العلاقات الجيو-إستراتيجية والسياسية الدولية

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

لا ريب في ان واحدة من أهم مزايا دراسة التاريخ، التاريخ الكوني خاصة، تتمثل في إيجاد أنماط تكرار patterns of recurrence تعود للظهور من حقبة لأخرى أمام المجتمعات، فتكون ملاحظة هذه الأنماط من سمات الحكماء الذين يلاحظونها في سياق محاولتهم لتتبع هذه الأنماط أو المتوازيات التاريخية parallelisms كي يستثمروا خبرات المجتمعات والحقب الأخرى على سبيل خدمة مجتمعاتهم وحقبهم. هذه الحال تنطبق، بدقة مثيرة على ملاحظة وجود أنماط تكرار أو حالات توازي بين ما يجري اليوم في المجتمعات التقليدية عبر الشرق الأوسط، من ناحية، وبين المجتمع البريطاني في عصر الثورة الصناعية (القرن التاسع عشر)، إذ تعيش مجتمعاتنا حالة إنتقال تاريخي، هي في جوهرها، حالة إنتقال من أنماط علاقات وبنى القرون الوسطى إلى أنماط العلاقات الجديدة التي أفرزها العصر الحديث، خاصة بعد الإحتكاك والتلاقح الثقافي مع العالم الغربي.
وبقدر تعلق الأمر بالحركة الديمقراطية وتوسيع دوائر الإنتخابات في المجتمعات الشرقية، فإن للمرء أن يرتد إلى عصر الثورة الصناعية أعلاه لإستخراج ما يفيد من دروس، ولتجنب ما يضر من حالات سلبية، خاصة وأن التاريخ هو في جوهره “رسالة تعليمية” A Letter of Instruction.
وللمرء أن يستذكر، في سياق مثل هذا، أن عصر الثورة الصناعية في بريطانيا لم يكن ليحدث لولا عدد من الأعمدة الفكرية الفلسفية التي أرستها أعظم العقول الذكية آنذاك لتمهيد الطريق أمام الحريات والليبرالية، ومنها حركة الإقتصاد الحر laissez-faire ونظرية تقسيم العمل Division of Labor اللتان مهدتا الطريق لإنتقال الفكر الحر من الإقتصاد ومن حدود العرض والطلب (بمنأى عن تدخل الحكومة) إلى الحياة الإجتماعية والسياسية، إذ توّج فيلسوف القرن التاسع عشر “جو ستيوارت مل”  Mill هذه الحركة الليبرالية بكتابه الكلاسيكي الفذ، On Liberty، (في الحرية) الذي خدم كأداة لتفجير طاقات المجمتع من خلال زج قدرات الفقراء والطبقات الوسطى في عملية التغيير الإجتماعي والإقتصادي، تلك العملية التي كانت حكراً على الارستقراطية the aristocracy التي راح دورها يتلاشى بعد فقدان بريقها الذي كانت تتمتع به عبر القرون الوسطى أو العصر المظلم، خاصة وأن تحالفها مع الكنيسة، من ناحية، ومع التاج، من الناحية الثانية، كان هو الأساس الذي بنيت عليه حالة الإستكانة والركود الإجتماعي التي تواصلت عبر أوربا حتى حدوث ثورتين عظيمتين، هما: (1) الثورة الفرنسية، (2) الثورة الصناعية (بريطانيا).
لقد بدا مل، مؤلف كتاب (في الحرية) رسولاً مبشراً بالعصر الجديد إذ أنه قد بشّر  بأخلاقيات وبنى إجتماعية جديدة، الأمر الذي فتح الطريق أمام الطبقات الفقيرة والوسطى للتمتع بحريات إجتماعية وسياسية، قد لا ترقى إلى ما كانت تتمتع به الارستقراطية، ولكنها كانت حريات أسهمت في تفجير طاقات أوسع الفئات الإجتماعية نحو بناء أول مجتمع صناعي في تاريخ العالم.
لقد كان جون ستيوارت مل، فعلاً، أشبه بـ”المعلم” الأول الذي هيأ الأطر الإجتماعية والسياسية الواسعة لإستيعاب حركة المجتمع البريطاني حقبة ذاك نحو الديمقراطية، بعد تفكيك الأطر الوسيطة medieval التي تواصلت منذ القرون الوسطى حتى ظهور الماكنة التي بشرت ببداية عصر الصناعة.
إن أهم الإعتراضات التي قدمتها القوى الرجوعية لمقاومة المد الليبرالي الذي بشر به رجال من أمثال مل آنذاك، كانت تتجسد في الإعتراض بأن الحرية الزائدة أو غير المقيدة يمكن أن تتسبب بالفوضى وبالكثير من السلبيات، الأمر الذي يفسر ظهور واحد من أعظم كتابات العصر، على سبيل مقاومة التحرر الزائد الذي بشر به “مل”. كان هذا هو كتاب “ماثيو آرنولد” Matthew Arnold الموسوم بـ(الثقافة والفوضى) Culture and Anarchy   الذي حمل العديد من الآراء والأفكار التي تستعملها الفئات الرجوعية المقاومة للتغيير وللحريات وللديمقراطية في الشرق الأوسط اليوم لمقاومة تقدم الحريات ولإرجاع مجتمعاتنا نحو عصور الظلام نصف الإقطاعية ونصف الخرافية المسكونة بالغيبيات التي أبقتها حبيسة في ظلمة الماضي الطللي، غير قادرة على قطع نصف المسافة الفاصلة بينها وبين الرغبة في مواكبة العصر الحديث، إذ تجد بعض هذه المجتمعات نفسها غير قادرة على إيجاد موطئ  قدم لها في عصر جديد وأجواء جديدة لم تخبرها من ذي قبل.
©معهد كيتو، منبر الحرية، 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

بينما كنت أحدق بعيدا نحو “البلدة القديمة” المزدهرة والرائعة من هذه المدينة الأثرية (سلوفينيا)، والتي هي في الوقت الحالي عضو في الاتحاد الأوروبي، فقد بدا وكأنها قد ابتعدت كل البعد عن جمهورية يوغسلافيا والتي كانت تشكل جزءا منها لغاية العام 1991، عندما نالت سلوفينيا استقلالها بعد معركة قصيرة. وبالنسبة للتوترات الحاصلة بين صربيا وكوسوفو، وهما من البقايا الأخيرة من يوغسلافيا، فلم يكن الإحساس بها اشد عمقا هنا من تلك التوترات القائمة في معظم الأنحاء الأخرى من الاتحاد الأوروبي.

قامت معظم دول الاتحاد الأوروبي بالاعتراف باستقلال كوسوفو، باستثناء إسبانيا وقليل من الدول. وسوف تقوم سلوفينيا بالاعتراف بشكل رسمي باستقلال كوسوفو بينما هناك الكثير من مواطنيها، بما في ذلك غالبية الأفراد من ذوي التراث الصربي، سيبقون معارضين لذلك.

وهكذا، فانه لأمر يدعو إلى السخرية إلى حد ما أن يكون الرئيس الحالي لمجلس الاتحاد الأوروبي، الذي يتم التناوب عليه كل ستة شهور، هو رئيس سلوفينيا، التي كانت أول دولة من الدول الشيوعية السابقة تنضم إلى الاتحاد الأوروبي في العام 2004 والتي قامت أيضا بتبني اليورو كعملة لها في بداية العام 2007.

وبموجب كافة المقاييس تقريبا، حققت سلوفينيا نجاحا اقتصاديا خلال السنوات الثمانية عشرة الأخيرة وهي الآن تتمتع بدخل للفرد الواحد (حسب تكافؤ القوة الشرائية) يساوي تقريبا لدخل الفرد في أية دولة عادية في الاتحاد الأوروبي، ولما يقارب نسبة 60 في المائة مما يتمتع به الفرد الأمريكي العادي!

