علم الاقتصاد و التجارة الحرة

peshwazarabic5 نوفمبر، 20100

ملخص إجرائي
يعتبر علم الاقتصاد وللوهلة الأولى، بالنسبة للإنسان العادي، تعبيراً مبهماً، فهو يتألف من مجموعة من الأفراد يكون الشغل الشاغل لكل منهم التركيز على أهدافه الخاصة، غير مكترث بما تنطوي عليه المصلحة العامة. إذ ليست هناك سيطرة أية وكالة مركزية لتسيطر بل لتراقب على قرارات الإنتاج والتبادل المستقل التي لا حصر لها، والتي يتخذها هؤلاء الأفراد الذين لا حصر لهم. ولا غرابة في أن اقتصاد السوق لا يبدو سوى غابة من الصراعات والنشاطات الفردية غير المتناسقة. ووفقاً لهذا المنظار، فان تنظيمات الدولة لا تسد سوى حاجة بسيطة وواضحة ألا وهي تقديم جزءاً يسيراً من التنسيق في هذا الخضم الهائل من العماء الفوضوي. إن ما نحتاج إليه بشكل واضح لإنقاذ الناس من النتائج الكارثية الناجمة عن سعي كل فرد خلف مصالحه والتي تولد تضارباً مع مصالح أخرى لأفراد آخرين هو الإرشاد المتأتي من وكالة تتمتع بالقوة اللازمة والمعرفة والدافع لتبني التوافق أو التنسيق.
وبالطبع، منذ آدم سميث ولحد الآن، دأب الاقتصاديون على رفض هذه النظرة الساذجة للسوق. على الرغم من الاختلاف الشاسع في تقييماتهم لفوائد التنظيم الحكومي، كان رجال الاقتصاد قد أرغموا على أن يأخذوا تلك التنظيمات بعين الاعتبار ضمن إطار السوق، وبأساليبهم المتنوعة، والتي تعكس—بالنسبة لسميث—النتائج الحميدة للـ “اليد الخفية”. وفي غمرة الجدالات الحديثة الدائرة حول التنظيم، جاءت الانتقادات الأكثر شهرة للتنظيم الحكومي مقترنة بنموذج “كلاسيكي محدث”. كما ستقدم هذه المقالة أيضاً وجهة نظر تشكك، على نحو جاد، بوظائف التنظيمات، ولكنها متأتية من نموذج نمساوي. كما يتوجب علينا أن نحدد، وبشكل حذر، بعض الاختلافات بين هذين المنظارين، ولكننا قد نصف جوهر الاختلاف بشكل موجز. فالتنظيم الحكومي، بحسب المنظور الكلاسيكي المحدث الشهير، موضع شك لأن النتائج غير المقيدة لعملية السوق الحر هي حميدة، في إحدى مظاهرها. ومن ناحية أخرى، وحسب المنظور النمساوي، تعرض التنظيم الحكومي للانتقاد على أساس النظر المعمق المتعلق بالشخصية الحميدة (نسبياً) لعملية السوق الحرة. على الرغم من أن كليهما يرفضان وجهة النظر الساذجة القائلة بأن السوق فوضوي، فإن هنالك الكثير من التباين بين هذين النوعين من الانتقادات الموجهة للتنظيم الحكومي. كما يجب أن نلاحظ أن كليهما، سواء كانا مبنيين على “نتائج حميدة” أو “عملية حميدة”، فإن المعيار العام لتحديد مدى جودة ولطف ما هو حميد هو مدى تلبيته لبعض الأهداف المحددة. فهنالك، في الواقع، بعض الغموض النظري الإشكالي الذي ينطوي عليه هذا المعيار، ولكننا قد نتجنب الخوض في هذا الأمر في ورقتنا هذه. والأمر ببساطة هو أن الخبير الاقتصادي، من خلال التشكيك بالتنظيم الحكومي، لا ينادي بضرورة أن يكون هناك هدفاً أخلاقياً حميداً خلف عملية السوق أو نتائجها. والقضية ذات العلاقة هي التأثير الذي من خلاله يقوم النظام بخدمة أهداف المشتركين من الأفراد.
نتائج السوق
ينبع تقييم النتائج الحميدة للتنظيم الحكومي من الاعتقاد بأن الأسواق يمكن في كل الأوقات أن نفترض بأنها في توازن تنافسي أو قريبة منه. يُنظر إلى نظام السوق على أنه كفوء لدرجة أن يضمن وفي كل الأوقات أن تكون الأسعار عند المستوى الضروري تقريباً لترتيب أسواقها الخاصة. بعيداً عن الفوضوية، ينظر إلى السوق على أنه مؤسسة تنسيقية هائلة، تستطيع أن تساوي بين المشترين المفترضين مع البائعين المفترضين ضامنة في الوقت ذاته أن تتم كل فرص التبادلات ذات الفائدة للطرفين والممكنة التحقيق بنجاح. يُنظر إلى الإخفاقات التي يزعم أن تُلاحظ في تخصيص السوق للموارد، حسب وجهة النظر هذه، على أنها إخفاقات حسب رأي أولئك الذين لا يتفقون مع تفضيلات المستهلك، أو الذين يفشلون في فهم الضغوطات التي لا مفر منها والتي تفرضها الشحة. وحتى لو كنا مهيأين لتبرير دوافع المنظمين على أنها لاتتسم بالأنانية وعدم الانحياز، للعبث بالنتائج الحميدة المنسوبة للسوق والتي يجب أن تحرف مسار الإنتاج، وتخصيص الموارد، من القنوات التي تم تعيينها حسب تفضيلات مشتركي السوق أنفسهم (في ضوء هبات الموارد المعطاة) إلى القنوات المفروضة بشكل عشوائي والتي هي “أقل حسناً”. وحسب وجهة النظر هذه، فإن التتابع الدقيق لأحداث السوق والتي يمكن الحصول من خلاله على توازن بين الأسواق، وضمنها، هو أقل أهمية من الظرف الذي بموجبه يكون توازن من هذا النوع قد أُنجز تقريباً مسبقاً.
ومن أجل الاستنتاج بأن نتائج السوق هي حميدة حقاً، فإن وجهة النظر هذه تعتمد بشكل كبير على افتراض وجود أسواق تنافسية مثالية. إن التوازن الحاصل بين الأسواق، وضمنها، هو التوازن السوقي التنافسي الأمثل—وهو التقييم المفضل للتوازن التنافسي من قبل اقتصاد الرفاه الذي يعلم الاستنتاجات المضادة للتنظيم ويخبرها حول وجهة النظر هذه. ولا عجب بأن رجال الاقتصاد الداعمين لسياسات الحكومة التنظيمية—وبدون الحاجة إلى رفض وجهة نظر التوازن في السوق ولا نظريات الرفاه المرتبطة بالتوازن—كانوا قادرين ببساطة على الإشارة إلى الإفتراضات الخاصة جداً، والتي هناك حاجة لها قبل النطق بقرار حول السوق الذي يفتقر إلى تدخل الدولة. ولعل أهم تلك الافتراضات هو التنافس المثالي—أي أن السوق يتألف من مشترين وباعة صغار العدد يمثل سعر السوق لهم بياناً من البيانات غير المتأثرة بالتسعيرة أو المخرجات أو قرار الشراء لأي واحد منها. يفشل هذا الافتراض الخاص في التلاؤم مع حقائق الأسواق المعاصرة. وهذا حقيقي تماماً حيث أن العديد من الاقتصاديين—وبسبب الاعتماد على أساس توازن السوق—نظروا بصورة عامة بعدم ارتياح للتنظيم الحكومي، كما أنهم اعتبروا رغم هذا كله أنه من المستحسن أن تتدخل الحكومة لضمان تقريب معقول لظروف التنافس المثالية.
ليس من الضروري أن نقتات على التساؤلات التي يمكن أن يطرحها المناصرون للتنظيم الحكومي، أو التي طرحوها ضد وجهة النظر هذه (فيما يتعلق بصلة الافتراضات الضرورية لوجهة النظر هذه في أن تكون معقولة وضرورة أن تكون الأطروحة، القائلة بأن الأسواق تتوازن بنجاح، صادقة). أما الآن فسنتوجه إلى المنظور النمساوي لتحليل التنظيم.
السوق كعملية
وحسب وجهة النظر الثانية هذه لا يزعم أحد أنه، وتحت أي ظرف، يمكن للسوق أن يصل إلى مجرد اقتراب من حالة التوازن. لقد حدث جدل فقط على أنه حيثما لم يتم تحقيق ظروف التوازن، فإن هذا الظرف بذاته يخلق الدوافع من أجل التغييرات النظامية التي تميل إلى إقصاء اللاتوازن الموجود. إن القضية المضادة لتنظيم السوق (حتى من قبل حسني النية من موظفي الخدمة المدنية) تستند على تكهنات حول هذه العملية التصحيحية، وحول شخصيتها الحميدة. وقبل أن تقود هذه العملية التصحيحية إلى أي تنسيق مشترك بوقت طويل، كان من الممكن أن تحدث تغييرات في البيانات الأساسية للسوق (كتفضيلات الأفراد وهبات الموارد والتكنولوجيا المتوفرة) وأن تحول الحالة الافتراضية لتوازن السوق (المعرف حسب صلته بالحالة الابتدائية للبيانات) إلى شيء غير ذي صلة تماماً. ولكن التباينات بدورها تُنشّط وعلى الدوام التغييرات في هذه الأنساق الموجودة لتخصيص الموارد.
إن التأكيد على خصائص عملية صناعة السوق، بدلاً من النموذج التخصيصي الذي يتم عن طريق العملية، يسلط الضوء على عدم الترابط الكلي لأفكار المدينة الفاضلة (الطوباوية) ذات التنسيق المثالي. ووفق هذه النظرة لاقتصاد السوق، فإن الحكم على نظام اقتصادي عملي وواقعي في ضوء معيار التنسيق المثالي لا يعني فقط أن تعامل إمكانية التنسيق المثالي بجدية مفرطة (وبذلك تعامل الأسواق بتوازن كامل) وهذا بحد ذاته سوء فهم كبير للمشكلة الاقتصادية الأساسية التي تواجه المجتمعات المتمدنة. والحقيقة هي، كما أشار هايك قبل أربعة عقود خلت، أن المشكلة الاقتصادية التي تواجه المجتمع تتكون من الحاجة إلى ضمان أن تسهم نتف المعرفة المتوفرة للأشخاص المنعزلين أو المفردين، في القرارات ذات العلاقة، والتي تؤثر على النمط المجتمعي لتخصيص المورد. إن محاولة قياس النجاح الذي يتعامل بموجبه المجتمع مع مشكلته الاقتصادية، وبمعيار يعكس نمطاً ملائماً لمعرفة غير محدودة لمركزية افتراضية، هو أشبه بمحاولة تقييم كفاءة نمط التخصيص لموارد نادرة، وذلك عن طريق مقارنة نتائجها مع تلك التي يمكن تصورها لعالم تتلاشى فيه الندرة أو الشحة: إن المشكلة بمجملها هي كيفية الانسجام مع الندرة أو الشحة على نحو ممتاز. وعلى نحو مماثل فالمشكلة الاقتصادية-الاجتماعية هي كيفية الانسجام مع لامركزية المعرفة التي لامناص منها.
بعد أن اطلعنا على عدم ترابط استخدام معيار المعرفة المطلقة، والتعقيدات التي تتكون منها المشكلة الاقتصادية التي تواجه المجتمع عندما تؤخذ عواقب التغيير المشكالي في البيانات الأساسية في الحسبان، يصبح من الواضح وجوب إيجاد القياس المعياري، بدلاً عن التنسيق المثالي. تقترح وجهة نظر “العملية” بأن القياس الأمثل يجب أن يفتش عنه في المقدرة التي تعزى لعملية السوق والتي تكون خدمتها على شكل “إجراء اكتشافي” (العبارة لهايك). يرى هايك أن ما يحدث خلال عملية السوق من تفاعل للقرارات الفردية، هو أن المشاركين يكونون ميالين إلى اكتشاف النواحي ذات العلاقة لكل القدرات والرغبات. وهنا يبدو أن لدينا محكّاً مفاهيمياً ذا علاقة، يمكن من خلاله تقييم كل من عملية اقتصاد السوق، وسياسة التوصيات التي تصنع لتعديل تلك العملية (أي عملية اقتصاد السوق). ولا داع لأن يكون سؤالنا: هل إن نتائج عملية السوق هي على نحو لا يمكن اكتشاف شيء بعدها، أو إنها قريبة من ذلك؟ بل علينا أن نسأل: هل بإمكان البنية المؤسساتية (أو تعديلات مقترحة عليها) أن تحفز التدفق المهم والثابت للاكتشافات المتبادلة (الصحيحة)؟ فإلى المدى الذي يمكن أن تكون فيه الإجابة على هذا السؤال بالإثبات ممكنة، يمكننا أن نقول بوجود عملية “حميدة”. وإلى المدى الذي يعزز فيه التعديل المقترح نزعة النظام لتحفيز الاكتشافات (الصحيحة)، فإنها تمثل مقترحاً “حميداً”. من ناحية أخرى، إذا كان المقترح يعيق أو يشوه إجراء الاكتشاف، فهو مقترح “ضار”.
وبالتأكيد فإن تبني طريقة العملية لا يعني أننا لسنا مهتمين بالنتائج. ومع ذلك فإن الفاعلية التي تحفز العملية عن طريقها الاكتشافات يمكن أن يتم قياسها، بشكل جزئي، عن طريق ملاحظة النتائج. ولكن حتى وإن كانت الحال على هذا النحو، لا تتم الإشارة إلى النتائج بسبب الرغبة المطلقة في نمط التخصيص الذي تستعرضه، ولكن بسبب مدى الاكتشافات المعمولة سلفاً والتي تفصح عنها. فلنر كيف أن اقتصاد السوق، ومن خلال منظور العملية، ينسق نشاطات المشاركين.
السوق كإجراء اكتشافي
تتخذ القرارات في اقتصاد السوق بشكل مستقل من قبل المشاركين بالسوق كمستهلكين أو مالكي موارد أو منتجين أو أصحاب مبادرة. وتتخذ هذه القرارات على أساس ما يعتقده الأفراد كأفضل الخيارات المتوفرة لديهم. وبما أن المتوفر من الخيارات هي ذاتها نتائج خيارات الآخرين الفردية، فإن قرارات الأفراد تتم على أساس تقييم قرارات الآخرين المتوقعة. ومن الواضح أن تكون هذه التقييمات محتملة الخطأ بدرجة كبيرة أو صغيرة. قد يقدم المشترون أسعاراً عالية لاعتقادهم الخاطئ بأن لا أحد مستعد للبيع بسعر أقل. فالبائعون يعرضون البيع بأسعار مخفضة لأنهم يعتقدون بأن لا أحد مستعد للشراء بأسعار أعلى. ويحجم المنتجون عن إنتاج مادة ما لاعتقادهم الخاطئ بأن الموارد المطلوبة لإنتاجه لا يمكن الحصول عليها إلا بكلفة ستضع المنتج بعيداً عن متناول المستهلكين المحتملين. أو قد ينتجون مادة أخرى بسعر مرتفع لاعتقادهم بأن المشترين المحتملين متلهفين أكثر لشرائه وهلم جرى.
إن كل قرار خاطئ من تلك القرارات سيميل إلى حدوث عواقب معينة، وبصورة منتظمة، فالمغالاة في الظن بإعجاب المستهلكين بالمنتج سيترتب عليه خسائر في السوق. فعندما يبالغ مُنتِج ما في كلف الإنتاج، أو يبخس تقدير منتَج ما لدى المستهلك، فإنه يتجاهل الفرص لكسب الربح مما من شأنه جذب المزيد من أصحاب المبادرة. وكنتيجة لتلك الأنواع المعروفة من خبرات الكسب والخسارة، فإن المشاركين في السوق يتعلمون تقييم حدود المعاملات ذات الربح المتبادل الممكن مع شركائهم بدقة أكثر.
لاحظ إننا لا نقول بأن هذه الإخفاقات واكتشافات الربح تستبعد كل الأخطاء التي تم ارتكابها. نحن نقول فقط بأن نشاط السوق المبني على الخطأ يولد الباعث والخبرة التي تميل إلى تشخيص مكان ارتكاب الخطأ، وتحفز نشاطات أقل خطأً. سيتعلم البائع المحبط في توقعه تحقيق كسب كبير أن بإمكانه توقع أسعاراً منخفضة في أحسن الأحوال. أما البائع الذي يتقبل سعراً أقل من السعر المدفوع من قبل المشترين الآخرين في السوق، فيساعد في خلق موقفٍ يباع فيه المنتج ذاته بسعرين مختلفين—وهكذا يقدم الفرصة لتنبيه أصحاب المبادرة للشراء ضمن حدود السعر الواطئ وبيعه بالسعر العالي. إن مثل هذه الفرص الواضحة المعالم من أجل كسب خالص، تميل إلى جلب الانتباه، فيتم استغلالها ولذلك تستبعد—في خلال مسيرتها التي يكون فيها الخطأ الأولي ذاته قابل للتصحيح. ولهذا التتابع صفة شعرية تقريباً:1) تتجلى الأخطاء ذاتها في خلق فرص الربح أو النكسات المجربة، 2) تميل فرص الربح إلى أن تستغل وتكتشف، وتميل الإخفاقات إلى إعطاء المشاركين في السوق، ولا سيما المتفائلين منهم، معلومات أكثر واقعية، وتتوحد هذه الميول من أجل: 3) إقصاء الأخطاء الابتدائية (وفرص الربح والإخفاقات التي تتولد). وهنا يتوفر الباعث من أجل اكتشاف متبادل عن طريق تبعات الاكتشاف الابتدائي لهفوات وإخفاقات السوق.
الربح، المبادرة، وعملية الاكتشاف
من الأهمية بمكان أن نلاحظ الدور الذي يلعبه في عملية السوق هذه الربح الصافي من المبادرة. تظهر فرص الربح الصافي باستمرار وكأنها أخطاء يرتكبها المشاركون في السوق في هذا العالم المتغير. وتنشأ السمة العابرة لتلك الفرص، والتي لا يمكن تفاديها، من ميل السوق الهائل لجعل أصحاب المبادرة يلاحظون ويستغلون ومن ثم يستبعدون تلك الاختلافات في السعر الصافي. إن التناقض في فرص الربح الصافي يكمن بالتحديد في أنها تبرز بصورة مستمرة، ولكنها ومع ذلك تتلاشى باستمرار في الوقت ذاته. إن عملية الخلق والهدم المستمرة لفرص الربح الصافي هي التي تصنع الجراء الاكتشافي للسوق.
إنها العملية التي تجعل أصحاب المبادرة يتماشون مع التغيرات في تفضيلات المستهلكين، وضمن التقنيات المتوفرة والموارد المتاحة. وكما لاحظنا فإن فرص الربح تعكس فروقات الأسعار. بل إن هذه الفروقات في السعر تعكس الخطأ المرتكب في الماضي. بيد أن فرصة الربح المتحققة على هذا النحو تمارس قوة جذب هائلة على يقظة أصحاب المبادرة. بينما قد يظهر الخطأ بذاته وبصورة عامة كمحفز للتصحيح الذاتي، كما أن الخطأ الذي يولد فرص الربح الصافية يجعل أصحاب المبادرة أكثر دراية بتلك الفرص وهكذا فهو يحفز الإقصاء الذاتي.
إن اعتقادنا بوجوب عدم تشويه فرص الربح الصافي التي سيتم الانقضاض عليها من قبل أصحاب المبادرة لتوحي بأن جميع فرص الربح الصافي قد تم اقتناصها مسبقاً وفي كل الأوقات حتى قبل ظهورها؛ إن هذا الخطأ شائع جداً بيننا. ومن ناحية أخرى، يجب أن لا يوحي الوجود الدائم للخطأ بعدم وجود قوى نظامية في السوق تميل إلى إقصاء الخطأ. إن القوة الدافعة لعملية السوق في الاكتشاف المستمر للخطأ المستمر على الظهور هو الإدراك أو الحذر التجاري. إن الحقيقة هي أننا (سواء كنا رجال اقتصاد أو أطباء نفسيين أو رجال أعمال) نعرف القليل جداً عن مصادر وطبيعة الدراية التجارية، ولكننا نعرف ما يكفي لفهم أن السوق يعتمد عليها لمقدرتها المتميزة للعمل كإجراء اكتشاف اجتماعي. وإذا ما توجب على السوق الحر أن يعتمد على عملية الاكتشاف التجاري لحسن نواياه الاجتماعية، حسب ما نفترض في هذه المقالة، يتوجب علينا إذن، كصناع سياسات أن نفهم بعمق الأوجه الحساسة لهذه العملية، وأن نأخذ كل خطوة من شأنها أن تجنبنا التشويه والإعاقة.
لا يقتصر الإدراك التجاري على ملاحظة فروقات الأسعار الموجودة سلفاً. فالإدراك التجاري يذهب إلى أبعد من استغلال الفرص المتاحة من أجل المضاربة الفورية في الأسواق اليومية. إن صاحب المبادرة الاستكشافي الذي يتوقع ارتفاعاً في سعر مادة ما، فيشتري الآن وبالسعر المنخفض من أجل حصد ربح صاف عند بيع المادة غداً أو بعد عشرين عاماً، فهو بذلك يعمل على محفز “درايته” أو إدراكه لغياب التنسيق بين ما هو متوفر اليوم وما يمكن الحاجة إليه غداً أو بعد عشرين عاماً. إذا ما اتضح أن صاحب المبادرة التكهني هذا صائب، فإن غياب التنسيق هذا سيُرى على أنه ناشئ عن أخطاء أولئك الذين فشلوا في توقع ميول السوق المستقبلي بشكل صحيح.
وقد نوغل في الإسهاب في الأمر. وقد لا يمكن ملاحظة فرصة الربح الوقتي أو السريع من قبل المضارب ولكنه في الحقيقة قد يخلقها. إن صاحب المبادرة ذا الخيال الواسع والخلاق الذي يشتري موارد اليوم بثمن بخس من أجل تسويق فكرة جديدة تماماً، الغد أو بعد عشرين عاماً من الآن، قد عمل على جلب تخصيص لموارد المجتمع وإدخالها في تنسيق أعظم مع الاحتمالات الحقيقية التي تكشفها عبقريته المبدعة. ومن منظار تاريخي، إن ما سيتم الكشف عنه على أنه “أخطاء” الأجيال السابقة الذين لم يحلموا بالاكتشافات الهائلة “المنتظر” تحقيقها قد تم “تصحيحها” من خلال العملية الإبداعية للخلق التجاري المبادِر. ولا يهم فيما إذا ظهر الإدراك التجاري في هيئة وعي بفرص الربح أو فرص المضاربة الصافية أو فرص الإبداع التقني أو التسويقي فإنه ذلك الإدراك الذي يدفع باتجاه عملية الاستكشاف التصحيحي للسوق.
المنافسة والمبادرة

