علم الاقتصاد و التجارة الحرة

peshwazarabic26 يناير، 20110

من الخطأ أن يصبح جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة هدف بحد ذاته، بل من الحكمة أن تسخّر الدول النامية إمكانياتها للاستفادة من تلك الاستثمارات في إطار سياسات التنمية الشامل. ولكن لا يمكن تحديد السياسات العامة الأكثر فعالية لتحقيق تلك الاستفادة بشكل مطلق، بل من الضروري استخلاص العبر من تجارب بعض الدول في هذا الصدد مع الأخذ بعين الاعتبار توخي الحذر عند التطبيق، من منطلق أن لكل بلد إطاراً اقتصادياً وتاريخياً وجغرافياً وثقافياً وسياسياً يختلف عن الآخر.
إن عملية جذب الدول للشركات للاستثمار المباشر، تختلف من الدول الغنية إلى الدول النامية، حيث تعمل الدول المتقدمة على تقديم ما يعرف بالهبات المباشرة في كثير من الأحيان. بينما تلجأ الدول الفقيرة إلى حوافز تخفيض الضرائب. كما أن هنالك ترتيبات تفضيلية، مثل اتفاقيات الاتحاد الأوروبي مع كثير من الدول والتي تعرف باسم اتفاقيات الشراكة، وكذلك مبادرة الولايات المتحدة الأمريكية لحوض البحر الكاريبي. وأيضاً قانون النمو والفرص في افريقيا الصادر عن الولايات المتحدة. ولكن يجب النظر دائماً إلى مثل تلك الترتيبات على أساس أنها منفذاً مؤقتاً وليس دائماً.
والتحدي الأكبر يكمن في إمكانية تحقيق تلك الحوافز الفوائد المرجوة؟ وهل يؤدي ذلك إلى خطر إنفاق الأموال العامة؟ وهل هناك خطر من مدى القدرة على ضمان بقاء تلك الشركات في البلد المضيف؟ ومن يضمن بقاءها في حال انتهاء الحوافز أو توقفها؟ أو في حال لم يعد بإمكان الشركات الاستفادة من الترتيبات أو التفضيلات الممنوحه للدول من أجل تشجيعها؟
ومن الممكن استغلال منافع الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تضطلع به الشركات عبر الوطنية استغلالاً أكبر، فلقد بدأت التكنولوجيا تتغير، والعمليات والوظائف قابلة للتجزئة بصورة متزايدة، والحدود الفاصلة بين ما هو داخلي وما هو خارجي للمؤسسات تتبدل. والتحدي الذي تواجهه البلدان التي ترغب بالتطور والتقدم هو كيفية الاستفادة من تلك الشركات استفادة أكبر، وهنا تظهر أهمية السياسات العامة المعتمدة من قبل تلك الدول.
ومقدار النجاح الذي يحققه البلد المضيف للاستثمارات أصبح يعتمد على قدرة البلد على تطوير القدرات المحلية، والدول الأكثر نجاحاً في مجال استقطاب الشركات عبر الوطنية هي التي لجأت إلى اتباع نهج ثنائي يستند إلى تنمية القدرات المحلية مع استهداف الموارد والأصول للشركات. والصين تعتبر من أكثر الدول المعتمدة على هذا النهج في استراتيجيتها لجذب استثمارات الشركات عبر الوطنية. ومن عناصر هذا النهج :
توافق ما هو مستهدف في تشجيع الاستثمار مع الاستراتيجات الإنمائية والصناعية الأوسع نطاقاً للبلد المعني.
توفير رزمة من الحوافز بطريقة مركزة لتشجيع الشركات عبر الوطنية على الاستثمار في الأنشطة الرئيسية.
إشراك الشركات المنتسبة في تطوير ورفع المستوى المهني والتكنولوجي للموارد البشرية.
بنية رفيعة المستوى من قبيل مناطق التجهيز والمجمعات العلمية والمدن الصناعية بالإضافة إلى المناطق الحرة.
إن قدرة الدول النامية على الاستفادة من الفرص الجديدة الناشئة عن التنافس بين الشركات يعتمد إلى حد كبير على ما تتخذه بنفسها من إجراءات بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى ما تقدمه الدول المتقدمة من مساعدات سواء على صعيد تطوير القدرات المؤسسية، أو إزالة الحواجز أمام صادرات البلدان النامية خاصة في ظل بيئة تنافسية عالمية تزداد حدة. كذلك من الضروري طرح دور منظمة التجارة العالمية، الذي من الممكن أن تلعبه لتشجيع الدول النامية على التصدير والحد من سياسات الحماية المتبعة من قبل الدول الصناعية، كسياسات الدعم والإعانات المتخصصة، والتدابير الوقائية التي تقوّض فعلاً الفرص المتاحة أمام البلدان النامية لاستغلال ميزتها النسبية على أتم وجه.
الكثير من الأفكار والنظريات تعتبر أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتمثلة بالشركات هي من سلبت خيرات وإمكانيات الدول النامية وأنها تبحث فقط عن مصالحها الخاصة، وجعلت الدولة النامية أكثر تبعية لها. لكن في هذا السياق لا بد من التساؤل عن بعض التطورات الحاصلة في هذا الإطار:
هل كان بإمكان الصين الدولة العملاقة ودول أخرى كالهند وكوريا الجنوبية وإيرلندا تحقيق ما حققته في المجال الاقتصادي دون هذه الاستثمارات ؟
إذا كانت الدول النامية تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية فما هي طرق العلاج؟ وإذا كانت محصلة الأوضاع في كثير من الدول سيئة للغاية، فالحصول على شيء أفضل من لا شيء. فمصر لا تملك أية قدرة على مستوى صناعة السيارات، والآن تمتلك مصانع لتجميع سيارات “BMW” وما نتج عن ذلك من انعكاسات على المستوى التصدير، وخلق فرص عمل واكتساب خبرات ومهارات في مجال صناعة السيارات. فهل كانت مصر قادرة على فعل شيء من ذلك دون الاستثمار المباشر الأجنبي لشركة “BMW” ؟؟؟
© منبر الحرية،26 يناير/كانون الثاني 2011

peshwazarabic20 ديسمبر، 20100

كتب إدوين جيه. فيولنر (رئيس مؤسسة التراث واشنطن) في تقديمه لكتاب فريدريك هايك (الطريق إلى الرق) أن هذا الكتاب يعد أكبر من أي إسهام آخر في سيرة هايك. أما هايك نفسه فقد قال عنه أنه "واجب لم يكن علي التملص منه".

