العلاقات الجيو-إستراتيجية والسياسية الدولية

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

قام مسؤولون حكوميون من مختلف أنحاء العالم بالتوافد إلى منتجع جزيرة بالي الإندونيسية بهدف إجراء مفاوضات حول التغيرات المناخية. وكان النقاش حول معاهدة جديدة شبيهة بمعاهدة كيوتو، بحيث تناولت سياسات الحد من انبعاثات غازات الدفيئة. إلا أن مثل تلك المعاهدة سوف تلحق الضرر بالفقراء بحيث تعرقل تكيفهم مع التغير المناخي، بينما تقوم ببذل عمل قليل في سبيل الحيلولة دون حدوثه.

أما علم التغيرات المناخية فسوف يبقى موضع خصام بطريقة حادة بوجود خلافات جوهرية حول دور وأثر الجنس البشري في هذا الصدد. ومع ذلك، قامت مجموعات ذات مصالح قوية بإنفاق مئات الملايين من الدولارات في سبيل أن تقنعنا بأن المناخ قد يصبح دافئا بشكل لا يمكن التحكم فيه والذي سيكون له آثار مدمرة في حال عدم القيام بأعمال خفض عاجل من انبعاثات غازات الدفيئة. ونتيجة لذلك، تتم ممارسة ضغوط كبيرة على السياسيين للقيام بالعمل اللازم.

وللأسف، فان المنظمة التي تم تأسيسها بغرض تقديم النصح والإرشاد إلى الحكومات حول هذه المسالة وهي “اللجنة الحكومية المشتركة للتغير المناخي” كانت أيضا منحازة نحو تفزيع الناس من خلال إثارة المخاوف من غير داع. وكان التقرير الأخير الذي صدر عن هذه اللجنة قد ذكر بشكل متكرر ادعاءات مثيرة للجدل حول ارتفاع مثير ومفاجئ في مستويات المياه في البحار وحول وقوع متزايد لأحداث مناخية شديدة وحادة. وبمحض مصادفة مأساوية، ضرب إعصار هائل خليج البنغال تماما في ذات الوقت الذي بدأ به عقد اجتماع فالنسيا، الأمر الذي أضاف أهمية حيوية على كلا الادعائين، إلا أنه لم يعمل على إضافة أية أهمية عملية تجريبية على أي منهما.

ومما هو أسوأ من الانحيازات التي تتم في مجال تقييم العلوم الأساسية، هناك انحياز في التوصيات التي تخص السياسة العامة. فكل تقرير صدر عن اللجنة المذكورة قد استنتج بأنه ينبغي على الإنسان أن يقوم بخفض انبعاثاته من غازات الدفيئة بشكل كبير وعاجل. كما كانت نشرة “ستيرن ريفيو” الدورية، والتي صدرت للحكومة البريطانية، قد توصلت إلى استنتاج مماثل. ومع ذلك، فان معظم الاقتصاديين كانوا قد توصلوا إلى أنه في حال فرض أية تقييدات على انبعاثات غازات الدفيئة فيجب أن تكون تلك التقييدات معتدلة، وبأن تكون على الأقل بشكل أولي.

أما الجانب الأكبر من هذه المشكلة فيكمن في عدم إقرار نشرة “ستيرن” واللجنة الحكومية بما فيه الكفاية بالدور الذي يمكن ويتوجب أن يلعبه التكيف في تناولهما لمسألة التغير المناخي. فلا يوجد هناك دليل على أن التغيرات الأخيرة التي طرأت على المناخ هي التي تسببت بحدوث وفيات متزايدة ناجمة عن مرض أو جفاف أو كوارث طبيعية. وعلى النقيض من ذلك، فقد قام الإنسان على مدى عقد السنوات الماضي بتطوير تقنيات تكنولوجية جديدة جعلته قادرا على التأقلم والتكيف مما عمل على تحسين حياة المليارات من الناس.

لقد كانت حصيلة الوفيات التي نجمت عن الإعصار الذي حدث مؤخرا في خليج البنغال أدنى مرتبة من ناحية الحجم من ذلك الإعصار المماثل الذي حدث في العام 1991، وربما أدنى بمرتبتين من ناحية الحجم من إعصار “بهولا” الذي وقع في العام 1970 وأدى إلى مقتل ما يقارب الـ500.000 نسمة. أما في الإعصار الذي وقع في تشرين الثاني الماضي، فقد تمكنت غالبية السكان من النجاة من المأساة وكان السبب في ذلك يعود إلى حد كبير إلى وجود أنظمة إنذار مبكر ووجود بنية تحتية أفضل.

ولكن، لا ينبغي علينا أن نكون متفائلين بشكل أكثر من اللازم. ففي جميع أنحاء العالم هناك ملايين الأطفال الذين يموتون كل سنة بفعل أمراض تتراوح ما بين مرض الكوليرا ولغاية مرض الملاريا وعدوى الجهاز التنفسي، وهي التي من الممكن أن تتم مكافحتها أو علاجها كلها وبكل سهولة. هؤلاء الناس هم ضحايا حكومات تحول سياساتها دون تكوين الثروات وتمنع الأفراد من الحصول على الكثير من تقنيات التكنولوجيا الأساسية ومن المياه النظيفة والصحة العامة ولغاية الطاقة العصرية والأدوية الحديثة.

وبما أن الثروة تزداد ويتم اعتماد واختيار تقنيات تكنولوجية حديثة بشكل اكثر انتشارا، فان هذه الأمراض سوف تتناقص بغض النظر عن التغير المناخي. وحسبما قمنا بالإشارة إليه في “تقرير المجتمع المدني حول التغير المناخي”، فإن التكيف والنمو الاقتصادي هما أفضل طريقة للتعامل مع التغير المناخي.

إن المحاولة بطريقة مثيرة وفجائية للقيام بخفض انبعاثات غازات الدفيئة سوف تكون على الأرجح عديمة الجدوى بحيث تعمل على تحويل اتجاه الموارد عن تقنيات تكنولوجيا تكيّفية ومعززة للنمو لتتجه نحو تقنيات تكنولوجيا خافضة للكربون.

هناك طريقة وهي أفضل بكثير من ذلك في هذا الصدد: أن يتم تناول مسألة التغير المناخي بحيث يتم إزالة الحواجز الحكومية الموضوعة أمام تكوين الثروة وأمام التكيف التكنولوجي. وإذا كان المفاوضون مهتمين بشكل جدي بأمر تجنب خطر التغير المناخي، وبطريقة موفرة للمال وأكثر فعالية، فعليهم من الناحية الأساسية أن يتطلعوا نحو التكيف والتأقلم وليس نحو الحد من إنبعاثات الغازات.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 2 كانون الثاني 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20101

إن اليسار الأمريكي يحشد قواه لانتخابات 2008 بتقديم اقتراحات للتدخّل الحكومي “لاصلاح” توزيع الدخل. على سبيل المثال، مركز التقدّم لأمريكا، اقترح مؤخرا رفع الحد الأدنى للأجور، واعطاء اتحادات العمال صلاحيات أكبر في مواقع العمل، وزيادة دور الحكومة في رعاية الطفل، بالإضافة إلى سياسات أخرى ستكون ضارّة بالنمو الاقتصادي، الذي هو الطريقة الوحيدة المثبتة لرفع مستوى المعيشة.

ولضمان الدعم لجدول أعمالهم، يقوم الدعاة “لدور أكبر للدولة” وسياسيون متعاونون ومثقفون آخرون بنشر مجموعة من المفاهيم الخاطئة عن عدم المساواة. فنحن نسمع بأن دخول الطبقة الوسطى في أمريكا راكدة، وأن قابلية الحراك لتلك الطبقة تختفي، وأن اللعبة السياسية منحازة للأغنياء. فلتفحص المفاهيم التالية:

1. العامل متوسط الأجر

ما أعنيه بالعامل متوسط الأجر هو الشخص الذي يتراوح دخله السنوي بين 30.000 و50.000 دولارا تقريبا. موقع العمل ذو أهمية هنا؛ إذ أن الـ30.000 دولار قد يكون مبلغا ممتازا في توبيكا (بلدة صغيرة في كانزاس) لكنه ليس مناسبا لمانهاتن (إحدى أحياء نيويورك).

