peshwazarabic

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

في اليوم التالي للانتخابات اللبنانية الاخيرة نشرت صحيفة “السياسية” التي تصدر عن الوكالة الرسمية اليمنية صورة لرجل وعروسه، وهي في ثوب الزفاف، وهما يدليان بصوتهما في مدينة بيروت. وقد حصلت هذه الصورة على اعجاب كثير من القراء، لكن جهات دينية متشددة عبرت عن غضبها، وهددت برفع هذا الأمر إلى القضاء مالم تعتذر الصحيفة، وتعاقب الصحفي الذي قام باختيار الصورة، وقد حصلت هذه الجهات على ما تريده، فقد اعتذرت الصحيفة، وتم ايقاف المسؤول عن ذلك لمدة شهر، ومنعه من الدخول الى مبنى الوكالة اثناء فترة العقوبة. ورغم أنه قد تم التراجع عن هذا القرار إلا أنه يكشف بوضوح مدى تأثير هذه التيارات الدينية، خصوصاً تلك التي لديها موقف معادي من الحرية على من يفترض أنهم طليعة المجتمعات وهم الصحفيون.
كثيرون استغربوا إثارة عاصفة حول صورة عادية بثتها وكالات الانباء ونشرتها صحف عربية مختلفة، خصوصاً وأن صحيفة “السياسية” تعودت نشر صورة كبيرة في الصفحة الأخيرة على غرار صحيفة الحياة اللندنية وصحيفة القدس العربي، وغالباً ما تكون هذه الصور لنساء وهنّ في كامل آناقتهن.
في الحقيقة، إن الاعتراض الذي أبداه المتشددون الدينيون على الصورة لم يكن فقط بسبب ما قيل أن فستان العروسة فاضح!، وإنما لأن الصورة تحرّض على القيام بعمل أكثر فضائحية، وهو الانتخابات، التي تعد بحسب هؤلاء اغتصابا لحق الله في الحكم والتشريع، لذلك وبحسب أهم علمائهم وهو الشيخ محمد الامام في كتابه “تنوير الظلمات لكشف شبهات وملابسات الانتخابات” لا يصح إسلام المرء حتى يكفر بالديمقراطية.
تكمن خطورة هذا الفكر أنه يجعل من الحرية عدواً يجب مواجهته، في حين أن الحرية تعادل الحياة، وهي معنى في غاية الاهمية التفت إليه المفكر الاسلامي الكبير ابن باديس عندما قال “إن حق الانسان في الحرية كحقه في الحياة، فمقدار ما عنده من حياة هو مقدار ما عنده من حرية” .
قبل نحو عامين، أعطاني أحد زملائي مشروع كتاب قام بتأليفه أحد أصدقائه، من أجل أن أطلع عليه وأسعى لنشره في المكان الذي أعمل فيه.
قرأت الكتاب، وصُعقت، فقد كان الكتاب يتحدث عن ما أسماه ألاعيب يهودية، وكان من ضمن هذه الألاعيب، الحرية التي تمثل بحسب وجهة نظره سلاحاً يهودياً لتدمير الإسلام والسيطرة على العالم.
قلت لزميلي: قل لمؤلف الكتاب، لقد بذلت جهداً جيداً، لكن عليك أن تترك هذا الفكر المتشدد الذي يتعامل مع القيم الانسانية مثل: الحرية والمساواة باعتبارهما مؤمرات يهودية، سيكون اليهود في غاية السعادة إذا تم الصاق هذه التهمة بهم! .
في هذا الصدد قد يكون من المناسب التذكير بأن الكتب المعادية للحرية التي تصدر في العالمين العربي والاسلامي أكثر من تلك التي تنادي بها، وهي مسألة محيرة فعلاً، وتحتاج الى نقاش هادئ وعميق، فهذا السبيل الأكثر صواباً لفهم الأسباب الحقيقية التي جعلت الحرية تتحول من مطلب حضاري وإنساني إلى مؤامرة خارجية.
لا يكفي القول، أن الخلط الواضح والمتعمد بين الحرية والانحلال، هو السبب وراء هذا الانقلاب في التفكير الإسلامي على الرغم من أن الحرية هي أحدى المبادئ الأساسية التي دعا إليها الإسلام، ولاتزال مقولة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب “متى أستعبدتهم الناس وقد ولادتهم أمهاتهم أحرارا” تملئ المكان.