peshwazarabic12 نوفمبر، 20100

موجز تنفيذي
الرخاء وحقوق الملكية أمران مترابطان لا تنفصم عراهما. إن أهمية وجود تحديد واضح لحقوق الملكية وحمايتها حماية قوية أصبحا الآن موضع اعتراف واسع لدى علماء الاقتصاد وواضعي السياسة. نظام الملكية الفردية يعطي الأفراد حصراً الحق في استخدام مواردهم وفق ما يرونه مناسباً. حق التصرف هذا بما يملكون يقود منتفعي الملكية بأن يأخذوا بعين الاعتبار التام جميع الفوائد والأثمان التي تتأتى عن استغلالهم لتلك الموارد بطريقتهم الخاصة بهم. إن عملية تقييم المنافع مقابل الأثمان التي ينطوي عليها ذلك الاستغلال ينتج ما يصطلح عليه علماء الاقتصاد بالنتائج الأكفأ. وهذا يترجم على أرض الواقع بتحقيق مستويات معيشة أعلى.
ومع ذلك، فإن القبول بأهمية حقوق الملكية من قبل علماء الاقتصاد لم يتم إلا في العقود الأخيرة. وعلى امتداد كثير من فترات تاريخ الاقتصاد الحديث، لم يحظ هذا الموضوع إلا بأقل الاهتمام. حتى أشد دعاة اقتصاديات السوق كانوا يتغاضون عن بحث هذا الموضوع. ليس من دواعي الدهشة إذن أن تكون قد نتجت عن ذلك الإهمال سياسات تنمية رديئة وحتى لو أصبح واضعو السياسة في الدول المتقدمة وفي المؤسسات الدولية يعترفون اليوم بالدور الحيوي الذي يمكن أن يؤديه نظام يعترف بالملكية الفردية في الدول النامية بالنسبة للتنمية الاقتصادية، فإن قدراتهم محدودة فيما يتعلق بما يمكن عمله لمساعدة الدول النامية على تطوير مثل هذا النظام. بيد أن بمقدور واضعي السياسة الابتعاد عن التوصية بسياسات من شأنها النيل من نظام الملكية الفردية.
لماذا حقوق الملكية؟
إن المعاذير التي تقدم لتفسير فشل التنمية متعددة ومشهورة: شح الموارد الطبيعية؛ عدم كفاية التمويل في مجال التعليم؛ الثقافة، الدين والتاريخ؛ ومؤخراً عنصر الموقع الجغرافي. وكما علَّمنا فريدرك هايك، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، في سياق آخر، فإننا لا نستطيع أن نفسر النجاح عن طريق تمحيص الفشل: “قبل أن نستطيع تفسير لماذا يرتكب الناس الأخطاء، علينا أن نفسر أولاً، لماذا يتوجب أن يكونوا أصلاً على صواب.”
السؤال الذي يتوجب أن نسأله هو: لماذا يتوجب على الأمم أن تتمتع بالازدهار؟ وجهة نظرنا هي أن الفرق بين الرخاء والفقر يكمن في الملكية الفردية. الأمم تزدهر عندما تكون حقوق الملكية الفردية محددة بوضوح ومصانة.
ثروة الأمم
الباحثان ريتشارد رول وجون تالبوت في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، وضعا عنواناً مثيراً على البحث بعنوان “لماذا كثير من الدول النامية هي ليست كذلك؟” التنمية الاقتصادية كانت الاستثناء وليس القاعدة. وكما أوضح عالم الاقتصاد من البيرو هيرناندو دي سوتو، فإن الرأسمالية حققت النجاح بدرجة رئيسية في الغرب. والنتيجة هي الفروقات التي لا تصدق في مستويات المعيشة حول العالم.
ووفقاً للقياس الذي يتبع، فإن الدخل الحقيقي يتفاوت على امتداد بلدان العالم بأكثر من 155 ضعف. في عام 2000، كان الإنتاج المحلي العام في لوكسمبرغ (50.061) دولاراً، وفي سيراليون (490) دولاراً. هذه الأرقام محسوبة على أساس مقارنة متوازية للقوة الشرائية. وإذا استخدمت قيمة الدولار لعام 1995، فإن الفوارق بين البلدان تبدو حتى أكثر بعداً. الفوارق بين بلدان متجاورة، يمكن أن تكون هائلة. ووفقاً للمقياس الذي يعتمد فإن دخل الفرد في الولايات المتحدة من مجموع الإنتاج القومي العام هو أربعة إلى ثمانية أضعاف مثيله في المكسيك. النتائج الاقتصادية-الاجتماعية لتلك الفوارق كبيرة ومعروفة. وبقياس متحفظ، فإن دخل كوريا الجنوبية هو 17 ضعف دخل الكوريين الشماليين. وبالتأكيد فإن ذلك الفرق له علاقة بالتوتر الحالي القائم على ساحة الجزيرة الكورية.
في الثلاثينات من القرن الماضي كان الفنلنديون والإستونيون يتمتعون بمستوى معيشة متطابق. البلدان كلاهما جاران. لغتهما تنتمي لأصول لغوية مشتركة، وثقافتهما متشابهة وكلاهما يشتركان بقيم كثيرة. (على الرغم من كونها إحدى دول البلطيق جغرافياً، فإن الإستونيين يعتبرون أنفسهم من الجنس الاسكندنافي). ووفقاً للمقياس المطبق، فإن أهل فنلندا في عام 2000، كانوا يجنون ما بين اثنين ونصف إلى أكثر من سبعة أضعاف ما يجنيه في المتوسط المواطن الإستوني. خمسون عاماً من الحكم الشيوعي كان له، بكل تأكيد، علاقة بالفجوة القائمة بين دخول سكان البلدين.
في الماضي، كانت توجد فجوة شاسعة في مستوى المعيشة بين شرق وغرب ألمانيا—بلدان يملكان بشكل أساسي نفس الموارد والتعليم والثقافة واللغة والدين والتاريخ والجغرافيا.[1] لماذا إذن ذلك الفرق الشاسع؟
هونغ كونغ وسنغافورة هما دولتا مدينة، ويكادان أن يكونا محرومين كلياً من أية ثروات طبيعية. إن حدودهما مجاورتان لبلدان أكبر وأفقر منهما كثيراً. هونغ كونغ، بصورة خاصة، تحملت فترات طويلة من الهجرات إليها من جارتها الأفقر—الصين الشعبية. ومع ذلك فكلاهما حققا نمواً متواصلاً في دخل الفرد بنسبة 5% وعلى امتداد فترة طويلة. دخل الفرد الفعلي في سنغافورة تضاعف ما بين 1962 و1971. دخل الفرد الفعلي من الإنتاج الوطني العام في هونغ كونغ، وهي مستعمرة بريطانية سابقة، يتجاوز الآن دخل البلد الأم (25.153) دولار مقابل (23.509) دولار في عام 2000، من حيث القوة الشرائية المتوازية. والتناقضات وفيرة. فعلى الرغم من المعجزة الاقتصادية التي حققتها الصين مؤخراً، فإن دخل الفرد الفعلي فيها من مجموع الإنتاج الوطني العام، ما زال تحت 4000 دولار. ودخل تايوان هو 17.000 دولار أي أكثر من أربعة أضعاف دخل الصينيين. (كلاهما محسوب بالقوة الشرائية الحقيقية المقارنة).
وقد علق البروفيسور ألن ميلتزر مؤخراً على هذه التجارب شبه المختبرية في حقل التنمية بما يلي:
“في كل حالة من حالات المقارنة، نجد أن الثقافة واللغة والتقاليد واحدة. النتائج مع ذلك نراها مختلفة بشكل حاد. البلدان التي تتبع نظام السوق ولديها مؤسسات الرأسمالية تنمو أكثر ثراءً؛ الأخرى، إما ترنّحت أو رجعت إلى الوراء. الكوري الجنوبي الآن يعيش على دخل متوسطه يساوي متوسط الدخل في الولايات المتحدة عام 1945. ابن عمه في كوريا الشمالية، هذا إذا استطاع البقاء، يعيش على أكل الحشائش والاعشاب. زميلي نيك أبرستاد يوضح مدى تأثير الغذاء ومستوى العيش: الأولاد الكوريون الجنوبيون في سن سبع سنوات 9 بوصات أطول من الأولاد في سنهم في كوريا الشمالية.”
التنمية الاقتصادية التاريخية الحقيقية لا يمكن تفسيرها بوجود أو غياب الثروات الطبيعية. الموارد الطبيعية ليست ضرورية أو كافية للتنمية. لقد أنجزت التنمية في ظروف عسيرة، وغابت التنمية في بلدان غنية بالموارد الطبيعية. “لعنة” البترول معروفة.[2] ودخل الفرد الحقيقي في المملكة العربية السعودية هو جزء بسيط مما كان عليه في يوم مضى. نيجيريا، وهو بلد منتج للبترول يصنف على أنه بلد فقير غارق في الديون. والأرجنتين، الغنية بالموارد الطبيعية بما فيها البترول، عانت في الآونة الأخيرة من أزمة اقتصادية طال أمدها بسبب سياسات سيئة ومؤسسات منقوصة.[3]
في دراساتهم التجريبية، يربط علماء الاقتصاد ما بين الإنتاج ورأس المال المستثمر، ورأس المال البشري والإنتاجية. وبغض النظر عن ارتباطها المشار إليها، فإن هنالك خطأ فكري فادح في ذلك التحليل. إن طرفي المعادلة يحسبان الشيء ذاته:
الجانب الأيسر يقيس تدفقاً من المال، بينما المعطيات الفيزيقية وعناصر رأس المال البشري المختلفة، على الجانب الأيمن، تقيس مجمل الثراء. واضح أنه إذا أجرى أحد إنحداراً للثراء على الثراء، بالإضافة إلى بعض مقررات الثراء، فإن الأخير لن تكون له فرصة بأن يبدو مهماً.
ليس غريباً إذن أن المعطيات المأسسية للنمو قد تعرضت للإهمال. حتى عندما تُشمل في الدراسات التجريبية، فإنها تتنافس مع الثراء في إيضاح النمو الاقتصادي. إن النمطية في عملية النمو قد أدت إلى تغييبها.
ليس القصد من هذه الدراسة مراجعة أدبيات التنمية بالوسائل التجريبية. لقد فعل ذلك جيداً رول وتالبوت. إن تركيزنا هو على ما هو مهم فعلاً للنمو: الملكية الفردية. ومع ذلك، فنحن نأخذ في الحسبان نتائج الدراسات التجريبية التي جاءت في دراستهما.
فقد وجد رول وتالبوت بأن تسعة عناصر مؤسسية تُفسر أكثر من 80% من التباينات الدولية في حسابات مجموع دخل الفرد ضمن حسابات الدخل القومي حيث تتواجد حقوق الملكية الفردية (+) ونشاطات السوق السوداء (-)، والتي يكون لها أكبر الأثر. العوامل الأخرى هي قيود التنظيم (-)، التضخم (-)، الحريات المدنية (+)، الحقوق السياسية (+)، حرية الصحافة (+)، النفقات الحكومية (+)، والحواجز التي تعيق التجارة (-). إننا ننسب هذه الدراسة للقارئ الذي يرغب في الحصول على مزيد من التفعيلات حول نتائج الدراسة التجريبية.
وقبل أن نتحول إلى النظرية الفكرية التي تبين بأن حقوق الملكية الفردية هي العنصر الرئيسي في النمو الاقتصادي والتنمية، فإننا نتساءل عن الأسباب التي أدت إلى إهمال حقوق الملكية الفردية في البحوث الاقتصادية. لا نستطيع الاكفتاء بمجرد إلقاء اللوم على الأنماط الاقتصادية التي تستخدم في الدراسات بل يتوجب الرجوع إلى النظريات الفكرية التي تقف وراء ذلك الإهمال.
تجاهل علماء الاقتصاد
في كتابه حول تاريخ حقوق الملكية الفردية، يحلل توم بيثل موضوع إهمال حقوق الملكية الفردية في الأدبيات الاقتصادية. وينهي الكاتب دراسته بالقول بأن الملكية الفردية كانت حقيقة قائمة لا جدال فيها في كتابات علماء الاقتصاد الكلاسيكيين. غيابها كان أمراً خارجاً حيّز التفكير، لذا فإن أهمية الدفاع عنها لم يكن وارداً. وكما أوضح المؤلف: “في بريطانيا في زمن آدم سميث، لم يكن انتقاد حقوق الملكية ليجد طريقه أبداً إلى النشر”. ويوافق ريتشارد بايبس على ذلك بقوله: “إذا كان تجميد الملكية الفردية قد وصل القمة في إنجلترا، حيث كانت تتمتع بتأييد الأعداد الكبيرة من أصحاب الملكية الفردية، فقد تعرّضت للنقد، أول ما تعرضت في فرنسا إبان النظام الفرنسي القديم البائد.”
آدم سميث لم يهمل حقوق الملكية في أعماله القانونية. فقد جاء في أول محاضرة ألقاها ضمن السلسلة الأولى من محاضراته حول فقه القانون ما يلي:
“إن الواجب الأول والأساسي لأي نظام حكومي هو الحفاظ على العدالة: منع أعضاء المجتمع من أن يعتدي أي منهم على ممتلكات شخص آخر، أو الاستيلاء على ما هو ليس لهم. النظام إذن هو إعطاء كل واحد التملك الآمن والسلمي لممتلكاته.”
إن خطاب سميث هذا حول الهدف من الحكومة يعود في صياغته إلى لغة القرن الثامن عشر. إنها وصفية بقدر ما هي حقيقة وضعية. حماية الملكية الفردية هي بكل تأكيد الواجب الأول والأهم. وكما يوضح بيثل، فإن علماء الاقتصاد “افترضوا وجود إطار سياسي وقانوني شبيه بما كان قائماً في بريطانيا القرن الثامن عشر، ولكنهم لم يؤكدوا على هذا المفهوم، كما أنهم لم يشرحوا مفاهيمه بالتفصيل.” في فرنسا، أفرد جان-بابتيست سيه فصلاً في كتابه بعنوان دراسة حول الاقتصاد السياسي حول الملكية. وعلى ما يبدو، فإن تجربة الثورة الفرنسية قد دفعت بسميث إلى التركيز على أهمية حقوق الملكية. كما أن تلك التجربة قد أثرت تأثيراً عميقاً على مفكرين إنجليز من أمثال إدمون بيرك. إن الإهمال الذي اتسم به كتّّاب الاقتصاد السياسي البريطانيين، والذي تطرق إليه بيثل، لأمر ما زال يدعو إلى العجب. ووفق ما يقول بيثل، “فإن تعبير الملكية الخاصة بالكاد أن يكون دخل لغة التعبير قبل القرن التاسع عشر.” آدم فيرجون، الفيلسوف الاسكتلندي تحدث في القرن الثامن عشر عن الملكية ولكن دون إعطاء أية نعوت. وقد عدّد بيثل نوعين من استخدامات تعبير “الملكية الفردية” في كتاب ثروة الأمم، وواحدة في الطبعة الأولى من كتاب مالثوس مبادئ الاقتصاد السياسي. “وبشكل عام يبدو أنه لم يكن ضرورياً أن تحدد بشكل أكثر دقة، مؤسسة، لم يكن يعتقد بأن لها أي بديل عملي.”
بطبيعة الحال، كان كبار المفكرين من رجال القانون مهتمين بالملكية ووجوب حمايتها. وقد وصف بلاكستون الملكية بأنها “الهيمنة المستبدة التي يدعيها ويمارسها أي رجل ما، على أشياء الدنيا الخارجية، وبمعزل تام عن حق أي فرد آخر في العالم.” ولكنه لم يستطع أن يفكر بأي شيء “يعادل تعلق البشرية به مثل حق التملك.” أما جيريمي بينثام، الذي اختلف مع بلاكستون في كل شيء تقريباً، فقد كان متوافقاً مع هذا القانوني حول الملكية قائلاً إن القانون الذي يحمي الملكية هو “أنبل انتصار حققته البشرية على نفسها.”
ولكن ما أن جاء منتصف القرن التاسع عشر حتى أصبحت الملكية الفردية موضع الهجوم. وقد جاء الهجوم من جهات عدة. وقد حدد بيثل حلفاً ثلاثياً غير مقدس بين علماء الاقتصاد: ميل، ماركس، ومارشال.
لقد كان التمييز الشهير الذي وضعه جون ستيوارت ميل، بين قوانين الإنتاج وقوانين التوزيع وراء كثير من المفاهيم الخبيثة التي جاءت في زمن لاحق. قوانين الإنتاج كانت قوانين مبنية على قواعد علمية ثابتة لا تتغير، بينما جاءت قوانين التوزيع بفعل الإنسان وقابلة للتغيير عن طريق التشريع وقد بحث ميل موضوع الملكية تحت بند التوزيع. وقال إن العلم وليس التملك هو الذي يصنع الإنتاج.
ولكن، وفي نظام السوق، ليس هنالك من وجود للتوزيع منفصل عن الإنتاج وتبادل المنافع. إن النزعة لإعادة التوزيع هي التي تنال من نظام التملك الفردي، الذي يشكل عماد الإنتاج وتبادل المنفعة. إن عملية الإنتاج التي يقال إنها تعمل وفق قوانين مطلقة لا تتغير، يصيبها الضعف عندما تصبح الملكية الفردية غير مؤمنة. ليست هنالك من آلية تعمل بمعزل عن نظام المكافأة والعقاب، والتي تلحق بمن يملكون عناصر الإنتاج (الأرض، العمال، ورأس المال) في السوق.
إن وصف ميل البريء للإنتاج يتعارض تعارضاً حاداً مع الوصف الذي قدمه فون ميزس بعد مائة عام، حيث يقول:
“ملكية أدوات الإنتاج ليست امتيازاً، بل عبئاً اجتماعياً. أصحاب رؤوس الأموال وملاّك الأراضي مرغمون على استغلال ما يملكون من أجل تحقيق أعظم نفع ممكن للمستهلك فإذا كانوا بطيئين في تحقيق واجباتهم، فإنهم يعاقبون لإلحاق الخسارة بهم. فإذا لم يتعلموا الدرس ويستخلصوا العبر في إصلاح إدارتهم لأعمالهم، فإنهم يخسرون ثرواتهم. لا يوجد استثمار يدوم مدى الدهر.”
وفق نظرية ميزس، فإن الإنتاج هو مغامرة فعالة تنطوي على الأخطار. الإنتاج هو عملية متغيرة، والقانون الدائم الوحيد للإنتاج هو التغيير. وإن استنتاج ميزس والقائل إنه: “لا يوجد استثمار آمن إلى الأبد،” يضحض النظرية الاقتصادية الكلاسيكية حول الاستئجار الاقتصادي: لا توجد هنالك قنوات دخل دائمة.
