الإسلام والحداثة

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

منذ اللحظات الأولى لتأسيسه، نَظَرَ تنظيم “القاعدة” إلى الصومال نظرة خاصة، ومنذ مطلع تسعينيات القرن الماضي احتلّت هذه الدولة، التي تحوّلت شيئاً فشيئاً إلى أشلاء دولة، احتلّت موقعاً مميزاًً في إستراتيجيته العالمية. وتكشف وثائق التنظيم ومراسلاته السرية، كما عملياته، عن هذه المكانة بوضوح. ففي العام 1993، توجّه بعض قادة “القاعدة” إلى هذا البلد في رحلة وصفتها أدبيات التنظيم بـ “رحلة الثواب” أو “عملية المسك”. وكان الهدف منها إنشاء معسكرات بديلة أو موازية لمعسكرات “القاعدة” بأفغانستان في كُلٍّ من بوصاصو ولوق وإقليم أوغادين، وتأمين كادر تدريبي فعّال ونشِط. وقد عُدّت هذه الزيارة البداية الحقيقية لتغلغل تنظيم “القاعدة” في الصومال وبقية بلدان القرن الأفريقي.
ومنذ ذلك الحين وتنظيم “القاعدة” يحاول الحفاظ على موطئ قدم دائم له في الصومال، مُستغِلاً حالة الحرب الأهلية الطويلة الأمد وهشاشة المؤسسات المركزية الحاكمة فيه، بهدف تحويل هذا البلد إلى ساحة مركزية لنشاطاته (التي تتضمن نقل العملاء والمعدات والتجهيزات العسكرية عبر الحدود الصومالية إلى دول الجوار)، وكذلك إلى ملاذٍ آمنٍ وقاعدة خلفية لتحركاته وهجماته الإرهابية التي تستهدف تلك الدول.
ورغم أن أنشطة “القاعدة” في الصومال لم تأخذ زخماً كبيراً وتصاعدياً كما كان متوقعاً، لاسيما بعد تمكُّن الأميركيين من تقويضها بشكل كبير في إطار حربهم على الإرهاب، لكن قدرة التنظيم على حماية وجوده ما تزال واضحة للعيان، خاصةً بعد دخوله في تحالفات وتفاهمات مع بعض جماعات العنف الصومالية الإسلامية المتشددة كحركة “شباب المجاهدين” (الفصيل الذي انشق مؤخراً، وتحديداً في كانون الأول/ ديسمبر من العام 2007، عن المحاكم الإسلامية). والظاهر أن التنظيم بدأ يدرك أن بقاءه هناك يتطلب مجهوداً إضافياً، وأن عليه العمل بسرعة على توسيع نطاق تحالفاته على الأرض الصومالية، وفي الوقت نفسه تأمين التمويل اللازم لاستمرار أنشطته وقدرته على التجنيد والاستقطاب وتخطيط العمليات وتنفيذها في الزمان والمكان اللذين يحددهما.
ويبدو أن التنظيم وجد في الآونة الأخيرة ما يبحث عنه، من خلال ملاحظته لتطور عمليات القرصنة قبالة السواحل الصومالية. فمن ناحية، تُغري ظاهرة القرصنة البحرية التنظيم بإعادة التفكير في أولوياته الإستراتيجية في المنطقة؛ فبدلاً من التركيز على البرّ بشكل شبه مطلق ثمة فرصة حقيقية لشنّ عمليات مؤثرة وصاخبة في البحر أو ضد أهدافٍ مُحاذيةٍ له، وهذه الأهداف كثيرة وضربها يَسيْرٌ ولا شك (مرافئ، وسفن تجارية، وناقلات نفط، وأساطيل وقطع حربية غربية تمخر عباب خليج عدن والمحيط الهندي بلا توقف). أما وسائل الهجوم والدعم اللوجيستي فمتوافرة هي الأخرى؛ وإذا صدقت معلومات جهاز الاستخبارات النرويجية، فإن “القاعدة” قد تكون تملك (أو تتحكم في) ما يتراوح بين 15 و23 سفينة تحمل أعلام اليمن أو الصومال وتونغا.
وفي هذا السياق، يمكننا فهم الدعوة التي أطلقها تنظيم “القاعدة” لأتباعه وأنصاره في اليمن قبل أشهر قليلة، وحضّهم فيها على “السيطرة” على الملاحة البحرية في جزيرة العرب في إطار ما عدّه التنظيم “ضرورة إستراتيجية” له. ففي رسالة بعنوان “الإرهاب البحري ضرورة إستراتيجية” تناقلتها في نيسان/ أبريل من العام الماضي 2008 مواقع إسلامية عديدة مقربة من التنظيم، ثمة تأكيد على “أن طلائع مُسلّحة قبالة الشواطئ اليمنية تقوم [منذ أكثر من عام] باصطياد السفن التجارية والسياحية والنفطية واحدة تلو الأخرى، و[أنه] بات من الضروري في المرحلة الحالية على المجاهدين وهم يديرون معركة عالمية لاستعادة الخلافة الإسلامية وحكم العالم بها، أن تكون الخطوة التالية هي السيطرة على البحر والمنافذ البحرية بدءاً بما حول الجزيرة العربية”، وأنه “كما نجح المجاهدون بتشكيل سرايا الاستشهاديين على الأرض، يبقى البحر الخطوة الإستراتيجية التالية نحو سيادة العالم وإعادة الخلافة الإسلامية”.
وتشدد الرسالة على أن “الشواطئ اليمنية تعد من أهم المنافذ البحرية للسيطرة على البحر العربي وخليج عدن”، وأنها “نقطة إستراتيجية لطرد العدو من أهم أركان معركته؛ فإذا لم يتمكن من حماية نفسه في تلك المنطقة الإستراتيجية فإنه لن يستطيع حماية نفسه على الأرض وقواعده البحرية تحت ضربات المجاهدين”. وكالعادة، استعرضت الرسالة بعض ما وصفته “نجاحات المجاهدين البحرية العالمية والعربية”، مُشيرةً إلى أنهم نجحوا في “ضرب أهداف صهيو- صليبية في البحر مرتين: الأولى كانت تهيئة للغزوتين المباركتين في نيويورك وواشنطن بضرب المدمرة الأميركية (كول) في تشرين الثاني/ أكتوبر 2000، ثم ناقلة النفط الفرنسية (ليمبورج) في العام 2002”. وتمضي الرسالة في تهديدها، مؤكدة أن “ساعة الحسم” قد اقتربت، وحينها سيشهد الجميع لحظة “تركيع قيادة الحملة الصهيو-  صليبية إلى طاولة المجاهدين ليفرضوا عليهم شروطهم؛ بالخروج من ديار المسلمين مع تسليم أسلحتهم للمجاهدين، وإيقاف الدعم للاحتلال اليهودي في فلسطين، وعدم التدخل في شؤون المسلمين أو دعم حكامهم وأنظمة الجور والفجور والفساد فيها”.
ومن ناحية ثانية، وعطفاً على ما سبق، قد يرى التنظيم الذي يُراقب باهتمامٍ متزايد نشاط القراصنة الصوماليين المثير في مياه خليج عدن والمحيط الهندي، أن له مصلحة مؤكّدة في دعم هؤلاء وتوثيق صلاته معهم على نحوٍ يتيح له توفير عوائد مالية ضخمة تساهم في تمويل أنشطته المختلفة، وتعزيز وجوده في المنطقة. وعلى الرغم من عدم توفر دليل حاسم حتى اللحظة يؤكد تورّط “القاعدة” في أنشطة القراصنة المتزايدة، إلا أن ملاحظة سيكولوجية جماعات العنف المسلح بشكل عام تُبيّن، وباستمرار، أن لديها ميولاً كامنة تُحفّزها على استغلال (وانتهاز) أي فرصة متاحة من أجل رفد كيانها بفائض قوة ما انفكت تحتاج إليه في إطار محاولتها الحفاظ على نفسها وحماية وجودها في مواجهة جميع الأخطار المُحدِقة بها؛ والشاهد الأكثر وضوحاً على ميلٍ كهذا لجوء تنظيم “القاعدة” ذاته إلى الاتجار بالمخدرات في إطار حرصه الدءوب على البقاء، ومقاومة شتى الضغوط والسياسات التي تهدف إلى تجفيف ينابيع تمويله ومحاصرته تمهيداً للقضاء عليه.
© منبر الحرية، 14 أبريل 2009

