما يؤكدون أنهم سوف يفوزون بنسبة أكثرية ساحقة، وهنا السؤال القاصم لظهر البعير: هل هم يقبلون باللعبة الديمقراطية على طول الخط؟، أم هي مناورة منهم وحنكة سياسية للحصول على السلطة، ومن ثمّ الانقلاب على آلية الديمقراطية، والتنكر لها؟. ثم متى كانوا يؤمنون بالديمقراطية؟. ألم يقولوا عنها أنها صنيع الاستعمار؟. ألم ننقل عن لسانهم قبل قليل ما قالوه: من أن الدولة ينبغي أن تكون من دين الأكثرية، ألا يعني ذلك أنهم يطالبون بدولة دينية إسلامية؟. فماذا يكون ردّ فعلهم لو فاز بالانتخابات مناضل قبطي، هل يقبلون به حاكما على جمهورية مصر، لسان حالهم يقول لا بالطبع لأنهم يترنمون دائما بمقولة من أن (الإسلام دين ودولة)، ومن أن الدين الإسلامي هو الحل لكل القضايا المختلف عليها، وبالتالي فهو (الإكسير) الناجع لكل أدواء المجتمع، فهل يمكن الذهاب معهم في ذلك؟.
© منبر الحرية، 10 شتنبر/سبتمبر 2010

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

غيب الموت في أوائل هذا الشهر السيد محمد حسين فضل الله. وكما يحدث عندما يسقط رجل جريء مثله، سرعان ما نكتشف كم مثّل علامة مضيئة في واقع إسلامي/عربي يتعطش للتجديد والبناء. إن أساس نجاح فضل الله ارتبط بقدرته على الربط بين الإسلام من جهة وتمكين الضعفاء والمهمشين في المجتمع مقروناً بالمقاومة ومناصرة القضية الفلسطينية من جهة أخرى. وغيابه المفاجئ ترك فراغاً كبيراً، لكن اجتهاده وجهاده سيكونان حتماً حافزاً لذوي الرؤى الإسلامية المجددة.
التقيت السيد محمد حسين فضل الله عام ١٩٧٦ من خلال والده المرحوم السيد عبد الرؤوف فضل الله الذي توفي عام ١٩٨٤. كان السيد عبد الرؤوف في ذلك الوقت إمام مدينة بنت جبيل عاصمة جبل عامل، وإمام سائر القرى والبلدات في جنوب لبنان. كنت حينها في أوائل العشرينات من عمري خريجاً جديداً في الجامعة أبحث عن فرص المقاومة الجادة في زمن العمل الفدائي في مدينة بنت جبيل الحدودية قرب فلسطين المحتلة بالتحديد. نشأت حينها بيني وبين المرحوم السيد عبد الرؤوف فضل الله، وعلى رغم فارق السن والتجربة، صداقة هي مجال اعتزازي. حينها عرفني إلى العائلة فرداً فرداً وعلى أبنائه السيد محمد علي والسيد محمد جواد، وصولاً إلى ابنه السيد محمد حسين فضل الله الذي كان قد قطع شوطاً في مسيرته.
وفي لقائي الأول بالسيد محمد حسين فضل الله اكتشفت بيسر وسهولة ذلك الرابط الخاص بينه وبين والده العلامة السيد عبد الرؤوف فضل الله. كان والده قد هاجر إلى النجف من بلدته بنت جبيل/عيناتا لتلقي العلوم الدينية ثم عاد إلى لبنان بعد غيبة طويلة عام ١٩٦٦. حمل عبد الرؤوف فضل الله فكراً منفتحاً تجاه الآخرين وتجاه الطوائف الإسلامية الأخرى، واتجاه التنوع والسلام بين الديانات. وكان زاهداً في حياته شديد التواضع والورع. وتعلمت منه في مرحلة مبكرة من تجربتي الإنسانية والفكرية الكثير عن ذلك التصالح الهادئ والمسالم الذي يمكن إيجاده بين الدين والحياة وبين واقع الإنسان والإيمان.