من ناحية الغذاء والملبس والسكن، فإن وضع العمال متوسطي الأجر لا بأس به. فالمساحات التي يسكنونها بشكل خاص أوسع. وكلهم تقريبا لديهم تكييف وتدفئة مركزيين، بينما البعض من نظرائهم الأجانب لا يملكون هذا. أما في مجال الرعاية الصحية، فالخدمات الطبية ممتازة (وهي خدمات يقوم بتزويدها مختصون يستخدمون أجهزةً متقدمة). وهم على الأرجح أكثر قدرة على التغلب على السرطان وأمراض القلب والكآبة، أو حالات الحمل الخطرة.

2. أرستقراطية أم جدارة؟

الأرستقراطية بمعناها المبسّط جدا تعني أن فرص الفرد الاجتماعية وفرص دخله محددة عند الولادة. ومعنى نظام الجدارة، بشكل مبسط جدا أيضا، أن أي فرد يمكن أن يكبر ليصبح غنيا وناجحا.

الأرستقراطية على الأرجح كان لها فرصة أكبر في الوجود في القرون السابقة، لأن التغيير الاقتصادي كان بطيئا. لكن المعرفة اليوم هي المصدر الرئيسي للثروة. والخطى الأسرع لوسائل النمو الاقتصادية جعلت القيمة الحقيقية للثروة الموروثة تهبط مقارنة مع الثروة التي تم تحقيقها مؤخرا. هذان العاملان الأخيران جعلا الأهمية الملموسة للثروة الموروثة أقل من الماضي. وقد يكون الميراث الأكثر أهمية اليوم هو الصفات البيولوجية الوراثية. فالأطفال الذين يتمتعون بقدرات إدراكية طبيعية وقوية من المحتمل أن يكون لديهم إمكانية تحقيق مداخيل عالية.

إن توزيع العوائد في أمريكا اليوم ما زال قائما نسبيا على نظام الجدارة. لكن من الصعب تقييم مدى قدرة الحراك الاقتصادي والاجتماعي. أحد المؤشرات المتفائلة للحراك أن اختلافات الثروة بين الأقران مازالت عالية نسبيا. والمؤشر المتفائل الآخر أن التحصيل العلمي يستمر بالارتفاع جيلا بعد جيل وخصوصا بين المهاجرين. وعلى الجانب المتشائم، فان الاتجاه نحو العوائل الأصغر يميل إلى التقليل من اختلاف الأقران، وأظن بأنه يقلل انحراف موقف الأطفال الاجتماعي مقارنة بآبائهم.

الاتجاه المتشائم الآخر هو أن عادات الزواج ستصبح اكثر تركيزا. فقبل خمسين سنة كان الاحتمال أن يقوم خريج جامعة بالزواج بأنثى متوسطة الإدراك أو دون مستوى القدرة الإدراكية التي يتمتع بها هو، أكبر مما هو عليه اليوم.

وعموما من غير المحتمل أن نرى نوع المجتمع الذي يكون فيه لأطفال الأغنياء وأطفال الفقراء فرص متساوية للوصول لشرائح الدخل العالية. أفضل ما يمكننا أن نتمناه أن قدرا معينا من القدرات الموروثة ستجعل فرص الأطفال الفقراء مساوية على الأقل لفرص أولاد الأغنياء.

ومن الممكن أن تكون الأمور أسوأ. إلا أن أمريكا محصنة إلى حدّ ما من الشكل الأسوأ للأرستقراطية—الذي يستند على الثروة الموروثة دون اعتبار كبير للجدارة، كما هو الحال في دولة رفاه أوروبية الطراز لا تعطي حافزا كافيا للعمل والادخار أو العمل الحر بشكل خاص.

3. السلطة السياسية

عدم المساواة في النتائج الاقتصادية يبرز قضية احتمال عدم المساواة في السلطة السياسية. والسيناريو المخيف هنا أن تتركز السلطة السياسية في كفة الأغنياء بشكل واضح بحيث يصبحون هم الممسكون بعتلات القوة.

تقترح بعض المؤشرات أن مثل ذلك التركيز في السلطة السياسية ليس ذا تهديد الآن. فالانتخابات عادلة، وليس لأي من الحزبين احتكار للسلطة. وحريتا التجمع والصحافة مازالتا عاليتين. وأجهزة الإعلام، خصوصاً ما هو منها على الإنترنت، تبدو أنها أكثر استفاضة وتنوّعا مما كان عليه الحال في الجيل الماضي.

لكن المؤشرات الأخرى الأكثر مدعاة للإزعاج هي أن نسبة إعادة انتخاب الذين يشغلون المناصب مرتفعة. والسلالات السياسية (كعائلة بوش وكينيدي وديلي، إلخ) تزدهر، مما يقترح أن النظام أقل انفتاحا مما نظن.

حصة الحكومة في الاقتصاد تتصاعد باستمرار. فالقطاع الأسرع نموا في اقتصادنا، وهو الرعاية الصحية، يتوجّه نحو الهيمنة الحكومية، سواء  تم “إصلاح” الرعاية الصحية أم لا.

العديد من السياسيين يقومون بحملتهم كما لو أنهم يعتقدون أن تركيز السلطة السياسية شيء حسن—طالما أن القوة بيدهم هم. و”الشعبويون” منهم يعدون باستعمال تلك القوة لمحاربة الأغنياء وأصحاب الامتيازات. يبدو أن الشركات الرئيسية والمصالح المتخندقة يتم تفضيلها بتركيز أكبر من قبل السلطة السياسية. أما المنافسة المفتوحة والحكومة الصغيرة فهما صديق الرجل الضعيف!

إن اليسار السياسي سيوثّق بشكل مؤكد تقريبا العلاقة بين القوى السياسية والقوى الاقتصادية. إلا أن فهم أهمية نتائج “التضخم السياسي” أكثر أهمية الآن من الجدل حول طريقة قراءة الإحصائيات التي تقيس الخلل في العدالة الاقتصادية.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 28 كانون الأول 2007.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20101

