العلاقات الجيو-إستراتيجية والسياسية الدولية

إدريس لكريني17 نوفمبر، 20100

تصاعدت وتيرة العمليات الإرهابية بشكل مكثف في العقود الأخيرة، في مختلف المناطق من العالم، سواء من حيث مخاطرها وأشكالها أو على مستوى النطاق الذي تتم فيه أو بالنسبة لعدد المنظمات التي تمارسها، وإذا كانت معظم الدول قد أجمعت على خطورة هذه الآفة، وأكدت على ضرورة مجابهتها، فإنها اختلفت في مقاربتها، مما جعل هذه العمليات تتزايد بشكل مطرد.
يكاد يجمع الكل على أن ظاهرة “الإرهاب الدولي”، أصبحت تشكل تحديا كبيرا أمام المجتمع الدولي برمته بالنظر للتحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي أصبحت تطرحها أمام مختلف الدول بشمالها وجنوبها، فالعمليات التي طالت عددا من البلدان في الآونة الأخيرة، أكدت أن مخاطرها تتجاوز مخاطر الحروب النظامية بالنظر لجسامتها وفجائيتها واستهدافها لمنشآت استراتيجية ومصالح حيوية وخسائرها البشرية الفادحة.
فبعدما كانت العمليات “الإرهابية” تتم وفق أساليب تقليدية وتخلف ضحايا وخسائر محدودة في الفئات والمنشآت المستهدفة، أصبحت تتم بطرق بالغة الدقة والتطور مستفيدة من التكنولوجيا الحديثة.
وعلى الرغم من مختلف الجهود المحلية والاتفاقية التي بذلت في سبيل الحد من هذه الظاهرة، فإنها لم تكن بالفعالية المطلوبة، حيث تبين أن الظاهرة باتت في تزايد مستمر وخطورة متنامية وانتشار واسع.. ويمكن القول إن عجز المجتمع الدولي عن صياغة مفهوم دقيق ومتفق عليه بشأن هذه الظاهرة، بسبب تباين الخلفيات الإيديولوجية والمصلحية والمذهبية بالنسبة للباحثين والمفكرين والسّاسة.. الذين تناولوا هذه الظاهرة، أسهم بشكل كبير في قصور مختلف هذه التدابير والإجراءات التي حاولت مقاربة هذه الظاهرة العابرة للحدود..
إن إقرار المجتمع الدولي برمّته بهذا الخطر، الذي أصبح يحتل مكانة بارزة على رأس قائمة الأولويات ضمن مختلف اللقاءات والمؤتمرات الدولية إلى جانب قضايا حيوية أخرى كالحد من الانتشار النووي وتلوث البيئة والديمقراطية وحقوق الإنسان والأمراض الخطيرة العابرة للحدود..، لم يمنع من تطور وتنامي الظاهرة خلال السنوات الأخيرة، ذلك أن التباين المطروح بصدد مفهومه الملتبس، أضحى عائقا أمام مقاربته بشمولية وفعالية تسمح بوقف زحفه وانتشاره.
فعلاوة عن مواقف الفقهاء والدول المتباينة بهذا الصدد، فالأمم المتحدة نفسها عجزت عن بلورة مفهوم قار ومحدّد يحظى بقبول جميع دول العالم.
وتتعدّد الرؤى والمواقف إزاء هذه الظاهرة تبعا لتباين الخلفيات الإيديولوجية والثقافية والسياسية.. وتتباين بين مؤكد على اختزال “الإرهاب” في كل أشكال العنف، وبين من يميز بين العنف المشروع والعنف المحرم، وبين من يركز على “إرهاب” الأفراد، وبين من يميزه عن “إرهاب” الدولة.. إلى الحد الذي اختزل فيه الإرهاب في كثير من الأحيان في عنف “الآخر”..
وجدير بالذكر أن هذا التباين في المفاهيم، يفتح المجال أمام المقاربات الانفرادية للظاهرة التي تركّز في غالبيتها على الجوانب الأمنية، مما يسهم في تنامي الظاهرة وانتشارها على نطاق جغرافي واسع.
وبإلقاء نظرة سريعة على مختلف الجهود الدولية المرتبطة بمكافحة الظاهرة الإرهاب، سواء في صورها القانونية والاتفاقية الجماعية والميدانية الانفرادية، يتأكد أن جل هذه الجهود اتخذت الطابع العلاجي، وتحكّم فيها الهاجس الأمني أكثر من أي اعتبارات أخرى.
إن أسباب ظاهرة “الإرهاب” الدولي كمظهر من مظاهر العنف متعددة ومتشابكة ومعقدة في آن واحد، تتنوّع بين ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي وتربوي وأمني أيضا.
ولذلك فالمكافحة الحقيقية لهذه الظاهرة تبدأ من بلورة مفهوم عالمي للظاهرة، وتجاوز المقاربة الأمنية التي تركز على الفاعل والفعل (وقد أثبتت إفلاسها بالفعل في العديد من الحالات) إلى مقاربة شمولية، تسمح ببلورة سبل ناجعة ومداخل تقف على المسببات والدوافع الحقيقية لهذه الظاهرة في شتى أبعادها وتجلياتها النفسية والاجتماعية والتربوية..، بدل الخوض في علاجه بأشكال زجرية وأمنية وربما “إرهابية” أيضا قد تزيد من تفاقمه وتطوره.
وبخاصة أن التجارب الدولية المرّة في هذا الخصوص (أحداث أمريكا 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال) أوضحت وبالملموس أن أي إجراء أمني مهما توافرت له الإمكانيات البشرية والتكنولوجية والمادية، لا يمكنه الحد من هذه الظاهرة، بعدما أصبح القائمون بهذه الأعمال يطورون آلياتهم ووسائلهم ويستغلّون وبتحايل كبير أضيق الفرص والفجوات لتنفيذ أعمالهم.
‎© منبر الحرية،13 نونبر/تشرين الثاني 2010

نبيل علي صالح17 نوفمبر، 20100

في كل مرة أزور فيها مدينة اسطنبول التركية، أحد أهم وأبرز عواصم وحواضر الشرق، شرق الثقافة والحضارة والمجد التاريخي. أرى وأشاهد فيها أشياء ومعالم جديدة وجميلة تنعش الروح والفؤاد وتضفي البهجة والسعادة في النفس. وهذه الأشياء الجديدة ربما لا تكون جديدة بالشكل والمظهر والموقع، بل قد تكون جديدة بالروح الداخلية النشطة والفعالة التي تسري فيها وتحركها وتجعلها مادة خصبة غنية بمعاني التاريخ، وحافلة بحكاياه وأحداثه الكثيرة التي مرت عليها وأكسبتها فرادةً –مضافةً إلى موقعها الجغرافي المميز والرائع-، من حيث قوة حضور الماضي التاريخي بألقه وتألقه في الراهن والمعاصر، ومن خلال هذه الروح الحضارية المهيمنة عليها وفيها والتي يمكن للزائر معاينتها ومعايشتها حيثما حل في أرض اسطنبول.
اسطنبول سحر الشرق القادم من عبق التاريخ، لا تكل ولا تمل ولا تنام ولا تهدأ. تستقبل زواها من كل الدنيا، وتفتح ذراعيها لهم للتمتع بجمالها وسحرها الشرقي العتيق المندمج بانسابية وتلقائية ممتنعة مع الحداثة والعصرنة التي تبهر الأنظار والألباب.
لقد كانت الآستانة التي فتحها السلطان محمد الفاتح منذ حوالي ستمائة سنة تقريباً، أحد مراكز التجارة والاقتصاد والممرات الإستراتيجية في عالم الشرق القديم بحكم الموقع الفريد أولاً، وطبيعة الإرادة والتصميم على الإنجاز التي توفرت للقائمين عليها سابقاً. وقد حافظت هذه المدينة الكبيرة على هذه المكانة والدور التاريخي، بل وأضافت لها في العصور المتتالية إضافات نوعية مهمة على مستوى العمارة والفن والحداثة العملية حيث قام المشرفون عليها بالإبداع في تطويرها وتنميتها، مما أهلها لتكون عاصمة لتلاقح الحضارات وحوار الثقافات، وجعلها ملتقى للناس من كافة أرجاء المعمورة. وهذه لعمري ناحية مهمة جداً، وهي أن توفر وتبني وتصنع وتخلق كافة الظروف والمناخات والأجواء النفسية والعملية ليكون بلدك موقعاً للقاء والتعارف والحوار والزيارة والسياحة. طبعاً نؤكد هنا أنه لولا وجود الموقع الجغرافي الفريد والرائع والهائل الذي يأخذ بالألباب لمدينة اسطنبول ما كنا رأينا ولاحظنا وعاينا هذه المجاميع البشرية الهائلة تهيم في طرق وساحات وفنادق ومطاعم وآثارات ومزارات وكازينوهات ومولات ومعارض ومتاحف اسطنبول.
وهذا التطور الكبير الذي تلاحقت فصوله في اسطنبول خلال السنوات العشر الأخيرة ما كان ليحصل أيضاُ، لولا وجود مواطن يحب ويعشق بلده ومدينته، ويعمل على الحفاظ عليها ورعايتها بأجفان عيونه. وما كان ليحصل أيضاً لولا مرونة القوانين والأنظمة البلدية وغير البلدية، لأن جمود وبيروقراطية النص القانوني مدخل وسبيل ودافع ومحرض كبير للفوضى والكسل والترهل والفساد، وهو أكبر عائق للتطور والحداثة ومواكبة الحياة والعصر.
وهذه اسطنبول التي قال عنها نابليون بونابرت ذات مرة: “لو خيرت في وضع عاصمة للعالم كله لاخترت اسطنبول عاصمة له”. تعشق الحياة والمستقبل. شوارعها نظيفة، ومحالها وساحاتها تفوح منها رائحة العطر والعبق التاريخي الحاضر بقوة في كل المواقع والأمكنة والامتدادات.
وبعد ذلك كله، ليس من محل أو مكان للاستغراب والاستعجاب من هذا الرقم المعروف والمتداول حول أعداد السياح والزائرين لاسطنبول سنوياً، والذي يصل إلى حوالي 26 مليون إنسان، بينهم 3 مليون يومياً يزورون شارع الاستقلال في حي وجادة تقسيم. أفبعد هذا الحديث حديث.
المعادلة باختصار: محبة وطن وإرادة عمل وقانون عصري حديث. وقبل ذلك وجود نظام سياسي ديمقراطي عادل غير مستبد يعمل لصالح خدمة الناس والمجتمع، لا أن يكون الناس خداماً وحواشي له، مع حريات سياسية، وحرية سوق وتداول السلع.
بالفعل أعط بلدك تعطيك. وابخل عليها تبخل عليك.
العمل ثم العمل يا شباب.

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

لا شك أن إحراق الكتب هو عمل همجي، وتزداد الهمجية عندما تكون الكتب محل هذا العمل الشائن موضع تقديس وتجلية عند البعض (كثر هؤلاء أو قلوا ) …، ولا شك عندي أن القس الأمريكي الذي كان يهم بحرق القرآن في ولاية فلوريدا الأمريكية هو رجل صيغ من مادتين بشعتين: هما التعصب الأعمى، والحماقة المنفلتة من عقال العقل والرشد. ولكن ذلك الرجل البشع ومشروعه الأخرق لا يجب أن يثنيانا عن رؤية المناخ العام الذي كانت هذه الفعلة الشائنة على وشك الحدوث في ظله. ولا يعني ذلك تبرير هذا الفعل المعتوه والمشرب بالجنون والتعصب وضيق الأفق والكراهية. فيجب علينا أن نرى بوضوح أن هذا الرجل كان على وشك القيام بعمل بالغ الرداءة كالذي قامت به حكومة طالبان الإسلامية في أفغانستان منذ نحو عشر سنوات، عندما داست على مشاعر ملايين من البشر بإطلاقها دانات المدافع على تمثالين لبوذا حتى تم دمار التمثالين. ويجب أن نتذكر أن قليل من المسلمين قد أدانوا يومها تلك الجريمة الحمقاء. ويجب أيضا أن نتذكر بل وأن نعي أن العالم لم ينقلب على المسلمين، بل إن أفعال وتوجهات وسلوك وأقوال ونوايا بعض المسلمين هي التي تقلب العالم ضدنا. كثير من المسلمين لا يرون جريمة 11 سبتمبر / أيلول 2001  بحجمها الحقيقي، وقليلون هم الذين يصدقون أن القاعدة هي الفاعل، وكثيرون يرددون (بجهل أسطوري عجيب ) أن فاعل تلك الجريمة هو من داخل النظام السياسي والأمني الأمريكي، وملايين المهاجرين المسلمين في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا يعطون الانطباع شبه المؤكد أنهم عازمون على أسلمة المجتمعات التي هاجروا إليها…، وكثيرة هي وسائل الإعلام والتثقيف (!!) في مجتمعاتنا التي تصور الغرب بأنه أضحى منغمسا بالكلية في مؤامرة ضد الإسلام، وهو عبث محض. وما أكثر الجهلاء في مجتمعاتنا الذين لا يفرقون بين تدين البعض في الغرب وعلمانية مجتمعات هذا الغرب. ولاشك عندي أن وسائل الإعلام وجل طبقة الإنتلجنسيا في مجتمعاتنا، ستضرب الصفح عن مواقف نبيلة للأغلبية من رجال الدين اليهود والمسيحيين في الغرب الذين أدانوا بقوة الحماقة التي كان ذلك القس الشائه في فلوريدا على وشك اقترافه، فمعظمنا أصحاب عقلية انتقائية تختار من بين الأشياء الحادثة ما تحب أن تراه، وتستبعد ما لا يوافق أهواءها، كما فعل معظمنا عندما ناصرت أمريكا مسلمي البوسنة، على خلاف المواقف الأوروبية (الروس مع الصرب الأرثوذوكس وفرنسا مع الكروات الكاثوليك ) التي حكمتها عقد تاريخية.