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

على عكس بديهيات العالم، بدلا من أن تؤدي كثرة النقاش حول قضية ما إلى المساهمة في ثرائها ومن ثم الوصول إلى حل بشأنها؛ لا يزيد النقاش المحتدم في عالمنا العربيّ حول الدينيّ والسياسيّ إلا في ازدياد ضبابية المواقف والقضايا وبالتالي عدم إمكانية حسمها، على الأقل في الوقت الراهن.
غير أنَّ لكلِّ زمان “وقته الراهن” ولكل جيل زمنه الخاص والنتيجة الطبيعية لتتابع الأوقات “الراهنة” هي البقاء “محلك سر”، كما يقول المصريون، بحيث تتأبد “الراهنيَّة” ويتأبد معها الإشكالُ موضعَ الخلافِ أو التساؤل!!.
وربما يحِّقُ للقارئ أن يتساءل: إذن ما الحل الذي بإمكانك أن تقدمه هنا؟ وما الجديد الذي يمكن أن يحمله مقالكَ في ضوء تقديم استفزازيٍّ كهذا؟!. واقع الأمر أنني لن أسعى إلى إعمال مبدأ المراوغة الفكرية والإجابة عن تساؤل القارئ بطرح سؤال آخر. لكني أعتقد أنه من دون مصارحة الذات والحديث عن القضية محل النقاش بوضوح شديد والتنفيس عمَّا يعتمِلُ في نفس الكاتب والقارئ معا فلا إمكانية لحل مثل هذه القضايا.
وهنا سأضطر آسفا للرجوع مرة أخرى لسياق الأسئلة الشائعة وعلى رأسها: لماذا نجحت اليابانُ وفشلت مصر (بطبيعة الحال ليس في مجال كرة القدم!!)؟! ولماذا نجحت أيضا المجتمعات الأوربية إبان عصر النهضة في الانتقال إلى نمط العلمنة فيما فشلنا نحن؟ ولماذا كل هذا الوقت والجهد الذي يبدو للبعض أنه لا طائل من ورائه في الحديث عن الإسلام والعلمنة؟ أليس من المريح القول بأننا شعوب إسلامية وكفى!، وأنه لا حاجة بنا إلى التعويل على أية أنظمة أخرى؟!.
لنعكس وجهة السؤال الأخير كي ما تتضح الصورة أكثر فأكثر: وما الذي أفضت إليه أفكار العقلانية والتنوير والعلمانية التي أخذ بها البعض في مجتمعاتنا العربيّة الإسلاميّة؟!، وهو ما يجرنا إلى تساؤل آخر: هل المشكلة تكمن في بنية مجتمعاتنا أم في الأنساق الفكرية أولا، السياسية ثانيا، التي تتبعها الدولة في تسيير شؤونها؟ ولماذا يُنظر إلى الدين لدى البعض باعتباره عائقا يحول دون إحراز التقدم فيما على العكس من ذلك تماما ينظر إليه الآخرون باعتباره قوة دافعة للإنجاز والعمل؟!.
سأتوقف عن إثارة المزيد من الأسئلة، ربما لأنَّها بدورها لا تنتهي، محاولا إلقاء الضوء على بعض جوانب المشكلة. ولنبدأ بتحليل مأزق “العلمنة” في عالمنا العربيّ مقارنة بعصر النهضة الأوربي لنتعرف على السياقات والتمايزات وأوجه الاتفاق والاختلاف ما بين التجربتين التاريخيتين.
غير أنه يتعين علينا أن نوضح بداية أنَّ تمايز الأوضاع في عالمنا العربيّ عن نظيره الأوربيّ لا يصِح أنْ يُتخذ ذريعة، كما يروقُ للبعض، لرفض العِلمانية كليَّة، أو التذرع بما يسمى الخصوصيّة/ “الاستثنائيّة العربيَّة” لتفسير تعثر حدوث التحول الديمقراطي بدول المنطقة. ففي الحالتين معا نحن إزاء التفافٍ على موضع الإشكال وهروبٍ من مواجهة الذات ليبقى التساؤل كما هو: لماذا فشلنا وتقدم غيرنا؟!.
وفي الواقع، لا يزالُ البعض يتوهم أنَّ الدول الأوربيَّة التي أنجزت في مراحلَ تاريخيّة معينة فصلا وظيفيا ما بين المؤسسات السياسيّة والدينيّة، خاصة ما يتعلقُ بوضعيّة الرموز الدينيّة في الفضاء الرسميّ وما ارتبط بذلك من صراع دامٍّ توزّع بين منطق الاستبعاد الكامل (الحالة الفرنسية) أو محاولة البحث عن حلول وسطى (الحالة الألمانية)؛ يُخيَّلُ للبعض أنَّ هذه الدول لا تدور في رحاها اليوم نقاشات ثرية حول وضعية الدين في المجتمع المعاصر، أو بالأحرى استمرارية الانشغال بالظاهرة الدينية ككل!
فعلى العكس من ذلك تماما، وعلى الرغم من الطابع العلماني للمجال السياسيّ في الدول الأوربيّة الحديثة، لا تزال هناك مساحة من التداخل بين الدينيّ والسياسيّ في الخارطة الثقافية للمجتمعات الأوربيّة وهو ما يبدو واضحا من خلال التشكيلات الحزبيّة ذات الطابع المسيحي، وأيضا من خلال تعاظم الدور العام والوزن النسبي للمؤسسة الدينيّة وخطابها المجتمعي، كما في حالتي إيطاليا وألمانيا على وجه الخصوص.
ومع الأخذ في الحسبان تنوع الخبرات التاريخيّة في العالمين العربيّ والغربيّ، إلا أنَّ الفارق الرئيسي بين التجربتين ربما يتعلق بتوافر أو غياب آلياتٍ مؤسسيّة مقبولةٍ مجتمعيا تساهم في تطوير صياغات توافقية للعلاقة الحاكمة بين كل من: الدّين والمجتمع والسيّاسة.
غير أنَّ محاولات العلمنة التي تمت في إطار ما يسمى بالنهضة العربيّة الحديثة تختلف في الواقع اختلافا كبيرا عن منظومة التحولات الشاملة التي تمت في أوربا وعلى مستوياتٍ عدة من بينها: أنّ علمنة المجتمعات الأوربيّة كانت جزءا من عمليات تحول شامل حيث لم يقتصر الأمر على تغيير بُنى العلاقة القائمة ما بين الكنيسة والدولة فقط، وإنما شملت أيضا وضع حدّ قانونيّ لحق الملوك في السيادة وبالتالي التحول إلى الجمهورية وانتقال السلطة إلى الشعب (حالتي فرنسا وأميركا) أو إلى البرلمان (حالة بريطانيا).
الملمح الثاني من ملامح اختلاف الخبرتين التاريخيتين يتمثل في طول حقبةِ عمليات التحوّل الشاملة بأوربا مقارنة بالعالم العربيّ حيث امتد النضال الإصلاحيُّ من القرن الثالث عشر حتى قيام الثورة الفرنسيّة في القرن الثامن عشر الميلاديّ، أي قرابة خمسة قرون متتالية بدأت بظهور حركة الإصلاح الدينيّ، مرورا بظهور الفكر السياسيّ العقلانيّ التجريبيّ، وليس انتهاءً بظهور موجات الحداثة والتنوير المعاصرة، فيما لم تتعدَّ الخبرة العربيَّة المعاصرة حدود قرنين من الزمان.
أضف إلى ذلك أيضا أنَّ المؤسسة الدينيّة الغربيّة قد تفاعلت مع التحولات المجتمعية بصورة مباشرة فقامت بعلمنة رؤاها الدينيّة وغيّرت من هياكلها التنظيميّة في ضوء هذه العلمنة. أمّا في التجربة العربيّة الإسلاميّة، فلا يزال الكثيرون داخل المؤسسات الدينيّة وخارجها يحاجونَ ضد القول بوجود ما يسمى بطبقة “رجال الدَّين” في الإسلام، فضلا عن الارتباط الوثيق بينهم وبين كل من القداسة والأنظمة السياسيّة.
وفي ضوء هذا الملمح الأخير يتعذر القول بإمكانيّة علمنة المؤسسة الدينيّة، مثلما يتعذر على رجال الدّين الإقرار بوجود قواسم مشتركة، أو على الأقل مساحات تقريب، بين الإسلام والعِلمانيّة. لكن ماذا عن اجتهادات المصلحين والمجددّين؟ وما حقيقة موقفهم من إشكالية السياسة والدّين؟ وهل من الممكن أن تتضمن رؤاهم الإصلاحيّة حلا لمعضلة الدّين والدّولة، والتي أعيت الإسلاميين والعِلمانيين معا؟ .. تلك أسئلة تبقى قائمة.
© منبر الحرية، 27 فبراير 2009

