العلاقات الجيو-إستراتيجية والسياسية الدولية

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تراجعت شعبية التنظيمين الإسلاميين، حماس وحزب الله، في أوساط البلدان ذات الأغلبية المسلمة، رغم وجود بعض الجيوب التي تؤيد كل من التنظيمين في الشرق الأوسط.
ففي استطلاع للرأي أجراه مشروع غلوبال آتيتديودز التابع لمركز أبحاث بيو Pew Research Center   في الفترة بين الثامن عشر من مايو (أيار) والسادس عشر من يونيو (حزيران) من عام 2009 الماضي، لقيت حركة حماس، بعد مرور أربعة أعوام على فوزها بالانتخابات البرلمانية الفلسطينية، استحسانا أو تقييما إيجابيا نسبيا بلغ (56%) في الأردن، و(52%) في مصر. أما الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية، فكانت نسبة تأييدهم لحركة حماس أقل من ذلك، حيث ارتفعت نسبة المتحفظين على حماس في الأراضي التي تسيطر عليها هذه الحركة، ففي غزة كانت نسبة المؤيدين لحماس من المستطلعة آراؤهم 37% فقط، مقارنة بنسبة 47% في الضفة الغربية.


كما أظهرت نتائج الاستطلاع نسبة محدودة جدا من التأييد لتنظيم حزب الله اللبناني الشيعي، فبينما أيد معظم الفلسطينيين (61%) وحوالي نصف الأردنيين (51%) حزب الله وكانت لديهم آراء إيجابية تجاهه، كانت هذه النتائج أقل إيجابية في مناطق أخرى، حيث بلغت نسبة المؤيدين لحزب الله في مصر (43%) فقط، وفي لبنان (35%). فكما هو الحال في التعاطي مع العديد من القضايا في لبنان، تباينت الآراء حول حزب الله كثيرا بحسب الانتماءات الدينية: فجميع اللبنانيين الشيعة تقريبا (97%) قدّموا آراءً إيجابية تؤيد حزب الله، أما المسيحيون فبلغت نسبة المؤيدين منهم لحزب الله (18%)، وبلغت نسبة اللبنانيين السُنّة (2%) فقط.
وفي تركيا، اختلفت النسب تماما، حيث أظهر الأتراك رفضا كبيرا للمجموعتين – 5% فقط من الآراء الإيجابية لحماس و3% لحزب الله. كما أن سكان عرب إسرائيل لم يظهروا استجابات عالية لا لحماس ولا لحزب الله، فقد حصلت الأولى على 21% فقط من التأييد، وحصل الأخير على 27%. وفي خارج منطقة الشرق الأوسط، كان العديد من المستطلعة آراؤهم في الباكستان، واندونيسيا، ونيجيريا، لم يتمكنوا من تقديم أي رأي حول هذين التنظيمين.
لم يكن هذا الفتور في تأييد الجماعات الاسلاموية بين الشعوب المسلمة منافيا أو مختلفا عن نتائج الاستطلاعات الأخرى التي قامت بها غلوبال آتيتديودز في السنوات القليلة الماضية، والتي أظهرت جميعا تراجعا في التأييد الشعبي للتطرف والتفجيرات الانتحارية بين أوساط الشعوب المسلمة. كما أن هذه الاستطلاعات نفسها أشّرت تراجعا ملحوظا في الثقة بأسامة بن لادن. فضلا عن ذلك، فإن استطلاع غلوبال آتيتديودز في الباكستان، وهو بلد يرزح الآن تحت وطأة العنف والتطرف — لعام 2009 قد كشف عن وجود رفضا متناميا للقاعدة ولطالبان على حد سواء.
كما أن نصيب القادة السياسيين المسلمين الذين شملهم الاستطلاع من التأييد لم يكن كبيرا هو الآخر، باستثناء الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، الذي كان الأكثر شعبية. حيث حصل على نسبة تأييد (92%) في الأردن، و (83%) في مصر، وقالت الأغلبية أن لديهم ثقة بأن العاهل السعودي سيقوم بالشيء الصحيح في الشؤون العالمية. كما تلقى الملك نسبا ايجابية عالية نسبيا حتى خارج منطقة الشرق الأوسط، في باكستان 64% وفي إندونيسيا 61%. لكن العاهل السعودي لم يتلق نسبا عالية في تركيا حيث أعرب 8% فقط من الأتراك عن ثقتهم به. غير أن شعبيته بشكل عام قد تراجعت عما كانت عليه عام 2007.
على صعيد آخر، حصل قائد حزب الله حسن نصر الله على آراء إيجابية أقل. فقد عبّر 37% فقط من اللبنانيين عن ثقتهم بنصر الله، ولكن شيعة لبنان قد أعربوا وبالإجماع تقريبا، عن ثقتهم به (97%). كما حصل نصر الله على تأييد عال نسبيا في الأراضي الفلسطينية، ولا سيما في الضفة الغربية، حيث قال 71% من المستطلَعين أنهم يعتقدون أن نصر الله سيفعل الشيء الصحيح في الشؤون الدولية.
وتراجعت الثقة برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس منذ عام 2007، وعلى الأخص في البلدان المجاورة. ففي مصر، مثلا، حصل عام 2009 على نسبة 33% بينما كان قد حصل على نسبة 67% عام 2007، وفي الأردن حصل على 33% عام 2009 وكان قد حصل فيها على نسبة 53% عام 2007. وتراجعت نسبة تأييد عباس بين الفلسطينيين بشكل عام (من 56% عام 2007 إلى 52% عام 2009، وقد تراجعت هذه النسبة بشكل حاد بين أهل غزة حيث كانت 69% وأصبحت 51%.
أما الزعيمين الأفغاني حامد كارزاي والإيراني محمود أحمدي نجاد، فحتى قبل انتخابهم المصحوب بالكثير من الجدل العام الماضي، فلم يتمتعا بشعبية تُذكر في البلدان المسلمة التي أجري فيها الاستطلاع. كانت أعلى نسبة حصل عليها أحمدي نجاد هي في الأراضي الفلسطينية (45%) وفي اندونيسيا (43%). ولم يحصل كارزاي على ثقة  بنسبة 40% في أي بلد من البلدان المستطلعة، ففي الباكستان حصل على 10%، وفي تركيا 7%، وفي لبنان 7% فقط.
وكما ذكرنا آنفا، تراجع تقييم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بشكل عام في السنوات الأخيرة، حيث تلقى تأييدا قليلا بين أوساط المسلمين. ولكن 51% من الفلسطينيين أعربوا عن ثقتهم به، أما في نيجيريا فقد حصل على نسبة 54% من مسلمي البلد. في الباكستان، حيث يعتقد الكثيرون أن بن لادن مختبأ ً، لم يحصل على أكثر من 18% من التأييد. أما نسبة تأييده في تركيا فكانت 3% وفي لبنان 2% فقط.

أما الرئيس الأمريكي باراك أوباما، فعلى الرغم من أن النسب التي حصل عليها هي أعلى من نسب تأييد الرئيس السابق جورج بوش، إلا أنها تراجعت أيضا. حيث أن 33% فقط في تركيا أعربوا عن ثقتهم به، ولكن هذه النسبة لا تزال أعلى من النسب التي حصل عليها محمود عباس، وحسن نصر الله، والملك السعودي، وأحمدي نجاد، وحامد كارزاي. ولا يزال الرئيس الأمريكي يتمتع بشعبية واسعة بين الشعوب ذات الأغلبية المسلمة، ولا سيما في اندونيسيا، حيث عاش عدة سنوات من طفولته، حيث 71% من الاندونيسيين المستطلعين عبروا عن ثقتهم به. وحصل أوباما على نسبة 81% بين مسلمي نيجيريا، و69% بين عرب إسرائيل، و65% بين اللبنانيين السُنّة.
* للإطلاع على تفاصيل الاستطلاع الأخرى أنظر:
www.pewglobal.org
© منبر الحرية، 10 فبراير/شباط 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تخبو حدة المواجهة الفلسطينية الاسرائيلية ثم لا تلبث وأن تنفجر. اخر الحروب هي حرب غزة، ولكنها ليست الاخيرة.  ففي فلسطين يتواجد خمسة ملايين ونصف انسان عربي فلسطيني على الارض وذلك بالاضافة الى ملايين الفلسطينيين( بحدود الخمسة ملايين) الذين شردوا من بلادهم على مدى الستين عاما الماضية. يعيش في الضفة الغربية اكثر من مليونان ونصف فلسطيني بينما يعيش في غزة مليون ونصف في حالة حصار، و يعيش مليون وثلاثمائة الف فلسطيني عربي في اسرائيل الرسمية ويعدون مواطنون اسرائيليون( ناقصي الحقوق الوطنية والانسانية). ولو نظرنا لحالة الانسان العربي في فلسطين لوجدنا ان الذي يربط فلسطينيوا غزة بالضفة واسرائيل بفلسطينيي العالم هو الاضطهاد والشعور بالخسارة التاريخية للارض امام الة عسكرية اسرائيلية تسعى لاحلال مستوطنين يهود مكان سكان البلاد الاصليين، كما وتسعى لافقار ومحاصرة سكان البلاد الاصليين في احزمة من البؤس والفقر.  أن اساس الحركة الصهيونية لازال كما كان في السابق:  اخذ الارض من اصحابها والقيام بتهجيرهم الى مناطق عربية اخرى.
الحالة الاسرائيلية التي تمارس الاحتلال والحصار و المتواجدة على ساحل فلسطين و المتفوقة عسكريا علي العرب هي اقرب للحالة الاوروبية من حيث الدخل وقوة الطبقة الوسطى والامتيازات والاقتصاد والعلم الحديث وطريقة الحياة والرفاه.  من جهة اخرى نجد ان عالم الفلسطينيين يتكون من اسلاك شائكة وحياة شائكة، مناطق فقر وحصار وانتهاكات يومية وقمع واعتقال . في هذا يعيش الشعب الفلسطيني حالة فصل عنصري تفرضه أسرائيل في الحياة والامن وفي العمل والاقتصاد والاحتلال وطريقة الحياة  كما ويعزز هذا الفصل جدار كبير لم تجرؤ حتى جنوب افريقيا في السابق على تشييد مثيل له. ويقوم بحماية نظام الفصل العنصري الجيش الاسرائيلي بالاضافة الى نصف ميلون مستوطن وضعتهم اسرائيل في كل من القدس الشرقية والضفة الغربية  المحتلة.  من هنا ظلامية الموقف الراهن وصعوبته.
