العلاقات الجيو-إستراتيجية والسياسية الدولية

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

مازال الرئيس الأمريكي السابق بوش يدافع عن تركة وحصيلة رئاسته والتي دامت ولايتين رئاسيتين متمتعا بالجرأة والتحدي حتى آخر لحظة. إذ قال في مراسيم احتفال  في قاعدة ماير آرلنغتون العسكرية في فرجينيا: “إن القرارات التي اتخذتُها بصفتي قائدكم الأعلى لم تكن محببة دائما لدى عموم الناس، ولكن القضية التي خدمتموها كانت دائما عادلة ً وصحيحة .”
مرة أخرى، يُظهِر الرئيس المنتهية ولايته براعته في استخدام شجاعة الجيش الأمريكي ليصرِف َ الانتباه عن سياساته الكارثية، إبتداءا من العراق وانتهاءً  بأفغانستان.
ما برِح الرئيس السابق يكرر بلا هوادة، ولسنوات عديدة، كيف أصبحنا –نحن الأمريكيون- “أكثر أمنا” منذ الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، والحمد والشكر لقيادته. ولكن الخبراء العسكريين، وكبار ضباط المخابرات، والدبلوماسيين يتفقون على أن تَمسّكْ الرئيس بوش بالبقاء في العراق لم يجعلنا أكثر أمنا.
على الرغم من كل المكاسب التي جنيناها من ذلك “الاندفاع”، إن الحرب على العراق خلقت جيلا جديدا من الناشطين الإرهابيين، مما يزيد عدد الجهاديين العالميين، ورقعة انتشارهم الجغرافية على حد سواء. كما أنها عمقت من انعدام الثقة بأمريكا في شتى أنحاء العالم، حتى وإن نظر رؤساؤنا إلى أنفسهم، وبقناعة تامة، على أنهم خيّرين. كان هدف أسامة بن لادن هو إثارة الولايات المتحدة واستفزازها لتقوم بهجوم مفرط وغير واضح المعالم ضد العالم الإسلامي. وكان له ما أراد حيث كانت سياسة إدارة بوش في العراق لعبة في يديه.
أما الأسوأ من قيام بوش بتوحيد أعداءنا، فهو تشتيت صفوف أصدقائنا. ففي الخارج، أدى وَلعُ القائد الأعلى بخطاباته البلاغية العصماء، التي تنادي بشعار “نحن مقابل الآخرين”، إلى قيامه بتوبيخ حلفاءنا المحتملين، وعدم الإصغاء إلى جميع الأصوات المحذّرَة. بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بأيام، أصدر حلف الناتو وروسيا بيانا مشتركا لدعم الحرب الأمريكية على الراديكالية الإسلامية. حتى إيران عرضت تقديم مساعدة البحث والإنقاذ إذا ما أصيب الطيارون الأمريكيون وأسقطوا فوق أفغانستان. أما في أيام إدارته الأخيرة، حتى حلفاء أمريكا في حلف الناتو قد انقسموا حول التزام قواتهم بمهمة اعتبروا أن بوش قد أساء إدارتها. كما يحذّر الخبراء من نشوء حرب القرن الحادي والعشرين الباردة مع روسيا. والأسوأ من ذلك، فقد انتشر تأثير قيادة طهران الدينية في منطقة الشرق الأوسط، والفضل في ذلك يعود إلى قيام بوش بإزالة القوة الموازِنة الإستراتيجية الرئيسية لذلك البلد، ألا وهي صدام حسين.
كما أن جانبا آخر من مزاعم بوش بعالم “أكثر أمنا” منذ الحادي عشر سبتمبر (أيلول)، قد تقوّض على يد رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال بيتر بايس. ففي عام 2007 أكد بايس، في تقرير سرّي إلى الكونغرس، أن أعباء العمليات في العراق وأفغانستان قد تمنع أمريكا من الاستجابة الكاملة لأية أزمة عالمية. وبوجود جيش منتشر على مسافات مترامية، ونقص في كوادر الاستجابة السريعة هنا في داخل أمريكا، وقدرة منهكة في التصدي للتهديدات العالمية، من السهل جدا معرفة السبب وراء تأييد 27% فقط من الأمريكيين لطريقة بوش في إدارة السياسة الخارجية، حسب استطلاع صحيفة وول ستريت جيرنالوقناة  الأن بي سي في ديسمبر (كانون الأول) عام 2008.
لا شك أن غزو العراق سيُذكر لأشياء عديدة، ليس أقلها شأنا الوثائق المزورة المتعلقة بكعكة اليورانيوم الصفراء النيجيرية، والمزاعم الخاطئة حول علاقة صدام بالقاعدة. ولكن الأكثر لعنة من أن يُذكر هو حماقة بوش الكبرى: رفضه النظر في تكاليف تشتيت انتباهنا ومواردنا العسكرية في العراق، بعيدا عن أفغانستان. ونتيجة لذلك، أصبحت المهمة في أفغانستان الآن في خطر، حيث تستمر الظروف الأمنية في ذلك الإقليم بالتدهور. أما التأثير العكسي الكامل لقرار بوش فقد لا نشعر بآثاره قبل سنوات.
كان عام 2008 العام الأكثر فتكا وهلاكا بالنسبة للقوات الأمريكية وقوات حلف الناتو في أفغانستان. أما طالبان، فبالرغم من تفشي الانقسامات الداخلية فيها، فلديها الآن حضور بارز في العديد من المحافظات الجنوبية والشرقية للبلد. وبعض هذه المحافظات الآن مناطق محظورة على قوات التحالف. ونتيجة لضغوطات وارتباكات في القوة، لم يعد الـ 70.000 مقاتلا أمريكيا ولا جنود حلف الناتو، يكفون لمنع المسلحين من اختراق المناطق التي تمت تصفيتها وتطهيرها سابقا.
والأسوأ من ذلك أن بعض المقاتلين الذي يعملون عبر الحدود مع باكستان ذات الأسلحة النووية قد بدأوا بمهاجمة شاحنات إمدادات حلف الناتو المتجهة إلى أفغانستان المغلقة. ففي الشهر الماضي، أحرق مسلحون 160 شاحنة كانت تروم قوات التحالف قرب بيشاور في باكستان، وهي المركز الإداري للمناطق القبلية وعاصمة المحافظة الحدودية الشمالية الغربية. وقد خلقت هذه البيئة المتدهورة على طول الحدود الأفغانية – الباكستانية بيئة مثالية لانتعاش القاعدة وطالبان. فقد انتعش تهديد القاعدة، الذي وصل إلى حافة الهزيمة عام 2002، وقد وصل الآن إلى مستوى مخيف. إن هذا التطور لم يجعل أمريكا “أكثر أمنا” دون شك.
يستحق الرئيس بوش أن يُذكر لسوء تقديراته الإستراتيجية في تشتيت حملتنا العسكرية بعيدا عن هؤلاء الذين هاجمونا في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، نحو غزو بلد لم يهاجمنا، وبفعله هذا، لم يترك البلد أكثر أمنا من السابق.
© منبر الحرية ، 6 ماي /أيار2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

يمثل رئيس الوزراء الإسرائيلي نمط من الإسرائيليين ممن يسعون لاستيطان مزيد من الأرض لأنهم يشعرون بأن إسرائيل تقف على مساحات ضيقة وأراضي قليلة. ولا يختلف رئيس الوزراء نتنياهو عن غيره من الإسرائيليين الذين لا زالوا ينطلقون من مبدأ التوسع على حساب العرب. ليس هذا بالأمر الجديد، إذ يمثل رئيس الوزراء الإسرائيلي  نتنياهو استمرارا للعقيدة الصهيونية التي تؤمن بأن مشروعها مشروع اقتحام واستيطان. إن نتنياهو لا يرى فارقا بين  الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بالقوة عام ١٩٤٨ وتلك التي تم الاستيلاء عليها بالقوة عام ١٩٦٧،  وهو لا يرى أيضا فارقا بين القدس الشرقية التي احتلت عام ١٩٦٧ والقدس الغربية التي احتلت عام ١٩٤٨. فهذه العقلية هي أساس الفكرة الصهيونية منذ بداياتها ومنذ نشوء دولة إسرائيل في قلب فلسطين وعلى حساب الفلسطينيين سكان البلاد الأصليين. فالذي يبرر اخذ الأرض عام ١٩٤٨حيث لم يمتلك اليهود منها أكثر من ٦٪  يبرر اليوم قضم ما تبقى من فلسطين والقدس والجولان.