عزيز مشواط19 نوفمبر، 20100

أفادت دراسة تحليلية لانتماءات منفذي الهجمات على أهداف مختلفة في مجموعة من الدول الأوروبية والآسيوية أن المنفذين يتوفرون على الخصائص التالية: كلهم يتجاوزون الحدود الوطنية، ولا يعيشون في البلد الذي ولدوا فيه، بل لهم في بعض الأحيان جنسيات مختلفة، وكلهم قاموا بدراسات حديثة في الغالب من مستوى عال، وينتمون في معظمهم إلى مستوى اجتماعي متوسط، وعاشوا مرحلة الشباب على النمط الغربي، وكلهم قطعوا الصلة مع عائلتهم، قبل أن يتحولوا إلى قنابل بشرية تصرخ ” الدين..الدين…يا عباد الله” ! هل يتعلق الأمر بمجرد عمليات تخدير شديدة المفعول تعرضوا لها، أم أن الأزمة أعمق من ذلك، وترتبط بطبيعة الثقافة الرائجة في مجتمعات الانتحاريين؟
يتأرجح الانتحاريون بين ثقافتين مزدوجتين، ثقافة المجتمعات الغربية التي يعيشون فيها، حيث الحرية حق مقدس، وثقافتهم الأصلية حيث انعدام الحرية والديمقراطية، وانتشار البؤس. ينشأ عن هاته الازدواجية فراغ قاتل يستغله محترفو صناعة الموت لـ”زراعة” العنف والتطرف الناتج عن ضيق الأفق، إذ الانتحاريين، سواء عاشوا في مجتمعاتهم الأصلية أو الغربية، يرتبطون ارتباطا وثيقا بسلوكيات تعتبر فيها الطاعة هي القاعدة وما عداها استثناء.
نقصد بصناعة الطاعة، تلك الوسائل والأدوات المستعملة التي تسحق الفرد وتحوله إلى مجرد تابع، تحدد الجماعة مصيره على الرغم منه. إن ملاحظة بسيطة لثقافة المجتمعات العربية والإسلامية تجعلنا نستنتج اشتراكها في “صناعة الطاعة”، لأنها، تاريخيا على الأقل، لم تعرف المطلب الديمقراطي، ولم تتحول الحرية على امتداد تاريخنا الطويل إلى قيمة سامية، وبقيت حتى الآن عند مستوى الشعارات السياسية والخطب الرنانة. وكلما ارتفعت أصوات المنادين بها، إلا وتعرضت للتهميش والإقصاء، بل للإبادة بالعنف والقوة.
رغم اختلاف وسائل صناعة هاته الطاعة والحفاظ عليها، فإن استغلال الدين لتحقيق هذا الهدف يبقى واضحا. أما مصير الحركات التي تريد الخروج عن الطاعة، فغالبا ما انتهى إلى التنكيل والقتل وإحراق كتب الداعين إليها وتهجيرهم. لم تستطع كل محاولات الفلاسفة والمفكرين، عبر التاريخ زعزعة “نسق الطاعة”، حيث تواجههم دائما اتهامات جاهزة، أقلها الزندقة وإفساد عقول الناس.
ما تعرض له بن رشد في الماضي من تنكيل، وما يتعرض له نصر حامد أبو زيد، وسعد الدين إبراهيم من مضايقات في الوقت الراهن، شاهد على مصير دعاة التنوير في مجتمعات الطاعة. ويشترك في هذا المتطرفون الإسلاميون، كما بعض الأنظمة الأصولية، في قمع كل محاولة تحررية. أما الهدف المشترك وغير المعلن، فهو تكريس مفاهيم الطاعة العمياء في صفوف الأتباع بطرق ثقافية مختلفة وملتوية.
يقول عالم الاجتماع العراقي علي الوردي في كتابه «وعّاظ السلاطين» : «كان كل سلطان جائر يجد دائماً من يدعو له بالتوفيق في جوره». في الوقت الراهن تستمر ممارسات “الوعاظ”، لكن هاته المرة باستخدام تقنيات أشد تأثيرا، حيث تصطف آلات إعلامية ضخمة وإمكانيات تربوية هائلة، ومؤسسات ثقافية بتمويلات خيالية من أجل هدف واحد : تكريس مجتمعات الطاعة، وتخدير الفرد بقتل روحه الإبداعية وتحويله إلى آلة صماء، تستجيب لنداء العاطفة الديني.
إن نسق الطاعة هذا يجعل من استقطاب الانتحاريين عملية بسيطة. وهكذا حينما يهتف “بن لادن” إلى الأمام، لا يتردد العشرات من المغفلين في الاستجابة الفورية، رغم أنهم بفعلتهم هاته، يرجعون بمجتمعاتهم مئات السنين إلى الوراء. إنهم مادة خام “قابلة للاشتعال” في كل وقت وحين، تقودهم فكرة لا تتوقف المواقع الالكترونية والفضائيات والكتب الرخيصة عن ترويجها. إنها ضرورة العودة إلى المنبع الصافي للحضارة العربية الإسلامية للإجابة عن كل أسئلة الحاضر.
تقوم صناعة الموت في مجتمعات الطاعة على تمجيد الماضي، والتضحية بالنفس من أجل استعادته. وهكذا كلما عرض حادث جديد أو قضية مستحدثة، يعود الإسلاميون المتطرفون إلى النص الديني (القرآن أو السنة) للإجابة عنه، بل إن كل أسئلة الحاضر تجد لها في الماضي السحيق جوابا مثاليا. إنهم يستعيرون كلمات الماضي لوصف أحداث الحاضر. وهكذا يصبح تفجير برجي التجارة العالمية “غزوة” وقتل الأبرياء في “مومباي” عمليات جهادية في “دار الكفار”. إنه سفر إلى الماضي بحثا عن أجوبة حاضر مأزوم.
يعود السبب الرئيسي لفشل المجتمعات العربية الإسلامية في تكسير سلوكيات الطاعة، إلى ذلك الإسلام كما تفهمه هاته الحركات، إسلام يقفل باب الاجتهاد، وينطلق من قراءة متزمتة وحرفية للرسالة القرآنية تعتمد على عنصرين:إغلاق باب الاجتهاد ومعاداة الغرب. وهكذا، يرجع المتطرفون كل شئ إلى القرآن وإلى الرسول وإلى الشريعة، كما تمت قراءتها في العصور الأولى للإسلام. وعلى هذا الأساس يتم رفض كل مظاهر الحداثة، فتصبح النقابة بدعة، والحزب ضرب من أعمال الشيطان، والديمقراطية مؤامرة غربية وجب محاربتها.
إن صناعة الموت وإنتاج الانتحاريين نتاج لنسق الطاعة والولاء الأعمى للماضي السحيق. من هنا، وجاهة طرح مشاريع تربوية وإعلامية وتثقيفية تجعل من الديمقراطية والحرية ثقافة يومية وليس مجرد شعارات للاستهلاك. إن الديمقراطية والحرية مطلبين متلازمين، مهمتهما الأساس تشجيع الحوار بين الثقافات المختلفة، لإعطاء أهمية أكبر للاعتراف بالآخر، وتكريس ثقافة تنطلق بالأساس من ” أومن بالاختلاف، إذن أنا موجود”
© منبر الحرية، 18 فبراير 2009

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

أحيا انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة آمالاً عريضة بالتغيير في العالم أجمع. وعلى قاعدة هذه الآمال العريضة تجرأ بعض المفكرين والمحللين الأمريكيين إلى اعتبار انتخابه مثابة ترميم السمعة الأمريكية في العالم. تلك السمعة التي يرى فرنسيس فوكوياما أنها تضررت أشد الضرر في عهد الرئيس جورج بوش الابن. والحديث عن السمعة في هذا المجال يتصل بدور الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، من ناحية أولى، أقله بالنسبة للأمريكيين أنفسهم، لكنه أيضا يتصل اتصالاً وثيقاً، من ناحية ثانية، بحظوظ التغيير في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.
مروحة هذا التغيير المرتقب واسعة جداً. حيث يعقد البعض أمالاً كبيرة على أصول باراك أوباما الإفريقية، بوصفها إن لم تكن انتماء بالدم إلى عالم ثالث مغرق في أزماته، فهي على الأقل معرفة ملموسة بأحوال هذا العالم ومشكلاته العميقة والمعقدة. إلى آخرين يظنون إن تحدر الرئيس المنتخب من صلب أب مسلم سيجعله يولي العالم الإسلامي جل عنايته، هذا إذا لم ينحز إلى قضاياه ويعبر عن مصالحه وهو يشغل أعلى موقع في دائرة القرار الأمريكية. وبين هذا وذاك، ثمة في العالم من يعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون في ظل حكم أوباما أكثر قرباً وتفهماً لمفاهيم العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات، وهذه تعابير ملطفة يجهر بها يساريو العالم اليوم لتحل محل تعابير ومفاهيم الاشتراكية والشيوعية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي.
لكن الحريصين والمتشائمين في أمريكا وخارجها يرون أن هذه الآمال ليست مبالغاً فيها فحسب، بل أنها لا تمت إلى الوقائع بصلة من الصلات. حجة هؤلاء المفحمة، أن الولايات المتحدة الأمريكية أولاً وآخراً، هي دولة تدافع عن مصالحها، وان مصالحها الحيوية، داخلاً وخارجاً، تفرض عليها أن تبقى في موقع مختلف ومناقض تماماً لهذه الآمال. والحق أن المسألة التي ينبغي مناقشتها في هذا السياق لا تتعلق بحظ هذه الفئة من المتشائمين أو تلك الفئة من المتفائلين من الواقعية والصحة. بل أن الأمر يتعدى مجالي الصحة والواقعية إلى مجال أكثر دقة يتعلق تعلقاً مباشراً بصحة المفاهيم التي يقيس أهل الفئتين على أساسها أراءهم ويعلنون مواقفهم.
الفئة الأولى تفترض أن أصول الرئيس المنتخب العرقية والدينية والجغرافية سوف تتغلب على حبال الوقائع التي تشد أوباما إلى مواطنته الأمريكية وتالياً إلى الأحكام التي تفرضها رئاسته للولايات المتحدة، بوصفه المخول بالدفاع عن مصالحها أولاً وأخيراً. وفي هذا التمني الذي يبديه البعض حيال حتمية غلبة الأصول على الوقائع، ما يجافي منطق الأنظمة الديموقراطية برمتها، التي يصعب الإفلات من قيودها المحكمة، والتي تستبعد ثورات التغيير وتكبل الانقلابات الكبرى بألف قيد وقيد. فيما تسمح للتغيرات البطيئة أن تمر عبر قنواتها منذرة بتغييرات طفيفة يمكن أن يؤدي تراكمها على مر الزمن إلى تغييرات ملحوظة. والحق أن مثل هذا الرأي لا يملك حظاً من الوجاهة قد يدفع أي كان إلى صرف الوقت في مناقشته، فأوباما ليس إفريقيا ً اسوداً وليس مسلماً، بالمعنى الذي يكون عليه رجل مسلم يعيش في كينيا ويخضع لمترتبات العيش هناك. فهو في نهاية الأمر واحد من الذين تدرجوا في مدارج السياسة الأمريكية وتعلم في مدارسها وتخرج من أحد حزبيها الكبيرين، ولم يأت من مجهول غامض لا تاريخ له ليسكن البيت الأبيض ويقود السياسة الأمريكية.
أما الرأي الثاني الذي ينكر كل احتمال تغيير في ظل رئاسة أوباما، فيبدو في حقيقة الأمر متناقضاً مع المنطق الذي ينطلق منه. مثل هذا الرأي يبنى في كل مكان من العالم على قاعدة قناعة بأن الولايات المتحدة الأمريكية بسبب موقعها ومصالحها، هي الدولة التي يجدر باليساريين مقاتلتها على طول الخط، لأنها تمثل واقعاً، وعملياً هي خلاصة التعسف الرأسمالي الذي يعيث فساداً في مجتمعه وفي العالم طولاً وعرضاً. هذا الرأي الذي لا يشذ عن الإيمان به يساريو الولايات المتحدة أنفسهم، يفصح أن التغيير ممكن في كل مكان من العالم، إلا في الولايات المتحدة. وأن الولايات المتحدة الأمريكية محكومة بأن تبقى، إلى حين هزيمتها النهائية، شيطان الرأسمالية الذي لا يرحم. ورغم أن الحكم في روسيا مثلاً ليس اقل رأسماليةً ولا أقل اعتماداً على اقتصاد السوق من الولايات المتحدة، إلا أن هؤلاء الذين يشيطنون أمريكا لا يتورعون عن إبداء رغبتهم بعودة العملاق الروسي لينافس أمريكا على حكم العالم وقيادته وهزيمتها أن أمكن. فالرأسمالية الروسية والفوضى الاقتصادية المتوحشة التي تسير السوق الروسية لا تخيف هؤلاء ولا تجعلهم يفكرون في ما يدعون إليه مرتين. هؤلاء اليساريون على ما نعلم هم ورثة كارل ماركس الذي كان ركناً أساسياً من الأركان الفكرية الثلاثة، (ماركس، نيتشه وفرويد) التي أحلت التاريخ محل الغيب، وقدمت الوقائع على الأحلام، بل سعت في ما سعت إليه ( أي هذه الأركان الثلاثة) إلى عقلنة الأحلام نفسها، وأخضعتها إلى تقنيات التأويل التي نعرفها ونجيدها اليوم. لكن هؤلاء اليساريون، يخالفون منطق التأويل برمته حين يتعلق الأمر بالولايات المتحدة، فيمنعون عنها كل احتمال تغيير، وينصبونها عدواً أبدياً لأفكارهم وتطلعاتهم، لا لسبب يتعلق بنظامها السياسي، وهو نظام له ما يناظره في أنحاء العالم كله، ولا لعلة كامنة في ديموقراطيتها، وهي ديموقراطية متقدمة على ما يعترف الجميع. بل لأن يساريي اليوم، على غرار الأصوليين المذهبيين يريدون شيطاناً ليرجموه. ومن دون وجود هذا الشيطان واستحالة إصلاح حاله، لا تستقيم دعاويهم ولا تعود افكارهم قابلة للتداول.
والحال هذه، لا يعود مستغرباً أن يعلن نعوم تشومسكي، احد المع نجوم اليسار في العالم أجمع، بعد زيارته أمين عام حزب الله في لبنان السيد حسن نصر الله، بعيد انتهاء حرب تموز العام 2006، انه تعلم من هذا الأخير الكثير. ذلك أن الكتاب الذي يقرآن فيه له غلاف واحد. لكن ما ينبغي التأكيد عليه في هذا المجال هو أن السيد نصر الله لا يقرأ في رأس المال.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 13 ديسمبر 2008.