في سلوك فضل الله الأب انفتاح تلقائي على الآخر. ففي بنت جبيل في سبعينات القرن الماضي، وعلى رغم عدم سعيه إلى ربط السياسة بالدين وقف عبد الرؤوف فضل الله بقوة ضد الطائفية ومع المقاومة، وقف ضد الإساءة للمسيحيين في الجنوب ومع مقاومة التعامل مع إسرائيل، وقف بقوة ضد سلوكيات المقاومين الخاطئة ومع المقاومين الذين ميزوا أنفسهم بالتضحية والجدية والمحافظة على أرواح وممتلكات الناس وحقوقهم.
وفي المقابل كان السيد محمد حسين فضل الله يقول: انه تعلم العقل المنفتح من أبيه لأنه عندما تتلمذ على يده كان يطلب منه أن يعطي وجهة نظر معاكسة في كل موضوع. إذ يقول له: العلم يتطور بالاعتراض والاختلاف والتساؤل. من هذا المنطلق تعلم السيد محمد حسين من والده مبادئ المشاكسة الفكرية مع احترام للآخر.
ومع بداية تعرفي إلى السيد محمد حسين فضل الله في العام ١٩٧٦-١٩٧٧ كان قد خرج من تجربة نضالية وإنسانية صعبة، وسط لهيب الحرب الأهلية اللبنانية في منطقة النبعة. تحدث السيد في تلك الفترة الحساسة عن المقاومة وعن الإسلام الحضاري، والتجديد والعقلانية، وقد التف حوله عدد من الشبان ممن آمنوا بفكره وأطروحاته ووجدوا فيه داعية للمقاومة والإصلاح وللملائمة بين الدين والحياة والحرية والعدالة. كان آخر لقاء لي مع السيد محمد حسين عام ١٩٨١ في محاضرة له مع مجموعة صغيرة من الحاضرين في جنوب لبنان عن الثورة الإسلامية والتغيرات الجديدة في منطقتنا وعلاقة كل هذا بالمقاومة.
إن هذا التاريخ الشخصي والأسري والعلمي جعل فضل الله مهيئاً لأن يكون احد الذين صنعوا بيئة المقاومة بعد الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢. فهو أول من أعلن رفضه لاتفاق ١٧ أيار المعقود بين إسرائيل ولبنان تحت الحراب الإسرائيلية. وأول من طرح فكراً متماسكاً للمقاومة الإسلامية وأصدر كتابه «المقاومة الإسلامية آفاق وتطلعات». إن أكثر من تأثر بالسيد هم شبان جنوب لبنان وبيروت، وأيضا شبان «حزب الله» وهو في بداياته. لم يكن للحزب في أواسط الثمانينات قائد محدد، لهذا نظر شبان الحزب في بداياته إلى فضل الله بصفته رمزاً فكرياً لمقاومتهم ضد الاحتلال الإسرائيلي، ونتجت من هذا محاولات عدة لاغتياله وتصفية فكره ودوره.
من جهة أخرى، لم يؤيد فضل الله نظرية ولاية الفقيه، فهو تفهم هذه الولاية في إيران ضمن حدود حماية النظام الإسلامي، على رغم تأكيده بأنها غير متضمنة بالفقه الإسلامي، لكنه من جهة أخرى لم يرَ أن ذلك النموذج (ولاية الفقيه) يمكن تعميمه في لبنان أو العراق وبقية مناطق التواجد الشيعي والإسلامي. فهو لم يعتبر أن لبنان المتنوع دينياً ومذهبياً مؤهل ليكون جمهورية إسلامية كإيران، وحتى آخر لحظة في حياته أصر مع جميع التيارات العراقية التي جاءت لرؤيته على ضرورة إنصاف السنّة في العراق. ظل يردد بأنه يجب أن لا تكون هناك غلبة لفريق على حساب فريق آخر في الحكم في العراق. كان بطبعه وفطرته وجذور عائلته وما تعلمه عن أبيه وحدوياً: يوحد بين متناقضات قائمة بين طوائف وبين فئات مختلفة في وطنه لبنان وفي وطنه العربي والإسلامي الأوسع.