ولكن العقدة التي يواجهها الليكود على الأخص والأحزاب اليمينية في إسرائيل مرتبطة بحقيقة وجود شعب عربي صار له ألوف السنين يقطن تلك الأرض ويزرعها ويبني فيها ويدافع عنها. مشكلة الصهيونية كانت ولازالت في مقاومة سكان البلاد الأصليين لمشروعها، بالإضافة للتحديات القانونية والدولية التي حالت حتى الآن دون مقدرتها ابتلاع كل الأرض وطرد كل السكان. لازال الصراع مفتوحا حتى اليوم بين ملايين الفلسطينيين والعرب وبين ملايين الإسرائيليين من دعاة التوسع.
إن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي القبول بدولة فلسطينية ليس إعلانا صادقا. ففي أسلوب رئيس الوزراء الإسرائيلي الكثير من المناورة لتحقيق المكاسب، وفي  أفكاره  قناعة بأن السلام غير ممكن في الشرق الأوسط، فهو يؤمن بسلام مفروض أو هدنة طويلة تمهد لمزيد من الاستيطان.
إن سياسة نتنياهو تتلخص الآن في كسب الوقت لأطول مدة ممكنة بينما يقوم بفرض الوقائع الجديدة في القدس والضفة الغربية، انه ينتظر بلا مواربة الفرص التي قد تأتي مع تضييق حرية الحركة الداخلية والخارجية على الرئيس الأمريكي اوباما. ربما ينتظر نتنياهو حالة حرب جديدة ليحسم الأمر مع إيران وحزب الله وحماس وليسعى لطرد السكان من الضفة الغربية والقدس. لكن التاريخ يؤكد بأن هذه الحلول تنتج وقائع مشوهة غير متوقعة وان الاستفراد الإسرائيلي في الشرق الأوسط ولى عهده وان قدرات العرب بتنوعهم وإيران رغم اختلافها أصبحت اكبر من الخطط الإسرائيلية.
إن مشكلة الشعب الفلسطيني الأهم هي في التواجه مع جماعة تؤمن بأساطير دينية تقوم على ارض الميعاد لتحقيق مكاسب سياسية تقوم على اضطهاد من يختلفون عنها عرقيا أو دينيا أو قوميا. فإسرائيل قامت أساسا على أساطير دينية، ومعها جاءت حروب وانتهاكات وكوراث عمت العالم العربي كله. إن التمدد جزء من عقيدة الصهيونية، والعنصرية تجاه الغير جزء من تفكير الدولة الإسرائيلية حتى اليوم، كما وان البقاء في الأرض واستيطانها أساسي لنجاح الحركة الصهيونية.
إن العودة نحو  طريق الحل السلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيكون من أصعب الاحتمالات، فكيف تتعامل إسرائيل مع وجود نصف مليون مستوطن في القدس والأراضي المحتلة في الضفة الغربية؟ فأي حل سلمي سينجح في سحب المستوطنين من الضفة الغربية والقدس؟  من الذي سيفرض على نتنياهو حلا يضمن انسحاب المستوطنات وتأمين انسحاب من القدس وفرض نهاية للمشروع الصهيوني بصورته العنصرية والتوسعية؟   لقد ابتلعت إسرائيل الأرض من خلال الاستيطان، وهي عاجزة في المدى المنظور عن الاعتراف للشعب الفلسطيني بالحقوق والمساواة والعدالة.   لهذا فإن استمرار مقاومة الشعب الفلسطيني في ظل السعي لبناء موقف عربي ناضج يسعى لفرض تغير في المعادلات يمثل أمرا أساسيا لإنجاح آفاق الحل الشامل.
من جهة أخرى لن يقع تقدم باتجاه سلام حقيقي بلا وعي أمريكي بأن الصراع العربي الإسرائيلي والانحياز الأمريكي الحاسم تجاه إسرائيل هو احد أهم  الأسباب التي تجعل العالم الإسلامي في صراع مفتوح مع الولايات المتحدة.   إن التداخل الكبير بين السياسة الأمريكية والسياسة الإسرائيلية هو الذي يجب أن يتغير وهو الذي يجب أن يتحدد وإلا دخل الشرق والغرب في كوارث لا حدود لمخاطرها. إن الحرب على الإرهاب التي تسعى الولايات المتحدة لمواجهتها لن تهدأ بلا حل صائب وعادل للقضية الفلسطينية.  إذا لم تعي الولايات المتحدة هذا في الزمن القريب، وإذا لم تعي أن إسرائيل تحولت لعبئ عليها،  فستجد أنها في مستنقع أكثر صعوبة في أفغانستان والعراق واليمن وبؤر أخرى في العالم.
© منبر الحرية ، 4 ماي /أيار2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

إن احتكام الولايات المتحدة الأمريكية للمصالح الإسرائيلية أصبح مع الوقت احد أهم مسببات العنف الإسلامي /العربي الأمريكي. وقد أصبح من الضروري بل من الحتمي أن تناقش هذه المسألة بوضوح من قبل أصدقاء الولايات المتحدة قبل أعداءها ومن قبل حلفاءها قبل خصومها. إن العلاقة الأمريكية الإسرائيلية في العشر السنوات الأخيرة أصبحت تهدد بمزيد من التوتر في العلاقة بين العالم الإسلامي والعربي من جهة و الولايات المتحدة من جهة أخرى. والسبب واضح في هذا، فالسلاح الذي يقتل به العرب في الأراضي المحتلة هو سلاح أمريكي، والمتفجرات التي تلقى فوق مناطق عربية وفلسطينية هي أمريكية، والمستوطنات التي تبنى في المناطق العربية وفي القدس تتم بأموال أمريكية تصل لعشرات المليارات، كما أن الولايات المتحدة ساهمت بحماية إسرائيل سياسيا على الصعيد الدولي من خلال حق النقض الفيتو. إن مجموع الفيتو الذي مارسته الولايات المتحدة منذ السبعينات حتى اليوم لحماية إسرائيل في مجلس الأمن يساوي مجموع  ما استخدم من حق النقض الفيتو من قبل بقية الدول من الأعضاء الدائمين.  و يصعب على العالم العربي التظاهر بأن كل هذا لم يقع.
إن هذا الوضع يثير تساؤلات كبرى  حول حيادية  الدولة الكبرى الأولى في العالم، كما يثير التساؤلات عن مدى مقدرتها اتخاذ خط سير مستقل عن إسرائيل. والمشكلة الأخطر في الموقف أن الولايات المتحدة لا تساعد إسرائيل الآن للدفاع عن وجودها أو حماية أمنها الوطني أو استقلالها بل تساعد إسرائيل أساسا( بوعي أم بغير وعي) في قمع الفلسطينيين وتمكين إسرائيل من البقاء في الضفة وفي القدس والجولان.
حتى الآن يصعب أن نشرح لشاب  تحت الاحتلال أو للشعوب العربية التي تشاهد كيف تستباح القدس انه يوجد فارق كبير بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. بينما يعي أفراد مثلي الفارق في أمور كثيرة وعديدة، إلا أن الصورة العامة للولايات المتحدة بين العرب والمسلمين ترى في الولايات المتحدة منفذا لرغبات إسرائيل.   ألا تذهب الأموال الأمريكية بصورة أو بأخرى إلى المستوطنات في القدس والضفة الغربية كما تذهب الأموال العربية والمسلمة إلى المقاتلين في القاعدة؟ وهل هناك فارق حقيقي بين الاثنين. فهذا يقتل المدنيين ويعتدي عليهم وذاك يفعل نفس الشيء بحق الشعب الفلسطيني ومقدسات المسلمين؟.
وبينما توجد قوانين واضحة لمنع وصول الأموال العربية الإسلامية إلى القاعدة وإلى الطالبان ، إلا انه لا يوجد جهد دولي قانوني عالمي لمنع وصول أموال الولايات المتحدة إلى المستوطنين في القدس وحولها وفي الضفة الغربية والجولان.   أليس صحيحا أن الكثير من الجمعيات الخيرية الأمريكية أكانت مسيحية أم يهودية تقوم بأعمال تبرعات كبرى تنتهي بمستوطنات القدس والخليل ونابلس؟
ثم نتساءل عن إيران والنووي الإيراني ثم النووي الإسرائيلي. أليس صحيحا أن الرئيس الأمريكي جونسون عندما علم عام ١٩٦٩ بالبرنامج الإسرائيلي النووي من رئيس المخابرات المركزية الأمريكية قال له “ بأن لا يعلم احد انه يعلم بالأمر وذلك ليتفادى القيام بأي جهد لإيقاف البرنامج”.   إن استمرار هذا المنهج اليوم كما في السابق يعود ويؤكد للعالم العربي  والإسلامي أن المنطق في النهاية هو للأقوى وليس للاحق. لكن لمنطق القوة حدود.