اليوم يوجد داخل التيار الإسلامي وخارجه من يحاول رد الإعتبار للحرية، لكن هؤلاء يواجهون خصماً لديه إرث من التسلط يستند على قداسة دينية، قادر على تحوير النصوص المقدسة لمصالحه الضيقة، وبسب الأمية العلمية والدينية على حد سواء تزيد قدرة هذا الطرف على التأثير على البسطاء الذين يتعامل معهم بقسوة وتعالٍ.
قبل عدة أشهر، سعى بعض رجال الدين في اليمن إلى تكوين هيئة للدفاع عن الفضيلة، على غرار هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد توقف المشروع مؤقتا، إذ لم تسمح الظروف التي تمر بها البلاد بتمرير هكذا مشروع. ثمة اتجاه لدى هؤلاء للوصاية على الناس الذين غالباً ما يثقون بهم.
في المقابل، هناك من يصمم على التفاؤل، ويعولون على تطور المجتمعات العربية، وعلى رجال الدين البارزين الذين يملكون فكراً متحرراً، واجتهادا مغايراً للسائد، لكن أغلب هؤلاء يريدون الحرية من أجل استخدامها كمطية للوصول إلى التحكم بالسلطة والناس. الداعية الاسلامي الدكتور يوسف القرضاوي أحد هؤلاء الذين يشار إليهم بالبنان عندما يتعلق النقاش بالتجديد الديني، وقد طالب مؤخراً بإطلاق الحريات العامة بين أفراد الشعوب الإسلامية، معتبراً أن ذلك أمرٌ مقدمٌ على تطبيق الشريعة. وهو رأيٌ يشاركه فيه الكثير من المرجعيات الإسلامية المختلفة التي تحاول أعطاء الحرية معايير خاصة جداً تتفق وأفكارهم التقليدية، تحت حجة رفض الأفكار الآتية من الغرب الكافر!، ما يعني أننا قد نحتاج الى زمن طويل حتى نغيّر من أفكارنا تجاه الحرية التي تُعد بحق أهم القيم الإنسانية على الإطلاق.
© منبر الحرية، 20 دجنبر/كانون الأول2009

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

إن المتابع لردود الفعل العربية على المسائل المتعلقة بالمحاكم الدولية التي فرضت نفسها في السنوات الأخيرة كواقع لا يمكن الهرب منه, من المحكمة الخاصة باغتيال الرئيس  الحريري إلى قرار استدعاء الرئيس السوداني عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور إلى قضية تقرير  غولدستون و ماطرحه من احتمال الوصول إلى المحكمة الجنائية الدولية..نقول إن المتابع لردود العرب سيصاب بالدهشة والذهول للآراء الصادرة عن النخب والأحزاب والسياسيين والمثقفين, خاصة إذا كان المتابع يمتلك أدنى درجة من الذاكرة التي  اختزنت أراء هؤلاء ومدى تناقضها بين محكمة وأخرى!
لنعد إلى الوراء قليلا ونتذكر  السجالات التي جرت حول محكمة الحريري, إذ رأينا أن من كان يعتبر المحكمة مسيسة وخاضعة لألاعيب الدول الكبرى سلفا هو نفسه من هلل لخروج الضباط الأربعة وطالب بحصد النتائج السياسية لذلك, ولنا أن نسأل هنا إن كان الأمر كذلك :لم لا يكون خروج الضباط أنفسهم مسيّسا, وخاضعا لتسيس ما؟ وهل سيقبلون بتسليم أحد رموزهم حال قررت المحكمة ذلك؟ أم وقتها ستعود المحكمة مسيّسة!
من جهة أخرى, بدا وقتها الذين دافعوا عن المحكمة واعتبروها غير مسيّسة, وخاضعة للقانون الدولي, مخذولين وغير مقتنعين بما قرره القاضي بإطلاق سراح الضباط الأربعة, لماذا؟ لأنها لم تلب رغباتهم وطموحاتهم التي كانوا يتمنون, وبدا تبريرهم و حديثهم  أنذاك مفككا وغير مترابط وهم الذين بنوا استنتاجاتهم وحساباتهم على أمور لم تطابق حسابات بيادرهم؟
و في السودان عندما تم تشكيل لجنة للتحقيق في قضايا دارفور وتم استدعاء الرئيس البشير للمثول أمام المحكمة, هاج الفريق نفسه واستنكر معتبرا المحكمة مسيّسة وألعوبة بيد الدول الكبرى! مقابل أطراف أخرى طالبت بمثوله أمام المحكمة وذلك لأسباب سياسية بحتة لا علاقة لمقتضيات العدالة بها.
وأثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة وقتلها المدنيين والأبرياء, ارتفعت الدعوات العربية إلى محاكمة قادة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب, وبالعودة إلى المنادين بضرورة المحكمة, سنجد أن أغلبهم من كان يقول(ومايزال) وبالفم الملآن بأن الحكومة الخاصة بمحاكمة قتلة الحريري مسيّسة!
وهم أنفسهم من سنراهم يشجبون قرار المحكمة الجنائية بمحاكمة البشير بتهمة جرائم الحرب في دارفور؟
وهم أنفسهم من نراهم اليوم يدينون السلطة الفلسطينية (المدانة بكل الأحوال) على تأجيل تقرير غولستون ويطالبون بتحويل القرار إلى مجلس الأمن ومنه إلى المحكمة الدولية!
ليبرز لنا السؤال التالي: لماذا هذا التناقض؟
لماذا نكون مع فكرة المحاكم عندما يكون الحق معنا, ونكون ضدها عندما يكون القاتل منا, أيا كان هذا القاتل؟
ولِم َينقلب الناس عندنا بين ليلة وضحاها؟
وفي الوقت الذي نتهم الغرب (وفي ذلك بعض الصواب) بتسييس المحكمة وحقوق الانسان وحقوق المرأة والديمقراطية, ننسى أننا الأكثر تسييسا للقضايا في العالم, أليس تناقضنا تجاه المحاكم الثلاث المتمثل بتأييد محكمة ورفض أخرى هو التسيس بعينه؟
في الإجابة عن الأسئلة السابقة تبرز مستويات عدة للنظر, منها ما هو داخلي, يتعلق ببينة تفكيرنا وطريقة تحقيق العدالة في بلداننا, ومنها ما هو يتماس مع الخارج الذي علمنا أن القانون يطبق على الضعفاء فقط..
في الشق الداخلي: إن نظرة متفحصة لطبيعة تطبيق القانون في العالم العربي , سترينا أن القانون في العالم العربي مغيّب, وغير موجود, والقضاء يخضع للسلطة السياسية التي تتحكم به من خلال قوانين طوارئ أصبحت تطبق خارج الطوارئ وتستثنى في الطوارئ. وبالنسبة للأحزاب السياسية فنجد أنه رغم ولادتها منذ قرن في العالم العربي, فإنها لم تستطع حتى اللحظة هذه أن ترسخ تقاليد عمل حزبية تجعل من السياسة مجالا للاختلاف ضمن حدود ما هو مسموح به وطنيا وإنسانيا دون إقحامها في مجالات القانون والعدالة , حيث تغدو تلك الأخيرة أسيرة التجاذبات السياسية والاستخدام السياسي من قبل السلطات والنخب على حد سواء, لأن حكم الاستثناء الطويل رسخ تقاليد منافية للعدالة بأن أي شخص _باسم الطوارئ والاستثناء- يمكن له النفاد من براثن العدالة , وأدى هذا إلى قلب الأمور في طريقة تفكير العقل العربي الذي بات يرى الاستثناء حالة دائمة, والطبيعي استثناء,لذا تغدو الازدواجية في التفكير “شيئا طبيعيا” عند العقل العربي, الذي يقبل  العدالة عندما تكون لمصلحته, ويرفضها عندما تكون عليه, تحت اسم “السيادة والحرية وعدم تدخل الآخرين”,  هذه المفاهيم الثلاثة التي ينتهكها عادة أول الرافعين شعاراتها في العالم العربي!
وقراءة سريعة لتاريخ الفكر العربي خلال القرن الماضي, سنجد أن مفاهيم الحرية والديمقراطية والعدالة والقانون, لم يتم الاشتغال عليها فكريا حتى في مرحلة النهضة الأولى التي تم بترها لصالح الأفكار والمفاهيم “الثورية”, التي تم الاشتغال عليها أيضا من نظرة الاستخدام السياسي حزبيا أكثر مما تم الاشتغال عليها فكريا لتتأصل في تربة الوعي العربي القاحلة, الأمر الذي أدى إلى ضحالة مستوى الوعي بهذه القضايا, ومعروف أن من لا يمتلك وعيا بقضية ما, لن يستطيع تطبيقها, ولن يحزن عند انتهاكها من قبل سلطة أو حزب أو شخص لأنه بالأساس لا يدرك أهميتها ولم يذق ثمارها و”فاقد الشيء لا يعطيه”, لذا علينا أن ندرك أن القانون والعدالة هما ثقافة يجب ترسيخهما في وعي الناس قبل أي شيء آخر.