كان جون ستيوارت ميل من أوائل حشد من المفكرين الذين اعتقدوا بأنهم يشاهدون تحولاً في الطبيعة البشرية. مثل هذا التحول، من شأنه أن يمكن ملكية شيوعية لتحل محل الملكية الفردية، فعندما تتحول الطبيعة البشرية تلقائياً، فإن كل فرد يتعلم “أن يشعر بأن المصلحة العامة هي مصلحته.” لقد كان ميل، بكل تأكيد، عالم اقتصاد كفء ومدرك للتهاون الذي سوف يحل إذا ما أصبحت الملكية مشاعاً. ففي مزرعة أو مصنع تكون فيه الملكية مشتركة، فإن الناس يعملون “تحت أعين لا رئيس واحد، بل تحت إشراف المجموعة كلها.”
نحن نعرف كيف تكون نهاية مثل هذا النظام: الكولاج (المعسكرات الجماعية). ولكن في منتصف القرن التاسع عشر، كانت تعتبر مثل هذه الآراء تقدمية. وقد كان المفكر ميل “الأصغر” يتمتع بنفوذ هائل كمفكر، لا في القرن الذي عاش فيه فحسب، بل في القرن الذي تلاه. فقد كان “واضع أنجح وأكثر الدراسات تأثيراً في عصره،” ويقول بايبس بأن ميل “حرك الفكر الليبرالي وجهة تقربه من الاشتراكية.”
كتاب ألفرد مارشال بعنوان مبادئ الاقتصاد ترك أثراً قوياً على المفكرين الاقتصاديين الناطقين بالإنجليزية، وقد كان مارشال يؤمن أيضاً بنظرية التقدم. وبينما كان ميل يتطلع إلى إمكانية حدوث تقدم في الطبيعة البشرية، كان مارشال يؤمن بأن تغييرات سريعة قد حصلت بالفعل على الطبيعة البشرية خلال الخمسين عاماً الماضية. وبشكل مقلق، فقد أعرب عن الرأي بأن الحاجة إلى الملكية الفردية، لا تصل، بدون شك، إلى ما هو ابعد من مقومات الطبيعة البشرية.
وقد كان مارشال من مؤيدي نظرية التقدم الاجتماعي المضطرد قائلاً: “إن غرائز الإنسان الجماعية، وشعوره بالواجب والتعلق بالمصلحة العامة، سوف تتطور إلى الأحسن،” ومن شأن التشريع أن يحصن هذا التوجه، وعندما يحقق الإنسان الكمال، فإن الملكية الفردية تصبح فاقدة للأهمية.[4]
أما كارل ماركس، الذي كان جسراً ما بين ميل ومارشال على المدى القصير، فقد هاجم الملكية الفردية، ودعا إلى إلغائها. إن الذي توافق عليه ثلاثتهم هو الحاجة إلى تغيير الطبيعة البشرية، إذا كان للملكية الفردية أن تُلغى. “كان ماركس يعتقد بأنها بالفعل آخذة بالتغير، وهكذا أيضاً كان يعتقد مارشال. لذا فإن نظرتهما للملكية كانت على الأقل منسجمة مع نفسها. أما اليوم، فقليل من الناس من يؤمن بأن الطبيعية البشرية آخذه بالتغير. ونستطيع أن نرى بأن أقوالاً مثل التي أعرب عنها مارشال، والتي ادعى فيها أن الطبيعة البشرية قد تغيرت، كانت مظلمة.”[5]
إن ممارسات الشيوعية في القرن العشرين حاولت إحداث تغيير في الطبيعة البشرية. وقد أوضح المؤرخ الروسي مايكل هيلر ذلك بقوله: “كل ما فعله الحزب الشيوعي منذ الثورة، وبغض النظر عن التغييرات والانحرافات الظاهرة عن المبادئ الأصلية وكذلك تغيير القادة، كانت جميعها موجهة نحو تطوير الطبيعة البشرية،” ونحن نعرف نتائج تلك الجهود.
وما أن حل القرن العشرون حتى رأينا التناقض الناجم عن أن المدافعين عن اقتصاد السوق لم يقولوا إلا القليل نسبياً حول الملكية، وعندما تحدث علماء الاقتصاد عن الملكية الفردية، فقد كانت أحاديثهم في كثير من الأحيان، ناقدة لها. وقد تحدث شومبيتر عن هزيمة الليبرالية الكلاسيكية، وأعرب عن رأيه بأن “أساتذة الاقتصاد بوجه عام وفي جميع البلدان، كانوا سياسياً مؤيدين للتيارات المناهضة لليبرالية، بدلاً من تأييد الليبرالية التي كانت وما زالت سائدة. وضمن هذا المفهوم يمكننا القول بأن التحالف بين الاقتصاد والليبرالية، ومع استثناءات قليلة، قد انفصمت عراه.”[6]
لم يركز أحد على الملكية الفردية بقدر ما ركز كارل ماركس ولكن في إطار شجبها. وقد انتصرت وجهات نظر ماركس حول الملكية في الكثير من بلدان العالم في النصف الثاني من القرن الماضي. أين كان علماء الاقتصاد في المساجلات حولها في القرن العشرين؟
إهمال الملكية في القرن العشرين
اليوم، أصبح من المتعارف عليه القول بأن علماء الاقتصاد الكلاسيكيين الجدد قد أهملوا الملكية الفردية. ولكن الذي يثير الدهشة هو شح ما كتب أولئك العلماء حول حقوق الملكية الفردية، وهم علماء الاقتصاد المعترف بهم كمدافعين عن اقتصاديات السوق. في عام 1935 أشرف هايك على تحرير مجموعة من الأبحاث تتعلق بالمناقشات حول حسابات الاشتراكية. وفيما يلي ما كتبه حول حقوق الملكية في فصل مطوّل كتبه كتقدمة لبحث القضية:
“إن القول بأن التخطيط الجزئي من النمط الذي تسير إليه، هو غير منطقي، ليس معناه مع ذلك بأن النمط الوحيد للرأسمالية، والذي يمكن الدعوة له بعقلانية، هو التجارة الحرة بالكامل، بمفهومها القديم. ليس هنالك أي سبب للافتراض بأن المؤسسات القانونية المتوارثة تاريخياً هي بالضرورة أكثرها طبيعية، بأي شكل من الأشكال بأن تحديد الأطر القانونية القائمة حالياً بالنسبة لهذا الحق، هي الأكثر ملائمة. إن مسألة ما هي أنسب الأطر الدائمة، والتي من شأنها ضمان أكثر الوسائل كفاءة ويسراً لتحقيق المنافسة، هي على قدر كبير من الأهمية، وهي مسألة يجب الاعتراف بأنها قد أهملت إهمالاً محزناً من قبل علماء الاقتصاد.”
لقد أصاب هايك كبد الحقيقة في قوله بأن علماء الاقتصاد قد أهملوا إهمالاً محزناً مسألة ما هي أنسب الأطر الثابتة لتحقيق اقتصاد يتسم بالتنافسية. إن هذا الفصل مع ذلك يمثل مثل ذلك الإهمال، فالفقرة التي أشرنا إليها هي خالية كلياً من أي مضمون، ولكن يتوجب الاعتراف بأن هايك في أواخر حياته عاد للاعتراف بأهمية حقوق الملكية في التحليلات الاقتصادية.
ففي كتابه بعنوان الطريق إلى الرق، وهو بحث سياسي، دافع هايك عن الملكية الفردية، فكتب يقول:
“إن نظام الملكية الفردية هو الضمان الأكبر للحرية، ليس فقط لأولئك الذين يملكون، ولكن وبدرجة لا تقل إلا قليلاً لأولئك الذين لا يملكون. وحقيقة أن السيطرة على وسائل الإنتاج موزعة على عدد كبير من الناس يعملون باستقلالية عن بعضهم البعض هي ما منع وقوعنا تحت السيطرة الكاملة لأي إنسان، وأننا كأفراد، نستطيع أن نقرر ما نعمل بالنسبة لأنفسنا، فإذا كانت جميع وسائل الإنتاج تحت سيطرة يد واحدة، سواء كانت إسمياً بالمجتمع ككل، أو بيد دكتاتور، فإن من يملك مثل هذه السيطرة لقادر على السيطرة الكاملة علينا.”[7]
إن أهم حماية يقدمها القانون للفرد هي حماية ملكيته. مثل هذه الملكية توفر للفرد حيزاً أمام الدولة. وبالنسبة لبايبس “فإن الملكية هي المفتاح لبروز المؤسسات السياسية والقانونية التي تضمن الحرية،” وعلى النقيض من ذلك، فإن النظم الشمولية تعود في جذورها إلى النظم الأبوية التي ترتبط فيها السيادة مع الملكية فليس من قبيل الصدفة بأن النظام الشمولي قد بلغ أوْجَه في الاتحاد السوفييتي، ذلك أنه وعلى امتداد التاريخ الروسي لم يكن هنالك في كثير من الحالات أي تمييز بين السيادة والملكية.
الأغنياء والأقوياء يعملون على المحافظة على ممتلكاتهم، حتى عندما يفشل قانون ضعيف في حماية الملكية الفردية للسكان بعامة. إن معظم أمريكا اللاتينية—وتشيلي هي الاستثناء الواضح—تجسد لتلك الحالة. فعلى سبيل المثال، فإن المواطنين الفنزويليين العاديين لا يستطيعون الحصول على التملك، ولذا فإنهم يبنون مساكن هشة على التلال المحيطة بكراكاس. وفي غضون ذلك، فإن النُّخب في المجتمع تعيش في فلل محصنة. وإن غياب الحماية القانونية للملكية الفردية هي التي وقفت حائلاً دون دمقرطة الملكية والرأسمالية في ذلك الإقليم.
في عام 1763، أفادت مجموعة من المستوطنين الألمان في ماريلاند بأن “قانون البلاد قد تم وضعه بشكل يضمن لكل إنسان التمتع بملكيته الشخصية،” وأن أضعف إنسان هو بمنأى عن اضطهاد أكثر الناس نفوذاً، وأنه لا يمكن أخذ أي شيء منه دون أن تسوى معه الأمور بما يرضيه. إن المهاجرين الألمان إلى المستعمرات الأمريكية تمتعوا بحقوق تضمن ملكيتهم الخاصة في القرن الثامن عشر أكثر ضماناً مما يتوفر لمواطن فنزويلي في القرن الحادي والعشرين، فهل من عجيب أن نرى الولايات المتحدة تتمتع بالرفاه بينما تعاني فنزويلا من الركود؟ الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، خطر وهدام على ما يقال عنه، ولكن لا يمكن أن يلام بسبب ما تعانيه فنزويلا. إنها مسألة فشل مؤسسي وليست مسألة عيوب في شخصية فرد.[8]
إن الحقوق التي منحت للمواطنين الأمريكيين الأوائل ضد افتئات الدولة والأقوياء، كما ذكر المستوطنون الألمان في القرن الثامن عشر والذي نشرنا أعلاه، هي التي وفرت لهم الحماية لأشخاصهم وأملاكهم. تلك الحماية بدورها تمكنهم من الاستثمار وتقبل المخاطر. وبشكل عام، كلما كانت حقوق الملكية أقوى، كانت الحوافر أقوى للعمل والتوفير والاستثمار. وبالتالي الإدارة الفعالة لعجلة الاقتصاد. وكلما كانت تلك العجلة الاقتصادية أكثر فاعلية، كلما ازداد النمو في أي قطاع من قطاعات الثروة.
إن الدعم النظري لأهمية حقوق الملكية مقنع إلى أبعد الحدود، فلماذا يقبل الفرد على الاستثمار ما لم يكن يستهدف تحقيق شيئاً من الكسب لنفسه ولعائلته؟ وكيف يمكن أن يضمن بأن المكاسب التي تتأتى عن جهوده سوف تكون مؤمنة ومملوكة له إلا من خلال نظام يرسم بوضوح حقوق الملكية؟ إن افتراضاً غير ذلك يعني افتراض أن الطبيعة البشرية سوف تتغير. هذه الطريقة قد تصل إلى نهاية مسدودة.
ومع ذلك، ما زالت نظريات النمو الاقتصادي تتحدث عن قوانين الإنتاج والعلاقات بين الأشياء، بدلاً من التفاعل بين الناس الذين تحكمهم المؤسسات. علماء الاقتصاد مازالوا يتناقشون حول ما إذا كانت مستخلصات الحجم في ازدياد أو نقصان أو ثبات، ولكن تلك المجالات تتصل بقوانين الإنتاج الفعلية، وليست بأنظمة الحوافز والمكافآت التي تقود عملية النمو الاقتصادي.
ففي إطار نمط اقتصادي معين، قد تكون هنالك مردودات متناقصة، ومع ذلك فإن العالم الحقيقي يبدو في إطار من المردود المتزايد. كان آدم سميث يعتقد بأن المردود يتناقص على المدى القصير، بينما تتناقص التكاليف على المدى الطويل. المدى القصير جسّد عالم المردود المتناقص المرتبط اسمه بديفيد ريكاردو، وغيره من الاقتصاديين الكلاسيكيين. فعلى المدى الطويل، رجال الأعمال ابتكروا، وأصحاب رؤوس الأموال استثمروا، والتكاليف تناقصت سميث نفسه كان يعتقد بأن مصنع الأزرار يعطي التفسير لهذا النمط، بينما كان علماء الملكية الفردية ينظرون إلى نواحي أخرى.[9]
في القرن العشرين، وقف رجل اقتصاد واحد ضد التيار حول حقوق الملكية: إنه لودفيغ فون ميزس. آراؤه بشأن حقوق الملكية استبقت كثير من آراء رجالات الاقتصاد الذين تبنوها بعد سنوات طويلة لاحقة. “إذا ما حللنا بشكل متناسق، فإن حقوق الملكية تضفي على صاحبها جميع المزايا التي تتأتى عن حسن استغلالها من ناحية، مثلما أنها تكميلية بجميع العواقب التي تنتج عن سوء استغلالها من ناحية أخرى.” المزايا والتكاليف ليست ناتجة عن عوامل داخلية إذا كانت القوانين قاصرة أو إذا كانت هنالك ثغرات تؤثر على حماية الالتزامات، وفي مثل هذه الحالة، فإن مسألة التكاليف الخارجية تطفو على السطح.
يحلل ميزس العملية التي يتم بموجبها للأشخاص إقامة حقوق الملكية على الثروات الطبيعية. إنه يفحص التكاليف والفوائد التي تنتج عن الملكية الفردية. عندما تكون الأرض شاسعة وتقوم حدود لها، كما كان الحال في أمريكا القرن التاسع عشر، فربما لم يكن مغرياً إقامة حدود للملكية الفردية في مثل تلك البيئة، فإن المستوطنين يقتلعون الأشجار دون اعتبار لإعادة زراعتها. كذلك، فإنهم يصيدون الأنعام والأسماك إلى أن تنفذ كمياتها، ثم ينتقلون إلى مناطق بِكر أخرى لم تُستوطن. “فقط عندما كان بلد ما مكتظاً بالسكان ولم تعد توجد أراض من الدرجة الأولى صالحة للاستغلال كان نظر الناس إلى ذلك الاستغلال بأنه هدر واعتداء على الموارد، وفي تلك الحالة، فإنهم عززوا نظام الملكية الفردية في الأرض.”
وعلى النقيض من ذلك، وفي أواسط وغرب أوروبا، لم تلاحظ مثل هذه العملية في الزمن الحديث. لم يلاحظ انحسار التربة أو تعرية الأحراش من أشجارها، لماذا؟ “لأن نظام الملكية الفردية كان قد استقر بشكل ثابت على مدى قرون عديدة. الأحراش كانت ملكية فردية، وكان الدافع للمحافظة عليها مصلحة المالكين الأنانية. وفي أكثر المناطق ازدحاماً واحتواء للصناعة حتى سنوات أخيرة، كان ما بين خُمس إلى ثُلث الأراضي مغطاة بأحراش من الطراز الأول، وتدار وفق أفضل الطرق العلمية بصيانة الأحراش.
حقوق الملكية الفردية تصان فقط عندما تتغلب فوائدها على تكاليفها. هذا التوجه معروف في يومنا هذا. وتحليل ميزس، مع ذلك، يستبق دراسة ديمسيتز المعروفة.[10] إن أدبيات حقوق الملكية الحديثة قد صرفت النظر عن تحليلات ميزس. وكان ممكناً الاستفادة منها، ذلك أن ميزس كان على إدراك أوسع وأعم للدور المفصلي الذي تؤديه حقوق الملكية الفردية من معظم معاصريه في القرن العشرين.
موجز القول هو أنه، وباستثناء ملكية بارزة، فإن تاريخ العلم الاقتصادي اتسم بإهمال شديد لحقوق الملكية بسبب اهتمامهم الأساسي بالعوامل المادية المؤدية إلى النمو الاقتصادي مثل التكون الرأسمالي والاختراعات التكنولوجية، كما أن بزوغ نظرية اقتصادية أكثر تنافساً بالنسبة لحقوق الملكية تعود إلى فترة قريبة نسبياً.
الاقتصاد، حقوق الملكية، والتنمية
آرمن ألكيان، رونالد كوز، وهارولد ديمسيتز، هم مؤسسو المدرسة الاقتصادية الحديثة فيما يتعلق بحقوق الملكية. لقد عملوا، ليس فقط على تحديد أهمية نظام الملكية الفردية بالنسبة لإدارة الاقتصاد بكفاءة، ولكن في تحديد الظروف التي تؤدي إلى تحويل وتكوين حقوق الملكية الفردية. وقد كتب ألكيان:
“وفق نظام حقوق الملكية، فإنني أعني طريقة أن تحول إلى الإفراد سلطة اختيار بضائع محددة واستخداماتها، ما بين مجموعة من الاستخدامات المسموح بها. وكما هو مبين في الملاحظات الآنفة، فإن نظرية “السلطة” ونظرية “غير الممنوعات”، تعتمدان على شكل من أشكال التنفيذ أو الحث على احترام التحويل أو التفويض ومدى الاختيار غير المسموح به. حق التملك بالنسبة لي يعني بعض الحماية من خيارات آخرين ضد إرادتي في استخدام موارد تعتبر مملوكة لي.”
ويوضح كوز بأن الطريقة التي تحول بها الحقوق بداية، أو تقسم، لا تؤثر على الطريقة التي تستغل بموجبها الموارد، عندما لا يكون هنالك ثمن مرادف لتبادل الممتلكات الطوعي، ولا توجد التزامات بوليسية. وما دام أن هنالك التزامات بوليسية وأثمان معاملات تتصل بتحديد وحماية حقوق الملكية، فإن مثل هذه الحقوق سوف تُحدد وتُحمى فقط عندما تتجاوز المنافع في إجراء ذلك الثمن الذي يدفع.