إن تأسيس عالم إسلامي وعربي اقل عنفا واقل كرها للسياسة الأمريكية سيتطلب ابتعادا أمريكيا عن تسليح إسرائيل وعسكرتها حتى النهاية، سوف يعني هذا سياسة أمريكية جديدة توقف تدفق المليارات من الدولارات العلنية والسرية التي تنتهي في مستوطنات تؤسس لحروب ومواجهات لا نهاية لها بين إسرائيل والعالم الإسلامي.  إن الإدانة اللفظية الأمريكية للاستيطان ستؤدي في النهاية إلى جعل الدولة اليهودية خطر على نفسها وعلي الولايات المتحدة. من هنا تنبع أهمية الرئيس اوباما وإمكانية أن يكون قادرا على تغير المسار.  لقد تحولت إسرائيل لعبئ كبير على الولايات المتحدة، كما أن الالتزام الأمريكي بإبقاء إسرائيل متفوقة على مجموع الدول العربية المحيطة بها بينما تقوم إسرائيل بالاعتداء على محيطها لن يساهم في السلام العالمي والإقليمي. هذه سياسات  ستقوي القاعدة، كما أنها تقوي إيران أو حماس بل على العكس ستضعف كل الوسطيين العرب.
ويبقى عالمنا حتى الآن عالم غير عادل، ولهذا يصعب أن ينتهي فيه العنف.  إن الولايات المتحدة التي تقاتل في أفغانستان والعراق وأماكن أخرى تزيد العداء لها في العالم الإسلامي والعربي بسبب دفاعها الأعمى عن إسرائيل التي لا تواجه خطرا.   إن انسحاب الولايات المتحدة من الصدام مع العالم العربي والإسلامي لن يكون ممكنا بلا حل القضية الفلسطينية حلا عادلا  يتضمن القدس وانسحاب إسرائيل والمستوطنين، وحل عادل لقضية اللاجئين، وقيام دولة فلسطينية مستقلة،  كما ويتضمن انسحابا من الجولان السورية. إن حل كهذا لن يكون ممكنا بلا تحرر أمريكي من سطوة اللوبي الداخلي الذي يرهق الولايات المتحدة ويوجهها كما يريد. إن  إسرائيل بوضعها الراهن عبئ على السياسة الأمريكية.
© منبر الحرية ، 29أبريل /نيسان2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

منذ انهيار الحرب الباردة بعد سقوط المعسكر الاشتراكي في العقد الأخير من القرن الماضي، وصعود ما يعرف بالعالم الجديد، ينحكم العالم، في مجمله، إلى السياسة الأمريكية وحراكها في كل مكان، بحيث ينعكس هذا الحراك في كل خطوة أميركية، سواء أكانت ذات اتجاه سلبي أم ايجابي. هذا الواقع يجعل العالم، دائما، مشدودا إلى الرئاسة الأمريكية، ومن سيكون على رأسها، وهو الواقع نفسه الذي يدفع العالم إلى تقويم دوري لهذه السياسة في عهد هذا الرئيس أو ذاك، وهو أمر لا يحظى به أي رئيس آخر في أي بلد في العالم. لذا اكتسب، ولا يزال، الرئيس الأمريكي أوباما، في العام الأول على عهده، اهتماما استثنائيا في التقويم، وتعيين الايجابيات والسلبيات في هذه الفترة الزمنية، التي تؤشر عادة إلى مسار السنوات اللاحقة من عهده.
يرتبط التقويم لعهد أوباما الأول بالآمال أو الأوهام التي علقت على سياسته التغييرية الموعودة، في الداخل الأمريكي وفي الخارج العالمي. من الطبيعي أن تشكل هذه “الآمال” قياس النجاح والفشل، وتدفع إلى استعادة الثوابت الأمريكية. ترافقت حملة ترشيح أوباما مع وعود التغيير والخروج من المشكلات التي زج الرئيس بوش الولايات المتحدة بها. كان شعار التغيير تعبيرا عن حاجة موضوعية، في الداخل الأمريكي والخارج أيضا، وهو تغيير يفرضه حجم المشكلات البنيوية في الاقتصاد الأمريكي وحاجات المواطن، من مثل مشكلات البطالة والانكماش الاقتصادي وقانون الحماية الصحية.. وغيرها من المعضلات السائدة. أما خارجيا، فتنتصب في وجه الولايات المتحدة مسائل الحرب والسلم التي “تغرق” الولايات المتحدة في وحولها، من قبيل الحرب في أفغانستان والعراق، أو من قبيل التدخل في الصراع العربي الإسرائيلي ومشكلات البرنامج النووي الإيراني، وغيرها من القضايا المتصلة بصلب السياسة الأمريكية خارجيا. وهي جميعها معضلات، كان المجتمع الأمريكي والعالم الخارجي، يشكوان من سياسة الرئيس السابق في التعايش معها.
في خطابه عن “حال الاتحاد” الفيدرالي، يعترف الرئيس أوباما ببعض ما واجهه عهده حين يقول :”كانت حملتي الانتخابية مبنية على وعد التغيير، وشعار التغيير الذي يمكن أن نؤمن به .. والآن أنا أدرك أن هناك العديد من الأمريكيين ليسوا واثقين من أننا نستطيع أن نتغير أو نحقق التغيير.. حكومتنا تعرضت لبعض النكسات السياسية هذه السنة، وبعضها استحققناها..”. وهي اعترافات تخاطب المواطن الأمريكي بشكل أساسي، فيما تستوجب شعارات التغيير في السياسة الخارجية نظرة مدققة إلى ما يدخل في الثوابت الأمريكية التي تحكم كل عهد، أكان ديمقراطيا أم جمهوريا، والبناء على هذه الثوابت في رؤية الحقائق والأوهام التي علقت  على مشجبها آمال الكثير من القوى السياسية في العالم العربي، الرسمية وغير الرسمية. يكاد جميع القارئين بموضوعية لعهد أوباما الإقرار بالفشل أو المراوحة في مواجهة الملفات المتصلة بسياسة السلم أو الحرب في الشرق الأوسط، وهي معضلات تتناول الصراع العربي الإسرائيلي، الحرب في العراق، الملف النووي الإيراني، الحرب في أفغانستان، مكافحة الإرهاب… وغيرها الكثير، حيث لم تقدم السياسة الخارجية الأمريكية حلولا متقدمة للحد الأدنى من هذه المعضلات.
خلافا للأوهام التي علقت على التغيير في السياسة الأمريكية في الشرقالأوسط وسعيها لإيجاد حلول”عادلة”، ظلت سياسة أوباما ملتزمة ثوابت أميركية تعود إلى عقود من الزمن تتصل بقضيتين مركزيتين هما : حماية نفط الخليج وتأمين سلامة إنتاجه وتصديره إلى الخارج، وتثبيت مواقع الشركات الأمريكية في هذا المجال، والثاني التزام امن إسرائيل وحماية موقعها ومنع قيام تسويات على حساب مصالحها، ودوام تفوقها وهيمنتها على العالم العربي المحيط بها. في ضوء هاتين الثابتتين نقرأ ما تحقق على صعيد السياسة الأمريكية الخارجية لعهد أوباما. في الجانب الأول، وتحت حجة مكافحة الإرهاب، تسعى السياسة الخارجية إلى توظيف السياسات العربية، بل وتوجيهها، لجعل هذا الموضوع في رأس اهتماماتها، من دون أن تعالج الأسباب الموضوعية التي تجعل من العالم العربي أرضا خصبة لازدهار هذا الإرهاب. ونظرا للثقة الضعيفة بقدرة هذه الأنظمة على مواجهة هذا الملف، تحتل سياسة الوجود الأمريكي العسكري المباشر في أكثر من منطقة عربية أولوية حاسمة تجعل الولايات المتحدة قادرة على التدخل الفوري لمنع حصول أي خلل يؤثر على امن النفط في المنطقة، وهو موضوع لم يرد في خطابات أوباما أي وعد بانسحاب وخروج الجيوش الأمريكية من المنطقة. أما في الصراع العربي الإسرائيلي، فخلافا لكثير من الأوهام “الساذجة” حول تغيير أميركي لصالح إيجاد حل يعطي العرب والفلسطينيين حدا من الحقوق المشروعة، تراجعت السياسة الأمريكية عن الوعود، والتزمت سياسة إسرائيلية بالكامل، لا تقل في فجاجتها عن سياسة الرئيس بوش لجهة الانحياز المطلق للسياسة الإسرائيلية، برز في الموقف من الاستيطان الصهيوني والطلب إلى الفلسطينيين تقديم التنازلات، وبلغ أوج تعبيره في تجاهل الرئيس أوباما لموضوع الصراع العربي الإسرائيلي في خطابه عن حال الاتحاد.