منذ أيام سمعت عالم مصري يشيد بالمستويات التعليمية العالية للغاية في مصر الخمسينات والستينيات، ويرجع الفضل لتلك الحقبة وقادتها وعلى رأسهم “جمال عبد الناصر”. وهو قول ساذج للغاية، فأنا كابن لهذه المرحلة (إذ حصلت على الشهادات الابتدائية والإعدادية والثانوية والليسانس أي الشهادة الجامعية الأولي) غداة رئاسة جمال عبد الناصر، أعرف أن مستويات التعليم بمصر كانت وقتها على أرفع المستويات، بل وبعض أبناء جيلي تذهلهم المستويات التعليمية والثقافية لمن هم في أعمارنا من الأوروبيين والأمريكيين. ولكن تلك المستويات هي نتيجة طبيعية لمعدن وسبيكة ومستويات مدرسينا وأساتذتنا والذين هم (جميعا) من ثمار وتجليات ما قبل حقبة العسكر. هؤلاء كانوا نتاج وثمار عهد كان وزراء التعليم (المعارف) خلاله على شاكلة منصور باشا فهمي ومحمد حسين هيكل باشا وطه باشا حسين. أما التعليم في عهد جمال عبد الناصر فكان بيد عسكري شبه أمي ومعدوم الثقافة وإخواني النزعة (وأعني كمال الدين حسين). وكما كان التعليم المصري رفيع المستوي في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، فكذلك كانت الحياة الثقافية الحركة الأدبية والمسرح والفنون والسينما. ولكن بسبب ذات العامل، وأعني العنصر الرفيع لأجيال تشكلت وتكونت في ظل الحقبة الليبرالية وقبل قيام العسكر (أنصاف المتعلمين) بخطف مصر يوم الأربعاء 23 يوليو / تموز 1952. أما المدرسون والأساتذة الذين تكونوا في الحقبة الناصرية، فإنهم المسؤولون عن الأوضاع التعليمية المتردية في مصر اليوم، ويقال ذات الشيء على المثقفين: فكما أن طه حسين ،والعقاد، وتوفيق الحكيم، وسلامة موسى/ وسهير القلماوي، ولطيفة الزيات، ونجيب محفوظ، ويوسف ادريس، ولويس عوض، ومجدي وهبة، ومحمد مندور، وجل المثقفين المصريين الماركسيين (جيل محمد سيد أحمد)، هم أناس تكونوا في بيئة ما قبل انقلاب العسكر (غير المثقفين)، فإن المثقفين الذين تكونوا في مصر – عبد الناصر هم المثقفون المصريون أصحاب القامات المتوسطة والقصيرة الذين يقفون اليوم في حالة عجز عن التصدي للوحشين الكبيرين الذين تقف مصر اليوم بينهما: وحش الاستبداد السياسي الذي أفرز الفساد والزواج المشبوه بين السلطة والثروة، ووحش الأفكار الظلامية التي تحاول أن تجهز على روح مصر وتسحبها لما قبل القرون الوسطي… الائتلاف والتحالف مع الإسلاميين (بل ومع غلاة التطرف منهم) كان منتجا ذا منبعين: فهو من منتجات حقبة الحرب الباردة، إذ استعمل الإسلاميين ضد الإتحاد السوفيتي وضد نظم اشتراكية (أو تبدو كذلك) مثل النظام المصري في خمسينيات وستينيات القرن الماضي (حرب السعودية المدعومة أمريكيا مع مصر المدعومة سوفيتيا على أرض اليمن). وكان شعار المرحلة (في هذا الشأن) أن (عدو عدوي هو حليف لي.  ونظرا لأن الإسلام السياسي كان (بتفاهة وسطحية منقطعي النظير) عدوا للمعسكر الاشتراكي، فقد وجدته الولايات المتحدة (بغباء تاريخي منقطع النظير) “نعم الحليف” ضد الإتحاد السوفيتي وأنسباءه!. وأما المنبع الثاني لهذا الائتلاف فقد كان أمريكي-سعودي المصدر. وهذا المنهج (المفتقد كلية للثقافة وللحس التاريخي) هو نهج مخابراتي بريطاني منذ أوائل القرن العشرين. فقد كانت الأغلبية في المخابرات البريطانية (إم . آي . 6 ) تعمل مع عبد العزيز آل سعود (المندمج آنذاك مع إخوان نجد ذوي الهوس الديني) لكي يمد نفوذه ويسيطر على معظم الجزيرة العربية، بل وحارب معه في بعض معاركه ضباط بريطانيون،  بل ومات بعضهم وهو يحارب ضمن قوات عبد العزيز آل سعود. ونفس المخابرات (البريطانية) هي التي ساعدت حسن البنا على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر سنة 1928، أي بعد سنة واحدة من وفاة قائد وزعيم الحركة الوطنية المصرية سعد زغلول الذي رأت بريطانيا والملك فؤاد ضرورة تأسيس حركة الإخوان في محاولة منهما لسرقة الشارع المصري (باسم الإسلام) من الوفد المصري، الذي فقد زعيمه منذ عام واحد. ومعروف أن الأب الروحي لحسن البنا هو السوري المتزمت محمد رشيد رضا (صاحب تفسير المنار)، والذي كان وصلة الصلة بين حسن البنا وعبد العزيز آل سعود والذي كان قد أصبح (بعون الإنجليز) ومنذ ثلاث سنوات فقط (1925) ملك الحجاز وسلطان نجد… وحتى اليوم، لم تعترف الولايات المتحدة بخطئها وخطيئتها التي جعلت العالم الذي نعيشه اليوم عالما خطرا، وأحيانا كثيرة “عالما كريها” ….
© منبر الحرية،11 أكتوبر/تشرين الأول 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

المفاوضات المباشرة في هذه المرحلة هي أفضل الخيارات الصعبة أمام السلطة الفلسطينية، لأنها تساهم على الأقل مرحلياً في زيادة الضغط على إسرائيل لإيقاف الاستيطان وتخفيف الضغط الأميركي على الفلسطينيين (الطرف الأضعف)، إضافة إلى إبقاء الرئيس اوباما مهتماً باستمرار المفاوضات والتعامل مع القضية الفلسطينية، كما أنها تبقي دولاً عربية رئيسة مثل مصر والأردن وراء محاولة إبقاء فرص السلام قائمة.
لكن من جهة أخرى، إن وجود معارضة لهذه المفاوضات في الساحة الفلسطينية والعربية من قبل حركة «حماس» و «حزب الله» وقطاعات أخرى فلسطينية، بالإضافة إلى سورية وإيران يبدو مفهوماً ومتوقعاً. ويضاف إلى ذلك أن الدول العربية ليست في جلّها وراء هذه المفاوضات، والدول المشاركة كمصر والأردن ليست متأكدة من النتيجة وذلك لقناعتها بمحدودية ما تستطيع إسرائيل تقديمه في هذه المرحلة. وتأتي العملية المسلحة التي قامت بها «حماس» وأدت إلى مقتل أربعة مستوطنين في الخليل منذ ثلاثة أيام لتؤكد طبيعة الوضع الذي ينتظر إسرائيل في حال استمرار الاحتلال والاستيطان. في الإمكان القول أن الطرفين («فتح» و «حماس») على صواب في الموقف من المفاوضات (قبول «فتح» ورفض «حماس»)، لكنهما على خطأ كبير في عدم صوغ صيغة وحدة وطنية تدعم الموقف الفلسطيني المفاوض بينما لا تسقط وسائل النضال الأخرى.
وستتعرض المفاوضات لقضايا لا تقوى إسرائيل بقيادتها اليمينية الراهنة على تقديم حلول لها. فقضايا اللاجئين والمستوطنات والقدس والدولة والحدود والمياه وكل ما يتفرع عنها ستفعل فعل المتفجرات في المفاوضات. بمعنى آخر لا توجد قواسم مشتركة بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي، فكل منهما في المفاوضات لأسباب ودواع لا علاقة لها بموضوع التفاوض، فالإسرائيلي يريد أن يخفف الضغوط العالمية والأميركية عليه ويريد أن يفترس المفاوض الفلسطيني والأرض التي يقف عليها، بينما الوفد الفلسطيني يريد أن يوقف زحف الاستيطان ويخرج من المفاوضات محققاً دعماً عالمياً اكبر لينجح في إقامة دولة فلسطينية وخلق شرخ أميركي – إسرائيلي. بل على الأغلب يسعى الطرف الفلسطيني، في حال فشل المفاوضات، إلى إقناع القوى الدولية بأهمية مساعدته على إقامة دولة فلسطينية من طرف واحد وبضمانات دولية.
ويزيد الأمر صعوبة إصرار إسرائيل على اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة غير مكتفية بالاعتراف بإسرائيلية الدولة. لكن الاعتراف بيهودية إسرائيل سيعني إضراراً كبيراً بمصالح الأقلية العربية (الفلسطينية) غير اليهودية المكونة من مسلمين ومسيحيين في إسرائيل. هذه الأقلية الفلسطينية العربية تمثل ٢٠ في المائة من مواطني إسرائيل. هل يعقل مثلاً أن يكون هناك اعتراف بمسيحية الدولة بالنسبة إلى الولايات المتحدة؟ ماذا سيعني هذا بالنسبة إلى اليهود والمسلمين والبوذيين وغيرهم من مواطني الولايات المتحدة؟ ان فكرة يهودية الدولة في إسرائيل فرضية عنصرية تعيد إلى الذاكرة الكوارث التي جاءت مع الصهيونية منذ نشوئها.
وهناك عنصر رئيس في المعادلة يترك أثراً كبيراً في السلوك الأميركي الراهن. ففي هذا الشهر تحل الذكرى التاسعة لهجمات 11 أيلول (سبتمبر)، ومع ذلك لم يتم حتى الآن اقتلاع الإرهاب، كما أن الولايات المتحدة لم تحقق انتصاراً حاسماً في هذه الحرب أو تلك التي في العراق وأفغانستان والآن في اليمن وباكستان. ويضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة تدفع سنوياً مئة بليون دولار في أفغانستان وحدها، كما أنها أمام تحدي الوضع الاقتصادي منذ الأزمة المالية العالمية.
هناك إذا بيئة سلبية للدولة الكبرى اقتصادياً وبيئة تفرز الإرهاب إقليميا في الشرق الأوسط. هذه التطورات ساهمت في تنمية إدراك بين فريق الرئيس أوباما بأن الكثير من الرفض للولايات المتحدة في العالم الإسلامي مرتبط بعمق دعمها لإسرائيل واستيطانها وحروبها واحتلالها. إن الولايات المتحدة تخوض نقاشاً كبيراً على مستوى الإدارة، وبدأت تكتشف أن جزءاً كبيراً من الورطة الأميركية في الشرق الأوسط مرتبط بحالة الاحتلال والقهر والاستيطان الإسرائيلية وجميع الآثار والأبعاد التي تثيرها هذه الحالة في جميع المجتمعات العربية والإسلامية.
لنأخذ تصريح الرئيس اوباما منذ أسابيع قليلة مما يعكس طبيعة الأجواء في الإدارة الأميركية الراهنة: «إن حل الصراع في الشرق الأوسط مصلحة رئيسة للأمن القومي الأميركي». ثم أردف قائلاً: «إن صراعات كالتي تقع في الشرق الأوسط تكلفنا كثيراً من الدماء والإمكانات».
لنأخذ تصريحات الجنرال بترايوس عندما كان رئيساً للقيادة الوسطى وقبل استلامه قيادة القوات الأميركية في أفغانستان عندما قال في الكونغرس الأميركي في آذار (مارس) الماضي «إن عدم تحقيق تقدم في حل الصراع العربي – الإسرائيلي يخلق بيئة عدائية للولايات المتحدة». بل وصف بترايوس الصراع العربي – الإسرائيلي بأنه «أول موضوع يؤثر بصورة شاملة في الأمن والاستقرار في المنطقة». كما أوضح أن الصراع في المنطقة «يخلق مشاعر معادية للولايات المتحدة ناتجة من الانطباع بأن الولايات المتحدة تؤيد إسرائيل». كما قال أن «الغضب العربي المرتبط بالصراع يحد من قدرة الولايات المتحدة على بناء شراكة مع دول المنطقة وشعوبها».
لكن كما هو الحال في كل مفاوضات، من يعرف كيف ستتطور في ظل ارتفاع وتيرة الهجوم الذي تتعرض له الإدارة الأميركية من القوى المؤيدة لإسرائيل في الساحة الأميركية؟ ولكن قد يقدم نتانياهو تنازلاً بسيطاً في شأن الاستيطان ينتج منه سقوط الحكومة الإسرائيلية الحالية وانتخابات جديدة يصعب على نتانياهو الفوز بها. وهل يسعى نتانياهو إلى عقد ائتلاف مع أحزاب إسرائيلية اقل تطرفاً للوصول إلى صيغة تنهي بالنسبة إليه عدم الاستقرار الناتج من احتلال الأراضي الفلسطينية وحصار غزة واحتلال القدس والجولان؟ وقد يفكر اوباما في مرحلة مقبلة كما يدعو مروان المعشر وزير الخارجية الأردني السابق في مقال له الأسبوع الماضي إلى إشراك مزيد من المفاوضين الإقليميين ومشاركة الأطراف الفاعلة بلا استثناء بما فيها سورية والسعودية. بل يحذر المعشر من أن الأسلوب الراهن لن يحقق السلام.