وتميَّز السيد محمد حسين فضل الله بجرأته على مراجعة الكثير من الثوابت التي تحد من حريات المسلمين وقدرتهم على التأقلم مع عناصر الحياة. لقد بحث في الواقع النفسي والسياسي والإنساني الذي يتحكم بمواقف وسلوكيات الأفراد، مما جعل اجتهاده رحيماً ومسهلاً للحياة. إن مقدرة السيد محمد حسين فضل الله على الإلمام بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والمعنوية والتاريخية وتعمقه بالفكر الإنساني والفلسفي والنفسي، أغنى اجتهاده وساعده على التوصل إلى فتاوى ودراسات أنصفت المرأة وساوتها مع الرجل وعمقت من حقوقها. إن فتاويه حول ضرب المرأة وحول جرائم الشرف جعلته نموذجاً لحضارية الإسلام. الإصلاح الديني والإسلام الحضاري هما جوهر أبحاثه ومؤلفاته الغزيرة.
لقد أفتى السيد محمد حسين فضل الله بحرمة جرائم الشرف تحت كل الظروف، وأفتى بحرمة جرائم الثأر واعتبرها عدواناً وإفساداً في الأرض، وأفتى بحق المرأة في أن تكون وزيرة وفي موقع الإفتاء، وأفتى بجواز ارتداء المرأة المسلمة الشعر المستعار (الباروكة) في حال اضطرارها إلى التخلي عن الحجاب كما حدث في فرنسا، وأفتى بحرمة ضرب الرأس في عاشوراء وأنها مظهر من مظاهر التخلف في استعادة الذكرى. كما أفتى حول الإجهاض والسماح له ضمن حدود السلامة قبل تكوّن الجنين، وبتحريم إثارة أي حديث مذهبي، ولا سيما بين السنّة والشيعة في الكويت في ما يتصل بالإساءة إلى صحابة النبي وزوجاته، وهو نفسه دعا إلى الاعتماد على العلم في محاولته توحيد المواقيت بين المسلمين الشيعة والسنّة في رمضان والأعياد. وأفتى بحرمة التفجيرات التي تستهدف المدنيين سواء في المغرب أو في المملكة العربية السعودية، وبتحريم التنازل عن حق الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم. لقد ساهم فضل الله من خلال فتاويه (وهذه بعض منها فقط) في التعامل مع المرأة بمساواة واحترام قلما وجدناه بين فقهاء المسلمين المعاصرين.
لم يكن غريباً أن فضل الله الذي بدأ في النبعة قبل الحرب الأهلية وانشأ فيها مسجداً وتجمعاً ثقافياً استمر في سعيه لبناء المؤسسات طوال الثمانينات وحتى وفاته. لقد أنجز حوالي ٣٠ مؤسسة منها المدارس والمؤسسات الصحية ومستشفى ومراكز ثقافية ومعاهد لرعاية المعوقين ومؤسسات لرعاية كبار السن والعجزة وغيرها من المؤسسات. وحول إيمانه بالناس وبحقوقهم إلى مؤسسة اجتماعية إنسانية ثقافية تعليمية متكاملة. هذا المنحى الإنساني هو نفسه الذي دفع فضل الله إلى إعلان رأيه في كل قضية مست الإنسان وحقوقه.
في كتاب الصحافية اللبنانية منى سكرية الصادر عام ٢٠٠٧ مقدمة كتبها رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سليم الحص عن السيد محمد حسين فضل الله قال فيها: «نحن المعجبين به ليس لكونه الجامع بين المذاهب الإسلامية بل لكونه الرافض للعصبيات الطائفية، وهو الداعية للوحدة الوطنية بين المسلم والمسيحي… وإعجابنا مضاعف به لكونه رجل العمل الإنساني والاجتماعي بامتياز».
المصدر: الحياة
‎© منبر الحرية،31 تموز/يوليو  2010

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018