مقابل هذه الثوابت الأمريكية خارجيا، تجب رؤية الثوابت التي تتحكم بالقرار الأمريكي وسياسة الإدارة الأمريكية. عل رغم الصلاحيات الواسعة للرئيس الأمريكي، إلا أن عوامل “خفية” تمثلها قوى مقررة تفرض نفسها على كل رئيس أميركي، من هذه الثوابت المؤسسات المتمثلة بالمجمعات الصناعية والعسكرية التي تحتاج إلى “مدى حيوي” لإنتاجها، وتصريف مخزونها تمهيدا لتجديده في ضوء ما استجد من تقنيات جديدة. من هنا، وخلافا لما يعتقده كثيرون، تبدو الحاجة إلى الحروب خارج الولايات المتحدة حاجة ضرورية وماسة لهذه المؤسسات، في وصفها شرطا لتطورها واستمرار تفوقها التقني على سائر الدول. لا تهتم السياسة الخارجية الأمريكية بحلول السلم في الغالب، بمقدار انشدادها إلى “حروب صغيرة” تساهم في تطوير وتجديد الصناعة العسكرية الأمريكية. أما القوى الأخرى المقررة للسياسة الأمريكية الخارجية، فهي الشركات الأمريكية العابرة للقارات والتي تشكل أخطبوطا حقيقيا يتحكم اليوم في الكثير من مصائر الشعوب. تقتضي مصالح هذه الشركات تحكما بالبنى السياسية للكثير من الأنظمة، وإقامة سلطات سياسية متوافقة مع مصالحها، وهي أمور تفسر الكثير من الانقلابات العسكرية أو التمردات التي تقف الشركات الأمريكية وراءها في أكثر من مكان في العالم العربي وسائر مناطق العالم.
لا تهدف هذه المقاربة إلى نعي أي إمكانية في تعديل السياسة الأمريكية عربيا، بمقدار ما تشير إلى أن العرب في إمكانهم التأثير على هذه السياسة والحد من انحيازها لصالح العدو القومي، وهو أمر ينجم عن مصادر القوة التي يملكها العرب، خصوصا منها المواقع المالية التي تلعب دورا في استقرار ما للسياسة العالمية عبر الأرصدة الموظفة في الخارج، أو من خلال النفط العربي الذي يظل يشكل نقطة القوة الأهم. لكن ذلك يستوجب سياسة عربية مختلفة وتضامنا على الحد الأدنى من هذه المصالح العربية.
© منبر الحرية ، 27أبريل /نيسان2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

يفتقد العرب للأسف للقدرة على تحويل التحديات إلى فرص والاستفادة منها لتحويلها أيضا إلى مغانم، على عكس كل من إسرائيل وإيران، اللتان تتقنان فن التملّص من الالتزامات والمراوغة، والاهم من ذلك تحويل التحديات إلى فرص ومكاسب بيّنة.
وربما يعود ذلك إلى عدم وجود دولة عربية قائدة، والى الافتقار لسياسة خارجية قوية وفعّالة تعرّف الصديق والعدوّ والحليف والخصم والمنافس والمهدد، والى غياب التصور الواضح لقدراتنا الذاتية من جهة ولطبيعة دورنا إضافة إلى افتقارنا الشديد لتصور موضوعي واضح عن مدى قدرات “الآخر” دون التهوين أو التضخيم من شأنه.
من الواضح أنّ إسرائيل تعاني مؤخرا وفي موقف حرج جدا على المستوى الدولي في مواجهة الدفع باتجاه تحقيق عملية سلام فعّالة. ونحتاج إلى أن نكمل الطوق عليها بما استطعنا من وسائل وأدوات ولا ندعها تفلت منها، وهي تعرف أنّها باتت في موقع لا يحتمل وتسعى للتفلّت من هذا الوضع إما بشن حرب ما وإمّا بخطوة تعيد خلط كل الأوراق. وللأسف في الوقت الذي ندعو فيه إلى تحقيق هذا، هناك بعض الأطراف التي توفّر بخطواتها الرعناء، لأجندات خارجية أو لخطأ في الحسابات -إذا أحسنّا الظن بها- المنفذ الذي تحتاجه إسرائيل للهروب إلى الأمام وآخرها قضية صواريخ “سكود” المستجدة في لبنان.
لا شك أنّ الملف النووي الإيراني بات يثير مخاوف العديد من القوى الدولية والإقليمية في ظل التطور الحاصل فيه من جهة، وفي ظل عدم الشفافية الإيرانية حول النوايا الحقيقة من الوصول به إلى هذا المستوى. وتعدّ العقوبات الوسيلة الوحيدة المتوافرة إلى الآن في وجه التصعيد الإيراني، وكما قال الرئيس أوباما في قمّة الأمن النووي، فالمأمول  أن تجعل العقوبات تكاليف الاستمرار في البرنامج النووي أكبر بكثير من الفوائد التي يمكن جنيها. لكنّ الملاحظ أنّ مسالة العقوبات تحتاج إلى جهد كبير والى إجماع دولي وإقليمي في التنفيذ حتى تحقق الفعاليّة المرجوّة منها، وهنا بالذات تتوافر عناصر دور عربي فاعل.
الولايات المتّحدة بحاجة إلى إقناع ثلاث جهات أساسية بضرورة تطبيق عقوبات قاسية (وذات أظافر) لمواجهة التصعيد الإيراني ولمعاقبتها على تجاهلها المجتمع الدولي وازدرائها لقرارات مجلس الأمن السابقة، وذلك بعد أن ضمنت الموقف الروسي عبر مساومات طويلة:
1- الصين: إذ تزوّد إيران الصين بحوالي 11%من وارداتها النفطية، كما تبلغ حجم التجارة الثنائية بينهم 23.3 مليار دولار، وهو الأمر الذي دفع الصين إلى أن تحتل صدارة قائمة شركاء إيران التجاريين في شهر آذار الماضي وتنتزعها من الإتحاد الأوروبي. إضافة إلى الاستثمارات الصينية الضخمة في قطاع الطاقة الإيراني وآخرها اتفاق بقيمة حوالي 5 مليارات دولار في نهاية العام 2009 لتطوير المنطقة 11 من حقل “جنوب فارس” الغازي. ومخاوف الصين في الملف الإيراني تتعلق بالأمن الاقتصادي للبلاد وبأمن الطاقة أكثر من كونه موقفا أيديولوجيا.
2- الدول المجاورة لإيران: وخصوصا تركيا العضو غير الدائم في مجلس الأمن حاليا، واللاعب الجديد العائد إلى الساحة الإقليمية. فتركيا خامس اكبر شريك تجاري لإيران بعد الصين والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا. وقد تجاوز حجم المبادلات التجارية بينهما العائم الفائت الـ 10 مليار دولار، كما أنّ أنقرة تعتمد بشكل كبير على موارد الطاقة الإيرانية من النفط والغاز الذي يصل إلى تركيا بواسطة أنبوب يحمل يوميا ما بين 18 إلى 25 مليار م3 من الغاز. وتخاف تركيا من أن تؤدي العقوبات إلى تقويض الاستقرار الإقليمي والإضرار بالعلاقات الثنائية المباشرة في الوقت الذي يتم فيه تجاهل مصالحها كما حصل سابقا في الملف العراقي خلال الحروب السابقة.
3- الدول الفاعلة: الهند والبرازيل ولديها مصالح مشتركة أيضا.
المفتاح الأساسي لدى كل هذه الأطراف يكمن في النفط والمال. والجهة الوحيدة القادرة على لعب دور قوي وفاعل ومؤثر في هذا المجال هي الدول العربية ولا سيما الخليجية التي تتمتع بالنفط والمال، بشرط أن يتم اللعب في هذا الإطار بمبدأ توزيع الأدوار المدروس ووفق خطة موحدة.
فالصينيون ليسوا أيديولوجيين، وتديرهم عقلية الربح والخسارة، ولديهم هامش واسع من المناورة، وتمتلك المملكة السعودية وهي أكبر مصدّر للنفط إلى الصين القدرة على إقناع بكيّن بالموافقة على العقوبات القاسية عن طريق سياسة التطمين و/أو الإغواء، وذلك عبر ضمان تعويض أي نقص من الممكن أن يطرأ على الواردات النفطية الصينية بسبب العقوبات المفترضة على إيران، وأيضا عبر إمكانية بيعها النفط بسعر أقل من ذلك الذي تعرضه إيران.
وباستطاعة الإمارات أيضا المساهمة بشكل حقيقي وفعّال في تطبيق العقوبات من خلال الرقابة الصارمة على التجارة الثنائية مع إيران التي بلغ حجمها حوالي 12 مليار دولار العام 2008، سيما وان دبي تعدّ المصدر الأول لعبور المواد الممنوعة إلى طهران عبر تجارة الترانزيت إلى جانب جهات أخرى مثل ماليزيا واندونيسيا والصين وهونغ كونغ.