وبالرغم من نجاح سلوفينيا، فهي في الوقت الحالي تواجه الكثير من نفس المشاكل المتواجدة في دول أكبر حجما في الاتحاد الأوروبي. وعودة إلى العام 1991، فقد كان لدى سلوفينيا، الدولة الممتدة أمام ثنايا جبال الألب النمساوية، هدف يتمثل في أن تصبح “سويسرا مصغرة” بوجود ازدهار اقتصادي لديها وتحرر على المستوى الشخصي. ومع ذلك، وبمضي السنوات العشرين الأخيرة، فإن النظام الاقتصادي في سلوفينيا يشبه ذلك الموجود في فرنسا بدرجة أكبر مما هو في سويسرا.

أما الموقف تجاه رأس المال الأجنبي فهو في أفضل الأحوال موقف مختلط، وهو في بعض الحالات يكون عدائيا بشكل صريح. فهناك الكثيرون من السياسيين السلوفانيين يجادلون، كما هو حال سياسيو فرنسا، بأن هناك “مصلحة وطنية” في إبقاء العديد من الشركات السلوفينية بعيدة عن الأيدي الأجنبية. ومثلها مثل الكثيرين في “أوروبا العجوز” فإن البطالة فيها ذات نسبة مرتفعة بشكل مزمن، بحيث تبلغ أكثر من 7 في المائة بسبب أسواق العمل الجامدة، وبسبب الممانعة في تسهيل الاستثمار بالنسبة للشركات الأجنبية، وبسبب العوائق البيروقراطية والتنظيمية أمام تشكيل شركات جديدة.

ومن الممكن ملاحظة الفجوة “الفكرية” في الشد الحاصل بين الدول ذات المعدلات الضريبية المنخفضة في الاتحاد الأوروبي والمؤلفة بشكل أساسي من دول وسط وشرق أوروبا الشيوعية السابقة (ذات الضرائب الثابتة والمعدل الضريبي المنخفض المفروض على دخل الأفراد والشركات لديها)، وبين الدول ذات المعدلات الضريبية المرتفعة وأسواق العمل الجامدة ممثلة نموذجيا بألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا.

وفي الأسابيع الماضية، رأينا كيف أن هذه الفجوة قد لعبت دورها في نزاع جرى بنحو غير ملائم إلى حد ما بين ألمانيا وليشتنشتاين. فقد قامت الحكومة الألمانية، معتمدة بذلك على وجهة نظر واحدة، بدفع أتعاب أو رشاوى بلغت عدة ملايين من الدولارات إلى موظف سابق في بنك في ليشتنشتاين ليقوم بالإبلاغ عن مواطنين ألمان يحاولون التملص من دفع الضرائب الألمانية.

وبفعل تصرف الحكومة الألمانية، فقد أصيب البعض في أوروبا بالرعب، مذكرين بأن قوانين سرية البنوك السويسرية الأصلية التي صدرت في سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي بهدف إبعاد “الغستابو” (البوليس السري النازي) عن تقديم رشاوى إلى موظفي بنوك سويسرية، وكان عددا قليلا منهم (أي الموظفين) قد كشفوا عن ملكية الأموال الهاربة التي تم وضعها في هذه البنوك من قبل يهود ألمانيا وألمان آخرين كانوا معادين لهتلر. أما البعض الآخر في أوروبا فقد تحيزوا إلى جانب الألمان ضد ليشتنشتاين، مجادلين بأن من الخطأ أن يتم استخدام الشروط الخاصة بالسرية المالية لحماية أموال ضريبية هاربة.

ويقوم الألمان ودافعو ضرائب مرتفعة آخرون بتجاهل حقيقة أن بني البشر ينزعون بشكل طبيعي تماما نحو نقل شركاتهم وأموالهم (وحتى أجسامهم!) من مناطق ذات معدلات ضريبية مرتفعة إلى مناطق ذات معدلات منخفضة. وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعل ولايات أمريكية مثل تكساس وفلوريدا ونيفادا ونيوهامبشير تنمو بسرعة أكبر من ولايات ذات معدلات ضريبية مرتفعة مثل نيويورك ونيوجيرسي وكاليفورنيا.

وبما أن حرية حركة الأفراد والشركات تتسارع داخل الاتحاد الأوروبي وكذلك لدى الدول المجاورة له، فإن البلدان الدولانية (المنادية بتركيز السلطة الاقتصادية لتكون بيد الدولة) تسلك نهجا يؤدي إلى أن تجد نفسها، وبشكل متزايد، محرومة وفي ظروف غير مواتية. فهل ستقوم هذه الدول باللجوء إلى ردود أفعال مشكوك فيها إلى حد ما من النوع الألماني، أم ستقوم باتخاذ إجراءات بناءة مثل خفض معدلات الضريبة الهدامة كما فعل الإيرلنديون وتحرير أسواق العمل كما فعل الدنماركيون؟

© معهد كيتو، منبر الحرية، 22 تموز 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

ليس حباً في إسرائيل، ولكن بغضاً فيمن حولوا لبنان إلى ساحة من البؤس والدمار… مرة أخرى، وبكل شفافية وجرأة، تظهر إسرائيل أمام العالم وتعترف أنها أخفقت في حرب تموز 2006 على الرغم أنها في شهرين فقط، عزلت لبنان عن العالم سياسياً وحولته إلى أرض محروقة.

وإن كان هذا التقرير قد اعتبر حرب تموز بميزان التقييم العسكري إخفاقاً عسكرياً، إلا أن واقع هذه الحرب كما شاهدها العالم، ونحن العرب، حرب دمار شامل على أرض لبنان، بل أن ما خلفته الحرب الأهلية اللبنانية طوال عشرة أعوام لم يصل إلى تدمير حرب صيف 2006 خلال شهرين فقط.

هذا التقرير الذي أظهر إسرائيل أنها نموذج للشفافية وحرية الرأي دون خوف أو خجل—كما تفعل أنظمتناالعربية والأنظمة الدكتاتورية الأخرى في العالم—يجب ان تستفيد هذه الأنظمة منه لا كمضمون بل كمبدأ على الأقل. كمبدأ، أعني بأن تكون هذا الأنظمة مع شعوبها أكثر شفافية ووضوح ومصداقية وتمنح هذه الشعوب قيمة إنسانية في العلاقة بين الحاكم والمحكوم… لا تستبد برأيها أو تدفن رأسها في التراب ولا تلتفت لأخطائها.

هذا التقرير الذي طبّل له بارونات الحرب اللبنانية واعتبروه هزيمة للدولة العبرية… بل أن الأمين العام لحزبالله، في إحدى خطبه بعد إعلان هذا التقرير يقول وبكل شجاعة ميدانية أمام جماهيره التي تلتحف العراء منذ أكثر من عام ونصف بعد أن تحولت مساكنهم وأحياؤهم هشيماً تذروها الرياح، يقول السيد: “من لم يعترف في لبنان بانتصار المقاومة يجب أن يبادر إلى هذا الاعتراف حتى لو جاء متأخراً”! وآخر يقول، وبكل استعباط واستخفاف: “المقاومة فرضت استراتيجية عملها على العدو وجعلته يقاتل وفق القواعد التي رسمتها له”! وأمثالهم من كتاب الزوايا الذين باركوا هذا النصر على إسرائيل.

إن اعتبار حزب الله هذا التقرير هزيمة إسرائيلية ونصراً لبنانياً قد يكون لقناعات نجهلها نحن البعيدون عن ميدان المعركة، وبتعبير إخواننا اللبنانيين: (بيصطفلوا)! ولكن أن ينطلي هذا النصر العربي على أكثر الطبقات ثقافة وهم كتاب الصحافة والأعمدة اليومية! بل يصف بعض الكتاب أن وعد السيد كان صادقاً ونصراً مؤزراً، وآخر يعتبر هذا اليوم يوم كشف التقرير الاسرائيلي عيداً للعرب ونصراً للأمة العربية، وآخر يصف موقف حزب الله من هذه الحرب هو درس لقّنه لإسرائيل!