ان وضع كهذا قابل للاشتعال في اي وقت. صراع البلدين في بلد واحد او الشعبين في ارض واحدة متداخل مع صراع التحرر من الاحتلال. هذه مواجة بين الخمسة ملايين فلسطيني المتمسكين بالارض وهم يعيشون عليها وليس خارجها وبين الخمسة ملايين يهودي اسرائيلي الساعين لاخذ الارض وتهويدها.  هذا الصراع لم يتوقف ليوم في المائة عام الاخيرة ولكنه بالتأكيد لن يتوقف في العقدين او الثلاثة القادمين.
ان التركيز الكبير في الخطاب العربي على خلاف فتح مع حماس لا يغير من ان فتح وحماس تعبير لحركة مجتمع عربي مضطهد يواجه سياسة حصار وأقتلاع بوسائل مختلفة.  ان أسرائيل في وضعها الراهن ليست مستعدة للسلام مع الفلسطينيين  وذلك لانها تعرف جيدا ان السلام سيجعلها تدفع ثمنا لا تقوى الصهيونية على دفعه، أسرائيل لن تتخلى الان عن الاستيطان  وهي لن تتخلى عن النصف مليون مستوطن في القدس والضفة الغربية، كما انها غير قادرة على التعامل مع الفلسطينيين بعدالة و مساواة بما يعني ذلك من تعامل مع مشكلة اللاجئين بجدية ومسؤولية.  كما ان اسرائيل تواجه تحديا حقيقيا في مقدرتها التعامل مع يهود العالم، اذ تنظر اليهم بصفتهم مشروع هجرة وتجنيد للجيش وقتال ودعم مالي لبناء مزيد من المستوطنات في اراضي عربية محتلة.
لهذا من الصعب في هذه المرحلة الاجابة على السؤال: هل تقوم دولة فلسطينية أم دولة واحدة ديمقراطية لجميع الديانات، فالاجابة الان على السؤال: لا هذا ولا ذاك.  ان الامر الاساسي الان هو في كيفية تحدي الاحتلال والحصار والسعي لبقاء الفلسطينيين على الأرض في ظل تنمية المجتمع الفلسطيني. شعار اليوم هو المقاومة. لكن المقاومة لا يشترط ان تكون عسكرية، فأشكالها كثيرة وطرقها عديدة، وهي تعني في الجوهر تحدي التمدد الاسرائيلي وايقاف سعيه لابتلاع الارض وطرد السكان ومحاصرتهم مع العمل على تنمية قدرات المجتمع الفلسطيني ومؤسساته .
ان السلام لن يكون ممكنا بلا تغير كبير في المجتمع الاسرائيلي والرأي العام الاسرائيلي لصالح الاقتناع بأن مستقبل اسرائيل غير مضمون وغير ممكن في ظل الحرب والاحتلال.  ان مستقبل  إسرائيل الآمن يتطلب تغير جوهري في العقيدة الصهيونية تؤدي إلى مصالحة تاريخية تقوم على الحقوق والاعتراف بما قامت به الصهيونية بحق سكان البلاد الاصليين من العرب الفلسطينيين، لكن هذا سيتطلب من اسرائيل التعامل مع القضايا الحقوقية الاساسية الخاصة بالفلسطينيين كما حصل مع مجتمعات كثيرة تحررت من الاحتلال وكما حصل في جنوب افريقيا.  سيتطلب الامر صراعا مريرا قبل وصول الشعب الاسرائيلي لنتائج من هذا النوع.
المصدر: الأوان بتاريخ 08 فبراير 2010.
© منبر الحرية، 08 فبراير/شباط 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

الموقف الإيراني الدولي ينفخ في جذوة الخلافات العربية  المشتعله بين الحين والآخر بتصريحات تستفز الجانب العربي في مغازلة للإدارة الأمريكية الجديدة، هدفها الرهان على ردود أفعال كلا الطرفين .
هذه الحالة من التناغم و التنافر في العلاقات الإيرانية العربية نغمة ليست جديدة الإيقاع على هذه العلاقة الإجبارية الأزلية بين الطرفين، و لكنها أصبحت نغمة أكثر حدة و توتر في ظل التصعيد الإيراني لمناقشة ملفات لا حاجة لفتحها في الوقت الراهن، و التدخل المقصود في  الأزمات العربية التي لعبت إيران دور كبير في تفاقمها، بل و كان لها دور أكبر في نشوب بعضها من الأساس ،   بالإضافة لسياسة افتعال الأزمات وحرب الحناجر التي تنتهجها إيران بحدة مع الجانب العربي في الفترة الأخيرة .
لماذا صرحت إيران منذ عدة أشهر على لسان مستشار بارز لآية الله على الخامنئي أن البحرين المحافظة الإيرانية الرابعة عشر ؟
لماذا تصعد هذا الملف المفتوح منذ عام 1970 و له سوابقه التاريخيه حسب الزعم الإيراني؟، وما معنى التلويح لدول الخليج بالصمت إزاء هذه القضية حتى تسقط إيران من حساباتها المطالبة بحقها في الجزر الإماراتية الثلاث في الوقت الحالي ؟
لماذا جاء رد الفعل المغربي عنيفاً واستثنائياً  في دعمه للمنامة ؟
ماذا تعني الزيارات المعلنة وغير المعلنة للرئيس العراقي جلال طالباني والرئيس الإيراني أحمدي نجاد ؟
لماذا تدعم إيران البشير ؟
هل المنافسة غير المعلنة بين أحمدي نجاد وشمعون بيريز للتغلغل في أمريكا اللاتينية تعد دليل على نجاح السياسة الإيرانية في تحقيق أهدافها؟ وهل ثمة تهديد للمنطقة إذا صحت هذه الفرضية؟
الامتداد الشيعي في الدول العربية يمثل بيت القصيد في التوتر العربي الإيراني. والهاجس التاريخي هو الخلفية التي تستند عليها إيران في التبرير لأطماعها في الجزيرة العربية التي كانت تحت النفوذ الفارسي ثم استقلت عنه منذ أربعة قرون تقريباً حيث استولى عرب عتبة- آل خليفة- على الجزيرة، وطردوا الفرس منها واستقلو في حكمها .
و السؤال الذي يطرح نفسه منذ حرب تموز 2006 في جنوب لبنان و تصاعدت حدته بعد حرب غزة لماذا الآن تفتح هذه الملفات القديمة  ؟
الحقيقة أنه كما أشرنا آنفاً فمغازلة البيت الأبيض في ثوبه الجديد هي اللعبة النارية  الإيرانية الجديدة،  لكن اللعب بالنار لابد أن يؤذي في أقل خسائره المحتملة  أصابع من يحمل جذوتها ، لكن إيران ترى أنه قد حان وقت إعادة التوازنات في القوى السياسية في المنطقة العربية مهما كان الثمن المبذول لذلك .
وفيما يبدو فمساعي إيران لذلك ستؤتي ثمارها، فحضور إيران مؤتمر دولي حول أفغانستان بدعوة من واشنطن، ومن ثم سعيها للتفاوض معها بالرغم من التعنت البادي في الموقف الإيراني تجاه الملف النووي و عدم التزامها بقرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير،  يعني أن إيران استطاعت أن تمتلك أوراق ضغط جيدة لتسوية الملفات المفتوحه بينها و بين أمريكا. وإذا أحسنت استغلالها فور جلوسها على مائدة المفاوضات ، وفي ظل حالة الانقسام العربي تجاه التعامل مع الملف الإيراني وعدم وجود أجندة عربية موحدة من الأصل للتعامل مع القضايا العربية المشتركة أو مواجهة الأطماع الدولية، فسيظل التخوف من تسوية الملف الإيراني الأمريكي على حساب إعادة توازنات القوى في المنطقة لصالح إيران قائماً، والمد الشيعي في المغرب و العراق ومصر والسودان سيلعب دوراً أكثر خطورة في حرب طائفية إيرانية عربية عربية لن يسلم من نيرانها أحد، وستكون الأخطر على أمن المنطقة، ومما لا يخفي على أحد أن  تاريخ الحروب المذهبية دائماً هو الأعنف منذ عرفت الأرض لغة القوة .
لذا نجد المغرب وهي ليست دولة من دول الجوار الإيراني ولا مستهدفة في طموحاتها الاستعمارية ولا توازناتها الدولية، تأخذ موقفاً معادياً لها بقطع العلاقات بين البلدين في رسالة تحذير ليس المقصود بها إيران وحدها، ولكنها أيضاً تحمل في طياتها رسالة  قوية وجهتها الدولة المغربية لنشطاء التيار الشيعي بالمغرب وحتى داخل الجاليات المغربية المتواجدة في أوروبا .
والتخوف المصري من المد الشيعي الذي أعلن عنه الشيخ يوسف القرضاوي منذ عدة أشهر، وتصاعد حدة لهجة الخطاب السياسي بين إيران الشيعية،  و السعودية  السنية، و الدعم الإيراني للشيعة في العراق، و لكل الفصائل المسلحة المعادية للحكومات يبدو جلياً في لبنان  و فلسطين، ورأينا ثمرة هذا الدعم في حرب  حزب الله الأخيرة في جنوب لبنان و حرب غزة الأخيرة مع إسرائيل  بدعم إيراني لحماس.
فإلى متى ستظل إيران تلعب دور نافخ الكير في المنطقة  ساقطة من حساباتها  دماء آلاف الضحايا من المدنيين؟
إلى أي مدى يمكن للهاجس الشيعي الإيراني أن يشعل فتن طائفية داخل الدول لتتحول لمذابح كبرى ؟
و هل هذا كله من أجل استعادة الإمبراطورية الساسانية في إطار جديد لنموذج فارسي أكثر تطوراً يحمل كل وسائل التكنولوجيا ويسعى للتفوق في امتلاك كل أسلحتها ؟
إلى أي مدى  سيمتد الهاجس الطائفي و التاريخي الفارسي الشيعي  ليلتهم كل الأعراف والقواعد الإنسانية و احترام المذاهب  المفروض بين الدول الإسلامية ؟
© منبر الحرية، 03 فبراير/شباط 2010

حواس محمود17 نوفمبر، 20100

السلطة التركية بقيادة رجب طيب أردوغان الذي يتزعم حزبه حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا ، قامت وتقوم بأدوار إقليمية باتت مكشوفة إلى حد كبير ، فابتداء بالتوسط بين سورية وإسرائيل عبر مفاوضات غير مباشرة لإيجاد تسوية سلمية بين الطرفين، وانتهاءا بالتوسط بين حماس وإسرائيل عبر منافذ قطرية عربية كمصر وسوريا وقطر، ودولية كفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الأدوار باتت   تؤتي ردود فعل  مكشوفة  – ولو في إطار النخبتين السياسية والثقافية العربية –  تتسم بالتشكيك والريبة والتساؤل ، وكل ذلك بسبب ما يحيط بالتحرك التركي في المنطقة من مخاوف عودة ” العثمانية” إلى العالم العربي عبر القضايا العربية ودرج على تسمية هذه العثمانية ب” العثمانية الجديدة”.