كما تستطيع قطر على سبيل المثال تعويض تركيا أو مدّها بما يكفي من الغاز فيما يتعلق بالمخاوف من أمن الطاقة، دون أن ننسى مقدرة دول الخليج مجتمعة على دعم هذه الدول المترددة أو التي تبحث عن مساومات مقابل الموافقة على دعم عقوبات قاسية على إيران، عبر الاستثمار المباشر فيها أو من خلال منحها الأولوية في المشاريع الضخمة الداخلية أو المشتركة، علما أنّ هذه الخطوات سيكون لها فوائد ضخمة على المستوى البعيد، منها على سبيل المثال:
أولا: تعزيز العلاقات العربية- الصينية والخليجية- الصينية مما من شانه أن يؤدي إلى التخلي تدريجيا عن سياسة الحليف الأوحد (أمريكا) باتجاه تعدد الحلفاء (أمريكا-روسيا- الصين- أوروبا)، بما لذلك من فوائد يمكن استغلاها على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو حتى العسكري.
ثانيا: بناء العلاقات العربية-التركية الصاعدة حاليا، على أسس متينة وثابتة من المصالح الراسخة والمشتركة عبر مشاريع اقتصادية بفوائد متبادلة بما يدعم مشروع السياسية الخارجية التركيّة لأحمد داوود اوغلو، ويمهّد لتحالف مع تركيا قائم على معطيات حقيقية وليس على مجرّد عواطف وأهواء وردود فعل آنيّة.
ثالثا: استعراض مدى فعالية القدرات العربية وحاجة الآخرين إليها، والمساهمة الفعّالة في تحقيق رغبة المجتمع الدولي بما يخدم المصالح العربية بطبيعة الحال.
ومن هنا، باستطاعة العرب مقايضة تحرّكهم هذا بمطالبة المجتمع الدولي والدول الكبرى وأمريكا تحديدا الضغط على إسرائيل في عدد من الجهات في هذا الوقت بالتحديد، ليس أقلّه في الملف النووي لتل أبيب حيث يمكن:
1- المطالبة بالضغط على إسرائيل للانضمام لمعاهدة الحد من انتشار السلاح النووي (NPT) والتي ستسمح عندها بالتمهيد لعمليات تفتيش، وهو ما يتوافق مع دعوة الرئيس الأمريكي في قمّة الأمن النووي في واشنطن بضرورة انضمام جميع الدول إلى هذه المعاهدة.
2- إعادة إحياء مشروع شرق أوسط خال من الأسلحة النووية عبر تحرّك دبلوماسي عربي متكامل.
وهو ما يتطلّب على الأقل، أن تنفض مصر عنها الصدأ الذي أصاب سياستها الخارجية التي لا تتناسب حاليا مع متطلبات المرحلة والتحديات الجسيمة التي تواجهها المنطقة، كما تتطلّب من المملكة العربية السعودية اعتماد سياسة خارجية شرسة وليس محافظة، ومن سوريا توظيف الأوراق المتوافرة لديها لهذا الغرض وليس لغرض خدمة مشاريع خارجية.
ويمكن للمشروع الدبلوماسي العربي عبر هذا المثلث مدعوما بجهود الدول الأخرى هنا أن يشرح الفوائد التي يجنيها المجتمع الدولي من هذه الخطوة التي من شأنها أن تعطي مصداقية للتحركّ الدولي على الجبهة الإيرانية، فيما يخص ازدواجية التعامل، كما من شأنها أن تضمن المصالح الأمريكية في شرق أوسط مستقر وآمن وتسهل مهمة الأمريكيين وتؤمن مصالح اللاعبين الدوليين بمن فيهم الروس والصينيين والأوربيين، وإلا فانّ الأمور قد تتطور باتجاه حرب مع إيران ليس من الواضح عمّا إذا كان هناك احد يريد أن يغامر بتحمّل تكاليفها الإقليمية والعالمية، أو باتجاه مواجهة سباق تسلّح نووي في أكثر منطقة متوترة في العالم، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على مصالح الجميع.
© منبر الحرية ،26أبريل /نيسان2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تعج الولايات المتحدة بالكثير من التساؤلات عن الأوضاع في العالم العربي والإسلامي. ففي سلسلة محاضرات لي في مدن أمريكية مختلفة حول أوضاع الشرق الأوسط والمسألة الفلسطينية كان أهمها مؤخرا في مدينتي دينفر وبولدر في ولاية كولورادو، بدأت أرى عالما أكثر تساؤلا حول العلاقة مع العالم الإسلامي والعربي. في تلك المدينتين فوجئت بالأعداد الضخمة المكونة من مئات الحاضرين الذين جاءوا للاستماع عن ”العالم العربي على مفترق الطرق.“ التعطش الأمريكي للتساؤل يعكس الفراغ الذي يعيشه الشعب الأمريكي بعد حربي العراق و أفغانستان. فالسؤال المبسط الأول الذي سرى مثل النار في الهشيم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١: ”لماذا يكرهوننا،“ بدأ يتراجع الآن أمام سيل من الأسئلة منها ”هل قامت السياسة الأمريكية بشيء يساهم في الكراهية بين الشرق والغرب؟“.
بعد كل محاضرة  جاءني من يقول” لا اعرف إلى متى سيبقى ممثلوا الشعب الأمريكي رهائن للسياسة الإسرائيلية“، وجاء آخر يتساءل عن الشبان الذين يقتلون من الولايات المتحدة في كل من أفغانستان والعراق: ”هل نقاتل هناك من اجل إسرائيل أم من اجل أمريكا“. بدأت أرى في عقول ووجوه الأمريكيين ما يؤكد أنهم بدأوا يسأمون من طبيعة السيطرة التي تمارسها جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل على صناع القرار. وكما قال سفير سابق ” هناك سيطرة على نظامنا السياسي من قبل أقلية صغيرة  من اجل مصالح ضيقة وعسكرية وغير إنسانية، هذا يأخذنا نحو كارثة.“
الواضح أن حرب أفغانستان والعراق ثم حربي ٢٠٠٦ في جنوب لبنان ثم حرب غزة في فلسطين أثاروا التساؤلات في الولايات المتحدة عن سياساتها الإقليمية. بل كانت مرافقتي إبان احد البرامج تكرر على مسامعي: ”كنت منذ خمس سنوات من اشد المؤيدين لإسرائيل، الآن اختلف الموقف“. سألتها لماذا؟ فقالت: الحرب في العراق وفي أفغانستان وحرب غزة جعلتني أتساءل. يجب أن لا نتدخل هكذا، يجب أن لا نكون مؤيدين لطرف ضد الآخر. لم أكن اعرف في السابق أن إسرائيل تضطهد شعبا أخر، كنت اعتقد أن هذه الأقوال دعاية عربية فقط، والآن اكتشف أن الأمر ليس كذلك.“ .
هذه التغيرات هي بداية شعور ينتشر بين الأمريكيين مفاده أن إسرائيل أصبحت عبئا كبيرا وان احتلالها يسمم العالم العربي والإسلامي وان سعيها لمصادرة القدس يفجر الصراع بين الشرق الإسلامي والعربي من جهة وبين الغرب من جهة أخرى. هناك نمو في الجمعيات الأمريكية واليهودية أيضا التي تعي خطورة استمرار الاحتلال في فلسطين. في إحدى الندوات وقفت إسرائيلية من مؤيدي حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني تشرح كم تعاني في إسرائيل من الملاحقة لأنها تقول برأي آخر.  هناك تنامي للشعور بأن مصلحة الولايات المتحدة لم تعد تتطابق مع مصلحة إسرائيل، وان مصلحة إسرائيل لم تعد تتطابق وعقلية الليكود واليمين المستمر في سياسة الاستيطان ومصادرة القدس.
لكن من جهة أخرى هناك هجوم كبير على الرئيس أوباما من قبل جماعات الضغط الإسرائيلية التي استطاعت في السابق أن تسقط مرشحين وتبرز آخرين. ففي قناعة جماعات الضغط مجرد انتخاب أوباما أثار جميع هذه التحفظات والآراء المعارضة بين قطاعات من الشعب الأمريكي. إن حصول بعض التغير في الرأي العام الأمريكي يجعل أنصار إسرائيل واليمين أكثر استعدادا للتصعيد ضد أوباما مع السعي لإيقافه مهما كلف الأمر.
وبينما يزداد الصراع حدة على ارض فلسطين، تزداد حكومة تننياهو انحدارا نحو اليمين. إن المغالاة ستكون صفة ملازمة للسياسة الإسرائيلية في المرحلة القادمة. لكن العالم من جهة أخرى لن يعترف لإسرائيل بالقدس عاصمة موحدة أبدية، ولن يقبل باحتلالها واستيطانها وحصارها وقمعها لشعب آخر. رويدا رويدا هناك تغير. هذه التغيرات قد توصل إسرائيل للحظة صدام مع الولايات المتحدة ومع جزء كبير من العالم الغربي. قد لا يكون هذا في المدى القريب، لكن بوادره في طور التكوين. إن إنضاج هذه الظواهر تتطلب جهدا عربيا منظما في العالم وفي الولايات المتحدة لا نجده الآن.