قد أكون في هذا الرأي الشخصي لي أغرد خارج السرب؛ فالأقلام موجهة للاحتفال بهزيمة إسرائيل من خلال تقرير “فينوغراد”. وأنا أمتدح هذه الشفافية من إسرائيل التي أفتقد الإحساس بها من أنظمتنا العربية وأحزابنا الجماهيرية.

© معهد كيتو، مصباح الحرية، 26 نيسان 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

يخلق إعلان استقلال كوسوفو عن صربيا مشاكل خطيرة على جبهات متعددة. إن قرار واشنطن والبلدان الرئيسية في المجموعة الأوروبية تشجيع انفصال كوسوفو سوف يسجَّل كأحد الأخطاء الفادحة في السياسة الخارجية. فإعلان برشتينا الاستقلال من جانب واحد، يسجل سابقة مقلقة في نظام دولي مليء بالحركات الإقليمية الانفصالية العديدة. بلدانٌ كبيرة مثل روسيا والهند والصين تشعر بالقلق بسبب أقلياتها الإثنية والسياسية المتململة والتي يمكن أن تسعى إلى تقليد كوسوفو. روسيا قلقة بشكل خاص بالنسبة للشيشان؛ والهند قلقة بالنسبة لكشمير، والصين قلقة بشأن زينجيانغ والتبت وتايوان. إن شعور بكين بعدم الارتياح فيما يتعلق بسابقة كوسوفو وتأثيرها على تايوان لم تخففه التهنئة الفورية التي وجهتها تايبيه إلى سكان كوسوفو والتأكيد الذي صدر عنها بوجوب احترام الأمم المتحدة لمبدأ حق تقرير المصير، أي، مطالب تايوان للاستقلال والسيادة.

ولكن هنالك مطالب انفصالية ممكنة في قلب أوروبا نفسها. قبرص—وهو أمر مفهوم—تعارض حركة كوسوفو إذا أخذنا في الاعتبار ادعاءات الجمهورية التركية في شمال قبرص. تركيا التي أقامت الجمهورية التركية في شمال قبرص لها ما يقلقها من القضايا بالنظر إلى الانتفاضة المتواصلة التي يقوم بها الانفصاليون الأكراد. إسبانيا قد تصبح أقل انبهاراً بالنسبة لحركة برشتينا إذا كان من شأن ذلك أن يشجع انفصاليي إقليم الباسك على تشديد حملتهم العنيفة. ولندن التي تبارت مع واشنطن في حماسها لاستقلال كوسوفو، قد تجد من الأسباب ما يجعلها تشعر بالأسف إذا ما قررت اسكتلندا الحصول على الاستقلال.

وبإيجاز، فإن واشنطن ودول المجموعة الأوروبية الكبرى الثلاث—بريطانيا وفرنسا وألمانيا—قد خلقوا مشاكل دولية عديدة نتيجة سياستهم تجاه كوسوفو. الحكومات الثلاث جميعها تزعم بأن وضع كوسوفو هو وضع فريد ولا يشكل سابقة، بيد أن هذا القول ساذج إلى حد يفوق الوصف، وبلدان أخرى متنفذة لا تتفق مع ذلك القول بشكل واضح.

ومع أن الحكومات الحالية قد تقلق بالنسبة لمشاكل انفصالية، فإن هنالك إمكانيات هائلة بأن تستخدم بعض البلدان سابقة كوسوفو لخلق المتاعب. تستطيع موسكو في يوم من الأيام أن تشير إليها كسابقة لتمزيق وحدة أراضي جورجيا المجاورة عن طريق الاعتراف باستقلال أبخازيا المتصلة بجورجيا أو إقليم جنوب أوسيشيا. أو يمكن للكرملين أن يستخدمها كمبرر في يوم من الأيام لوضع يده على القرم التي يتحدث سكانها اللغة الروسية وأخذها من أوكرانيا الجارة.

السوابق الدولية ليست النتائج السلبية الوحيدة المحتملة من خطوة كوسوفو. فبتجاوز مجلس الأمن الدولي بطريقة خبيثة، وبالتالي تجاوز حق الفيتو الذي تتمتع به روسيا، وبتشجيع إعلان الاستقلال من جانب واحد، فقد ساهمت القوى الغربية في مزيد من تسميم علاقاتها المضطربة أصلاً مع موسكو. فما زال الروس يستشعرون وطأة إقدام دول الناتو على تجاوز مجلس الأمن في عام 1999 عندما هاجموا صربيا وفصلوا كوسوفو عن سيادة بلغراد. والآن، أظهرت الدول الغربية احتقارها مرة أخرى لوجهات نظر روسيا وأوضحت بأنها لا تحترم صلاحيات مجلس الأمن إلا إذا كان الأمر مناسباً لها.

وقد تكون المغامرة في مزيد من التوتر مع موسكو مبرراً لو كان الأمر يتعلق بقضية مهمة، ولكن أن تفعل الدول الغربية ذلك حول موضوع جانبي يتعلق بالوضع السياسي لكيانٍ بلقاني بالغ الصغر هو أمر أكثر حماقة.

أخيراً، فإن منح كوسوفو الاستقلال لن يجلب مزيداً من الاستقرار إلى البلقان كما تتوقع الولايات المتحدة وحلفاؤها. إنه بلا شك سيؤدي إلى نتيجة عكسية. من المحتمل أن يكون بداية لإساءات إضافية ضد سكان كوسوفو الباقين من غير الألبان. فإبان حرب 1999 وما تبعها، طُرد من الإقليم أكثر من 240000 شخص—معظمهم من الصرب، ولكن أيضاً من الغجر، والبلغار، واليهود وغيرهم من الجماعات. لقد تم ذلك التطهير العرقي على نطاق واسع تحت أنظار حلف الأطلسي ولم يفعل الحلف شيئاً لوقفه، أو إلى التخفيف من نتائجه. وبالإضافة إلى التطهير العرقي الأولي، فقد فشلت حكومة كوسوفو وحلف الناتو في وقف أعمال العنف الموجهة ضد البقية الباقية من غير الألبان، أو التدمير المنهجي للكنائس المسيحية وللمواقع الصربية التاريخية.

استقلال كوسوفو سوف يؤدي إلى مرحلة جديدة من الاضطراب. والحقيقة الواضحة هي أنها ستكون ببساطة مجرد وقت قبل أن يتم طرد جميع السكّان من غير الألبان من الإقليم. وإذا كان حلف الناتو غير راغب أو غير قادر على منع التطهير العرقي عندما كان يحتل كوسوفو بآلاف الجنود، فإنه بكل تأكيد سوف يكون عاجزاً عن منع فظائع أخرى عندما تكون تلك القوات قد انسحبت. إن الحديث حول احترام برشتينا لحقوق الأقليات الإثنية هو مجرد بلاغة دبلوماسية لحفظ ماء الوجه.

وليس ما ذكرنا يغطي المشاكل الكاملة التي سوف تتأتى عن استقلال كوسوفو، فليس هنالك من دلائل على أن سكّان كوسوفو وغيرهم من دُعاة ألبانيا الكبرى قد تخلوا عن طموحاتهم الإقليمية في البلقان. إن واضعي السياسة الغربيين الذين يعتقدون بأن تثبيت الوضع السياسي النهائي لكوسوفو سوف يُنهي الجهود الألبانية لاسترجاع ما يدّعون في مقدونيا ومونتينيغرو (الجبل الأسود) وغيرهما من الأراضي، سوف يصابون بخيبة أمل، ذلك لأن استقلال كوسوفو سوف يؤدي فقط إلى مرحلة جديدة من الاضطراب. إن السياسة التي انتهجتها واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون فيما يتعلق بقضية كوسوفو هي من السوء بحيث أننا سوف نعيش مع نتائجها السلبية في البلقان وما وراء البلقان لعقود قادمة. لقد فتحت القوى الغربية بذلك صندوق عجائب من المشاكل.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 15 نيسان 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

فجأةً، وبعد فترة من الطريق المسدودة، يشهد الشرق الأوسط موجة من المحاولات تهدف إلى تنشيط الجهود من أجل إيجاد حل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي الذي طال أمده.