وعلى رغم تداخل الموقفين الإسرائيلي والأميركي ودور جماعات الضغط الإسرائيلية ودور الكونغرس الأميركي المنحاز لإسرائيل، إلا أن هذه الإدارة ترث من الإدارة السابقة حالة تراجع في منطقة الشرق الأوسط في ظل عدم القدرة على احتواء الإرهاب وتنظيم «القاعدة» والوضع في كل من أفغانستان والعراق واليمن وباكستان وفلسطين. إنها إدارة لا تمتلك أوهاما حول إسرائيل وشن الحروب الاستباقية والاستيطان. لكنها لتصل إلى الحفاظ على وضعها الدولي والتراجع الهادئ والتخلص من سلسلة الحروب التي تورطت فيها، عليها أن تسير في خط صعب وأن تمارس ديبلوماسية دقيقة. أن تعاملها مع الصراع العربي – الإسرائيلي بصفته جوهر صراعات الشرق الأوسط يمثل مدخلاً ضرورياً يجب أن نرحب به. التعامل مع الصراع هو جوهر التعامل مع الورطة الأميركية في الشرق الأوسط الكبير.
إن المأزق الذي تجد السلطة الفلسطينية نفسها فيه ويجد الشعب الفلسطيني انه يعيش وسطه تحوّل أيضا إلى مأزق تعيشه الإدارة الأميركية هي الأخرى، وتحول أيضا إلى مأزق إسرائيلي لا تعرف إسرائيل كيف تتعامل معه بعيداً من الإمعان في تعميقه من خلال مزيد من الاستيطان. قد تمثل المفاوضات كما هي الآن محطة في صراع عصي على الحل وإن كان حله حلاً عادلاً لا يزال في مصلحة كل الشعوب.
© منبر الحرية،29 شتنبر/سبتمبر 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

الجزء الثاني
المحدد الاقتصادي
الاقتصاد والطاقة النووية:
تدرك إيران أن الطاقة عصب الحياة في العصر الحاضر، وعليها أن تعمل جادة في القيام بمسئوليتها على توفير الطاقة الكامنة للحياة والتنمية الاقتصادية، وإيجاد مصادر أخرى للطاقة البترولية. ولعل تطوير إيران لبرنامج نووي أحد تجليات هذا الإدراك. وبالفعل استطاعت إيران أن تحقق بعض الانجازات العلمية بهذا الخصوص، فقد نجحت في تخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة الطرد المركزي، وبإعلان أحمدي نجاد في 11  إبريل 2006  أن إيران امتلكت دورة وقود نووي كاملة، تكون إيران قد امتلكت العلم والتقنية النووية. وهكذا حققت إيران انجازا علميا وتقنيا، وهذا يعني أن البرنامج النووي الإيراني سوف يستخدم في تحديث الدولة علميا وتقنيا في المجال الطبي والزراعي والعسكري، فضلا عن تنوع مصادر الطاقة فيها، لأن البترول مادة فانية ناضبة طال الزمن أم قصر، وسكان إيران يتزايدون بمعدلات مرتفعة، وهم في أمس الحاجة لمصادر بديلة للطاقة.
وعليه تكون الطاقة النووية ركيزة لرفاهية الشعب الإيراني، وذلك من خلال استبدال مصدر الطاقة البترولية بطاقة أخرى نووية، وتقليص احتياجات السوق المحلي من البترول، وهو ما يرفع فائض البترول الذي يتم تصديره للخارج وغزو الأسواق الأجنبية بالبترول الإيراني، وبالتالي زيادة في الدخل القومي الإيراني بفعل زيادة عوائد البترول المصدر للخارج، ومن هنا يتم توظيف هذه العائدات في الداخل، وهو ما يرفع الدخل الفردي وتوفير الكثير من الاحتياجات الداخلية من خلال إنشاء فروع إنتاجية جديدة في المجال الصناعي، ويساهم بشكل كبير في معالجة مشكلات البطالة، والتخفيف من الاستيراد، وغيرها من المشكلات الاقتصادية.
أضف إلى ذلك أن سعي إيران المتواصل لتطوير برنامج نووي، ليس فقط للأغراض السلمية، بل أيضا للأغراض العسكرية، وثمة شواهد على ذلك ليس اقلها تصريحات إيرانية تؤكد هذا المسعى، فهذا أية الله مهاجراني، نائب الرئيس الإيراني السابق، أشار في23  أكتوبر 1991  إلى أن “امتلاك إسرائيل للسلاح النووي يجعل من الضروري على الدول الإسلامية أن تتزود بنفس هذا السلاح، ويجب أن تتعامل من أجل الحصول عليه”.
وهكذا يتبين لنا مدى أهمية الطاقة النووية في تحديث إيران وتطويرها في كافة المجالات. وبالتالي ليس صحيحا ما يُقال أن إيران دولة غنية بالنفط، وبالتالي فهي ليست بحاجة إلى إنفاق ميزانيات طائلة لامتلاك بنية أساسية متكاملة في المجال النووي. إن ما قلناه أعلاه ينفي ذلك لجهة أن امتلاك إيران قدرات نووية سيعجل من عجلة التنمية والتصنيع، ويعالج مشكلات اقتصادية كثيرة، فضلا عن امتلاكها لبنية علمية متطورة، وبالتالي ستحقق إيران من جراء ذلك عوائد ضخمة لا تقدر بثمن.
وحتى ندرك الانتظام والاستمرارية في سياسة إيران الخارجية، لابد من مقارنتها بدول أخرى في المنطقة حتى نستطيع أن نقيم سياستها الخارجية. ومن هنا، إن المراقب للبرنامج النووي الإيراني ونظيره المصري يرى المفارقة بينهما: ففي الوقت الذي يشهد البرنامج النووي الإيراني قدرا كبيرا من الاستمرارية سواء في العهد الإمبراطوري الشاهنشاهي، أو في العهد الثوري، وهو ما يعكس وضوحا في الرؤية والإستراتيجية الإيرانية، ونهجا ثابتا ومطردا رغم اختلاف طبيعة النظامين، في المقابل نرى الجهود المصرية التي بذلت لبناء برنامج نووي في الخمسينات والستينات من القرن الفائت(الحقبة الناصرية)، والمحاولات التي بذلت أيضا في إعادة إحيائه في عقدي السبعينات والثمانينات في نفس القرن، وكيف انتهت تلك المحاولات في الوقت الذي أصبحت فيه الطاقة المحركة هي عصب الحياة، وفي الوقت الذي أصبحت فيه مصر تستورد البترول، والتي ستزداد الحاجة المصرية للاستيراد في المستقبل، بهدف تنمية القدرات العلمية وخدمة المجتمع والتنمية في مختلف المجالات، مما يفاقم المشكلة اكبر واكبر، وهو ما يدفع مصر بالبحث عن إستراتيجية لها، وفي نفس الوقت يعكس ذلك الانقطاع أحيانا والاستمرار أحيانا أخرى، تخبطا في الرؤية وانقطاعا في الهدف وغياب الرؤية الإستراتيجية الواضحة والمتماسكة، ويؤكد أن إيران تعمل على الاستفادة من الفرص القائمة في البيئة الإستراتيجية. ففي الوقت الذي تتراجع فيه القوة الأمريكية، ومأزقها في العراق وأفغانستان، وما رتبت له سياسات إدارة بوش إلى حد كبير من تحول إيران إلى لاعب أساسي في العديد من الساحات، كل ذلك هيأ لإيران بأن تصبح قوةً فاعلةً في الإقليم، “ودولة محورية تمتلك من الإمكانات ما يؤهلها لتصبح قوة عظمى” فهي استغلت بذكاء هذا التراجع والضعف في السياسة الأمريكية، في تفعيل سياستها الخارجية وبخاصة المسألة النووية، حيث تدرك طهران هذه البيئة الإستراتيجية المناسبة والمواءمة لإستراتيجيتها وتدرك هذا التحول في العالم‏، حيث تتنبأ مختلف المراكز السياسية والإستراتيجية‏ والاقتصادية‏ بأن العالم يتجه إلي التعددية وقرب انتهاء عصر انفراد قوة وحيدة بقيادة العالم‏، التي تحتكر إدارة الأزمات الدولية‏، تلك اللحظة التاريخية‏، التي يتحول فيها العالم‏، وتتغير المعايير التي تحكم الأفكار والسياسات‏، هذه اللحظة تستغلها إيران جيدا في طرح وتفعيل سياستها لتحقق مصالحها القومية، وهي لحظة سيكون فيها العالم العربي أمام حساب التاريخ‏، إذا ما ضيع هذه الفرصة.‏ أو حسب ما قاله سياسي أمريكي: “عندئذ لا تلوموا إلا أنفسكم”، هكذا يتبين لنا أن المشروع الإيراني يسير بخطى مدروسة ومنتظمة وبدون انقطاعات، وهو ما يعطي إيران ميزة تميزها عن غيرها من دول المنطقة التي تتغير سياساتها بتغير القيادات الحاكمة، وهو ما ينفي صفة الاستمرارية عنها.
تكنولوجيا الأقمار الصناعية والعسكرية:
تعتبر إيران الدولة الثانية بعد إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط التي تمتلك القدرة على إطلاق أقمار اصطناعية، بعد أن وضعت إيران في4  فبراير 2009  قمرا اصطناعيا صنعته، حيث أطلقته بواسطة صاروخ “سفير2” الذي أفادت وكالة الأنباء الإيرانية أنه بدوره صنع في إيران. ومن المؤكد أن إطلاق قمر إيراني الصنع بواسطة صاروخ إيراني الصنع أيضاً يعد انجازا علميا وتقنيا تفتقر إليه دول المنطقة. إن امتلاك إيران تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية والصواريخ الحاملة لها والتي بدا واضحا أن إيران حققت فيهما سبقاً على العرب، يعد مصدر قوة تضاف إلى مصادر القوة الأخرى التي تمتلكها إيران وهو ما يعني التقدم نحو تحقيق المشروع الإيراني. بالإضافة إلى امتلاك إيران لصواريخ شهاب 1 ، 2، 3، 4 ،5  وهناك توجه للتطوير شهاب6، وصواريخ أخرى مثل “زلزال” و”الفاتح”.
وتبذل إيران جهدا جبارا في تطوير قدراتها الصاروخيّة البالستية والتكنولوجيا العسكرية، وهي تنفق جزءا كبيرا من ميزانيتها التسلحية على ترسانة الصواريخ التي تمتلكها وتطورها، فضلا عن امتلاكها للأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وتصنيع الغواصات، لذا تعتبر التكنولوجيا محركا رئيسيا لسياسة إيران الخارجية، وتوجيه العلاقات الإيرانية الخارجية، ونجاحها أحيانا وإخفاقها أحيانا أخرى، حيث إن إيران في حاجة متزايدة إلى تطوير قدراتها التكنولوجية واللحاق بطفرتها العالمية، والرغبة في تحديث جيشها وإصلاح ما تم تدميره منذ الثورة وأثناء حربها مع العراق، والرغبة في تحقيق نمو اقتصادي والاعتماد على الذات كأحد المبادئ الأساسية للثورة الإيرانية في ظل الحصار الأمريكي المضروب عليها، لذا لجأت إيران لتعميق علاقاتها مع الصين وروسيا كبديل عن التكنولوجيا الأمريكية والغربية. فقد بقيت معادلة البترول الإيراني مقابل التكنولوجيا والتجهيزات العسكرية هي المعادلة المسيطرة على توجه السياسة الخارجية الإيرانية، وهو ما جعل إيران تنجح في اختراق الحصار الأمريكي المضروب عليها، وهو ما سبب قلقا أمريكا وإسرائيليا. وهذا كله علامة نجاح تحسب لإيران وسياستها الخارجية.
التنمية والسياسة:
من المؤكد أن التنمية لا تقتصر فقط على القدرة على تخصيب اليورانيوم أو تطوير تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية والكيماوية والبيولوجية وتكنولوجيا السلاح، على أهمية كل ذلك إلا أنه غير كافي، فالتنمية هي منظور شامل متكامل ومستديم، وهي تمثل نظاما متكاملا يعضد بعضه البعض، وبالتالي فالتنمية تشمل أبعادا صناعية واقتصادية وسياسية واجتماعية. فمن خلال التنمية الاقتصادية يمكن تحقيق زيادة في الناتج الوطني الاقتصادي أكبر من معدل الزيادة في عدد السكان، مما يؤدي إلى زيادة في حجم الدخل الوطني، وبالتالي زيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل. وتنمية سياسية من خلال تطوير أو استحداث نظام سياسي عصري، وترسيخ المواطنة، وتحقيق التكامل والاستقرار، وإشراك القاعدة الشعبية في صنع القرار أي في المشاركة السياسية وتنمية ثقافة سياسية ديمقراطية. وتنمية اجتماعية من خلال تطوير البنية الاجتماعية المتكلسة، واعتبار الإنسان عنصرا أساسيا ومحوريا في أية خطة تنموية، وتغيير نظرة الإنسان والمجتمع إلى الأمور في المقام الأول.عند ذلك يمكن الحديث عن نجاح الدولة في تأسيس نظم اقتصادية وسياسية متماسكة.