في وقت قريب سيقوم الكونغرس الأمريكي بمناقشة القرار الذي اتخذته إدارة الرئيس بوش ببيع أسلحة متطورة بمبلغ 20 مليار دولار إلى عدة دول عربية. هذه الصفقة كان قد تم عرضها من قبل البيت الأبيض على أنها إحدى السبل الخاصة بنشر الاستقرار في الشرق الأوسط الذي يتعرض للتهديد من قبل مطامع إيران ومن خلال بروز الإرهاب. وينبغي على الكونغرس أن يرفض هذا البيع تماما استنادا إلى كون التسليح الذي سيقدم إلى العالم العربي لا يعتبر من المصلحة المثلى للمنطقة ولا هو من مصلحة الولايات المتحدة.
وعلى ما يبدو فان الافتقار إلى الاستقرار هو الذي سوف يهيمن على الشرق الأوسط، فكل بقعة من بقاع العالم العربي عبارة عن مجموعات مختلفة من معضلات متزايدة، حيث يشكل الركود الاقتصادي، ونشوء النزعة الأصولية والإرهاب، وتآكل الحريات الشخصية مسائل من المسائل الساخنة. كما أن الرخاء الاقتصادي الذي يشهده معظم العرب يزداد سوءا حتى مع ارتفاع أسعار النفط التي سجلت أرقاما قياسية.
وفي حال استثناء النفط والغاز الطبيعي من الوفورات المتنوعة التي توفرت لدى ما نحن نسميه ونحدده على أنه العالم العربي بسكانه البالغين 350 مليون نسمة، فإن ناتجهم المحلي الإجمالي سوف يبلغ أقل من ناتج فنلندا، والتي هي دولة يبلغ عدد سكانها اكثر بقليل من خمسة ملايين نسمة. وعند استبعاد عدد قليل من الجيوب المعزولة في العالم العربي، فقد أخفقت دوله بشكل يدعو إلى الشفقة في اللحاق بالنمو الاقتصادي الذي شهدته معظم دول العالم الأخرى. فالعالم العربي ليس بحاجة إلى إدخال أسلحة سوف تعمل على إطلاق سباق تسلح إقليمي وعلى إضافة المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.
والى جانب المبيعات المعروضة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي بوش، هناك قوى عظمى أخرى تعمل على التصعيد في عملية تكديس السلاح. فالفرنسيون منهمكون في متابعة بيع أسلحة إلى ليبيا بمبلغ 400 مليون دولار، والروس يقومون بالتفاوض حول صفقة أسلحة ذات أرقام قياسية ليتم عقدها مع الجزائر وهم مستمرون في الاستكشاف والتحري عن بيع أسلحة إلى إيران. هذه الأمور تحدث في المنطقة في الوقت الذي يبلغ التوتر ذروته في كل أنحائها. فلو كان هناك جزء من العالم لا يحتاج إلى مزيد من الأسلحة، فإن ذلك الجزء هو الشرق الأوسط.
والسؤال الجوهري الذي يتم طرحه هنا هو لماذا تحتاج هذه المنطقة إلى هذه الأسلحة المتطورة ومن هم الذين سوف تتم محاربتهم؟ هل هي إيران؟ فمن غير المرجح أن يكون كذلك. كما أن ليس من مصالح إيران المثلى أن تتورط عسكريا في عمليات حربية مع المملكة العربية السعودية أو مع الكويت أو مع الإمارات العربية المتحدة. وسوف لا تسمح الولايات المتحدة ولا الحلفاء الغربيون الآخرون بحدوث ذلك، وإيران تعرف ذلك. أما الشيء الذي تقدر إيران على فعله وترغب في عمله فهو أن تقوم بدعم حركات قتالية تعمل على إثارة القلق والاضطراب في كافة أنحاء العالم العربي. ويشكل العراق ولبنان حالة تقع في صميم هذا الموضوع.
هذه المبيعات من الأسلحة التي يتم عرضها على الدول العربية تعتبر أداة خاطئة للاستعمال في مكافحة مثل تلك الحركات. فالتهديد الحقيقي الذي تواجهه الكثير من الدول العربية يكمن في التطرف الديني المحلي وفي الإرهابيين المقاتلين. فشراء أسلحة من اكثر الأسلحة تطورا في السوق بقيمة 20 مليار دولار، أو حتى بقيمة 100 مليار دولار سوف لن تجعل التطرف العنيف يختفي. لكن القيام بإصلاح النظام التعليمي والسماح للسوق بالازدهار هو الذي سيقوم بعمل ذلك. يجب أن يتم تحرير التجارة وان تتم حماية الحقوق وان يتم تحديث التعليم. هناك الجامعات العربية التي تقوم بشكل منسجم بتخريج طلبة يواجهون صعوبة في إيجاد مكان لهم للعمل في اقتصاد معولَم يتصاعد أكثر فأكثر. هؤلاء الخريجون العاطلون عن العمل سوف يكونون ممتعضين ويائسين وسيتحولون إلى أهداف بحيث يتم تجنيدهم من قبل مجموعات متطرفة.
هناك حاجة شديدة لإجراء تغييرات في السياسة التعليمية بحيث تسمح للمواطنين مستقبلا بالتنافس بشكل فعال على المستوى العالمي، وان تكون تغييرات مستندة إلى نظام تعليمي سليم يقوم بتركيز منهجه الدراسي على الرياضيات والعلوم، وليس على الدراسات الدينية. وينبغي على الطلبة العرب أن يتعلموا كيف يفكرون بدلا من أن يتعلموا ماذا سيفكرون.
هذه هي الأزمنة المقلقة في الشرق الأوسط. فبيع أسلحة متطورة سوف يعمل فقط على إشعال وضع متفجر. فمن الناحية التاريخية، قام الكونغرس الأمريكي بالاستجواب، وفي أحيان أخرى بالاعتراض على بيع الأسلحة إلى دول عربية على أساس أن تلك الأسلحة تعرض وجود إسرائيل للخطر. فهي قد شكلت مسرحا سياسيا لكثير من أعضاء الكونغرس لإظهار دعمهم وتأييدهم لإسرائيل مع إدراكهم بأن إسرائيل لم تكن معرضة للخطر على الإطلاق. أما في الوقت الحالي، فينبغي على الكونغرس أن يحول دون إتمام البيع لأن عمل ذلك سيكون عملا صحيحا وأخلاقيا. فالعرب هم بحاجة إلى مساعدة ودعم جديين بما أنهم يقومون بالمناورة تجاه التحديات الضاغطة التي تواجههم. ويجب أن لا تكون الأسلحة مدرجة على تلك القائمة.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 5 كانون الأول 2007.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

يقدم المفكر الحقيقي للعامة أفكارا جديدة حول نطاق واسع من المواضيع، بحيث يعبّر عن هذه الأفكار قبل وقت طويل مما يفعل معظم الناس. وهذا هو جوهر تعريف عالم نوبل للاقتصاد، فريدرك هايك، للمفكر. وفي مقالته المنشورة في مجلة جامعة شيكاغو للقانون عام 1949 “المفكرون والإشتراكية”، ألقى هايك الضوء أيضا على أن المفكرين في مختلف الأحول أهم مما يعتقد معظم الناس. وبرغم كل شيء، فهم يشكلون الرأي العام.
لقد كان الإقتصادي النمساوي هايك واحدا من المفكرين المفضلين بالنسبة لرونالد ريغان. وقد كان ريغان مفكرا حسب تعريف هايك. ريغان المفكر؟ يجيب كتاب “بقلم ريغان” (2001) على ذلك السؤال. ويحتوي هذا الكتاب، ذو المقدمة التوضيحية التي كتبها جورج شولتز، 259 مقالة كتبها ريغان بنفسه والتي تتكون بشكل أساسي من نصوص برامجه الإذاعية التي كانت تذاع لمدة خمس دقائق خمسة أيام في الأسبوع في أواخر السبعينيات. إن المقالات رائعة ومثيرة في اتساع وعمق موضوعاتها، وقد وضعت أساس إطار العمل الفلسفي لرئاسته.
ومن الجدير للذكر أن “يوميات ريغان” (2007) قد نُشرت للتو. وباستثناء الوقت الذي دخل فيه المستشفى ليتلقى العلاج بعد محاولة اغتيال فاشلة، فقد كتب ريغان يومياته كل يوم. وقد كانت مذكراته اليومية تحتل ما طوله نحو صفحة ومكتوبة بوضوح بخط ريغان. وكما هو الحال مع كتاب “بقلم ريغان”، فإن “يوميات ريغان” هي من أعمال ريغان التي كتبها بيديه، وليست مواد كتبها موظفوه نيابة عنه.
لا عجب أن ريغان بدا مسترخيا ومسيطرا على نفسه. فقد فكر في الأمور مليا. وبوصفه شخصا كان كبير الاقتصاديين في مجلس المستشارين الاقتصاديين خلال 1981-82، فقد رأيت بصيرته الفكرية مباشرة.
وكانت واحدة من مهامي السابقة تحليل تملك الأراضي من قبل الحكومة الفيدرالية وتقديم التوصيات حول ما يجب الفعل بها. وكان هذا عملا كبيرا. فهذه الأراضي واسعة بحيث تغطي مساحة تبلغ ستة أضعاف مساحة فرنسا.
وتمثل هذه الأراضي التي يُزعم أنها حكومية شذوذا اشتراكيا كبيرا في نظام أمريكا الرأسمالي. وكما هو الحال مع جميع المشاريع الإشتراكية، فإنها تُدار بشكل سيئ من قبل السياسيين والبيروقراطيين الذين يرقصون على أنغام جماعات المصالح الضيقة. وبالفعل، فإن الأراضي الأمريكية المؤممة تمثل أصولا تساوي تريليونات الدولارات، إلا أنها تولد صافي تدفقات مالية سلبية للحكومة. وقد قدمت توصياتي لاجتماع مجلس الأراضي الحكومية السنوي في رينو، نيفادا، في أيلول 1981. وكان عنوان كلمتي هو “خصخصوا تلك الأراضي”.
لقد أثارت خطبتي التي ألقيتها في رينو ضجة. فقد استشاط وزير الداخلية جيمس وات غضبا لأنه أراد أن يسلم الأراضي للدولة—مستبدلا نوعا من الاشتراكية بآخر.  ولا داعي للقول أنني ظننت أنني وقعت في ورطة. وعلى أمل تجنب أن أصبح أضحية سياسية، فقد أرسلت بسرعة تحليلي إلى الرئيس.
ولدهشتي، فقد استجاب ريغان فورا، ووقف إلى صفي. والأفضل من ذلك، فقد جعل بسرعة من عروضي سياسة للإدارة. كما جعل ريغان رسالته حول ميزانية السنة المالية 1983 علنية عندما صادق على خصخصة الأراضي الحكومية: “إن بعض هذه الأراضي غير مستخدمة وستكون ذات قيمة أعظم للمجتمع إذا تم تحويلها إلى القطاع الخاص. فسوف نوفر في السنوات الثلاث المقبلة 9 مليارات دولار باستبعاد هذه الممتلكات، بينما نحمي ونحافظ بالكامل على الحدائق العامة والغابات والبراري والمناظر الطبيعية القومية”.
لقد تبين أن ريغان كان قد فكر مسبقا بهذا الأمر. ويحتوي كتاب “بقلم ريغان”، على عدة مقالات حول الموضوع والتي تؤذن ببيانه السياسي. فإن تأملاته المتعلقة بالأراضي الحكومية تردد كتابات مفكر جيد آخر وهو آدم سميث.  وعلى الرغم من أن ريغان لم يقتبس عن سميث مطلقا، فإن منطقهما كان متشابها.
واختتم سميث كتابه “ثراء الأمم” (1776) بقوله “لا تبدو أي شخصيتين غير منسجمتين أكثر من شخصيتي التاجر والسيد”، حيث أن الناس يبذرون أموال الآخرين أكثر مما يبذرون أموالهم. وبذلك الاعتقاد، فقد قدر أن إنتاجية الأراضي التي تمتلكها الدولة تبلغ 20% فقط مقارنة بالممتلكات الخاصة. واعتقد سميث أن قطع الأراضي الرائعة في أوروبا هي “مجرد مضيعة وإضاعة للدولة من حيث كلا المنتج والسكان”.
وقد اوقفت المعارضة السياسية ريغان من الخصخصة. وبالتالي بقيت أراضي الولايات المتحدة المؤممة تستخدم بطريقة سيئة. ولكن ريغان المفكر كان محقا قبل وقت طويل!
© معهد كيتو، منبر الحرية، 21 تشرين الثاني 2007.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