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

شكلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وما تبعها من ’حرب على الإرهاب‘ الفرصة السانحة لمؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، والتي افتقدت منذ نهاية الحرب الباردة لخطر العدو. كانت فرصة لخلق عدو و بعبع جديد متمثلا بالإسلام الراديكالي، أو ما يعرف ب”الخطر الأخضر” . مصطلح كنت قد استخدمته في مقال قبل 15 عاما في مجلة الشؤون الخارجية في ربيع العام 1993. فقد شكَّكتُ بنظرية صموئيل هنتنغتون بخصوص صدام الحضارات. نظرية تتوقع أن الغرب والإسلام سينخرطان في صراع دموي طويل من أجل السيطرة على الشرق الأوسط، بما في ذلك منابع النفط.
لقد اعتنق المحافظون الجدد المتحمسون، والذين هيمنوا على مؤسسة السياسة الخارجية للرئيس جورج بوش الابن، فكرة هنتغتون حول المجابهة بين الإسلام والغرب. فهم ينظرون إليها على أنها سبيل يمكن من خلاله تبرير استخدام القوة العسكرية الأمريكية لبسط سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وفرض القيم الأمريكية أو ما يعرف بـ”أجندة الحرية” للتعامل مع احتمال ظهور خميني جديد من الفاشية الإسلامية، مسلحا بالفكر الراديكالي، مزودا بالأسلحة النووية، راغبا في شن هجوم جهادي عنيف ضد الحضارة الغربية.
واستنادا إلى معتقدات المحافظين الجدد، التي حاول بوش تطبيقها في بلاد الرافدين، سيكون العراق الحر والديمقراطي مثالا يحتدى في الإصلاح السياسي والاقتصادي للعالم العربي، وللشرق الأوسط برمته، وسيطلق العنان لسلسلة من الثورات السلمية الديمقراطية من الحدود الإسلامية المتاخمة للصين، مرورا بإيران وسوريا ولبنان وفلسطين وصولا إلى حدود البلقان. لذا توقع أنصار بوش، واضعين نصب أعينهم التغيرات الكبرى التي حصلت في أوربا الشرقية بعيد انهيار الاتحاد السوفيتي، توقعوا أن تسقط قطع دومينو الديمقراطية في كل من سوريا وإيران بعد سقوط صدام حسين. ورأوا أن “ثورة الأرز” اللبنانية، والانتخابات المخطط لها في فلسطين إنما يعكسان الشكل الجديد الذي ستكون عليه الأمور.
في الوقت نفسه، أصر حتى العديد من النقاد الليبراليين وخبراء السياسة الدولية، من أمثال توم فريدمان أحد أبرز كتاب الأعمدة الصحفية في صحيفة نيويورك تايمز، والمنتقد لكثير من جوانب أجندة المحافظين الجدد، أصرّوا على أن الولايات المتحدة بحاجة لإطلاق حملة ضخمة للمساعدة على تحديث/ دمقرطة / تحرير / علمنة الشرق الأوسط وبالتالي العالم الإسلامي برمته، ويفضل أن يتم ذلك من خلال الدبلوماسية والسياسات التعليمية، أو بالقوة العسكرية كآخر الحلول.
وعلى خلفية التدخل الأمريكي في حربين كبيرتين في الشرق الأوسط، والوضع المتفاقم في إيران وحلفائها الإقليميين، بدأ يتشكل إجماع متنامي بين أوساط المتحدثين في واشنطن حول ضرورة إطلاق حملة لنقل الشرق الأوسط للعصر الحديث، و القضاء في نفس الوقت على الإسلام الراديكالي. فالارتفاع السابق و المطرد لأسعار الطاقة زاد من قلق واشنطن وأثار مخاوفها حول الوصول إلى منابع النفط في الخليج العربي، وبالتالي اكتسبت نظرية صدام الحضارات بعدا جيواقتصاديا. تصوروا لو أن أسامة بن لادن سيطر على مصادر الطاقة في الشرق الأوسط، والتي تسمى أيضا “نفط العرب” واستخدمها كسلاح ضد الغرب! كما أن إخفاق واشنطن في القضاء على الإسلام الراديكالي سوف لن يعرض لخطر محدق سوى إسرائيل والحلفاء الآخرين.
إن السياسة الخارجية الجديدة، شأنها شأن الإيديولوجيات الدينية والسياسية الجديدة، تصنع من قبل مقاولين فكريين يتطلعون للفوز بمكانة وحظوة لدى الساعين خلف السلطة. وفي الوقت نفسه، يقوم السياسيون باستخدام هذه الآراء ليحشدوا الدعم الشعبي بصفتهم قادة الأمة / أو الشعب ضد تهديد خارجي يزعمون بأنه يهدد مصلحة وقيم البلد. ومن وجهة النظر هذه ، فان البعبع الإسلامي الجديد المزعوم، الذي نشره وروج له المقاولون من المحافظين الجدد، قد أسهم فعلا في خدمة مصالح مثلث واشنطن الحديدي المتمثل بالبيروقراطيين، ومشرّعي القوانين، وجماعات الضغط، فضلا عن جهات خارجية ضغطت باتجاه توسيع التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط.
لقد ساعد التهديد الإسلامي المزعوم المثلث الحديدي – تماما كما فعلت الشيوعية خلال الحرب الباردة – على خلق ضغط واسع على الميزانية المخصصة للدفاع والعمليات العسكرية السرّية ولمجموعات الضغط ، بينما سمح هذا التهديد الإسلامي – لأطراف خارجية كإسرائيل والهند والعديد من بلدان أسيا كباكستان، أفغانستان …– لإبراز أدوارهم الخاصة كبديل وحليف إقليمي لواشنطن. وفي نفس الوقت، تمكن مثقفو المحافظين الجدد بمساعدة زبانيتهم “الخبراء في تحليل الإرهاب” تمكنوا من الوصول إلى مرحلة تمكنهم من التأثير على الإعلام وعملية صنع القرار الحكومي، وحصد المزيد من الجوائز السياسية والمالية.
ومشكلة الخطط السياسة الخارجية ونماذجها هي أنها لا تعكس بالضرورة الواقع، ولكنها تراكيب فكرية لا تعكس إلا ما يدور في خيال صانعيها ومصالح مروجيها. ونتيجة لذلك، و عندما يتم تطبيق هذه السياسات التي صيغت على أساس مثل هذه الأطر المفاهيمية، فإن الواقع سيميل إلى نبذها، بل والانقلاب عليها. ففي هذا السياق، و خلال الحرب الباردة، فرضت فكرة الشيوعية العالمية التي تقودها قوة كبرى كالاتحاد السوفيتي على الولايات المتحدة حتمية الخلط بين المصالح الوطنية التي توجه سياساتها في فيتنام والصين وكوبا، والمصالح العالمية مع الاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى نتائج كارثية على السياسة الأمريكية. وعلى نحو مشابه، بعد السقوط المدوي للاتحاد السوفيتي، اكتشف الأمريكيون أن انهيار الشيوعية لم ينتج عنه انتشار الحرية السياسية والاقتصادية في دول الإمبراطورية السوفيتية السابقة. فقد التحقت كل من هنغاريا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا ( سابقا) بركب النادي الغربي كنتيجة لثقافاتها السياسية الأوربية، بينما اعتنقت أكثر الدول رجعية في أسيا الوسطى أنظمة سياسية شمولية وأنظمة اقتصادية مركزية. أما روسيا فتبدو وكأنها اختارت طريقا ثالثا متفردا خاصا بها، ألا وهو رأسمالية الدولة.
في تسعينيات القرن العشرين، ساد في واشنطن لغط كبير حول التحديات التي كانت تواجه الغرب على يد نموذج شرق آسيوي جديد يمتثل باليابان والقوى الاقتصادية الأخرى الناشئة في المنطقة. رواد هذا النموذج بما فيهم لي كوان يو قائد سنغافورة و هونتنغتون الذي اعتنق فكرة الحضارة الـصينية، يؤكدون بان القيم الكونفوشوسية المتفردة في الشرق الأقصى، كقيم العائلة، والتعاون، والولاء الوطني، وتفضيل مصلحة المجتمع واستقراره وازدهاره على المصالح والحريات الشخصية، وأخلاقيات العمل الجاد والتوفير ، تمثل الأسباب وراء دعم الآسيويين للحكومات الشمولية و مبدأ الرفاه الجماعي بدلا من الديمقراطية. كما يدافعون عن الفكرة القائلة أن الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية التي تديرها الدولة هي أكثر نجاحا من الأنظمة الانجلو-أمريكية. ولكن الأزمة المالية الآسيوية في عقد التسعينيات والسياسات الإقليمية المتباعدة والأنظمة الاقتصادية في سنغافورة بالمقابل مع تايوان، قوّضت مفهوم نموذج آسيوي بارز وناجح، بالرغم من أن الصعود الاقتصادي الصيني ربما يكون قد أنعش هذه الفكرة من جديد.