عند تطبيق ذلك على إيران، يتضح أنها استطاعت أن تحقق بعض الانجازات التنموية، ولكنها عجزت عن تحقيق المنظور الشمولي للتنمية المستدامة، ويكشف عن ذلك حالة الاحتجاجات الواسعة ليس فقط في الأوساط الشعبية والطبقة الوسطى، بل من داخل النخبة السياسية التي اعترتها الفرقة وأصابها الانقسام إثر فوز نجاد بولاية رئاسية ثانية، حيث لا يزال يعاني النظام الإيراني من تلك التحولات العاصفة في بنيته الاجتماعية تم التعبير عنها بمظاهرات وحرائق وصدامات وقتلى واعتقالات بالآلاف، وهو مؤشر على أن النظام الحاكم فقد جزءا من قاعدته الاجتماعية نتيجة عجزه عن التعبير عن حركية المجتمع الإيراني، وهو دليل على فشل الطبقة الحاكمة في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في ظل ازدياد الفجوة بين النظام الحاكم وقاعدته الشعبية. هذه الفجوة سوف تستغل من قبل الخارج وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية في إحداث المزيد من العقوبات الجديدة التي يطلق عليها بـ”العقوبات الذكية” ضد إيران إثر تعثر نجاح المفاوضات على خلفية برنامجها النووي، وفشل نظام العقوبات الاقتصادية، وبالتالي هيكلة العقوبات بما يستعيد من فاعليتها في منع إيران من تطوير مشروعها النووي. وهي عقوبات وصفتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون بـ “عقوبات تصيب بالشلل”. سوف تستهدف هذه العقوبات بشكل أساسي القاعدة الاجتماعية-الاقتصادية المساندة للنظام الإيراني، من خلال استهدافها نقطة الضعف الاقتصادية الإيرانية الأساسية المتمثلة باعتماد النظام على واردات البنزين الأجنبية التي تصل إلى 40%  من احتياجاته المحلية، وهو القطاع الذي يعمل فيه داعمو النظام وبخاصة الحرس الثوري الإيراني حيث هناك كيانات تابعة لـ (الحرس الثوري) مرتبطة بهذه التجارة بشكل مباشر أو غير مباشر.
هكذا يتبين لنا أن إيران أخفقت في تحقيق التنمية الشاملة، وهو ما يؤثر سلبا على سياستها الخارجية، ويشكل نقطة ضعف في نظامها، وهو ما تعمل القوى الدولية على استغلاله من أجل تحقيق أهدافها. إن الأمل في مستقبل واعد لإيران يتوقف على قدرتها في تحقيق منظور متكامل للتنمية ومستديم بما يحقق الاكتفاء الذاتي.
رغم أن إيران بلد نام، ويعاني من معضلات اقتصادية وبيئة دولية وإقليمية شديدة التعقيد، بيد أنه لا يمكن إنكار ما حققته على الصعيد التنموي- وإن كانت تنمية ناقصة- فهي تحتل على صعيد المنطقة مكانةً متميزة في الحقل الاقتصادي والعلمي والتقني، كما بينا سابقا. وهنا تبدو مفارقة غريبة تحتاج إلى بحث معمق مفادها أن إيران منذ ثورتها عام 1979  وهي ترفض الاعتراف بالنظام الدولي، واتبعت سياسة الحياد “لا شرقية ولا غربية”، مقابل ذلك فُرض عليها عزلة دولية وإقليمية وحصار ضارب من قبل النظام الدولي وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، واستمر النزاع بينها وبين واشنطن، بالإضافة إلى عدم اعترافها بالهيمنة الأمريكية، حتى أمست، كما يقال “رأس حربة في مواجهة المشروع الأمريكي”، ورائدة بما يسمى جبهة “الممانعة”، ومع ذلك استطعت إيران أن تحقق بعض الانجازات التقنية والعلمية والتنموية برغم الحصار والعزلة المضروبة عليها. في المقابل نجد دول عربية تتساوق سياستها مع واشنطن وفي حالة سلام مع إسرائيل إلا أنها بقيت في إطار التبعية ولم تنجز مشروعها التنموي كما أنجزته إيران التي شقت طريقها نحو التنمية الاقتصادية والصناعية. في المقابل نجد تركيا تتمتع بعلاقات جيدة مع واشنطن وإسرائيل وتعترف بالنظام الدولي القائم ومع ذلك شقت طريقها بنجاح باهر في المجلات التنموية الاقتصادية والسياسية والصناعية، رغم اختلاف منهجها عن نهج إيران. في المقابل نجد سورية التي تتبع النهج الإيراني( أي الممانعة) أخفقت بامتياز في كافة المجالات حتى أمست تعاني من جفاف يضرب بعض مناطقها، ناهيك عن فشلها حتى الآن في استعادة أرضها المحتلة. ومصر التي تتساوق سياستها مع واشنطن وفي حالة سلام دائم واستراتيجي مع إسرائيل، ومع ذلك تراجعت مكانتها الدولية ودورها الإقليمي، وأمست عاجزة عن صنع الأحداث الدولية والإقليمية، وأكثر من ذلك فعندما أراد اوباما أن يرسل رسالة إلى العالم الإسلامي اختار تركيا ولم يختر مصر. هذه المفارقات بحاجة إلى دراسات حيث يتجلى أن المشكل يكمن عندنا نحن معشر العرب. وفي الوقت الذي تحاول فيه إيران تعديل الخلل في الميزان الاستراتيجي، نجد “العرب” منذ حرب 1973  لم تجر أية محاولة لتجاوز الاختلال الاستراتيجي بينهم وإسرائيل. وهكذا، بينما تتباين الطرق والمناهج التي يتبعها الآخرون وينجحون في تحقيق مصالحهم، إلا أن العرب يتبعون خطاهم و يفشلون.
© منبر الحرية،21 شتنبر/سبتمبر 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

في الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ وبينما كنت أقود سيارتي في العاصمة الأميركية، رأيت الدخان يتصاعد من مبنى البنتاغون. لم أفهم ما حصل إلا عند دخولي المكتب الإعلامي الكويتي الذي كنت أرأسه في العاصمة الأميركية. في ذلك اليوم فرغت العاصمة الأميركية من موظفيها، توقف السير في معظم أنحاء المدينة، وتعطلت الدولة والمؤسسات، وبدا كل شيء يذكر ببيروت خلال الحرب الأهلية.
في اليوم الثاني جاءتني دعوة للتحدث أمام مجموعة كبيرة من الرسميين الأميركيين الذين كانوا يريدون أن يفهموا شيئاً عن هوية المجموعة التي نفذت الهجوم، والأسباب التي قد تكون وراءه. فاجأتني الدعوة، فماذا سأقول لهم عمّا وقع؟ وهل سأتعرض لموقف صعب مع حشد كبير يصل لما يقرب من ألفي مستمع. وما إن دخلت القاعة الضخمة حتى شعرت بثقل الهواء. كان الحزن والهدوء مسيطرين على الحاضرين، كان ذلك صمتاً شاملاً.
تساءلت بيني وبين نفسي: كيف يفكرون الآن بنا وبعالمنا الإسلامي؟ ربما يتساءلون الآن: هل هو معنا أم ضدنا؟ ربما يقولون: كيف يتجرأ على المجيء بينما الحرائق مشتعلة في نيويورك ومعظم الموتى لم يدفنوا بعد؟
لم أجد في مستهل كلمتي أفضل من قول أبيات قصيرة للشاعرين الكبيرين جلال الدين محمد الرومي، وحافظ الشيرازي. الرومي وحافظ من كبار شعراء المسلمين من القرن الثالث والرابع عشر، وقد كتبوا شعرهم بالفارسية وترجم للانكليزية وللغات كثيرة. كلاهما ترك لنا شعراً متصالحاً مع النفس ومع الديانات الأخرى ومع الحضارات ومع الإنسان ومع وحدانية الله.
بمجرد قراءة الأبيات التي تدعو إلى السلام بين الناس من دون التفات إلى دين أو عرق، هدأ الموقف وتغير الجو بينما ارتسمت على الوجوه بعض الابتسامات المختبئة وراء ستائر من الحزن. لم أكن أعرف حين ألقيت شعر الرومي انه سيكون الشاعر الأكثر انتشاراً وشعبية في الولايات المتحدة منذ ذلك التاريخ وليومنا هذا. لم أكن أعرف انه سيكون بطل عيد الحب في كل عام نظراً لكثرة استخدام شعره بين المحبين.
تحدثت عن الشرق الأوسط وعن حروبه، عن تطور الراديكالية الإسلامية وتاريخها، عن عنف إسرائيل واحتلالها، عن النظرة إلى الولايات المتحدة السائدة في الشرق بين العرب والمسلمين من جراء أخطاء السياسة الأميركية على مدى نصف قرن (مع استثناءات قليلة). وتحدثت عن عنف الدول والأنظمة غير الديمقراطية، وعن اثر العقوبات على العراق من دون التوصل إلى حل نهائي لمصلحة تغيير النظام أو الرئيس. تحدثت عن الحرب غير المعلنة بين الولايات المتحدة و «القاعدة» وعن ردود فعل تلك الجماعات في تفجيرات في اليمن وأفريقيا.
وكان لا بد من شرح آخر: فالعالم الإسلامي منقسم على نفسه بين تفسيرات دينية مختلفة كما وسبق للغرب أن انقسم على نفسه بسبب تفسيرات دينية متناقضة، والعالم الإسلامي هو الآخر ضحية الإرهاب كما حصل في تفجيرات كثيرة في مدن رئيسية في مصر والمملكة العربية السعودية وغيرهما. بل إن بعض الرؤساء كانوا ضحية الاغتيال والإرهاب كما حصل مع الرئيس السابق أنور السادات. لقد وصلت مشكلات الشرق الأوسط إلى شواطئ الولايات المتحدة. وما حصل هو جرم بحق أبرياء مدنيين، وهو تعبير عن الحاجة إلى دور أميركي مختلف في إخماد بعض حرائق المنطقة وأهمها الصراع العربي الإسرائيلي.
مر ذلك الاختبار بيسر وسهولة، غير أنني سأواجه اختباراً أكثر صعوبة عندما ذهبت بعد أيام إلى مدينة نيويورك للتحدث مع مجموعات من سكان المدينة ومن يهودها. كانت رائحة الجثث المحترقة القادمة من مركز التجارة تعم مانهاتن في قلب نيويورك حيث كنت أتحدث. تساءل الحاضرون وتفهموا، بعضهم ذرف الدمع. هكذا وجدت نفسي على مدى ثلاثة شهور متتالية في حديث يومي أمام مجموعات أميركية تريد أن تعرف عن الشرق الأوسط والإسلام وعن الإرهاب و «القاعدة» وعن مسببات الحادي عشر من سبتمبر.
بكل مقاييس الخيال أدت الهجمات الجهنمية التي نفذتها مجموعة من تسعة عشر شاباً عربياً ومسلماً في 11 سبتمبر ٢٠٠١ إلى حروب بين الشرق والغرب. لقد دخل منفذو الهجمات التاريخ وأدخلوا معهم في الوقت نفسه كماً كبيراً من المآسي والآلام بدأت ولم تنتهِ. لقد أرادوا خلق هزة كبرى لدولة هي الأكبر والأقوى في التاريخ، فكان لهم ما أرادوا قبل اختفائهم وراء سحب الدخان المبهمة وحروب الثأر المتعددة.
إن رد الفعل الرسمي الأميركي في إدارة الرئيس بوش كانت متفجرة. إذ انطلقت الآلة الأميركية العسكرية في حروب عدة في أفغانستان والعراق ثم عمليات كبرى في باكستان واليمن بالإضافة إلى حرب مفتوحة على «القاعدة» في كل مكان. والواضح أن تلك الحروب لم تنته وأن ما بدأته إدارة الرئيس بوش على مدى عهدين لم تستطع إدارة الرئيس أوباما التنصل منه. ولكن الدولة الكبرى الأولى في العالم أصبحت من جراء الحدث مثخنة الجراح، تعيش حروباً لا تستطيع الفوز بها، تستنزف مئات البلايين مما ساهم في الأزمة الاقتصادية التي تعيشها، وأصبحت الدولة الكبرى مدينة لكل من الصين وروسيا في المواقف الدولية. تغير العالم منذ 11 سبتمبر كما تغير موقع الولايات المتحدة.
وبعد تسع سنوات على تلك الهجمات نتساءل: هل ولدت «القاعدة» من فراغ؟ وهل حروب الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ودعمها لإسرائيل منفصلة عن «القاعدة» ونشوئها واستهدافها للولايات المتحدة؟ من أين جاءت «القاعدة» بأفكارها الجهنمية والمدمرة؟
يمكن القول أنه بسبب عنف «القاعدة» وبسبب تصوراتها الدينية المتشددة من الصعب أن تتحول إلى نظام سياسي واجتماعي ناجح. إن فرصها ممكنة في مجتمعات منهكة ومنقسمة ومعزولة عن العالم كما هو حال أفغانستان وبعض أجزاء اليمن والصومال والباكستان. «القاعدة» في الجوهر ظاهرة قتالية تستخدم وسائل مدمرة بحق أعدائها وبحق الأبرياء وبحق الشيعة والطوائف الأخرى. لكن هذا لا ينفي أن منطقاً محدداً يسيّر أعمالها كما أن ينبوعاً دائماً من البؤس والفقر والاضطهاد والتهميش وانسداد الآفاق والتعصب يغذيها بالشبان المستعدين للقتال حتى الموت تحت رايتها.