منذ الزحف على إفريقيا في القرن التاسع عشر، اعتدنا على التدخل الغربي، مع ان زوال الاستعمار كان يفترض أن يكون نهاية لذلك، لكن بعد مغادرة القبعات النسيجية والبدلات الضيقة إفريقيا، وُلد استعماريون جدد: المنظمات غير الحكومية الموجودة هنا لحفظ إفريقيا من كل شيء، من الغذاء المعدَّل وراثيا الى العولمة!
تتكون المنظمات غير الحكومية من جماعات المستهلكين، الفرق الإنسانية، ومؤسسات التنمية الخيرية، التي توحدت في الاعتقاد ان الحضارة الصناعية الحديثة، والأرباح والمنافسة ليست أخلاقية. من وجهة نظرهم، ستتم خدمة الافراد، خصوصا في الدول النامية، بشكل افضل بواسطة الانظمة الشاملة وتدخل الدول الذي يفضل إعادة توزيع الثروة على الدينامية التي اثْرت الغرب وبعض الدول الآسيوية مثل تايوان، واليابان وكوريا الجنوبية.
لكن على الرغم من ادعاءاتها بأنها تمثل مصالح الفقراء، جاءت عدة فئات فقط من المنظمات غير الحكومية المسجلة بالأمم المتحدة من الدول النامية، والأغلبية الساحقة من الولايات المتحدة الامريكية، والكثير من بريطانيا، وفرنسا وألمانيا.
لهذه المجموعات تأثير يفتح الطرق لأبعد من حجمها. العديد من الدول الأفقر ليس لديها المقدرة على تشكيل سياساتها الخاصة بالخدمات الاجتماعية مثل الصحة، لذلك فهي تتعاقد بشكل فرعي مع منظمة الصحة العالمية والتي استُعمرت من منظمات غير حكومية عملت كاستشاري سياسات يلعب دورا كبيرا في تشكيل النصائح الفنية للدول الأعضاء مع أن “خبراء” المنظمات غير الحكومية يعملون بشكل خاطئ وباستمرار.
خذ مثلا مرض الايدز. بسبب عدم إمكانية الشفاء، الطريقة الوحيدة لمواجهة انتشار الوباء تفضيل استخدام الوسائل الوقائية لوقف تزايد عدد الإصابات سنويا. بالطبع، المعالجة ضرورية لكن ليس لدرجة استثناء الوقاية. ومع ذلك، ضغطت المنظمات غير الحكومية بشدة للحصول على معظم الأموال العامة من اجل صرفها على برامج المعالجة الدوائية للذين أصيبوا فعلا، مع ان الدول الاشد إصابة لا يوجد بها أطباء وعيادات لإدارة الدواء.
خضعت منظمة الصحة العالمية للضغط، وهكذا استمرت الإصابات بالزيادة وأصبحت المعالجة غير منظمة.
حصل شيء مشابه بالملاريا: سيطرت دول من الهند الى جنوب إفريقيا بنجاح على الملاريا بواسطة رش داخل البيوت بالـ دي دي تي. روّج ناشطو البيئة والمنظمات غير الحكومية لقصص مرعبة وغير منطقية من الولايات المتحدة الامريكية للسيطرة على المبيد وضغطوا من اجل حظره. فأوقفت منظمة الصحة العالمية التوصية باستخدامه في التسعينات وحظر بشكل فعال. فازدادت الملاريا عالميا. وحديثا، اعادت جنوب إفريقيا انتاج مبيد الرش الـ دي دي تي، وانخفضت الحالات!
أخافت المنظمات غير الحكومية الغربية ايضا المستهلكين الأوروبيين، ودفعتهم لعدم شراء المحاصيل المعدلة وراثيا التي تزرع في إفريقيا، وصعّبت الامر على المزارعين الذين يصدرون للاتحاد الأوروبي من اجل إعالة أنفسهم.
كما عملت المنظمات غير الحكومية على مستوى الحكومات المحلية ايضا، من خلال النصائح المباشرة للحكومات الافريقية. واهتمت الحملة الأخيرة بالعلاقة بين الملكية الفكرية والصحة العامة. إذ جادل الناشطون لعدة سنوات بأنه، وللتطور البطيء جدا من ادوية الامراض الاستوائية بالدول الافقر، منعت براءات الاختراع ذلك، وهذا ظلم موروث حسب ادعائهم.
استخدم الناشطون هذا الادعاء لدفع منظمة الصحة العالمية لعقد معاهدة للابحاث والتطوير الطبي يحدد بموجبها البيروقراطيون، وليس الاسواق، ما هي الأمراض التي سيتم إجراء بحوث عليها. وأملوا انه لو استثنيت الارباح من المعادلة، فإن ذلك سيدخلنا الى عهد خيالي جديد تنفجر فيه قنبلة من الادوية الرخيصة التي ستتوفر مجانا للفقراء بغض النظر عن حقيقة ان عمليات الأبحاث والتطوير التي قادتها السوق أنتجت الأغلبية الساحقة من العلاجات المتاحة في الدول الغنية والفقيرة بتكلفة بسيطة—او بدون تكلفة—على دافعي الضريبة. ستضعف هذه المعاهدة ايضا حقوق الملكية الفكرية، وستمكن أي حكومة من نسخ الادوية المرخصة، وتزيل الحوافز الى الابحاث والتطوير الابتكارية.
لقد حققت المنظمات غير الحكومية ذلك بالضغط على الحكومات الافريقية في منظمة الصحة العالمية: المتشابهات بين أدب حملات المنظمات غير الحكومية والموقف الرسمي لكينيا، المؤيد الرئيسي لهذا المخطط، كثيرة وليست محض مصادفة.
بالطبع، حكومة كندا لديها أسبابها الخاصة لدعم هذا المخطط، لحماية صناعتها الدوائية وتحويل اللوم في فشلها الخاص في الرعاية الصحية على الاجانب مثل الشركات الدوائية الدولية!
كان لأعضاء المنظمات غير الحكومية المنادين بالسياسة الدولانية تأثير كبير على الرأي العام، وعلى أيديولوجيات الامم المتحدة والحكومات الافريقية، على الرغم من ان مقترحاتهم لم تعمل في بلادهم؛ في الغرب. وقبل ان نأخذ بنصائحهم، يجب ان نقرأ الوصفة بعناية، وبخلاف ذلك سنعاني من آثار جانبية خطيرة.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 7 تشرين الثاني 2007.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