في هذا السياق، يبدو الوقت مناسبا لانتقاد الفكرة المشهورة القائلة بان العالم الإسلامي أو الشرق الأوسط، أو العالم العربي – وهي بالمناسبة مصطلحات تستخدم بطريقة متشابهة و على نحو تبادلي في الإعلام الأمريكي- عالم يمتلك ثقافة سياسية واقتصادية أحادية متجانسة متفردة تجعل منه ندا مقاوما لتأثيرات التجديد الغربية. نلاحظ هنا أيضا انه يتم استخدام مقدار من العناوين والتوصيفات، بما فيها الديمقراطية، الرأسمالية، العلمانية والحقوق المرأة، مقترنة بالحداثة والتغريب.
ويقترح أنصار هذه الفكرة أن الجهد الذي تقوده أمريكا هو وحده القادر على إحداث التغيير الثقافي والسياسي المطلوب والإصلاحات الاقتصادية، وجعل الشرق أوسطيين/ العرب/ المسلمين “أكثر شبها بنا”. ولكن الخطأ هو أن هذه الـ (بنا) لا تمثل غربا موحدا ومتجانسا، بل خليط من : الجنوب الأمريكي البعيد والذي سادت فيه التشريعات العنصرية حتى ستينيات القرن العشرين، وسويسرا التي لم تمنح النساء حق التصويت حتى العام 1971، ونموذجا رأسماليا أنجلو- سكسونيا، ورأسمالية اشتراكية ألمانية، مدينة خليعة كلاس فيغاس، و مدينة مفرطة بالاحتشام كمدينة ليك ، وشمال أوربا “الملتزمة بالقانون”، وجنوب أوربا التي يكتسحها الفساد، وهكذا.
إن حقيقة عدم وجود نموذج غربي وحيد وفريد يمكنه تمثيل الغربيين تساعد على إدراك عدم وجود نموذج وحيد للعالم العربي أو للمسلم. حقيقة يستعصي إدراكها من قبل المسلمين الراديكاليين المتطرفين الذين يبشرون بفكر القاعدة، وأقصى اليمين المسيحي الغربي المتطرف الذي يبشر بعقيدة محافظة جديدة.
على الرغم من دعاية واشنطن للفكرة القائلة بأن الفاشية الإسلامية تشكل تهديدا شاملا، فليس هناك أسس إيديولوجية عامة توحد البلدان العربية و الإسلامية بكافة أنوعها. وتتضمن هذه البلدان، المختلفة على نحو كبير، الحركات القومية العربية العلمانية كالبعثية والناصرية، اللتان جمعتا بين الإيديولوجيات الاشتراكية والفاشية المستوردتان من أوربا، فضلا عن المذهب الوهابي السعودي المتشدد، والمبادئ الثورية الذي تحرك الشيعة الحاكمين في إيران و أتباعهم في الشرق الأوسط. كما نجد جمهورية كمال أتاتورك التركية و تقاليدها العلمانية التي تواجه الآن تحديات من قبل الأحزاب الإسلامية الحداثوية الديمقراطية المؤيدة لحرية السوق والتي تريد لتركيا الالتحاق بركب الاتحاد الأوربي. كما تتضمن هذه البلدان مجتمعات رأسمالية متسامحة ومتعددة الثقافات كاندونيسيا وماليزيا، وجماعات إسلامية متطرفة في جنوب ووسط آسيا، كما نجد النموذج اللبناني المتغرِّب المتعدد الطوائف والأديان، وأخيرا نموذج معمر القذافي الغريب و المتشدد.
من هذا المنظار، نجد أن العالم الإسلامي، أو الشرق الأوسط هو عبارة عن فسيفساء من الدول والأمم، الجماعات العرقية و القبلية، مجموعة من الطوائف الدينية، و خليط غير متجانس من الإيديولوجيات السياسية والأنظمة الاقتصادية و التوجهات الثقافية. فقد التحق بعضهم بركب العصر الحديث، وهم يلعبون دورا فاعلا في الاقتصاد العالمي كماليزيا، واندونيسيا وتركيا والأمارات العربية المتحدة. بينما بقي الآخرون على هامش الثورات الاقتصادية والتكنولوجية كالسودان، وموريتانيا، وقطاع غزة، واليمن. بينما تجد معظم الدول الأخرى ذات الغالبية المسلمة نفسها في الوسط بين هاتين الفئتين مثل مصر والأردن والسعودية وليبيا.
لا شك بأن بعض أجزاء الشرق الأوسط “معروفة بوضعيتها الاقتصادية المقلقة ” على حد قول زاكاري كارابيل، المستثمر البنكي و الخبير بشؤون الشرق الأوسط. لأنه من المتوقع، من منطقة يبلغ تعداد سكانها 350 مليون نسمة، تقع في نقطة التقاء أوربا واسيا وإفريقيا، فضلا عن تمتعها بإرث تاريخي كبير بوصفها مهدا للحضارة، ناهيك عن مصادر الطاقة الضخمة التي تمتلكها، من المتوقع أن تنمو هذه المنطقة لتحقق مستوى نمو يتماشى و مستوى الاقتصاديات الناشئة (emerging economies). فإجمالي ناتجها المحلي يبلغ 900 مليار دولارا في العام الواحد، ومعدل نموها الاقتصادي يبلغ حوالي 5 بالمائة.
كما أن الارتفاع السابق لأسعار الطاقة كان لصالح بعض دول المنطقة، لا سيما دول الخليج العربي النفطية. وعلى عكس الطفرة النفطية في سبعينيات القرن الماضي، بدأت هذه الدول تستثمر عائداتها في المنطقة، مما شجع على نمو سوق الأوراق المالية، وانطلاق موجة من التحديثات العقارية، وإنشاء بنى تحتية اقتصادية ساعدت على تحويل الإمارات العربية المتحدة وبعض دول الخليج إلى مراكز عالمية للتجارة والمال على غرار سنغافورة.
في نفس الوقت، هنالك بعض العلامات التي تدل على أن الأنظمة الاقتصادية العربية التي كانت خاضعة ولعقود طويلة للحكم العسكري الديكتاتوري – كمصر وتونس، بل وحتى العراق الآن، وسوريا وفلسطين وليبيا – قد بدأت باتخاذ خطوات جادة نحو إصلاح اقتصادها وجعله أكثر انفتاحا على الاستثمار الأجنبي والتجارة العالمية. و بمساعدة فرنسا وبعض دول الاتحاد الأوربي، يمكن إحداث إتحاد اقتصادي أورومتوسطي أن يسهّل هذه العملية ويشجع عودة المهاجرين الذين يضمون العديد من الكفاءات ورجال الأعمال من أوربا إلى دولهم.
كانت القوى الغربية مسؤولة، بشكل أو بأخر، عن وصول بعض الدكتاتوريات العسكرية إلى سدة الحكم في دول الشرق الأوسط و التي أدت إلى تراجع الإصلاح الاقتصادي لفترات طويلة من الزمن. وقد شجعت المنافسة الجيو-إستراتيجية ما بين القوى الخارجية، ولا سيما إبان الحرب الباردة، شجعت أمريكا وحلفاءها على استغلال الصراعات الإقليمية كالصراع العربي الإسرائيلي و شجعت أيضا على توفير الدعم العسكري والاقتصادي لبعض القادة المحليين الذي كان من المفترض منهم أن يخدموا المصالح الخارجية. ولكن الوقت قد حان للقوى الغربية، ولا سيما الاتحاد الأوربي، لتركز اهتمامها وجهودها على إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وخلق الحوافز للمنطقة لتنفتح على الاقتصاد العالمي. ويشمل هذا الأمر تحرير أنظمتها الاقتصادية، وتقليل الحواجز التجارية، والتعرفة الجمركية، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر.
على الرغم من أن التجارة الحرة ليست الحل الناجع لكل المشاكل، إلا أنها يمكن أن تشكل قالبا ضروريا لبناء شرق أوسط ينعم بالسلام ويرفل بالازدهار. إذ يمكنها أن تشجع على ظهور طبقة وسطى محترفة ذات قيم أكثر تناغما مع الأفكار والتكنولوجيا الحديثة. ويمكن لهذا الجهد أيضا أن يساعد على خفض الفقر و اللامساواة الاقتصادية، فكل هذه الأمور يمكن أن تعجّل بما سماه الاقتصادي الكندي ايريك غارتزكي. ب”السلام العالمي في ظل الاقتصاد الحر”.
في الحقيقة، و عندما تبدو العولمة معرقلة في منطقة الشرق الأوسط، علينا أن لا ننسى أن هذه المنطقة كانت ذات يوم مركزا للتجارة العالمية، وأن تجارها – السوريون، واللبنانيون، واليهود والأرمن، والإغريق وآخرون – قد ساعدوا في نشر ثقافة الممارسة التجارية عبر البحر المتوسط والعالم.
ففي كنف السلام الممكن في ظل اقتصاد حر، يمكن بعث الجذوة في روح المشرق العريقة، والمساعدة على تحويل الشرق الأوسط من منطقة راكدة تعيش على هامش الاقتصاد العالمي إلى واحد من أقوى محركاته.
نشرت هذه المقالة للمرة الأولى في صحيفة انيرجي تربيون في الثالث من نوفمبر (تشرين الأول) 2008.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008.