منذ أيام قرأت رواية «الموت» لفلاديمير بارتول والتي كتبها قبل ستين عاماً وترجمتها بمهارة إلى العربية فاطمة النظامي. الكتاب يؤرخ بأسلوب روائي للداعية الإيراني حسن الصباح الأب الروحي لممارسات «القاعدة» الذي عاش في ١٠٩٢ م. حسن الصباح هو قائد «قلعة الموت» وأحد أتباع الطائفة الإسماعيلية والحشاشين الذي أرعب الدولة السلجوقية التي حكمت إيران وتركيا وسيطرت على الدولة العباسية في بغداد. لقد تميز فدائيو الصباح الانتحاريون بقدراتهم ومهاراتهم القتالية كما تميزوا باستعدادهم للموت بلا أدنى تردد. لقد ابتدع الصباح وسائل جهنمية للسيطرة على الانتحاريين، ونجح مع انتحارييه الذين تمرسوا على القتل بواسطة الشفرات السامة بإنهاء وإضعاف الدولة السلجوقية وإسقاط نفوذها. لقد أدخل حسن الصباح بممارساته في القاموس العالمي كلمة «الاغتيال» كما هي اليوم بالانكليزية Assasination والعائدة للحشاشين.
هناك بالطبع أرضية خصبة تنتج «القاعدة» وترسل لها المجندين. إنها التربة التي لم نتعامل معها حتى الآن على رغم مرور تسع سنوات على أحداث 11 سبتمبر. فالاحتلال الإسرائيلي ينتج حروباً دائمة ويساهم في تثوير الشبان. كما أن غياب آليات المشاركة والديمقراطية الحقيقية ينتج فكراً معادياً للحياة ومتشدداً في معارضته. وهناك تشدد في فهم الدين قلما يتصدى له العلماء والعارفون بالدين. إن العنف مهما كان مصدره (دولاً أو جماعات) ينتج عنفاً والفكر البائس ينتج أيضاً عنفاً، والجمود والتهميش بحق المجتمعات والفئات والاحتلال والهجمات الإسرائيلية كما حصل في جنوب لبنان وغزة ينتجان عنفاً، وحروب الولايات المتحدة وانحيازها إلى إسرائيل تنتج عنفاً. إن الفكر العربي المتوازن في إطار عدالة وتنمية ومشاركة ما زالا غائبين عن العالم العربي مما يحد من البدائل والآفاق المتفائلة، لهذا تستمر ظاهرة «القاعدة».
بعد تسع سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر ما زال الصراع مفتوحاً وما زال الإرهاب عنصراً مؤثراً وأحياناً حاسماً. ما زال الخلاف على موقع مسجد يخلق انقساماً كبيراً في الدولة الكبرى. ما زال الصراع بين الشرق والغرب مرتبطاً بمفاهيم العدالة والاختلاف والقوة. ما ينتظر منطقتنا والعالم هو استمرار للمشهد الراهن في ظل المزيد من العنف، وذلك لأن القضايا التي أدت إلى ذلك الحدث الجهنمي في 11 سبتمبر ما زالت على حالها.
© منبر الحرية،18 شتنبر/سبتمبر 2010

نبيل علي صالح17 نوفمبر، 20100

ذكرى اا أيلول أو ما سمي بـ”غزوة منهاتن!”
العرب وواجب إعادة رسم صورة جديدة للإسلام الحضاري المستنير
أتت أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 على ما تبقى من صورة جميلة باقية للعرب والمسلمين لدى العالم الغربي، وثبتت في ذهنية المجتمعات الغربية صورة نمطية سبق لهم أن عرفوها عن الإسلام وخلاصتها أنه دين إرهابي متعصب يستقوي بالعنف، ويتوسل بوسائل الإكراه والقوة العارية للوصول إلى تحقيق مقاصده وغاياته في التبشير وأسلمة العالم.
ولم تتمكن مئات الندوات الحوارية والمؤتمرات الحضارية التي تبنتها وأقامتها كثير من المواقع والنخب والتيارات والأحزاب والجهات العربية والإسلامية، وحتى الدولية في تبديل أو زحزحة موضع تلك الصورة القاتمة والسوداء حتى الآن.
وهانحن اليوم نمر بالذكرى التاسعة لتلك الأحداث المأساوية التي راح ضحيتها عدد كبير من الأبرياء الذين لم يكن لهم أي ذنب، سوى أنهم ولسوء الحظ تواجدوا في تلك اللحظة في أماكن ومواقع التفجيرات الإرهابية التي عبر منفذوها –بصورة من الصور- عن حقد أعمى وكراهية سوداء لكل ما هو جميل وإنساني في هذا العالم.
ولا شك أنه قد مرت بنا منذ ذلك التاريخ وحتى الآن كثير من الأحداث السياسية والتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بالعالم، عندما تلاحقت تلك الوقائع بصورة دراماتيكية لتلهب العالم كله، ممتدة في دوائرها وتأثيراتها السلبية على أكثر من مستوى في هذا الموقع أو ذاك.
ولكننا نجد أنفسنا–في كل ما حدث من تحولات ومتغيرات– ملزمين تماماً (كعرب ومسلمين) أن نقف، ونهدأ، ونتأمل قليلاً بحثاً عن حقائق الأمور وبواطن الأشياء، ونتساءل عن جملة الأسباب الداخلية (الذاتية) –قبل الأسباب الخارجية الموضوعية الكامنة في داخل نسيجنا الاجتماعي والديني والسياسي التي تكرس -يوماً بعد يوم– جذور ومظاهر العنف الداخلي، وتقوي مواقعه وامتداداته الدولية المنتشرة هنا وهناك؟! ولنكن أكثر دقة وموضوعية في طرحنا لسؤالنا السابق : ألسنا مسؤولين -بصورة مباشرة أو غير مباشرة– عن صنع الإرهاب، وإنتاجه، وتطويره، وحتى تصدير بعضه (أو كثيره) للآخرين؟!.
ألا تتحمل النخب السياسية العربية والإسلامية المثقفة في السلطة والمعارضة المسؤولية الذاتية المباشرة عن تطور (وتزايد وتضخم) الحجم المادي والكيفي للتيارات (والقوى والنخب) السياسية ذات التوجه الأصولي في داخل بلداننا ومجتمعاتنا؟!.
إننا نجزم هنا بأن معظم الحكومات والنظم العربية والإسلامية القائمة عندنا تتحمل المسؤولية النفسية والمادية الكاملة عن نمو بذور العنف الداخلي، وامتداده إلى مواقع الآخرين. ويبدو لنا أن لهذه النتيجة الحاسمة -التي وقفنا عليها هنا- مقدمات أساسية ارتُكز عليها للوصول إلى النتيجة الحاسمة السابقة.. فما هي هذه المقدمات؟!..
نستطرد هنا ونفتح هلالين قبل الحديث عن تلك المقدمات لنؤكد –وهذه من دون شك من البديهيات السياسية في علم التاريخ السياسي لمنطقتنا- أن للتاريخ الاستعماري الطويل الذي شمل معظم أوطاننا العربية والإسلامية الدور الأكبر والأبرز في تكريس نزعة العنف والعدوان في بيئتنا ومجتمعاتنا، كما كان لوجود إسرائيل غير الشرعي على أرض فلسطين المدعوم كليةً من الغرب دوراً مهماً في تعميق ثقافة الإرهاب والعنف، حيث أن العنف يستولد عنفاً والإرهاب يستولد إرهاباً، والاحتلال يستدعي مقاومةً وعنفاً مضاداً.
طبعاً، لا شك بأن هناك معاناة حقيقية شاملة، وتخلف سياسي واجتماعي عام يلف واقع العرب والمسلمين. ويظهر أمامنا حالياً كنتيجة طبيعية للسياسات العقيمة والفاشلة التي اتبعتها الحكومات والإدارات السياسية العربية –في كل مواقعها الاقتصادية والاجتماعية والتربوية– منذ بداية عهود الاستقلال الشكلي عن الاستعمار الغربي وحتى الآن، والتي أدت إلى إلحاق الضرر والخراب الكبير بحق أبناء مجتمعاتنا، وبحق ثرواتهم، ومواردهم الطبيعية الهائلة التي أضحت نهباً ومشاعاً للدول الكبرى المرتبطة كلياً بوكلائها ومعتمديها المحليين في هذا البلد أو ذاك.
ومن المعروف –بالنسبة إلينا جميعاً– أنه لا توجد (في معظم البلدان العربية والإسلامية) حياةٌ سياسية حقيقية. حيث أنه ليس مسموحاً أبداً للشعب -في داخل الحياة السياسية العربية– لا بالتعبير عن آرائه، ولا بالتظاهر، ولا بممارسة النقد، ولا بالإضراب، ولا بالتنظيم السياسي، ولا بإقامة الانتخابات الحرة، ولا بالإعلام الحر والنزيه، …الخ. أي أن هذه السياسة الشمولية المركزية تدفع المجتمع كله باتجاه سلوك طرق (واتباع وسائل) غير سلمية للتعبير عن حقوقهم ومعتقداتهم وآرائهم وثقافاتهم، خصوصاً أولئك الناقمين والساخطين والمتضررين مباشرة من هيمنة تلك السياسة التسلطية القاهرة.
ومن الطبيعي أن نؤكد هنا على أن سلوك طرق العنف واستخدام الوسائل العنيفة –في التعبير عن الرأي، وممارسة السياسة– هو أمر مرفوض من قبل كل من يملك عقلاً حراً ووعياً إنسانياً متقدماً في الفكر والممارسة، ولكن المسألة هي أن هناك من يدفع مجتمعاتنا دفعاً نحو تلك الطرق والوسائل العمياء غير المجدية والمرفوضة كلياً، وعند البحث عمن يكمن وراء ذلك تجد أن الفضاء الثقافي الديني المهيمن على العقول والواقع العام له دور رئيسي في ذلك، وسياسة إلغاء الحقل السياسي العام المتبعة في كثير من البلدان لها دور، والسلطات القائمة المشرفة والموجهة لها الدور الأهم أيضاً، فهي التي تهيئ –في داخل إستراتيجيتها السياسية– الأجواء المناسبة، وتخلق التربة الأخصب لنمو أفكار ومشاريع وسياسات العنف الداخلي، ومن ثم العنف الخارجي، وذلك من خلال منعها أبناء المجتمع من مزاولة النشاط الحياتي الطبيعي، وإتباع الطرق والأدوات والمناهج السياسية السلمية.. ويشهد على ذلك واقع الحضارات والأمم في الماضي والحاضر، حيث نجد هناك أن النظم والحكومات المستبدة هي المتسبب و(الأم الحنون؟!) لتوليد (ورعاية) وتغذية حركات (وعناصر) العنف والإرهاب.
وبالإضافة إلى انعدام الحياة السياسية الطبيعية في معظم دولنا العربية والإسلامية، فإننا نجد أن هذه الدول تعاني معاناة اقتصادية واجتماعية شديدة نتيجة تطبيق (وفرض) سياسات تنموية قاصرة وعقيمة على شعوبها ومجتمعاتها.
كما أن للفساد العريض –الذي يلف أركان تلك البلدان- الدور الأكبر في الوصول إلى تلك النتائج المأساوية والخطيرة التي أفقدت مجتمعاتنا توازناتها وإيقاعاتها الداخلية، وخربت الإنسان -الذي هو أساس بناء الأوطان– من الداخل، وتركه حائراً من أمل بحياة شريفة، هادئة ومطمئنة.
وعندما تصل الأمور –على الصعيد الاقتصادي- إلى هذا المستوى الكارثي الخطير من التدهور والسوء والانحطاط -الذي يعبر عنه من خلال تفشي مظاهر اليأس والإحباط والقنوط والعدمية واللا إبالية- فإنه من الطبيعي جداً أن تتحول مجتمعاتنا إلى مواقع وبؤر توتر حقيقية لتفريخ الإرهابيين، ونمو بذور العنف الذي يمكن أن تتطاير شرره وشره إلى مسافات بعيدة ليصيب بلهيبه وشظاياه هذا البلد أو ذاك، ومن دون انتظار ومعرفة النتائج السلبية الخطيرة المترتبة على مثل هذه الأفعال الشنيعة.
من هنا نحن نعتقد أن صناعة الإرهاب وإنتاجه، وتوسيعه، وتركيز خطوطه (المتبادلة بين الداخل المتورط والمرتكب والخارج المتآمر) –كقيمة عملية، لها أسسها، وقواعدها، وآليات عملها المباشرة وغير المباشرة في داخل المجتمعات المتخلفة والفقيرة على مستوى النخب السياسية والاجتماعية الحاكمة ككل- هو الذي يساهم في جعل كل هذا الإرهاب الدولي (المتحرك حالياً) إرهاباً عربياً وإسلامياً فقط، وبالتالي يدفع باتجاه تكوين رأي عالمي موحد ضد العرب والمسلمين في كل مكان وزاوية من هذا العالم، مع العلم أن للدول الكبرى نصيباً وافراً في تعميق ثقافة الإرهاب وتوليد الإرهابيين وصناعة العنف والدم في داخل بلداننا ومجتمعاتنا التي عانت معظمها من التدخلات الدموية للكثير من سطوة وقوة وهيمنة القوى الكبرى وعلى رأسها أمريكا.