يجب أن نلاحظ إضافة الى ذلك، أن عملية الاسكتشاف المبادر تشكل عملية تنافسية أساسية. وهذه المسألة تتطلب توضيحاً موجزاً.
وكما شاهدنا فإن المحرك الأساس لعملية السوق يتأتى من تنفيذ الاكتشافات المبادِرة. ومن أجل هذا التنفيذ، من الضروري بالطبع أن يكون أصحاب المبادرة أو أصحاب المشاريع أحراراً لكي يتمكنوا من العمل على اكتشافاتهم—بغض النظر عن كيفية خدمة هذا الأمر لمصلحة الذين لم يقوموا بهذه الاكتشافات بأنفسهم. وتتطلب حرية الفعل هذه أن لا يقوم أحد بمنع أي صاحب مبادرة من الولوج في أي مضمار تجاري يريد. فحرية الدخول مشروعة كشرط أساسي لأجراء الاكتشاف للسوق.
لقد بات من السهل رؤية كيف يجب أن تكون حرية دخول أصحاب المبادرة أو المشاريع اليقظين، الذين يعتقدون أنهم اكتشفوا فرصاً للربح الصافي، مصدر قلق لأولئك الذين منعت “أخطاؤهم” خدمة المستهلكين على نحو أفضل مما كان. أما بالنسبة للذين يبيعون بأسعار مرتفعة (في الوقت الذي تتوفر فيه المادة بسعر أقل)، فإن المنافسة بين المضاربين في الأسعار تعني نهاية سريعة لأسعارهم المرتفعة. (أما هؤلاء الذين يشترون بأسعار منخفضة، فإن هذه المنافسة من المضاربين تعني تهديداً مشابهاً). وبالنسبة للذين يستخدمون موارد شحيحة لإنتاج منتوج لا يحتاجه المستهلك أكثر من حاجته لمنتوج ثانوي (يمكن إنتاجه بنفس الموارد)، لا يتم تصنيعه الآن، فإن منافسة أصحاب المبادرة الذين أخذوا يعرضون سعرهم من أجل تلك الموارد النادرة لغرض إنتاج المنتوج الثاني يجب أن تبدو تهديداً تنافسياً أشد خطورة. وسيبدو من المرغوب فيه، لكل من يشعرون بالتهديد، منع أولئك أصحاب المبادرة المجددين ومحطمي التقاليد والمندفعين، من الدخول في هذه الأسواق الموجودة وتشويشها. من الواضح أن محرك الاكتشاف المضاربي يعمل على شكل عرقلة مستمرة للحياة الهادئة التي قد يتم التمتع بها من قبل الذين يتابعون أنماطاً معينة (مغلوطة جزئياً) لسلوك السوق.
وبالمعنى الذي يفهم به رجال الأعمال معنى المنافسة، فإن عملية الاكتشاف المضاربي في السوق هي تنافسية بالأساس: فهي تعمل فقط بقدر لا يسمح فيه بحماية أي شخص في السوق من دخول القادمين الجدد. إن حرية الدخول لا تجعل الداخلين المحتملين أكثر وعياً بالـ”هفوات”—مناطق الربح الكبير—فحسب؛ بل إن الوعي بهذه الحرية سيجعل من المتواجدين في السوق أكثر إدراكاً ويقظة لتهديدات الداخلين المحتملين. عندئذٍ، سيفتش المتواجدون في السوق عن طريقة لمنع الدخول بواسطة إجراء تعديل “مبادِر” على أنشطتهم.
ولتحفيز يقظة أصحاب المبادرة بهذه الطريقة—أي لضمان سمة التنافس لعملية السوق—لسنا بحاجة إلى التخمين بأن السوق، ولأجل أية مادة معينة، يحتوي أصلاً على الكثير من المشترين والباعة. كما أننا بالتأكيد لسنا بحاجة إلى التخمين بأن كل مشارك في السوق ينظر إلى نفسه على أنه غير قادر على اختيار عروضه للأسعار—كما افترضت الاصطلاحات التقليدية للاقتصاديين التقنيين بأن ذلك ضروري لوجود ظروف تنافسية كاملة. كل ما نحن بحاجة إلى تخمينه هو أنه ليست هناك عقبات إضافية للسوق لكي تمنع دخول المنافسين المحتملين في أي اتجاه كان من اتجاهات المحاولة. وعند مناقشة الخواص الحميدة التي عزوناها لعملية السوق، والتي تعتمد على سمة السوق التنافسية، لا نعني بأن تلك الخواص تعتمد على نتيجة العملية التنافسية التي دخل خلالها العديد من المشاركين في السوق لكي يحالوا إلى عاجزين. إن ما نقوله هو أن الشروط التي تحفز عملية المنافسة—أي الغياب الكامل للقيود المؤسساتية—تميل إلى ضمان عملية اكتشاف متبادل.
التنظيم الحكومي: عقبة أمام عملية الاكتشاف