إن تركيا الأردوغانية لم تكن لتستطيع أن تقوم بهذه الأدوار الإقليمية لولا الضعف العربي الذي بات مكشوفا إلى حد كبير أمام اللوحتين الإقليمية والدولية، مما أدى ويؤدي إلى إغراء العديد من القوى الإقليمية والدولية للتحرك وبسط النفوذ من خلال هذا الانكشاف الواضح، فهنالك الانقسام الواضح ضمن النظام الرسمي العربي بين دول الاعتدال  ودول الممانعة ، وتأخر الدول العربية في المجالات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والتنموية. هذا التأخر أثر وبشكل كبير في المستوى  السياسي مما أدى إلى غياب الديناميكية السياسية القادرة على التعامل مع قضايا العالم العربي الداخلية والخارجية بحيوية فائقة.
ومن المفارقات العجيبة حقا أن يتعاطف زعماء تركيا مع قضية أهل غزة وفلسطين الذين تعرضوا للعدوان الإسرائيلي، وهم يقومون  بنفس الوقت بقمع الكرد في تركيا ويمنعون عنهم لغتهم وتراثهم، وتمنع أحزابهم من العمل السياسي ويزج بالسجون آلاف المناضلين الكرد في سبيل حقوقهم القومية المشروعة !  علما أن القضيتين  تتشابهان في الظلم وإنكار الحقوق القومية ومنع تقرير المصير سواء للشعب الفلسطيني  من قبل إسرائيل أو للشعب الكردي من قبل السلطة التركية ، فهل الشعب الفلسطيني شعب والأكراد هم ليسوا شعبا أو كما يسميهم الشوفينيون  الأتراك  ب “أتراك الجبال ” !
إن قيام تركيا بهذا الدور الذي يتلخص في منع حقوق الكرد القومية داخلها والبكاء على حقوق الفلسطينيين في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة خارج نطاق الإقليم التركي، يمكننا إدراجه ضمن ازدواجية  واضحة المعالم والتجليات ، إذ كيف يمكن تصديق   هذه اللعبة الازدواجية المثيرة للاستغراب والاندهاش للمراقب السياسي؟  ، الذي ينظر برؤية سياسية دقيقة ومتمعنة وثاقبة ،ولكن من المستغرب حقا  أن  تنطلي لعبة  السلطة التركية هذه على قطاعات واسعة من الشعب العربي ، فإذا كانت تركيا تريد حقا أن تتعاطف مع العرب فهل ستضحي بعلاقاتها الإستراتيجية مع إسرائيل ؟ وهل ستلجأ إلى إلغاء  الاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل في وقت قريب ؟
ويتجلى النفاق التركي أيضا  في الرغبة بانضمام تركيا إلى السوق الأوربية المشتركة وفي نفس الوقت تحسب نفسها ضمن الدول الإسلامية في المنطقة، وهذا يأتي كانعكاس عن الثقافة الإسلامية  على صعيد الشارع التركي من جهة والثقافة العلمانية الكمالية على صعيد العسكر والنخبة السياسية ذات النفوذ القوي في دوائر السلطة والقرار في تركيا ( الأمن القومي التركي) من جهة أخرى.
وإلى حين أن تستطيع تركيا حل تناقضاتها الداخلية والخارجية ستظل تلعب أدوارا مزدوجة خارجيا بإقامة علاقات مع  إسرائيل والغرب وبنفس الوقت نسج علاقات مع الدول العربية والإسلامية.
إن مشكلة العالم العربي أنه بقي عصيا – حتى الآن- على التحولات الديمقراطية على الصعيد العالمي مما أخرها عن ركب الحضارة العالمية ، وما أدى ويؤدي  إلى أن تأتي قوى إقليمية ودولية للتدخل في قضايا هي في صميم مسؤوليات دول هذا العالم
ولذلك نرى أن دولة أخرى تتدخل وبقوة وهي إيران، وتحاول بسط نفوذها الإعلامي والسياسي على سطح القشرة الدماغية للإنسان العربي بإقناعه بأنها قوة إسلامية قادرة على حل العديد من القضايا العربية وأهمها قضية فلسطين.
© منبر الحرية، 02 فبراير / شباط 2010

عياد البطنيجي17 نوفمبر، 20100

تلتقي “حماس” وإيران بمصالح متبادلة؛ فمن جهة تحتاج إيران لـ”حماس”، ليس فقط كما يروج إعلاميا كورقة ضغط في وجه إسرائيل، بحكم أن “حماس” لديها منظومة عسكرية قادرة على إقلاق إسرائيل بضربات موجعة بيدٍ “حمساوية” موجهة من صانع القرار القابع في طهران، لاسيما أن “حماس” ترفض عملية “السلام” وتتبني المقاومة كخيار استراتيجي ومنضوية تحت لواء ما يسمى بـ”الممانعة” بزعامة إيران. وما “حماس”- والحالة كذلك – إلا يد إيران الضارية في خاصرة إسرائيل الجنوبية.  وتحتاج “حماس” إلى إيران كرافعة وسند في مواجهة جبهتين تنظر إليهم “حماس” كعدوين وهما: إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية ومن ورائها حركة “فتح”. وفي الوقت الذي وجدت “حماس” نفسها محاصرة والأبواب العربية موصدة أمامها، وفي الوقت ذاته تستفيد السلطة الفلسطينية وحركة “فتح” من الدعم العربي، تحرم “حماس” من هذا الدعم بعد فوزها الكبير في الانتخابات التشريعية الثانية في يناير 2006. لذا تجد “حماس” أن علاقتها مع إيران وسورية مهمة لها لكي توازن علاقة السلطة الفلسطينية وحركة “فتح” مع أطراف عربية كمصر والسعودية. لذا تصبح إيران مهمة بالنسبة إلى “حماس” كي تتكئ عليها وتستقوي بها في إطار صراعها الداخلي وكذلك لمساومة محور ما يسمى بـ “الاعتدال” العربي، خاصة أن هذا المحور قاطع “حماس”.
في الحقيقة أن الدعم الإيراني لـ”حماس” ليس هذا هدفه، أي إقلاق إسرائيل وتشكيل نتوء يوخز خاصرتها كالنصل المسنونه، واختراق المجال الحيوي لإسرائيل، فالهدف أعمق وأشمل من ذلك، لاسيما أن “حماس” لا تشكل رافعة لإيران ولا مصدر قوة يمكن أن تتكئ إيران عليها في حال وصل التناقض إلى ذروته مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في ما يخص المسألة النووية، بل إن الدعم الذي تحتاجه إيران أكبر من قدرات “حماس” أو أي تنظيم  فلسطيني آخر.
نعم تستطيع حماس أن تثير المتاعب والقلاقل لصالح إيران، أو تسخين الجبهة الجنوبية ضد إسرائيل، ولكنها لا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك. وحتى الآن لم يثبت بالفعل إن كانت “حماس” خاضعة للقرار الإيراني أم لا. ليس معنى ذلك إنها ليست كذلك، أي تابعة لإيران، بل القصد هنا أن الحكم على مدى خضوع “حماس” لصانع القرار الإيراني لم يحن بعد. فمن الناحية الموضوعية لم تحن لحظة الحكم على مدى تبعية “حماس” لإيران، وأي حكم في هذا الخصوص هو حكم أيديولوجي وليس حكما علميا. وسنتحدث عن ذلك بعد سطور.
فلإيران أهداف إستراتيجية كبرى من جراء دعمها لـ”حماس”، أبعد من استعمال الأخيرة كورقة كما يروج. فلإيران دور إقليمي تسعى إليه بما يتواءم مع إمكانياتها وقدراتها كدولة محورية في المنطقة،  لذا فهي ترى نفسها تستحق دورا إقليما  متميزا وإن لم يعترف بهذا الدور فستعمل على انتزاعه عنوة.
وعليه، فإن أي دور لأية دولة في منطقة المشرق العربي لا بد أن يكون العبور إليه من خلال البوابة الفلسطينية. ودعم إيران لـ”حماس” يهدف إلى  الدخول لهذه البوابة التي ستفتح آفاقا لها في المشرق العربي كون القضية الفلسطينية هي “قضية العرب الأولى”. “فقضية فلسطين واستمرار الاحتلال والغطرسة الإسرائيليين هي بوصلة القيادة الإقليمية. شئنا أم أبينا، مللنا من القضية أم لم نمل، طالت أم قصرت، برزت قضايا وحروب أخرى «تنافس» على ترؤس الأجندة الإقليمية أم لم تبرز، تظل قضية فلسطين (طالما لم تحل) هي الباروميتر الذي يحكم من خلاله الرأي العام وغيره على أهلية ودور وموقع هذا البلد أم ذاك” (خالد الحروب، حتى لا يصل جدار غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية، الحياة, 27 ديسمبر 2009).
وهذا ما تقوم به تركيا، فـ”التشدد التركي حيال إسرائيل لقي استحساناً جماهيرياً، ونخبوياً عربياً ولو من الباب العاطفي والشوق العربي إلى قيادة عربية أكثر جرأة في مواجهة الإذلال المتواصل الذي تمارسه إسرائيل حيال الفلسطينيين والعرب”. وتعود تركيا إلى الشرق الأوسط من بوابة الصراع العربي – الإسرائيلي، تماماً كما أمنت إيران حضوراً سياسياً طاغياً في المنطقة أيضاً من بوابة هذا الصراع. فالتأييد الذي يلقاه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان لدى العرب الآن، مصدره الموقف التركي المعارض بشدة للحرب الإسرائيلية على غزة قبل عام. لذا ليس مستغربا أن ترفع صور طيب رجب اردوغان في غزة.