الرئيس بوش، ونائب الرئيس ديك تشيني، ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس قد تجولوا في المنطقة على أمل إعادة إحياء عملية السلام. هذا الجهد الأخير لم يؤدّ إلى أكثر من مجرد استعراض للنوايا الطيبة وفرصة لالتقاط الصور.  التسوية النهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين على ما يبدو تثبت بأنها هدف صعب المنال. وفي الحقيقة، فإن الكثيرين يعتقدون بأن انعدام القيادة الفعالة في الطرفين هو الذي يؤدي إلى الجمود الحالي. ولكن قد تكون هنالك أسباب ديموغرافية أخرى نادراً ما يتم التطرق إليها.

كثيرون يكتبون معربين عن رأيهم بأن انعدام التقدم هو نتيجة لعدم فعالية محمود عباس، الرئيس الفلسطيني، وايهود أولمرت، رئيس وزراء إسرائيل. عباس الذي لا يملك أي سلطة حقيقية على غزة غارق في تحدياتٍ سياسية واقتصادية محلية في الضفة الغربية. أولمرت من جهته فاقد للشعبية إلى حدّ كبير. ومع ذلك، وفي المرحلة الحالية، فإن ضعفه هو مصدر قوته. فالإسرائيليون يعون بأن بديلاً مثل زعيم الليكود بنيامين نتنياهو، سوف يؤدي إلى مزيد من إشعال الأوضاع. لذا فإن أولمرت سوف ينجو على المدى القصير.

إن انعدام التقدم سوف يكون أيضاً بسبب بعض التغيرات الديموغرافية بعيدة المدى. الطرفان كلاهما على ما يبدو يعتنقان أسساً دينية متزايدة كحافز لسياسة أحدهما تجاه الآخر. وربما أكثر مدعاة للفزع هو أن هذا الحماس الديني قد يكون متمحوراً حول التغيرات الديموغرافية التي تجري في إسرائيل. هذه التغيرات قد تُثبت بأنها الأشد تحدياً أمام واضعي السياسة الذين يسعون إلى إيجاد حل سلمي للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

عنصران ديموغرافيان بارزان يؤثران على سياسات إسرائيل: ازدياد القطاع الأرثوذكسي المتطرف من السكّان والهجرة المُعاكسة لعلماء إسرائيل ومفكريها وباحثيها.

إن نسبة المواليد العالية ضمن المجتمع الهاريدي (الشديد التديّن) يزيد من نفوذهم السياسي. ووفق إحصاءات الحكومة الإسرائيلية، فإن اليهود الهاريديين يُنتجون 7.6 أطفال لكل امرأة أي ثلاثة أضعاف نسبة زيادة السكّان كمجموع. وفي مجتمع منقسم سياسياً كما هو الحال في إسرائيل، فإن من شأن ذلك أن يُتيح لحزب ديني صغير بممارسة سلطة قوية على حكومة ضعيفة نسبياً. ومؤخراً على سبيل المثال، وافق أولمرت على توسيع مستوطنة غيفات زئيف شمال القدس. وقد جاء قراره نتيجة للضغط الذي مارسه حزب شاس الديني، وهو تآلف يميني التوجهات يُشارك في الحكومة ويُهدد بانهيار حكومة أولمرت إذا لم تستجب لمطالبه بالتوسع.

يتوقع الديموغرافيون استمرار نمو القطاع الديني اليميني من السكّان. إن ميزتهم الديموغرافية خلال العقود القادمة سوف تعطيهم نفوذاً سياسياً أوسع فيما يتعلق بالسياسات الإقليمية. ويشارك في هذه الظاهرة التوجه الديني اليميني في إسرائيل، وحركة حماس في غزة، وحزب الله في لبنان وغيرها من الحركات الدينية على امتداد العالم.

وبالإضافة إلى ارتفاع نسبة الخصوبة بين السكّان المتدينين، فإن إسرائيل تواجه زيادة غير مسبوقة في هجرة العلماء الإسرائيليين ومفكريها وباحثيها إلى الخارج والذين يميل معظمهم إلى العلمانية.

وقد قدر البروفيسور دان بن ديفيد من جامعة تل أبيب بأن إسرائيل قد خسرت ما مقداره “عشرات في المائة” من خيرة علماء إسرائيل. وقد توصل بن ديفيد إلى نتيجة مفادها أن الهجرة إلى الخارج تتصل بالرواتب المتدنية نسبياً التي تدفعها إسرائيل، وكذلك شح تمويل مختبرات الأبحاث. وأضاف إلى ذلك قائلاً “إن الحروب الشاملة واستمرار الإرهاب قد كلفا ثمناً كبيراً في الأرواح، وكذلك في الأمراض النفسية”. حتى هذه اللحظة، فإن نسبة العلماء الإسرائيليين الذين يعيشون في الولايات المتحدة تبلغ حوالي 25 بالمائة من مجموع العلماء الإسرائيليين.

وبينما تواجه القطاعات الأكثر تعلماً والأكثر علمانية في المجتمع الإسرائيلي الضغوط وتهاجر إلى الخارج، فإن اليمين الديني يواصل نموه محلياً.

كانت إسرائيل تاريخياً قلقة حول ما يتعلق بالنمو السكاني لعرب إسرائيل، والخطر الذي يشكلونه للهوية اليهودية للدولة. وعلى الرغم من أن هذا ما زال قائماً، فإن اللهجة الدينية المتصاعدة للنقاش السياسي هو نتيجة أخرى للتغيرات الديموغرافية. تلك التوجهات تشير إلى أن الوقت قد لا يكون إلى جانب من يرغبون في تحقيق السلام. ومع ازدياد المتطرفين الدينيين، فإن الكادر الجديد من السياسيين سوف يكون أقل استعداداً لتقديم التنازلات.

في الشرق الأوسط وحيث أن الدين له اليد العليا في النقاشات السياسية، فإنه يصبح عائقاً أمام السلام. ومع تلك التوجهات الديموغرافية، يصبح من الضروري اتخاذ الإجراءات الآن نحو السلام. غداً قد يكون متأخراً.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 1 نيسان 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

أطلقت واشنطن بالون اختبار حول وضع قوات من حلف شمال الأطلسي (الناتو) كقوة لحفظ السلام في الضفة الغربية. ونقلت صحيفة الجيروساليم بوست خبراً مفاده أن قائد حلف الناتو السابق، الجنرال جيمز جونز، وهو حالياً المبعوث الخاص لإدارة بوش إلى الشرق الأوسط، يتولى طرح هذه الفكرة على مختلف البلدان الأوروبية.

إنها فكرة رديئة بشكل صارخ. فإذا كان لمبادرة جونز خيط فضي، فهو أن واضعي السياسة الأمريكية على الأقل، لا يفكرون بضم قوات أمريكية ضمن تلك القوة. وعلى ما يبدو فإن واشنطن تعتقد بأن جلد الذات أقوى بين الشعوب الأوروبية مما هو عليه بين الشعب الأمريكي. ومع ذلك، فإن المرء يحتار فيما إذا كانت الولايات المتحدة سوف تستطيع مقاومة الدعوة التي لا مفر منها من سائر أعضاء الناتو، بوجوب تكافؤ التضحيات وبأن تمارس الولايات المتحدة قيادة الحلف.

وحتى إن استطاعت الولايات المتحدة تجنب الانغماس مباشرة في مغامرة مهمة حفظ السلام، فإن الاقتراح ينطوي على مشاكل خطيرة. إنه سوف يضع قوات الناتو في وسط ربما هو أكثر المناطق اضطراباً في شرق أوسط مفعم بالاضطرابات. أشار جونز، كما تقول الأنباء، بأن وضع قوات الناتو سوف يكون مؤقتاً، بحيث يعطي للقوات الإسرائيلية فرصة الانسحاب من الضفة الغربية، كمرحلة من مراحل اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. بيد أن إسرائيل والولايات المتحدة، قد تعلمتا من خلال تجارب مريرة، بأن الإجراءات العسكرية “المؤقتة” في الشرق الأوسط تصبح عادة التزامات بعيدة المدى.