المصدر: الأوان
© منبر الحرية،14 أبريل /نيسان 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

اجتمعت منذ ايام مجموعة “الجدال الثقافي العربي واثره على جهود التواصل بين الولايات المتحدة والعالم العربي” لدراسة العديد من المسائل التي تفرق بين العالم العربي والولايات المتحدة. اطلق على المجموعة اسم مجموعة مالطا لانها جمعت منذ ٢٠٠٣ في مالطا مثقفين عرب ومثقين امريكيين لتبادل الرأي والمعرفة.  وقد قاد المجموعة سؤال اساسي:   ماهي الاسباب التي دفعت بالولايات المتحدة والعالم العربي الى طريق التصادم؟ كان اخطر ما وقع هو بالتأكيد احداث الحادي عشر من سبتمبر ونتائجها المباشرة على العالمين الاسلامي والغربي، اذ دخلت الولايات المتحدة منذ ذلك الوقت في حربين كبيرتين الاولى في افغانستان والثانية في العراق، وذلك بالاضافة الى حروب صغيرة في مناطق مختلفة في العالم ضد القاعدة. ولقد دفع هذا الوضع بالعلاقة العربية الامريكية الى مأزق ، وهو ذات المأزق اليوم في العلاقة الايرانية الامريكية . اذن نحن امام صراع يتطلب تفسيرا واجابات.
لكن الاهم بأن هذا اللقاء الاخير الذي عقد في مركز كارتر في مارس ٢٠١٠ في مدينة اتلانتا الامريكية بدأ بمفاجأة من العيار الثقيل: حضور الرئيس السابق جيمي كارتر والقاءه كلمة نقدية تجاه اسرائيل ومستوطناتها وتوسعها واحتلالها للقدس والضفة والجولان. ركز كارتر على ضرورة ان تتوقف اسرائيل الان والا فات الاوان. كلمة كارتر التزمت بأهمية حل الدولتين، لكنها لم تغلق الباب امام فقدان هذا الاحتمال وبروز احتمال الدولة الواحدة. لكن هذا سيخلق صراعات جديدة في ظل الرفض الاسرائيلي لمبدأ المساواة بين العرب واليهود في الارض الواقعة بين نهر الاردن والبحر المتوسط.
هكذا تحولت هذه الجرأة في الطرح للرئيس كارتر والذي يخرج عن المسار الامريكي العام الى بداية لنقاش الفوارق بين الرؤية الامريكية و العربية. وقدم ايضا اندرو يونع الذي عمل ممثلا للولايات المتحدة في الامم المتحدة قبل ان يستقيل نتاج ضغط من اللوبي المؤيد لاسرائيل بسبب لقاءه عام ١٩٧٩ مع ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في نيويورك. وتحدث فوكوياما مقدما تحليلا عالميا على قدر كبير من الاهمية عن دور الدولة في منطقة الشرق الاوسط، كما تحدث رضوان السيد طارحا رؤيته للفوارق والتصادم بين الشرق العربي والغرب الامريكي. وتحدث حسن منيمنة منظم اللقاء ثم ديفيد بلانكين هورن  رئيس مؤسسة القيم الامريكية ومفكرين اخرين عن اهمية هذا الحوار والابعاد التي يمكن ان تحقق تقدم. لقد اكتسب اللقاء بعدا شموليا وثقافيا في عمقه.
لكن الاساس في هذا اللقاء هو اهمية الوعي الصريح بالابعاد التي تفرق بين الولايات المتحدة من جهة وبين العرب من جهة اخرى.  فهناك نظرة تبلورت في العالم العربي بأن السياسة الامريكية في معظم الاحيان تصب مباشرة بمصلحة اسرائيل. فقد نجحت اسرائيل على مدار العقود باستخدام نفوذها في الولايات المتحدة لجلب الدعم لتوسعها و لاحتلالها. لهذا فحتى اليوم تمثل المسألة الفلسطينية احد اهم اسباب التصادم الامريكي العربي والاسلامي الامريكي. المسألة الفلسطينية هي اكبر صخرة مانعة بين الحضارتين والثقافتين.
لكن هناك قضايا اخرى لا بد من التعرف عليها تلقي الضوء على تاريخ الاختلاف بين الولايات المتحدة والعالم العربي. ففي التاريخ دعمت الولايات المتحدة شاه ايران ضد مصدق، لكنها انتهت بثورة الخميني، ودعمت الولايات المتحدة اسرائيل ضد القومية العربية وعبد الناصر فانتهت بالحركات الاصولية، ودعمت المجاهدين الافغان ومجموعات بن لادن فانتهت بالطالبان والقاعدة، ودعمت الولايات المتحدة غزو اسرائيل للبنان عام ١٩٨٢ او غضت النظر عنه والذي استهدف إجتثاث منظمة التحرير من لبنان فانتهت بحزب الله في جنوب لبنان. كما انها اعاقت وفق الرغبة الاسرائيلية حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية  المنتخبة برئاسة حماس فأنتهى الامر بسيطرة حماس على غزة. لائحة  قصر النظر الامريكية طويلة. فالدولة الكبرى في العالم تتعامل مع السياسة في الشرق الاوسط انطلاقا من هموم وحسابات  مباشرة تأتي من تأثيرات محلية وانتخابية وإسرائيلية. لقد ضاعت العلاقة العربية الامريكية في حمى الحسابات الضيقة وانتهى بنا الامر الى صدام اكبر كما هو حاصل في السنوات القليلة الماضية.
لكن اسباب المواجهة  بين العالم العربي والولايات المتحدة في هذه المرحلة اخذت بعدا ثقافيا يضاف على البعد السياسي.  فهناك ثقافة رافضة للولايات المتحدة كمصدر للثقافة العالمية ومصدر لطرق الحياة الجديدة. أذ اصبح الانقسام العربي العربي بين اسلامي وغير اسلامي وبين قومي واقل قومية وبين مؤيد لحل الدولتين ورافض لحل الدولتين في فلسطين احد مصادر الاختلاف حول التعامل مع الولايات المتحدة.  هذا التناقض هو الاخر يصب في الصراع الاوسع حول دور الولايات المتحدة الاقليمي.
ان تغير العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي يتطلب  تغير قواعد اللعبة الامريكية تجاه الصراع العربي الاسرائيلي.  جوهر التغير يبدأ في فلسطين، فهي النقطة المركزية التي سببت الانقطاع الثقافي والمعنوي بين العالمين وهي التي وضعت الولايات المتحدة في كفة والعالم الاسلامي في كفة اخرى .  ان الرفض الاسلامي للولايات المتحدة ينطلق اساسا من الصراع العربي الاسرائيلي. فهناك شعور قديم جديد يزداد تأصلا ويزداد عمقا في العالم الاسلامي بأن الولايات المتحدة ستؤيد اسرائيل مهما فعلت تجاه العرب.  ان هذا الجانب المؤثر على العلاقة الامريكية العربية بحاجة لحل حقيقي وصادق والا ازدادت العلاقة تأزما وتلونت بأبعاد يصعب التنبؤ باثارها.
المصدر: الاوان
© منبر الحرية، 25 مارس/آذار 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تثير سلسلة من التطورات الاخيرة تساؤلات حول منطلقات الامن الاسرائيلية والتي اعتمدتها إسرائيل منذ نشوءها.  فمنذ بدايتها قامت اسرائيل على عقيدة أمنية تفرض على محيطها ان يتراجع امامها بسبب تفوقها العسكري ومقدرتها على نقل الحرب الى المناطق العربية. هذا اساس معظم حروب اسرائيل مع العرب. اما الاساس الثاني فهو الالتصاق بدولة كبرى فتتحول إسرائيل الى حامي مصالح تلك الدولة وقوة ضاربة بأسمها.  في البداية  تحالفت اسرائيل مع بريطانيا ثم مع فرنسا واخيرا مع الولايات المتحدة خاصة بعد حرب ١٩٦٧.   ان قلة عدد سكان أسرائيل نسبة لعدد سكان العالم العربي جعل اسرائيل تؤمن بأستخدام القوة المفرطة في التعامل مع العالم العربي.  لكن هناك تغيرات تجعل هذه العقيدة بصورتها القديمة في مأزق.