ولكن من جهة أخرى, هناك عامل مساعد لا يمكن إغفاله لترسيخ تلك النظرة العربية تجاه المحاكم الدولية, وهو موضوع استخدام السياسيين الغربيين لموضوع المحاكم كأداة ضغط سياسي, أكثر منه أداة قانونية لتحقيق العدالة المنشودة, وكلنا ندرك المحاكمات الخاصة بقضية لوكربي وكيف رافق تحقيق العدالة (إن كانت حققت) ضغط سياسي, و نعرف كيف انتهت الأمور عندما غيّر الرئيس الليبي من سلوكه ودفع تعويضات لأهالي الضحايا, وندرك كيف خرج المقرحي من سجنه ؟  وكلنا نتساءل لماذا تم تشكيل محكمة للحريري ولم يتم تشكيل محكمة لمعرفة إن كان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قتل أم لا؟ وكلنا نتساءل لماذا تمت محاكمة صدام في العراق وتحت الاحتلال ولم يحاكم أمام محاكم دولية في الوقت الذي رفضت الدوائر الغربية تشكيل محكمة لبنانية أو عربية لمحاكمة الحريري وسارعت “فورا” لتشكيل محكمة دولية حتى دون التوافق عليها لبنانيا وهو الأمر الذي كاد أن يوصل لبنان إلى حرب أهلية, ونعرف أن الفيتو الأمريكي هو الذي يحمي إسرائيل في مجلس الأمن عند كل مجزرة ترتكبها بحق الفلسطينيين دون أن تحتاج لمحاكمة لإدانتها أصلا لأن الجريمة واضحة والفاعل واضح !!
ولنا هنا أن نسجل أن إسرائيل في الذهنية العربية ارتبطت بالدولة الخارجة عن القانون, والدولة التي لا تخضع لقوانين مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية و وكالة الطاقة الذرية وترفض الانضمام إلى معاهدة الحد من الانتشار النووي, و لذا لا يمكن للعرب أن يقتنعوا “بجدية”  المحاكم الدولية دون محاكمة إسرائيل, التي احتلت وقتلت وشردت(ومازالت), وهذه القضايا يستخدمها السياسيون العرب لتخدير الداخل والشعوب العربية تحت اسم “السيادة وعدم تدخل الآخرين مروّجين أن العدالة تلك مرفقة بالاستخدام السياسي للغرب ليصل إلى مصالحه, وفق مبدأ ” حق يراد به باطل”. وهنا تلتقي المراوغة الغربية مع مراوغة النظم العربية في دك أسس العدالة وتسييسها, ومن هنا يغدو الازدواج في تفكير العقل العربي مبررا وظيفيا (دون أن يبرر إنسانيا وأخلاقيا), ليغدو العقل العربي محاصرا بين مطرقة السلطات الرافعة شعار “السيادة” ومطرقة الدوائر الغربية ومصالحها الرافعة شعار ” العدالة”, في الوقت الذي تنتهكان كلتاهما السيادة والعدالة معا.
© منبر الحرية، 28 نوفمبر/تشرين الثاني2009

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

بات من المؤكد والضروري أن نشر ثقافة التسامح والتعايش وقبول الآخر المختلف حاجة أساسية وملحة يجب زرعها في نفوس وعقول الجيل النشء، لأنها تساهم بشكل فعال في خلق جيل واع قادر على تحمل أعباء المسؤولية وقيادة المرحلة القادمة بشكل ايجابي وسليم، لأن مثل هذه الثقافة تشكل ترسيخاً قوياً لمعالم الوحدة الوطنية التي ينبغي بناؤها على أساس من الثقة وبعيداً عن الهواجس وحسابات الربح والخسارة.
لأن الثقافة بشكل عام هي ثقافة إنسانية، لذلك لا توجد ثقافة عديمة القيمة كلياً، أو ثقافة كاملة مكملة تحتكر الحقيقة الإنسانية وتختزل ثراء الوجود وتمتلك حق فرض معاييرها وإيديولوجيتها وأجندتها السياسية على الآخرين، بما في ذلك الليبرالية. لذلك نرى بأن السبب الكامن وراء الاستقرار النسبي والغنى الثقافي لمعظم المجتمعات الغربية يعود بالضبط إلى حقيقة أنها لا تعتمد على عقيدة سياسية وحيدة أو وجهة نظر واحدة للعالم.
ولا يتحقق التسامح وقبول الآخر، إلا بالحوار والتواصل، والمشاركة الحقيقية في اتخاذ القرار، لأن إقامة حوار بناء، وخلق فضاء للنقد والفكر المستقل يسود المجتمع حالة من الاستقرار والسلام والتعايش مهما اختلفت أعراق ومعتقدات أبنائه.