إن من الخطأ الافتراض بأن مهمة إعطاء وتحديد وحماية حقوق الملكية هي حصراً من مهام الدولة وحدها. الملكية الفردية تطورت من ثنايا العادات والتقاليد وقبل أزمان بعيدة من نشوء الأمم. وفي كتابه بعنوان الملكية والحرية يقدم بايبس عرضاً لتطور مؤسسات الملكية من الأزمنة البدائية وحتى قيام مؤسسة الدولة. ولاحظ المؤلف بأنه وفي معظم البلدان، فإن حقوق الملكية اتخذت شكل الاستحواذ والإدعاء بها كان يستند ليس على وثائق حقوقية ولكن على استخدامات طويلة الأمد، والتي تثبت التقاليد بأنها برهان على الملكية. في مرحلة لاحقة فقط أصبحت الملكية منظمة ومعتبرة بقيام الدولة.[11]
وفي يومنا هذا يتم الاتفاق أولاً بين الأفراد أو الشركات على حقوق الملكية، ومن ثم يعترف بها قانونياً. ومع ذلك، فإن الحكومات وعلى جميع المستويات تواصل إضعاف أو النيل من حقوق الملكية، يوماً بعد يوم، بإطلاقها سلسلة من الأنظمة التي تؤثر على استخدامات الملكية الخاصة.
العنصران الرئيسيان في حقوق الملكية هما: (1) حقوق الأفراد حصراً بالاستفادة من مواردهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، ما دام أنهم لا يعتدون على حقوق أناس آخرين؛ (2) قدرة الأفراد على نقل أو تبادل تلك الحقوق على أسس طوعية. وإلى المدى الذي تكون فيه هذه العناصر محترمة ومطبقة، تكون مدى فعالية عنصر الأسعار في تخصيص البضائع والخدمات في الاقتصاد بكفاءة. التجربة والنظرية كلاهما يدلان على أن النظم الاقتصادية التي يعمل فيها عنصر الأسعار بكفاءة هي النظم الأفضل في تكوين الثروة. وباختصار، كلما كانت حقوق الملكية الفردية أقوى، كلما كان النظام الاقتصادي أكفأ في توزيع الموارد وتعظيم فرص تكوين الثروات.
الأفراد في جميع المجتمعات لهم مصالح متضاربة إحدى وسائل حل تلك التضاربات هي عن طريق المنافسة. نظام الملكية الفردية في المجتمع يحدد الأشكال المسموح بها في التنافس ويعطي الحق المطلق والحصري للأفراد لاستغلال مواردهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، وكذلك الحق في تحويلها. مثل هذا النظام يمنع استخدام القوة ويشجع التعاون. والحقيقة هي أن المنافسة الاقتصادية هي نظام للتعاون الاجتماعي. وبقدر ما تكون حقوق الملكية الفردية مصانة وقوية، بقدر ما يكون نظام الأسعار ناجحاً في تخصيص الموارد وتعظيم الثروات.
إن العلاقة بين حماية الملكية—والتي تعرف من حيث الشفافية والاستقلالية والكفاءة التي يتسم بها الجهاز القضائي—وبين الثروة، مقاسة بدخل الفرد من مجموع الإنتاج الوطني الكلي في 150 بلد حول العالم، تؤكد هذا القول. بالمتوسط، فإن دخل الفرد من مجموع الإنتاج الوطني العام، مقاساً بمعدل القوة الشرائية المقارنة، هو ضِعف الدخل في الدول الأكثر حماية للملكية الفردية (23.769 دولار)، منها في البلدان الأقل حماية لها (13.027 دولار)، وبمجرد أن تشير الدلائل إلى تراجع في حماية حقوق الملكية (أي حماية متوسطة)، وحتى بدون أن يكون النظام القضائي فاسداً كلياً، فإن دخل الفرد من الإنتاج الوطني العام يهبط إلى خمس مثيله في البلدان الأكثر حماية (4.963 دولار). إن البلدان التي تكون نظمها القضائية فاسدة جداً تكون كذلك فقيرة جداً بالمعدل الوسط (2.651 دولار).
بعض علماء الاقتصاد يثيرون مسألة التكاليف الخارجية في اعتراضهم على وجود نظام قوي لحماية الملكية. إن وجود تكاليف خارجية تستخدم لتبرير التدخل الحكومي في إضعاف الملكية الفردية. ومع أن وجود عنصر خارجي أو فشل في السوق هو شرط ضروري لإحداث تدخل حكومي، فإنه ليس شرطاً كافياً. الإجراءات الحكومية لها تكاليفها الناتجة عنها، وهذه يجب أن توضع في الميزان عند حساب الفوائد المحتملة من مثل تلك الإجراءات.[12] ومع ذلك، فإن بلدان كثيرة تلجأ إلى فرض قيود من شأنها إضعاف حقوق الملكية الفردية بمجرد هبّة خفيفة من التكلفة الخارجية. الأنظمة والتعليمات تؤثر على النشاط الاقتصادي لأنها تشكل تدخلاً في حقوق الملكية الفردية. إنها تفعل ذلك عن طريق محاولة تعديل أو الإحلال أو استبدال نتائج من صنع السوق بنتائج من صنع الحكومة. إزالة القيود إذن تتجاوب مع الإدراك بأن تقوية حقوق الملكية من شأنه ضمان أفضل الاستخدامات للموارد.
ومع أن المحافظة على حقوق الملكية يزيد بشكل واضح نمو البلدان وتنميتها، فإن تحويل وتنفيذ حقوق الملكية في بعض المناطق يمكن أن يشكل تحدياً، وهذا صحيح بصورة خاصة بالنسبة للبضائع المستندة إلى المعرفة والاستخدامات الاقتصادية لبعض الموارد الطبيعية. وفي الحالتين كلتيهما، فإن من الصعب جداً تحقيق توافق بين الأمم، سواء حول كيفية تعريف حقوق الملكية أو حول كيفية إقامة آلية دولية لتنفيذها. وبهذا المعنى، ستظل البيئة والبضائع القائمة على المعرفة تشكلان قلب أكثر مصادر النزاع حول حقوق الملكية. ومع ذلك تظل الحقيقة قائمة بأن الحماية الفعالة للملكية هي الوسيلة الفعالة الوحيدة أمام المجتمعات لأفضل استخدام لما يملكون من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والثروة.
إن بناء نظام قوي لحماية الملكية الفردية في البلدان الفقيرة ليست بالأمر السهل. كما إن إقامة نظام حكم ديمقراطي ليس ضماناً لنظام يصون الملكية الفردية بقوة. فهنالك بلدان كثيرة تعاني من الفقر ونظمها الديمقراطية مضادة لليبرالية، تقوم بإضعاف وانتهاك حقوق الملكية الفردية على هواها ودون اكتراث، والأرجنتين هي آخر الأمثلة على ذلك وأكثرها فداحة. كما أنه ليس واضحاً بأن الديمقراطية هي شرط ضروري لحماية الملكية الفردية، ذلك أن مثل تلك الحقوق قد نالت الحماية القوية في ظل الدكتاتورية (تشيلي)، وعلى يد سلطات أجنبية حاكمة (هونج كونج). ومع ذلك، إن أقوى الأنظمة على ما يبدو موجودة في البلدان الغنية ذات النظم الديمقراطية المستقلة. إن مصدر نجاحها ينبثق—ليس من كونها حكومات قوية—ولكن من حكومات تركز على حماية الملكية واستخدام تلك الملكية في النشاط التجاري. وكما كتب هايك:
“لم تكن تحت أكثر الحكومات قوة، ولكن في المدن التي شهدت النهضة الإيطالية، وفي جنوب ألمانيا وفي البلدان المنخفضة، وأخيراً، في إنجلترا حيث كانت حكوماتها قليلة التدخل؛ أي أن نشأة الثورة الصناعية الحديثة كانت تحت حكم البرجوازية وليس تحت حكم المحاربين. إن حماية الملكية المتعددة، وليس انقياد استخداماتها من قبل الحكومة، هي التي وضعت الأسس لنمو تلك الشبكة الكثيفة من تبادل المنافع والخدمات، وبالتالي أوجدت النظام العريض.”
إن أكثر ما ينفع البلدان الأقل نمواً هو التركيز على إقامة وحماية الملكية الفردية. ومع ذلك، فإن معظم ما تقدمه الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي موجه نحو أهداف أخرى، وفي كثير من الأحيان يضعف حقوق الملكية. إن حماية الملكية، وتمكين الأشخاص من متابعة ما يصعب في مصلحتهم الذاتية، وفتح سبل التجارة، هي أكثر العناصر ضماناً للنمو الاقتصادي.
الفساد
يركز مسؤولو التنمية المؤيدون للنمو الاقتصادي بشكل متزايد على الفساد بصفة كونه يعيق التنمية. تقليدياً، كان لعلماء الاقتصاد رأيين منفصلين حول الفساد فقد أعرب روبرت بارو عن الرأي بأنه وفي ظروف معينة يمكن أن تتأتى عن الفساد بعض الفوائد:
“في بعض الحالات، فإن الفساد أفضل من التطبيق الأمين لأنظمة سيئة. على سبيل المثال، سوف تكون النتائج أسوأ، إذا كانت هنالك أنظمة تمنع النشاطات الاقتصادية النافعة، وطبقت بحذافيرها، بدلاً من التحايل عليها نتيجة الرشوة. ومع ذلك، فإن مما يعيق الاقتصاد أن تكون النشاطات الاقتصادية التي تتم دون رشوات قليلة. لذا، فإن النتائج الكلية للفساد الرسمي تنطوي على الغموض.”
كثير من علماء الاقتصاد يوافقون على حساب “الثمن مقابل المنفعة” في معالجتهم للفساد، وإن لم يكن الغموض الأخلاقي الذي يكتنف موضوع الفساد. في ظل هذا التوجه، هنالك حد أقصى من التعامل الخاضع للقانون. وعلماء الاقتصاد ميالون إلى تأييد أقوى لموقف بارو عند الحديث عن السوق السوداء، والتي يعتبرها نتيجة وتكيفاً مع تعريف ضعيف لحقوق الملكية، مثل الضرائب الباهظة والقيود الإدارية الظالمة. لذا، وبالتعامل مع القطاع غير العلني، فإن باستطاعة الأفراد أن يمارسوا نشاطات اقتصادية، ربما تُفقد بسبب مؤسسات خفيفة وسياسات خاطئة. ومع ذلك، فإن هنالك ثمناً يتمثل في نقصان الكفاءة، وفقدان القدرة على تطبيق العقود، وكذلك نقصان في الدخل الضرائبي.
وقد رسم هرناندو دي سوتو بشكل واضح المعالم التكاليف التي تترتب على نشاطات رجال الأعمال العاملين في السوق السوداء على الوجه التالي:
“خلافاً للحكمة السائدة، فإن العمل في الاقتصاد غير الرسمي ليس بلا كلفة. فالنشاطات الخارجة عن القانون تدفع ضريبة عدم وجود قانون يحمي الملكية، كما أن عليها أن تتستر على نشاطاتها باستمرار هرباً من السلطات وبما أنهم ليسوا منتظمين في شراكات قانونية، فإن رجال الأعمال الخارجين عن القانون لا يستطيعون اجتذاب المستثمرين عن طريق بيع الأسهم، كما أنهم لا يستطيعون الاقتراض بفوائد رسمية متدنية لأنهم لا يملكون حتى عناوين قانونية. كذلك، فإنهم لا يستطيعون تقليل مخاطرهم عن طريق محدودية الضمان أو الحصول على تأمينات لاستثماراتهم؛ التأمين الوحيد المتاح أمامهم هو ذاك الذي يقدمه جيرانهم، والحماية التي يقدمها “الزعران” أو المافيا لهم مقابل الثمن. يضاف إلى ذلك، وحيث أن رجال الأعمال الخارجين عن القانون يعيشون حالة من الخوف الدائم من اكتشاف الحكومة لهم أو ابتزاز الموظفين الفاسدين لهم، فإنهم يجدون أنفسهم مضطرين إلى تقسيم مرافق إنتاجهم بين مواقف عديدة، وبالتالي فإنهم يحققون الوفر الناتج عن اقتصاديات الحجم. في البيرو، 15% من مجموع الدخل المتأتي عن الإنتاج في المصانع غير القانونية يدفع في شكل رشاوى، تتراوح ما بين نماذج مجانية إلى هدايا خاصة من البضائع وحتى دفعات نقدية. ولما كانت عيونهم تراقب البوليس، فإن النشاطات الخارجة عن القانون لا تستطيع أن تعلن عن منتوجاتها بشكل علني حتى تكسب مزيد من الزبائن، أو أن تعقد صفقات كبيرة بتكلفة أقل لزبائنها.”
وقد قاد دي سوتو البحث إلى نتيجة مفادها أنه إذا كان ممكناً لرجال الأعمال الحصول على اعتراف قانوني بملكيتهم، وأن يعملوا ضمن القانون، فقد يكون مجزياً لهم أن يدفعوا الضرائب لتفادي التكاليف التي تتأتى عن العمل تحت الأرض. الفقراء لا يختارون العمل بشكل غير قانوني لأنهم ميالون إلى السلوك غير القانوني. وفي سياق حديثه عن عملية الهجرة إلى المدن في الدول النامية، فقد وجد دي سوتو أنه “في كل بلد قام بدراسته، وجد أن صعوبة البقاء في ظل القانون لا تقل صعوبة عن أن يصبح المرء قانونياً. وبشكل متعذر اجتنابه، نرى أن المهاجرين إلى المدن لا يكسرون القانون بقدر ما يكسرهم القانون، وبالتالي لا يجدون مفراً من الخروج عن النظام.”
عدد متزايد من المراقبين للدول النامية يلقون باللائمة على تفشي الرشاوى. أليخاندرو شافوين ويوجينيو غوزمان كتبا يقولان:
“ورغم ذلك، فإن السلوك الفاسد نفسه الذي قد يعطي لشخص ما القدرة على تجنب قانون ظالم قد يسمح لشخص آخر بتفادي الالتزام بقانون عادل. إن الموظف البيروقراطي الذي يقبل الرشوة لمساعدة إنسان ما في الحصول على عقد قد يقبل رشوة أيضاً لترك إنسان آخر يخرج من العمل. الموظفون الذين يقبلون الرشاوى لتسريع معاملة قانونية ما قد يقبلون أيضاً برشوة لترك إنسان أعزل غير قادر على حماية نفسه من الابتزاز. والمدراء التنفيذيون لشركات مقيمة في الولايات المتحدة كثيراً ما يجدون أنفسهم ضحايا لمثل هذا السلوك البيروقراطي.”
هنالك دلائل وفيرة على أن شافوين وغوزمان كانا على صواب، فدراسة حديثة لرول وتالبوت تبين بأن الفساد له تأثير سلبي كبير على دخل الفرد ضمن مجموع الإنتاج الوطني العام. إن هذا العنصر هو الثاني فقط من حيث التأثير، بعد حقوق الملكية، على مستوى المعيشة في أي بلد من البلدان، وعندما يتجذر الفساد، يصبح من الصعب اقتلاعه. فالدفاعات غير الشرعية التي يتلقاها الموظفون الحكوميون تصبح جزءً من مكافآتهم المتوقعة، ووكالات الجمارك قد تصبح ليس أكثر من هيئات لجني الرشاوى.
إحدى الطرق للتخلص من هذه المعضلة هي أن تعين الحكومات شركات خاصة مثل الشركة السويسرية (سوسيتيه جينيرال دو سيرفيلانس) لتنفيذ القانون أو حتى لجباية الجمارك. في البيرو، عينت حكومة فوجيموري عدة شركات تفتيش مرخصة لإجراء تدقيق مسبق قبل الشحن على المستوردات من البضائع، والتي تصلح كمرجع لتقرير أحجام المكوس والجمارك والتخليص. هذا المشروع التنافسي الخاص رفع من دخل الجمارك وخفض من التأمينات التي كانت تحصل في عمليات التخليص. الحكومة تقرر لوحات التعرفة والقواعد، ولكن الشركة الساعية للربح تنفذها. وحيث أن سمعتها تكون على المحك، فإن الشركة سوف توظف مواردها لمكافحة الفساد. وكبديل لذلك، يمكن لبلد تخفيض الحوافز الدافعة لأخذ الرشاوى عن طريق تغيير السياسات. إن لوائح التعريفات المعقدة، والتي تضم عدداً كبيراً من الرسوم المختلفة، تخلق الحوافز للمستوردين للسعي لدى مسؤولي الجمارك في الحصول على معاملة تفضيلية بالنسبة للخانة التي تقع فيها بضائعهم. وقد فرضت تشليي تعرفة واحدة متساوية لمعظم البضائع والتي كان من شأنها التقليل من طلب المعاملة التفضيلية إلى حد كبير ولكن ذلك ترك تعرفة عالية مقدارها 10%، وفي عام 1991، أعلنت الحكومة أنها ستخفض التعرفة الجمركية بمقدار 1% كل عام، حتى تهبط التعرفة الموحدة إلى 6% في عام 2003.
ومع أن ذلك ليس مستحيلاً، فإن اقتلاع الفساد بعد تجذره يشكل تحدياً للنظام السياسي. هذا الاعتبار هو الذي حدا بتوماس جفرسون إلى القول بأن الوقاية هي خير علاج:
“الطبيعة البشرية هي نفسها على طريقي الأطلسي وهي سوف تخضع لنسف المؤثرات والأسباب. الوقت الذي يجب أن نحترس فيه من خطر الفساد والطغيان هو قبل أن يمسكا بتلابيبنا. من الأفضل إبقاء الذئب في خارج الحلبة بدلاً من الوثوق بخلع أنيابه بعد أن يكون قد دخل.”
البلدان التي أبقت الذئب خارجاً هي التي تمتعت بالرخاء. الدول الإسكندنافية مشهورة بقلة وجود فساد سياسي. وعلى الرغم من وجود ضرائب باهظة، فإن مواطني تلك البلدان يتمتعون بمستوى عالٍ نسبياً من الدخل الحقيقي. فنلندا والدنمارك تُذكران كثيراً كمناطق جاذبة للاستثمار والتعامل التجاري،