وبالتالي إن الدعم الإيراني لفلسطين من خلال “حماس” ما هو إلا تعبير رمزي ليس إلا. ومن هنا  فالدعم الإيراني-كما تريد إيران- لـ”حماس” أصبح رمزا دالا على مقاومة المشروع الصهيوني في المنطقة، ورفض الهيمنة الأمريكية، والدفاع عن القضية الفلسطينية، والقدس، والشعب الفلسطيني المغبون، كل ذلك له مكانته المقدسة لدي العرب والمسلمين. وبذا تحصل إيران على المكانة التي ستجنيها من جراء ذلك.
وهكذا فإن الدعم الإيراني  لـ”حماس” ما هو إلا تعبير رمزي تريد إيران أن تظهر من خلاله بأنها رمز يدل على القوة والعظمة الإيرانية؛ لأنها تسير بخط مناقض لاتجاه المشروع الصهيوني وهو أمر مرغوب عند الشعوب العربية. وتريد إيران أيضا أن تظهر من خلال هذا الدعم أنها حاملة المشروع “النضالي المقاوم والممانع” ضد الوجود الصهيوني والشيطان الأكبر، وحامية حمى القدس والملة،  في وقت خذلان النظام العربي، من تقديم أي دعم للمقاومة وتعزيز صمود الفلسطينيين. وتصبح إيران-والحالة كذلك- رمز “المقاومة” والصمود في المنطقة، مقابل تراجع واستسلام وتخاذل النظام العربي. ورمز التحدي والقوة، مقابل الرضوخ والضعف، ورمز الجرأة والمبادرة والفعل، مقابل الجبن والبقاء كطرف مفعول به.
وبالتالي تكتسب إيران رصيداً وأهمية في الشارع العربي حين يبدو أنها تتبنى “قضية العرب الأولى” التي تخلت عنها الأنظمة العربية والتفتت لقمع شعوبها. في الوقت الذي تبدو فيه طموحات إيران النووية رامية عموماً لأن تصبح لاعباً رئيساً على الساحة الإقليمية وتتبوأ لقيادة العالم الإسلامي(أم القرى بالتعبير الإيراني) على نطاق أوسع. وهذا ما يفسر ميل الشارع العربي إلى إيران، وهو ميل ليس حبا في إيران بقدر ما هو تأييد لها كتعبير رمزي أيضا مبعثه الشعور بالغبن في عالم يتجاهل العرب وقضاياهم، في عالم يناصر الأنظمة العربية التسلطية ويغض الطرف عما تفعله بالشعوب التي تتحكم بها، في ظل مجتمعات عربية مكبوتة، مهانة، محتقرة، وأمراض تنخر في أحشائها. وهنا يجنح المظلوم لردود الأفعال، فعندما يتشيع هذا في فلسطين، أو ذاك في المغرب العربي  فهو تعبير رمزي عن فعل له معنى عند هؤلاء المتشيعين، تعبير عن حالة الظلم والاستهانة والضعف، وجد هؤلاء بإيران كحالة نقيضه لما أصاب المشروع النهضوي العربي من تردي وانهيار وضعف.
بالتأكيد إن إيران لن تطلق طلقة واحدة من أجل فلسطين، ويبقى دعمها فقط دعما معنويا وشعاراتيا. فماذا فعلت إيران لأهل غزة  في محنتهم إثر  العدوان الإسرائيلي على القطاع، حيث اكتفت بالتنديد والشجب والاستنكار، وعمليا لم تفعل شيئا، بل جيرت العدوان وما ترتب عليه من نتائج لخدمة مصالحها وإستراتيجيتها الشاملة في المنطقة من خلال إضعاف خصومها وإحراج النظم العربية الحاكمة  وإظهار نفسها كقوة تدافع عن الحق الفلسطيني في الوقت الذي يتراجع العرب عن ذلك. وماذا فعلت إيران بالحصار المضروب على غزة، اكتفت فقط بالتنديد بالصمت الذي تلتزمه الدول العربية تجاه الحصار متهمة بعض الرؤساء العرب بالتآمر على غزة مثلما تآمروا على لبنان خلال العدوان الإسرائيلي عام 2006، وشنت هجوما إعلاميا ودبلوماسيا ضد السعودية ومصر. هكذا جيرت إيران العدوان والحصار لإضعاف خصومها في المنطقة وإظهارهم بمظهر الضعفاء وتعريتهم أمام شعوبهم، من خلال لومها للعرب في تقصيرهم بحق القضية الفلسطينية، وإضعاف النظم العربية والقيادات الحاكمة، وإظهارها بمظهر النظم الراضخة للمشروع الصهيوني، لاكتساب أرضية جديدة وإحراز النقاط في مرمى الحكام العرب .  وبالتالي فإيران لم تقدم للفلسطينيين سوى الشعارات والخطابات. إذن لم يختلف الموقف الإيراني عن نظيره العربي. ولكن الاختلاف فقط في حدة اللغة والخطاب والشعار الذي لامس مشاعر وأحاسيس الجماهير العربية المغبونة وهي جماهير تعشق الخطاب المشحون  المفعم  بالانفعالات واللغة الحادة البعيدة كل البعد عن الفعل العملي العقلاني. وهو خطاب يجد طريقة في تربة  محرومة ومتعطشة للخطاب الحماسي والعاطفي؛ لأن مستوى عواطفها (الجماهير) يزيد كثيرا عن مستوى وعيها وفهمها العقلاني. هذا الخطاب استطاع أن يغزو عقلها سريعا. وبالفعل وجدت إيران تأيدا لها في الشارع العربي.
والهدف الآخر من الدعم الإيراني لـ”حماس”، هو تجسير الفجوة بين المصلحة القومية الإيرانية وأيديولوجيا الثورة الإسلامية المتجسدة في النظام الحاكم(الثيوقراطي). إن السياسة الخارجية الإيرانية تأسست على ركيزتي المصلحة الوطنية والأيديولوجية الإسلامية داخل إطار الإرث الإمبراطوري التاريخي ضمن أفق للتطلع للعب دور الدولة الإقليمية المهيمنة. والفكرة الرئيسية هنا أن أحد المرتكزات الرئيسية للسياسة الخارجية الإيرانية-كما ينص الدستور الإيراني- هو الدفاع عن المستضعفين والعداء للمستكبرين، والدفاع عن وحدة الأمة الإسلامية. المشكلة هنا  أن السياسة لا تعمل ولا تتحرك من منطلقات أخلاقية ومبدئية، فالسياسة هنا هي فن الممكن، وهي تقوم على أساس المصلحة أولا وقبل كل شيء. وهذا صحيح فجميع الأنظمة تتعامل مع الأحداث والصراعات والخلافات السياسية من منظور المصلحة السياسية، وأن مصالح الأمن هي أكثر ما يحرك الدول، ويستنهض هممها، لذا فإن الدول تهتم أشد الاهتمام بالمحافظة على قواتها وتعزيزها. وبالتطبيق على إيران التي تحاول أن تجمع بين مصلحتها القومية وإيديولوجيتها الإسلامية، نجد في سياستها الخارجية الكثير مما يخالف هذه الرؤية، أي إيديولوجيتها الإسلامية، فالعراق وأفغانستان يمثلان الدليل الناصع على ذلك . لذا تكون فلسطين أو بالأحرى “حماس” والمنظمات الفلسطينية الأخرى التي تتلقى الدعم الإيراني، حلا لهذا الإشكال. فمن خلال دعمها لـ”حماس” تؤكد  إيران التزامها الإيديولوجي(العقدي) تجاه القضية الفلسطينية، ويشكل ذلك الأنموذج لنشاطها  المرتكز على البعد الإسلامي للصراع. وهكذا تثبت إيران أنها ملتزمة بمرجعيتها الدينية في أهم قضية إسلامية ألا وهي القضية الفلسطينية. وبذا تعطي لنفسها الحق في الاعتراض على كل من يدعي أن ما يحرك سياستها هو مبدأ مصلحي أناني فقط منزوع من أي بعد إسلامي عقدي، فبدعمها لـ”حماس” تثبت إيران العكس.
قلنا في مقدمة المقال إن الحكم على تبعية  “حماس” لإيران يصعب إثباته بطريقة علمية، حيث أن المحك أو المعيار العلمي في الحكم على مدى استقلالية “حماس” أو تبعيتها هو تناقض مصلحة الأخيرة مع المصلحة الإيرانية مع بقاء استمرار “حماس” تأدية دور يصب في مصلحة إيران لا مصلحتها هي.  وفي الحقيقة أن هذه المرحلة لم تأت بعد. يمكن أن يقال- مثلا -أن “حماس” تعرقل المصالحة الوطنية بقرار إيراني، وهو ما قيل بالفعل. نقول إن هذا لا يعتبر مؤشر على التبعية؛ لأنه “حماس” لا تريد المصالحة في هذا الوقت، أي قبل ضمان الاعتراف الأمريكي أولا والاعتراف العربي ثانيا بها كقوة لها دورها في النظام السياسي الفلسطيني، أي اعتراف الخارج بها كقوة بديلة عن “فتح” ومنظمة التحرير وأنها بوابة الدخول إلى القضية الفلسطينية. لذا فإن المصلحة متطابقة وليست متعارضة بين “حماس” وإيران.
ومع ذلك أرى كباحث ومراقب لعلاقة الفصائل الفلسطينية وطريقة تعاملها مع الخارج وبخاصة مع إيران وسورية، أن بعض هذه الفصائل لا تستند في علاقتها مع الخارج على أساس القوة والندية والاعتزاز بالنفس كونها تحمل قضية مقدسة لدى المسلمين والعرب، أي القضية الفلسطينية، بل تتعامل بضعف وبمستوى متدني من القوة والثقة بالنفس، وهذا قد يكون شرطا نفسيا لقبول الاستتباع  للخارج. ومن مؤشرات ذلك إن بعض القيادات الفلسطينية في مقابلتها لدول كإيران أو سورية كانت تطالب بأن تكون علاقتها عبر وزارة الخارجية لا عبر الأجهزة الأمنية كتعبير عن القوة والندية في العلاقة، ومع رفض هذا المطلب، تقبل هذه القيادات في النهاية أن يكون التنسيق من خلال الأجهزة الأمنية، وهو الشكل الغالب في علاقة هذه القيادات مع هذه الدول. وهذا يدفعنا إلى التشكك والتوجس من تبعية الفصائل الفلسطينية لسورية وإيران رغم عدم ثبوت ذلك بأدلة علمية وموضوعية قاطعة كما بينا سابقا. ونتمنى بأن نكون مخطئين في ما ذهبنا إليه وأن لا ينطبق ذلك على علاقة “حماس” بإيران.