الأسوأ من ذلك، أن القوات الأجنبية في الضفة الغربية سوف تشكل أهدافاً مثالية بالمعنى الحرفي والرمزي معاً بالنسبة للراديكاليين الإسلاميين. الراديكاليون سوف يصورون وضع تلك القوات، دون شك، كاحتلالٍ إمبريالي غربي آخر للأراضي الإسلامية، وسوف يستخدمون تلك المقولة لتجنيد المزيد من المقاتلين في صفوف المنظمات الإرهابية. وأسوأ من ذلك، فإن أفراد قوات حفظ السلام، سوف يصبحون أهدافاً لبنادق وقنابل الراديكاليين.

حتى لو سعوا لأن يكونوا محايدين كقوة حفظ سلام، فإنهم، كأمر حتمي، سوف يجدون أنفسهم وسط المنافسات والصراعات في الأراضي الفلسطينية. ماذا سوف يفعلون، على سبيل المثال، إذا تجدد العنف بين أتباع حماس ومؤيدي فتح؟ أو إذا شن مقاتلو حماس هجمات جديدة ضد المستوطنات الإسرائيلية؟ لا يوجد شيء يمكن أن يكون تدخلاً عسكرياً محايداً. إن مجرد وجود قوة حفظ سلام يعمل لصالح بعض الفرقاء على حساب فرقاء آخرين. والفرقاء الذين يتم التدخل لغير صالحهم يصبح لديهم حافز قوي لمهاجمة قوة حفظ السلام.

يبدو أن واشنطن تعتقد بالفعل بأن جلد الذات هو أقوى بين الشعوب الأوروبية مما هو عليه بين الشعب الأمريكي!

لقد اكتشفت الولايات المتحدة هذه الحقيقة بكل مرارتها في لبنان، إبان عقد 1980. تدخلت القوات الأمريكية بداية كجزء من اتفاق يمكن القوات الإسرائيلية من إنهاء حصارها لبيروت الغربية. لم يكن لدى الولايات المتحدة أية نية للانحياز لهذا الجانب أو ذاك، في الحرب الأهلية اللبنانية التي كانت قائمة. بيد أن القوات الأمريكية أصبحت في فترة وجيزة متحالفة مع حكومة البلاد المسيحية وضد الفئات الإسلامية. وسرعان ما بدأت بارجة أمريكية بقصف القرى المسلمة المعادية، واشتبكت القوات الأمريكية في مناوشات مع الميليشيات الإسلامية. أدى ذلك العمل إلى الانتقام ووصل ذروته في الهجوم الذي شنته شاحنة ملغومة على البراكيّات السكنية للبحرية الأمريكية في بيروت، والذي قتل فيه 241 من رجال البحرية.

الناتو تغامر بمأساة مماثلة، إذا كانت من الحماقة بحيث تقحم نفسها في الأراضي الفلسطينية. إن اقتراح وضع مثل هذه القوات ليس بالجديد. فمنذ أكثر من ست سنوات قدم المعلق في صحيفة النيويورك تايمز توماس فريدمان فكرة مماثلة، بيد أن واضعي السياسة الأمريكية، لحسن الحظ، أسقطوا ذلك الاقتراح. يجب على إدارة بوش دفنه مرة أخرى آملين أن يتم ذلك بشكل نهائي.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 25 آذار 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

أجاب مينسيوس، وهو فيلسوف صيني قديم، عندما سُئل حول كيفية إدارة بلد من البلدان، فقال: “إن الممتلكات المضمونة في اليد تؤدي إلى السلام الذهني”.

حكومة الصين المركزية، وهي تواجه المهمة الهائلة المتمثلة في بناء مجتمع متجانس وتنمية وطنٍ بطريقة متوازنة، أصدرت الوثيقة المركزية رقم 1، وهي أول توجيه سياسي رئيسي تصدره هذا العام. الوثيقة غير مسبوقة من حيث اهتمامها بالحقوق المتعلقة بالأرض وحجم التفصيلات التي توليها للتوجيهات المحددة فيما يتعلق بحماية حقوق الأراضي لـ700 مليون من سكان الريف الصيني.

هذه الوثيقة هي استجابة بكين القوية حتى الآن للحقيقة المقلقة المتمثلة في أن المزارعين الأفراد وحقوقهم في ملكية الأرض ما زالت غير مأمونة على الرغم من مضي ربع قرنٍ على تفكك المزارع الجماعية، الأمر الذي أدى إلى تثبيط الاستثمارات الضرورية في تحسين الأراضي وكذلك إلى المصادرات العشوائية والتطويرات المدنية غير المسؤولة التي تتم بحق تلك الأراضي.

إن معظم الثروة الهائلة التي خلقتها الإصلاحات في الصين على امتداد العقود الثلاثة الماضية لم تشمل فائدتها الريف الصيني. كما أن عدم الأمان الذي يشعر به المزارعون بالنسبة لحقوقهم في الأراضي يؤخر التنمية الزراعية ويؤثر تأثيراً كبيراً على راحة بال المزارعين. ففي الشهور التسعة الأولى من عام 2006، وقعت 17000 حالة من حالات “الاحتجاجات الريفية الجماعية” (وكثيراً ما كانت تتسم بالعنف) وفق ما ذكرت المصادر الرسمية، وتناولت حوالي 400000 مزارع.

وباتساع الفجوة بين التطوير الحضري والريفي، فإن أكثر من 200 مليون مزارع قد هاجروا إلى المدن وبالأخص إلى المناطق الساحلية المتطورة، باحثين عن حياة أفضل. وهنالك أيضاً أشكال أخرى من هذا “الزلزال” ناتجة عن النمو المتفاقم لجموع كبيرة من “السكان العائمين” كما تبين مؤخراً في ذلك الجمع المسموم بين الكوارث الطبيعية وشلل وسائل النقل.

في معظم الحالات، فإن الحكومة المركزية ليست ملومة عن شعور المزارعين بفقدان الطمأنينة وتراجع القطاع الزراعي، فقد تم في الماضي إصدار سلسلة من التشريعات على المستوى الوطني لتقوية حقوق المزارعين في ملكية أراضيهم منذ عقد التسعينات من القرن الماضي.

المشكلة تعود إلى التطبيقات على المستويات المحلية: ذلك أن حقوق المزارعين في الأراضي تتم “إعادة تحويلها” بصورة غير قانونية على أسس من تغير مواطن ساكنيها، وتُعطى إلى “مُطوّرين من الخارج”، أو تُأخذ من الكوادر الرسمية وتباع بأرباح فاحشة إلى المستفيدين منها من خارج القطاع الزراعي. ولسوء حظ مضاعف، فإن الحكومات المحلية تمارس سلطات تكاد تكون غير مقيّدة لمصادرة الأراضي الزراعية لصالح التطوير الحضري مع دفع تعويضات شحيحة جداً وغير كافية لملاكها من المزارعين.

آخذين في الاعتبار هذه الخلفية، فإن معظم الثروات الطائلة التي حققتها إصلاحات الصين على امتداد العقود الثلاثة الماضية لم ينتقل أثرها إلى الريف. وقد تبين بأن نسبة مداخيل المدن والريف وفق الأرقام الرسمية قد ساءت بحيث أصبحت 1:3.28، حتى دون أن نأخذ في الاعتبار المزايا الاجتماعية العديدة المتوفرة لسكّان المدن. فبدون حقوق ملكية مضمونة يمكنها تشجيع المزارعين على القيام باستثمارات طويلة المدى ترفع من الإنتاجية في الأرض، سوف يختار العديد منهم العمل في المدن.

لا يحتاج المرء لأن ينظر بعيداً لكي يجد أمثلة معاكسة: بعد اليابان، أتمت كوريا الجنوبية وتايوان إصلاحات الأراضي في فترة ما بعد الحرب، وأكدتا على حقوق المزارعين في أراضيهم. ونتيجة لذلك فقد تقدمت اقتصاديات الريف تقدماً هائلاً، الأمر الذي أنتج ريفاً يتمتع بالثراء، والذي تمكن في المساعدة من الحد من الهجرات الجماعية إلى المدن، بحيث امتدت تلك الهجرات على امتداد جيلين أو أكثر.