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

ما هي أهمية الحرية بالنسبة للتجارة؟ من ناحية، إن الأشخاص في البلدان الحرة أغنى بشكل واضح من الناس في الاقتصادات ذات الحريات المقيدة، كما أظهرت الدراسات المكثفة للبيانات من 141 دولة والتي أجراها معهدا فريزر الكندي وكيتو الأمريكي. لقد أردنا أن نقيس في معهد بروني ليوني في إيطاليا مدى الحرية الاقتصادية التي يتمتع بها الإيطاليون مقارنة بالأوروبيين الآخرين. وقد كانت النتائج مذهلة: حيث أن معدل حرية الاقتصاد الإيطالي يبلغ نصف الحريات الاقتصادية التي يتمتع بها معظم الدول المتحررة في أوروبا في ثمانية قطاعات اقتصادية رئيسية وهي: الكهرباء والغاز الطبيعي والاتصالات ونقل السكة الحديد والنقل الجوي وخدمات البريد والمهن الحرة وسوق العمل. وتتلازم هذه النتائج مع الأداء الاقتصادي المتعثر والدخل الشخصي المنخفض: حيث يقل الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في إيطاليا عن معدل المنطقة الأوروبية بما يزيد عن 2000 دولار.
وقد أظهرت دراستنا المفصلة أن القطاعين الأكثر تحررا في اقتصاد إيطاليا هما قطاع الكهرباء (بمعدل تحرر 72% مقارنة ببريطانيا) وقطاع النقل الجوي (بمعدل تحرر 66% مقارنة بإيرلندا). أما القطاعان الأقل تحررا فهما قطاع خدمات البريد (بمعدل تحرر 38% مقارنة بالسويد) وقطاع الاتصالات (بمعدل تحرر 40% مقارنة ببريطانيا). وتقع معظم القطاعات—أي خمسة من ثمانية—بين 40% و60%، مما يثبت أن إيطاليا قد نالت بجدارة سمعتها الاقتصادية بأنها مجرد دولة شبه متحررة.
لم تركز دراستنا فقط على عدد الشركات الموجودة في قطاع ما، إنما أيضا على ما إذا كانت الأسواق قابلة للتنافس، أي على ما إذا كان الدخول الحر إلى السوق أو الخروج منه يقيًدهما القانون. والتحدي الأساسي لتحرير السوق هو إزالة أي عوائق قانونية أو نظامية أو مالية تتعلق بدخول السوق. وفي حين يمكن أن تشير ظاهرة الشركات المسيطرة على السوق أو الأرباح الفائقة انعداما في التحرر، فقد تكون أحيانا نتيجة لعملية السوق ببساطة. فعلى سبيل المثال، ينشأ عادة احتكار مؤقت لأن الابتكارات التكنولوجية أو الإدارية أو المالية أو اللوجستية أو التصنيعية لشركة ما هي التي أنشأت السوق في المقام الأول. ولا تعد حصة السوق والأرباح التي تفوق المستوى الطبيعي قياسات تمثيلية جيدة للتنافس. فالسوق الحرة فعلا ليست السوق التي لا يوجد فيها احتكارات على الإطلاق. بل هي السوق التي يمكن فيها التغلب على الاحتكارات بوجود عروض أكثر تنافسية. وبكلمات أخرى، ما يهم فوق كل شيء ليس المنافسين الفعليين فحسب، بل المنافسة المحتملة أيضا. ويجب أن تكون العوائق القانونية لدخول السوق—أي القيود المفروضة على المنافسة الفعلية والمحتملة—محل تركيز لأي دراسة لتحرير السوق.
لماذا يعد تحرير السوق أمرا مهما جدا. لأن الأسعار يجب أن تُحرر حتى تقوم بعملها وهو: إخبار الحقيقة عن أحوال العرض والطلب. وبينما قد يكون أمرا مسلما أن التحرر يُخفض الأسعار ويحسن من حماية المستهلك، فذلك ليس الحال دائما. بالطبع ثمة أمثلة كثيرة—مثل النقل العام—حيث تكون الأسعار التي تحددها الدولة أقل بشكل زائف وحيث يمكن لتحرير السوق أن يرفع من الأسعار المدفوعة مقابل الخدمات لأن سعر الخدمات يعود للمنتفعين وليس دافعي الضرائب بشكل عام. وتؤدي الأسعار الأعلى الجديدة إلى كفاءة أعظم وتخفض من إعادة توزيع الدخل الاكراهية. وبشكل مشابه، يمكن في الحقيقة للإفراط فيما يسمى بحماية المستهلك أن يلحق الضرر بالمستهلكين على المدى الطويل.
لسوء الحظ، يشجع كثير من مناصري تحرير السوق، وبشكل ملحوظ القادة السياسيون في الاتحاد الأوروبي، التحرر بمفرده تقريبا من خلال الوعود بأسعار أقل. وعن طريق تشجيع وجهة نظر خاطئة عن كل من طبيعة تحرير السوق وإنجازاته المحتملة، فقد أوجد الاتحاد الأوروبي توقعات ومن ثم أحبطها. ويمكن للارتباك فيما يتعلق بأهداف التحرير أن يكون مدمرا للذات.
ويجدر النظر إلى قطاعات الاقتصاد الإيطالي حيث تقدمت عملية تحرير السوق بشكل كبير يكفي لإعطاء نتائج هامة مع مرور الوقت، أي الكهرباء والنقل الجوي. وقد تم تحرير القطاع الأول في إيطاليا بعيدا عن متطلبات التعليمات الأوروبية، مما أدى إلى إعطاء الدولة واحدا من أكثر أسواق الكهرباء ديناميكية في أوروبا القارية. وعلى وجه التحديد، فقد تبعت إيطاليا سياسة تفكيك الملكية في شبكة الكهرباء، بحيث سمحت بذلك للتنافس الحر والمنصف بين المزودين المختلفين. وتعتبر شركة “إينيل” الآن، التي تعد شركة الاحتكار السابقة في الدولة، كيانا يختلف جذريا عما كانت عليه قبل عقد من الزمن. وعلى الرغم من أن الحكومة تحتفظ بنحو 30% من أسهم “إينيل”، فقد أصبحت شركة كفؤة ومنافسة تعمل في الاسواق الأوروبية. أما من ناحية أخرى، فإن النقل الجوي تنظمه التعليمات الأوروبية بشكل كبير بسبب طبيعته الخاصة. وتبين أن ذلك كان من حظ إيطاليا. لأنه عدا ذلك، كانت الدولة ستبقي القطاع على الأرجح مغلقا أمام المنافسة الحقيقية من أجل حماية الناقل الوطني، “أليتاليا”، وهي شركة عليها ديون كثيرة تسيطر عليها النقابات العمالية النافذة بشكل كبير.
لقد تم إظهار تحرير السوق مرارا وتكرارا على أنه الطريق إلى الازدهار. ولكن حتى ينجح ذلك، يجب إبلاغ الناس بالمنافع الحقيقية لاقتصاد السوق، وهو ما يعني فهم أن الأسعار الحرة لديها دور مهم في المجتمع الحر، وهو التنسيق الطوعي للتفاعل البشري. ولأجل أن يكون تحرير السوق ناجحا، يجب أن يفهم المواطنون ما هي العواقب المتوقعة. وفي ذلك الصدد، فإن مناصري الأسواق الحرة والكفؤة ينتظرهم بالتأكيد عملا كثيرا.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 10 تشرين الأول 2007.