“هل تعلم انني عندما أسأل الناس عن رأيهم في أهداف أمريكا اليوم لا أجد عندهم أي فكرة عن الموضوع؟ لا نعرف ما الذي نحاول تحقيقه. وأنا أعتقد بأنه سواء في الحياة الشخصية أو في الشأن الوطني، يجب أن يكون لدينا بعض الأهداف.” (السيناتور هيلاري كلينتون، من حديث إلى قناة الـ إم. إس. إن. بي. سي.، في 11 أيار 2007).
رأي هيلاري كلينتون يتعارض مع رأي مؤسسي أمريكا، ففكرة أن يكون لدى الأمة الأمريكية “أهداف” كما لدى الأفراد هي فكرة غريبة عنهم بالكامل. بالنسبة إليهم تتلخص التزامات الحكومة في “الحفاظ على حقوقنا البديهية في الحياة، والحرية والسعي إلى السعادة.” هذا التأكيد على أولوية الفرد هو جوهر الاستثناء الأمريكي الصحيح.
الأهداف القومية هي تلطيف للتعبير عن السلطة الوطنية السياسية المركزة. وقد كان العالم القديم مليئاً بالأهداف القومية، ومعظمها خبيث، ومفهوم الأهداف القومية لا يختلف خارج أمريكا عنه كما اقترح أخيراً داخل أمريكا، لكن السيدة كلينتون مصرة على ترويج هذا المفهوم إذ قالت في خطاب حملتها الانتخابية في نيو هامبشير أنه “مجتمع نشترك فيه جميعاً” أكثر من “مجتمع مِلكية”، واستشهدت مراراً بفكرة أن الأمريكيين يريدون “أن يكونوا جزءاً من شيء أكبر من أنفسهم.”
وكان لهيلاري حليف آخر غير اعتيادي يشاركها الإحباط من عدم وجود أهداف قومية، هو حركة المحافظين الجدد، أو لنسمها حركة “العظمة القومية” وهي المجموعة السياسية الأقوى في الولايات المتحدة اليوم. ودعا منظّرو المجموعة مثل بيل كريستول وروبرت كيغين إلى تلبية رغبة الرئيس جورج بوش بـ”القتال حيثما دعت الضرورة في أي مكان في العالم” اعترافاً بـ”جزء أساسي من العظمة القومية.”
ديفيد بروكس وهو كاتب عمود في صحيفة “نيويورك تايمز”، من أكبر مناصري المحافظين الجدد المفوِّهين. فهو يعصر يديه في مقال له في الـ”ويكلي ستاندرد” قائلاً “إن الأمريكيين تخلوا عن سعيهم إلى العظمة القومية في كل ناحية.” وكيف له أن يصف ذلك الهدف؟ يقول: “الطموح الفردي وقوة الإرادة يعززان قضية العظمة القومية. ومن خلال جعل الأمة عظيمة، يستطيع الأفراد أن يضموا اهتماماتهم الضيقة إلى المشروع القومي الأكبر.” ويستمر قائلاً: “في النهاية يمكن للغاية الأمريكية أن تجد صوتها في واشنطن فقط.”
يبدو أن السيدة كلينتون وجدت في شخص بروكس رفيقها الروحي إن لم يكن الرفيق المرشح للانتخابات في المستقبل.
وهناك الكثير من الروابط بين السيدة كلينتون والمحافظين الجدد فثمة خاصية أخرى تشاركهم بها وهي الخلط في استخدام الحكومة الفيدرالية—كما لو أنه لا توجد قيود دستورية على السلطة الفيدرالية! ومع ما هو معروف عن المحافظين الجدد من دفعهم الأمريكيين إلى الحرب في العراق إلا أنه غالباً ما يتم التغاضي عن مدى دعوة سياساتهم المحلية إلى مبادرات فيدرالية نشطة.
سيطرة الحكومة الفيدرالية على التعليم تحت شعار “لن يترك أي طفل” هو مشروع للمحافظين الجدد، كذلك المبادرة المبنية على الإيمان التي مولت المنظمات الدينية المحلية. لقد دعا بروكس أخيراً إلى تشكيل “لجنة العائلات المزدهرة”، يقول: “اجمعوا الاقتصاديين والناشطين الدينيين وعلماء النفس في غرفة واحدة لبحث كيفية قيام الحكومة بتخفيف الضغط عن العائلات المكافحة”، وهذه طبعاً الحكومة نفسها التي استطاعت بعد ثلاثة أيام أن تكتشف أن إعصار كاترينا قد خلَّف مشكلة صغيرة في نيو أورليانز!
في كتابها “نحتاج إلى قرية” (القرية هي الحكومة الفيدرالية) تقترح السيدة كلينتون على الحكومة تمويل أشرطة فيديو عن العناية بالطفل “يمكن تشغيلها باستمرار في مكاتب الأطباء والعيادات والمستشفيات ومكاتب السيارات أو أي مكان آخر يجتمع فيه الناس للانتظار.”
الحكومة الموسعة ستكون مشروعاً دائماً لأولئك الذين يخضعون الأفراد للأهداف القومية الجماعية. كان مؤسسو أمريكا يدركون جيداً هذا الخطر، لذلك قدموا دستوراً بسلطات متعددة—ولذلك فهي محددة، كما قال توماس جيفرسن: “الدستور وضع على أساس أن كل السلطات التي لا يفوضها للولايات المتحدة، لا يحظرها بالتالي على هذه الولايات. انها سلطات محفوظة للولايات أو للشعب، وأي خطوة خارج هذه الحدود الموضوعة حول سلطات الكونغرس هي استيلاء على مجال غير محدود من السلطة وغير قابل لأي تعريفات.”
يبدو أن السيدة كلينتون تتبع بخطورة الطريق المشؤوم للمحافظين الجدد، وهدفها الاستيلاء على المجال غير المحدود.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 1 تشرين الأول 2007.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