نحن الآن في وضع أفضل لمشاهدة كيف أن النظرة النمساوية للسوق، التي تحدثنا عنها فيما تقدم، قد تؤدي إلى وضع انتقادي للتنظيم الحكومي، وكيف يختلف الأساس لمثل هذا الوضع عن ذلك الرأي المألوف، أي الدفاع الكلاسيكي الجديد عن السوق الحرة. قد نضع الأمر بصورة موجزة: من أجل تنسيق ناجح معقول ضمن نظام لامركزي لاتخاذ القرارات، فإن عملية الاكتشاف التي يشكلها وعي أصحاب المبادرة التنافسي من أجل الربح، لهي أمر في غاية الأهمية. قد تستند المحاولات الهادفة للتحسين بالتنظيم المباشر على معلومات خاطئة (وذلك لأن المنظمين لا يستطيعون الإفادة من عملية الاكتشاف للسعي خلف الربح)، ومن الممكن أن تشوه عملية اكتشاف السوق الدقيقة أو تغلقها.
لنفترض أن الحاجة للتنظيم قد تأكدت على أساس ظاهرة “غير مرغوب فيها” ناجمة عن السوق غير المنظم. فعلى سبيل المثال، إن أسعار بعض البضائع المعينة ينظر إليها على أنها “عالية جداً” (كأسعار الحليب للمستهلكين؟)، أو “واطئة جداً” (كأسعار الحنطة التي يستلمها الفلاحون؟). أو ينظر إلى الكمية المتوفرة لمنتوج معين على أنها “واطئة جداً” (العناية الطبية؟) أو “عالية جداً” (كاللُعَب غير الآمنة”؟) وهلم جرى. فلنتخيل بأن صانعي القرارات الحكومية لا يحفزون إلا عن طريق الحافز لأن يعملوا نسقاً لظاهرة ما تعكس بصدق تفضيلات المستهلكين، (والتي يعتقدون أنها تُحبط بالسوق الحر الذي يفتقر إلى التنسيق). من المفترض أن تكون مناقشتنا قد وضحت بأن أولئك المسؤولين ذوي العقلية المكرسة للعامة والناكرين لذاتهم يفتقرون للوسائل التي تمكنهم من الاستجابة للتفصيلات التي لا حصر لها (للمستهلكين ومالكي الموارد) والتي قد لا يكونوا على دراية بها بصورة مباشرة. ليست هناك طريقة يعرفون بها الكمية “الصحيحة” أو السعر “الصحيح” لأي منتوج أو مورد معين. ليس هناك (نظير للباعث التجاري لاكتشاف فرص الربح الصافي) ما يمكن أن يقودهم إلى اكتشاف مكامن الخلل في التنسيق وبشكل منتظم.
وإن ما هو أكثر جدية هو حقيقة أن السيطرة الحكومية على الأسعار والكميات ونوعيات إنتاج المخرجات وتوظيف المدخلات، قد تقوم عن غير قصد بمنع أو حجز الأنشطة التي لم تكن قد خطرت ببال احد. وبينما يمكن أن تكون هذه الأنشطة الممنوعة أو المعطلة أنشطة نافعة من الناحية التجارية (ربما يكون ذلك ناتجاً من التغييرات غير المتوقعة في البيانات)، فإن احتمالية اكتشافها تكون حينها قد اضمحلت بالكامل. وبالتالي كانت عملية الاكتشاف التلقائي للسوق الحرة، حتى وإن لم تكن قصدية بالضرورة، مخنوقة ومشوهه إلى حد ما.
لقد لاحظنا مسبقاً مدى أهمية المقدرة على الدخول غير المقيد لأصحاب المبادرة الباحثين عن الربح بالنسبة لعملية الاكتشاف المبادِر التنافسي. ومما لا مناص منه هو أن قيود الحكومة التنظيمية تمنع هذا الدخول. إن القيود من هذا النوع هي قيود ضد التنافس. فهي تميل إلى إحباط الاكتشافات التي تولدها العملية التنافسية. حتى عندما يكون تنظيم الحكومة (مستوحى ربما على شكل نموذج مغلوط “للتنافس” حيث يكون فيه كل حجم مهم مشكوك فيه بحد ذاته) مصمم لـ “الإبقاء على التنافس” (على سبيل المثال عن طريق منع الاندماجات)، وهذا أيضاً يجب أن يعتبر شكلاً من الأشكال التي لا تساعد على التنافس. لأن هذا مثلاً قد يغلق العملية المبادِرة التي يمكن أن يكتشف بها الحجم الأمثل للشركة المنتجة.
من السهل على مسؤولي الحكومة المؤهلين أن يتصوروا أن بإمكانهم معرفة ما هو جيد للاقتصاد. ولكن من المحتمل أن يعني هذا أن في الاقتصاد المعقد جداً في زمننا الحاضر يكون من السهل للأفراد ذوي النية الحسنة أن لا يدركوا جهلهم بأمور معينة. أما بالنسبة لأصحاب المشاريع الخاصة، فإن وسيلة إيصال المعلومات الغير مشتبه بأنها مفقودة توفرها جاذبية فرص الربح الصافي الذي تولده معلومات الفرص المفقودة تلك. ليس المنظمون وحدهم غير قادرين على الاستفادة من الاكتشافات المستوحاة من الربح: فتدخلهم المباشر في السوق يمكن أن يحبط ويخنق ويشوه عملية الاكتشاف الحميدة اجتماعياً والتي تعتمد على حرية الدخول في فروع النشاط الذي لم يتم التأسيس لقبوله اجتماعياً لحد الآن.
ويتبع ذلك أن التأثيرات الضارة للتنظيم (والتي تم الحكم عليها من منظور تفضيلات المستهلك، وليس عن طريق القوانين المتبناة عشوائياً للأهمية الاجتماعية) ليس بالضرورة أن تكون موجودة في الفشل الواضح (كما يعبّر عنه مثلاً في النقصان وغياب التنسيق الواضح). وقد تتمظهر التأثيرات الضارة للتنظيم في حالات حيث يكون هناك غياب للتنسيق لا يعلم به احد. إن النقطة التي نريدها هي أن التنظيم يمكن أن يكون مسؤولاً عن هذا الغياب في التنسيق الذي لم يتم اكتشافه. إن ما يثير العجب في السوق التنافسي المبادِر هو مقدرته في إلهام نشاطات تنسيقية لا يتم الكشف عنها في غياب السوق.
في الحقيقة، إن “اليد الخفية” للسوق الحرة هي خفية ايضاً من حيث أن مشاكل التنسيق نفسها والتي تسعى إلى حلها هي مشاكل خفية حتى على أعلم العلماء المخلصين، أو على المنظمين الحكوميين أنفسهم.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 28 كانون الثاني 2006.