الوثيقة المركزية لعام 2008 ترسل الآن إشارة قوية بوجوب التغيير، مؤكدة حقوق المزارعين في أراضيهم بطريقة شاملة وجذرية على غير المعتاد. ومن أبرز ما جاء في تلك الوثيقة: أن على الحكومات المحلية تطبيق الأنظمة تطبيقاً دقيقاً بحيث يُمنع إعادة التحويل وسلب حقوق المزارعين في أراضيهم وبيعها لشركات التطوير غير القروية. ولن تتم الموافقة على أية اقتطاعات للأراضي من قبل الحكومات المحلية ما لم—وإلى أن—يُأخذ في الاعتبار جميع إجراءات الحماية الضرورية، وما لم يعتبر التعويض كافياً وأن يُسلَّم بالكامل إلى أيدي المزارعين المتأثرين، وإيجاد شبكة أمان اجتماعي. ولأول مرة، فإن الوثيقة المركزية تدعو إلى إقامة نظام تسجيل لحقوق الأراضي الريفية والذي يعطي ضماناً إضافياً وآمناً للمزارعين.

إن تطبيق هذه السياسات سوف تقابل بمقاومة محلية شديدة، وسوف يتطلب تطبيقها التصميم والتفكير الخلاّق لعمل ذلك. يجب أن تترتب على تقصير الموظفين المحليين نتائج جدية، بما في ذلك العزل من المراكز الرسمية وفرض الغرامات وحتى تعريضهم لتبعات قانونية مدنية، أو حتى جنائية.

ويجب كذلك إيجاد رقابة مستقلة وشاملة حول التقدم على المستوى المحلي، مع أنه ليس من العملي تواجد فرق تفتيش في كل مكان. خيار آخر هو خلق قنوات مثل الخطوط الساخنة والتي يستطيع المزارعون بواسطتها الإبلاغ عن أية مخالفات قد تحدث بالنسبة لحقوقهم. ويجب تشجيع وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني على المستوى الشعبي بمراقبة الأوضاع وتقديم تقاريرهم بحرية. وأخيراً، وعلى المدى المتوسط، يتوجب إقامة نظام قضائي يكون مستقلاً استقلالاً كافياً وقريباً من الحدث، جنباً إلى جنب مع تقديم خدمات نصح قانونية إلى المزارعين.

الاستنتاج الواضح من هذه الوثيقة الهامة هو أن بكين تعني بشكل قاطع أن تكون جادة في تأمين حقوق المزارعين في أراضيهم. فهل سيتبع ذلك تنمية شعبية و”سلام ذهني”؟

© معهد كيتو، منبر الحرية، 18 آذار 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

في كل سنة منذ العام 1975 كانت الولايات المتحدة تسجل عجزا تجاريا. هذا الأمر لا يبعث على الدهشة نظرا لأن الادخار في الولايات المتحدة كان اقل من الاستثمار.
وبالإمكان خفض العجز التجاري من خلال نوع من توافقية استهلاك حكومي أقل أو استهلاك شخصي أقل أو استثمار محلي خاص أقل. إلا أنكم سوف لا تعلمون بذلك من خلال الإصغاء إلى ما تنطق به فصاحة السياسيين ومجموعات المصالح الخاصة في واشنطن. فهناك الكثير من بينهم كان قصدهم القيام بعرض رجولتهم الميركانتلية ذات التجارية القومية البحتة.
ومن المؤسف له أن يكون هذا ما حدث. إذ لا ينبغي أن يكون حتى الخفض في العجز التجاري غاية أساسية من غايات السياسة الفيدرالية. والظاهر أن واشنطن تنتعش بفعل ما تشنه من “حروب” تجارية عديمة الفائدة تعود بالضرر على الولايات المتحدة وعلى شركائها التجاريين على حد سواء.
منذ أوائل سنوات السبعينيات ولغاية العام 1995 من القرن الماضي، كانت اليابان هي الدولة التي تشكل العدو التجاري لأمريكا. وكان الميركانتليون من ذوي النزعة التجارية القومية في واشنطن قد أكدوا بان الممارسات التجارية اليابانية غير العادلة هي التي تسببت في العجز التجاري الأمريكي وأن من الممكن أن يتم خفض العجز التجاري الثنائي الأمريكي مع اليابان في حال القيام برفع قيمة الين الياباني مقابل الدولار الأمريكي.
وحتى واشنطن كانت قد حاولت أن تقنع طوكيو بأن القيام برفع قيمة الين الياباني بشكل دائم سوف يكون لصالح اليابان. ولسوء الحظ، قام اليابانيون بالامتثال وتم رفع قيمة الين بحيث انتقل من 360 للدولار في العام 1971 إلى 80 في العام 1995.
وفي شهر نيسان 1995، أيقن وزير الخزانة الأمريكية روبرت روبن وبشكل متأخر عن الوقت المعتاد بأن الرفع الكبير لعملة الين قد تسبب في جعل الاقتصاد الياباني يغوص في مستنقع انكماشي. ونتيجة لذلك، قامت الولايات المتحدة بالتوقف عن لي ذراع الحكومة اليابانية حول قيمة الين. ولكن في الوقت الذي تم به الترحيب بهذا التحول في السياسة، كان الأوان قد فات تماما. وحتى في الأيام الحالية، استمرت اليابان في المعاناة من المأزق الذي خلقه رفع قيمة الين.
وبما أن الاقتصاد الياباني قد أصابه الركود، فان مساهمته في زيادة العجز التجاري الأمريكي قد هبطت، منخفضة من ذروتها في العام 1991 البالغة 60% تقريبا إلى ما يقارب 11% (أنظر الجدول المرفق).وبينما انخفضت مساهمة اليابان في زيادة العجز الأمريكي، ارتفعت مساهمة الصين في ذلك العجز من نسبة أكثر قليلا، من 9% في العام 1990 إلى ما يقارب 28% العام الماضي (أنظر الجدول المرفق). وبفعل هذه الاتجاهات، فقد حل اليوان، وهو عملة الصين، محل الين الياباني بكونه كبش فداء الميركانتليين.
وبشكل مثير للانتباه، هبطت المساهمة المركبة اليابانية-الصينية في زيادة العجز الأمريكي فعلا من ذروتها التي تفوق نسبة 70% في العام 1991 إلى نسبة 39% فقط في العام الماضي. وهذا الهبوط في المساهمة في ذلك العجز التجاري لم يعمل على إيقاف الميركانتليين عن الادعاء بأن الـيوان الصيني قد تم تقييمه تقييما متدنيا بدرجة كبيرة وان هذا الأمر قد عمل على خلق منافسة صينية غير عادلة وعجز تجاري ثنائي أمريكي مع الصين.