بعد كل الحديث عن إفريقيا وعن التغيرات المناخية وعن التجارة العالمية كمواضيع مركزية لاجتماعات مجموعة الثماني، فإن الفيل في غرفة الطعام قد أطلق بوقه.
آندريه إلاريونوف، المستشار الاقتصادي السابق للرئيس فلاديمير بوتين، أعلن بأن قبول مجموعة السبع لروسيا “يدلل على مدى عدم اهتمامها بمصير الحرية والديمقراطية في روسيا”. سياسة “الترضية” تلك “من شأنها أن تنال من بقاء المؤسسات الغربية الرئيسية، مثل اقتصاديات السوق والديمقراطية الليبرالية وحقوق الإنسان”.
وفي الحقيقة، فإن وجود روسيا ينال من صميم القيم التي تجمّعت الدول الصناعية الديمقراطية السبع معاً من أجل الحفاظ عليها، ذلك أن روسيا ليست اقتصاداً حراً متقدماً كما أنها ليست ديمقراطية: إن ناتجها القومي الاجمالي هو نتيجة لحجمها وليس لكفاءة أدائها، بينما الديمقراطية تتطلب أكثر بكثير من مجرد عقد انتخابات بين الحين والآخر.
اقتصادياً، تملك روسيا ثروات طبيعية هائلة، بيد أن أداءها يكشف النقاب عن عجز مخططيها المركزيين. لدى موسكو أكبر تجمع لأصحاب ملايين الدولارات في العالم. بيد أن هذه الثروة ما زالت تعتمد على المحسوبية. أصحاب المبادرات في روسيا لا يُشيدون ولا يبيعون منتجاتهم وخدماتهم التي يحتاج إليها الناس فعلاً—إنهم يبنون علاقات وثيقة مع الكرملين. كما تحتل روسيا المرتبة 91 في العالم من حيث دخل الفرد من الناتج القومي الاجمالي، أقل كثيراً من دخل الغابون وجنوب إفريقيا وتركيا.
لقد أحبطت الرقابة المركزية النمو على امتداد الاقتصاد الروسي. بل إن إساءة استخدام السلطة هو أمر روتيني: البيروقراطيون الروس غير الخاضعين للمساءلة يجنون ثروات طائلة عن طريق أنظمة عشوائية ومصادرات، ويخضع رجال الأعمال إلى اللجوء إلى الرشوة والتعاملات المُريبة في الخفاء. فبعيداً عن كل عمليات النهب الشهيرة من النفط الذي يملكه الغرب وحقول الغاز، هنالك حشود من الموظفين المتعطشين لطلب الرشوات من جميع صغار التجار. وتُصنف روسيا حالياً في المرتبة 121 ضمن مؤشر منظمة الشفافية العالمية للفساد من مجموع 163 دولة—أي بعد كازخستان، ودرجة واحدة فقط قبل إندونيسيا.
وتنال الرشوة في نظام المحاكم من حقوق المُلكية والعقود، وبالأخص بالنسبة للأجانب، بحيث تُثبط همّة المستثمرين الذين تحتاج روسيا إليهم بشكل كبير. فبالنسبة للروس فإن غياب حكم القانون هو السبب وراء حقيقة أن أكثر من 46 في المائة من دخلهم يأتي مما يُسمى بـ”القطاع غير الرسمي”: غير المُسجل وغير الخاضع للضرائب، ويُعتبر في عداد النشاطات غير القانونية.
كل هذه القصص من سوء الحاكمية تضع روسيا في المرتبة 103 من مجموع 130 بلداً ضمن مؤشر معهدي كيتو الأمريكي وفريزر الكندي للحرية الاقتصادية في العالم لعام 2006، أي أسوأ من نيجيريا والصين وبنغلادش.
أما محطات الراديو والتلفاز والصحف فمعظمها إما مسيطر عليها مباشرة أو تحت تأثير عميق واسع من النظام. ووفق تقديرات صحيفة “موسكو تايمز” فإن النخبة الحاكمة تسيطر على حوالي 90 في المائة من الأخبار.
روسيا تملك نفس مصداقية فنزويللا لعضوية مجموعة الدول الصناعية! أي الدولة الغنية بالنفط التي يحكمها حزب واحد بقيادة الرئيس هوغو شافيز، الذي أغلق محطة راديو وتلفزيون كاراكاس.
مجموعة السبع سمحت لروسيا بالانضمام إليها في عام 1998 على أمل أن تغريها إلى تدعيم الديمقراطية وتحرير الاقتصاد في بلادها. بعض منا ممن ذهب إلى احتفالات مجموعة الثماني التي عقدت في روسيا في العام الماضي كان يود أن يُلقى الضوء على قمع النظام واحتكاره لمؤسسات الدولة ومحسوبيته وسياسته الحمائية في الاقتصاد—ناهيكم عن تدخله، في حقبة ما بعد الإمبراطورية السوفييتية، في شؤون استقرار ورخاء الديمقراطيات الجديدة في أوروبا الشرقية. لقد فعلنا ذلك، ولكن لم يتغير أي شيء.
وبدلاً من استخدام اجتماع السنة الحالية لمجموعة الثماني لعمل الشيء الصحيح ولتقريع روسيا، فإن مسؤولي الخارجية الألمانية تحدثوا عن “تحديد الضرر” وهي العبارة الحالية الموازية لما كان يُعرف بسياسة الترضية.
عندما تكون الحكومة حرة في كتابة قوانينها ذاتها، فإن التاريخ يخبرنا بأنها تكون أيضاً حرة في انتهاك تلك القوانين. وما لم تعمد مجموعة السبع إلى عكس سياسة الترضية وتطلب من روسيا سلوك مسلك قويم، فإن الفيل الروسي سوف يظل خارج نطاق السيطرة. إن من مصلحة الجميع مساعدة الشعب الروسي على تحقيق الحرية الاقتصادية والنمو لأن الديمقراطيات المزدهرة هي وحدها التي تؤمن جيران أمناء.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 14 آب 2007.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

وُصفت الانتخابات التي سوف تجري في تركيا خلال هذا الشهر بأنها معركة من أجل السيطرة على روح الأمة. ولكن بعيداً عن كونها معركة بين العلمانية والإسلام، كما يحلو للبعض أن يعتقد، فإن المعركة هي في الحقيقة صراع بين قوى الحرية والديمقراطية من جهة وبين السلطوية من الناحية الأخرى.
نتيجة الانتخابات سوف تقرر ما إذا كانت تركيا سوف تواصل طريق التحديث الذي اتبعته خلال السنوات الخمس الماضية تحت حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم، أو أن تعود بالخطى إلى الوراء حيث تصبح القوة موازية للحق، والقوة تتحقق من خلال فوهة البندقية. هل سيكون هناك قرار لتحقيق توافق جديد بين الدولة والمواطنين يكون مقبولاً ومنسجماً مع تراث تركيا الإسلامي وثقافتها العلمانية السياسية، أو هل ستتمكن القوة العسكرية من اغتصاب حق الشعب في اختيار حكومته والنيل من صلاحية الحكومة في خدمة الشعب؟
المظاهرات التي جرت في أنقرة في شهري نيسان وأيار أثارت شبح الإسلام الراديكالي كسبب للتحايل على العملية الديمقراطية. ولكن توصيف هذه الحكومة بعناصر الإسلام الراديكالي هو افتئات صارخ على الحقيقة. فهذه حكومة ملتزمة بشكل واضح بعملية المحافظة على الديمقراطية مهما كلف الأمر، في الوقت الذي تأخذ فيه خطوات ملموسة لإزالة ما يحيط بالأحزاب ذات الصلة الإسلامية من سوء فهم. ومع أن قواعد الدولة التركية العلمانية كانت ترتكز في الماضي على القوة العسكرية فإننا اليوم نرى أخيراً حكومة مدنية انتخبت انتخاباً ديمقراطياً وليست في حاجة إلى وصف الدين بالشيطان. إن خطوات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الشجاعة في توجهه لعضوية الاتحاد الأوروبي، وبالأخص في حقل الإصلاح القانوني، يجب أن يزيل أيضاً أية شكوك حول إيمان تركيا بالديمقراطية.
منذ أوائل عقد الثمانينات من القرن الماضي، كانت السياسة التركية تتسم بوجود دولة قوية ومجتمع مدني ضعيف، كانت فيه الحقوق الفردية مقبولة فقط في حالة انسجامها مع التصور الوسطي. كانت تهيمن على الانتخابات في تلك الحقبة الإجراءات الكاسحة لخنق والنيل من المجموعات المعارضة على امتداد الساحة السياسية. بيد أن تلك الإجراءات المناهضة للديمقراطية قد بدت، حتى وقعت التطورات الأخيرة، وكأنها أصبحت في سلة التاريخ، نتيجة للانتخابات البرلمانية التاريخية التي جرت في عام 2002.
إن الالتزام بالعملية الديمقراطية يُمثل تحولاً مفصلياً في السياسات التركية والذي من خلاله تم ترجمة إرادة الشعب على سياسات اقتصادية حكيمة، وإلى تعظيم الرفاه الاجتماعي وإلى دفع عملية الاندماج بشكل أكبر مع أوروبا. وعلى نقيض واضح من تهديدات العسكريين بالتدخل، فقد أبدى قادة تركيا إرادة واضحة والتزاماً بالمضي في عملية الإصلاح.
إن تداعيات تدخل عسكري سوف تكون بعيدة المدى وغاية في الخطورة. لا حاجة إلى إعادة بعث الذنوب التي ارتكبت في الجزائر. وبينما أن بنود الدستور في تركيا تحول دون إمكانية خطف العملية الانتخابية، فإن من غير المحتمل أن يقبل الشعب التركي بمثل تلك الحركة بسهولة لو حدثت بالفعل. عندها يمكننا أن نتوقع بأن المفاوضات مع المجموعة الأوروبية سوف تنحل فوراً، الأمر الذي يرضي تلك الحكومات في أوروبا التي كانت منذ البداية عازمة على إقصاء تركيا. إن النمو غير المسبوق الذي حققه الاقتصاد التركي سوف يتباطأ دون شك. وفي نهاية المطاف يمكن أن نشاهد انهيار الجسر الحضاري الذي تقوم اسطنبول ببناءه بين الشرق والغرب.
ومن الأمور التي تدعو إلى القلق أيضاً هو أن مثل ذلك الحدث سوف يكون بمثابة خيانة لتطلعات المسلمين الديمقراطيين في تركيا وعلى امتداد العالم الإسلامي. ذلك أن تركيا، مثلها مثل إندونيسيا، تعتبر على نطاق واسع كحالة تجربة لإظهار التوافق بين السياسة الإسلامية والديمقراطية. إنها تعبير عن السلام والتطور الذي أثار اهتمام المسلمين وأوقد جذوة الفخر على المستوى الدولي. الراديكاليون بكل تأكيد سوف يستخدمون انقلاباً يحدث كدليل على النفاق الغربي في الدعوة إلى الحرية والديمقراطية في العالم الإسلامي من جهة، في الوقت الذي يُدير فيه بصره عن الحكم السلطوي. ولسوف يفقد المعتدلون الأرضية التي يقفون عليها في منطقة تعمها الراديكالية والتي تُأجج نيرانها الأوضاع المتردية في العراق والفشل في حل الصراع العربي-الإسرائيلي.
في الأيام القادمة سوف يتم كشف النقاب عن الألوان الحقيقية لمن يملكون زمام الأمر في هذه المسرحية. وكواحدة من أوثق حلفائها فإن من حق تركيا أن تتوقع بأن الغرب لن يقدم أي دعمٍ علني أو غير علني إلى أية محاولة لإخراج الديمقراطية عن مسارها. إن الفشل في إظهار تأييدٍ تام للديمقراطية التركية من شأنه أن يشكل دعوة قوية نحو التطرف سواءٌ كان إسلامياً أو علمانياً وأن تُتيح له النمو بحرية. بكل تأكيد، فإن أولئك الذين يدعون بأنهم يمثلون تطلعات الدولة التركية الحديثة قد ينجحون في إسقاط الحكومة الحالية، وبالأخص عندما يكونون مستندين إلى القوة العسكرية المجردة. ولكن مثل ذلك سوف يكون نصراً مزيفاً، لأن الثمن سوف يكون الحرية والديمقراطية نفسيهما.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 18 تموز 2007.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