peshwazarabic5 نوفمبر، 20100

قد يكون ما ذهب إليه مايكل كيلوج في مقاله الموسوم “بعد البيئوية” من “أننا جميعاً بيئويون” صحيحاً، ولكن من غير الصحيح أن تتقبل سياسة الأمر والسيطرة لأجل أن تكون بيئوياً. ومع ذلك، فان الاختبار الحامضي الأساسي (اختبار الليتموس) لقياس درجة الاخضرار، بالنسبة للاتجاه السائد للبيئويين، هو قبول المزيد من الحكومة لتحقيق غاياتٍ بيئية. فكثيراً ما ينادون بالمزيد من التنظيم البيئي، والمزيد من التملك الحكومي للأراضي، الى أقصى حد ممكن. إلا أن العبرة من بيئوية السوق الحرة هي أن المزيد من التدخل الحكومي ليس بالشيء الضروري لتطوير نوعية البيئة وجودتها، بل ربما يكون ذلك ضاراً بتلك الغاية.
أما هؤلاء الذين يرفعون شعار الدولانية البيئية فيميلون الى الفكرة القائلة بأن العصا أفضل من الجزرة عندما يتعلق الأمر بحقوق أصحاب المُلكية الخاصة. فيتجاهلون النمو المتفاقم في العقد الأخير في أسواق التسلية (أسواق الاستجمام والسياحة)، ولا سيما في صيد السمك وأجور الصيد، التي قادت أصحاب الأملاك، مثل شركة الورق الدولية—وهي مالكة لغابة صناعية كبرى—إلى تربية أو رعاية مصادرها وممتلكاتها البيئية. وعلى العكس من ذلك، كان التنظيم وعلى الدوام خط دفاعهم الأول ضد أصحاب الأملاك. وليس غريباً ان ينظر أصحاب الأملاك الى الأجناس المهددة بالانقراض والمستنقعات على أنها معوقات وليس موارد قيّمة. وليس من الدهشة بمكان أن يقول مربو المواشي في شمال غرب مونتانا في سرهم، ولأجل انتعاشهم المالي، أن العلاج الأنجع للدببة الرمادية والذئاب التي في أراضيهم هو أن “تطلق الرصاص، تدفن وتسكت”. في غضون ذلك، يستمر الصخب لأجل الحصول على المزيد من التشريعات المقيدة، والمزيد من الدعاوى القضائية، والمزيد من التعدي الحكومي.
لقد أظهرت إدارة متنزه يالوستون الوطني، مفخرة نظام متنزهاتنا وحدائقنا العامة وجوهرة تاجها، أن السيطرة الحكومية على وسائل الترفيه أخذت تنحى منحى جنونياً. ويقدم العلماء المستقلون البراهين الدامغة على أن سياسة الحدائق أو المتنزهات التي تترك للطبيعة حرية تنظيم الحياة البرية للمتنزهات قد قذفت بعلم دراسة الأحياء البيئية في المتنزهات إلى هاوية سحيقة. فأشجار الحور والصفصاف تلتهمها حشود من الأيائل الجائعة التي تفوق حد نموها. أما القندس، ذلك النوع الذي يعتمد على شجر الحور والصفصاف، فقد اختفى تماماً من المتنزه. بالاضافة إلى ذلك، هناك سياسة يالوستون المتنورة في معالجة الحرائق التي استبدلت 70 عاماً من إخماد الحرائق ومنشأة الوقود الكبيرة بسياسة الـ(دعه يحترق) غير المعقولة. لقد كانت مسألة وقتٍ ليس إلا، قبل ان تلتهم النيران—كتلك التي نشبت عام 1988—أكثر من نصف غابات المتنزه الأصلية القديمة قدم الأزل. واليوم مازال مديرو يالوستون يتخبطون مع مهمتهم المزدوجة في حماية موارد المتنزه ومنح الجمهور صلاحية تامة للوصول. في غضون ذلك، كانت حشود الناس الذين يرتادون المتنزه، يدوسون طرقاته المتخمة للسواقي الطبيعية القديمة، ويحتشدون في طرق المرور السريعة المتدهورة، وكثيراً ما يتصارعون مع الحياة البرية. وعلى نفس المنوال، إن لم يكن اسوأ منه، فإن المشكلات التي كانت تحدث في نظام المتنزهات كانت قد وُصفت على نحو وافٍ من قبل مسؤولي المتنزه على أنها مناطق خضراء. وباختصار، فان سجل السيطرة السياسية على الموارد الطبيعية وعلى البيئة لم يكن أساسياً متميزاً، وهذا أقل ما يمكن أن يقال بحقه.
وفي ضوء الإخفاقات العديدة، علينا أن نسأل لماذا يعتبر العديد من العلماء وأخصائيي البيئة سياسات الأمر والسيطرة الاختبار الحامضي الأساسي لقياس درجة الاخضرار. وجوابنا هو أن هذه السلطات القسرية هي فقط من يسمح للبيئويين بالحفاظ على نقائهم في أرض أحلام خيالية، دون أية كلفة تذكر بينما يتحمل الآخرون تكاليف هذا النقاء. ولكن هذا في سياق التطور النفطي في المناطق الأصلية القديمة (غير المفسدة بالتدخل البشري) مثل المنطقة الوطنية القطبية الشمالية للحياة البرية. البيئويون الحقيقيون “يقولون كلا فقط”. لا يستحق أي نفط كان تدنيس البيئة أو انتهاكها؛ “إن تكلفة البيئة” ليست بذات علاقة تذكر لأنها تضمر رغبةً في القيام بالتناوب أو المقايضة.
ليست المقايضة لبعض الإزعاجات البيئية من أجل الموارد النفطية نقية خالصة بما فيه الكفاية، حتى إن أمكن استخدام تلك الإيرادات لخدمة بعض القضايا البيئية الأخرى. وهذا يفسر السبب وراء عدم شعور العديد من أعضاء جمعية اودوبون الوطنية بالفخر والاعتزاز لحقيقة أن الجمعية تغاضت عن، أو سمحت بتطوير صناعة النفط والغاز في بعض من محمياتها الخاصة بينما عارضت تطويرها في الأراضي الاتحادية (الفيدرالية).
ومن الاستثناءات القليلة لسياسة الأمر والسيطرة التي لاقت القبول مؤخراً في المجتمع البيئي هي الحلول المستندة الى السوق، مثل إجازات (تصاريح) التلوث القابل للاتجار. وهذه متفق عليها على الأقل بدرجة قليلة من اللون الأخضر من قبل البيئويين الرئيسيين لأنها مازالت “تسمح للحكومة بالقيادة”. ولكن الحلول المستندة للسوق، في واقع الحال، لا يربطها شيء بالأسواق؛ فما هي إلا طرق أخرى لجعل الأمر والسيطرة أكثر فاعلية. لقد حظيت مثل هذه الحلول المستندة الى السوق لبعض الوقت بتأييد الاقتصاديين الذين أشاروا الى ان هذه الحلول تطور الكفاءة. وفي ظل نظام الإجازات القابلة للتجارة، سيكون لدى الطرف الذي يحمل إجازة أو إذناً الدافع لتقليل معايير تلوثه وبيع الاجازة إذا ما استطاع فعل ذلك بفائدة معينة. وهذا سيقلل من كلفة مطابقة معايير التلوث من خلال تشجيع هؤلاء الذين لديهم أقل قيمة ممكنة من تقليل التلوث على القيام بذلك.
وعلى خلاف السوق، فأن مستوى التلوث لا يحدده، على كل حال، المشترون الراغبون والبائعون الراغبون، ولكنه يُحدَّد بالأمر والسيطرة. إن سوق التلوث يجبر الملوِّث بأن يدفع للمستلم في صفقة طوعية. أما إذا كان المسبب للتلوث راغباً في أن يدفع أكثر من الكلفة التي يحملها المستلم، فسيجري انبعاث المزيد من التدفق. وهذا يتطلب نظاماً من حقوق المُلكية المحددة بشكل جيد ونظاماً من قانون الأضرار العام الذي يجبر المتسبب بالتلوث على دفع تعويضات عن أية أضرار يتسبب فيها. من ناحية أخرى، فإن الحلول المستندة إلى السوق تؤسس مستوى التلوث من خلال عملية سياسية لا يُدفع فيها كتعويض سوى القليل، أو لا يدفع شيئاً مطلقاً، لهؤلاء الذين سيستقبلون التلوث. من الحقيقي فعلاً أن الحلول المستندة إلى السوق يمكنها أن تجعل التوافق أو التطابق مع حدود التلوث المسموح بها والمفروضة من قبل الحكومة أكثر فاعلية، أما اختصاصيو البيئة من أنصار مذهب السوق الحرة فيحبذون ويستحسنون هذه المنجزات في الكفاءة. ولكن يجب أن لا نشكك بالحقيقة القائلة بأن عملية تحديد مستوى التلوث لابد أن تكون عملية سوق محضة.
إن بديل البيئة الدولانية هو بيئوية السوق الحرة. وكما لاحظ كيلوج فإن بيئوية السوق الحرة تبدو مثل “تناقض ظاهري” فقط لأنها لا تعتمد على يد الحكومة القسرية التي تقود دفة القارب بالقوة. وبدلاً عن ذلك، تعتمد بيئة السوق الحرة على حقوق المُلكية وقانون العقود والأضرار، حيث يحدد الباعة والمشترون المضمار أو السياق من خلال اتفاقهم على تبادل حقوق المُلكية. ففي سياق بيئة السوق الحرة، لا يكون التلوث تلوثاً طالما كان الذين يستلمون المنتجات الجانبية (المخلفات) يتلقون تعويضاً عما هو غير مرغوب فيه من قبل الآخرين. لذا فان العلامة المكتوبة على شاحنة المخلفات تقرأ: “قد تكون أزبالاً بالنسبة لك، ولكنها خبزاً وزبداً بالنسبة لنا”.
تعتمد بيئة السوق الحرة على منطلقين: الأول، هو أن الأسواق الحرة توفر مدخولات أعلى، من شأنها بالتالي أن تزيد الطلب على الجودة البيئية. ولا ينكر سوى القليلون أن الطلب على الجودة البيئية قد تزايد بشكل درامي في الخمسة والعشرين سنة الماضية، وهناك إجماع حقيقي على أن السبب وراء هذا التزايد هو الإيرادات المتزايدة. وتظهر الدراسات الحديثة أن العلاقة بين دخل الفرد الواحد من السكان وجودة البيئة تتبع نمط “منحنى حرف جيه J”. ففي المستويات الواطئة جداً من الدخل، تكون نوعية البيئة مرتفعة لعدم إنتاج أي تدفق. وبارتفاع الدخول أو الواردات إلى أكثر من الحد الأدنى، يزداد الملوِّثون فتتدهور البيئة. ولكن بعد ذلك، عندما يقترب دخل الفرد الواحد إلى خمسة آلاف دولار في العام، تبدأ نوعية البيئة بالتحسن فتكون جيدة بشكل مترف. أما فوق ذلك المستوى من الدخل، فتظهر التخمينات التي أجراها دون كورسي من جامعة واشنطن في سانت لويس ان لكل 10% من الزيادة في الدخل، هناك 30% الى 50% من الزيادة في طلب الجودة البيئية. قد نكون جميعاً بيئويين الآن، ولكن السبب ليس في تجربة متجددة في وولدين بوند، ولكنها الزيادة في الثروة الناتجة عن الأسواق الحرة التي أعطتنا المال الكافي لتحمل نفقات الترف البيئي.
أما درع الوقاية الثاني لبيئوية السوق الحرة فهي أن أسواق الملطفات البيئية توفر البواعث أو الدوافع للأفراد لكي يتعاملوا مع البيئة على أنها مورد أو مصدر قوة أكثر منها عائقاً. ويقر كيلوج بأن شيئاً ما قد يحدث لبيئة السوق الحرة حيث “أن السوق يمكن أن يأخذنا إلى أي مكان نريد الذهاب إليه”. إلا أن هذا لا يدرك المشكلة الأساسية التي تواجهها مخططات بيئوية السوق الحرة: الى أين نريد الذهاب؟ يزعم البيئويون القسريون أنهم يعرفون إلى أين علينا أن نذهب، ويستخدمون سلطات الحكومة لأخذنا إلى هناك. فبالنسبة لهم ليس هناك حياة برية كافية على الإطلاق، والأنواع يجب أن لا تنقرض، والتلوث يجب أن لا يتواجد. إذا ما تأكد ذلك، فلماذا لا تستخدم سياسة الأمر والسيطرة؟
أما البيئيون من أتباع السوق الحرة فلا يزعمون أنهم يعرفون الشيء الذي يجب فعله. فذلك يحدده الفعل الإنساني الذي يتكشف في التعامل الطوعي حيث توفر الأسعار دوافع للمشترين والبائعين الراغبين في الحصول على غاياتهم المتبادلة. وكما قال كيلوج: “إذا أراد أحد أن يشتري وادي يوسيمايت وأن يقيم عليه شققاً سكنية… عند ذاك ستكون هناك شققاً سكنية”. ليس لدى بيئويي السوق الحرة أية مشاكل مع هذا الاستنتاج، إلا أن هذا لا يعني أنهم بالضرورة يفضلون الشقق على وادي يوسيمايت. (لا شك أن وادي يوسيمايت الأصلي ليس كما نعرفه الآن تحت سياسة الأمر والسيطرة، مما قد يجعل الشقق ذات طبيعة برية أكثر منها مأهولة بالناس في ظل الإدارة البيروقراطية). يقول أخصائيو البيئة من أتباع مذهب السوق الحرة أنه إذا لم يستطيعوا أن يرفعوا السعر (في المزايدة العلنية) على محبي الأسهم لأية استخدامات يفضلون، عندها يتم الكشف عن التفضيلات المقيدة بالموازنات المالية.
وهنا عادة ما يظهر نوعان من الانتقادات؛ أحدهما تقدم به كيلوج أما الآخر فلا. أما الذي لم يتقدم به كيلوج فله علاقة بتوزيع الثروات. طالما كان الأغنياء يمتلكون ثروة أكثر من الفقراء، لاشك أنهم سيزايدون على الفقراء—كما يقال—في نظام السوق. ولكن الحقيقة هي أن الأغنياء لا يفوزون أو ينتصرون على الدوام. إذ قد يفضل الأغنياء السيارات الفارهة كالـ(ليكزس) على سيارات الجيو، ولكن الأخيرة مازالت تنتج وتبيع، والحق أن هنري فورد أصبح ثرياً من خلال إنتاجه للجماهير الواسعة، وليس للنخبة أو لسوق الأثرياء. إذا ما كانت جودة البيئة مطلوبة من قبل المستهلكين من أبناء الطبقات ذات الدخل الواطئ أو المتوسط، فسيثرى المجهزون من خلال توفيرها (أي جودة البيئة). وبالطبع، إن لم يكن ذلك ما يريده الناس في الواقع (على عكس ما يعتقده البيئيون القسريون من أنهم يريدون ذلك)، فان السوق “سيفشل”. إضافة الى ذلك، لا تختلف المشكلات التوزيعية المتعلقة بالبيئة عن تلك المتعلقة بالطعام. إن كان هناك أناس فقراء، فلا شك أن إعطاءهم المال وتركهم ليقرروا ما إذا أرادوا مناطق برية خضراء أو متنزهات مائية. وعلى كل حال، فإن البيئيين القسريين يرون عموماً أن لهم (أي الفقراء) تفضيلات خاطئة.
أما الانتقاد الثاني الموجه لترك التعاملات الطوعية تحدد نوعية البضائع البيئية التي سيتم انتاجها فهو أن “بعض الأشياء لا يجب أن ترجع ببساطة إلى الأمور المالية. فبعض الأشياء مقدسة، أو يجب أن تكون مقدسة”. وهنا تتجلى وتشرق الألوان الحقيقية للبيئيين القسريين. فلأنهم يعرفون ما هو المقدس، سيجبرون هؤلاء الذين ليست لديهم رؤية صحيحة للقيام بما هو صحيح، دون ارتياب أو تأنيب ضمير. ففي اللغة الدارجة للبيئيين القسريين، للبيئة قيمة جوهرية يعرّفها كيلوج على أنها “قيمة مستقلة عن اختيارات بعض الأفراد المعينين، وهي بذلك تتسامى على اعتبارات السوق”. إن ما يعنيه بهذا بالضبط هو أن القيم الجوهرية (التي تحل محل القداسة الروحية) هي قيم مطلقة غير محدودة، لذلك لا يمكن الاتجار بها إزاء قيم أو استخدامات أخرى؛ فهي الورقة الرابحة. إذن، ليس من الغرابة بمكان أن لا تستطيع بيئوية السوق الحرة، في شكلها الحالي، أن تأخذ القيم الجوهرية في نظر الاعتبار.
إن حل كيلوج هو أن يكون هناك “جدل شعبي عام يمكن فيه التفكير في القيمة الجوهرية والنظر فيها من قبل المجتمع بأسره، وليس مقايضتها أو تبديلها في التعاملات الخاصة للأفراد”. وهنا مرة أخرى، تقوم خدعة يدوية بإظهار كل شيء بمظهر حسن. من هو ذلك المجتمع؟ وما هي العملية التي تمّكن كل المجتمع من التصويت؟ ترى بيئية السوق الحرة أن المجتمع هو ببساطة مصطلح ذرائعي للحلول السياسية المليئة بالإخفاقات التي تضاهي في الأقل إخفاقات “التعاملات الخاصة بالأفراد”.
إن قمة تمبر التي أجرتها إدارة كلينتون، والتي قام بها الناس بالتعبير عن القيمة الجوهرية لمشاهدتهم لبعض طيور البوم، بينما كانت الحكومة تستمع لذلك، تقدم مثالاً للطريقة السياسية التي نادى بها كيلوج. وفي النهاية، مُحيت مساحة تقدر بأكثر من سبعة ملايين أكرة من أراضي الغابات الأصلية لإنتاج الخشب، مكلفة آلاف المهن والأعمال في شمال الغرب، ومقترَحاً لبرنامج “تشغيل المترف” للعمال الذين يوضعون في غير أماكنهم المناسبة. لقد كانت سياسات متوحشة تلك التي قام خلالها البيئيون بإلحاق الهزيمة بمنتجي الخشب. وعلى أقل تقدير، سيكون الجدل حول الطرق البديلة لإنتاج الملطفات البيئية أكثر صدقاً إذا ما أدركنا أن البيئية القسرية تستبدل السياسة بكافة مساوئها وعيوبها بالحرية مهما كانت ناقصة.
يرى كيلوج أن قَدم أخيل [نقطة ضعفه القاتلة] بالنسبة لبيئوية السوق الحرة هي التعاملات التجارية الطوعية التي تتطلب حقوق ملكية، وأن تأتي حقوق الملكية من الحكومة. وهنا مرة أخرى تفوته نقطة بالغة الأهمية تتعلق بتطور حقوق الملكية هي—على وجه التحديد—أن هذه الحقوق تستطيع التطور وتتطور فعلاً عبر قانون العقود الخاصة والأضرار. وتكثر الأمثلة على تطور حقوق الملكية من خلال الرسوم الجمركية والقانون الخاص في غرب أمريكا. فحقوق المعادن وحقوق المياه، على سبيل المثال، تطورت وازدهرت في معسكرات المناجم والأقاليم الاروائية قبل أن يؤسس بيروقراطيو الحكومة حضورهم في مقاطعات ورؤوس أموال الولاية بوقت طويل. مازالت مثل هذه الحقوق للملكية تشكل الأساس في تسويق المياه. وفي جميع الولايات الغربية، هناك نظام أولوية تخصيصية (استيلائية) لحقوق المياه مختلف تماماً عن تقاليد الضفاف (ذات العلاقة بضفاف الانهار) الشرقية، يسمح للطرفين بنقل الماء إلى استخدامات بالغة الأهمية بينما يحميها من الانتهاكات أو الأضرار التي قد يتسبب فيها طرف ثالث. ولسوء الحظ، فأن العديد من القوانين العامة، كتلك التي تمنع بيع المياه لاستخدامات جداول الاستجمام والترفيه، قد حصلت أو صدرت عن طريق تعاملات السوق. إن الرجوع الى تأسيس حقوق الملكية عبر عملية القانون العام سيساعد في حل مشكلات حقوق الملكية التي تقلق كيلوج.
وكما ذكر روجر مينيرز وبروس ياندل في كتابهما الموسوم “التعامل الجاد مع البيئة”، تبين السجلات التاريخية ان حقوق الملكية يمكن أن تتطور، بل إنها تتطور فعلاً، عن طريق القانون العام وأن تلك القواعد العامة تحمي الأفراد حقاً وتدافع عنهم ضد التلوث وضد المظاهر البيئية الخارجية الأخرى. ونادراً ما يدرك المسؤولون الحكوميون الحاجة الى حقوق الملكية. والحق أن معظم هذا التطور حدث في عصر كانت فيه التكنولوجيا أقل تعقيداً بشكل كبير، وكان فيه الحصول على المعلومات حول الأخطار الكامنة للتلوث أقل كلفة. لا شك أن التنفيذ يتطلب إجباراً حكومياً، ولكن هذا التنفيذ صرخة بعيدة كل البعد عن الإبداع المنهجي وإعادة توزيع حقوق الملكية بالاستناد إلى كلف التعامل التجاري التي اقترحها كيلوج والتي نُسبت خطأ إلى رونالد كوز الحائز على جائزة نوبل.
تدرك سياسة السوق الحرة المتعلقة بالبيئة أن الرأسماليين البيئيين هم الذين اكتشفوا السوق الكامنة في تعريف حقوق لياقة البيئة وملائمتها، فاستثمروا اكتشافاتهم بطريقة رأسمالية من خلال تأسيس حقوق الملكية. على سبيل المثال، حاولت منظمة حماية الطبيعة مؤخراً أن تشتري وتسحب حقوق الرعي في الأراضي الفيدرالية في نيو مكسيكو. ورغم أن الحكومة قد تكون هي التي أوجدت حقوق الرعي في الأراضي المشاعة، إلا أن مقاولات منظمة حماية الطبيعة هي التي حاولت إضافة عصا جديدة الى حزمة الحقوق. ومن الممتع في الأمر أن أحد القضاة في وزارة الداخلية لم يسمح للتعامل الطوعي المصمم لغرض تحقيق غاية بيئية.
بينما كان صاحب المبادرة البيئي توم بورلاند يعمل بصفة خبير أحيائي في منظمة إنترناشيونال بيبر، قام أيضاً بابتداع أو إيجاد عصي جديدة في حزمة حقوق الملكية. فمن خلال جهوده لمنع التجاوزات، أو تسويق أو بيع حقوق الصيد أو تأجير الأراضي لأغراض الاستجمام والترفيه، كان بورلاند قادراً على تحويل الملطفات البيئية إلى أصول تحفز الشركات على الاحتفاظ بها. أخذت قائمة الرأسماليين-البيئيين بالتنامي والازدياد بتزايد قيمة الملطفات البيئية ولم يكن يقيدها سوى خيال أصحاب المبادرة.
إن بيئة السوق الحرة تتحدى الوضع الحالي من خلال تقديم طريقة “لإعادة التفكير بالطريقة التي نفكر بها” حول المشكلات البيئية. يوافق الكثير منا على أن من الأفضل ترك الطعام والسكن وإنتاج اللوازم الضرورية الأخرى للسوق. لماذا لا تترك للبيئة؟ حتى المشكلات البيئية تقدم وضعاً نافعاً لصاحب المبادرة البيئي الذي يستطيع تعريف وتعزيز حقوق الملكية. وقد تُطلب الحلول السياسية في القضايا التي تكون فيها تكاليف تأسيس حقوق الملكية لا يمكن السيطرة عليها، وليس هناك من سبب يدعو للبدء بالمنطق القائل بأن منهج الأمر والسيطرة هو فقط من يستطيع إنتاج جودة بيئية. وعلى العكس، تشير بيئة السوق الحرة إلى أن هناك دائما “بيروقراطية ازاء البيئة” وأن الحلول السياسية تتخندق بشكل يجعلها تقف في طريق أية حلول تجارية خلاقة يقدمها السوق. إن التغلب على النمط الفكري للدولانية البيئية ليس بالأمر اليسير، لأن ذلك كان النموذج البارز لتشكيل السياسة البيئية لما يقارب القرن من الزمن. يتطلب التحرك إلى ما وراء الوضع الحالي تشكيل تحالفات جديدة ومغادرة المنظومة المناوئة للسوق.
لقد حدث هذا في تحديد حصص المياه، لأن المحافظين الماليين والبيئويين قد وجدوا أرضية مشتركة. إن التدخلات الفيدرالية في مشاريع المياه الكبرى المصممة لجعل الصحراء تزهر مثل وردة، لم تعبر خط دراسات الجدوى، بل وكثيراً ما كانت تتسبب في دمار بيئي. ولهذا السبب، تم إحداث بعض التطور في إزالة حصص المياه من أجندة السياسة وتحويلها الى قوى السوق. وحتى في حالة تدفق الأنهار لإغراض بيئية، هناك أدلة متنامية على أن أداء الأسواق يمكنه أن يفوق أداء السياسة.
“جميعنا بيئويون الآن” لأننا في الولايات المتحدة وفي بعض البلدان الغربية الغنية نستطيع تحمل طلب الجودة البيئية (على عكس الأمر فيها). إن المنطلقات الأساسية لبيئة السوق الحرة هي: أولاً، إن الجودة البيئية تأتي مع تزايد الثروة، وثانياً، إن السوق الحرة توفر البيئة المحفزة لزيادة الثروة ولإنتاج الملطفات البيئية. إذا ما استمر البيئيون القسريون بأجنداتهم النخبوية في السيطرة على السياسة البيئية، سيكون من المحتمل أن يكون لدينا في نهاية المطاف ثروة قليلة وملطفات أقل عدداً. ومن بين الخيارات الثلاثة التي استعرضها كيلوج، هناك فقط خيار سياسة بيئة السوق الحرة الذي يوفر للجميع منظاراً مستقبلياً للمزيد من الثروة، والمزيد من الملطفات، والمزيد من الحرية وهو أكثر الموارد ندرة.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 4 كانون الثاني 2006.

