عزيز مشواط

عزيز مشواط4 أغسطس، 20121

لقد شكلت ثورة الخميني إلى العهد القريب النموذج السياسي والثقافي لأقطاب كثيرة من حركات الإسلام السياسي. وظلت في فعالية وصولها إلى السلطة المثال المأمول لأغلب حركات الإسلام السياسي التي تتربع على عرش الحكم في العالم العربي الإسلامي بعد حراك الشعوب .و في السياق الراهن الذي تعيشه بلدان الحراك العربي تفرض المقارنة نفسها، لأن تشابها ما يحصل في الواقع الحالي لبلدان ما سمي بالربيع العربي....

عزيز مشواط30 ديسمبر، 20111

ينبثق سؤال الهوية العربية ليشكل مأزقا لم تستطع الإجابة عنه كل الصفحات التي دبجت منذ عصر ما قبل النهضة إلى الآن، هاته الأسئلة الوجودية تشي بوجود أزمة من انا/من نحن ؟ ما علاقتي بالآخر؟ ما التصور الذي يجب أن يحكم وجودي؟ ألا يمكن أن أصنع نموذجا حضاريا خاصا بي بعيد عن التأثيرات الخارجية؟.....

عزيز مشواط22 أكتوبر، 20110

المحاكمة المستمرة لمبارك واختفاء زين العابدين وسقوط القذافي المهين، ومن قبله صدام حسين، والمصير المجهول الذي ينتظر أسد سوريا وصالح اليمن تدعو الذين مازالو قائمين على كراسيهم الوثيرة بالتفكير سريعا في التحولات التي يشهدها العالم وتشهدها المجتمعات العربية. أما النموذج المثالي لسلطة المستقبل فلا بد أن يرتقي من العنف والثروة إلى المعرفة.....

عزيز مشواط29 يونيو، 20110

سيمر وقت طويل دون أن يستطيع المؤرخون والباحثون وعلماء الاجتماع السياسي وكتاب التاريخ الوقوف على حقيقة ما يجرى من تغيرات في تصور الإنسان العربي لذاته ولمحيطه نتيجة المد الثوري الصاعد في المنطقة العربية. لكن أهم سؤال يجب الالتفات إليه هو : كيف تصنع التطبيقات الإعلامية الجديدة مصير العرب اليوم؟ وهل يخرج من رماد القهر والقمع إنسان بمواصفات الكرامة والحرية والإرادة والمسؤولية؟.....

عزيز مشواط11 مايو، 20110

ترسخت صورة الغرب الإيجابية في تمثلات أجيال كثيرة في العالم العربي. لكن يبدو أن هذه الصورة الوردية التي غزت المخيال الاجتماعي للإنسان العربي تتضرر في الظروف الحالية بشكل كبير أو على الأقل سينشأ جيل جديد لا يثق كثيرا في الغرب وخاصة حكوماته، حكومات يظهر يوما بعد يوم أنها تغض الطرف، بل منها من تورط في دعم أنظمة حكم أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها دموية إزاء مطالب الحرية والديمقراطية...

عزيز مشواط18 مارس، 20110

بدت مظاهرات الشباب المغربي المليئة بالدلالات. وبكل لغات العالم خرجوا إلى الشوارع في مظاهرات سلمية ليقولوا للمسؤولين وللعالم" لسنا خارج السياق السياسي العربي». وفي المسيرات كما في الشعارات المرفوعة وحدة قل نظيرها في المظاهرات العديدة التي تعود المغاربة على الخروج فيها مفادها "نريد التغيير».....