كان قد تم إقحامي في خلاف حول العملة الصينية منذ خمس سنوات عندما حضرت كشاهد أمام “اللجنة المصرفية التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي” بتاريخ الأول من شهر أيار  2002. وكان الغرض من هذه الجلسات هو أن يتم البت، من بين أشياء أخرى، فيما إذا كانت الصين قد تلاعبت في سعر الصرف الخاص بعملتها.
ويشترط قانون الولايات المتحدة على وزارة الخزانة الأمريكية، بالتشاور مع صندوق النقد الدولي، أن تقوم بتقديم تقرير نصف سنوي في ما يتعلق بدول كالصين التي تقوم بجني ميزة تنافسية “غير عادلة” في التجارة الدولية من خلال التلاعب بعملاتها.
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد أخفقت في السابق في شهر أيار 2002 في تسمية الصين كـ”متلاعب في العملة”، ومنذ ذلك الوقت لم تقم بهذا العمل. وبما أن من الصعب أن يتم تحديد مصطلح “التلاعب بالعملة” فإن هذا الأمر لا يبعث على الاستغراب، وأنه، بناء على ذلك، لا يشكل مفهوما عمليا يمكن استخدامه بالنسبة لأي تحليل اقتصادي. وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد أقرت هذه الحقيقة في التقارير التي تم تقديمها إلى الكونغرس الأمريكي في العام 2005.
ومع ذلك، فإن هذه الحقيقة لم تعمل على إيقاف السياسيين ومجموعات المصالح الخاصة في الولايات المتحدة وفي كل مكان آخر من الإصرار على أن الصين تقوم بالتلاعب باليوان.
وقام الحمائيون التجاريون، من كلا الحزبين السياسيين في الولايات المتحدة الأمريكية بالتهديد بفرض تعرفات جمركية على البضائع الصينية المستوردة إذا لم تقم بكين بتقدير ورفع اليوان بدرجة كبيرة. وقام هؤلاء الحمائيون حتى بالادعاء بأن الصين سوف تكون في حال أفضل إذا قامت بالسماح لعملتها اليوان بأن تصبح اكثر قوة مقابل الدولار الأمريكي!
من الواجب على السياسيين أن يتوقفوا عن سحق الصينيين بما يتعلق بسعر صرف عملة اليوان. وسيعمل ذلك على السماح للصينيين بالتركيز على مسألة العملة الهامة ومسائل التجارة، وذلك بأن يتم جعل اليوان قابلا للتحويل بالكامل وأن يتم احترام حقوق الملكية الفكرية ويتم الوفاء بمعايير الصحة والسلامة المتعارف عليها بخصوص صادراتهم.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 26 شباط 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

إسبانيا واحدة من أعظم قصص النجاح الديمقراطي والاقتصادي خلال العقود الثلاثة الأخيرة. ولكن هنالك الآن بعض الأسباب للخشية فيما يتعلق بمستقبلها. وفيما يلي لماذا:

كانت إسبانيا من أوائل الدول القومية، بعد أن أتمت إعادة فتح شبه جزيرة آيبيريا من المسلمين في عام 1492. كانت إسبانيا الإمبراطورية القوة الأوروبية الأولى خلال القرن السادس عشر وعلى امتداد جزء كبير من القرن السابع عشر. وقد شملت الإمبراطورية الإسبانية أمريكا الوسطى بكاملها، ومعظم أمريكا الجنوبية، والفلبين، وأجزاء من ألمانيا المعاصرة، وبلجيكا، ولوكسمبورغ، وهولندا، وغيرها.

بعد ذلك، ونتيجة لمحاصرتها من قبل أعدائها وبسبب سوء الحكم الداخلي، دخلت إسبانيا في مرحلة تقهقر طويلة الأمد، انتهت بخسارتها لمعظم ما تبقّى لها من مستعمرات، إبان الحرب الإسبانية-الأمريكية في عام 1891.

لقد خاض الإسبان حرباً أهلية بشعة ما بين 1936 إلى 1939، بين القوى اليسارية التي نالت تأييد الاتحاد السوفييتي والمكسيك من جهة، والوطنيين بقيادة الجنرال فرانسيسكو فرانكو بتأييد من الألمان والإيطاليين من جهة أخرى. أصبح الجنرال فرانكو دكتاتوراً، وحافظت إسبانيا على حيادها إبان الحرب العالمية الثانية. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، ظلت إسبانيا معزولة سياسياً واقتصادياً حتى عام 1955، عندما أصبحت حليفاً في الحرب الباردة للولايات المتحدة ولأوروبا الغربية.

وفي عقد الستينيات، انتعش الاقتصاد الإسباني، وأخذت إسبانيا تنمو بسرعة، بحيث أصبحت دولة صناعية حديثة. في العام 1975، توفي الجنرال فرانكو، وتولى الحكم الأمير خوان كارلوس، الذي أصبح ملكاً ورئيساً للدولة. وقد شرع منذ اللحظة الأولى في تحويل إسبانيا إلى مملكة ديمقراطية، وهو ما تم تحقيقه في العام 1978 بإقرار من الدستور الإسباني الجديد.

لقد نجحت إسبانيا في تحقيق تحول سلمي نحو ديمقراطية حديثة فاعلة، كانت فيها الحكومة المركزية تتأرجح قدماً وإلى الخلف بين قوى اليسار المعتدلة واليمين، نتيجة تفاهم ضمني بعدم إعادة معارك الاقتتال الماضية.

إسبانيا عضو في الاتحاد الأوروبي، وقد تبنت اليورو كعملة لها منذ مطلع العام 2002. الإسبان الآن أغنياء، على أساس دخل الفرد مقارنة بالمداخيل الأوروبية الأخرى. وقد تحوّل الإسبان على امتداد جيلين من كاثوليك محافظين يؤمون الكنائس إلى شعب من أكثر الشعوب ليبرالية على وجه الأرض في حياتهم الاجتماعية (“كاليفورنيا أوروبا”!). الاستطلاعات التي جرت مؤخراً أظهرت أن الإسبان هم من أكثر الشعوب سعادة في العالم. مجمل القول أن إسبانيا، على ما يبدو، تملك كل شيء في صالحها، ولكن هنالك مشاكل في الجنة!

فعلى الرغم من أن مواطنيها هم من أقدم مواطني الدولة القومية، فإن كثيرين منهم يرتبطون بأقاليمهم أكثر من ارتباطهم بالدولة المركزية. يوجد في إسبانيا أربع لغات رسمية: القسطالية، والإسبانية، والكتالونية، والجليشية ولغة الباسك، بالإضافة إلى عدد من اللغات غير الرسمية. والعالم الخارجي كان على علم بأعمال الباسك الانفصاليين بسبب نشاطات منظمة إيتا.

إسبانيا، وعلى النقيض من معظم البلدان، قد أصبحت أكثر لامركزية بشكل متزايد خلال العقود الأخيرة الماضية، بحيث أخذت الحكومة المركزية في الانكماش نسبة إلى حكومات الأقاليم: حكومة مركزية صغيرة، بينما تتولى الحكومات الإقليمية والمحلية تسيير معظم النشاطات الحكومية. ربما يكون هذا الترتيب جميلاً، كما هو الحال في سويسرا خلال عدة قرون ماضية، شريطة أن يتواجد توافق وطني فيما يتعلق بكيفية المشاركة وتوزيع السلطة. بيد أن هذا التوافق ليس قائماً حتى الآن في إسبانيا.

الحكومة الاشتراكية الجديدة، بقيادة خوسيه لوي رودريجز ثاباتيرو، التي جاءت إلى السلطة بشكل غير متوقع بعد الحادث التفجير الإرهابي في مدريد في آذار من عام 2004، فتحت بغير ضرورة الجروح القديمة عن طريق اقتراح قانون يحمل اسم “قانون الذاكرة التاريخية”، والذي بموجبه تُعاد كتابة تاريخ حقبة الجنرال فرانكو ويتم شطب الاعتراف بالكثيرين ممن عانوا من الفريقين في الحرب الأهلية. إن العديد من الإسبان يرون في هذه المبادرة محاولة لإبطال العقد الضمني التاريخي الذي كان قائماً والذي ينص على عدم إعادة المعارك القديمة، كما أن من شأنه إشعال المزيد من الاصطفاف السياسي والتوترات.

حوالي 30 بالمئة من الإسبان يؤيدون تقليدياً الأحزاب اليمينية، و30 بالمئة آخرون يؤيدون الأحزاب ذات الميول اليسارية (وهي السلطة الحاكمة الآن). معظم الأصوات الباقية موزعة بين عدد من الأحزاب الإقليمية المختلفة، والذي يتيح لها أن تصبح حَكَماً بين القوى المتصارعة في الحكم. لقد استخدمت هذه الفئات هذه السلطة لإحداث مزيد من اللامركزية في الحكم كما عملت على تنمية سياسات أكثر انفصالية.