وما يدعو للدهشة أيضا ويضع علامة استفهام على طبيعة هذه العلاقة، هو ما صرح به خالد مشعل زيارته إلى طهران في ديسمبر 2009، “إن الحركات الإسلامية في المنطقة ستقف جبهة واحدة مع إيران إذا تعرضت لهجوم من جانب إسرائيل”. وبرغم أن مشعلا ليس ناطقا باسم الحركات الإسلامية في المنطقة لكي يحدد ردود أفعالها؛ إلا إذا كان مطلعا على ذلك وأن هناك تنسيقا بالفعل بين هذه الحركات وأن لديهم رؤية واضحة تجاه هذه المسألة. والتساؤل هنا ما هو طبيعة الدعم الذي يمكن أن تقدمه الحركات الإسلامية لإيران؟ إلا أن هذا ما يدفع إلى التخوف والتشكك في مدى استقلالية “حماس” عن  إيران. ومع ذلك نقول إن لحظة الحسم لم تأت بعد، ويمكن أن يكون موقف مشعل موقفا تكتيكيا بغرض الحصول على المال الإيراني ليس أكثر من ذلك.
© منبر الحرية، 20 يناير/كانون الثاني2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تمر الولايات المتّحدة بحالة تاريخية من الوهن والضعف نتيجة لقرارات إدارة بوش الابن السابقة الخاطئة، التي أغرقت القوة العظمى في وحول العراق وأفغانستان والعبء المالي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الناتج عن هذه الحروب. ثم جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية لتعقّد وضع واشنطن في النظام العالمي، وكان نتيجة ذلك أن أتت إدارة جديدة بقيادة الرئيس أوباما تحت عنوان التغيير في محاولة لتدارك الأمر.
هذا التغيير يحمل ضمنا عدّة مفاهيم طارئة على الوضع دفعت الأمريكيين إلى إعادة النظر في عدد من الأمور التي كان ينظر إليها كمسلّمات. فالقوة العسكرية على سبيل المثال لم تعد الملجأ القادر على حل المشاكل، بل أصحبت مشكلة تعقّد الأوضاع وتضعف من مكانة الولايات المتّحدة العالمية. على الصعيد الديبلوماسي أيضا أصبح هناك شعور راسخ بأهمية التعاون مع القوى أخرى في المنظومة العالمية لانّ المشاكل والتحدّيات أكبر من أن تقوم دوما لوحدها بحلّها مهما بلغت من قوّة وعظمة.
ومن ضمن المواضيع التي شهدت إعادة نظر أيضا القضية الفلسطينية. فالأمريكيون بشكل عام والإدارة الأمريكية بشكل خاص، تدرك أنّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والصراع العربي-الإسرائيلي أصبح يقوّض وضع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم. ولان أمريكا لم تعد بالقوّة التي كانت عليها من قبل، ولان مشاكلها تفاقمت، ولان القضية الفلسطينية أصبحت محرّكا لكل من يريد معاداة أمريكا، ولان الأمن القومي الأمريكي أصبح مهددا بسبب هذه الإشكالية قبل هذا وذاك، أصبح حل هذه المعضلة أمرا أساسيا.
نتانياهو يعلم الحقائق الضاغطة باتجاه إسرائيل، ولذلك هو منذ انتخابه عمد إلى اللجوء لعدد من التكتيكات الديبلوماسية المهمة التي تعطينا درسا في كيفية التملّص من الالتزامات والتهرّب من الضغوط:
1- الملف الإيراني: تذرّعت إسرائيل بداية بالخطر النووي الإيراني والتهديد الوجودي الذي يفرضه على إسرائيل في محاولة لاستعطاف أمريكا والغرب وتحويل الأنظار عن شرط الوقف الكامل للاستيطان كمقدمة لإجراء مفاوضات تفي إلى التوصل لتسوية ليست لصالح إسرائيل ولا تريدها. وكانت الولايات المتّحدة قد عبّرت سابقا عن حنقها من التصرفات الإسرائيلية عبر رفض استقبال رئيس الأركان الإسرائيلي غابي أشكنازي في زيارته في بداية العام إلى واشنطن، حيث تفادى أي مسؤول أمريكي رفيع المستوى مقابلته وشمل ذلك حتى نظيره الأمريكي مايكل مولن، واقتصر لقاؤه على مستشار الأمن القومي الجنرال جيمس جونس الذي رفض الخوض معه في الملف النووي ودعاه إلى التركيز على ضرورة التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين.
كما رفضت الإدارة  الأمريكية منح مبعوث نتنياهو إلى واشنطن مستشار مجلس الأمن القومي “عوزي أراد” تأشيرة دخول علما أن الأخير ممنوع أصلا من دخول الولايات المتّحدة لعلاقته بمسؤول البنتاغون لاري فرانكلين في فضيحة نقل خطط أمريكية حول إيران إلى إسرائيل عبر اللوبي اليهودي “ايباك”.
2- فخ التجميد المؤقت للمستوطنات: لجأت حكومة نتانياهو في مرحلة لاحقة إلى طرح فخ التجميد المؤقت للاستيطان (مدّة 6 أشهر)، للالتفاف على الضغوط الأمريكية وحشر الفلسطينيين، أي انّها تكون بذلك نفّذت شرط وقف الاستيطان “شكليا” وأرضت الأمريكيين، ثمّ أجبرت المفاوض الفلسطيني على التفاوض من دون الحصول على أية مكاسب حقيقية خاصةّ أنّ الاستيطان سيتواصل فيما بعد. وأمام التعنّت الإسرائيلي والتمسّك بهذا الطرح، قام الأمريكيون بنقل الضغط على الجانب الفلسطيني للقبول به، لكن الموقف السعودي أطاح بهذا الالتفاف عندما أعلن بشكل وزيرة الخارجية سعود الفيصل بشكل واضح وقوي وفي خطوة نادرة في نيويورك رفضه المماطلة والتسويف الإسرائيلي عبر تكتيك الوقف المؤقت للاستيطان، أو طرح التطبيع الشامل قبل الحصول على خطوات إسرائيلية جدّية.
3- التلاعب على الانقسام الفلسطيني وتعميقه: اعتمدت الديبلوماسية الإسرائيلية أيضا على التلاعب على مسالة الانقسام الفلسطيني، والمفارقة في الأمر أنّ الحكومة الإسرائيلية عملت على تعميق الانقسام من خلال تقويض السلطة الوطنية لصالح خصومها على اعتبار أنّ الأولى منخرطة في الجهد الأمريكي والعربي لانتزاع تنازل من إسرائيل في حين أنّ خصومها يعارضون العملية السلمية وهو ما يخدم إسرائيل حاليا، وذلك لان المصالح الإسرائيلية الحالية تتقاطع مع مبدأ هؤلاء من حيث رفض التفاوض. فلا إسرائيل تريد خوض مفاوضات من موقع المضغوط عليه، ولا خصوم السلطة يريدون مفاوضات من أساسه، ولذلك شهدنا تحركات باتجاه هذا التقاطع الذي يعزل السلطة وبالتالي يفشل الجهود الأمريكية من خلال تسريب الإسرائيليين لإمكانية عقد صفقة للأسرى وهو بالتأكيد ما سيعزز من وضع حماس في الداخل الفلسطيني، كما عبّر موفاز في محطات عديدة عن إمكانية استبدال السلطة بحماس عن طريق التفاوض مع الأخيرة.
4- التذرّع بعدم وجود شريك فلسطيني: بعد تعميق الانقسام الفلسطيني والتلاعب عليه، طرحت الحكومة الإسرائيلية موضوع عدم وجود شريك فلسطيني للسلام، على اعتبار أن حماس لا تفاوض وانّ الرئيس الفلسطيني لا يصلح لان يتم التفاوض معه، فهو ضعيف ولا يمثّل كل الفلسطينيين في ظل الانقسام الحاصل، وطلبت إسرائيل بالتالي تأجيل التفاوض إلى حين حل المشكلة الفلسطينية المتمثلة في الانقسام. وكأن الإسرائيليين يأبهون للوحدة الفلسطينية، بل إن هذا الانقسام يخدمهم في التهرب من مسؤولياتهم ومن الضغوط المفروضة عليهم ويحررهم من أي تنازل ممكن.
4- الاستفتاء الشعبي: آخر أسلحة الديبلوماسية الإسرائيلية كانت اللجوء منذ أيام إلى إقرار مشروع قانون يلزم الحكومة الإسرائيلية بإجراء استفتاء شعبي قبل أي انسحاب إسرائيلي من أراض محتلة. والمراد طبعا من إقرار هكذا المشروع، التحصّن ببعد شعبي يدعم التعنّت الحكومي بعدم الاستجابة للضغوط الأمريكية والمطالب العربية. ومن شأن هذا التشريع أن يفرغ أي مفاوضات مستقبلية أو أي قرار دولي أو حتى إسرائيلي بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، إذ سيتم التحجج بوجود أغلبية شعبية معارضة للانسحاب، وبالتالي نقل الضغط من الجانب الإسرائيلي إلى الجانب الفلسطيني والعربي باتجاه دفعه إلى تقديم المزيد من التنازلات والتراجعات.