أحد الانتقادات الشديدة المتكررة لإصلاح الهجرة الشامل هو أنه مكلف جداً على دافعي الضريبة، وأن العمّال غير المهرة الذين سيصرّح لهم بالعمل حسب الخطة المرفوعة إلى الكونغرس سوف يدفعون ضرائب أقل من المولودين في الولايات المتحدة ويستهلكون خدمات أكثر. ويقول منتقدو الإصلاح أن إعطاء صفة الشرعية لعدة ملايين من العمّال الذين لا يحملون الوثائق والسماح لمئات الآلاف من العمّال الجدد أن يدخلوا البلاد قانونياً كل سنة يكلّف دافعي الضرائب الأمريكيين بلايين الدولارات.
من المؤكد أن العمّال غير المهرة، بالمعدل، يستهلكون من الخدمات الحكومية أكثر مما يدفعون كرسوم، خاصة على المستوى المحلي ومستوى الولاية. ولكن بعض التقديرات كان فيها مُبالغة. علاوة على ذلك، فان قيمة المهاجر للمجتمع الأمريكي يجب أن لا يُحكم عليها فقط من خلال أثره المالي.
يقع اللوم على الهجرة المتزايدة في مشكلة الطرق، والمدارس الحكومية، والمستشفيات والسجون المزدحمة. وفي هذه الأمثلة الأربعة تم المبالغة في الأثر السلبي للهجرة. فيما يخص الاختناق في الطرق، لعبت الهجرة دوراً ثانوياً في النمو السكاني على مستوى الأمة وعلى المستوى المحلي. على مستوى الأمة، الهجرة الدولية مسؤولة عن 43% من الزيادة السكانية في أمريكا سنوياً. وعلى المستوى المحلي، يبين تحليل لإحصاء أمريكي أن الهجرة الدولية مسؤولة عن 28% من النمو السكاني بين الأعوام 2000-2006. كما إن نسبة المواليد مسؤولة عن 38% من النمو على مستوى المقاطعة، والهجرة من مقاطعات أخرى 34%. ثلث المقاطعات الأمريكية خسرت فعلياً سكاناً بين 2000-2006 لأن نسبة المواليد استمرت في الانخفاض وأن الأمريكيين يهاجرون داخلياً إلى المدن ذات الحركة الاقتصادية العالية النشاط. فإذا بدت الطرق مزدحمة، فهذا ليس سببه الهجرة ولكن النمو الطبيعي والهجرة الداخلية هما المسؤولان عن ذلك.
أما بالنسبة لازدحام المدارس الحكومية المزعوم، فلا يمكن لوم المهاجرين غير المهرة فقط، فالتسجيل في نظام المدارس الحكومية انخفض فعلياً قياساً لحجم السكان في أمريكا. وكما هو الأمر مع الطرقات، فإن الازدحام في بعض المقاطعات المعنية ومدارسها يعود إلى المواليد الجدد والهجرة الداخلية أكثر مما يعود إلى المهاجرين الواصلين حديثاً إلي البلاد.
وفيما يخص الجريمة، فإن الهجرة، مرةً ثانية، ليست هي الدافع لها. لقد كانت نسبة الجريمة في الولايات المتحدة في انخفاض في السنوات القريبة وبينما الهجرة كانت في ازدياد. وبعد ارتفاعها بثبات من الستينيات إلى التسعينيات من القرن العشرين، فإن نسبة الجريمة العنيفة في الولايات المتحدة قد انخفضت من 758 جريمة لكل مئة ألف من السكان في عام 1991 إلى 469 جريمة في عام 2005. فالمهاجرون في السجون اقل عدداً من المواطنين ذوي التعليم والخلفية العرقية المماثلين. وقد بينت الدراسات أن المهاجرين هم الأقل ميلاً إلى الجريمة، ليس بدافع خوفهم من الترحيل من البلاد، ولكن بسبب عوامل اجتماعية معقدة. وكل الأدلة المتوفرة تعارض الخوف بأن السماح للمهاجرين غير المهرة لأن يدخلوا إلى الولايات المتحدة سوف يزيد نوعاً ما من الجريمة وازدحام السجون.
أما بالنسبة للمستشفيات، خاصة غرف الطوارئ، فإن وجود العمال غير المؤمَّنين، قليلي المهارة في مجال معين، لا يفرض تكاليف إضافية على المستشفيات على شكل الرعاية التي لا تعويض مقابلها. على أي حال، لا دليل هناك على أن الهجرة غير الشرعية هي السبب الرئيسي في مثل هذه التكاليف على مستوى الأمّة. وفي الواقع، إن المهاجرين غير المهرة يميلون إلى قلة استخدام الرعاية الصحية لأنهم عادة ما يكونوا شباباً وذوي صحة جيدة نسبياً.
بالرغم من أن معارضي إصلاح سياسة الهجرة قاموا بالمبالغة في النتائج المالية السلبية للمهاجرين غير المهرة، إلا أن الهجرة قد تفرض أعباءً حقيقية على المستوى المحلي. ففي عام 1997، وبالرغم من أن التأثير المالي للمهاجر النموذجي وأبنائه إيجابياً تماماً على المستوى الفيدرالي، يكون سلبياً على المستوى المحلي ومستوى الولاية. لذا يجب مقارنة التكاليف المالية المحلية، وعلى مستوى الولاية، مع الأثر الإيجابي للهجرة على الاقتصاد بشكل عام. فالمهاجرون غير المهرة يساعدون الاقتصاد في أن ينتج عدداً كبيراً من البضائع والخدمات ويخلق فرصاً للاستثمار والعمل.
إن الرد الصحيح لـ”سياسة القلق” بشأن الهجرة لا يكون بقمعها، ولكن بالتحكم في إعادة تحصيص الإنفاق الحكومي. كما إن ردّ فعلٍ آخر مناسب سيكون شكلاً من اقتسام الدخل من الحكومة الفيدرالية إلى الحكومات المحلية وعلى مستوى الولاية. إذ يمكن للحكومة الفيدرالية أن تعوض حكومات الولايات والادارات المحلية التي تتحمل تكاليف الازدياد في الهجرة. والتحويلات يمكن أن تعادل وتعوض عن التكاليف الإضافية في خدمات الرعاية الصحية وغرف الطوارئ، وكذلك التسجيل الإضافي في المدارس الحكومية. ومثل هذا البرنامج لن يخلق أية برامج أخرى جديدة أو إنفاق حكومي إضافي، وببساطة، سوف يقوم بإعادة تحصيص الدخل الحكومي بطريقة تتطابق والإنفاق ذا العلاقة.
الخوف الذي في غير محله عن الأثر المالي السلبي للهجرة لا ينفي الجدل من أجل إصلاح شامل للهجرة، ولا يبرّر الدعوات للمزيد من الإنفاق المالي على الجهود الفاشلة لتعزيز قانون الهجرة الحالي المختل وظيفياً لدينا. إذا كان الهدف الأول هو التحكم بحجم الإنفاق الحكومي، إذن سيكون على الكونغرس والرئيس الأمريكي أن يبنيا جدار عزل أمام دولة الرفاه الاجتماعي، وليس في وجه المهاجرين.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 4 تموز 2007.