عزيز مشواط1 فبراير، 20110

لم يتأخر أثر العدوى التونسية ليصل إلى دول الجوار. وصدقت نبوءات المراقبين حين رشحوا وبقوة مصر للحاق بالنموذج التونسي. وانطلقت شرارة التغيير بأيام للغضب. سقط العديد من القتلى وانكسر حاجز الخوف رغم نزول الجيش إلى الشوارع بعد أن انسحبت قوات الأمن في خطوة لا تزال محفوفة بالغموض. وإذا كان من الصعب الحكم على طبيعة التطورات الجارية فإن المراقبين يتفقون على أن ما يقع في مصر هو نتيجة طبيعية لتفاعل العديد من العوامل السياسية و السوسيولوجية والاقتصادية والثقافية. ولم تكن أيام الغضب سوى تعبير عن وصول الاحتباس السياسي إلى أوجه.
راكم النظام المصري على امتداد ثلاثين سنة من الحكم مجموعة من الخصائص أهمها غياب الحرية وسيادة الإكراه، كما زرعت المؤسسات الاستخباراتية والأمنية الشك محل الثقة، وانتشرت ثقافة الخنوع والاستسلام للأمر الواقع. وانتهجت الدولة منهجا سياسيا انبنى في أساسه على التفرقة التحكمية بين الناس على أساس الولاءات الحزبية والعشائرية والعائلية الضيقة. وبمقابل ذلك استغل النظام ورقة الإخوان المسلمين من أجل تهديد الداخل والخارج بخطورة المسار الديمقراطي الذي يمكن أن يوصل الإسلاميين إلى السلطة. وبالمقابل قدم نفسه كصمام أمان ضروري في المنطقة لوقف مد الإخوان المسلمين وحفظ التوازنات.
نشأت عن هذه المعطيات تراكمات سياسية ضاعفت من حدة الاحتقان السياسي والاجتماعي. لقد صار هدف النظام منذ بداياته الأولى إقناع المصريين باستحالة تغييره. يقول بحث سوسيولوجي أجراه محمد عوض يوسف حول الثقافة السياسية لطلاب جامعة القاهرة” أدرك الأفراد في تعاملهم مع السلطة ما تتمتع به من قوة ونفوذ وعدم إمكانية معارضتها، ومن ثم أدي ذلك إلى تطبيع الأفراد علي قيم معينة مثل الطاعة والإذعان والخضوع للسلطة والتشكيك والخوف منها، والإيمان بعدم جدوى معارضتها”
تصف هذه الفقرة بدقة كبيرة درجة السلبية السياسية التي وصل إليها قطاع واسع من الشعب المصري. وتكشفت هذه الحالة بوضوح بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة التي عرفت أدنى مستويات المشاركة بنسبة لم تتجاوز حسب العديد من الخبراء 25 في المائة. لقد شكلت الانتخابات التشريعية الأخيرة منعطفا خطيرا في الحياة السياسية المصرية ضاعفت من حدة الإحباط الشعبي من إمكانية دمقرطة النظام السائد من الداخل. ويعود الإحباط بالأساس إلى أن الانتخابات مكنت الحزب الحاكم من تكريس هيمنته المطلقة على البرلمان وحصد ما نسبته 93 في المئة أي 475مقعدا. كما كشفت أيضا حجم الجشع السياسي للحزب الحاكم الذي استولى على البرلمان. وعرت في الوقت ذاته مستوى الشكلية الذي وصلته التعددية الحزبية، فكانت الانتخابات الأسوأ على صعيد التمثيل السياسي للمعارضة المصرية منذ بدأت التجربة التعددية.
عقب هذه الانتخابات وما آلت إليه نتائجها تنبأ العديد من المراقبين بانفجار الوضع المصري.وهو ما تحقق فعلا بعد نزول الشباب المصري إلى الشوارع بعيدا عن كل وصاية حزبية أو تأطير تنظيمي. وبالرغم من محاولات حسني مبارك تهدئة الوضع من خلال إقالة الحكومة إلا أنه وأمام تحرك الشارع المصري لم يعد بالإمكان الوقوف في وجه رغبة المصريين العميقة في التغيير.
إن ما يجعل النظام السياسي في مصر غير قادر على التقاط أنفاسه هو تصميم الشارع على رفع سقف المطالب وصولا إلى المناداة بتنحية مبارك. ولم تعد المطالب ذات طبيعة اجتماعية أو اقتصادية فحسب. كما أن ما أذهل النظام فعلا هو سقوط المرتكزات الأساسية التي بنى على أساسها استجلاب دعم الغرب . فالإخوان المسلمين الذين طالما رفع النظام ورقتهم في وجه الغرب لم يبد لهم أثر واضح. و ارتفعت مطالب علمانية تقودها معارضة غير حزبية ممثلة في شباب الفايسبوك و جبهة التغيير وجماعة 6 نيسان (أبريل) من ناحية أخرى.