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

عند هذه اللحظة المحورية في التاريخ، وفي الوقت الذي يزداد فيه التباعد بين الشرق والغرب حول قضايا الحرية والعدالة، أجد نفسي أتذكر نشأتنا في ماليزيا ذات الانتماءات والثقافات المتعددة. كانت تلك التنشئة هي التي غرست في العقل الماليزي ما وصفه أمارتيا سين الحاصل على جائزة نوبل بأنه الهوية التعددية. نحن الماليزيون محبون للمعرفة بطبيعتنا ونهتم بالاطلاع على الثقافات والأديان الأخرى. لقد درسنا القرآن وسنة النبي محمد (ص) في نفس الوقت الذي استمتعنا فيه بأعمال دانتي وشكسبير وتي. إس. إليوت. بالنسبة لي، لم يكن هناك لدي شك أبداً بأن عالمنا والعالم الغربي متطابقان وأن روح المشاركة والتعددية هذه سوف تبقى مصدراً للإلهام في جسر الفجوات بين الثقافات والحضارات.
بيد أن هناك من يصر على المجادلة بشدة بأن الحضارات الكبرى تتجه نحو المواجهة إن لم يكن الصدام المباشر. وفي الوقت الذي أعطى فيه انتهاء الحرب الباردة دفعة قوية لانتشار الحرية ورفعت من درجة الإحساس السائد بالتفاؤل، إلا أن هذه القيم لم تتجذر بعد في العديد من أنحاء الأرض. على العكس من ذلك نجد حريات أساسية يتم سحقها وإساءة استخدامها مما يشعل الخلافات بين الشعوب والحضارات. لقد أدى بي كفاحي الشخصي ضد أولئك الذين يسعون لإبقاء الإنسانية مجللة بالطغيان إلى دخول السجن لمدة ستة أعوام، وهي فترة أدركت خلالها بوضوح مبهر أن الحرية هي الجوهر الأساسي للكينونة التي تفتح طاقات الروح البشرية إلى أبعد مدى.
هناك كثيرون ممن يعتقدون أن الديمقراطية هي بنية غربية صممت على أساس الظروف التاريخية الخاصة التي شكلتها. وهناك آخرون يجادلون بأنه في حين أن الحرية والديمقراطية يلائمان مناطق معينة في العالم فإنهما ليستا أبداً سلعتين لاستهلاك سائر بني البشر، ويقولون بأنه يتعين على الشعوب الأخرى ألا تتبنى سبل الحرية والديمقراطية دون الأخذ بالاعتبار تراثها السياسي والثقافي والاجتماعي.
صحيح أن المبادئ المؤسِّسة للديمقراطية الدستورية، كما نعرفها اليوم، تعود في أساسها للفلسفة السياسية لجون لوك، والتي دخلت، من خلال كتابات فولتير إلى فرنسا ثم أثرت بعمق على أولئك الذين صاغوا الدستور الأمريكي. ولكن حقيقة أن مبادئ الحرية السياسية والديمقراطية هذه قد تم وضعها أساساً في الغرب لا تستثني تطبيقها عالمياً كما لا يمكن الجزم بأنه لم يتم التعبير عنها في سياقات أخرى.
لقد قيل مثلاً بأن “القيم الآسيوية” تطورت في تناقض واضح مع القيم الديمقراطية. ويجري الاستشهاد بالأخلاقيات الكونفوشوسية في هذا السياق على اعتبار أنها تؤكد على أهمية الطاعة الأبوية، وامتداداً لذلك الخضوع لسلطة الدولة. إلا أن هذه المحاججة تتجاهل تماماً مفاهيم جوهرية أخرى للكونفوشوسية والتي، كما يؤكد عليها تو وي-مينغ وبحق، تؤكد أيضاً على الأولوية القصوى للفرد وأهمية حث النفس على تحقيق الذات وحمايتها ضد الاستغلال من قبل القوى المهيمنة.
لقد دحض أمارتيا سين، وفائز آخر بجائزة نوبل هو رئيس جمهورية كوريا الجنوبية كيم داي جونغ، نظرية القيم الآسيوية. كما أن خبرات كوريا الجنوبية وتايوان، وهما دولتان معروفتان تماماً بتراثهما الأخلاقي الكونفوشيوسي، تمعن في نقض فكرة أن المفاهيم الغربية للديمقراطية لا تتطابق مع الحضارة الآسيوية. كما أن تايلندا، وهي دولة ذات أغلبية سكانية وبوذية، وإندونيسيا، ذات أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم، قد نجحتا أيضاً في بناء ديمقراطيات. بالتناقض مع هذه الأمثلة فإن الخطاب المزيف لـ”القيم الآسيوية” لا يُظهر سوى المدى الذي يمكن أن يذهب إليه الحكام المستبدون وحاشيتهم والمدافعون عنهم لتبرير حكمهم والمحافظة عليه. ورغم أن الحكام المستبدين يواصلون التحصّن في أماكن معينة فإن تأثيرهم على الجماهير أخذ يضعف ولا يستطيع أحد الإنكار بأن الشعوب الآسيوية قد أظهرت ليس فقط رغبتها في ترسيخ مبادئ الديمقراطية بل أيضاً قدرتها على إدامة المؤسسات الديمقراطية والحريات.
وقد تم أيضاً تلفيق نظريات تثير الحنق مفادها وجود تناقض متأصل بين الإسلام والقيم الديمقراطية في محاولة لغرس إسفين بين حضارتين عظيمتين. يقال، مثلاً، أنه في حين أن الديمقراطية الليبرالية تضع السيادة في يدي الفرد فإن السيادة في الإسلام تعود فقط لله وبذلك تنزل بالفرد إلى كونه فقط مجرد أداة عاملة دون اهتمام يذكر بممارسة إبداعه وحريته الشخصية. إن وجهة نظر كهذه هي قراءة مُضللة لمصادر الدين وتمثل قبولاً مستسلماً للخطاب المتطرف. وجهة النظر الصحيحة هي أن الحرية هي الهدف الجوهري للقانون المقدس. والإسلام عبّر دائماً عن الأهمية القصوى للعدل وهو مفهوم تقريبي لمعنى الحرية في التعريف الغربي. الحرية تقتضي الحكم وفقاً لما يمليه القانون الإسلامي الذي يؤكد على التشاور ويشجب الحكم المطلق والطغيان.
يبين القاضي الكبير الشاطبي (المتوفي عام 790م) بأن المقاصد الشرعية تكرس أهمية كبرى للمحافظة على الدين والحياة والفكر والعائلة والثروة، وهذه كلها أهداف تحمل سمات مشتركة بشكل يبعث على الدهشة مع أفكار لوك التي تم طرحها بعد ذلك بعدة قرون. وقد أوضح مفكرون عديدون بأنه يجب إعادة تنقيح القوانين التي تتعارض مع (المقاصد) أو تعديلها لتتطابق مع الأهداف العليا وللتأكد من أنها تسهم في سلامة وتطور الفرد والمجتمع. ورغم الحالة الاستبدادية الراهنة في العالم الإسلامي فليس هناك شك في أن عناصر أساسية عديدة في الديمقراطية الدستورية والمجتمع المدني هي أيضاً مكونات أخلاقية أساسية في الإسلام—حرية الضمير، حرية التعبير، وقدسية الحياة والملكية—كما تظهر بوضوح تام في القرآن إضافة للأحاديث النبوية، وربما بشكل خاص بصورة أكثر إحكاماً وبلاغة في خطبة الوداع.
هناك جدل دائم حول هذه القضايا في العالم الإسلامي. المتطرفون بخلطهم ممارسة الدولة لسلطاتها مع سيادة (حاكمية) الله يضفون نوعاً من الشرعية على الطغيان. وعلى الجانب الآخر، يتبنى العلمانيون رؤية تدعو إلى إلغاء دور الدين في الحياة العامة. التأكيدات الحالية حول عداء الإسلام للديمقراطية لا تنطوي على قيمة أكبر من نظرية القيم الآسيوية.
موجة ديمقراطية إسلامية؟
إن سعي المسلمين للديمقراطية هذه الأيام هو أحد أبرز المعالم والتحولات في هذا العصر. كانت موجة ديمقراطية سابقة قد أطاحت بجدار برلين وحررت أوروبا الشرقية من الشيوعية وأطلقت الشرارة التي أدت إلى انهيار الإمبراطورية السوفييتية. وبعد عقد من الزمان تقريباً، تحررت إندونيسيا، وهي أكبر دولة إسلامية في العالم، من ربقة الحكم الاستبدادي العسكري واندفعت بقوة نحو الديمقراطية بعد أكثر من ثلاثين عاماً من القمع والدكتاتورية. إندونيسيا هي أكبر بلد ذي أغلبية إسلامية، ويعتبر التحول الناجح فيها هو أكبر تطور جوهري منفرد في التاريخ الحديث للديمقراطية. الصحافة في إندونيسيا حرة ونزاهة الانتخابات الإندونيسية لا نظير لها. الحريات الأساسية راسخة في الدستور وتلقى احتراماً تاماً وتقديراً من السلطات الحاكمة، ويحق للناس التجمع للاحتجاج على القرارات والسياسات الحكومية دون خوف من العواقب.
مع ذلك، فلا زال من الضروري متابعة الجهود لتثبيت المؤسسات الديمقراطية دون تردد، ويجب أن يبقى التقدم الاقتصادي عن طريق إصلاحات السوق الحر على رأس قائمة الأولويات على أن يتزامن ذلك مع تطبيق برنامج عدالة اقتصادية اجتماعية. يجب استمرار المعركة ضد الفساد بقناعة تامة. صحيح أنه لا زال على إندونيسيا أن تتخذ خطوات جوهرية خصوصاً فيما يتعلق بتحقيق الأهداف الاقتصادية الاجتماعية للديمقراطية ولكنها تبقى منارة للشعوب الإسلامية المتطلعة إلى تحقيق الديمقراطية والحرية.