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

دخلت زيمبابوي جحيم التضخّم المفرط. إذ ارتفع التضخم في آذار الماضي أكثر من 50 في المئة من الحد الشهري الذي يُوصَف بأنه تضخّم مفرط. والإعلان رسمياً عن محنة وعذاب زيمبابوي، يتضمن الإشارة إلى التضخم المفرط الذي حدث في ألمانيا في عامي 1922 و1923، حين بلغت نسبة التضخّم الشهري 32400 في المئة. واختيار الإشارة إلى تجربة ألمانيا “أمر غريب نوعاً ما”. ومع ذلك، سُجّل أكبر تضخم مفرط شهري عالمياً في هنغاريا في تموز عام 1946، وكان أعلى باثنتي عشرة مرة من الذروة الشهرية في التضخّم المفرط لألمانيا. لكن كما هي الحال في الإحصاءات والمعلومات المالية والاقتصادية، أسقطه السجلّ الهنغاري في ما سماه المؤلف جورج أورويل “ثغرة في الذاكرة”. وهذا الأمر يوصلنا إلى تضخم مفرط آخر، كان أكثر قسوة من الذي حصل مع ألمانيا، حدث في يوغوسلافيا خلال التسعينات من القرن العشرين ولم يتم تسجيله في الوعي العام، إلاّ من قبلي، بصفتي مستشار نائب رئيس يوغوسلافيا بين عامي 1990 و1991، إذ حذّرت في حينه من عاصفة مقبلة.
والقصّة أن بين الأعوام 1971 و1991، كانت نسبة التضخم المسجلة سنوياً في يوغوسلافيا هي 76 في المئة، وتجاوزت هذه النسبة فقط زائير والبرازيل.
لكن الأمور أصبحت أكثر سوءاً بعد ان اكتشفت حكومة رئيس الوزراء أنتي ماركوفيتش الفيدرالية في 7 كانون الثاني 1991 أنه تحت سيطرة سلوبودان ميلوسوفيتش، أمر البرلمان الصربي “البنك المركزي الصربي” (البنك المركزي الإقليمي) سراً أن يُصدر 1.4 بليون دولار على شكل ائتمان مالي إلى أصدقاء ميلوسوفيتش.
وتلك السرقة غير القانونية كانت تساوي أكثر من نصف الأموال الجديدة التي كان يخطط البنك المركزي اليوغوسلافي لإصدارها في عام 1991، ما نَسف خطط حكومة ماركوفيتش المتأرجحة لتطبيق إصلاح اقتصادي، وعزز تصميم قادة كرواتيا وسلوفينيا على الانفصال عن جمهورية يوغوسلافيا الفيدرالية الاشتراكية.
وبلغ التضخم المالي ذروته في كانون الثاني عام 1994، عندما بلغت النسبة الرسمية الشهرية للتضخم 313 مليون في المئة، أي أعلى بأربع درجات من التضخم المفرط المسجل في ألمانيا في العشرينات من القرن الماضي، لكنه أقل من السجل الهنغاري. واستمر التضخم المفرط في يوغوسلافيا لمدة 24 شهراً، أي أقل بشهرين من التضخم المفرط الذي حدث في الاتحاد السوفييتي في مطلع العشرينات من القرن العشرين. وكانت النتائج مُدمِّرة على الاقتصاد المحلي. وقبل أن يقوم الـ”ناتو” بضرب يوغوسلافيا في عام 1999، كان جنون ميلوسوفيتش النقدي دمّر الاقتصاد تماماً، ثم أشعل الحرب، مطبقاً “سياسة قديمة للاحتفاظ بالسلطة”.
وخلال فترة الـ24 شهراً من التضخم المفرط، انخفض دخل الفرد الواحد بما يفوق الـ50 في المئة. وأُجبر الناس العاديون على استنزاف مدّخراتهم من العملة الصعبة. ولم يستطع الناس شراء الطعام من السوق الحرة، وتجنّبوا المجاعة “إما بالوقوف في الصفوف الطويلة أمام مخازن الحكومة من أجل التموين غير المنتظم بسلع متدنية النوعية، أو من خلال الاعتماد على الأقارب الذين كانوا يعيشون في الريف”. ولمدة طويلة أُغلقت محطات البنزين كلها في بلغراد، عاصمة يوغوسلافيا، باستثناء واحدة كانت تقدّم البترول للأجانب وأفراد السفارات. وأمضى الناس وقتاً كبيراً في أسواق الصرافة السوداء، حيث كانوا يتاجرون بأكوام هائلة من العملة المحلية، التي لا قيمة لها تقريباً، مقابل الحصول على مارك ألماني واحد أو دولار واحد.
وادعى ميلوسوفيتش أن “اليوغوسلاف كانوا ضحايا التأثيرات الخارجية”. وكان يكرر قصّته التي تقول أن التضخم المفرط والصعوبات الناتجة عنه كان سببها الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على البلاد بين أيار عام 1992 ونيسان 1993.
وفي الواقع، إن آلية ميلوسوفيتش النقدية استخدمت بإفراط لتمويل حروبه. إذ استخدم أكثر من 80 في المئة من موازنة يوغوسلافيا لصالح القوات العسكرية وقوات الشرطة. وبحلول كانون الأول عام 1993، كان ما نسبته 95 في المئة من الإنفاق الحكومي العام تُموّلها العملة التي تم طباعتها حديثاً.
ولا شيء يخبر هذه القصة الرهيبة أفضل من تخفيض قيمة الدينار اليوغوسلافي، مرات عدّة. إذ بين عام 1991 ونيسان عام 1998، خفضت قيمة الدينار 18 مرة (ثلاث منها تجاوزت 99 في المئة)، وأزيل 22 صفراً من تلك الوحدة الحسابية. وحوّل التضخم المفرط الورقة المالية من فئة 500 بليون دينار إلى “عملة صغيرة لا قيمة نقدية لها، قبل أن يجف حبرها”. وبهدف معرفة النتيجة على السكان المحليين، تخيّل عزيزي القارئ قيمة حساباتك المصرفية بالدولار، ثم حاول تحريك الفاصلة العشرية 22 منزلة إلى اليسار، وحاول أن تشتري شيئاً ما!
يذكر ان الأذى المالي الذي سببّه ميلوسوفيتش لم يكن شيئاً جديداً. فالملوك الصرب القدامى كانوا مشهورين بأنهم “لصوص مال”. ففي القرن الرابع عشر، زوّر الملك مليوتين عملة فضية فينيسية في مدن نوفوبوردو وبرزرن، الموجودتين الآن في كوسوفو. وكانت العملة المزوّرة تحتوي على سبع أثمان الفضة الموجودة في العملة الأصلية، لاحقاً منعت فينيسيا تداول هذه العملة المزورة.
وفي كتابه “الكوميديا الإلهية” شجب دانتي، الكاتب الإيطالي الشهير، ملك راسكيا ووصفه بـ”المزوّر”.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 26 حزيران 2007.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018