إن المآل الذي تسير فيه الأحداث على الساحة المصرية نتجت بالضرورة عن انسداد أفق التغيير من داخل النظام. وهو انسداد ترافق مع أزمات اقتصادية واجتماعية بفعل هشاشة الأسس الاقتصادية للدولة ممثلة في موارد ريعية غير مستقرة من قبيل السياحة وموارد قناة السويس وتحويلات المهاجرين المصريين.هذه العوامل مجتمعة دفعت بدينامية الشارع إلى ابتغاء التغيير بفعل تصاعد صعوبات الحياة وغلاء المعيشة لدى جل المصريين. لكن ما دفع حركية الشارع إلى مزيد من التشدد في المطالبة بتغيير جذري للنظام واختيار العصيان طريقا للتغيير هو مفعول النموذج التونسي. لقد شكلت التجربة التونسية وأصدائها الإعلامية المتفاعلة تجربة ملهمة للمصريين الذين تعاطفوا معها واستلهموا حتى شعاراتها.
ظل المسؤولون المصريون إلى وقت قريب يتهكمون على كل صوت محذر من تكرار التجربة التونسية بمصر. واعتمدوا في ذلك على ثقتهم بقوة النظام المؤسس على تجميد السياسة. وهو تجميد استمد قوته من الاستخدام المفرط لقانون الطوارئ، والتحكم الأمني في مجريات الواقع السياسي بدءاً من انتخابات اتحادات الطلاب الجامعية، وحتى النقابات المهنية، وصولاً إلى التغلغل العميق داخل الأحزاب السياسية بهدف شل حركتها.
إن الجمود السياسي الذي هيمن على مصر في العشر سنوات الأخيرة أنتج ركودا مجتمعيا عاما، وانتشرت مظاهر الانحطاط المجتمعي، التي تبدت بالخصوص في ظهور سلوكيات جديدة وغريبة من قبيل شيوع الفساد ونموه إلى درجة خانقة،تدهور قيم الانتماء، وارتفاع معدلات الجريمة وغيرها…
لكن ما لم يتنبه له النظام الحاكم هو أنه وأمام هذا الركود السياسي، كان حراك من نوع آخر في إطار التشكل. فقد انسحبت القوى الشبابية إلى مستويات أخرى من التأطير المدعوم بسهولة الاتصال عبر وسائل الاتصال الحديثة. وهكذا وفي مقابل الركود السياسي والسلبية الظاهرة عرفت المواقع الاجتماعية وشبكات الاتصال الأنترنيتية حراكا غير مسبوق من خلال مجموعات للنقاش وتبادل الآراء والمناداة بالتغيير.
وهكذا نشأ جيل جديد من الشباب مراكما الإحباطات والأزمات السياسية والاقتصادية. ولم يستطع النظام السياسي التعامل مع الوضع سوى عن طريق المهدئات في الوقت الذي شهدت مصر حراكا سياسيا مكثفا منذ عام 2004 حيث تأسست حركات تنادي بالتغيير بدءا من حركة كفاية وحركة ٦ أبريل وصولا إلى شباب من أجل التغيير. كما حرك بروز البرادعي كشخصية تحظى بالتقدير والإجماع من طرف أطياف سياسية مختلفة الوضع الآسن. فإلى أين يتجه الوضع الحالي بمصر بعد انطلاق أيام الغضب؟
نتيجة التطورات المتسارعة للوضع الميداني تبقى سيناريوهات كثيرة واردة من قبيل الهيمنة العسكرية أو الدينية على النظام والدولة خاصة مع تعقد البنيات التي تحمي النظام وخبرته التي راكمها على امتداد ثلاثين سنة من الحكم. من الصعب التكهن بسيناريوهات المرحلة المقبلة من الواقع المصري، إلا أن العديد من المعطيات تشير إلى أن العصيان المدني كخيار أخير ماض في فرض مطالب التغيير السياسي العميق. ومهما اختلفت السيناريوهات، سواء ظل مبارك في الحكم وهو احتمال ضئيل أو غادر السلطة نهائيا وهو الاحتمال الأكبر، أو نصب خلفا له للحفاظ على استمرار النظام ولو بدون رأسه، فإن الثابت هو دخول مصر والمنطقة العربية عموما فترة تاريخية جديدة مدعومة بمطالب التحرر من كل مظاهر الشمولية والاستبداد وما يرافق ذلك من فساد ومحسوبية وتفاوتات غير مبنية على أسس واقعية. أما السؤال الذي صار يؤرق المتتبعين فهو على من الدور خاصة وأن اليمن والأردن وبلدان عربية أخرى تعيش منذ مدة على صفيح سياسي واجتماعي ساخن.
‎© منبر الحرية،30 يناير/كانون الثاني 2011