ان العقيدة الاسرائيلية الامنية هي التي تعود وتساهم في اضعاف اسرائيل.  فمن فرط استخدام القوة وشن الحروب برزت في العالم العربي قوى اكثر تشددا واكثر استعدادا للتمادي في المواجهة مع اسرائيل.  هكذا يسير العالم العربي كما رأينا في حرب غزة  في ٢٠٠٩ وفي الحرب ضد حزب الله في ٢٠٠٦ نحو نمط من المواجهة اكثر جذرية و عنفا وقوة. ان استمرار هذا الاتجاه في الساحة المحيطة بإسرائيل وضمن صفوف الشعب الفلسطيني يهدد الاساس الذي تقوم عليه فرضيات الامن الاسرائيلية بل يعرضها للخطر.  الشعب الفلسطيني من جهة والشعوب المحيطة بأسرائيل من جهة اخرى في طريقها لموجة جديدة من المواجهة  وذلك في ظل استمرار اسرائيل في استيطانها وتوسعها واهانتها للعالم العربي والاسلامي من خلال تهويد القدس.  وقد يفرض هذا الوضع  على اسرائيل سعيا لخيار الحرب  وذلك في محاولة منها لاستعادة سطوتها الاقليمية وقدرتها على اخافة الدول والمجتمعات المحيطة. سيكون من الافضل ان تسعي اسرائيل باتجاه تسوية حقيقية وعادلة. لكن هذا ليس مطروحا في هذه المرحلة.
ويعتمد الامن الاسرائيلي على عوامل اخرى. فأحد اهم اسس الامن الاسرائيلي منذ حرب ١٩٦٧ هو الاعتماد على الولايات المتحدة كدولة كبرى.  فالموقف الامريكي المؤيد لاسرائيل هو جزء لا يتجزأ من أمن اسرائيل. لكن دور الولايات المتحدة  ضعف كثيرا في المنطقة في السنوات القليلة الماضية، و سوف يستمر في التراجع لاسباب كونية واقليمية مرتبطة ببروز الدور الصيني والروسي ودول اخرى. لقد دخلت الولايات المتحدة بنزاعات في المنطقة. كما ان اسرائيل تستمر في احراج الولايات المتحدة في مجالات عدة من اهمها الاستيطان وتهويد القدس وانشاء مساكن جديدة للمستوطنين. اضافة الى هذا تنشأ بين اليهود الامريكيين تساؤلات حول تهور السياسة الاسرائيلية. كل هذا يساهم في ضرب بعض اهم مرتكزات الامن الاسرائيلي. ان السياسة الاسرائيلية الاستيطانية والعسكرية تتحول كل يوم الى عبئ على الولايات المتحدة وعلى قواتها الموجودة في العراق وافغانسنات والشرق الاوسط.
ان الضعف الراهن في مرتكزات العقيدة الامنية الاسرائيلية سيجعل اسرائيل تمعن في سياسة اكثر تهورا، بل كلما أقتربت إسرائيل من اكتشاف ضعف مرتكزاتها الامنية كلما ازدادت تهورا ورفضا للتعامل مع الواقع والاعتراف به. هذا واضح في سياسة نتنياهو في  فلسطين والقدس كما نجد لهذه السياسة تعبيرا واضحا في عملية دبي الاخيرة وفي سياسة اسرائيل تجاه تركيا. اسرائيل في هذه المرحلة في تخبط. فقيادتها اليمينية ضعيفة انتخابيا، وطريقها لكسب الاصوات في الانتخابات اصبحت تعتمد علي التصعيد والتهور ونشر الكراهية. لهذا تمعن إسرائيل في الاستيطان، وتعلن عنه ابان زيارة نائب الرئيس الامريكي بايدن، وتذهب الى دبي، وتهدد تركيا بسبب مواقفها، وتهدد بشن الحرب على ايران. ان منطقتنا ستهشد الكثير في المرحلة القادمة في جبهات الصراع العربي الاسرائيلي. التاريخ لم ينتهي، بل بالكاد نجده قد بدأ.
المصدر: الاوان
© منبر الحرية، 15 مارس/آذار 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

إن التسليم بمقولة ( التاريخ يعيد نفسه ), قد لا يكون صائبا في أغلب الأحيان لكن الحالة التركية الراهنة تجعلنا نسلم ببعض الأدلة التاريخية التي تتكرر بصور مختلفة.
فعندما هرب (شاه سليمان) –جد السلطان عثمان- من بطش جنكيزخان من مناطق توران وخراسان إلى مناطق تركيا الحالية, لم يخطر لذلك الرجل بأن حفيده سيصبح سلطانا ذا شأن وعلى تلك المكانة والشهرة والنفوذ, لكنه تحقق بالفعل وحكم العثمانيون وأحفادهم المنطقة,بل ووسعوا في احتلالهم و حكمهم إلى قسم كبير من أوربا الشرقية( هذا عدا المناطق والدول العربية التي حكموها قرونا من الزمن),وكانت الخلافة الإسلامية عثمانية طيلة تلك الفترة إلى وصلت الحالة بهم إلى ( الرجل المريض) –بعد الحرب العالمية الأولى. كانت تركيا في ذلك الوقت مهددة بالانقسام ومستسلمة لشروط الدول الكبرى المنتصرة في الحرب, وأقرت بذلك في اتفاقية سيفر 1920 . لكن ظهور كمال أتاتورك غير في الموازين, فبفضل حنكته السياسية استطاع أن ينقذ تركيا ويتفق مع الفرنسيين والانكليز وكذلك مع الروس( السوفيت الجدد), ويلغي الاتفاقية السابقة ويخرج منتصرا في حربه مع اليونان ويعقد اتفاقية جديدة لصالحه في لوزان بسويسرا عام 1923 .
اليوم يبدو أن الأحفاد الجدد( ومنهم حزب اردوغان)  بدأوا  يشعرون بذلك الحنين إلى ارثهم التاريخي, خاصة بعد فشل مشروعهم السابق ( تركيا الكبرى) – بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق- وتغيير الموازنات والتحالفات الدولية بعد سقوط  نظام صدام.
فتركيا التي تقدم نفسها بوجوه متعددة مستفيدة من موقعها الجيوسياسي وعضويتها في الناتو, لا تقف عند حدود ( علمانيتها) التي تدعيها منذ كمال أتاتورك رغم غلبة الشعور والتعصب القومي على المجتمع التركي, وتحاول الانضمام إلى الاتحاد الأوربي رغم عدم التزامها بشروط الاتحاد( قضايا حقوق الإنسان, قبرص والقضية الكردية….), لهذا فهي تسعى جاهدة بأخذ العديد من المبادرات ومحاولة لعب دور محوري في منطقة الشرق الأوسط من خلال القضايا العربية والإسلامية وتساعدها في ذلك ظروف دول الجوار التي تتفق فيما بينها على القضية الكردية( وخطرها) المزعوم وتساهم دول عربية في إفساح المجال لتركيا رغم وجود إجماع عربي على التحفظ على دور إيران وتركيا في القضايا العربية.
ولعل الطموح التركي بدأ يأخذ حجما أكبر, فالسيطرة على منابع الثروات المائية( نهري دجلة والفرات) وإقامة أضخم السدود عليها, وإقامة أفضل العلاقات الإستراتيجية مع إسرائيل, عضويتها في حلف الناتو, لعب دور الوسيط والمصالحة في العديد من القضايا مثل المباحثات الغير المباشرة بين سوريا وإسرائيل, تدخلها المستمر في شؤون دول الجوار, بل وحتى احتلال( لواء اسكندر ون السورية), وأخيرا محاولاتها الحثيثة في تسلم الملف الفلسطيني وأخذ المبادرة من إيران التي تتحكم جيدا بهذه القضية من خلال أجندتها الإقليمية.
ترى هل تستطيع تركيا حمل هذه السلة من التناقضات ؟ كيف بمقدورها التوافق بين علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل التي تحتل أرضا عربية وإسلامية وبين التزامها الديني في الدفاع عن الشعب الفلسطيني؟ كيف تبرر علمانيتها وإسلاميتها ودفاعها عن المظلومين, وهي لا تطبق ذلك في داخلها مثل( قضية أكثر من عشرون مليون كردي مسلم محرومين من كافة الحقوق, قضية قبرص, تهديداتها وتدخلها في العراق تحت ذريعة حماية التركمان….) . رغم ادعاء تركيا العلمانية, إلا أن الجزء الأكبر من المجتمع التركي ذو طبيعة إسلامية محافظة ومتعصبة قوميا وخير دليل على ذلك نتائج الانتخابات البرلمانية وسيطرة حزب العدالة والتنمية الإسلامي بالأغلبية عليها, وهذا ما يثير الدهشة والتناقض والشك في العديد من التوجهات التركية, وكذلك سوف تدفع تركيا فاتورة تناقضاتها في تعاملها مع قضايا المنطقة, ولن يكون سهلا أخذ مبادرة وملف هام من دولة أو ( إمبراطورية مذهبية) مثل إيران والتي تملك أوراقا أكثر حسما من تركيا (اللهم إذا غيرت تركيا في حلفائها مثل إسرائيل), لكن الحلم شيء والواقع العملي شيء آخر, فمهما ادعت تركيا حرصها وبكائها على الشعب الفلسطيني, لن تكون على حساب علاقاتها الإستراتيجية مع إسرائيل, والكلام لن يكون سوى في إطار الشعارات والمزايدات واللعب بالعاطفة وكذلك الدعاية الانتخابية لحزبها في الداخل. لكن الذي يثير الدهشة هو هذا التطبيل والتهويل من قبل البعض في الإعلام العربي وكيل المديح لأردوغان وموقفه في دافوس والذي كان انسحابه بسبب عدم السماح له بالكلام واختصار الوقت وليس بسبب حرب غزة, وإذا كان أردوغان بالفعل حريصا على الشعب الفلسطيني لماذا لا يقوم  بقطع علاقاته مع المحتل الإسرائيلي؟!