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

كما هو حال العديد من العملات، فإن سعر صرف البوليفار الفنزويلي يتمتع بشيء من الثبات. وربما يبدو بالنسبة للبعض أن تحديد سعر صرف ثابت للعملة أمرا عاديا تماماً، بل وحتى طبيعي. فأسعار صرف العملات يبدو أنها تتحرك دون أسباب ظاهرة أصلاً. فلماذا لا نتخلص من اللُّبس الذي تتسم به الحركات اليومية لأسعار العملة صعوداً وهبوطاً؟ لكن، كما هي الحال بالنسبة لأية سلعة، هناك سعر “حقيقي” لكل عملة، وهو سعر دالّ على العرض والطلب. وحين تُطبع كميات إضافية من الأموال فإن هذا يقلل من قيمة تلك العملة، بسبب زيادة العرض. والحقيقة التي تقول إن سعر النفط مقوَّم بالدولار تعزز هذه العملة من خلال زيادة الطلب عليها.
الأسعار الاصطناعية تدفع الناس إلى إيجاد وسيلة لتنفيذ التعاملات بالسعر الذي يعتبر دالا على قيمة السلع أو الخدمات بالنسبة إليهم. والعملات لا تختلف عن ذلك. وفي حين أن سعر الصرف الرسمي تم تثبيته عند مستوى 2.15 بوليفار للدولار، فإن السعر السائد في السوق السوداء حسب الأنباء وصل إلى معدلات عالية عند مستوى 7.1 للدولار. بعبارة أخرى فإن دولة فنزويلا بالغت في  قيمة عملتها بنسبة تصل إلى 325 بالمائة. بالتالي لا عجب أن الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز أعلن يوم الجمعة الماضي عن سعر جديد مزدوج للبوليفار، وهو 4.3 بوليفار لمعظم السلع، و 2.6 إلى واحد للسلع “ذات الأولوية”، مثل المواد الغذائية والكتب.
يشتمل البيان الرسمي الذي أعلن فيه شافيز عن تخفيض قيمة العملة على تعليقين لهما أهمية خاصة. الأول هو أن التخفيض من شأنه تقليص الواردات. وعلى حد تعبير شافيز: “في السنة الماضية استوردنا 90 مليون زوجا من الأحذية. هل هذا معقول بالله عليكم؟ نستطيع أن نصنع كل هذه الكمية بأنفسنا.” الثاني هو أنه أعلن أنه “لا يوجد سبب لدى أي شخص يجعله يرفع الأسعار”، وطالب المواطنين “بإدانة المضاربين علناً”. أية شركة يثبت عليها أنها ترفع الأسعار تكون معرضة لاستيلاء الحكومة عليها.
ملاحظات شافيز حول الواردات تشي بإخفاقه في فهم قيمة التجارة والمنافسة. فهو يخفق في استيعاب السبب الذي من أجله اشترى الفنزويليون هذا العدد الكبير من البضائع الأجنبية، وهي الأحذية في هذه الحالة. ليس السبب في ذلك هو أنهم لا يحبون وطنهم، وإنما لأن الأحذية المستوردة تلبي حاجاتهم على نحو أفضل من غيرها بالأسعار التي يرغبون في دفعها. بطبيعة الحال فإن تخفيض قيمة البوليفار ستجعل الأحذية المصنوعة في فنزويلا أرخص (طالما أنها تستخدم مدخلات الإنتاج المحلية). فإذا لم تستطع الشركات  العثور على نوعية جيدة من الجلود أو الأربطة في السوق المحلية، فإنها ستختار أمراً من اثنين: فإما أن تصنع منتَجاً ذا قيمة متدنية، أو منتَجاً ذا سعر أعلى. في نهاية الأمر سيقرر المستهلكون الفنزويليون ما هو المركّب السليم بين هذين الأمرين. لكن إذا استمروا في شراء الأحذية المستوردة فإن السبب في ذلك هو أن صانعي الأحذية الأجانب أفضل من (صانعي الأحذية المحليين) في تلبية رغبات المستهلكين.
لكن الأمر المثير للقلق حتى أكثر من ذلك هو هجوم شافيز العنيف على أصحاب المشاريع من الفنزويليين. خلال العقد الماضي أو نحو ذلك كانت قيمة البوليفار تتناقص بمعدل سنوي يبلغ حوالي 30 بالمائة، وهي أعلى نسبة، كما تشير بيانات بلومبيرج، بين البلدان الثمانية والسبعين التي ترصد بياناتها الاقتصادية. وفي حين أن التضخم يمكن أن ينشأ عن عوامل متنوعة، إلا أن نسبته إلى “الجشع” على هذا النحو البسيط هو أمر غير سليم أبدا. على سبيل المثال، إن السبب الذي أضر كثيراً بجمهورية فايمار في ألمانيا وجعل الناس يحملون أموالهم في عربات صغيرة لم يكن حدوث موجة هائلة من الجشع، وإنما بسبب طباعة كميات ضخمة من الماركات الألمانية.
في فنزويلا المعاصرة يمكن أن نتوقع أن تكون إحدى عواقب التخفيض هي ارتفاع معدلات التضخم. الواردات المرتفعة الأسعار تعني سلعاً مرتفعة الأسعار، على المستوى الأجنبي والمستوى المحلي، كما هي الحال في الأحذية المصنوعة من جلود مستوردة. ورغم إصرار شافيز على أنه “ليس هناك سبب” يدعو لرفع الأسعار، فإنه حتى وزير المالية الفنزويلي يقر بأن سعر الصرف الجديد سيؤدي إلى تضخم الأسعار. من المؤكد أن المستهلكين الفنزويليين يفهمون هذه الظاهرة، على اعتبار أنهم بدأوا في الاصطفاف لشراء السلع الأجنبية قبل أن يبدأ سريان الإجراءات الجديدة.
يستطيع الرئيس شافيز أن يشن هجوماً عنيفاً على “المضاربين”، لكن حين تقوم إحدى الشركات برفع الأسعار بسبب ارتفاع التكاليف فليس هذا من الشر، تماماً مثلما أنه ليس من الشر أن يرتفع منسوب الماء في حالة المد مع ظهور القمر. وكما هي الحال مع البوليفار، فإن  الانخفاض المصطنع في أسعار السلع في المحلات في فنزويلا من شأنه أن يؤدي إلى نشوء سوق سوداء أو إلى نقص السلع. وعلى حد تعبير أحد المراقبين المحليين “فإن من المستحيل عدم حدوث تعديل في الأسعار. لأنه إذا لم يتم تعديل الأسعار فإن مصيرها هو الاختفاء.”
لكن ما هو أسوأ حتى من ذلك هو أن إصرار شافيز على الأمور التي تؤلف السعر العادل يحمل معه ثمناً خاصاً به. ذلك أن تهديده باستخدام الجيش لم يكن تهديداً فارغاً، حيث أن الأنباء أفادت أنه تم إغلاق 70 محلاً بسبب تغيير الأسعار بطريقة غير قانونية. إن التهديد باستخدام القوات المسلحة يبعث القشعريرة في النفوس، حين ترى رجالاً في ملابس عادية تخفي هوياتهم الحقيقية وهم يغيرون على الشركات بصورة خاطفة لارتكابها جريمة بيع السلع. فضلاً عن ذلك، فإن هذا يؤدي إلى نتائج عكسية، لأن تقلص العرض الناتج عن إغلاق المحلات من شأنه فقط أن يؤدي إما إلى أن ترفع المحلات الأخرى أسعارها أو أنها لا تعاود عرض منتجات جديدة، وبالتالي تترك زبونها خالي الوفاض، وهو الأمر الذي سيحدث على الأرجح في ظل المناخ الحالي.
حين فشلت محاولات كسرى الفرس سرخيس في ردم مضيق الدردنيل بسبب الأمواج العاتية، قيل إنه أمر بجَلد البحر. والرئيس شافيز، شأنه في ذلك شأن الحكام الآخرين، يبالغ في تقدير قوته حين يقلل من مدى قوة وعناد قوانين الطبيعة، وهي في هذه الحالة الطبيعة البشرية. والمفارقة هي أن قرار التخفيض نفسه هو إقرار مُكْرَه بحدود نفوذه وإشارة على قبوله لحقائق السوق. وفي حين أن من المؤكد أن الاقتصاد الفنزويلي سيستفيد حين يتم التداول في عملته عند مستويات أقرب من ذي قبل إلى سعره “الحقيقي”، فإن الأمية الاقتصادية لمهندس هذا الاقتصاد هي نذير شؤم لجمهورية فنزويلا البوليفارية.

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

إذا كان النصف الأول من القرن العشرين، قد شهد حربين كونيتين، جلبتا للعالم كارثة إنسانية، ففي النصف الثاني من القرن نفسه، لاسيما العقود الأخيرة منه، شهدت  كثير من الدول الرأسمالية المتقدمة، ذات الاقتصاد الحر نموا مضطردا في الاقتصاد، كما شهدت هذه الدول تحسنا كبيرا في مستوى المعيشة، حيث ازدادت الأجور، وشهدت بلدان كثيرة كأمريكا، وكندا، ودول أوربا الغربية، واليابان في شرق آسيا، ثراء ورفاهية، كما اتسعت دائرة الديمقراطية، لتشمل دولا عديدة، بالترافق مع ازدياد الحريات الشخصية…
وكان أهم حصاد ـ بالمقابل ـ في العقدين الأخيرين من القرن المنصرم، هو تساقط الأنظمة الشمولية، في كل من الاتحاد السوفييتي وأوربا الشرقية، بعد أن دب فيها الوهن، وعانى الإنهاك، وما عادت الشعوب تسوغ لحكامها، أسباب الركود، واستمرار الصعوبات الاقتصادية، وغياب المؤسسات الديمقراطية؛ فقد تنعمت الشعوب بالثراء  في النظم الرأسمالية المتقدمة لدرجة كبيرة نسبيا..
فالأمريكيون عادوا إلى مفهوم سياسة الأمس البعيد نسبيا.. أن لا سبيل للعزلة والانغلاق على أنفسنا، فمثل هذه السياسة ستفضي بنا، إلى خفض في مستويات المعيشة لدى شعبنا الأمريكي، إذن، لابد من الانفتاح الاقتصادي على العالم، إذا أردنا لاقتصادنا النمو والازدهار، ولشعوبنا مزيدا من الرفاه، ولأوطاننا قصب السباق في التقدم؛ هكذا كان لسان حالهم …
تتعدد المدارس الفكرية في الاقتصاد العام، وتختلف في رؤاها، لكن في المحصلة، أن هذا الانقسام، والتنافس النظري، لا بد له أن يكون إغناء  للفكر الاقتصادي، ودفعا لمزيد من الإمعان، والتفكر، وأن هذا الاختلاف خير من إجماع خامل في التطابق والتوافق، يفتقد إلى روح الحماس والتقصي في البحث؛ هذا الأمر يذكرنا بمسألة إجماع أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي. في مسألة زراعية  جاء الإجماع  برفع الأيدي  بخمول دون بحث،  أو تقص  واستمزاج  الآراء، فسرعان ما بان خطؤها بعد ذلك؛ بل يرى كثير من العلماء والاقتصاديين ، من أن التنوع في المدارس الفكرية حتى في ميدان الاقتصاد، يغني ذهن الطالب مستقبلا في التحليل الاقتصادي لمشكلات العالم العديدة والمتنوعة، ويساعده في السعي للرقي والإعلاء من المستويات المعيشية للمجتمعات التي يعيش هو في كنفها..
إن حاجتنا للمعرفة الاقتصادية أمر مهم في حياتنا، فهي تحفز الذهن والفكر للوقوف على مسائل اقتصادية عديدة، منها استكشاف حالات السوق، من حيث تقلبات الأسعار، ومعدلات النمو، وتوزيع الدخل، والسبيل الأنسب في كيفية استغلال الموارد، فلا بد للتاجر، للإنسان المتعامل مع السوق، أن يكون على دراية،  بنوعية وكمية السلع التي ينبغي إنتاجها، ولمن يتم استهلاكها، وهنا يقتضي معرفة مستويات الدخول، والقدرة الشرائية، والاستهلاك عند طبقات الشعب وفئاته وشرائحه..
من المعلوم أنه في القرن التاسع عشر؛ أصبح الاقتصاد الحر، هو السائد، في أوربا وأمريكا، وتصدر مبدأ الاقتصاد الحر المعروف: دعه يعمل، دعه يمر.. وجاء مضمونه ملبيا لدعوة العاملين في الشؤون الاقتصادية….
اندارت المنظومة الاشتراكية، بدورها، بعد انهيارها، إلى الاقتصاد الحر، مفضلة اللامركزية، على المركزية المتشددة، التي كانت تتمسك بها الأحزاب الشيوعية في إدارتها لاقتصاد البلد؛ والتي أثبتت عدم فاعليتها ونجاعتها..
في النظم الرأسمالية ذات الاقتصاد الحر، غالبا ما  تؤخذ القرارات الاقتصادية، انطلاقا من استكشاف السوق، وهذه الواقعة تشغل اهتمام الملايين من السكان، وآلاف الشركات الإنتاجية، حيث تتدفق إلى السوق كميات من السلع والبضائع، فكيف تكون عليها الحال، لو انقطع ذلك التدفق ؟ فالسوق بهذي الحالة، هي الوسيط بين المنتج والمستهلك، ويتم على أساس ذلك ومن خلالهما، تحديد الأسعار، وعند زيادة كمية الاستهلاك، من قبل الفرد أو الأسرة، تزداد قيمة السلعة بسعرها، وفقا لمبدأ العرض والطلب، مما يدفع المنتج بالتالي إلى عرض المزيد من السلع، وبالمقابل، إذا ما خف الطلب على سلعة ما، تدنى سعرها، وخف عرضها، ومثل هذا ينسحب على عناصر أخرى عديدة، مثل الأرض، وأجور العاملين رفعا وانخفاضا؛ ويسبب هذا تنافسا بين المنتجين، فيعمد المنتج، بالتالي، للاستعانة بالآلة الأكثر كفاءة، والأغزر إنتاجا، وربما الأفضل جودة، للسلعة المنتجة..لتعالج هذه المعادلة.
لاشك، أنه في العقود الأخيرة الماضية، ومع نهاية الحرب الباردة، توسع نطاق السوق الرأسمالية بانضمام دول أوربا الشرقية إلى سوق الاقتصاد الحر، بعد تفكك المعسكر الشيوعي،  فهل تفلح هذه الدول في التنمية والتطور؟ وهل وصفة الاقتصاد الحر هي العلاج الوحيد للتنمية والتطور؟
في ظل هذا التناقض والتنافس، ظهرت دول جديدة على الساحة، وما زال أمامها المستقبل ينبئ بمزيد من التطور؛ فإلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، برزت كل من اليابان باقتصاد قوي، وتقانة متقدمة متطورة فالصناعة اليابانية هي التي أصبحت تغزو الأسواق دون منافسة قوية، والناس يقبلون على اقتناء منتجاتها على نطاق واسع لجودتها كما هو شائع ومتداول، وأيضا! غدت أوربا المشكّلة بحجمها الكبير، وسوقها الجديدة، وعلاقاتها الواسعة والمتشعبة، هي الأخرى منافسة قوية في السوق، وربما في غضون عقود قادمة، تظهر دول أخرى  جديدة كالصين والهند وسواهما  تتنافس على الساحة الدولية، ومن هنا ينجلي الواقع عن صراع سياسي بين هذه الدول المتطلعة للسيادة الاقتصادية، فالسياسة هو تعبير مكثف عن الاقتصاد بتعبير أحد كبار المفكرين، فمن يخفق اقتصاديا، لا يمكن له أن يكسب سياسيا، فكثير من الشعوب الفقيرة، ترى مستقبلها في صورة الدول المتقدمة اقتصاديا، وعلى هذا الأساس تناضل، لترقى ببلدانها إلى مصاف تلك الدول، والعائق أمام  ذلك هو طبيعة النظم القائمة على شمولية الحكم، لهذا فلا سبيل أمام تلك الشعوب إلا بتغيير تلك النظم، فبعض تلك النظم تنتبه للخطر المحدق بسلطتها فتبدأ بإصلاحات، وتصالح شعوبها، لكن بعضها الآخر يتشبث بالسلطة، ويستميت في الدفاع عن امتيازاته، هذا الفريق في طريقه إلى الزوال حتما..!
© منبر الحرية، 16 أغسطس/آب 2009