عزيز مشواط18 يناير، 20110

غادر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي منصبه الرئاسي على وقع حرائق تونس المشتعلة، ولهيب الشارع المنفجر على خلفية مطالب اجتماعية لبلدة سيدي بوزيد. تطورت الأوضاع بمنحى لم يكن متوقعا والتحقت أكثر من مدينة بانتفاضة لا يتوقع المراقبون أن تحليق بن علي بطائرته الخاصة بعيدا عن تونس سيوقفها.

عزيز مشواط21 نوفمبر، 20100

ألقى الزعيم اللبناني حسن نصر الله في الآونة الأخيرة عددا من الخطابات، تناول فيها قضايا لبنان والعالم العربي وتطورات المنطقة وتعقيداتها السياسية في محيط إقليمي يظل منذ زمن بعيد محط أنظار العالم. وبحكم وضعية الحزب وتحالفاته الداخلية والخارجية وموقعه وتاريخ مواقفه، تحظى إطلالات الزعيم اللبناني بالكثير من الاهتمام الإعلامي، اهتمام تعززه قدرة الرجل الخطابية والبلاغية.
ويسجل جميع المراقبين، كما الأصدقاء والأعداء نجاح الإطلالات الإعلامية لحسن نصر الله في أكثر من مناسبة، إلى الحد الذي دفع جزءا كبيرا من القادة السياسيين والرأي العام في إسرائيل إلى أخذ تصريحات نصر الله بالجدية الاستثنائية. لكن خلف هذا النجاح توجد أكثر من كبوة لا بد من الالتفات إليها بعيدا عن العواطف والأحكام المسبقة.
في تجمع جماهيري إحياءا للذكرى الرابعة لحرب تموز قال حسن نصر الله”«كنا نطالب بإصدار أحكام الإعدام..والحمد لله صدرت العديد منها، واليوم نطالب بالإسراع بتنفيذ تلك الأحكام..» استغرق الخطاب أكثر  من ساعة، وحظي بتغطية إعلامية واسعة ونقلته على الهواء المباشر عدة قنوات تلفزيونية.. وبالتالي فإن الموقف من الإعدام المشار إليه أعلاه سيكون هو الآخر بالتأكيد حظي بنفس الانتشار.
بغض النظر عن السياقات التي صدر فيها الموقف، فإن صدوره من زعيم بحجم حسن نصر الله، يقتضي وقفة تأمل لم  تستطع المنظمات الحقوقية العربية أن تلتقطها، وهنا لا بد من الإشارة إلى مجموعة من النقاط.
إن هذا الخطاب يتناقض مع أبسط الحقوق التي ناضلت وتناضل الإنسانية من أجل إثبات الحق فيها:الحق في الحياة. إنه يضرب في العمق النضال من أجل إلغاء عقوبة الإعدام باعتبار أنها تصادر الحق في الحياة وأنها عقوبة لا إنسانية وحاطة بالكرامة الإنسانية.
إن المطالبة بإصدار عقوبة الإعدام وتسريع تنفيذه خطأ جسيم بكل المقاييس الحقوقية، مهما أخذنا بعين الاعتبار ملابسات التأهب التي يعيشها لبنان في مواجهة محيطه الخارجي، وضرورة ردع العملاء، ووضعية لبنان في مواجهة حكومات إسرائيلية متعنتة وذات نوايا عدوانية معادية.
يتمثل خطأ عقوبة الإعدام في أنها غير رادعة، كما أنها قد تصدر في حق أشخاص أبرياء في حالة عدم تطبيق شروط المحاكمة العادلة وضمان استقلالية القضاء، وحين تنفيذ حكم الإعدام، لا يمكن بعد ذلك تصحيح الخطأ، ونصبح آنذاك أمام جريمة فظيعة ارتكبت باسم القانون.
إن تصريحات حسن نصر الله غير الموفقة في هذا الشأن تستحق الكثير من التأمل، لأنها صادرة من زعيم تنظيم تبنى خيار المقاومة لإحقاق الحقوق الإنسانية ولاستعادة الكرامة في بعدها الإنساني، هذا على الأقل ما تحاول الشعارات والخطابات ترويجه. كما أنها، من جهة أخرى، توجيه قوي على المدى القريب والمتوسط والبعيد  للقضاء الذي يتم المطالبة باستقلاله، إذ كيف يمكن لقاض لبناني، كيفما كانت مصداقيته أن يظل طالبا للحقيقة في أي ملف يمس حزب الله، بشكل مباشر أو غير مباشر، بعد تصريحات حسن نصر الله. إنها تصريحات تختزن لهجة التهديد والوعيد لكل أجهزة الدولة بما فيها مؤسسة القضاء. ولا يمكن للقضاة بعد ذلك أن ينسوا أن صاحب التهديد ليس سوى زعيم حزب، استطاعت ميليشياته المسلحة في سبعة أيار أن تجتاح مناطق واسعة من لبنان في رمشة عين.