peshwazarabic5 نوفمبر، 20100

إن لدى العديد من الناس مشاعر قوية حول العولمة. إلا إنني لن أخوض في المشاعر، بل سأتحدث عن الأسباب والمنطق والدليل. من المهم أن تكون الجدالات معقولة وأن يكون من الممكن التحقق من صحتها أو تفنيدها، وأن نشرك القلب من خلال العقل. آمل أن أشرك عقولكم لكي تشركون قلوبكم بالجانب الإنساني.
شاع بين خصوم العولمة استخدام المصطلح كسلة حاوية لكل جوانب الحياة الإنسانية التي يكرهونها. سوف استخدم مصطلح “العولمة” بشكل أدق للإشارة إلى نقص أو غياب القيود التي تفرضها الدول والحكومات على التبادل التجاري عبر الحدود، وما نتج عنه من نظام عالمي معقد في الإنتاج والتبادل التجاري والذي يتشابك بشكل مطّرد. وتبقى الاسئلة الملحة عن ماهية الآثار الفعلية للعولمة وما إذا كانت نافعة أم ضارة.
إن المسألة الجوهرية للسياسات هي ما إذا كان لابد من استخدام الحدود لإيقاف التعاملات التي كان من الممكن السماح بها لو أن الطرفان يقعان على جهة واحدة من تلك الحدود. هل يجب السماح لمزارعي القمح الأمريكيين شراء الهواتف النقالة من سكان فنلندا؟ وهل يجب السماح للنساجين من غانا بيع القمصان والبناطيل التي يصنعونها للعمال الألمانيين؟
أعتقد أن الجواب هو نعم. أما معارضو العولمة من اليسار الى اليمين—من رالف نادر إلى باتريك بيوكانن وجان ماري لوبن—فيقولون لا. قبل أن أبيّن لماذا أقول نعم، دعني أؤكد على أن الجدل ليس حول تفاعل الأعداد ولكن حول تفاعل الأشخاص الحقيقيين، أشخاص من لحم ودم ذوي أجساد وعقول وحياة لها معنى وقيمة.
من أجل وضع بعض ذاك اللحم والدم على النقاشات الرسمية، دعني أخبركم قصة: في العام الماضي اصطحبني صديق من مايا—يدرّس الانثروبولوجي في غواتيمالا—إلى المرتفعات الماوية. وقد أخبرني أن علماء الانثروبولوجي في أوروبا والولايات المتحدة الذين يريدون “دراسة” الهنود، يشتكون من أن العديد من نساء المايا لا يرتدين زيهن التقليدي الجميل، المصنوع بشكل يدوي متقن، كل يوم. فيحتفظن بذاك اللباس بشكل متزايد للمناسبات الخاصة كالتعميد أو الزفاف. وتكون استجابة الزوار واحدة تقريباً ألا وهي الفزع، فيقولون أن الماويين قد سلبت ثقافتهم وأنهم بذلك أوائل ضحايا العولمة والاستعمار الثقافي.
ولم يكلف أحد من هؤلاء نفسه فيسأل نساء المايا لماذا لا يرتدي العديد منهن الزي التقليدي، بينما فعلها صديقي. أخبرته النسوة أنهن لا يرتدين ملابسهن المصنوعة يدوياً لأنها أصبحت غالية الثمن. الآن، ماذا يعني أن تصبح الملابس المصنوعة يدوياً غالية الثمن؟ إنه يعني أن عمل المرأة الماوية أصبح أكثر قيمة. بدلاً من قضاء الساعات في النسج على مغزل لتصنيع قميص ليرتدين، بوسعهن قضاء ذلك الوقت لعمل نفس القميص وبيعه لسيدة في فرنسا واستخدام الأرباح لشراء ثلاثة أدوات ونظارات، أو مذياع، أو دواء مضاد لحمى الضنك. وتستطيع النساء عمل شيء آخر فيكنّ في نفس الوقت قادرات على شراء المزيد من الأشياء التي يجدن لها قيمة. إنهن لا يتعرضن للسرقة، بل يصبحن أكثر غنىً. وذلك من وجهة نظرهن ليس شيئاً سيئاً، ولكن من وجهة نظر هؤلاء—معارضي العولمة—الذين يطلق عليهم صديقي إسم “سياح الفقر”، الذين يحبون أخذ صور للفقراء بملابسهم الملونة—فهي خيبة أمل كبيرة.
لذا، عندما نناقش العولمة، علينا أن لا ننسى النساء اللواتي يصنعن الأثواب التي أصبحت الآن غالية الثمن بالنسبة لهن ليرتدينها كل يوم. هؤلاء هم الناس الحقيقيون الذين سوف يقرر مصيرهم للأفضل أو للأسوأ، من خلال الجدال حول العولمة. فهل سيصبحون أغنى أم أفقر؟ هل ستصبح حياتهم أطول أم أقصر؟ نتيجة لسياسات حكيمة أم حمقاء؟
أساطير حول العولمة

 العولمة تقضي على الوظائف:
لا تؤثر السياسة التجارية على الوظائف، لكنها تؤثر على نوعية الأعمال التي يمارسها الناس. إذا زادت الحمائية (سياسة حماية التجارة والصناعة الوطنية) عدد الوظائف في الصناعات الإستيرادية التنافسية، فإنها وبشكل مماثل ستقلل عدد الوظائف في الصناعات التصديرية، أي في الصناعات التي تنتج البضائع التي كان من الممكن استبدالها بالبضائع التي يمكن استيرادها، ولكنها أصبحت الآن أغلى ثمناً من خلال التعريفات، أو تم إبعادها من خلال الحصص النسبية (الكوتا). وبالنتيجة فالصادرات هي الثمن الذي ندفعه مقابل الواردات، كما أن الواردات هي الثمن الذي يدفعه الأجانب مقابل صادراتنا. لذا، إذا قللتَ من قيمة البضائع المستوردة من خلال التعرفة فإنك تقلل من قيمة البضائع المصدرة لتسديد ثمن تلك الواردات. مما يعني فقدان الوظائف في الصناعات التصديرية.
 العولمة تدير رأس المال نحو الأجور الأقل وتستغل العمال الأكثر فقراً:
لو كان صحيحاً أن رأس المال يتدفق حيث تكون الأجور أقل، لتوقعنا أن تكون بوركينا فاسو وبلداناً فقيرة ذات أجور قليلة أخرى غارقة بأمواج الإستثمارات الخارجية. هذا الادعاء له مضامين ممكن اختبارها لأجل التحقق منه. خلال التسعينات ذهب 81% من الاستثمار الأمريكي الخارجي المباشر إلى ثلاثة أجزاء من العالم: كندا الشديدة الفقر، وأوروبا الغربية الفقيرة، واليابان المتضورة جوعا! أما البلدان النامية—ذات الأجور المتزايدة!—مثل أندونيسيا والبرازيل وتايلندا والمكسيك فقد ذهب إليها 18%. وتشاركت باقي أجزاء العالم، من ضمنها إفريقيا كلها، في نسبة الـ 1% المتبقية. يضع المستثمرون رؤوس أموالهم حيثما تدر عليهم بالربح الأكبر، وبشكل عام تكون هناك أعلى الأجور وليس أقلها. تميل المشاريع التي يقيمها المستثمرون الأجانب إلى دفع أجور أعلى مقارنة مع المشاريع المحلية، لأنهم يريدون جذب أفضل العاملين والاحتفاظ بهم.
 تُصدّر روؤس الأموال من البلدان الغنية إلى العالم الثالث لخلق مؤسسات صناعية تستغل العمال بأجور منخفضة (في ورش الكادحين)، التي بالتالي تصدر الكثير من البضائع الرخيصة إلى الشعوب الأغنى. وتخلق فائضاً تجارياً، وتضرب التصنيع في الدول الغنية ويصير كل شيء إلى حال أسوأ:
كثيراً ما اسمع هذا النوع من القصص في الجامعات، إنه لأمر مربك الى الحد الذي يصعب الخوض فيه. أولاً، إنه ليس من الممكن الحصول على فائض في رأس المال وفائض تجاري في آن واحد. إذا صدّرتَ أكثر من وارداتك، فإنك تحصل على شيء مقابل صادراتك، تحصل على ملكية الموارد (أموال الاستثمارات الصافية) في البلدان التي تصدر لها. أما إذا استوردتَ أكثر من صادراتك، كما فعلت الولايات المتحدة لعقود متتالية من الزمن، فلا بد أن تبيع شيئاً للأجانب الذين يرسلون لك منتجاتهم، إن الذي تبيعه هو أصول الواردات، مثل الأسهم في الشركات. إن المعادلة الحسابية الأساسية هي: [الإدخار – الاستثمار = الصادرات – الواردات]. إن معظم السيناريوهات المفزعة التي يستحضرها معارضو العولمة تعتمد على تجاهل بسيط لأهم العناصر الأساسية لحسابات التجارة العالمية.
 العولمة تسبب انحداراً نحو الهاوية في المقاييس البيئية والعمالية:
هناك مغالطة أخرى وهي أن رأس المال يتدفق حيث تكون المقاييس البيئية والعمالية في أوطأ مستوياتها. لكن تفحص الحقائق التالية: يقوم المستثمرون بالاستثمار حيث تكون العوائد المالية في أعلى مستوياتها، أي حيث تكون الحركة العمالية أكثر إنتاجية، وبالتالي يكون الناس أغنى، ويميل الأشخاص الأغنى إلى المطالبة بأجواء بيئية وظروف عمل أفضل وليس أسوأ. إن الحالتين اللتين كثيراً ما يشار إليهما كأمثلة على الآثار البيئية السلبية المزعومة للإتفاقيات التجارية هما: حالة سمك التونا/الدولفين وحالة القريدس/السلحفاة، وهما تظهران تسارعاً نحو القمة وليس نحو القاع، حيث قامت دول أخرى بتبني الضوابط القانونية الأمريكية لحماية الدولفين وسلاحف البحر. وينطبق هذا أيضاً على المقاييس الوظيفية حيث إن الأعمال في المشاريع الأجنبية عادة ما تكون مطلوبة بشكل أكبر لأنها تدفع أجوراً مالية أعلى وتقدم ظروفاً وظيفية أفضل مقارنة مع البدائل المحلية.
 العولمة تخلق ثقافة أمريكية متجانسة حول العالم:

هذا صحيح فعلاً، أن الولايات المتحدة تشكل مصدر جذب ثقافي، وأن بعض الأشخاص—وهم النخبة على الأغلب—يعارضون ذلك. لكن أمعن النظر في الجنون الذي عصف بالعالم أكمله في الساحر الإنجليزي الصغير هاري بوتر، أو الولع الذي سيطر على أطفال السبع سنوات في شتى أرجاء العالم حول العالم ألا وهو ظاهرة (بوكمون) اليابانية. كذلك في صناعة افلام (أنيم) اليابانية، و( بولي وود) الهندية، ومساهمات أخرى من ثقافات غير أمريكية، كل منها تسهم في إثراء كل واحد فينا. وغني عن الذكر الطعام التايلندي، أو القدرة على الاستماع إلى الأغاني المسجلة فعلياً بجميع اللغات المحكية في العالم. لو تم إبقاء الثقافات منغلقة بإحكام وغير متغيرة، فإنها تتوقف عن كونها ثقافات بشرية وتصبح عروضاً في متحف. العولمة تثري ثقافياً.
 العولمة تخلق عدم المساواة:

إن أسباب نهوض أو تراجع عدم المساواة معقدة، لكن هنالك حقيقة جوهرية للادعاء بأن العولمة تسبب عدم المساواة: إن فجوة الثراء بين البلدان ذات الأنظمة الاقتصادية المنغلقة والبلدان ذات التجارة الحرة تستمر بالنمو. ليست تلك هي اللامساواة التي يفكر بها معارضو العولمة. ففي الدول التي فتحت أنظمتها الاقتصادية للتجارة والاستثمار، نمت الطبقات المتوسطة مما قلل التباين في الدخل بدلاً من ازدياده.
فوائد العولمة
 العولمة تؤدي إلى السلام من خلال تقليص بواعث الصراع:

إن سياسة حماية الانتاج الوطني مبنية على الذهنية وبالتالي على مجموعة من السياسات التي تقوي المصالح المتعارضة بين الأمم. أما التجارة الحرة، فعلى النقيض من ذلك، تربط الشعوب معاً في سلام. هناك مثل قديم يقول: “عندما تعجز البضائع عن عبور الحدود، فلا بد أن تعبرها الجيوش.”
 التجارة تخلق الثراء:

تخيل أن أحدهم اخترع آلة تسمح لك أن تدفع من خلال بابٍ ما أشياءً تستطيع أن تصنعها بتكلفة قليلة، ومن خلال الباب الآخر تأتي أشياء ترغب في الحصول عليها لكنها تكلفك أكثر لأجل إنتاجها. يمكن للأستراليين أن يرعوا الغنم من إحدى الأبواب، وتأتيهم السيارات وآلات التصوير من الباب الآخر، وقد يدفع اليابانيون أجهزة (الفيديو) و(الستيريو) من باب ويسحبون النفط والقمح والطائرات من خلال باب آخر. إن مخترع تلك الآلة سيلقى ترحيباً كمُحسن للجنس البشري—حتى لو أظهر رالف نادر أو بات بيوكانن أنه كان… لاجئاً أو غريباً، ثم بدلاً من أن الترحيب به كمُحسن، سيذم ذلك “المخترع” بوصفه مدمر للوظائف، بالإضافة إلى ذلك، سيكون مضاداً للوطن. لكن ما الفرق بين تلك الآلة المدهشة والتجارة؟
 التجارة تؤدي إلى منافع للجميع:
إن الخطأ الأكثر شيوعاً لدى ما يرتكبه أصحاب مذهب حماية الإنتاج الوطني هو الخلط بين الفائدة المطلقة والفائدة المقارنة. حتى وإن كان الشخص الذي يجلس أمامي أفضل مني في كل شيء، فإن كل منا سيستفيد من التجارة إذا ما تخصص هو في العمل الذي يجيده وتخصصت أنا في العمل الذي أجيده. ينطبق المثال القديم للطابعي والمحامي في الخارج كما ينطبق داخل المكاتب: يستطيع المحامي أن يكتب الموجزات القانونية وأن يطبع بشكل أفضل من كاتب الطابعة، لكنهما يستفيدان الاثنان من تخصص المحامي في كتابة الموجزات القانونية، بتكلفة أقل من منظار نتاج الطباعة الضائع، أما طباعتها من قبل كاتب الطابعة فهي ذات الكلفة الأقل مقارنة بالمرافعات القانونية الضائعة، بما أن الطابعي أفضل في الطباعة منه في المرافعات القانونية. وبذلك يرتفع مجمل الإنتاج، فيتلقى كل منهما دخلاً أكثر. وهذا أحد الأسباب التي تجعل التجارة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسلام. ولأن الناس يرون الأشخاص الآخرين على أنهم شركاء لهم في علاقة تعاونية ذات منفعة متبادلة، وليسوا خصوم لدودين، لذا فإن وجود المجتمع الانساني ممكن في الدرجة الأولى. وتقع التجارة في صلب قاعدة الحضارة الإنسانية.
 التجارة الحرة هي أسرع الطرق للتخلص من تشغيل الأطفال:
هناك أكثر من 250 مليون طفل من مختلف أرجاء العالم ممن يزاولون أعمالاً. وقد تناقصت هذه النسبة—لم ترتفع—مع نهوض التجارة والعولمة لأسباب واضحة جداً. فالبلدان الفقيرة ليست فقيرة لأن الأطفال يعملون فيها. بل إن الأطفال يعملون لأنهم فقراء. عندما يصبح الناس أغنياء من خلال الإنتاج والتبادل الحر فإنهم يرسلون أطفالهم إلى المدارس عوضاً عن الحقول. فالتجارة الحرة هي أسرع الطرق للتخلص من عمالة الأطفال واستبدالها بتعليمهم.
 التجارة والإنفتاح والعولمة تدعم الحكومة الديمقراطية المسؤولة وسيادة القانون:
مع سقوط الحواجز التجارية، فإن نسبة حكومات العالم التي يصنفها “بيت الحرية” على أنها ديمقراطيات قد ارتفعت. من بين أعلى 40% من الحكومات التي رتبت من حيث الانفتاح الاقتصادي في نشرة “الحرية الإقتصادية في العالم”—الصادرة عن معهد كيتو—صنفت 90% على أنها “حرة” وفقا لـ “بيت الحرية”. وبالمقابل، من بين أقل 20% من تلك الحكومات، أي تلك الأكثر انغلاقاً اقتصادياً، صنفت 20% منها على أنها “حرة” بينما صنفت أكثر من 50% منها على أنها “غير حرة”. تعتبر المكسيك مثالاً جيداً في هذا المجال، فانفتاح الإقتصاد المكسيكي من خلال اتفاقية التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية جعل فوز الرئيس فنسنت فوكس ممكناً، وكسر احتكار السلطة من قبل الحزب الثوري المؤسساتي. لا بد لمؤيدي الحكومة الديمقراطية المسؤولة وسيادة القانون من دعم العولمة.
 التجارة الحرة هي حق أساسي للإنسان:
بدأ معارضو العولمة وأصحاب مذهب حماية الإنتاج الوطني بالإدعاء بان لهم الحق باستخدام القوة لإيقافنا أنا وأنت من الإنخراط في التبادل الحر. ولكن الحقوق الأساسية يجب أن تكون متساوية لجميع البشر، والحق في التعاطي بالتجارة هو حق رئيسي وعمل يتمتع به الجميع بغض النظر عن الجهة التي يقيمون عليها من الحدود. فالتجارة الحرة ليست امتيازاً، وإنما هي حق للإنسان. التجارة نشاط إنساني مميز، وهي تميزنا عن سائر الحيوانات الأخرى، وترتكز على ملكة المنطق والمعقول وعلى قدرتنا على الإقناع. وكما أشار آدم سميث في محاضرة ألقاها في 30/آذار/1763: “إن عرض القرش (الشلنغ) الذي يبدو لنا أنه يتمتع بمعنى واضح وبسيط، هو في الواقع اقتراح للمناقشة لإقناع الشخص لعمل كذا وكذا على أنه لصالحه”. كما بيّن أنه من الممكن أن تتعاون الحيوانات الأخرى ولكنها لا تتاجر؛ لأنها لا توظف المنطق والمعقول في الإقناع.
فالتجارة ليست نشاطاً إنسانياً مميزاً فحسب، بل هي أيضاً صفة مميزة للتحضّر كما لاحظ هوميروس في الأوديسه. ففي الكتاب التاسع عندما يخبر أوديسيوس بالوصول إلى أرض السايكلوبس (جنس العمالقة) يعرض بعض الأفكار ليبين لماذا يعتبر السايكلوبس وحشاً غير خاضع لسيطرة القانون. فيلاحظ أوديسيوس:
ليس لدى العمالقة سفناً ذات أقواس قرمزية
وليس لديهم نجارين ليصنعوا سفناً متقنة
يمكن لهم الإبحار بها نحو موانئ غريبة
مثلما يركب معظم الرجال مخاطر البحار للتجارة مع رجال آخرين

إن السايكلوبس همجي لأنه لا يتاجر ويعيش في العالم الذي يفضله معارضو العولمة، أي عالم بلا تجارة، عالم فيه الإنتاج كله محلي.
إن مبدأ حماية الإنتاج الوطني يجب أن لا يُرفض لمجرد أنه ليس فاعلاً فحسب، بل يجب أن يُرفض لأنه يؤدي إلى الصراع والحرب، فهو لا أخلاقي و بعيد عن التحضّر.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 2 كانون الثاني 2006.

هرناندو دي سوتو5 نوفمبر، 20100

إن اللذين فتحا الباب امام أبحاثنا الفكرية عن سبب عدم استتباب الأمور في البيرو بعد اثنتي عشرة عاماً من الحكم اليساري العسكري، هما روز وميلتون فريدمان، وهما من أوائل ضيوفي خلال العام 1979.
ومن الأمور التي علّمنا إياها ميلتون، خلال تواجده في ليما، أنه ليس هناك طعاماً مجانياً، إلا أن ما لم يقله هو وجود كتب بلا مقابل. وبعد خمسة أعوام من زيارته تلك، بعث إلي كل من روز وميلتون كتاب “طغيان الوضع الراهن”، والذي اعجبني كثيراً، لأنه في ذلك الوقت، كان معهدنا ينظم المئات من الباعة المتجولين ويبحث عن طرق لتفعيل كسب العيش سهلاً عليهم.
كان “طغيان الوضع الراهن” يدور حول صعوبة كسر المثلث الحديدي من المنتفعين، والسياسيين، والبيروقراطيين، بعد سنوات قليلة من إدارة ريغان، بما يحمي الوضع الراهن ويقاوم التغيير المنشود.
وقد وجدنا نحن في معهد الحرية والديمقراطية أنه هنالك جمهور واسع من مؤيدي التغيير في الدول النامية. وعلى الرغم من وصفهم بالفقراء، إلا أننا نتوقع أنهم لن يبقوا على قيد الحياة ما لم يكونوا رجال اعمال أيضاً. وفي الوقت الذي يقول فيه بعض الناس، كما أشار فريد (زكريا)، أن ملياراً من البشر يعيشون على دولار واحد فقط في اليوم الواحد، أو ثلاثة مليارات منهم يعيشون على دولارين اثنين أو ثلاثة في اليوم، إلا أن هؤلاء الناس لم يقولوا أن أربعة مليارات من البشر، وهم من الفقراء، هم من أصحاب الاعمال التجارية، وهم منعزولون تماماً عن الاقتصاد العالمي بل حتى الاقتصاد المحلي بسبب عدم وجود القانون.
لم يعد العالم الثالث ريفياً كما كان خلال عقد الستينات من القرن العشرين، فتعداد سكان بورتو-برينس الآن حوالي 17 ضعفاً عما كان عليه قبل 35 عاماً، كما يقدر تعداد سكان المدن في الجزائر حالياً ب 15 ضعفاً عما كان عليه في الماضي، و11 ضعفاً في مدن الإكوادور. فالدول التي كانت ريفية يوم بدأنا عملنا، أصبحت مدناً، حيث أن الناس تنقلوا ليصبحوا رجال أعمال في تلك المدن التي توفر لهم فرص عمل.
بروز المدن

تحتاج الدول الفقيرة إلى تلك الأنواع من الحلول التي تبنتها الدول المتقدمة في القرن التاسع عشر، وليس القرن الحادي والعشرين. ان ما حدث للغرب في القرن التاسع عشر، يحدث حالياً في الدول النامية. فقد جاء “أوليفر تويست” إلى المدينة، إلا أن مؤسسات التمويل الدولية والمشاريع الثنائية للدول المتقدمة لم تعترف به ولا بزملائه. والأسوأ من ذلك أنه لم يتم الاعتراف به من معظم مواطني الدول النامية الذين يرون أن الباعة المتجولين مشكلة، وأن التصنيع غير الشرعي يصنع منتجات معابة.
كلما ازداد عدد هؤلاء المدركين لماهية الأحوال الحقيقية للدول النامية التي يقطنها خمسة مليارات من مجموع سكان العالم بملياراته الست، كلما وجد السياسيون أن جمهورهم الواسع ومؤيدي التغيير ينتمون الى طبقة رجال الأعمال الفقراء.
غنى الأمم