ما حدث في إندونيسيا عام 1997 يبرز باعتباره إحدى اللحظات الحاسمة في تاريخ الإسلام الحديث، وما يحدث في تركيا في العقد الحالي ليس دون ذلك مدعاة للإعجاب. إذا كانت إندونيسيا تتمتع بأهمية كونها أكبر بلد إسلامي، فإن المسلمين يذكرون تركيا باعتبارها عاصمة آخر إمبراطورية كبرى لهم وسدة الخلافة الإسلامية. ظهرت الجمهورية التركية بعد الحرب العالمية الأولى كدولة حديثة تلتزم بشخصية علمانية تحت زعامة مصطفى كمال. إلا أن الديمقراطية التركية ظل يكتنفها، إلى عهد قريب، تناقض جوهري: لم تكن إدامة الهوية العلمانية نابعة من قبول شعبي ولكن عن طريق القوة العسكرية. إضافة لذلك فإن العلمانية قد تحولت إلى دين خاص بها. وساعدت الآمال في الانضمام للاتحاد الأوروبي في احتواء ما كان يعتبر يوماً بسلطة مطلقة للنخبة العسكرية وفي فتح مجال سياسي تستطيع الأحزاب العمل ضمنه دون خوف من العواقب. في هذا الجو الجديد أعطى الشعب تفويضاً ديمقراطياً واضحاً للحكومة الحالية. والعمل الذي قامت به تركيا لشق طريقها نحو “إجماع جديد” يجعل من هذا البلد واحداً من أكثر الديمقراطيات الإسلامية حيوية ونضجاً. وتتطلع هذه الأمة إلى إنعاش ذاكرتها الجمعية حول تراثها الثقافي من خلال إطار إسلامي، وتسعى تركيا إلى مزيد من النضج كبلد ديمقراطي والمحافظة في نفس الوقت على هويتها الإسلامية.
ويجسد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان “رئيس البلدية الشعبي” السابق لاسطنبول والذي قضى زمناً في السجن لالتزامه بقناعاته السياسية الصفات المطلوبة لدفع الإصلاحات السياسية والعدالة الاجتماعية. لم يعد يُنظر إلى العلمانية، تحت قيادته، باعتبارها “مضادة للدين” بل بالأحرى إحدى المبادئ الأساسية للنزاهة وتقبُّل التعددية الدينية. وفي رأيي أنه إذا كان لدولة إسلامية ديمقراطية أن تسعى لوضع حدود لسلطة الحكومة إزاء حقوق الفرد فإن ذلك ينسجم كلياً مع متطلبات الديمقراطية الدستورية.
ورغم أن علاقة التجربة التركية ببقية العالم الإسلامي قد تبدو بغير حاجة لاستدلال فإن هناك خلافاً كبيراً حول الدروس التي ينبغي استنباطها من تلك التجربة. بعض التفسيرات، على سبيل المثال، تقول بأن الدرس الرئيسي من الحالة التركية هي أن وجود نظام سياسي علماني يعتبر شرطاً مسبقاً للديمقراطية الدستورية. إلا أن تجربة مصر والعراق في عهد الناصرية والبعثية، على التوالي، تكشف بوضوح بأن العلمانية، بدلاً من أن تكون ضماناً للديمقراطية الدستورية، قد تصبح معادلة للاستبدادية. لقد كانت إندونيسيا علمانية بشكل واضح تحت حكم سوهارتو ولكنها لم تكن بالتأكيد ديمقراطية دستورية. الأصح القول بأن الديمقراطية الدستورية لا تستطيع التجذر في مجتمعٍ، سواءً كان إسلامياً أم علمانياً، دون التزام ثابت وعميق من جانب النخبة السياسية بحماية الحقوق الأساسية للجميع.
الرغبة في الحرية
لا تفتقر التوجهات الحالية في العالم الإسلامي إلى سوابق تاريخية. لقد أطلق المؤرخ البريطاني إيريك هوبسباوم على القرن العشرين، وبحق، اسم “عصر التطرف” مبرزاً النتائج الكارثية للشيوعية والفاشية وكذلك الأوهام بأن رأسمالية السوق الحر ستنشر الثروة والرخاء إلى الشعوب الأفقر في العالم. الحقيقة أنه وبالرغم من المخاوف والتحامل ضد الأصوليين من جميع الديانات هذه الأيام، فإن أسوأ الجرائم ضد البشرية قد تم ارتكابها جميعاً من قبل قادة متعصبين لا يؤمنون بالأديان مثل هتلر وستالين وماو وبول بوت. بالنسبة للمسلمين، كان القرن العشرون قرن آمال كبرى، ولكنه ولسوء الحظ كان أيضاً قرن خداع. التحرر الوطني رفع التوقعات عالياً عندما كانت البلدان الإسلامية تحرر نفسها الواحدة بعد الأخرى من النفوذ الاستعماري. كانت صرخة الحرب للمقاتلين من أجل الحرية وللآباء المؤسسين للعديد من هذه الحركات هي الديمقراطية والحرية والعدالة، وكان قَسَمهم المقدس لشعوبهم هو إقامة وطن مستقل وديمقراطي.
ربما كان محمد علي جناح (1876-1948) مؤسس باكستان الحديثة في ذلك الوقت أكثر قادة العالم الإسلامي احتراماً لدى المسلمين في جنوب شرق آسيا. كان لهذه المشاعر ما يبررها في ضوء التزام جناح بالديمقراطية ومقته للفساد وتحذيره الشديد بضرورة عدم السماح للجيش بمغادرة الثكنات. في عام 1947، أبلغ جناح الجمعية التأسيسية الباكستانية بأن “الواجب الأول لأي حكومة هو المحافظة على القانون والنظام لكي تكون حياة الناس وممتلكاتهم ومعتقداتهم الدينية محمية تماماً من قبل الدولة.” لسوء الحظ لم يعش جناح طويلاً بعد قيام دولة باكستان كدولة مدنية وديمقراطية. وبعد موته ظل الباكستانيون دائماً وباحترام كبير يطلقون عليه لقب “القائد الأعظم”، إلا أن تطلعاته لإقامة ديمقراطية وحكم رشيد لم تحقَّق حتى الآن.
في بلدي، ماليزيا، تم الحصول على الاستقلال عام 1957، وقد نص إعلان الاستقلال على أن الأمة الجديدة ذات السيادة قد قامت على مبادئ العدالة والحرية. لسوء الحظ سرعان ما تم نسيان مبادئ الحرية والعدالة وتم اغتصاب وهلهلة الحريات الأساسية المنصوص عليها في الدستور من قبل الزمرة الحاكمة واستبدالها بقوانين وحشية وإعلام مقموع وقضاء مشبوه.
من العناصر الأساسية للديمقراطية أن تكون سلطة الحكومة مستمدة من قبول الشعب. هل إجراء انتخابات يحقق هذا الشرط أم هناك قضايا جوهرية أخرى يجب أخذها في الاعتبار؟ أولاً، ينبغي أن تكون الانتخابات نفسها حرة ونزيهة وشفافة، ويجب أن يكون هناك “ساحة مستوية ومفتوحة” للجميع. هذا يتطلب فرصة متساوية للوصول إلى وسائل الإعلام، ونقاشاً مفتوحاً، وإدارة انتخابات تستطيع الصمود أمام مراقبة دولية. كما يجب أن تتمتع أحزاب المعارضة ومرشحو المعارضة بحرية الكلام والاجتماعات والحركة التي تتيح لهم التعبير عن انتقادهم للحكومة بصراحة ولعرض سياسات بديلة ومرشحين بديلين على جمهور الناخبين. في ماليزيا يحظر على المعارضة استخدام وسائل الإعلام ولا يسمح لها بإقامة المسيرات والتجمعات، وتضطر صحف المعارضة للصدور سراً. إذا كانت الديمقراطية تعني المشاركة السياسية بمعنى الكلمة فإن وجود معارضة حيوية يصبح مسألة أساسية كحماية ضد طغيان السلطة المطلقة. وبالمثل، فإذا كانت التعددية هي الاختبار النهائي للديمقراطية، كما ينبغي أن تكون في الواقع، فإننا سنجد أن كثيراً من البلدان اليوم هي حالات فاشلة تعيسة—ليس فقط في العالم العربي بل في ديمقراطيات دستورية نالت استقلالها قبل نصف قرن من الزمن.
الديمقراطية، كما أشرنا سابقاً، تتعلق أيضاً بالعدالة. إن فكرة العدالة مركزية جداً لمعنى أن يكون المرء إنساناً بحيث لا يخلو أي مجتمع من هذا المفهوم. إضافة لذلك، ومع نضوج المجتمعات، فإن توقعات الناس في مسألة العدالة تصبح أكبر. لقد تم تحريك مجتمعات بكاملها للعمل سعياً من أجل العدالة والحكم الرشيد وإسقاط السلطات الاستعمارية والاضطهاد الأجنبي. مع ذلك، فإن هذه المجتمعات تجد نفسها اليوم، وبعد زمن طويل من الاستقلال، مجبرة على القتال ضد الاضطهاد الداخلي لأنه لا يمكن أن تكون هناك عدالة في ظل الاستبداد—النظام السياسي الذي يتميز بحكم الرجال وليس حكم القانون.
حكم القانون يتطلب أن تكون الأنظمة والإجراءات التي تطبقها الدولة عامة وواضحة وليست سرية أو تعسفية أو خاضعة للتلاعب السياسي. لا نريد أن يتم اقتحام بيوتنا وتفتيشها من قبل الشرطة دون أمر قضائي، والأمر القضائي يجب أن يصدر بموجب أسس شرعية وليس كمسألة شكلية على يد قضاة ومدعين عامين خانعين. لا نريد اعتقال أحد دون تهمة واضحة، ولا نريد أن يتم انتزاع الاعترافات عن طريق التعذيب والإيذاء الجسدي أو النفسي أو أي نوع من الترهيب أو الترغيب. بعبارة أخرى، ينبغي ألا تكون هناك إجراءات خارج سلطة القضاء أو اعتقالات تعسفية أو استخدام أجهزة الدولة لقمع المعارضة السياسية والسخط السياسي.
ونعني بسيادة القانون حماية الحقوق الأساسية أيضاً. ونستعير عبارة لأستاذ القانون الأمريكي الشهير رونالد دوركين يقول فيها بأنه يجب “أخذ هذه الحقوق بصورة جدية”. هذه الحقوق يجب حمايتها من قبل سلطة قضائية مستقلة تعمل كهيئة مراقبة وتوازن فعالة ضد سلطات الفرعين التنفيذي والتشريعي للدولة. السلطة القضائية هي الضمان الأساسي للحريات الأساسية. وإذا كان للقضاة أن يكونوا مستقلين عن الفروع الأخرى فإن الشؤون المتعلقة بمناصبهم يجب أن تكون محمية من قبل الدستور، ولضمان نزاهتهم وقدرتهم على إصدار الأحكام دون ترهيب أو ترغيب فيجب أن لا يكون بالإمكان عزلهم إلا لسبب واضح وبموجب إجراءات رسمية. يجب بالتأكيد عدم عزلهم أو حتى التهديد بالعزل لمجرد أن لديهم الجرأة الكافية ليقولوا “للأعور أعور”.
سيكون هناك من سيشير إلى شبح قضاء منفلت من عقاله يتطاول على حقوق الحكومات والتقاليد الدينية والمعنوية للناس. مع ذلك فإن استقلال القضاء ضروري لحماية المواطنين ضد حكومات تعسفية واستبداد سياسي. الواقع أن الصورة الساخرة التي تتسم بها قضايا سياسية في معظم البلدان هي تذكير صارخ بأن فصل السلطات يبقى غالباً سراباً على الساحة الدستورية.
المشاركة على أساس المبادئ العامة