الكثير من التحليلات الواردة في الخطابات الأخيرة لحسن نصر الله، تحظى في العالم العربي بتعاطف كبير، لكن ذلك لا يمنع  من أنه  جانب الصواب بشكل كبير في مطالبته بالإعدام أولا وبتسريع تنفذ الأحكام ثانيا. وإذا كان مفهوما المنطلقات التي ارتكز عليه زعيم المقاومة اللبنانية في إطلاقه تصريحات من هذا القبيل، فإن غير المفهوم  فعلا  هو سكوت المنظمات الحقوقية العربية عن هذه المطالب الإعدامية. صحيح، قد تتخوف هذه المنظمات من انتقاد التصريحات بحكم الحساسية الشعبية اتجاه موضوع مرتبط  بالصراع العربي الإسرائيلي والتخوف من أن يتحول الموقف ليصب في خانة إسرائيل لكن أعتقد أن هذه التبريرات على “وجاهتها العاطفية” تبقى غير مقنعة للسكوت عن موقف يتنافى والتشريعات الكونية ومبادئ حقوق الإنسان في مفهومها الشمولي.
إن  إخضاع حقوق الإنسان للانتقائية يفتح الباب واسعا لمزيد من الانتهاكات الجسيمة التي عانت وتعاني منها الشعوب العربية، بدعوى الخصوصية ومواجهة الأعداء. وفي هذا السياق فإن الصراع مع إسرائيل ذاتها ليس سوى صراعا لإثبات خرقها لحقوق الإنسان وحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والحياة الكريمة وفي الملكية وفي الاستقرار والأمن.
بعيدا عن هذه التبريرات، يبقى على عاتق المنظمات الحقوقية وعلى الفعاليات السياسية والقوى الديمقراطية العربية  النظر إلى حقوق الإنسان بمنظار شمولي لضمان الحق الإنساني المقدس بعيدا عن التبريرات الضيقة. فيما يتحتم على زعيم  حزب بحجم  شعبية حزب الله على الصعيد العربي أن يكون حذرا أكثر عند التعاطي مع قضايا الشعوب العربية، وخاصة الحقوقية منها لأن تصريحاته المتعلقة بتسريع تطبيق عقوبة الإعدام لا تبعث على الاطمئنان.
إن مبعث عدم الاطمئنان التي خلفتها تصريحات نصر الله “غير الحقوقية” نابعة من قوة الحزب محليا ومن النفوذ الذي يتمتع به التنظيم إقليميا، فهذه التصريحات تعزز مواقف العديد من الفرقاء السياسيين اللبنانيين الذين ينظرون بالكثير من الحيطة والحذر إلى إستراتيجية الحزب ومخططاته البعيدة المدى. وهي مخططات يمكن أن تقوده في يوم من الأيام إلى الاستحواذ على السلطة، إن بشكل مباشر أو من خلال تحالفاته (نموذج التحالف مع التيار الوطني الحر) التي جعلت منه الآمر الناهي في لبنان، خاصة مع توفره على ترسانة عسكرية تتجاوز ما يتوفر عليه الجيش النظامي.
إن سيناريو تمكن حزب الله من السلطة في لبنان، تحت أي شكل من الأشكال، سيدخل حقوق الإنسان  في بلد الأرز في نفق أكثر ظلامية، إذ يسهل تبعا لمنطوق تصريحات نصر الله، العبث بها  تحت مسميات وذرائع شتى، لذلك فإن عدول نصر الله عن موقفه المؤيد للإعدام، سيكون عين الصواب، طمأنة للمحيط الحقوقي الدولي والعربي والمحلي، وتعزيزا للنضال والكفاح من أجل قضايا الإنسان العربي العادلة، التي يقول الحزب أنه يدافع عنها، وإشاعة لروح الاطمئنان المفقودة في لبنان، بفعل اضمحلال دور المؤسسات وتضخم دور الميليشيات.
‎© منبر الحرية،13 أكتوبر/تشرين الأول 2010