يحسب للرئيس أوباما وعلى العكس من الرؤساء الأمريكيين السابقين انّه تحرّك منذ توليه لمنصبه، وان لم يكن قد توصل إلى أيّة نتائج تذكر بعد، ومن غير المعروف ما إذا قادرا أصلا على تحقيق أية نتائج في هذا الإطار. لكن الوضع الإسرائيلي يعطينا مؤشر بتعرّضه لضغوط كبيرة، لكن المطلوب أن تبقى هذه الضغوط الأمريكية موجهة إلى الجانب الإسرائيلي وان تزداد وان لا تتحول باتجاه الفلسطينيين أو أن يتم فقدان الأمل وبالتالي إعطاء الحرية لإسرائيل في غيّها ومماطلتها. هناك العديد من التجارب التاريخية التي تشير إلى أنّه وعند التضارب بين مصالح الأمن القومي الأمريكي وبين مصالح إسرائيل، فان واشنطن تدافع بشراسة وقوة عن أمنها القومي حتى وان تطلب ذلك إجبار إسرائيل الحليف الاستراتيجي على التراجع واتخاذ خطوات لا يحبّذها. في العدوان الثلاثي على مصر على سبيل المثال، أجبرت واشنطن الحكومة الإسرائيلية على الانسحاب والتراجع وقالت جولدامائير في حينه بما معناه بانّ القرار الأمريكي أذل إسرائيل وأجبرها على فعل ما لا تريد. وقد تكرر الأمر أيضا في عهد بوش الأب التي هدد إسرائيل بوقف المساعدات المالية والعسكرية المخصصة لها فما كان منها الاّ أن لبّت طلبه.
صحيح أن الإدارة الأمريكية لم تستعمل بعد كل الأوراق ولم تضغط بالشكل القاسي المفترض ، لكن المطلوب عربيا تزويد أوباما بالأدوات التي يحتاجها أيضا في الضغط على إسرائيل، لا التفرج على جهوده ومن ثمّ القول بأنه لم يغير شيئا. ويمكن الإشادة في هذا الإطار بالتحرّك الأوروبي الأخير سواء عبر المشروع السويدي الذي طرح مؤخرا أو عبر بيان المجلس الأوروبي حول عملية السلام والاعتراف بالقدس ورفض قيام إسرائيل بفرض أمر واقع عبر تغيير الوقائع على الأرض وتهجير الفلسطينيين وإقامة المستوطنات وتغيير التركيبة السكانية للقدس، والذي يصب أيضا في دعم المجهود الأمريكي خاصة أنّ العديد من التقارير البحثيّة الأمريكية الصادرة حديثا تعترف بضرورة حل القضية الفلسطينية وان لزم الأمر الضغط على إسرائيل، علما أن هذه التقارير تشير أيضا إلى إمكانية أن يتسبب هذا الضغط بمشاكل للرئيس اوباما في الداخل الأمريكي ويعرقل بالتالي مسيرته وتقدمه سواءا عبر اللوبي الصهيوني أو عبر أعضاء الكونجرس المواليين لتل أبيب.
© منبر الحرية، 14 يناير/كانون الثاني2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تحتل إيران مجددا واجهة ومركز مسرح الأحداث الدولية. إذ تواصل إدارة أحمدي نجاد تصعيدها و الدفع نحو رد فعل عالمي قد لا يخلو من هجمة عسكرية. خلال ذلك، يواصل الرئيس أحمدي نجاد تعزيز سلطته ليظهر بمظهر الرئيس الأقوى منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
وما تصعيد التوتر بين إيران والمجتمع الدولي حول برنامج إيران النووي سوى مظهر آخر من العسكرة الفعلية للنظام الإسلامي. وقد أصبح هذا التوجه واضحا جدا غداة  القمع الوحشي للإحتجاجات الشعبية التي تلت الانتخابات الرئاسية المزوّرة في حزيران (يونيو) الماضي.
لقد صمم هذا القمع للقضاء المبرم، وإلى الأبد، على الحركة الديمقراطية الواسعة، وتأسيس نظام عسكري بدلا عنها. فقد أسس أحمدي نجاد وحلفاؤه سيادتهم على حساب النخب الدينية للتغطية عن سلطة الخميني القائد الأعلى، وعلى مختلف المجالس الحاكمة ذات الغالبية الدينية.
لقد تغيرت مجموعة من المعطيات مع انتخاب أحمدي نجاد عام 2005. فبالرغم من أن السلطة السياسية مركزة بين يدي القائد الأعلى — إلا أن أحمدي نجاد أستخدم سلطاته الإدارية ليقوم بتعيين الموالين له في الحكومة المركزية وحكومات المحافظات، فضلا عن منحهم المناصب الرئيسة، الاقتصادية منها والتربوية.
كما أنه أولى أهتماما خاصا بهيئات الشرطة الأساسية، واستبدل قادتها الكبار، وحوّل الموارد الاقتصادية إلى أتباعه الموالين له – ومن بين هؤلاء شركة خاتم النبيين التي فازت بأول عقد لها بقيمة العديد من المليارات من الدولارات لتطوير أحد الحقول النفطية. وعلى مدى السنوات القليلة القادمة، ستمتد سيطرة قوات الأمن لتهيمن على الجيش، والإعلام، وجميع نواحي الاقتصاد الإيراني.
كما أن عسكرة النظام الإسلامي قد أتسعت لتحكم قبضتها على السياسة الخارجية للبلد. فموقف المواجهة المتزايد الذي تتخذه إيران بشأن برنامجها النووي إنما يعكس مصالح قوات الأمن في إبقاء إيران معزولة متغطرسة – فتطبيع العلاقات مع الغرب، ولا سيما مع الولايات المتحدة، يعبر تهديدا قويا لبقاء النظام ودورهم القوي.
سيكون الشرق الأوسط  أول من يعاني من هذه السياسة الخارجية العدائية، سيما وأن النظام يستغل الفراغ الإقليمي من القوى الموازية، وغياب القوى القومية العربية المهيمنة.  ولم يكن سقوط صدام حسين مجرد ضربة أخرى للقومية العربية، بل أنه أعطى لإيران فرصة ذهبية لبسط نفوذها إلى ما وراء حدودها. حيث أعطى التغيير السياسي في العراق فرصة لظهور سيطرة شيعية، و التي تبدو اليوم في انسجام تام مع القيادة الإيرانية. لكن هذه الفرصة الأولية للتأثير قد تفاقمت لتصبح نفوذا لا يُنكر، توّسع بشكل دراماتيكي وغير مقصود مع إعادة تشكيل الحكومة في العراق.
كما أن هذه التغيرات قد مكّنت إيران أيضا من توسيع دورها في الإقليم. فهي الآن قادرة على ممارسة نفوذها السياسي الإستراتيجي على البلدان العربية ذات الكثافة السكانية الشيعية الكبيرة.
فعلى سبيل المثال، لقد برز شيعة لبنان كقوة متحدية بمساعدة من إيران. كما أن ميزان القوى قد تحوّل لصالح إيران كدولة ذات نفوذ قوي. وبتطوير برنامجها النووي القادر على إنتاج الأسلحة النووية، هناك إمكانية متزايدة لإيران بأن تزيد من تهديدها للاستقرار في المنطقة.
كما أن الشيعة في العالم العربي اليوم – الذين كانوا يعاملون عادة كمواطنين من الدرجة الثانية من قبل بعض الحكّام السنة المسيطرين – ينظرون إلى إيران كسلطة سياسية ومعنوية. فبالنسبة للعديد من العرب الشيعة، تتمتع طهران بأهمية تضاهي أهمية الفاتيكان للكاثوليك.
وقد استغلّ أحمدي نجاد هذه المشاعر الدينية بذكاء. إذ لا يستطيع المرء أن يجادل أن الفائز الوحيد في حرب العراق عام 2003 هي إيران.   فقد حصدت انتصارا دون إراقة قطرة دم واحدة، مستفيدة من الدين، ممثلة دور المدافع عن الشيعة. فالهوية الدينية الشيعية قد انتشرت الحدود السياسية العربية وتخللتها. فكانت هذه الهوية أقوى من أن تقف بوجهها أية حدود سياسية. إن معطيات الأمور تتغير بسرعة لصالح إيران.
في غضون ذلك، لا يأبه النظام الإيراني العقوبات الاقتصادية العالمية، على الرغم من أن الناس في إيران لا يزالون يعانون سياسيا واقتصاديا، و التهميش التام لحقوق الإنسان. أما العقوبات العشوائية الجديدة فمن شأنها أن تزيد الطين بلّة، فتزيد من معاناتهم، وتقوي شوكة النظام.
تبرز الحاجة هنا إلى ضرورة إيجاد صيغة مزدوجة للتعامل مع إيران، تركّز على حقوق الإنسان وتوجّه العقوبات الاقتصادية نحو القادة السياسيين والعسكريين. ربما سيحظى ذلك الأمر بانتباه أحمدي نجاد وتمهد الطريق الطويل لاستعادة موازين القوى في المنطقة.
*رجا كمال : عميد  كلية هاريس لدراسات السياسات العامة في جامعة شيكاغو.كريم باكرافان هو أستاذ مشارك زائر في العلوم المالية في جامعة دي باول.
© منبر الحرية، 31 دجنبر/كانون الأول2009

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

إن التفاعلات التي تحدث في الساحة الداخلية السودانية وكان آخرها الإعلان عن تجمع جوبا الذي يجمع الحركة الشعبية والأحزاب الشمالية المعارضة لحكومة الإنقاذ في الخرطوم، وما أعقبها من تعثر العلاقة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان لا تنبئ إلا بازدياد احتمالات انفصال الجنوب السوداني.
وقد تم ذلك وفق الاتفاقات التي عقدت بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان (الاتفاق الإطاري ماشاكوس 20يوليو 2002 واتفاق الترتيبات الأمنية 25 سبتمبر 2003 واتفاق تقاسم الثروة 7 يناير2004، واتفاق تقاسم السلطة 26 مايو2004  وبروتوكول تسوية الصراع في ولايات جنوبي كردفان والنيل الأزرق 26  مايو  2004وبروتوكول تسوية الصراع في منطقة ابيي 26 مايو2004، و الاتفاق الشامل للسلام في   31 ديسمبر 2004 ) مما يثير تساؤلات حول موقف واشنطن من انفصال الجنوب السوداني.
هناك ثلاثة سيناريوهات مطروحة
الأول : قيام دولة سودانية اتحادية عربية أفريقية
وهذا هو السيناريو الأسوأ لواشنطن رغم انه السيناريو الأفضل للسودان، لأنه يحقق مفهوم المواطنة المتساوية لكل أبناء السودان على اختلاف معتقداتهم وإثنياتهم، ويحقق إجماعا وطنيا سودانيا، إلا أنه يصعب تحقيقه نظرا لعدم وجود تنظيم سياسي حديث يرفع أجندة وطنية يمكن أن تلتف حولها كل فئات المجتمع السوداني بصرف النظر عن المعتقد أو العامل الإثني أو الإقليمي، خصوصا وأن كل المفاوضات التي دارت وتدور برعاية من الولايات المتحدة لم تناقش من قريب أو بعيد مسألة هوية السودان.