ولذلك فالمشكلة القائمة حالياً لا تقتصر فقط على وجود قوى ومنظمات وشخصيات تؤمن بالعنف وتعتقد اعتقاداً جذرياً بأولوية الإرهاب والنشاط الجهادي (نذكر هنا أن الإسلام كدين ميز بين نوعين من الجهاد، الأول: الجهاد الأكبر، وهو جهاد النفس.. والثاني: الجهاد الأصغر، وهو جهاد العدو.. وفضل الأكبر على الأصغر لأنه أساسه ومعياره وناظمه العملي) المسلح على السياسة والسجال السلمي لأخذ الحقوق، وتعمل في السر أو العلن هنا وهناك، بل إنها تتعدى ذلك لتصل إلى مرحلة وجود مناخ أو جو عربي وإسلامي عام يتعامل –بصورة شبه طبيعية- مع قضية الإرهاب المحلي والدولي، وذلك كنتيجة منطقية لوجود نظم ونخب سياسية تُرعب، وتُرهب، ولا تهتم إلا بمصالحها ومواقعها الخاصة على حساب مصالح الأمة كلها.
والقوى والنخب الوطنية الحرة الحية في المجتمعات العربية الحية لا تزال، بالرغم من عدم انسجامها (أو اتفاقها) ورفضها لمجمل السياسات العملية المطبقة في معظم البلاد العربية -التي تكرس الإرهاب والتسلط والاستقالة الشاملة من المستقبل الحضاري المتطور والمنشود– تأمل وتنتظر من تلك النظم القائمة أن تنطلق من لحظتها الراهنة –مستفيدة من تعاظم متغيرات العالم وتسارعاته الكبيرة– لإجراء إصلاحات سياسية جدية وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية على مستوى منطق الحكم وممارسات السلطة ومجمل آليات العمل الاجتماعي والسياسي، وفي كل ما يتصل بضرورة مواكبة معايير ومبادئ التنظيم السياسي والاجتماعي الإنساني الحديث، في قضايا: التعددية، وحقوق الإنسان، وحرية الفكر والتعبير، وإلغاء قوانين الطوارئ والاستثناء، ووضع حد نهائي لمناخ القمع والرعب والاضطهاد السائد (الذي تمثله تلك الأنظمة الشمولية)، والمبادرة الفورية إلى إعلان عهد الحريات والأمان العام في كل البلاد، لأن الحرية والأمان شرطان أساسيان لازمان لكل عمل خلاق ومبدع، حيث أنه لا تنمية حقيقية، ولا تحديث صحيح معافى (وليس التحديث الشكلي القشري الذي يقوم على استهلاك حضارة ومنتجات الآخرين بما يبقينا تابعين ومستلبين لهم) دون تمثل وتطبيق تلك التطلعات الكبرى.
وحتى نتمثل تلك الطموحات العالية -ونتحرك في خط التنمية المطلوبة فردياً وجماعياً- لابد أن تكون أنظمة الحكم القائمة في داخل اجتماعنا السياسي والديني العربي والإسلامي (والتي تدير وتشرف وتنفذ السياسات العامة في المجالات كلها) شرعية في فكرها ووجودها وامتدادها. أي أن تحظى بقبول طوعي (لا قسري) بين أبناء الأمة والمجتمع.
وهذه هي الإشكالية الأكبر التي لا نزال نعاني منها، ولا أعتقد بأننا سنخطو خطوة واحدة نحو الأمام من دون إيجاد حلول جذرية علمية وعملية لها. إنها إشكالية إحجام الناس عندنا، وعدم مشاركتهم بشكل فاعل ومنتج في مجمل النشاطات السياسية والاقتصادية العامة، وبالتالي عدم الاستفادة القصوى من كل الإمكانيات والطاقات والجهود البشرية (والطبيعية) المتاحة أمامنا.
ونحن نعتبر أن تثمير جهود وقدرات أفراد الأمة في طريق العمل الخلاق والمبدع    -الذي نحن بأمس الحاجة إليه حالياً– لا يمكن أن يصل إلى نهايته السعيدة ما لم نوجد إطاراً ثقافياً ونفسياً صحياً لعملية التنمية المطلوبة، يمكنه أن يدمج الأمة ضمنه لتتجاوب معه، بما يساعد على الشروع بتطبيق خطة اقتصادية وإدارية يشارك فيها الشعب كله، وتمهد للقضاء على مواقع الفساد، وتساعد في خلق مناخ نقي وصحي جديد مشجع على العمل والإنتاج والاستثمار من أجل أن تتحرك الأمة (كل الأمة) على طريق إنجاح التنمية، وبناء المجتمع الحديث. حيث أن حركة الأمة ككل تعبير حر عن إرادتها، وعن نمو وعيها، وانطلاق مواهبها الداخلية وطاقاتها الكامنة نحو المشاركة الفاعلة لأبنائها في عملية البناء والتنمية للثروة الخارجية من خلال تنمية ووعي الثروة الداخلية.
وبتعبير أكثر صراحة نحن نعتبر أن إطار التنمية الثقافي والنفسي الشامل السابق ينبغي أن يتأسس -في العمق الروحي والنفسي– على مناهج فكرية ومعرفية عملية لا تتعارض (ولا تتواجه ولا تتناقض) مع طبيعة التركيب النفسي والشعوري التاريخي المتركز داخل البنية النفسية والفكرية لأبناء الأمة. أي لا تتعارض مع الإسلام كفكر حي متحرك ومنفتح على الحياة والإنسانية جمعاء.
لأن وجود التعارض والمواجهة مع التركيب النفسي للأمة (مع الإسلام كاعتقاد ورسالة دينية روحية) سينعكس حتماً بصورة سلبية خطيرة على واقع مجتمعاتنا في الحاضر والمستقبل، ويتمظهر-كما ذكرنا- من خلال امتناع أفراد الأمة عن المشاركة في صياغة ومناقشة القضايا الرئيسية، وممارسة رقابتهم على الأجهزة المختلفة للدولة.
لذلك -وحتى ينخرط الجميع في عملية بناء الوطن وتطوير المجتمعات من خلال تحقيق وإنجاز عملية التنمية المطلوبة لها- فإن الدولة يجب أن تكون تعبيراً حقيقياً عن إرادات الناس ومصالح المجتمع، وتجسيداً عملياً لقيمه الثقافية والتاريخية الأصيلة المنفتحة، في تقدير وجود الإنسان واحترامه، وتوفير العمل اللازم لمعيشته، ونمو وعيه وبذلك تثبت الدولة، وتستقر وتتطور قدماً نحو الأمام.
ولذلك نقول بأن افتقاد الأمة للمشاركة الشعبية الطوعية الواعية للجماهير الواسعة في عملية التنمية الذاتية، والتغلب على واقع التخلف، والخروج من أنفاق التبعية والارتهان للخارج، لا يمكن إلا أن يضعف الشأن العربي والإسلامي في قضاياه الإستراتيجية المصيرية، وبكل مستوياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وبالتالي: عندما نحقق مناخ الحرية، ونؤسس الديمقراطية الصحيحة فإنه يحق لنا أن نتحدث هنا عن وجود قدرات أكبر وأوسع تسمح لنا بتوفير قاعدة مادية صلبة لمواجهة العدو الإسرائيلي وغيره ممن يتربصون بنا الدوائر ويخططون ويتآمرون علينا، حيث أن واقع هذه المواجهة (المؤكدة في المستقبل القريب أو البعيد) يزداد ضعفاً كلما زاد ابتعاد الحكام عن هموم الشارع العام (أي عن متطلبات المواطن الأساسية)، وكلما فرض (هؤلاء الحكام) على الناس نموذجاً واحداً في الفكر أو الاعتقاد والعمل أو الممارسة، وهذا ما يحدث حالياً في بلداننا العربية والإسلامية بشكل واضح تماماً حيث تتصور الكثير من النخب السياسية أن الهيمنة على الشعب، والتحكم بمعتقداته وأفكاره ومعيشته وقدراته، وتفتيت قواه وثرواته، هي الوسائل الأسهل والمباشرة التي قد تمكنها من تنفيذ سياساتها الداخلية والخارجية بسهولة ويسر أكثر فأكثر.
ولكن الحقيقة هي أن هذا التصور المزعوم قد يصدق حيناً، ويسقط أحايين كثيرة أخرى. فالشعب يحتاج –بدايةً- من أنظمته الحاكمة إلى توفير أجواء ومناخات حرية دائمة تسمح بوجود حوار فكري متحرك ومفتوح، يشارك فيه الجميع، وتتعمق من خلاله النقاشات الجادة والمثمرة، وتطرح فيه الرؤى والأفكار المتعددة التي تنصبّ أساساً على طريق بلورة الوعي القادر على محاصرة كل أنواع القهر والتخلف والتأخر في واقعنا، والمتمثلة -كما تحدثنا سابقاً-في التجزئة، والاستلاب، والارتهان والتشتت واتباع الأهواء وفقدان إرادة التغيير الصحيح، وضعف (تضعيف) المؤسسات الدستورية، وهيمنة التدخلات الأجنبية على الداخل، والاستكثار منها تعويضاً عن غياب (أو تغييب) الإرادة العربية والإسلامية الجامعة (حيث أن العرب يجتمعون على أفكار الآخرين أكثر مما يجتمعون على قراراتهم هم).
وهذا الأمر (أي الوعي بالواقع والتأسيس الجدي لمواجهة الخارج من خلال الانفتاح على الداخل بتنفيذ سياسات إصلاح جدية وحقيقية غير ديكورية وغير مزيفة) ليس متوفراً للأسف حالياً. لأن النظم والنخب مهتمة ومهجوسة بأولوية الحكم والسلطة، وهي لا تريد –كما يظهر في سلوكها وممارساتها الفردية العنيفة- فتح باب الحوار الهادئ والعقلاني المتوازن، وهي أصلاً لا ترغب به، لأنها تشعر بأن فيه –في حال تحققه جزئياً أو كلياً– ما يهدد سلطتها الشاملة وهيمنتها وسطوتها المطلقة التي لا تنتهي على الثروة والسلطة والبلاد والعباد.
طبعاً نحن عندما نتحدث عن أولوية الحرية والتعددية من زاوية ضرورة وضع الحل للواقع المأزوم القائم، لا نتحدث عن وصفة جاهزة لمرض طويل، وإنما الحل عبارة عن ممارسة قانونية واعية لعملية التداول السلمي للسلطة، ولا تنحصر فقط في قضية مواجهة الاستبداد والفساد إذ أن مواجهة فكر وثقافة الاستبداد لها الأولوية، وهذه تجربة وسلوك حضاري معرفي ثقافي طويل الأمد، وليست مجرد تجربة أو وصفة دواء جاهزة سريعة تؤخذ عند الطلب.
أخيراً أحب أن أشير إلى نقطة أراها ضرورية لاستكمال هذه الكلمات، وهي أننا كعالم عربي وإسلامي -نعيش في الحياة بين مجموعة من الأمم المتقدمة والمتخلفة- لا نزال نفكر فيها بعقلية البلدة والوطن الصغير، ولم نعد نفكر بعقلية الأمة والوطن الكبير مع العلم أن كل المسؤوليات الخاصة والعامة (بما فيها مسؤوليتنا أمام المجتمع والأجيال وأمام الله) قد ألزمتنا بضرورة أن نتضامن ونتوحد أمتياً-إذا صح التعبير- مع بعضنا البعض من أجل تحقيق هدف وجودنا الحضاري الأساسي في الحياة، كأمة لها رسالتها الإنسانية، ولها دورها المحوري الرائد بين أمم ورسالات العالم كله. وهذه هي الأمانة الحقيقية التي حُمّلنا إياها، أمانة بناء إنسان عاقل وسعيد ومفكر وواعي بنفسه وبعالمه. فهل نحن مؤتمنون حقاً عليها؟!. وهل أدينا وعملنا على ما تستلزمه منا هذه الأمانة الثقيلة؟!.
إننا وقبل أن نبدأ بالإجابة على السؤالين السابقين، يجدر بنا أن نلتفت جيداً إلى واقعنا الراهن. لأننا سنجد فيه ما يوفر علينا عناء التدقيق والتأمل في أسئلة باتت بلا معنى، والبحث عن إجابات وافية وشافية لأسئلة كثيرة لا تنتهي. فنحن قوم لا نحب العمل والكد في طرق ذات الشوكة، ولا نرغب بإجهاد أنفسنا وعقولنا في البحث والتنقيب هنا وهناك. وهذه هي للأسف أكبر مصيبة ابتلينا بها. أن يفكر الآخرون بالنيابة عنا، فقد أعطينا عقولنا إجازة طويلة منذ زمن طويل.. طويل جداً.. وأعلنّا على الملأ الإفلاس والاستقالة العقلية والعملية من الحياة والوجود كله!.
© منبر الحرية،11 شتنبر/سبتمبر 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

عندما نتحدث عن العروبة، علينا أن نفرق بين ثلاثة مفاهيم:
العروبة كواقع إنساني وجغرافي وتاريخي.
العروبة كمجال حيوي وهوية ومصير مشترك.
العروبة كأيديولوجية قومية.