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

ينوء العراق تحت عبء تركة تاريخية ثقيلة ورثها عن حقبة الاستبداد العنصري، ليس من اليسير التخلص منها تماماً لمجرد الإدعاء بالحاجة إلى المصالحة، دون البحث في العلل والمعضلات الحقيقة، التي خلّفت أوضاعاً شاذة ومتطرفة من الغبن واللامساواة شملت شرائح واسعة وفئات كبيرة من العراقيين.
تتسم تلك الأوضاع- التي تتجسد اليوم في التركة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الشاملة للنهج العنصري والاستبدادي للنظام الآفل- بتعثر تأسيس دولة الحق والقانون، حتى هذا الوقت، وفشل تكريس دورها كدولة راعية للمساواة بين جميع مواطنيها وضامنة للعدالة السياسية بينهم. إذ لاتزال تلعب، إلى حدّ كبير، دور الوصي على النهج الاستبدادي والمواصل لذهنية الإقصاء والإنكار بحق الآخرين، انطلاقاً من مصادرات أيديولوجية، هي إما قوموية أو طائفية، كان النظام السابق يعمد، على الدوام، إلى استلهام شرعيته السياسية منها.
لقد عجزت الدولة العراقية عن أن تكون دولة دستورية بالفعل حتى هذا الوقت، ونكصت حكوماتها عن الالتزام الحقيقي بمواد الدستور الجديد ونصوصه، بل أن استمرار عدد منها كان قائماً أصلاً على عدم الاتساق مع روحه، وعلى عدم الإيفاء باستحقاقاته الشرعية والأخلاقية إلى حدّ بعيد. وهنا يلاحظ أن تلك الحكومات، التي توالت بعد سقوط بغداد، تمتاز بقاسم مشترك يتمثل في أنها جميعاً تنطلق من الذهنية الأيديولوجية ذاتها في ممارساتها السياسية لدى التعاطي مع استحقاقات المسألة الكوردية، وبخاصة تلك المعضلات التي تشكل وشكلت الجذر الحقيقي للمحنة الكوردية. وهذا ما يجعلها جميعاً مواصلة لنهج الاستبداد القديم، الذي يحول دون تحقيق الشروط الأساسية للمساواة بين المواطنين، وبالتالي تفاقم الغبن السياسي والقومي بحقهم واستمراره.
فضلاً عن ذلك، فشلت الدولة العراقية في إزالة التشويه الاجتماعي والديموغرافي الشاملين الذي خلّفه النظام السابق على جميع المستويات، وفي كل الأماكن، بغرض تكريس استبداده، ومصادرة الحياة الاجتماعية والهيمنة عليها. وهنا تبدو حالة التشظّي الاجتماعي والانقسام القائمة فعلياً بين مكونات المجتمع العراقي عقبة رئيسة أمام التأسيس لمواطنة جديدة وحقيقية ترتكز على المساواة والحرية.
ليس من المنطقي، وليس من العدل أيضاً، التشدق وإظهار الحماسة المجانية للمصالحة ما لم تنجز سيرورة المساواة بين المواطنين قبلاً. وهذه الأخيرة لن تنمو على أرض الواقع وتتم ما لم تتطلع السلطة الحاكمة في بغداد بحزم إلى الأمام، وتتخلص نهائياً من الإرث المادي والنظري للاستبداد القديم، وتنفصل عن الممارسات السياسية التي هيمنت على الحياة العراقية طوال العقود الماضية.
إن ولادة الدولة العراقية الجديدة، أو إعادة تأهيلها، بصفتها دولة الحق والمساواة، تعني نهاية حقبة القهر والتعسف والطغيان الفردي. لا أن تؤول بالنتيجة إلى أشكال جديدة من الاستبداد العرقي أو الديني بزعم المصالحة مع نموذج سياسي وأيديولوجي، استبدادي وعنصري، أدّى إلى الهلاك ودمار البلد وخرابه على أهله، وثبت أنه نموذج مضاد للتاريخ وللعقل ولمصالح البشر. وبعبارات تالية تعني الانعتاق من البنية السابقة للحكم، وتمكين الدولة من القيام بدور الراعية للمساواة والوصية على العدل.
إن ربط التحول إلى دولة الحق والمساواة بإزالة كل أشكال الغبن والقهر السياسي والتمييز والعنصري المتوارثة، يعدّ بداهة تفرض نفسها على عقل كل من يريد بداية صحيحة لبناء دولة حديثة في العراق ولنشوء مجتمع سياسي متقدم. وبدلاً من الارتكاس إلى الممارسات القديمة وإلى بنى الاستبداد التي مازالت تهيمن على سلوك السلطة السياسية وتستبد باتجاهات تفكيرها، يتعين على السلطة الحاكمة أن تنطلق من قيم سياسية ومبادئ أجمع عليها معظم العراقيين دستورياً، ومن ثم عليها أن تنجز تماماً سيرورة الحياة السياسية دستورياً دون الاكتراث بالنزق السياسي أو الزعيق الذي يبديه حفنة من ضيقي الأفق والمتعصبين، يريدون خلالها إخضاع الحياة مجدداً لمعاييرهم العرقية أو الطائفية الخاصة، ويعمدون، بكل الوسائل، إلى استعادة النموذج الشمولي البائد.
المصالحة غير ممكنة، وغير قابلة للتطبيق إن لم تكتسب مدلول الإنصاف والمساواة. وبخلاف ذلك تكون دعوى باطلة غايتها المساومة على حقوق الضحايا مع أقلية انتهازية من الأفراد، هم فضلاً عن شراكتهم العميقة مع نظام الاستبداد في إرهابه ومسؤوليتهم في جرائمه المروعة، لا يمكن الركون إلى قناعتهم بضرورة مستقبل سياسي جديد للعراق على أساس الشراكة الحقيقية والمساواة بين الجميع. وعليه فإن كل ادعاء بالمصالحة يستهدف التسوية معهم في مثل هذه الظروف، حيث لا تزال المسائل متشابكة بشدّة وعالقة، لا يعدو أن يكون استجداءاً مجانياً ونفاقاً يراد به المماطلة والتسويف والهروب من الاستحقاقات الدستورية والسياسية الأكثر أهمية.
المصالحة ممكنة فقط حينما تكف السلطة الحاكمة في بغداد عن التفكير بأنها قادرة على إلغاء حقائق التاريخ وحقوق البشر، وتضمن لنفسها الهيمنة والاستمرار دون الالتزام بشيء أو التقيد بمبدأ. وتتوقف عن تكريس بقاءها بإيغالها في إقصاء الآخر فلا تعبأ بحقوقه المستلبة، وتعدّ ذلك انتهاكاً صريحاً. وفي مثل هذه الحال ينبغي أن يكون المبدأ الحاسم لديها في تحديد طبيعة العلاقة بين الناس هو المساواة والحرية في تقرير مصائرهم، بدلاً من الاعتقاد أن المراوغات السياسية والمناورات هي السبيل الأمثل لممارسة السلطة. إذ ليس أسهل على من لايكترث بحقوق البشر من تحويل السياسة إلى مجرد مخاتلة ومكر، وخداع وتضليل، وبالتالي تغدو ممارسة السلطة لديه غاية بذاتها ولذاتها، مجردة تماماً من كل قانون سياسي أو مبدأ أخلاقي سام.
© منبر الحرية، 21 مايو 2009

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

كلما مر أسبوع، أصبح تخبط وزير الخزانة الأميركية هنري بولسون أكثر إثارة وحبساً للأنفاس. ففي نهاية شهر آذار (مارس) الماضي أخرج وزير الخزانة خطة كبيرة لتتويج مجلس الاحتياط الفيدرالي (بنك أميركا المركزي) كعامل استقرار مالي جديد للأمة. هل الاحتياطي الفيدرالي هو من يوفر الاستقرار حقا؟ بل إنه هو الذي خلق المشكلة المالية التي نعاني منها!

وإذا لم يكن ما فعله سيئاً بما فيه الكفاية، فقد تقمص وزير الخزانة دور القائد المشجع لبكين طالباً منها رفع قيمة اليوان الصيني مقابل الدولار. وبينما يعمل بولسون كل ما بوسعه لتخفيض قيمة العملة الأميركية، فإنه يدعونا إلى البقاء هادئين وواثقين بدعوى أن العوامل الاقتصادية ما زالت سليمة. إنه بذلك يذكرني بالمتعامل في السندات المالية الذي يُقدم خدمة غالية لشركائه عن طريق كونه مخطئاً طوال الوقت.

خلال فترة ولاية غرينسبان– بيرنانكي، اعتنق الاحتياطي الفيدرالي وجهة النظر القائلة بأن الاستقرار في الاقتصاد، والاستقرار في الأسعار شيئان منسجمان يتمم احدهما الآخر. فما دام التضخم باقٍ على المستوى المحدد أو أقل منه، فإن قاعدة العمل هي الإصابة بالذعر لرؤية أي اضطراب حقيقي أو متصوّر للاقتصاد، وتقديم إغاثة طارئة سريعة. ويفعل الاحتياطي الفيدرالي ذلك عن طريق تخفيض نسب الفوائد إلى ما هو أدنى من سعر السوق لو كان السوق هو الذي يحددها. وعندما تُصبح نسب الفوائد منخفضة بشكل غير طبيعي فإن المستهلكين يخفضون من مدخراتهم لصالح الاستهلاك، كما يرفع المستثمرون من نسب إنفاقهم على الاستثمار.

ثم يتكون لديك اختلال بين التوفير والاستثمار. ويكون لديك اقتصاد غير قابل للنمو المستمر. وهذا باختصار هو الدرس الذي تعلمناه حعن النظام النقدي المركزي الذي تم تطويره في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي. فقد حذّر علماء الاقتصاد النمساويون من أن استقرار مستوى الأسعار قد يتعارض مع الاستقرار الاقتصادي وقد ركّزوا تركيزاً كبيراً على حقيقة أن مستوى الأسعار، كما يُقاس في العادة، إنما تشمل البضائع والخدمات فقط. وتُستثنى منها أسعار الموجودات. (اذ لا يشمل جوهر القياس الذي يتبعه الاحتياطي الفيدرالي لقياس أسعار المستهلكين جميع البضائع والخدمات ، بطبيعة الحال). وقد توصّل النمساويون إلى نتيجة مفادها أن الاستقرار المالي يجب أن يشتمل على بُعد يمتد إلى إدخال أسعار الموجودات، وان التغيّرات في الأسعار المقارنة لمجموعة مختلفة من السلع والخدمات والموجودات هي أمر بالغ الأهمية. فبالنسبة للمدرسة النمساوية للاقتصاد، يمكن أن يكون الاقتصاد المستقر متوافقاً مع سياسة نقدية تكون فيها الأسعار في انخفاض طفيف.

الأزمة المالية الأميركية الحالية تتبع النمط الكلاسيكي. ففي عام 2002 صدرت عن المحافظ بيرنانكي صفارات إنذار تقول بأن التباطؤ الاقتصادي يُهدد الاقتصاد الأميركي. وقد أقنع زملاءه أعضاء المجلس بذلك الخطر. وكما عبّر غرينسبان عن ذلك قائلا: “إننا نواجه تحديات جديدة في الحفاظ على استقرار الأسعار، وبشكل خاص بتجنب هبوط التضخم إلى مستويات منخفضة أكثر من اللازم.”

ففي مواجهة احتمال انكماش اقتصادي، أصاب الاحتياطي الفيدرالي الذعر. وما أن جاء شهر تموز (يوليو) 2003 حتى أصبح معدل نسب الأموال الفيدرالية بمستوى قياسي منخفض بأقل من 1% حيث ظلت في ذلك المستوى المنخفض على امتداد سنة كاملة. وقد أدى ذلك إلى وقوع اكبر جميع دورات السيولة الحديثة، وكما توقع أعضاء المدرسة النمساوية، انتهى انتعاش التسهيلات المالية نهاية سيئة.

وحفاظاً على النمط الذي دأب الاحتياطي الفيدرالي على اتباعه، فقد أصابه الذعر مرة أخرى، بحيث أقدم على تخفيض نسب الفائدة وإغراق الاقتصاد بالسيولة. واذا ما أجري قياس اولي لكمية الإصدارات النقدية، لتبين أن الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس زاد من إصداراته بمعدل سنوي بلغ 37.7% ما بين نهاية كانون الثاني (يناير) وحتى 24 آذار (مارس). وبهذا الاندفاع الكبير لكميات النقد ومكاسب الأسعار التي تحققت في شهر شباط (فبراير) 2007 والتي بلغت 4% لسلع الاستهلاك، و6.4% لسلع الإنتاج، و13.6% للسلع المستوردة، فليس عجيباً أن نرى ارتفاع توقعات التضخم.

وليس غريباً أيضاً أن يظل الدولار عليلاً. وهو الأمر الذي يجعل من رسالة وزير الخزانة بولسون إلى بكين رسالة شاذة، ولا سيما أنها مبنية على معطيات غير صحيحة قدّمها عدد كبير من الاقتصاديين المرموقين. أعرب، مارتن فلدستاين، بروفيسور الاقتصاد في جامعة هارفرد، عن وجهة نظره بأن ميزان التجارة الثنائي بين الولايات المتحدة والصين يتقرر نتيجة لسعر تبادل العملة بين اليوان والدولار. لذلك، ولكي يمكن تخفيض فائض التجارة لصالح الصين مع الولايات المتحدة، فإنه يدعو إلى رفع قيمة اليوان.