الثاني : انفصال جنوب السودان
وهذا السيناريو وارد الحدوث بشدة في ظل الظروف التي حدثت وتحدث حاليا. نتيجة إدراك الحكومة السودانية أن زمام الأمور تفلت من يدها، وهي ستبادر إلى إعلان اعترافها بدولة جنوب السودان –فور إعلانه – حفاظا على ما تبقي تحت يدها من الشمال كي تطبق فيه الشريعة الإسلامية بدليل الاتفاق الأخير الذي تم بين الحكومة والحركة الشعبية في شهر ديسمبر /كانون الأول 2009 وكأنه إقرار مبكر من حكومة الخرطوم بالتسليم بالانفصال. وتلك الرؤية يعتنقها العديد من أنصار التيار الإسلامي الأصولي في السودان، ويساند هذه الرؤية سيطرة الحركة الشعبية على معظم أراضي جنوب السودان وامتداد نفوذ عملياتها إلى شرق وغرب السودان وتمتعها بدعم من دول الجوار الإفريقي، وبمساندة غير محدودة من جانب الولايات المتحدة.
وعلى أية حال فإن خيار الانفصال تواجهه مصاعب للأسباب التالية :
إن جنوب السودان لا يتمتع بالجدارة الاجتماعية، ذلك أن طبيعة الصراعات فيه بين الدنكا في جانب والنوير و الشيلوك في جانب آخر تبدو أعقد بكثير من الصراع بين الشمال والجنوب. وبهذا فإن انفصاله قد يؤدي إلى اندلاع صراع اجتماعي ممتد تشيع فيه حالة الفوضى والاضطراب في منطقة حوض النيل ككل.
إن دول الجوار الجغرافي لجنوب السودان لن تسلم بانفصاله واستقلاله لأنها كلها تعاني من ذات المشكلة، ومن شأن قيام دولة جنوبية معترف بها امتداد هذا الوضع وبمنطق العدوى إلى كل دول الجوار، حيث تسعى الجماعات المعارضة هي الأخرى إلى الانفصال.
إن الشرعية الأفريقية وعلى نحو ما ورد في القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي ترفض عملية الانفصال مخافة تمزيق أوصال معظم الدول الأفريقية حيث ينص هذا القانون على الحفاظ على الحدود التي ورثتها الدول الأفريقية ساعة الاستقلال.
ورغم أن ذلك السيناريو ليس المفضل للإدارة الأمريكية – لأسباب عدة نذكر منها :
أن الإدارة الأمريكية تضع السودان ضمن ما أسمته القرن الأفريقي الكبير، وهي بهذا تريد أن تنتزعه كلية من الحظيرة العربية.
•    أن مصالح الشركات البترولية الكبرى وعلى رأسها الشركات الأمريكية ليس من مصلحتها تقسيم السودان بالنظر إلى اكتشاف النفط في الشمال بكميات واعدة، وامتداد حقول النفط بين الجنوب والشمال بشكل يؤدي الانفصال معه إلى عرقلة نشاط هذه الشركات من جهة وسيادة حالة عدم الاستقرار من جهة أخرى.
•     ثم إن انفصال جنوب السودان وتشجيع دول الجوار الأفريقي له قد يؤدي إلى زيادة الصراع بين الدولة الجنوبية والدولة الشمالية، ويضع على الأخيرة ضغوطا قد تدفعها دفعا للوحدة مع مصر وليس من شك في أن وضعا كهذا لن يخدم المخطط الأمريكي الذي يستهدف إضعاف مصر، بل وربما تمزيقها بحسبان كونها ركيزة لأي توجه وتجمع عربي. ومع ذلك فان الإدارة الأمريكية ستساند الحكومة الوليدة إذا ما أعلنت.
الثالث : قيام دولة سودانية ذات هوية افريقية
وهذا هو السيناريو المفضل الذي يلق تأييدا من قبل الإدارة الأمريكية، ودليلنا على ذلك هو أن قيادات الحركة الشعبية كثيرا ما أعلنت عن هذا البديل تحت مسمى السودان العلماني الموحد الجديد، وكثيرا ما أعلنت عن عدائها للعرب في السودان، ووصفتهم “بالجلادة”، وأشارت إلى أن نسبتهم لا تتجاوز 31% من شعب السودان، فإذا ما أضفنا إلى ذلك وجود مابين مليون إلى مليوني جنوبي يعيشون في معسكرات حول الخرطوم معظمهم من الشباب لأدركنا مدى صدق مقولة جارانج في بداية التسعينيات ” سأصل إلى الخرطوم على قرع الطبول مثلما فعل أخي يوري موسيفيني عندما دخل كمبالا على قرع الطبول ”
إن دول جوار جنوب السودان (إرتيريا – إثيوبيا – أوغندا..الخ ) يمكنها أن تقمع أي دعاوي انفصالية فيها، وستستريح من توجهات نظم الحكم المتعاقبة على السودان والتي لم تنفك عن الدعوة إلى اعتناق دستور إسلامي، أو العمل على تصدير الأصولية الإسلامية إليها، وهنا يمكن للمخطط الأمريكي أن يلحق الضرر كل الضرر بمصالح مصر الإستراتجية كلية، ويمكن أن يضر بمصالح مصر المائية ويمكن للسودان الأفريقي في هذه الحالة بحكم ثروته البترولية أن يقيم مشروعات زراعية ضخمة بحيث يصبح “سلة الغذاء ” ليس للعالم العربي وإنما للعالم الغربي.
© منبر الحرية، 28 ديسمبر/كانون الأول 2009

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

يمكن للسلام أن يؤدي في إسرائيل و فلسطين (كما في كشمير، سريلنكا، دارفور…) إلى مزايا هائلة، أما الحرب فإنها لا تؤدي إلا إلى خسائر بشرية و مالية ضخمة. و رغم كل هذا، لا يبدو أن هناك حل في الأفق، كما أن الوضعية ظلت “جامدة” مند زمن طويل. فالسبب يرجع إلى كون الأطراف الفاعلة في مثل هده الصراعات تعتقد أن الخسائر التي تنجم عن مواجهة تحديات الوضع القائم تتجاور الأرباح التي يمكن الحصول عليها بعد إنهاء النزاع (سواء عن طريق انتصار عسكري، أو عن طريق مفاوضات للسلام).
هذا النوع من التحليلات الذي يعتمد على قياس التكلفة و الربح يمكن أن يفسر السبب الذي جعل الرئيس جورج بوش و محيطه يقررون بعد 11 سبتمبر عدم تخصيص الوقت والموارد البشرية من أجل حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لقد كانوا متأكدين من الفرضية (أو الوهم) القائلة بأن تشجيع “أجندة الحرية” سيخلق الظروف المناسبة لحل هذا الصراع. لقد كان يقال “إن طريق القدس يمر عبر بغداد”. فظل الاعتقاد السائد بين مستشاري بوش أن ما هو جيد لأمريكا فهو جيد لإسرائيل (و العكس صحيح). بالنسبة لهم فإن سلاما على الطريقة الأمريكية في المنطقة قد يرجح كفة تل أبيب في ميزان القوى. ترجيح سيدفع بالفلسطينيين إلى القبول بتوافق قد يخدم مصالح الإسرائيليين.
و من هذا المنطلق لم يكن هناك داع لتسخير الرأسمال الدبلوماسي لواشنطن من أجل الضغط على حليف استراتيجي في “الحرب على الإرهاب” كإسرائيل من جهة، و من جهة ثانية من أجل تخفيف الضغط على القادة الفلسطينيين و قبول القيام بتنازلات.
بدل ذلك فضلت واشنطن ترك المشكلة الفلسطينية جانبا و في نفس الوقت حاولت إعادة تشكيل الشرق الأوسط باستعمال القوة. و في المقابل، و بتنحيتها للمشكلة الفلسطينية من أجل مواجهة ما تسميه التهديد “الإسلاموي الفاشي”، اتبعت إدارة بوش سياسات غالبا ما أدت إلى تأجيج الصراعات بين إسرائيل و الدول العربية.
و قد حاولت هده الإدارة دحض إسرائيل عن الاستمرار في التفاوض مع سوريا (دولة تصنف في “محور الشر”) بوساطة تركية. كما منحتها الضوء الأخضر لتهاجم حزب الله في لبنان مما نتج عنه مأزق استراتيجي لم يرجح بكل تأكيد كفة التحالف الأمريكي الإسرائيلي في ميزان القوى. و قد اصطدمت أجندة الحرية للرئيس بوش بالواقع المرير الذي خلفه فوز حماس في فلسطين و تقوية إيران و حلفاؤها في المنطقة.
و حتى في ظل وجود إدارة أمريكية مقتنعة بضرورة إيجاد حل لهذا الصراع، فهي سترى أنه من شبه المستحيل التحرك في اتجاه توافق في وقت أصبحت فيه القيادة السياسية ضعيفة في الجانبين.
وبالرغم من العديد من المؤشرات التي تدل على احتمال توافق الطرفين على بعض النقاط مثل المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية و على الحدود الإسرائيلية الفلسطينية فإنه لم تظهر هناك أية بوادر للتقارب بين الجانبين بشأن جوهر المشاكل الوجودية التي تفرق بينهم، مثل مآل القدس و حق العودة بالنسبة للاجئي سنة 1947. و في نفس الوقت يبدو أن العديد من الملاحظين العارفين بحقائق الميدان الذين كانوا يسخرون من التصميمات الكبرى لبوش و المحافظين الجدد بشأن تحويل العراق و إعادة تشكيل الشرق الأوسط، انضموا إلى صفوف المتفائلين الذين يضعون في باراك أوباما آمالهم لإعادة السلام إلى الأرض المقدسة. بالنسبة لهم، فإن الرئيس أوباما سيقوم بالإجراءات الضرورية لإصلاح الروابط مع الشرق الأوسط وذلك بسحب القوات الأمريكية من العراق و فتح الحوار الدبلوماسي مع إيران. إذن، وبعد تقويته لمكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإن أوباما سيصبح في وضعية تسمح له بنهج إستراتيجية تبادر بقوة نحو إعادة الروابط بين الفلسطينيين و الإسرائيليين و بالطبع، فإن ما يستطيع الرئيس الأمريكي القيام به في السياسة الخارجية سيرتبط بشكل كبير بقدرة إدارته على السيطرة على الانكماش الأمريكي والعالمي. لأن عودة ركود كبير قد يضعف من احتمال حدوث تحرك دبلوماسي أو عسكري أمريكي.أما إذا ظهر أن مواجهة الانكماش أسهل من المتوقع، فان إدارة أوباما قد تبادر إلى الدخول في أجندة أكثر طموحا في الشرق الأوسط، أجندة تسرع الانسحاب من العراق في إطار جهوي عام قد يضم إيران. دفعة دبلوماسية كهذه، و في بيئة جهوية مستقرة قد تؤدي إلى انطلاقة جديدة للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. لكن على أوباما و مستشاريه أن يزيدوا من ضغطهم على القادة الإسرائيليين و الفلسطينيين من أجل الحصول على اتفاق يحوي تنازلات؛ تنازلات يرى الجانبان لحد الآن أنه لم يحن الوقت للقيام بها. إيجاد حل لهذه المشاكل الوجودية قد يكون بالطبع أصعب مما كان عليه الأمر سنة 2000 (إبان مفاوضات كامب ديفيد2).