حكم بلدي (البيرو) رئيس من أصل ياباني لعشر سنين، واسمه ألبيرتو فيوجيموري. كانت عائلة فيوجيموري واحدة من مليون عائلة جاءت إلى البيرو والبرازيل من اليابان في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين.
ان حقيقة مجيء أفراد عائلتي فيوجيموري ويوشياما إلى البيرو والبرازيل ليست مهمة الآن، إذ أن الأهم هو السؤال التالي: لمََ لمْ يذهب أفراد عائلتي توليدو ولولا إلى اليابان؟ لم يذهبوا هناك لأن البيرو كانت تشكل 25% من الناتج المحلي الإجمالي لليابان بأجمعها في عام 1940، اما البرازيل فقد شكلت 50% أعلى من ذلك الناتج مقارنةً باليابان. فيظهر جلياً أن اليابان قد فعلت شيئاً خلال الخمسين سنة الماضية جعلها أغنى من البيرو بعشرة اضعاف. فما الذي حدث؟
بعد الحرب العالمية الثانية، تم تنفيذ خطة بدأت في الهونولولو عام 1942، وتحت إشراف ماكرثر. وكما فعل ماو زيدونغ في الصين، دمّر الأمريكيون النظام الإقطاعي في اليابان إعتقاداً منهم بأن ذلك النظام هو في صلب المشكلات التوسعية اليابانية في آسيا. ولكن على العكس من الصين في مرحلة ما بعد الحرب، خلق الأمريكيون أساساً لنظام عريض من الملكية الخاصة.
ظاهرة “أدولف بوتش”
لقد غيّرت أمريكا دولاً وبلداناً كثيرة في شتى انحاء العالم من الانظمة الاقتصادية الإقطاعية والوراثية إلى أنظمة اقتصادية حديثة، في الفترة الماضية ومن خلال السياسة الخارجية. ولكن يبدو أن هنالك ميلاً لنسيان هذه الأمور، فمن السهل لشخص ما من العالم الثالث أن يفهم هذه الأمور التي أقولها مقارنة بشخص آخر من العالم الأول، لأن أفراد العالم الأول يأخذون وينظرون لهذه الأمور كبديهيات.
اعتاد كارل بوبر على تسمية هذه الظاهرة بظاهرة أدولف بوتش. ذهب بوبر ذات يوم مع صديق لسماع تفسير بوتش لفيفالدي في زيوريخ. وعندما انتقل بوتش من الجزء الثالث إلى الجزء الرابع، فانه قام بذلك بشكل رائع وغير مسبوق. لذا، سأل بوبر وصديقه لدى زيارتهما بوتش في غرفته: “أيها المايسترو، كيف انتقلت من الجزء الثالث إلى الرابع؟” قال أدولف بوتش “بسهولة، في الواقع”. وضع بوتش الكمان على رقبته لبدء العزف، ولم يستطع أبداً عزفها مجدداً.
التحدث مع الأشخاص غير المناسبين
أذكر أنني في العام 1988 دعيت لإلقاء كلمة في المؤتمر العام لوزير الخارجية، وكان عنوان الكلمة “الولايات المتحدة: لماذا أعتقد أنكم تتحدثون مع الأشخاص غير المناسبين”. بمعنى آخر، يتحدث معظم الأمريكيين مع “مستغربي” العالم الثالث، من أمثالي. وهؤلاء رأسماليون غير منفتحين للتنافس، وتجار يبحثون عن امتيازات. فالأشخاص المثيرون هم أصحاب المبادرة الحقيقيون، ولكنهم قلة فقيرة، لم تتواصلوا بهم.
ففي المكسيك، على سبيل المثال، حيث نعمل حالياً مع الرئيس فوكس، وجدنا أن 80% تقريباً من الشعب المكسيكي يقبع في الاقتصاد الخارج عن القانون، فهم يملكون حوالي 6 مليون مشروع عمل، و134 مليون هكتاراً من الأراضي، و11 مليون بناية، مشكّلة ما قيمته 315 مليار دولاراً، أي ستة أضعاف احتياطي النفط المكسيكي، و29 ضعفاً للاستثمار الأجنبي المباشر منذ خروج الإسبان.
وبمعنى آخر، هناك بروز لاقتصاديات ما قبل الرأسمالية ذات التوجهات الرأسمالية في شتى أنحاء العالم. في مصر، يملك الفقراء 92% من جميع البنايات و88% من جميع المشاريع وذلك خارج إطار القانون، مشكّلة ما مقداره 248 مليار دولاراً، وما يوازي 55 ضعفاً لكل الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر منذ خروج نابليون، وهذا يشمل قناة السويس وسد أسوان، إضافة إلى 70 ضعفاً لكل المساعدات الثنائية التي تحصل عليها مصر.
وبمعنى آخر، فإن أغلبية الموارد لا تأتي من عندكم في الغرب، لا شك انكم طيبون ونحن نقدر ونتقبل ما تقدمونه لنا كدول نامية، إلا أنه في الواقع نقطة في دلو، مقارنة بما نملك في الواقع. فالغنى الحقيقي ينمو من جهود أصحاب الأعمال التجارية والذين يستطيعون جمع الموارد وتقسيم العمل بفعالية وذلك لرفع الإنتاجية.
أهمية حقوق الملكية

تلقينا دعوات لزيارة أماكن كثيرة مثل غانا. والمثير في الامر أن الدعوات لم تأت من الرئيس كوفور فقط، بل من زعماء القبائل أيضاً، الذين قرأوا أعمالنا، وقالوا: “لا نريد السيادة بعد الآن، إنما نريد حقوق الملكية. فالسيادة تنتهك من الجميع، بينما حقوق الملكية أكثر صلابةً لأنها تقوم على عقد اجتماعي متجذر في التبادلية بين مصلحة فرد لآخر، وليس بين أمة وأخرى”.
فإذا نظرت في خرائط أوروبا على مر الزمان، تجد أن السيادة غير مستقرة لدرجة كبيرة. ولكن إذا نظرنا في ألساتشي-لورين، وهي مقاطعة تم تقسيمها مرةً تلو المرة بين الفرنسيين والألمان، نجد أن السيد دو بون ظل يعيش حيث يقيم، والشيء نفسه للسيد سميث، مهما كان من يملكها. فالحقوق الملكية هي نتيجة عقد أساسيات تثبت حتى وإن تبعثرت السيادة.
الملكية والقانون

نحن نحاول إذن أن نوضح أنكم تستطيعون كسر المثلث الحديدي من خلال إظهاركم للقادة السياسيين أن لديهم قاعدة ضخمة من المؤيدين للتغيير نحو اقتصاد السوق. واقتصاد السوق في الأساس هو بناء قانون وليس بناء كافة كل الأشياء الملموسة—كالطرق، والجسور، والمطارات، والموانئ– والتي يظهر أن الغرب يريد أن يعطيها لهم.
فإن كنتم فقراء، ولديكم اساساً قطعة أرض ومكان للعمل، كبائعين متجولين أو مربي أبقار، ليس هناك من شيء أثمن لديكم من ملكيتكم. ولكن من أجل حماية الملكية من دون توفر القانون، عليكم أن تنالوا رضا زعماء القبائل، والقضاة الفاسدين، والجيران القُساة، بل حتى الإرهابيين.
ولكن عند وجود القانون الذي يقول أن الحقوق الآن معترف بها، ليس فقط من قبل الجيران، وإنما أيضاً من قبل الشرطة، والأمة بأجمعها، فلكم الآن حق الاتجار بها محلياً وحتى عالمياً وإن القانون سيحميكم، وعندئذ يصبح الناس مهتمين بحكم القانون.
وسرعان ما يسألون ما الذي سيحدث إن حصل نزاع وتوجب عليهم الذهاب إلى المحكمة؟ حينها، سيحتاجون نظاماً قضائياً عادلاً. وآجلاً، سوف يدركون في النهاية أنه يمكن للقوانين أن تتغير، لذا سوف يسألون عمن يسنّ القوانين؟ حينها، لن يهتموا إلا بالعملية السياسية.
لذا فإن الحقوق الملكية هي أصل القانون، الذي يمهد للأمة الحديثة النمو، لذلك يجلب السلام، والاستقرار، والازدهار للعالم، والقانون يولّد فعلياً الازدهار.
تقسيم العمل
يقول آدم سميث، ومن بعده ماركس، إن الانتاجية الجديدة في أوروبا تدين بالفضل إلى تقسيم العمل. إن المثال الذي يطرحه سميث بسيط. فقد قال إنه رأى اثنين من الناس يعملون خارج جدران جلاسكو في إنتاج المسامير. وباتباع 18 خطوة كان باستطاعتهم إنتاج 20 مسماراً في اليوم الواحد لا أكثر. إلا أنه وجد 10 اشخاص في مكان آخر يقسمون العمل فيما بينهم لتلك الأدوار الثمانية عشر، بحيث يشتري الشخص الأول السلك المعدني، ويغطي الشخص الثاني السلك بصفيحة، ومن ثم يسحب الثالث السلك، ويقوم الرابع والخامس بتقطيعه، ويضع شخص آخر ثقوباً في الصفيحة، بينما يضع الآخر رؤوساً عليها، حتى يصبح لهم بالإمكان إنتاج 48 الف مسمار في اليوم الواحد.
ولكن إذا ذهبتم إلى الدول النامية، ستجدوا أنه ليس لديهم شركات بالفعل، لأن القانون لم يصلهم بعد، فكل ما لديهم هو العائلات التي لا تستطيع جمع 10 أشخاص للعمل، وإنما 4 أشخاص فقط، منهم الأخ الكسول وزوج الأخت المدمن على الكحول، أي أشخاص لا يمكنهم إنتاج المسامير بشكل جيد. فكل إداري يعرف أهمية كيفية جمع الموارد، ومَن الذين يجب توظيفهم للعمل.
إن أكثر من أربعة مليارات إنسان لا يملكون حقوقاً للملكية على حصصهم وممتلكاتهم، لذا ليس باستطاعتهم الحصول على ائتمان أو استخدام ضمانات، ولذلك لا يستطيعون إنشاء شركة يقسمون فيها العمل. وهذا يعني عدم مقدرتهم على تنظيم المدخلات بفعالية أو إدارة المنتجات. ولا يمكنهم فصل حصص المساهمين عن حصص المستفيدين والعمال.
إن عدداً قليلاً من الناس غير المنظمين لكل مشروع، وإن وفرت لهم الكثير من التمويل الجزئي، فإنهم لن يصبحوا فاعلين، ولذلك لن يصبح بإمكانهم المنافسة في دائرة الاقتصاد العالمي. فالقيمة ليست بعدد رؤوس العمال، وإنما بمقدرة الإنسان على تقسيم العمل. ومع أن آدم سميث كان إنساناً عظيماً، إلا أن الكثير من الليبراليين الأوائل تركوا لنا إرثاً علينا التخلص منه: وهو نظرية القيمة في العمل. فالقيمة لا تأتي من العمل بهذه البساطة، وإنما من الحلول السياسية والاقتصادية الذكية، والتي بإمكانها الرفع من الانتاجية بشكل كبير.
إمكانيات الحرية
لبناء الأمم الحديثة، علينا تعلم كيفية عمل الفقراء ومن ثم نشكل القانون لتلبية حاجاتهم. ففي النهاية، ما يريده أهل البيرو، والصينيون، والأمريكيون هي نفس الأشياء: الحياة، والحرية، والازدهار. وللحصول على ذلك، عليكم بناء اقتصاد السوق القائم على القانون. إن أعداءنا الحقيقيين ليسوا ماركس أو غيرهم، وإنما الناس الذين لا يؤمنون بإمكانية البشر المحرَّرين بقوة القانون.
إن أعداء حركة التنوير هم الرومنطيقيون الذين أصبحوا نوعاً من الوطنيين لا يعرفون كيف يمكنهم التحدث عن الحضارة بشكل فردي، ويؤمنون دوماً بأكثر من حضارة في نفس الوقت. ولأنهم وطنيون ورومنطيقيون، فهم يجرّون الناس بعيداً عن قوانين التقدم الشاملة. وهم أناس من أمثال صموئيل هنتنغتون، والذي يعتبر وبحق شخصاً معتدلاً إذا ما قورن برومنطيقيينا، والذين يؤمنون أنه علينا عدم اللحاق بنموذجنا لأن ماكس فيبر قد أقنعهم بأنه نموذج أنجلوسكسوني.
لذا أنا فخور هنا في كيتو لكوني الأجنبي الثاني الذي يحصل على جائزتكم هذه، ومحاطاً بزملاء من أمريكا اللاتينية، ومقدّم من قبل مواطن هندي سابق. إنكم تسيرون على طريق التنوير بشكل واضح لأنكم تؤمنون بإمكانيات جميع البشر في هذا العالم. لذا، فإني فخور بالحصول على هذه الجائزة من كيتو، والتي سميت بعد ميلتون فريدمان العظيم. وأنا أشعر بالتواضع حيال هذا الشرف الممنوح لي، والذي يعكس جهد زملائي.
مقتطفات من كلمة دي سوتو لدى تسلمه جائزة ميلتون فريدمان للحرية للعام 2004 والمقدمة من معهد كيتو.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 2 كانون الثاني 2006.