إن الحلم بسلطنة عثمانية جديدة على أنقاض هذا الكم من التناقضات في السياسة التركية يبدو مستحيلا وليس هذا فقط , بل سوف تكشف يوما بعد يوم الوجه الحقيقي لهذه الأقنعة المزيفة والتي تتفنن في وضعها دولا أخرى مثل إيران التي تقمع شعوبها( من عربية, كردية, أذرية..) وتنفق الملايين لدعم أجندتها الإقليمية لحساب مصالحها ورهاناتها واتفاقياتها على حساب دماء الآخرين, وتحتل جزرا عربية(الإمارات) وتهددهم دائما (دول الخليج العربي), وبالمقابل تقدم نفسها بصورة المخلص والحريص والصديق للعرب والمدافع عن قضاياهم المصيرية, فكيف يكون ذلك؟؟ اعتقد بأن سياسة النعامة لن تمر بهذه البساطة على شعوبنا التي تعلم كل شيء في هذا العصر المتطور من التكنولوجيا والإعلام وسرعة إيصال ومعرفة الخبر.
© منبر الحرية، 26 فبراير/شباط 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

إن الرهانات الدولية في ظل العولمة أضحت مرتبطة بشكل أقوى بالقضايا الاجتماعية, وأقل تفاعلاً مع الاستراتيجيات السياسية والعسكرية, والفاعلون الاجتماعيون أكثر حضوراً على الساحة الدولية حيث المجال الدولي لم يعد حكراً على الحكومات وحدها, بل هو فضاء عمومي تتداخل فيه كل من الحكومات والأفراد والمنظمات غير الحكومية, والذي يعبر عن نوع من التصالح ما بين الإنسانية والواقع الدولي.
وهناك منظور جديد للأمن بدأ يفرض نفسه متجاوزاً الإعتبارات الترابية والإقليمية والعسكرية, فالتحديات الجديدة جعلت مفهوم الأمن شمولياً ومتعدد الأبعاد وأكثر التصاقاً بالحياة الاجتماعية, وهذا ما جعل برنامج الأمم المتحدة للتنمية يتبنى فكرة “الأمن الإنساني” فالأمن لم يعد يقاس بمدى تقليص التهديدات, بل بمدى الاستجابة للحاجيات الأساسية للإنسان.
ونتيجة للظروف الناتجة عن اختلال التوازنات الاجتماعية وتزايد الاعتماد المتبادل بين مختلف القطاعات الإقتصادية والإجتماعية, تم التعجيل بالتفكير في مبدأ إدارة شؤون الدولة والمجتمع كنمط لتجديد أساليب الحكم وتفعيلها بشكل أفضل من خلال صياغة أشكال جدية في المشاركة , قائمة على التضامن والنهوض بالاحتياجات الأساسية للمواطن.
ومن الواضح بقدر ما هناك قوة في طموحات المشاريع الكونية على كافة الصعد إلا أن هناك قصور _ إلى حد ما _ حين تتجسد في الواقع .
فعندما نتكلم عن المضامين الجديدة للأمن العالمي هناك كثير من التساؤلات تطرح:
تاريخيا هل تم تحقيق الأمن العالمي؟
المضامين الجديدة للأمن العالمي هل متفق عليها عالمياً ؟
هل يمكن مقابلة منظور السيادة الوطنية بمواطنية كونية شبه مكتملة ؟
وإذا كان هناك أنماط معقدة من أنسنة الواقع الدولي, فهل نكون قد انتقلنا من منظور كلاسيكي يدافع بقوة عن عدم التطابق بين حقوق الإنسان والسياسة الدولية إلى نوع من التجاوب الفعلي والمستمر وغير المستقر بينهما ؟
هل مرجعية المضامين الجديدة للأمن العالمي ستنمو بسرعة واقعية السياسة الدولية؟
عندما يتم التكلم عن المضامين الجديدة للأمن العالمي يجب علينا الأخذ بعين الأعتبار حالتين :
1- الأمن العالمي القائم على العلاقة بين الإنسان والطبيعة ( البيئة ) .
2- الأمن العالمي القائم على العلاقة فيما بين الإنسان وأخيه الإنسان من جهة والدول فيما بينها (الأمن السياسي) من جهة أخرى .
فيما يتعلق بالعلاقة القائمة بين الإنسان والبيئة هناك تحديات تواجه الأمن العالمي, وقد يكون التضامن العالمي لإيجاد حلول لمواجهة التحديات في هذا الصدد أكثر إمكانية منه على صعيد الأمن السياسي بين الدول. والعقد الاجتماعي هو أساس شرعية القانون في المجتمعات البشرية, وفي النظام الدولي التقليدي, الدول تتمتع بقدر من الحرية والسيادة, ولا توجد أي سلطة فوقها, ولا قانون دولي إلا ما تختاره على أساس اتفاقيات أو معاهدات تم مناقشتها بحرية تامة أو أعراف تم قبولها ضمنياً, فحرية الدولة لا تحدها سوى حرية الدول الأخرى, وإذا كانت الحالة الطبيعية قد تم تجاوزها في النظام الداخلي فليس الأمر كذلك في النظام الدولي حيث القوة هي المقياس الوحيد للتصرف, على الرغم من أن الأمور قد تغيرت مع ظهور المنظمات غير الحكومية إلا أن علاقة القوة داخل هذه المنظومة ستبقى موجودة.
وإذا كان هناك حرص على المصلحة والسلطة والأمن القومي, إلا أنه على الجانب الآخر هناك تشديد على الحق والعدالة ومراقبة الحكام والتركيز على حقوق الإنسان, وهذا ما نجده في الصراع الفكري التاريخي بين هوبز الذي يرفض منح حقوق الإنسان أي اعتبار دولي باعتبار الأمن القومي هو وحده الذي يمنح المعنى للمصالح الوطنية. وبين غروسيوس الذي كان مناصراً للمواطنة العالمية ولنظام عادل يسمو فوق كل السلطات والسيادات.
على صعيد المضامين الجديدة للأمن العالمي هناك إشكالية على مستوى تأقلم الضوابط القانونية مع القضايا أو المشكلات العارضة, فكيف يتم معالجة قضايا في ظل غياب قواعد قانونية تضبط هذه الأوضاع العارضة, مثل قضية اللحوم الملوثة هرمونيا التي انقسم حولها الرأي العالمي بين الولايات المتحدة وكندا من جانب والمجموعة الأوروبية من جانب آخر.
هناك كثير من القضايا الشائكة التي تطرح علامات استفهام حول إمكانية الاتفاق عليها خاصة على الصعيد الثقافي , والخلاف الدائر ما بين منظمة الصحة العالمية ومصر حول ختان الإناث يعبر عن واقع هذه التناقضات, حيث تعارض منظمة الصحة العالمية هذه العملية من منطلق الدفاع عن حقوق الإنسان وتحديداً حقوق المرأة , بينما تدافع مصر عن موقفها من منطلق التمتع بالحقوق الثقافية الخصوصية للمجتمعات التي كرسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
الجانب الاستراتيجي والمصلحي ما زال فاعلاً وحاضراً بقوة, وكثيراً ما تتحول حقوق الإنسان إلى أداة لضغط الأقوياء على الضعفاء, وهو ما يخلق التداخل بين ما هو دولي وما هو إنساني, وبالتالي من الطبيعي أن ينعكس ذلك فيما بعد على الأمن العالمي.
إن الأمن العالمي التي بدأت تتضح معالمة يوماً بعد يوم يجعلنا أكثر تفاؤلاً بمستقبل التعاون الدولي, وسيبقى القانون الدولي دعامة لهذا المستقبل وهنا نتساءل :
كيف يمكن للقانون الدولي أن يتطور؟
هل يمكن للقانون الدولي أن يتطور إلا في ظل الحياد السياسي الذي يسمح له بالمحافظة على استقلاليتة ؟هل ذلك ممكن ؟ تاريخياً هل تم تحقيق ذلك؟
© منبر الحرية، 18 فبراير/شباط 2010

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018