في جميع الأحوال، يجب على إدارة أوباما أن تعترف أنه في أحسن السيناريوهات ستضل هناك صعوبات جمة لجلب و تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط. لذا فإن خلق الولايات المتحدة لاعتقاد مفاده أن لديها سلطة معنوية و قدرة على فرض السلام في المنطقة، سيجعلها تصنع آمالا غير واقعية ومن الصعب تحقيقها. بل إن الأسوأ من ذلك هو أن تكرار الفشل قد يؤدي إلى تصعيد ردود الفعل العنيفة المعادية لأمريكا التي تزيد من حدة الضغط على واشنطن.
يجب على الولايات المتحدة أن تصبح أكثر استعداد للعمل مع فاعلين دوليين آخرين من أجل إيجاد حل لمعضلة الشرق الأوسط. لكن السلام لن يحدث إلا إذا كانت إسرائيل وفلسطين على استعداد له. فإذا توفرت للطرفين إرادة حقيقية لتحقيق السلام، حتى و إن كان هشا، فيمكن لهما عندئذ التقدم بهذا المسلسل مع أو دون تدخل أمريكي لأنهما فقط المسئولان عن الفشل.
© منبر الحرية، 26 دجنبر/كانون الأول2009

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تعتبر الأبحاث والدراسات المعمقة من أهم الركائز التي يعتمد عليها السياسيون ومتخذو القرارات في الدول الديمقراطية في رسم وتخطيط سياستهم واتخاذ قراراتهم، حيث أن دراسة القضايا والمعضلات السياسية هي المحور الأول في رسم وبناء الإستراتيجيات في كافة المجالات. وهذا لما تمثله المعرفة والعلم عند متخذي القرارات في العصر الحديث الذي تشكل مناهج البحث العلمي فيه مصدراً أساسياً للتعامل مع القضايا والشؤون الحياتية.
و لا بد من الإشارة إلى أن مراكز الأبحاث في إسرائيل في ثلاثة مستويات رئيسية وهي:
المستوى الأول: الأكاديمي البحثي فإن الباحثين في هذه المراكز هم باحثون ذوو كفاءات عالية جداً، ويتمتعون بشهرة عالمية، وذلك بسبب دراساتهم في الخارج، وكذلك بسبب استخدامهم لطرق البحث العلمية التي تخضع للمعايير العلمية العالمية في إجراء وعرض البحوث في المؤتمرات والمجلات العلمية المتخصصة، ومن هنا نلاحظ كثافة إصداراتهم وتمثيلهم في جميع المحافل والمناسبات العلمية العالمية والمحلية.
المستوى الثاني: الإسرائيلي العام، حيث تشارك جميع المراكز في إصدار وبناء برامج تثقيفية للمواطنين كل حسب اختصاصه، مثل مؤتمرات وندوات، وتنظيم أيام دراسية، والمساهمة في توسيع دائرة الثقافة من خلال المسرح والغناء والنشاطات الجماهيرية المختلفة.
المستوى الثالث: صناع القرار، وهنا تصقل زبدة هذه الأبحاث لتعرض على شكل توصيات تقدم لمتخذي القرارات وواضعي السياسات الإسرائيلية في مجالات مختلفة.
وهناك أنواع عدة لمراكز الأبحاث الإسرائيلية حيث تتميز بعدة خواص أهمها:
1)    تعتمد على صقل وبناء برامجها على متخصصين ذوي كفاءات عالية من بين الباحثين اليهود في معظمها.
2)    أهدافها وآليات عملها تحمل وجوهاً من التفاسير وخصوصاً في المواد المنشورة 3)هنالك تعتيم مقصود حول مصادر التمويل لهذه المراكز المكلفة جداً، ويمكن تقسيم مراكز الأبحاث الإسرائيلية إلى ثلاثة قطاعات مركزية مع ملاحظة التعاون في ما بينها.
1-القطاع الجامعي:
تعد الجامعات الإسرائيلية الأطر الأكثر اتساعا في العملية البحثية، إذ تتوفر لها وفيها الكفاءات والخبرات العلمية والظروف الأكاديمية، فضلا عن توفر الإمكانات المادية والمعنوية اللازمة لعمليتي التدريس والبحث. وتولي هذه الجامعات اهتماما كبيرا للعمل في ميادين العلوم الإنسانية والاجتماعية والقانون. ومن أبرز تلك الجامعات: الجامعة العبرية، و  جامعة تل أبيب، و  جامعة حيفا، وجامعة بار إيلان، و جامعة بن غوريون، تتبع لها مراكز ومؤسسات بحثية.
و يتبع للجامعة العبرية عدد من المعاهد والمراكز ومؤسسات الأبحاث المنوط بها إنجاز الأبحاث المتنوعة في شؤون الاستشراق والصراع العربي – الصهيوني، منها:  مؤسسة الأبحاث الشرقية (= الاستشراقية)، “المعهد الإسرائيلي للأبحاث الاجتماعية التطبيقية “، “معهد بن تسفي للدراسات اليهودية”، معهد الدراسات الاقتصادية- باسم موريس فالك، مركز دراسة أوضاع عرب ( أرض إسرائيل) في معهد ترومان، معهد ليفي اشكول للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، معهد ليونارد ديفيس للعلاقات الدولية”، معهد مارتن بوبر للتقارب اليهودي – العربي ، مؤسسة أبحاث الشرق الأوسط، مركز شاشا للدراسات الإستراتيجية، ومعهد هاري ترومان الذي تأسس عام 1967 في إطار الجامعة العبرية، وعقد أول مؤتمر دراسي له عام1970 خصص لدراسة أفكار طروحات الرئيس الأميركي الأسبق هاري س.ترومان، ترومان تقديراً لدوره ومواقفه في خدمة الصهيونية وإسرائيل وأخذ المعهد منذ تأسيسه يتعاطى بحثياً مع موضوعات متفرقة ذات مضامين وأبعاد محلية وإقليمية ودولية.
وتضم جامعة تل أبيب عدة مؤسسات بحثية مشهورة، تعنى بالشؤون العربية والإسرائيلية وبشؤون الصراع وغير ذلك، أبرزها: “معهد شيلواح للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية”: 2-مركز موشي ديان(في معهد شيلواح)، 3-  مركز جافي(يافيه) للدراسات الإستراتيجية” : 4-  معهد التخطيط السياسي للعلاقات بين إسرائيل والشتات” : 5- ” معهد دافيد هوروفيتش لأبحاث شؤون الدول النامية”، 6- ” المؤسسة الإسرائيلية للتاريخ العسكري”، 7-  جمعية السلام.
2- القطاع العام أو الحكومي
أما مراكز الأبحاث التابعة للقطاع  الحكومي، فتعتبر الركيزة الأساس التي تقوم عليها أبحاثه فهي الاعتبارات السياسية والأمنية (العسكرية والإستخبارية). ذلك أن حصيلة هذه الأبحاث تجد طريقها على دوائر الاستخبارات بأقسامها وفروعها، وهناك يجري تقدير أهمية المادة في ضوء صلاحيات لملء الفراغات في المخططات السابقة بعد إغنائها مقرونة بالاستخلاصات والتوصيات لتعتمدها المؤسسات الحكومية. وهكذا يحدد الصراع والتوجهات السياسية والأمنية الإسرائيلية الأطر للعمل البحثي في هذه المؤسسات.
أ-في وزارة الخارجية:  تتعاون الهيئات البحثية في هذه الوزارة مع أجهزة الاستخبارات “الإسرائيلية”، وترسم خططها على نحو يعزز ارتباطها بالأهداف السياسية والدعائية لإسرائيل على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية. ومن أهم تلك المراكز: مركز البحوث والتخطيط السياسي. ويقع هذا المركز داخل مجمع وزارة الخارجية بالقدس المحتلة، ويعمل فيه نحو 100 باحث محلل ومساعد أرزوا للعمل ضمنه من ملاك وزارة الخارجية ذاتها ومن الجامعات الإسرائيلية بشكل رئيس.
3-  مراكز الفكر الخاصة بالأحزاب : هنالك من يصنف كمجموعة مستقلة لمراكز الفكر تعمل لجان وهيئات بحثية في غالبية الأحزاب والحركات الإسرائيلية على تزويد قيادات الأحزاب وكوادرها بالتقديرات التحليلية والتقارير حول الأوضاع الداخلية والإقليمية، ومن أبرز مراكز الأبحاث الحزبية: معهد الدراسات العربية” – جعفات حفيفا”.
4- مؤسسات البحث “الخاصة”: تعبر مراكز الأبحاث الإسرائيلية المستقلة، عن توجهات القائمين والداعمين لها في الأساس، حيث يتصدر هذه المراكز مركز فان لير في القدس و المركز الإسرائيلي للديمقراطية و مركز بيغن ـ السادات للبحوث الاستراتيجية.
إجمالا، يساهم إنتاج مراكز الأبحاث الإسرائيلية في-تطوير الحياة المعرفية في الوسط العام عن طريق أنشطتها الثقافية ومنابرها الإعلامية المختلفة. وتقوم هذه المراكز برفد الساحة بالمعلومة الجديدة الموثوقة والتحليل العلمي الرصين، وتبلور آفاق المستقبل
‎* مأمون كيوان باحث من سوريا.
© منبر الحرية، 08 دجنبر/كانون الأول2009

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018