وإن الحوار والتواصل دائماً وأبداً هو الطريق الصحيح لحل كافة القضايا العالقة، وهو  البديل الصحيح عن فرض الرأي بالقوة، وبالحوار نحافظ على التواصل والمحبة والسلام، ونعمق معاني الديمقراطية والتعاون، ولا يكفي لنجاح الحوار مجرد الدعوة إليه دون اتخاذ خطوات عملية تترجم ما اتفق عليه من قبل الأطراف المتحاورة على أرض الواقع، وتنمي الثقة بين المتحاورين، فإذا لم يطمئن المتحاورين إلى المصداقية في إجراء الحوار، وإذا لم تستبعد العوائق والموانع فيصبح الحوار بدون غاية أو هدف، أو مجرد حوار من أجل الحوار.
إن المجتمع المتجانس ثقافياً يتمتع بقوة مميزة خاصة به، ويخلق مناخاً تشترك فيه الثقافات المختلفة لحوار مثمر يعود بالنفع على الجميع، ويساعد على إقامة حس مجتمعي تكافلي، وبذلك يسهل عملية التواصل الداخلي بين أبناءه، ويغذي ثقافة كثيفة متماسكة ويمدها بأسباب الحياة.
وإن قبول ثقافة الآخر المختلف لا يعني بالضرورة الاقتناع بها، إنما هو إقرار بوجود الاختلاف معها وبوجود هذه الثقافة وقبولها من قبل الآخر، شرط أن لا تكون تلك الثقافة مبنية على حساب حقوق الآخر أو وجوده، كما ويجب النظر إلى الآخر المختلف من دون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو القومية أو الخلفية الاجتماعية أو الاتجاه السياسي أو أي سبب آخر، وطالما أن الاختلاف لا يكون على حساب وجود الآخر أو حياته، فالآخر هو فرد مواطن، له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، فيجب احترام هذا الاختلاف والعمل على تعزيز قبول ثقافة الآخر المختلف مهما بلغت درجة الاختلاف، وتفعيلها بشكل طبيعي بما تنسجم مع واقعنا ومتطلباته.
وإن التسامح والديمقراطية لهما اتجاهان أي اخذ وعطاء وتفاعل ايجابي مع قيم إنسانية جديدة بعيدة عن روح التعصب والكراهية وشطب الآخر المختلف.
حيث إن غياب الديمقراطية تنعدم إمكانية تكافؤ الفرص في التعبير عن الرأي, وإن غياب العدالة السياسية تنقطع فرص الحوار والتواصل بين مكونات المجتمع, وإن غياب سلطة القانون يقع الضرر على الجميع بدون استثناء.
في المجتمعات الغربية توجد مئات من المجلات والكتب والجمعيات والهيئات والمواقع التي تمارس النقد المعرفي للدين، ويتقبلها الوسط الثقافي والاجتماعي الغربي برحابة صدر، دون أن يضيق بها أحد أو يدعو إلى الحد من حريتها، أما في مجتمعاتنا فيواجه النقد المعرفي للدين بالرفض والاستهجان، بل وبالدعوة إلى محاكمة من يمارسه بحجة إهانة (للمشاعر الدينية وللمقدس).. لأننا لم نصل بعد إلى أمر هام وهو أنه في النقد المعرفي لا توجد مقدسات تعلو على النقد.
إن مثل هذه الثقافة مفهومة، لأنها رد الفعل الطبيعي لمن لم يتعلم بعد ثقافة الاختلاف والتعددية الفكرية، ولم يعتد على قبول الآخر المختلف، ولذلك من الطبيعي أن نسمع من يصف النقد المعرفي للإسلام وبنيته الفكرية بأنه إهانة للمقدسات.
ولكن غياب ثقافة التسامح وقبول الآخر المختلف هو من أكثر عوامل الواقع الذي يعاني منه مجتمعنا في الوقت الحاضر، وهذا يمثل مسؤولية يجب أن يضطلع بها الجميع من قوى سياسية ومنظمات مجتمعية ومؤسسات ثقافية وحتى علماء دين، ولكن بعض ما تم ذكرها هو فاقد لما عليه أن يعطيه للمجتمع، وحيث أن فاقد الشيء لا يعطيه بأي حال من الأحوال.
وإن الاعتراف والإقرار بثقافة التسامح وقبول الآخر والاعتراف به هو أمر جيد ومقبول نظرياً ولكن يجب العمل والنضال من أجل ترسيخ قيمة هذه الثقافة وتطبيقها في الحياة اليومية بشكل يعود بالفائدة على الجميع دون استثناء.