إن النقاش حول الديمقراطية، بالنسبة للكثيرين منا، هو أي شيء عدا أن يكون نظرياً، فهو ينطلق من تمسكنا الفطري بالكرامة والشرف والغريزة الإنسانية الطبيعية في الحياة والتنمية. كل يوم يمر دون تغيير يعني ليلة كئيبة أخرى لسجناء سياسيين يقبعون في العزلة أو حالة وفاة أخرى ناجمة عن الجوع والمرض بسبب الإهمال والحرمان أو فرصة جديدة لفاسد للفرار بملايين نهبها من خزينة الدولة.
هذا النقاش يدور حول اندماج الناس بدولتهم، وحول الحكم الرشيد والمساءلة. إننا نرفض غطرسة السلطة ومكائد أجهزة المخابرات وتعليق الحريات المدنية سواءً كان ذلك في ديمقراطيات ناضجة أو ناشئة. علينا ألا نقبل بالمعايير المزدوجة فندين صدام حسين كمرتكب جرائم ضد الإنسانية ونغض النظر عن الفظائع التي تجري في العراق الآن. وفي الوقت الذي ندين فيه المعاملة اللاإنسانية للسجناء في أبو غريب يجب علينا ألا نتجاهل المعاملة المحزنة للسجناء السياسيين في سائر أنحاء العالم الإسلامي. لن ننجح في كفاحنا من أجل الإصلاح الديمقراطي ما لم نكن متفائلين وتعمر جوانحنا الثقة بحكمة الأمة.
مستقبل الديمقراطية الإسلامية هو الآن. وظهور الديمقراطيات الإسلامية مسألة جوهرية للغاية وتستحق منا الاهتمام. مع ذلك فإنه، وبالاستثناء الواضح لتركيا وإندونيسيا، فإن العالم الإسلامي اليوم هو مكان تواصل فيه قوى الاستبداد والطغيان، من مختلف الأطياف والدرجات، قبضتها الطفيلية على مقاليد الناس وتقضم أطراف حرياتهم الجديدة. وفي حين أن هناك ما يشير حقاً على حدوث تغيرات إيجابية في الشرق الأوسط فإن من الضروري التأكيد على أن ما زال أمامنا طريقاً طويلاً لتحقيق أهدافنا المنشودة في الحرية والديمقراطية، وهي الأهداف التي نجدها في التقاليد الفكرية الإسلامية التي توجب أن يمثل القادة الفاسدون والظالمون للمساءلة—هذه التقاليد التي عبرت عنها الحكايات الروائية الواردة في كتاب “سُلوان” (دليل الحاكم العادل) لظافر الصقلي الصادر في القرن الثاني عشر. إذا كانت الديمقراطية تتعلق برعاية “روح الاختلاف” فإنها قد كانت حقاً جزءاً أساسياً من التاريخ الثقافي الإسلامي وقد قامت على أساس أحاديث تنسب للرسول محمد (ص) مفادها أن اختلاف آراء المفكرين رحمة. لقد كان أئمة المذاهب الإسلامية الرئيسية يحتجون بإصرار ضد تبني الدولة الحاكمة في أيامهم لمذهب الواحد منهم دون المذاهب الأخرى، وقد سجن العديد منهم بسبب ذلك. نحن ورثة هذه التقاليد التي توفر للمسلمين اليوم خزاناً من الأفكار الديمقراطية. إلا أنه، وكما يذكِّرنا تي. إس. إليوت، هناك ظلال بين المثال والواقع.
الضوء الذي سيجعل هذه الظلال تختفي هو المشاركة، والتي ينبغي السعي إليها دون هوادة بشجاعة واقتناع. يجب علينا رفض تهميش الناس لمجرد اختلاف قناعاتهم السياسية. يجب علينا التأكد من أن المؤسسات الدستورية راسخة في مكانها لإيواء طيف عريض من الرؤى السياسية الحديثة منها أو القديمة، والإسلامية منها أو الليبرالية. يجب على الغرب ألا ينظر إلى المفكرين التقليديين كأعداء للحرية أو الديمقراطية؛ فالكثير منهم قاتلوا من أجل الحرية والعدالة وكثيرين منهم دفعوا ثمناً غالياً في سبيل ذلك. ومن الخطأ السعي لمشاركة الليبراليين فقط وتجاهل القادة الذين يحوزون على دعم الأغلبية. إن التحدي الذي نواجهه سيكون المشاركة مع أعرض طيف ممكن دون التضحية بالتزامنا بالحرية والديمقراطية.
النتيجة التي يجب استخلاصها من هذه الموروثات هي أن رغبة الإنسان في أن يكون حراً والعيش بكرامة هي حالة عامة لكل الناس، وينطبق ذلك على مقت الناس للاستبداد والقمع. هذه مشاعر لا تحفز المسلمين فقط، بل الناس من جميع الحضارات.
مجلة الديمقراطية، المجلد 17، العدد 3، حزيران 2006، الصفحات 5-12. جميع الحقوق محفوظة لـِناشونال إنداومنت فور ديموكراسي ومطبعة جامعة جونز هوبكنز. تم نشر هذه الورقة على موقع مصباح الحرية بموافقة مطبعة جامعة جونز هوبكنز.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 11 كانون الثاني 2007.

daniminbar24 سبتمبر، 20100

الاقتصاد والطاقة النووية: تدرك إيران أن الطاقة عصب الحياة في العصر الحاضر، وعليها أن تعمل جادة في القيام بمسئوليتها على توفير الطاقة الكامنة للحياة والتنمية الاقتصادية، وإيجاد مصادر أخرى للطاقة البترولية.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018