هذه النصيحة كلام فارغ. فالموازين التجارية تتقرر نتيجة لقدرات التوفير الوطنية، وليس نتيجة لأسعار الصرف. إن فائض التوفير الصيني وعجز التوفير الأميركي يقرران إلى حد كبير اختلال التوازن التجاري بيننا وبين الصين. يتوجب على وزارة الخزانة الأميركية أن تكون قد تعلّمت هذا الدرس بعد سنوات من إرغام اليابانيين على رفع قيمة الين الأمر الذي أدى إلى النيل من استقرار الاقتصاد الياباني وبدون إعطاء أية فائدة للتوازنات التجارية.

وإلى أن يتخلى مجلس الاحتياط الفيدرالي عن تحديد التضخم وتتخلى الولايات المتحدة عن سياستها القائمة على ضعف الدولار، فإن التضخم سيكون هو سيد الموقف.

.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 10 أيلول 2008.

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

هنالك قول مأثور لعضو محكمة العدل العليا الأمريكية أوليفير هولمز قال فيه “الضرائب هي ما ندفعه لقيام مجتمع متمدن،” بينما قال سلفه على محكمة العدل العليا الأمريكية، رئيس المحكمة جون مارشال، وكان محقاً فيما قال، “السلطة على فرض الضريبة هي السلطة على التدمير.”

في أية نقطة تنتقل فيها الضريبة من كونها ضرورية لإدارة الحكومة بشكل مناسب إلى الاستبداد؟

الآباء (المؤسسون) الأمريكيون، اعتبروا، في إعلان الاستقلال الأمريكي، أن أحد تظلماتهم ضد الملك جورج الثالث أنه قد فرض “ضرائب علينا بدون موافقتنا.” “لا ضرائب بلا تمثيل” كان هو النداء الذي قامت على أساسه الثورة، ومنذ ذلك الحين كان هنالك توافق واسع بأن فرض أية ضريبة دون موافقة المحكوم هو نوع من الاستبداد الضريبي. هذا هو السبب الذي يجعل فرض الضرائب في الأنظمة الديمقراطية تحوز على شرعية أخلاقية أعظم من تلك الضرائب التي تُفرض من قبل الأنظمة غير الديمقراطية.

وبانتشار الديمقراطية على امتداد العالم، فإن أناساً أقل يتعرضون الآن لذلك النوع من الاستبداد الضريبي. ومع ذلك، وفي السنوات الأخيرة، فإن بعض البلدان وبشكل رئيسي ضمن الاتحاد الأوروبي قد حاولت تحت شعار “التنسيق الضريبي” و”الممارسات الضريبية غير المنصفة،” فرض توجّهاتهم لفرض ضرائب أعلى على الدول ذات الضرائب المُنخفضة. وقد حاولت بعض المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فرض ضرائب على الآخرين بدون موافقتهم.

شكل آخر من أشكال الاستبداد الضريبي يقع عندما تفرض الحكومات نسباً ضريبية أعلى من الحد الأعلى لجمع الأموال. لقد كان معروفاً على امتداد القرون بأن كل ضريبة لها نسبة عليا والتي إذا تم تجاوزها لن تجلب مداخيل أخرى لأن الناس سوف يتوقفون عن التعامل مع النشاطات الخاضعة لتلك الضريبة، سواء كانت العمل أو الادخار أو الاستثمار أو الاستهلاك للبضائع والخدمات الخاضعة للضرائب. مثل تلك النسب العالية من الضرائب تُشجع على انتشار الأسواق السوداء الخفيّة و/أو نزوح أنشطة معينة.

على سبيل المثال، فإن نسباً عالية من الضرائب على رأس المال تدفع الناس إلى الانتقال بأموالهم إلى مناطق تفرض نسب ضرائب أقل. نسب الضرائب العالية جداً على العمل يمكن أن تدفع بالناس إلى الانتقال حتى من بلد إلى بلد أو دولة أخرى. هنالك حالات كثيرة معروفة، حيث قام من يحصلون على مداخيل عالية مثل نجوم السينما والرياضة وغيرهم بالانتقال من بلدانهم الأصلية التي تفرض ضرائب عالية مُقعِدة، إلى أماكن أكثر وداً من الناحية الضريبية. ولكن لسوء الحظ، هنالك حكومات كثيرة، بما في ذلك حكومة الولايات المتحدة التي ما زالت تفرض ضرائب ونسب ضرائب أعلى من الحد الأعلى لجمع الموارد.

نوع آخر من الاستبداد الضريبي يتجلى عندما تُفرض ضرائب قصراً لتمويل برامج حكومية ذات مردودٍ قليل أو حتى بلا مردود، أو حيث تكون برامج الإنفاق متلبسة بالرشاوى وسوء الإدارة.

وقد أعلن الرئيس جروفر كليفلاند، في خطابه السنوي إلى الكونغرس عام 1886 قائلاً “عندما يُقتطع جزء أكبر من مداخيل الناس من خلال أنماط من الضريبة تفوق ما هو ضروري لمواجهة التزامات الحكومة ونفقاتها في إدارة الاقتصاد، فإن مثل تلك الضرائب تُصبح ابتزازاً بلا رحمة وانتهاكاً للمبادئ الأساسية لحكومة حرة.”

الحكومات من حيث طبيعتها ليست مؤهلة لأن تدار بمثل الكفاءة التي تدار بها النشاطات الكثيرة للقطاع الخاص، حيث يُنفق الناس من أموالهم الخاصة، ولكن هنالك قادة سياسيون كثيرون في كل بلد من بلدان العالم تقريباً الذين يتجاهلون إلى حد كبير مسؤوليتهم تجاه دافعي الضرائب بقبولهم لمستويات عالية من الفساد و/أو سوء الإدارة. وقد عبّر الرئيس كالفين كولدج بشكل واضح عندما قال “إن جمع ضرائب أعلى مما هو ضروري على نحو مطلق، هو نوع من أنواع النهب القانوني.”

الاستبداد الضريبي يمكن أن يوجد أيضاً عندما يتم اختيار أعضاء مجموعة من الناس لدفع نسبة تفوق النسبة المُقررة على أساس من دينهم أو عرقهم أو جندرهم أو غير ذلك من الظروف. في أيامنا هذه نرى ذلك كثيراً في الحكومات التي تُسيء إلى فكرة الضريبة المتصاعدة. على سبيل المثال، ففي الولايات المتحدة فإن واحدا بالمائة من أعلى فئة من دافعي الضرائب يدفعون 40 بالمائة من ضريبة الدخل، بينما هم لا يملكون سوى 21 بالمائة من الدخل. وفي الوقت ذاته فإن الـ50 بالمائة الأكثر انخفاضاً بين دافعي الضرائب يدفعون فقط 3 بالمائة من الضريبة بينما هم يحصلون على 12 بالمائة من الدخل.

عندما تُحوّل الأغلبية العبء الضريبي كله تقريباً إلى أقلية صغيرة يتوجب عليهم أن يدفعوا قسطاً غير متناسب إطلاقاً مع نسبة مداخيلهم، فإن ذلك يُمثّل شكلاً من أشكال الاستبداد الضريبي. بلدان كثيرة، ربما يبلغ عددها دزينتين، والذين عانى مواطنوها تحت حكم الشيوعية المستبد، قد فرضوا “ضريبة ثابتة” لتفادي هذا الشكل من أشكال الاستبداد الضريبي.

الاستبداد الضريبي يُخفّض من الفرص الاقتصادية ومن الوظائف ومن نمو الدخل ويؤدي إلى النيل من المجتمع المدني. الاستبداد الضريبي سوف يستمر ما دام أن السياسيين يستطيعون شراء أصوات مجموعة من المواطنين عن طريق إصدار الوعود لهم بتحويل عبء الحكومة إلى الآخرين، وإلى المدى الذي يواصل فيه القضاة السكوت على فرض ضرائب غير مناسبة وضرائب تنطوي على التمييز.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 25 حزيران 2008.

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

يعمل النفط المملوك من قبل الدولة على الدوام على زرع بذور فنائه بنفسه. إن معظم الناس لا يدركون بان ما نسبته 90 في المائة تقريبا من احتياطيات النفط السائل في العالم تتم إدارتها من قبل حكومات أو من قبل شركات مملوكة من قبل الدولة. فشركة “ايكزون موبيل” وهي اضخم شركة نفطية في العالم مملوكة للقطاع الخاص تمتلك فقط نسبة 1.08 في المائة من احتياطيات النفط العالمي، والشركات النفطية الخمس الأضخم في العالم المملوكة للقطاع الخاص تمتلك معا نسبة 4 في المائة فقط من الاحتياطيات النفطية في العالم.

هناك نفط سائل موجود في الأرض يكفي للاستمرار بحيث يمتد لأجيال قادمة وعند إدخال الرمال الزيتية والصخر الزيتي، فسوف يكون النفط كافيا للاستمرار على مدى قرون. فلو كان هناك سوق حرة حقيقية في مجال النفط، مع وجود الاحتياطي والإنتاج المملوكين والمُدارَين من قبل العديد من الشركات التنافسية، فان سعر النفط سوف يشكل جزءا من السعر السائد هذه الأيام.

إن السعر المرتفع للنفط هو نتيجة مباشرة نجمت عن قيود ومعوقات العرض المصطنعة التي تم فرضها من قبل دول عدة بما في ذلك الولايات المتحدة، بالإضافة إلى عدم كفاءة وسوء إدارة في معظم الشركات النفطية التي تتم إدارتها من قبل الدولة.

معظم هذه الدول—وكذلك منتجين رئيسيين آخرين للنفط يعتمدون بشكل رئيسي على شركات مملوكة للدولة مثل روسيا—قامت بالتقليل من الاستثمار في مجال استكشاف وتطوير منشآت إنتاج جديدة للنفط، كما أنها أساءت إدارة المنشآت الموجودة لديها.

وبالرغم من وجود سادس اضخم احتياطيات نفطية في فنزويلا على مستوى العالم، فقد هبط إنتاجها نظرا لسوء الإدارة التي تتم من قبل حكومة الرئيس شافيز. كما أن المكسيك أيضا تعاني من هبوط في إنتاجها النفطي لان الحكومة ترفض السماح للشركات الخاصة بالاستكشاف عن النفط وإنتاجه ولان شركة “بيمكس” النفطية المملوكة للدولة هي شركة غير كفوءة وغير مؤهلة. بمضي عقد أو عقدين من السنوات اعتبارا من الآن سوف يكون واقع الدول النفطية الاشتراكية في أسف بالغ بسبب سوء تصرفها الحالي.

عندما ترتفع أسعار أية سلعة فان الناس سيقومون بالبحث عن مصادر مغايرة وعن بدائل لتلك السلعة التي ارتفع سعرها. فعندما ارتفعت أسعار النفط إلى ما فوق 30 أو 40 دولارا أمريكيا للبرميل الواحد فقد اصبح استخراج النفط من الرمال الزيتية في كندا والصخر الزيتي في كولورادو اقتصاديا بشكل مفاجئ. وهذان الاحتياطيان هما الأضخم من تلك الاحتياطيات النفطية السائلة المعلومة.

تكمن المشكلة على المدى القصير في أن تطوير الرمال الزيتية والصخر الزيتي يستلزم القيام باستثمارات متقدمة هائلة وإلى قليل من السنوات قبل أن يحل إنتاجها محل معظم احتياجات أمريكا الشمالية من النفط المستورد من خارج القارة.

لقد أعلنت شركة “شل اويل” النفطية عن أن التكنولوجيا الجديدة لاستخراج النفط (“تكنولوجيا الموقع”) في كولورادو قد تكون تنافسية بأسعار تزيد عن 30 دولارا أمريكيا للبرميل. ومع ذلك، فان الوصول إلى إنتاج على نطاق واسع سوف يستغرق سنوات غير قليلة.

وبالرغم من الافتتان الجاري حاليا بالوقود الحيوي فانه من غير المرتقب أن ينتج في أي وقت مقادير تزيد عن حصة قليلة من سوق النفط نظرا لأنها ليست تنافسية السعر مع النفط السائل ومع الزيت الرملي والزيت الصخري عندما يتم الأخذ بالاعتبار جميع التكاليف الملازمة له، مثل أسعار المواد الغذائية العالية.

وفي الوقت الحالي، فإن السيارة الجديدة التي قمتم بشرائها منذ عقد من السنوات من الآن سيتم في الغالب وبكل تأكيد تشغيلها كهربائيا بالكامل. وهناك خطوات ضخمة تم تحقيقها في مجال تكنولوجيا البطاريات. فقد توصلت شركة “ميتسوبيشي” مؤخرا إلى اختراع سيارة تدار بالكهرباء بالكامل، وهي السيارة الرياضية “مييف”. وهناك شركتا “نيسان” و”رينو” كانتا قد أعلنتا عن انهما ستنتجان سيارات كهربائية على نطاق واسع بحلول عام 2012.

وبما أن الناس سوف يتحولون إلى السيارات الكهربائية، فان الحاجة إلى البنزين والنفط المستورد سوف تختفي بشكل سريع. ومن الواجب أن يتم التوسع في مجال المنشآت النووية والفحم النظيف بغرض إنتاج المزيد من الكهرباء، إلا أن إنتاجها من الطاقة سيكون جزءا على حساب تكلفة البترول. كما أن تكنولوجيا البطاريات الجديدة سوف تعمل على مد يد المساعدة كي تصبح الطاقة الشمسية وطاقة الرياح اكثر جدوى من الناحية الاقتصادية نظرا لأنها ستكون قادرة على تخزين تلك الطاقة. وحتى وان تم ذلك فان الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ستشكلان فقط جزءا صغيرا من الطاقة التي سنحتاجها مستقبلا وذلك بسبب القيود والتحديدات التي تلازم إنتاجهما.

وباختصار، العالم بحاجة إلى مواد الوقود السائل (النفط)، وبشكل رئيسي للمواصلات، ولكن عندما تتم الغلبة للكهرباء في معظم سوق الطاقة، فان أمريكا وأوروبا والصين واليابان سوف يكتشفون بان بإمكانهم إنتاج كل الكهرباء التي هم بحاجة إليها من مصادر نووية ومن الفحم ومن ماء السدود ومن الكتل الحيوية والحرارة الأرضية والشمس والرياح. كما أن أمريكا الشمالية ستكون أيضا مستقلة عن النفط الأجنبي بسبب التطويرات التي تتم على الرمال الزيتية وعلى الصخر الزيتي.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 4 آذار 2008.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018