من أجل العمل على نشر هذه الثقافة لا بد من اتخاذ بعض الخطوات العملية في هذا المجال ألا وهي:
– تبني برامج علمية وذلك لتنمية وعي مجتمعي…
– وضع مناهج تعليمية جديدة لإعداد جيل واع قادر على تحمل أعباء المرحلة…
– إيجاد أدوات إعلامية متطورة على جميع الأصعدة…
– نبذ كل أشكال التطرف والتخلف والتشدد في المجتمع عن طريق إقامة دورات تعليمية وندوات تثقيفية…
إن فكرة التسامح وقبول الآخر، واللجوء إلى الحوار وإلغاء فكرة شطب الآخر والثأر وإناطتها بالقانون، يعتمد على استعداد الأطراف التي تريد بناء مستقبلها على أساس تغليب المصلحة العامة على الخلافات الشخصية والمشاعر الدفينة البعيدة عن التعقل والتروي في نتائجها.
وهنا لا بد من الإشادة إلى بعض الشخصيات التاريخية المتسامحة:
– المهاتما غاندي: صاحب سياسة المقاومة السلمية (فلسفة اللاعنف) وتسامحه ومن أقواله:
“أين يتواجد الحب تتواجد الحياة.”
“إن اللاعنف هو القوة العظمى لدى الإنسان. وهو أعظم من ما أبدعه الإنسان من أكثر الأسلحة قدرة على التدمير.”
توفي مقتولاً برصاص شخص هندوسي متعصّب لم ترق له عظمة التسامح الغاندية.
– القائد الكردي مصطفى البرزاني المعروف بتسامحه وتعامله الإنساني مع الأسرى، فعبر ذات مرة بصريح العبارة عن إستراتيجيته العسكرية قائلاً: ( إن عقيدتي هي تحقيق مطالب شعبي وأن أفدي روحي في سبيل قضيتي …. وان حزبنا ليس ضد العرب ولا ضد أي قومية أخرى، ولا نشارك في ثورة من أجل اسم أو شهرة، إن العرب والأكراد أخوة، ولا يجوز التفرقة بين الأخوة، إننا لم نهاجم أحداً بل ندافع عن حقوق شعبنا الكردي).
– بابا الفاتيكان والكاثوليك المسيحيين في العالم يوحنا بولص الثاني:  تعرض لحادثة اغتيال عام 1981 من قبل تركي متعصب يدعى (علي أقجا) فخرج على أثرها بجروح بالغة، وادخل المستشفى واخضع لعمليات جراحية كادت تودي بحياته، لكنه بالرغم من ذلك التقى بقاتله وعفا عنه وأخلى سبيله بكل رحابة صدر !!!
انه لمن الضروري نشر ثقافة الحوار و التعددية مهما كانت الضريبة، وبفضل العولمة والتقنية الحديثة، لا يمكن لأي مجتمع اليوم عزل نفسه عن المؤثرات الخارجية، خصوصاً مع انتقال رأس المال والتكنولوجيا والقوى العاملة والأفكار وما إلى ذلك بحرية عبر الحدود الإقليمية وبالتالي إنتاج صيغ جديدة للتفكير والحياة.
تتكدس في أروقة التاريخ العراقي أفظع صور الاحتراب الداخلي والانقسام الناشئ عن غياب الوعي والرغبة بالانتماء المشترك لدى جميع الأطراف. ولا ريب في أن فرضية التاريخ المشترك والمصير الواحد، تمثّل أكبر إسهام أيديولوجي لتزييف هذا الواقع، وأسوأ استخدام لمطلب التعايش النبيل لأغراض سياسية مُريبة تضاد مستقبل الحياة المشتركة ذاتها، ويُراد به عادة المصادرة على الخيارات الأخرى لتقرير المصير. علاوة على ذلك، فإن هذه الرؤية المسبقة تكرّس أسوأ الأسس لفهم واقع العراقيين ومستقبلهم، وتطيح بكل الطرق المحتملة الأخرى لإدراك الموقف.
© منبر الحرية، 27 أكتوبر/تشرين الأول2009

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

لا نعدو الصواب حين القول، أن السبب الرئيسي في بوار العديد من مشروعات التنمية، وانهيار عالم  السياسة الحضارية، يرجع بالدرجة الأولى إلى غياب الحرية وخضوع الوجودات العربية والإسلامية  إلى تبعيات متعاظمة في الاقتصاد والثقافة.
فالاستعباد والخضوع الأعمى لقوى السيطرة، هو الذي يحول دون الحيوية والفاعلية والانطلاق في رحاب مشروعات التنمية الشاملة.