peshwazarabic5 نوفمبر، 20100

إن الزيارة الأولى للمختص بشؤون الاقتصاد الغربي إلى أمة اشتراكية لهي تجربة مدهشة حقاً. فالانطباعات الأولى التي يكوّنها الفرد أشبه بتلك التي تتكون من زيارة الأقاليم الأكثر فقراً في أنظمتنا الاقتصادية—أوطأ المستويات الممكنة من الراحة، والصحة، والظروف البيئية التي يمكن أن تعيش فيها المخلوقات. وعلى كل حال، سيكون من الخطأ أن نبيّن الفروقات بين اقتصاد السوق وبين الاقتصاد الاشتراكي من خلال الظروف التي تفسر الفروقات عبر الزمن أو الفروقات بين الأقاليم من حيث القدرة الإنتاجية ومعدل الدخل في ضوء نظام اقتصاد السوق.
على سبيل المثال، كثيراً ما يكون خبير الاقتصاد الذي يدرس نظام اقتصاد السوق ميالاً للتركيز على الفروقات في المهارات البشرية، والاستثمار الخاص والعام، والموارد الطبيعية، ومقدار التغير أو الفروقات الصغيرة في سياسة الحكومة. فقلما نميل إلى دراسة المؤسسات الأساسية لاقتصاد السوق، لأنها لا تتغير إلا بالتدريج عبر الزمن ولأنها واحدة ومعروفة في كافة أرجاء الأمة. والحق أن معايير تدريب خريجينا في علوم الاقتصاد نادراً ما تذكر هذه المؤسسات، وهناك القليل من علماء الاقتصاد ممن لديهم فهماً عميقاً لأهميتها.
إن الفروقات الأكثر أهمية بين نظام اقتصاد السوق والنظام الاشتراكي هي على أي حال الفروقات الأقل ظهوراً أو قابلية للقياس في هذه المؤسسات الأساسية. لست مختصاً بالنظم الاقتصادية الاشتراكية، لذا فإن فهمي للاقتصاد السوفييتي فهماً ثانوياً منقولاً. وعلى كل حال، فإن الصلاحيات المنقوصة في النظم الاشتراكية في السنوات العديدة الماضية قادتني إلى التفكير في المؤسسات الأساسية، أو “البنية التحتية الخفيفة” لنظام اقتصاد السوق والمقالة الحالية تمنحني فرصة إشراك الآخرين في أفكاري بطريقة منظمة.
النظام القانوني
النظام القانوني هو واحد من ثلاثة مؤسسات أساسية في نظام اقتصاد السوق. وعلى وجه التحديد، يعتمد اقتصاد السوق على منظومة تجارية شاملة ونظام من المحاكم التجارية للبت في النزاعات. وتتضمن المنظومة الحديثة قوانين لها علاقة بالمُلكية، والعقود، والأضرار، وتلك القوانين المختصة بالعديد من الأنواع الرئيسية للمشاريع التجارية. ولأجل أن يكون هذا النظام فاعلاً بشكل تام، يجب لحقوق الملكية أن تكون:
 حصرية: لتوفير عنوان واضح للصلاحية باستخدام أو بيع بعض الحقوق المحددة.
 منقولة أو قابلة للتحويل (يمكن بيعها): للسماح بتبادل السوق لبعض الحقوق المعينة.
 قابلة للتجزئة (يمكن تقسيمها): للسماح بفصل أحد الحقوق المعينة عن مجموعة الحقوق.
 واسعة (شاملة): للسماح للسوق بتبادل كافة الموارد القيِّمة، وهو شرط ضروري لتجنب إساءة استخدام “مجموعة الموارد العامة” وهي سمة مميزة للمشكلات البيئية.
في الواقع، إن الاقتصاد السياسي لأمة ما يعرّف من خلال طبيعة وتوزيع هذه الحقوق. إن المبدأ المميز لاقتصاد السوق هو أن أي تغيير في توزيع الحقوق لابد له من أن يحصل على موافقة جميع هؤلاء الذين يملكون الحقوق المتأثرة بذلك التغيير.
كثيراً ما يتردد عالم الاقتصاد الأمريكي أو يتحفظ على الاستنتاج بأن أية أمة قد تكتفي بالقليل من المحامين. إن جيش المحامين الذي لدينا يكاد يضاهي في حجمه حجم الجيش الأمريكي الحقيقي ويكاد يكون بخطورته. أما الأنظمة الاقتصادية الاشتراكية فتحتاج بوضوح إلى توسيع وتحسين منظوماتها التجارية. وربما يكون المثال التالي مفيداً في هذا الخصوص.
على الرغم من أن معظم المُلكية في الاقتصاد الاشتراكي مملوكة للدولة إسمياً، كثيراً ما لاتضح ما إذا كان العمال، أو المدير المحلي، أو بعض المسؤولين الحزبيين، أو الوزير ذو العلاقة، لديهم الصلاحية لبيع الملكية ومن هو الذي يستلم الأرباح أو العائدات. لقد خلق هذا الغموض بعض الحالات التي تكون فيها شركتين قد اشترتا نفس الملكية من مسؤولين مختلفين، دون عملية واضحة للبت في خلافات حق المُلكية. إن عملية الخصخصة المهمة، والمعقدة بالضرورة، ستتعرض إلى تقويض تام إذا ما كان عموم السكان ينظرون إلى التوزيع الأوّلي من المبيعات على أنه غير عادل. إن التأكيد القوي لحق المُلكية الواضح من قبل الدولة قد يكون الخطوة الضرورية الأولى، وربما الساخرة بعض الشيء، للوصول إلى خصخصة فاعلة.
في بعض الحالات، يمكن ان تُمنَح بعض الحقوق للمزارعين أو المساهمين لاستخدام مُلكية والانتفاع بها دون الحق في بيعها. كثيراً ما يقود هذا الموقف إلى إدامة غير كافية للمُلكية، ويتجلى ذلك بشكل واضح للغاية في التجربة اليوغسلافية. وفي الحالات الأخرى، تُمنح الحقوق بالجملة، كمجموعة، ولكن دون صلاحية لبيع بعض الحقوق للآخرين. ويقود هذا الموقف الى التقليل من فائدة هذه الحقوق المعينة التي لا يكون المالك مؤهلاً او مخوّلاً لاستخدامها. في كل الأمم، تكون شركات الدولة هي المتجاوز الأسوأ والأفظع على البيئة، وذلك لأن الحكومات قد قامت بإعفاء هذه الشركات من بعض القضايا القانونية أو من الإجراءات التي تنطبق على الشركات الأخرى.
كما أن التمعن في النظر للاقتصاد السوفييتي سيقدم أمثلة أكثر دون شك. إن نقطتي الأساسية هي أن العديد من المشكلات الظاهرة للعيان في النظم الاقتصادية الاشتراكية يمكن تقليلها من خلال توسيع وتحسين منظوماتها التجارية. على الاتحاد السوفييتي أن لا يحاول استنساخ المنظومات التجارية الغربية؛ إذ أن المنظومة الأمريكية على وجه الخصوص معقدة وتحتوي على الكثير الكثير من الدعاوى القضائية. رغم ذلك، هنالك فرصة نادرة للتعلم من نجاحاتنا ومشكلاتنا على حد سواء. لقد تعهد الرئيس غورباتشوف باستعادة حكم القانون في الاتحاد السوفييتي. لن تتم هذه المهمة أو يكتب لها النجاح حتى يجري توسيعها لتشمل كل النطاق الواسع للحقوق والعلاقات الاقتصادية.
نظام المحاسبة

أما المؤسسة الأساسية الثانية في اقتصاد السوق فهي نظام المحاسبة. إن اقتصاد السوق، على وجه الدقة، يعتمد على الاستخدام الواسع لمجموعة عامة من القواعد الحسابية المالية وعلى نظام مستقل من تقارير الكشوفات أو التدقيقات المالية. والتقريران العامّان هما ورقة الموازنة (وهي تصريح بقيمة موارد أو أصول الشركة المالية ومسؤوليتها القانونية عند نهاية الفترة السابقة)، وورقة تصريح بالأرباح أو العائدات المالية (وهي سجل بالإيصالات والنفقات المستهلكة خلال تلك الفترة). وهذان التقريران، إضافة إلى المعلومات الداخلية، يستخدمان من قبل مدراء ورؤساء أقسام الشركة لتحديد النفقات والفوائد لبعض المنتجات المحددة والأداء المالي للأقسام المكونة للشركة. والأكثر أهمية من ذلك، أن هذين التقريرين يتمتعان بأهمية ملحة للبنك أو الشركة الأخرى التي تفكر في منح قرض للشركة أو أن تستثمر فيها. لقد تطورت القواعد الحسابية والكشوفات أو التدقيقات المالية كثيراً خلال السنوات العديدة الماضية ولكنها ليست بدرجة الكمال، ولكن لا يستطيع المرء أن يتصور اقتصاد السوق دون نظام محاسبة من السجلات المالية.
وعلى كل حال، فقد كانت محاوراتي مع أصحاب المبادرات التجارية الغربيين الذين فكروا بالانضمام في مشاريع تجارية مع شركات اشتراكية تدل على أن حسابات تلك الشركات كانت عديمة القيمة تقريباً، إما بسبب الإدارة الداخلية أو المراقبة الخارجية. ففي معظم الأمم الاشتراكية، تكون جميع حسابات شركات الدولة مصممة ومستمرة لتوفير الطلبات البياناتية (المعلوماتية) لنظام الدولة التخطيطي التي لا يمكن إشباعها. إن معظم هذه البيانات مرتبط بالتدفقات أو المنتجات المادية وهي قليلة الفائدة في تقدير الكُلف والفوائد لبعض المنتجات المعينة، أو الوضع المالي للشركة، حتى وإن كانت أسعار المدخلات والمخرجات قريبة من معدلات السوق. في الواقع، لقد اخبروني أن أوراق الموازنات للعديد من شركات الدولة لا تحتوي على مقياس للقيمة الحقيقية. وفي زمن مبكر وأكثر براءة، كان يتوقع من الحواسيب الالكترونية (أجهزة الكومبيوتر) أن تحل مشكلات معالجة جمهرة البيانات للاقتصاد الاشتراكي. وعلى كل حال، فان مشكلات الاقتصاد الاشتراكي ليست نابعة من نقص في البيانات، بل إن النظم الاقتصادية الاشتراكية مغرقة في البيانات، المشكلة هي أن هذه البيانات تغطي أو توصل معلومات ذات علاقة قليلة جداً.
من أهم إيجابيات أو فوائد اقتصاد السوق هي أنه يقلل تدفق المعلومات الضرورية، طالما كانت الأسعار توصل أو تغطي معظم المعلومات الضرورية لتنسيق الفعالية الاقتصادية بين الشركات والمستهلكين. والنظام المحاسبي المالي بدوره يوفر المعلومات اللازمة لمديري الشركة ليستجيبوا بشكل صحيح لأسعار السوق للمدخلات والمخرجات. إن برنامجاً كبيراً في تدريب المحاسبين الماليين سيكون من بين الاستثمارات ذات أعلى العائدات في الاقتصاد السوفييتي.
المواقف الثقافية
أما المؤسسة الثالثة لاقتصاد السوق فهي منظومة المواقف الثقافية. مرة أخرى، هذه مؤسسة يتعامل معها الاقتصاديون الغربيون كما هي عليه، ونتيجة لذلك لم يفهموا أهميتها. ربما أحسن الليبرالي الألماني ويلهيلم روبكي التعبير عن أهمية المنظومة المحددة من المواقف الثقافية عند استنتاجه:
“طالما أن التبادل الاقتصادي المكثف والموسع لا يمكن أن يتواجد أو أن يبقى طويلاً دون حد أدنى من الثقة الطبيعية، والثقة باستقرار ومصداقية الهيكل القانوني-المؤسساتي (بما في ذلك النقود)، والالتزام التعاقدي، والنزاهة واللعب النظيف، والصدق المهني، وذلك الكبرياء الذي يجعلنا ندرك أن لاشيء يستحق أن يجعلنا نغش، أو نتعامل بالرشوة، او نسيء استخدام سلطة الدولة لأغراض خاصة.”
أما الشرط الوحيد الذي يميز اقتصاد السوق عن البازار الشرقي على أفضل ما يمكن فهو الرغبة المتبادلة للعلاقات المتواصلة. لقد تعلمت هذا الدرس متأخراً. وبصفتي رئيس الخبراء الاقتصاديين لشركة جنرال موتورز، استغربت لمعرفتي أن فورد استطاع أن يحقق مليارات الدولارات من المشتريات لمدة سنة كاملة من المجهّزين الاعتياديين عبر الهاتف بهياكل عقود فقط وبعض الجدالات التعاقدية. إن الرغبة المتبادلة في العلاقات المستمرة هي التي عززت أداء كافة الأطراف في كل عملية تداول أو تعامل تجاري. وفي أي وقت يتوقع فيه قيام أي طرف بإنهاء العلاقة، أو أنه يتوقع من الطرف الآخر أن ينهي العلاقة، فإن النظام الأوّلي المتبقي في التعامل الحالي هو قيمة سمعة الشركة أمام الأطراف الأخرى ، وليس حماية للعقد الرسمي. ولم يكن التعاقد موسعاً ومثيراً للجدل سوى عندما قامت فورد بمشتريات كبرى دون توقع أية علاقة مستقبلية. إن المواقف الثقافية التي تسهم في “تطور التعاون” هذا ثابتة وبسيطة: ألا وهي الالتزام بالتبادل (وليس التهديد) كوسيلة أساسية لتنسيق أي نشاط اقتصادي، والالتزام الذاتي بترك شيء ما على الطاولة للطرف الآخر في كل تعاقد أو تباحث تجاري، واللجوء الى سلطة الدولة فقط لتنظيم الخروقات الإجمالية أو المتكررة للعقد ليس إلا.
كان روبكي مدركاً تماماً للمواقف الثقافية اللازمة لاقتصاد السوق. إلا انه لم يسهب أو يتوسع في تلك المواقف التي من شأنها أن تدمر أو تمنع قيام اقتصاد السوق. من المواقف الأكثر تعارضاً مع اقتصاد السوق هي حالة الحسد العميقة والسائدة. يستطيع المجتمع أن ينجو من الروح الأنانية أو الفردانية الطاغية؛ والحق أن اقتصاد السوق يعتمد عليها، ولكنه، على أي حال، لا يستطيع ان ينجو من غريزة التساوي—أي القلق من أن جارك أو زميل دراستك السابق قد يكون أفضل منك على صعيد العمل. على المرء أن لا يستغرب من أن كافة التقاليد الدينية الرئيسية والأعراف تعتبر الحسد أو الجشع أو الكراهية إثماً كبيراً. الحسد حالة بشرية، ولكنها الأكثر ضرراً بالمنظومة الاجتماعية. فالحسد، إذا ما اقترن بتآكل القيود الدستورية على السلطات الحكومية، قد أضعف نظم اقتصاد السوق الغربية، وعلى نحو مطرّد. وقد يحول الحسد دون تطوير نظم أكثر استقراراً لاقتصاد السوق في بعض الأمم الاشتراكية الحالية. يزعجني أن أسمع في الحكايات الشعبية الروسية عن بعض الفلاحين الذين صلّوا لله ليس لأجل حصاد وفير مبارك، أو قطيع وفير، بل لأجل أن تحترق غلّة جيرانهم أو أن يموت قطيع ماعزهم. وكما لاحظ روبكي، فمن المهم جداً “عدم إساءة استخدام سلطة الدولة لأغراض خاصة.” كما لا يجوز إساءة استخدام سلطات الحكومة كأدوات للحسد.
الخلاصة
وباختصار، فالمؤسسات الثلاثة الرئيسية—اللازمة للبنية التحتية الخفيفة—في اقتصاد السوق هي النظام القانوني، ونظام المحاسبة، والمواقف الثقافية. وقد تجنبت عن قصد تصنيف اهمية هذه المؤسسات الثلاثة. إن هذه المؤسسات اذا ما اجتمعت سوية، فهي أشبه بكرسي بثلاثة أرجل، حيث أن أي ضعف أو قصر في إحداها، سيقلل من استقرار الكرسي الى حد كبير. إن الاستثمار الفردي أو استثمار الدولة في هذه المؤسسات الثلاثة أكثر أهمية من العناصر الأخرى للبيروسترويكا الراديكالية؛ في الحقيقة إن هذه المؤسسات الثلاثة ضرورية لنجاح الإجراءات أو التدابير الأخرى.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 2 كانون الثاني 2006.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018