عزيز مشواط21 نوفمبر، 20100

تحكم العالم منذ منتصف القرن الماضي مفارقات غريبة،  فمن جهة تجتاح العالم  رغبة أكيدة في فتح الحدود والتقاء الثقافات، ومن جهة أخرى تتسارع وثيرة تشكل الحركات المنبثقة عن مطالب الهوية الإثنية والقومية والدينية المنادية بالخصوصية. وفي الوقت الذي كانت تنتظر فيه الإنسانية مزيدا من الانفتاح والوئام، لم تؤد العولمة بكل أبعادها الاقتصادية والإعلامية، والثقافية إلى التخفيف من التوجهات الكبرى للهوية والمتمظهرة أساسا في مختلف أشكال التعصب الديني والإثني والعرقي.
لا يشذ العالم العربي الإسلامي كما يبدو للوهلة الأولى عن هذه المفارقات الغريبة، فالعقل العربي المعاصر، كما يبدو مصاب بحالة من التوهان أمام ثنائيتي الانفتاح والانغلاق، بفعل الألغام الكثيرة المزروعة في طريقه والأزقة المفخخة، التي كتب حراسها على بوابتها الرئيسية “ممنوع الاقتراب أو محاولة التفكير”، بل إن كل محاولة لاختراق “هويتنا المقدسة” تعرض صاحبها للمساءلة وربما التعذيب.
حراس هوية العقل العربي الإسلامي الحديث متجهمون جدا وشداد غلاظ. بعضهم يلبس اللباس الأفغاني الغريب، والبعض الآخر متخف في عمامة الإصلاح الديني المعتدل، أما هدفهم فاقتناص فرصة إهدار دم المتهمين بنشر الأفكار الدخيلة غير المنسجمة مع “تعاليم بيئتنا وخصوصيتنا”.
ميزة حراس الهوية الخصوصية وضعهم لكل الأفكار المتنورة في ثلاجة الزمن الماضي. وهكذا وإن اختلفت تسمياتهم بين إسلام معتدل وآخر سلفي، وثالث جهادي،  فإن المنطق الذي يحكم تصورهم العام للحياة وللوجود يبقى ثابتا، حيث يهاجم الأصوليون الجدد وبشكل منهجي أنواع الهويات المتواجدة على الصعيد المحلي، كما يهاجمون التقاليد حتى وإن كانت لا تمس المسائل المتعلقة بالعقيدة .
أمام هذا التصور المنغلق للوجود، يصبح البحث عن الهوية الطهرانية الخالصة متلائما مع سياق فكري لا يؤمن بالاختلاف، فيتم اللجوء إلى كل الأساليب الممكنة لنزع الشرعية عن الممارسات المخالفة للنص الديني كما تمت قراءته وتأويله خلال فترة تاريخية معينة.
يعتمد المطالبون بالهوية المقدسة في نزع الشرعية عن الممارسات المختلفة على عدد من التقنيات أهمها، كما يقول السوسيولوجي المغربي عبد الصمد الديالمي تبسيط الواقع إلى فعلين أساسيين: “تحويل الأفراد المكونيين لجماعة إلى وحدة متجانسة ومتميزة، أما التبسيط الثاني فيتمثل في  تحويل تلك الوحدة إلى ماهية ثابتة مستقلة عن التاريخ يفضي الفعل الأول إلى تهميش الفوارق الاجتماعية والثقافية والاجتماعية وذلك لصالح ما هو ثقافي وديني ”
وفي كل الحالات يظل الثابت غير المتحول، هو الاعتراض على كل أشكال الهويات المخالفة، فيتم تحريم الممارسات الفنية ومهاجمة الطقوس الدينية ونزع الشرعية عن الممارسات الاجتماعية غير المتوافقة مع التنميط والتوحيد، لكي تصبح ضلالا، مما يضفي على هذا الاعتراض بعدا دينيا يستهدف بالأساس الثقافة بمعناها الأنتروبولوجي، أي تدمير الأنسقة الرمزية التي يتشكل منها المجتمع وفرض بديل أحادي الرؤية.