الاقتصاد الإسباني كان مزدهراً جداً خلال حكومة خوسيه ماريا أزنار في الأعوام 1996-2004، والتي أجرت إصلاحات هيكلية وانتهجت سياسات مالية حكيمة. ومع ذلك، فما زالت هنالك تدخلات حكومية أكثر مما يجب في الاقتصاد وبالأخص فيما يتعلق بسوق العمل (ترتيب إسبانيا هو 27 في مؤشر الحرية الاقتصادية العالمي). كما أن الاقتصاد الإسباني يواجه الخسارة في التنافسية الدولية وبالنسبة لانخفاض الإنتاجية، وهما مؤشران لا يبشران خيراً في المستقبل.

الأسئلة المطروحة أمام إسبانيا هي: هل ستعود إلى سياسات النمو العالية التي شهدتها في سنوات أزنار، وتزيد من الحريات الاقتصادية، أم تعود إلى تبني مزيد من التدخلات الحكومية القاتلة للنمو؟ وهل سوف تتجه نحو لامركزية بناءة مع تسامح نحو الأقاليم واللغات، كما فعلت ذلك سويسرا بنجاح، أم هل أن الصراعات حول سلطات الأقاليم واللغات سوف تشل البلد مثلما يحصل الآن في بلجيكا؟

© معهد كيتو، منبر الحرية، 12 شباط 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

ينبغي على المعارضة في كينيا أن تعترض على نتائج الانتخابات المثيرة للارتياب باللجوء إلى المحاكم إن أرادت أن تقوي ديمقراطية حكم الشعب وأن تضعف أوتقراطية حكم الفرد التسلطي وأن تنزع فتيل العنف. حتى في زيمبابوي، ثبت لمواطنينا الزيمبابويين وللعالم على أنه ما يزال هناك أمل بالنسبة لتطبيق أساس الحرية بالذات وهو سيادة القانون.

ولا ينبغي على إجراءات المحاكم أن تحل محل أعمال الاحتجاجات السلمية التي تتم في الشارع. فقد قال مارتن لوثر كينغ: “العمل المباشر عن طريق الإضرابات الشعبية لحمل الحكومة على إجراء معين لا يعتبر بديلا عن العمل داخل المحاكم وصالات الحكومة… فرفع القضايا أمام محاكم الأراضي لا يعمل على إقصاء ضرورة القيام بالتعبير التمثيلي الجماعي عن ظلم أمام دار بلدية. وبالفعل، فان العمل المباشر والعمل القانوني سوف يكملان بعضهما البعض عندما يتم توظيفهما بطريقة ماهرة بحيث يصبح كل منها أكثر فاعلية”.

على الرغم من أن المحاكم بطيئة ومخيبة للآمال في كل الدول وأنه من غير المرجح أن تقوم بعزل فريق السلطة الحاكم، غير أن من الواجب أن يتم رفع القضايا أمام المحاكم لكي يتم إثبات الالتزام بالشرعية. في زيمبابوي، لم يتم الوصول إلى قرار بشأن طعن واحد من الطعون التسعة والثلاثين الانتخابية البرلمانية التي تمت بعد انتخابات حزيران 2000 مع حلول نهاية تلك الدورة الانتخابية في العام 2005. والشيء نفسه ينطبق على الطعن الذي تم تقديمه في العام 2002 على انتخابات الرئيس روبرت موغابي، والذي تنتهي فترته الرئاسية في شهر آذار هذا العام، وسوف لن تكون هذه القضية قريبة من التوصل إلى قرار بشأنها.

فهل كان الذهاب إلى المحكمة ممارسة دالة على الحماقة؟ أنا لا اعتقد ذلك: بما أننا كنا قادرين على أن نبين لجميع المراقبين المحايدين بأن حزب “زانو” (إتحاد شعب زيمبابوي الإفريقي—الجبهة الوطنية) لا يتمتع بتفويض من الشعب الزيمبابوي وذلك من خلال عرض الحقائق بطريقة نظامية أمام المحاكم على مدار سنوات عديدة. وكل ذلك كان قد ساعد على خلق ضغط دولي تمت ممارسته ضد نظام حكم موغابي.

كما عمل القرار الخاص باستخدام المحاكم أيضا على إبراز التزامنا باتباع وسائل اللاعنف ومنحنا أرضية أخلاقية رفيعة المستوى لا تقبل النزاع على الصعيدين المحلي والعالمي.

كان موغابي قد فكر بتزوير الانتخابات ومن ثم القيام بعد ذلك بالانتظار على أن ينسى العالم ما يدور في تلك الظروف. وإنني أعتقد بأن إجراءات المحكمة كانت هي المسؤولة عن منعه من القيام بذلك، أكثر من أي عامل آخر.

الأغلب أنه تم تزوير الانتخابات في كينيا بشكل مماثل جدا وأن المعارضة تريد وبطريقة يمكن فهمها أن تفوز بالحكومة في الحال. ونحن نفهم بأننا في حزب “حركة التغيير الديمقراطي” يجب أن نكون قد تولينا الحكومة في حزيران 2000. ولكن لتفكر في البدائل—فقد رأينا بعضا منها قد حدث في كينيا.

إن الأنظمة الفاسدة لا تتخلى عن الحكم بسهولة، ولكني لا اعتقد بأن نضال المعارضة في كينيا سيطول ليكون شيئا يماثل طول نضالنا. فالرئيس الكيني مواي كيباكي الذي سيتولى المنصب لا يملك أرضا وسلالة تشكل أعذارا لتبرير قيامه بالتزوير كما هو الحال لدى رئيس زيمبابوي موغابي. وبسبب ذلك، سوف لن يتم منح كيباكي نفس المقدار من التراخي من قبل الزعماء الإفريقيين كما يتمتع به موغابي.

يجب على أحزاب المعارضة في كينيا أن تتبع أسلوب اللاعنف، من كافة نواحيه، لأن السلوك السيىء على كلا الجانبين سيعمل على الإضرار بصورة كينيا وبكامل إفريقيا وعلى الإضرار بالاستثمارات الأجنبية؛ مما سيعمل على تخليد فكرة كون إفريقيا قارة متخلفة وعنيفة وغير آمنة. وبينما قد تكون مثل تلك الأشياء حقيقية بالنسبة لإفريقيا منذ عشرين سنة ماضية، فإنها في الوقت الحالي ليست كذلك.

تعتبر زيمبابوي وكينيا من الأمثلة السيئة، إلا أن هناك العديد من الدول الإفريقية التي تقوم في الوقت الحالي بتغيير حكوماتها بطريقة سلمية، في غانا والسنغال وجنوب إفريقيا وناميبيا وموزمبيق وزامبيا ومالاوي وبتسوانا وتنزانيا وفي أماكن أخرى، وذلك في عقد السنوات الأخير. وفي العام الماضي، قامت نيجيريا بانتهاك الانتخابات بطريقة سيئة إلا أن عددا كبيرا من نتائج الانتخابات التي تم التلاعب بها قد تم إلغاؤها على المستوى الاتحادي ومستوى الولاية والمستوى المحلي، في حين كان على الرئيس الجديد عمرو يارادوا أن يمثل أمام المحكمة للدفاع عن نفسه.

وفي زيمبابوي وكينيا، لدينا مهمة تجاه بقية دول إفريقيا: أن نبين بأنه عندما تكون الديمقراطية معرضة للهجوم، فإننا سوف نبقى صادقين مع مبادئها الجوهرية. وسيكون على كافة الزعماء الأفارقة المنتخبين بشكل ديمقراطي مسؤولية دعم أولئك الذين يثبتون ذلك الالتزام. ووفق هذه الطريقة وحدها يمكننا أن نبين لباقي دول العالم بأن إفريقيا هي مكان آمن.

ويمكن أن يتم تحديد مستقبل كينيا الآن، وذلك إما من خلال حقائق ثابتة لا تقبل النزاع يتم عرض قضيتها في المحكمة ويتم نشرها في جميع أنحاء العالم أو من خلال مئات من أفراد أبرياء يتم ذبحهم في جميع أنحاء البلاد.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 29 كانون الثاني 2008.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018