وعند التحدث عن لبنان، علينا أن نتخلى عن ثلاثة مواقف مسبقة، قد تعطل أو تشوه نظرتنا إليه.
الطائفية التي مصدرها الشعور بالخوف أو الشعور بالغبن.
الشوفينية التي لم تعد تتلاءم مع روح العصر.
الأيديولوجية القومية أو الطبقية التي تتجاهل بعض الخصائص الهامة للوجود اللبناني.
إشكالية العلاقة بين لبنان والعروبة قد تصاغ على شكل التساؤلات التالية :
هل هناك تناقض أساسي بين مصلحة لبنان، (أي مصلحة الشعب اللبناني، ومصلحة الإنسان اللبناني،ومصلحة الكيان اللبناني) وبين العروبة فى جوهرها؟ وهل نظرية القومية اللبنانية بخصوصيتها وبمعطياتها التاريخية والعاطفية تقف أمام المستلزمات الموضوعية التي قد تشد لبنان إلى العروبة؟
لا يمكن أن يقوم أي شكل من أشكال الوحدة أو الاتحاد على أساس عاطفي أو ديني أو عرقي، أو على أساس إذابة القوميات والأمم في ذلك البلد أو تلك الدولة. أو على أساس سيطرة دولة على أخرى سواء كان ذلك اقتصادياً أو سياسياً، كما لا يمكن لأي شعب أن يقرر مصيره انطلاقا من اعتبارات ظرفية أو مكانية. إننا في الوطن العربي نعيش في كل بلد نفس المعضلات التي يعيشها البلد الآخر، فما يحصل في العراق أو مصر أو الأردن يحصل في لبنان ، وبالتالي لا يسعنا فهم المعضلة اللبنانية دون فهم المحيط العربي.
ولبنان قد يكون في حاجة إلى العرب، لاسيما في الوقت الحاضر حيث أن الظرفية التاريخية التي تمر بها البلدان العربية وما يرافقها من حالة اضطراب نفسي وخارجي. وما ينجم عن تلك الحالة من ردات فعل تعمل كلها على التضييق على الحريات السياسية كوجود قيود على الصحافة، والانغلاق على الخارج، يجعل الأضواء مسلطة ساطعة على هذا البلد الصغير لبنان، لوجود مساحة واسعة من الحرية، وما أحوج الوطن العربي إلى مثل لبنان القريب منه والمميز عنه في آن واحد. وفي اليوم الذي يفقد فيه لبنان طابعه المميز وحريته، لا يخسر ذاته بمقدار ما يخسره العرب أنفسهم، فإذا كانت القومية اللبنانية قبل كل شيء حرية وانفتاح وانعتاق وتفاعل خصب وخدمة مستمرة، فإن الوطن العربي لا يسعه أن يكون أقل تحمساً من هؤلاء المنادين بها. والمحافظة على لبنان مستقل خدمة للعرب قبل أن تكون خدمة للبنان.
فمن لا يخلص في خدمة لبنان، ويقوم بموجباته الوطنية نحوه بإيمان كلي وتضحية مستمرة، لا يسعه أن يكون صادقاً في حبه للعرب، ولا يخدم القضية العربية، لأن الإخلاص لا يتجزأ، ولأن تقدم الجزء يؤدي لا محالة إلى تقدم الكل. وإذا نظرنا إلى الخارج لرأينا أن العالم لا ينظر إلى مجموعة البلدان العربية إلا من خلال نظرته إلى بلد واحد. فالوجود التاريخي والسياسي لكافة أقطار الوطن العربي هي واضحة، كما أن أحكام الجغرافيا تفرض على بعض الدول لعب بعض  الأدوار الإقليمية، فمصر برغم كبر حجمها وطاقاتها ومركزها لم تستطع أن تعيش خارج محيطها العربي _ بعد توقيع اتفاقية كامب دايفيد 1978_   فترة طويلة على الرغم من كل ما قدمه لها الغرب. فالعلاقات بين البلدان العربية ليست مطلقا هي علاقة إنسان بإنسان، وليست عملاً تركيبياً بشكل اعتباطي، وليست عملية نستملحها أو نستقبحها، بل هي تحكي الواقع الحياتي.
وهنالك الكثير من المشاكل الملحة التي تفرض نفسها على عالمنا العربي حالياً، فمثلاً كيف نواجه الاحتلال الإسرائيلي؟ كيف يستعيد الشعب الفلسطيني حقه القومي في وطنه؟ كيف نحرر العراق؟ كيف يمكن الحفاظ على استقرار السودان؟ كيف نجعل الثروات الطبيعية والمالية تجلب الخير لجميع العرب؟ إن الإدعاء بالعصمة والكمال سذاجة ووهم وعلينا الاعتراف بوجوب التطور والانفتاح، وهذا الموقف يملي علينا وجوب الإنعكاف على ذواتنا لنصل إلى حقيقة واقعنا عن طريق المنطق ولا نكتفي بالعاطفة كطريق لها.
إن واقعنا بحاجة إلى الكثير من التوضيح، والوطنية ليست مجرد شعور اتجاه الوطن ومجرد عاطفة، ولكنها أفعال وأعمال تنم عن شعور وعن عاطفة لا يكفي أن نثيرها، وأن نتألم لما نرى ونشاهد في بلادنا من مآسي وانحرافات، وأن نعلن ألمنا وننشره كتابة وكلاماً، لكي نعتبر موفيين واجبنا اتجاه الوطنية، لا بل ذلك الموقف النظري الخارجي قد يلحق الضرر بالبلاد إذا لم يقترن بتنفيذ الموجبات والالتزامات الوطنية، تنفيذاً مثالياً صارماً لا سيما من ناحية التضحية.
© منبر الحرية،4 شتنبر/سبتمبر 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تشهد العلاقات الهنديّة- الأمريكية تجاذبا على خلفية البرنامج النووي الإيراني، ويعود السبب في ذلك إلى محاولات نيودلهي التهرّب من الالتزام بتطبيق العقوبات الحديثة المفروضة مؤخرا على طهران، وإيجاد المخارج المناسبة لها بما يساعد على إفراغها من مضمونها.
وعلى الرغم من أنّ نيودلهي صوّتت مرارا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية لصالح القرارات التي تدين إيران، إلا أنّها شددت دوما منذ نقل الملف إلى مجلس الأمن على أنّ  المسار الدبلوماسي والحوار مع طهران يعتبران الطريق الأمثل للتعامل مع الأزمة النووية. وهي من هذا المنطلق تحاول دوما التوفيق بين متطلبات الالتزام تجاه قرارات المجتمع الدولي وبين مصالحها القوميّة التي تفرض عليها تطوير علاقات بنّاءة وايجابية مع طهران.
ومن المفارقات في هذا الموضوع أنّ العلاقات الهندية- الإيرانية شهدت قفزات نوعيّة خلال السنوات القليلة الماضية، لاسيما على المستوى الاقتصادي وذلك في الفترة نفسها التي كانت العلاقات الهندية- الأمريكية تشهد فيها تطورات ايجابية جدا، خاصة فيما يتعلق بالتعاون النووي والدعم الذي أبدته واشنطن لنيودلهي في هذا المجال.
الطاقة في صلب العلاقات الاقتصادية الهندية-الإيرانية
ووفقا للبيانات الصادرة عن الاجتماع الـ16 للجنة المشتركة الهندية-الإيرانية التي انعقدت أوائل الشهر الماضي في نيودلهي برئاسة وزير الشؤون الاقتصادية والمالية في إيران “شمس الدين حسيني” ووزير الخارجية الهندي “ساماناهالي كريشنا”، فقد ارتفع حجم التجارة بين البلدين خلال ثلاث سنوات من حوالي 9.3 مليار دولار إلى حوالي 15 مليار دولار العام 2010. ووقّع الطرفان خلال الاجتماع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتفاهمات التجارية مع توقعات بأن يرتفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى 30 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة.
ويشكّل قطاع الطاقة حجر الأساس في علاقة البلدين. إذ تحتل الهند مرتبة خامس أكبر مستهلك لمصادر الطاقة في العالم وتعتمد بشكل كبير على الواردات من الخارج، وفي المقابل تعتبر إيران ثاني أكبر منتج للنفط في أوبك وهي تمتلك ثاني أكبر احتياط من الغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا.
ومن هذا المنطلق، تولي طهران أهمية متزايدة في إستراتيجية أمن الطاقة الهندية، إذ تعتبر اليوم ثاني أكبر مصدّر للنفط الخام إلى الهند بعد المملكة العربية السعودية، وتبلغ قيمة واردات نيودلهي منها حوالي 11 مليار دولار سنويا من النفط الخام أو ما يشكّل قرابة الـ14% من مجموع فاتورة الواردات الهندية من النفط من الخارج وحوالي 85% من مجمل وارداتها من طهران.
الضغوط الأمريكية على نيودلهي
ومن الواضح أنّ إدارة الرئيس أوباما ترى أنّ البرنامج النووي الإيراني لا يمكن أن يتحول إلى مسألة تجارية اعتيادية بين الدول، فالموضوع ليس تجاريا، صحيح أنّ من حق الدول أن تسعى إلى تحقيق مصالحا ومصالح شعبها لكن يجب عليها في نفس الوقت أن تأخذ بعين الاعتبار احترام التزاماتها الدولية بشكل كامل وهو الأمر الذي عبّرت عنه وأكدت عليه الخارجية الأمريكية.
إذ وجّهت الولايات المتّحدة خلال الفترة الماضية تحذيرا للهند طالبتها فيه بالالتزام بالعقوبات المفروضة على طهران، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “فيليب كراولي” في رسالة تحذير إلى نيودلهي “الأمر يتعلق بمخاطر الانتشار النووي في العالم واندلاع سباق تسلّح نووي في الشرق الأوسط وهو ما سيؤثر بالضرورة أيضا على الدول المجاورة لهذه المنطقة بمن فيهم الهند”.
ولا شك أنّ الموقف الأمريكي إنما ينبع من محاولة واشنطن مراقبة مدى التزام جميع الأطراف الإقليمية والدولية بتطبيق العقوبات التي تمّ إقرارها مؤخرا في مجلس الأمن، على اعتبار أنّ نجاح هذه العقوبات يتطلب الالتزام الشامل والكامل من الجميع، لأن أي خرق من أي جهة كانت سيتسبب في فشل نظام العقوبات برمّته.
وتركّز واشنطن الآن على الهند بعدما تسربت العديد من التقارير التي تفيد بانّ الأخيرة تحاول التحايل على العقوبات التي فرضتها واشنطن، سيما وانّ هناك سوابق تشير إلى جهود حثيثة تبديها الشركات الهندية للاستثمار في قطاع الطاقة الإيراني للفرص الضخمة التي يتيحها من جهة، ولما يلعبه أيضا من دور بنّاء في الحفاظ على أمن الطاقة في الهند.
إذ سبق للتقرير الذي أصدره مكتب المحاسبة الحكومي في نيسان/ أبريل الماضي ويقع في 23 صفحة -وتمّ رفعه إلى رئيس لجنة الأمن القومي للإطلاع عليه-، وأن أشار إلى خرق العديد من الشركات الهندية العاملة في قطاع النفط والغاز العقوبات على إيران ومن بينها شركة النفط الهندية (IOC)، وشركة نفط الهند المحدودة (OIL)، وشركة النفط والغاز الطبيعي (ONGC) وشركة فايدش التابعة لها أيضا (ONGC Videsh Ltd)، وشركة بترونت للغاز الطبيعي المسال (Petronet LNG).
علما أن الإدارة الأمريكية كانت قد ضغطت على نيودلهي العام الماضي لوقف إعطاء أي ضمانات قروض لأكبر مجمع مصافي للنفط في العالم وتمتلكه الهند، ما لم توقف صادرات النفط المكرر إلى إيران، والتي كانت تشكّل حوالي 40% من استهلاك طهران من النفط المكرر. وقد أثمرت الضغوط فيما بعد عن قطع لهذه الصادرات مقابل منح المجمّع ضمانات قروض بقيمة 900 مليون دولار أمريكي.
تأثير العقوبات الأمريكية على المصالح الهندية
وتحاول الهند أمام هذه المعضلة أن تبرر موقفها من خلال تأكيد الأوساط الرسمية أن لا مشكلة لديها في التعامل مع العقوبات الصادرة عن مجلس الأمن بحق إيران، على عكس العقوبات الفردية التي أقرتها الولايات المتّحدة التي تسبب الكثير من المشاكل. فبعد يوم واحد من توقيع الرئيس الأمريكي اوباما على قانون العقوبات المشددة، والذي يستهدف بشكل أساسي الضغط على موردي البنزين والمستثمرين في قطاع الطاقة الإيراني، عبّرت وكيل وزارة الخارجية الهندية “نيروباما راو” عن قلق بلادها من “أن تترك العقوبات الأحادية المقرّة أخيرا من قبل بعض الدول بشكل فردي، أثرا مباشرا وسلبيا على الشركات الهنديّة العاملة في قطاع النفط والطاقة، والأهم من ذلك على أمن الطاقة الهندي”.
إذ من شأن العقوبات الأحادية التي أقرتها واشنطن كما تلك التي يعمل الاتحاد الأوروبي على إقرارها، أن تخلق الكثير من المشاكل للقطاع العام الهندي وللشركات الحكومية العاملة في مجال الطاقة كشركة النفط والغاز الهندية (ONGC)،  وغيرها من الشركات التي تبحث عن الاستثمار في قطاعي النفط والغاز في إيران.