إن المنطق الذي يوحد  “أنصار الهوية الخالصة من الشوائب” نابع من اعتبار أساسي يفيد تجاوز البعد الوطني للوصول إلى نوع من “الهوية الإسلامية العالمية “، بحثا عن وحدة افتراضية للأمة الإسلامية وبحثا عن بديل غائب على مستوى الواقع وحاضر على المستوى الاستيهامي والخيالي. غير أن مسعى البحث عن الوحدة لا يتم دون رغبة أكيدة في القضاء على كل أنواع الهويات الأخرى غير الدينية، ولا يتم أيضا دون السعي نحو القضاء على كل أنواع الهويات المختلفة، كما يتم رفض كل المقولات الحداثية من قبيل المواطنة.
إن  مقومات “الهوية المقدسة” كما يتصورها الأصوليون بمختلف اتجاهاتهم مستمدة من الماضي دون اعتبار لشرط التغيير أو التطور أوالنسبية. وهكذا يؤدي البحث عن أجوبة الحاضر انطلاقا من مقولات الماضي، إلى السقوط في تناقضات جوهرية من قبيل رفض الغرب واستعمال منتجاته، إدانة العولمة مع الاستفادة من منجزاتها خاصة ما يتعلق منها باستعمال الوسائل الحديثة للاتصال، في  نزوع برغماتي يلازم جميع التوجهات الأصولية مهما كانت درجة تشددها
.
ونتيجة هذا النزوع التبسيطي والإقصائي، تنتهي كل حركات الهوية المبنية على الدين مهما اختلفت درجات تطرفها، إلى تصورات قريبة من التوجهات الفاشية والنازية المؤمنة بصفاء ونقاء العرق. إن خطورة انبناء الهوية على عنصر واحد هو العقيدة الدينية نابعة من استغلال هاته العقيدة لإقصاء وتكفير المغاير “لأنه يعبد ما لا أعبد”. وتصبح الخطورة أشد عندما ينتقل منطق التكفير الديني إلى الحقل الاجتماعي والسياسي والثقافي، فيصير الآخر هو الجحيم لأنه مغاير ومختلف.
هاته التصورات المتكلسة تحمل في ثناياها  خطر اندلاع الحروب الدينية والعقائدية أو العرقية، بفعل التجييش الديني والعرقي وقوة التأثير العاطفي الذي تمارسه على الناس، وهنا لابد من استحضار الحرب العالمية الثانية، ورغم كل أسبابها المباشرة وغير المباشرة، فإن اندلاعها وقع بفعل الأطروحة النازية الباحثة عن ضمان استفراد الجنس الآري بالسيطرة والسطوة.
إن التقاء الهويات المتباينة،  لا يقود بالضرورة إلى التصادم،  إنه سنة من سنن التاريخ ومن سنن الوجود البشري،  بل إن الالتقاء ومهما كانت ظروفه وشروطه التاريخية، غالبا ما يكون دافعا إلى التقدم خاصة إذا كان اللقاء في إطار غير مغلق،  لكن طبيعة التحولات التي يشهدها العالم، وعدم القدرة على مسايرتها،أفرز سيطرة قيم الانغلاق مما قاد إلى الصدام المأساوي والتسليم الأعمى بأفضلية هاته الهوية على أخرى، اعتمادا على فهم “ثابت للتاريخ” ينطلق من تصوره كمعطى مقدس تشكل فيه الذات مصدر الحقيقة المطلقة، ومركز الكون في حين يمثل العالم وبقية الأجناس والأديان والثقافات مجرد توابع…وهنا يختلط الوهم بالحقيقة…وتحدث المآسي…
© منبر الحرية ، 21 يونيو / حزيران 2010

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018