لذلك فإن تثبيت قواعد الحرية في المحيط المجتمعي، لا يتأتى إلا بتأسيس علاقات ووقائع تكسر حواجز الأثرة ونوازع الأنا  الضيقة وممارسات الشطب والإلغاء والنفي والتكفير والتشريد، وتؤسس لحسن الاستماع وقبول الآخر،واحترام وجوده وفكره وقناعاته.
قال تعالى [ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك بـه شيئا ولا يتـخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ].. (آل عمران آية 64). فالكلمة السواء لا تنجز إلا بعقل حواري يثري مضمون الحرية على المستوى الإنساني والحضاري.  فلا حرية حقيقية بلا حوار بين الأفكار والثقافات والوجودات السياسية والثقافية والحضارية.  وذلك لأن سبيل تعميم قيم الحرية هو الحوار، وبدونه تبقى الحرية شعارا يرفع، دون أن تكــون وقائع الراهن تجسيدا لها ولمثلها العليا.
وتجربة الحوار بين الأفكار والوجودات، هي التي تثري سؤال الحرية في الفكر والواقع، وهي التي تعطي لمضمون الحرية أبعادا تاريخية وآفاقا مستقبلية مشرعة لإبداعات الإنسان ومبادراته في سبيل تجذير مفهوم وتجربة الحرية في الواقع الإسلامي المعاصر.
فالحوار ليس من أجل إلغاء الخصم أو ثنيه عن أفكاره وقناعاته، وإنما من أجل الحرية وأفقها الإنساني والحضاري. والحرية لا تعني بأي شكل من الأشكال تجميد الاختلافات الفكرية والسياسية، وإنما تنظيمها وجعلها تسير في تجاه توافقي ـ بنائي. ويخطأ من يتعامل مع الحرية باعتبارها وسيلة تجميد الخلافات الفكرية والسياسية.
إن الحرية والديمقراطية هي وسيلة الإنسان المتحضر في تعامله مع الاختلافات الفكرية والسياسية. فهي توفر آليات لتنظيم هذه الاختلافات، وتشيع أخلاقيات وآداب عامة، توجه التباينات الفكرية والسياسية نحو البناء والتجديد والعمران.
ولأن الحوار سبيل الحرية ومن أجلها، لذلك ينبغي أن تتركز قيمة الحوار على مفاهيم مجتمعية وسياسية تثري مضمون الحرية، وتحفز القاعدة الاجتماعية على تبني خيار الحرية والديمقراطية على مستوى الأقوال والأفعال، وعلى مستوى المعتقد والسلوك، وذلك من أجل خلق مجتمع الإرادة والاختيار.
فحجر الأساس في الحرية، أنها لا تنجز إلا على أساس قوانين الحوار والاختيار لدى الفرد والجماعة.  والحرية وفق هذا المنظور، هي مفتاح التقدم، وطريق تعبئة الطاقات والإمكانات ومشاركتها جميعا في البناء والعمران.  ” وكان الحوار وسيلة نشر الدعوة، لم تكن هناك وسيلة أخرى غير الحوار والإقناع، لأن الفتوحات لم تستمر أكثر من مئة عام، ولم يتعد تأثيرها إنشاء سلطة سياسية للعرب المسلمين. على كل حال، إن معظم الجماعات الإسلامية غير العربية، انضمت إلى الإسلام بعد توقف الفتوحات. أما على صعيد وحدة الأمة، فقد كان الحوار قاعدة ضرورية  للحفاظ على هذه الوحدة التي استمرت حتى بعد انهيار سلطة الخلافة المركزية وتعدد الدول السلطانية الحاكمة.  أدى الحوار الداخلي بين المسلمين إلى انقسامهم إلى مذاهب ومدارس فكرية. تعددت الأساليب المعتمدة لاستنباط أفكار جديدة واكتشاف حلول للمشاكل المطروحة. وتعددت  العلوم التي استخدمت من أجل تحقيق مستويات أعلى من المعرفة ولم يكن لديهم خوف من الخلافات المذهبية داخل صفوفهم، فكأنهم كانوا يدركون أن الحرية في الحوار والنقاش والتسامح إزاء آراء الآخرين وإزاء الخلافات وتعدد الاجتهادات هي الوسائل التي تضمن وحدة الأمة “.