صحيح أنّ الهند لا تصدّر الآن البنزين إلى إيران على اعتبار أنّ جميع الشركات الهندية الكبرى كانت قد أوقفت تعاملاتها مع طهران في هذا المجال في أيار/ مايو من العام 2009، ولذلك فان العقوبات لن يكون لها تأثير كبير على قطاع مصافي النفط، إلا أنّ القيود المفروضة على الاستثمار في تطوير قطاعي النفط والغاز في إيران قد يتداخل مع مشاريع هندية كان تمّ التخطيط لتنفيذها من قبل، وهو ما سيكون لها تأثيرات سلبية كبرى على نيودلهي، وآخرها مشروع لتطوير حقل للغاز تم التعاقد عليه في حزيران/ يونيو 2009 بقيمة 5 مليار دولار.
كما من المتوقّع أن تؤثّر العقوبات على مشروع خط الأنابيب المقترح منذ منتصف التسعينيات، والذي يمتد من إيران إلى باكستان والهند بطول حوالي 1615 ميل وبتكلفة تقديرية تبلغ قرابة الـ7.4 مليار دولار، حيث كانت الأخيرة قد جددت مؤخرا المباحثات حوله بشكل ثنائي مع طهران بعد أن كانت المحادثات الثلاثة الهندية الباكستانية الإيرانية بخصوصه قد توقفت سابقا لمشاكل تتعلق بالسعر الذي حدده المسؤولون الإيرانيون للغاز الذي سيتم نقله، فيما تشير بعض الأوساط إلى أنّ انسحاب الهند من المحادثات آنذاك جاء بعد الصفقة النووية التي تمت بينها وبين إدارة بوش الابن.
ومن المنتظر أن تزداد الضغوط الأمريكية على نيودلهي خلال الفترة القادمة وهو ما سيخلق تحديّا كبيرا لديها حول الكيفية التي ستقوم بها بالمواءمة بين الالتزامات الدولية والتزاماتها تجاه واشنطن من جهة، وبين مصالحها الاقتصادية وأمن الطاقة لديها المرتبط إلى حد كبير بثروات إيران من النفط والغاز الطبيعي من جهة أخرى، خاصّة أن نيودلهي قد تحتل على الأرجح مقعدا غير دائم في مجلس الأمن في العام 2011، وهو ما قد يدخلها في تعقيدات لعبة المصالح والشد والجذب بين واشنطن وطهران لا سيما أن أي تصويت جديد في مجلس الأمن سيكون له تأثير مباشر على طبيعة العلاقة مع كل منهما.
‎© منبر الحرية،27 غشت/آب 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

بعد عشرين سنة على اجتياح الكويت وربما الأصح غزو صدام للكويت، يشعر العراق كما تشعر الكويت بالكثير من الإنهاك. لكل إنهاك أسبابه، إذ يعود في كلا البلدين في جانب منه لما وقع عام ١٩٩٠. لقد أرهقت تلك التجربة الأليمة البلدين وما زالت تساهم في ذلك بعد مرور عشرين سنة. وهذا يعود ويؤكد لنا أن لا احد يستطيع أن يهرب من التاريخ وأحداثه، فما يقع من حروب واقتتال يغير أحوال المجتمعات والناس بما يتجاوز الزمان والمكان. قبل عام ١٩٩٠ بدت الكويت وكأنها الطريق الذي يحقق عبره صدام حسين المجد الذي يحلم به. بل بدت أكثر، وكأنها ذلك السراب الذي أوهمه بإمكانية تعويضه كل خسائر الحرب العراقية – الإيرانية. ذلك السراب اختفى بأسرع من المتوقع. وفي مرحلة لاحقة، تغيرت الأدوار وكأننا في لعبة كراسي لا تهدأ ولا تتوقف، وبدا صدام حسين بشخصه والعراق بنظامه وجغرافيته ونفطه وكأنه طريق الولايات المتحدة وطريق يمينها المحافظ لتحقيق طموحات الحفاظ على الإمبراطورية الأميركية وقوتها العالمية بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). في اليوم الأول من هذه الدراما العربية في عام ١٩٩٠ حلم صدام بإمبراطورية كبرى من خلال الكويت، وفي اليوم الثاني من هذه الدراما عام ٢٠٠٣ حلمت الولايات المتحدة حلماً لن يتحقق. لقد خسر صدام حسين عام ١٩٩٠ ثم عام ٢٠٠٣ لكن الولايات المتحدة هي الأخرى حققت مكاسب مهمة عام ١٩٩١ لكنها لم تكسب عام ٢٠٠٣، إذ تبدد هجومها إلى معارك استنزاف ولم يبق من انتصارها إلا الأقل. ففي الشرق الأوسط تتحول الحروب سراباً، وكل حرب تمهد للتي تليها. ليس في الشرق من منتصرين دائمين، فكم من انتصار تحول مع الوقت إلى نقيضه.
إن ما وقع عام ١٩٩٠ دمر الكويت اقتصادياً وإنسانيا كما انه دمر العراق بسبب حرب تحرير الكويت ثم بسبب العقوبات الطويلة المرتبطة بها. وبينما انتقل من الكويت بسبب صدام وغزوه ثم بسبب رد الفعل الكويتي بعد تحرير الكويت والمرتبطة بموقف منظمة التحرير آنذاك، زهاء نصف مليون فلسطيني كانوا يمثلون عصب رئيسي للحياة الاقتصادية والإدارية والثقافية للكويت، ما أضعف بنية الكويت على مستويات كثيرة، نجد في المقابل أن العراق أبان عام ١٩٩٠ ثم في السنوات المقبلة كل قدرته على جذب القدرات العربية والعالمية ورؤوس الأموال والخبرات وسط عزلة خانقة وهجرة كفاءات.
لقد بدأت الكويت أعمال إعادة البناء وإعادة البلاد إلى سابق عهدها عام ١٩٩١، لكن المعوقات الإدارية والسياسية والهاجس الأمني الذي سيطر على البلاد ساهم هو الآخر في وضع حدود للكفاءة والتنمية. لهذا تعطل مشروع التنمية في الكويت طوال عقد التسعينات من القرن الماضي، مما ساهم في نمو متسارع لقوى المعارضة والاحتجاج في البرلمان وخارجه. فقد سيطر شعور سلبي بين الكثير من مواطني الكويت مصدره عدم قدرة الكويت على استعادة تلك الحقبة الذهبية التي ميزتها في السبعينات والثمانينات وقبل عام ١٩٩٠. هكذا ارتفعت الأصوات محمّلة الحكومة ورؤساء الوزارات والوزراء مسؤولية التردي. ويمكن القول أن المأزق السياسي اليوم في الكويت يعود في شكل من الأشكال إلى ما وقع عام ١٩٩٠ من اقتلاع للنظام بواسطة الاجتياح المفاجئ، ثم من عودة للنظام في ظل تمسك المجتمع بشرعيته وفي ظل الحرب التي هزمت النظام العراقي عام ١٩٩١، ثم ارتفاع وتيرة المساءلة بين المواطنين والبرلمانيين بفضل طبيعة التحديات التي برزت بعد عام ١٩٩١، ثم صعوبة استعادة قدرات الكويت التنموية والمتقدمة كما كانت في الزمن الذهبي، ويتم كل ذلك في ظل بروز أجيال كويتية جديدة تحمل هموماً جديدة وتصورات مختلفة.
أما في العراق فبعد حرب تغير النظام العراقي عام ٢٠٠٣، انتهى الأمر بحرب أهلية وصراع كبير بين القوى الرئيسية السياسية والطائفية والقومية العراقية، وارتفعت الحدة في الصراع الداخلي كما ارتفعت الحدة في الصراع مع الولايات المتحدة، كما ارتفعت حدة التدخلات الإقليمية الإيرانية والسورية والسعودية بالإضافة إلى الأميركية. لا يزال العراق يبحث عن نفسه وسط ضياع كبير ويتصارع على تركيبته الداخلية من دون أن ينجح في الارتقاء إلى صيغة مقبولة. ولا تزال الكويت، حتى يومنا هذا، تسعى نحو التنمية من دون أن تحققها بالصيغة التي تعلن أنها تريدها.
اليوم يقف كل من العراق والكويت في وجه الآخر، هذه المرة ليس من اجل الحرب أو الاجتياح، فكل من الكويت والعراق يمثل اليوم مرآة لما وقع عام ١٩٩٠. كلا البلدين يحاول التعامل مع تبعات التاريخ والبحث عن المستقبل. ومع ذلك فالماضي يسهل اجتراره عبر الشكوك والمخاوف والمشاعر التي يثيرها. لكن، من جهة أخرى، معظم الذين يعيشون اليوم في البلدين كانوا عام ١٩٩٠ أطفالا أو لم تلدهم أمهاتهم بعد، ومع ذلك ما زالت الآثار غير المرئية والأصح النفسية لما وقع عام ١٩٩٠ قائمة في كلا البلدين.
إن أكثر ما يفصل بين البلدين هو الثقافة الشعبية. فهناك ثقافة في العراق تشكك بالكويت وحقوقها السيادية تقابلها في الكويت ثقافة شك وعدم ثقة في العراق ونياته. الثقافة هي المشكلة الأكبر التي قد يؤسس عليها السياسيون في المستقبل قرارات ومواقف وانتهاكات، فهي السبب الذي يجعل الموقف من الكويت والحدود والتعويضات تتحول إلى موضوع سياسي في حملة انتخابية في العراق. هكذا يتم إقحام الممر المائي والترسيم والتعويضات بين البلدين في سوق للتنافس السياسي العراقي – العراقي. ويحصل ذلك في الكويت أيضا، إذ تتحول قضية التعويضات وإسقاط الديون العراقية إلى مشكلة داخلية حكومية برلمانية. ووفق زهير الدجيلي، الصحافي العراقي، «فإن المسألة الثقافية وطبيعة النظرة الشعبية المنتشرة في العراق والكويت هي رافد رئيس للخلافات. المشكلة في الثقافة الأوسع سواء أكانت ثقافة اعتبار الكويت أو أجزاء منها جزءاً من العراق أو ثقافة الشك والتخوف في الكويت».
ويسجل لمصلحة الكويت أنها هرعت بسرعة إلى العراق بعد تغير النظام العراقي عام ٢٠٠٣ في محاولة لبناء العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية. لكن الحالة الأمنية عادت وعكرت الإمكانات ودفعت باتجاه هروب الاستثمارات. العراق سيخلق استقراره، فهو لن يبقى في موقع صراع مفتوح كما هو حاله اليوم. ويسجل لمصلحة العراق أن نظامه السياسي ممثلاً بحكوماته المختلفة تعاملت بنضج مع الكويت كما تعاملت الكويت بنضج مع الواقع الجديد في العراق.
لكن هناك أمورا معلقة في إمكانها أن تعكر صفو العلاقة بين البلدين. إن مسائل كالديون والتعويضات في إمكانها أن تخلق أزمة بين البلدين خاصة بعد الانسحاب الأميركي من العراق. إيجاد حل متوازن وتنموي شرط أساسي لحل هذه القضايا المعلقة. وبينما لا يزال العراق يفكر باتجاه البحر والمنفذ المائي وتوسعة مينائه، إلا انه لا توجد مشكلة مهما بلغت جديتها لا يمكن حلها حلاً تعاونياً بخاصة إذا توافرت النيات الايجابية. فالسعي الاقتصادي لا تحده حدود. نتساءل عن إمكان بناء مناطق حرة بين العراق والكويت تسمح للعراق بحل مشكلته المائية بما يتناسب واحتياجات البلدين. المناطق الحرة بهدف التجارة والاقتصاد أمر انتشر بين دول العالم، سيكون هذا أفقا مفيداً لكلتا الدولتين.
يبقى السؤال بعد مرور عشرين سنة على واحدة من أسوأ كوارث العرب، هل في إمكان كل من الكويت والعراق الاتفاق على ما يساهم في بدايات جديدة لبناء مصالح اقتصادية وتجارية وإنسانية بين البلدين؟ أم يترك الأمر للأمم المتحدة والفصل السابع ومجلس الأمن ليحله؟ ولكن ماذا بعد أن يخرج العراق من الفصل السابع وبعد أن تنسحب الولايات المتحدة، هل تتغير المواقف ويعود العراق طارحاً أن ظروفاً قاهرة هي التي فرضت عليه القبول بما يقبل به؟ على الأغلب سيسعى العراق في المرحلة اللاحقة لتعديل الاتفاق على الحدود والتعويضات وإن استطاع غيرها من المسائل بين البلدين. لن يكون هذا صراع وجود بين البلدين، بل في أسوأ حالاته صراع حدود وتعويضات وآثار الماضي. السؤال الأكبر: هل تستبق الدولتان تغير الظروف فتقع بينهما مبادرة تحقق تقدماً قابلاً للصمود والبقاء بعد أن تتغير الظروف؟ هل في إمكان خطوة الألف ميل بين البلدين أن تبدأ بخطوة إستراتيجية تسجل كإنجاز للقادة السياسيين في البلدين في المدى المنظور؟ هل يمكن تحقيق ذلك على رغم الأزمة التي يعيشها العراق على المستوى السياسي والأمني وعلى رغم الأزمة التي تعيشها الكويت على المستوى التنموي والسياسي؟
المصدر: الحياة
© منبر الحرية،23 غشت/آب 2010

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018