والحوار الذي لا يستند على قاعدة الحرية، فإنه حوار الطرشان وبعيدا عن المعنى الحقيقي للحوار، الذي يسمح للمتحاورين من الانفتاح على كل الآراء والبوح بكل القناعات والمواقف بدون خوف ووجل. فـ ” الحوار يرتكز على الحرية الفكرية في الساحة الحوارية، لأن الإنسان الذي لا يمتلك حريته في طرح ما يريد من سؤال أو اعتراض أو مناقشة، لا يستطيع الوصول إلى الحق إذا لم يجد الفرصة للإجابة على سؤاله، ومناقشة وجهة نظره. ولذلك فإن الإسلام يتقبل أي سؤال في أي موضوع، ولكنه يضع شرطا مهما، وهو أن يكون المحاور مثقفا بالفكــرة التي يخوض الحوار حولها من موقع المــوقف المضــاد، أو منفتحــا على آفـــاق المعــرفة فيمــا يــريد أن يسأل عنه.
والمحيط الذي يحارب الحوار، هو محيط مستبد وقمعي، حتى لو رفع راية الحرية. لأنه لا يمكننا أن نتصور حرية بلا حوار. فهو قرين الحرية، ووسيلتها في تعميم القيم ونشر القناعات والمبادئ. و ” عملية الحوار تتنافر بطبيعتها مع الإجابات الجامدة، والمسلمات المتحجرة، والأنساق المطلقة، وهيراركية العارفين، وكهنوت الآباء المقدسين، فإن هذه العملية تنفي نقائضها التي تكبح حركتها، وتقاوم ما يحد من قدرتها بما تؤسسه من وعي ضدي، يرفض صفات الإطلاق والتسليم والتقليد، الخنوع والإذعان، وكل ألوان التسلط والإرهاب “.
وفي المقابل نستطيع القول أنه ” بقدر غياب الحرية في المجتمع يغيب الحوار، وتسود لغة الصوت الواحد التي هي المقدمة الطبيعية للغة الإرهاب. وإذا كان الإرهاب إلغاء لوجود الآخر، ونفيا لحضور العقل، أو فعل اختيار المعرفة، فإنه يبدأ من حيث ينقطع الحوار، ومن حيث تشيع مخدرات التسليم والتصديق، ومسكنات الإذعان والاستسلام، ومبررات بطريركية الفكر أو مطريكية الثقافة. إن الإرهاب يتولد من رفض لغة الحوار وشروطه، أي تسلطية الصوت الواحد، من الإيمان بأن ما تقوله وحدك هو الحق، وإن الحق ملك خاص لك، ومن التسليم بأن فردا ما، فكرا ما، زعيما ما، يمتلك ما يجعل منه الأعلى ويهبط بالآخرين إلى الدرك الأدنى، كأننا إزاء مجلى النبي الملهم، أو الصورة البشرية للحقيقة الكلية “.
فالحـوار والتواصل الفكري الدائم، من المداخل الأساسية لتجذير مفهوم الحرية في الواقع المجتمعي.  إذ من خلال هذا الحوار الجاد والمتواصل تتأسس شروط التحول الفكري والاجتماعي. وبالحوار يتم تجديد وتطوير مفهوم الحرية على المستوى النظري والعملي، ويتم اكتشاف آليات جديدة ومبدعة للنهوض بالحرية في الواقع المجتمعي.
ولا يمكن مقاربة مفهوم الحرية في الفكر الإسلامي المعاصر، بمعزل عن مفهوم الاختلاف، وحق الإنسان الطبيعي في هذا الاختلاف.
وجذر حق الاختلاف في المنظور الإسلامي، هو أن البشر بنسبيتهم وقصورهم لا يمكنهم أن يدركوا كل حقائق التشريع ومقاصده البعيدة، وإنما هم يجتهدوا ويستفرغوا جهدهم في سبيل الإدراك والفهم، وعلى قاعدة الاجتهاد بضوابطه الشرعية والعلمية، يتأسس الاختلاف في فهم الأحكام والحقائق الشرعية، ويبقى هذا الحق مكفولا للجميع.
فالاختلاف مظهر طبيعـي في الاجتماع الإنساني وهو الوجه الآخر والنتيجة الحتمية لواقع التعدد. أعني أن التعدد لا بد من أن يستدعي الاختلاف ويقتضيه.   فالاختلاف من هذه الزاوية، قبل أن يكون حقا، هو أمر واقع ومظهر طبيعي من مظاهر الحياة البشرية والاجتماع البشري وكما تتجلى هذه الظاهرة الطبيعية بين الأفراد تتجلى بين الجماعات أيضا. لذلك فلا مجال لإنكار ظاهرة الاختلاف بما هي وجود متحقق سواء من حيث الوجود المادي للإنسان أو مــن حيث الفكر والسلوك وأنماط الاستجابة.
ووفق هذا المنظور لا يشكل الاختلاف نقصا أو عيبا بشريا يحول دون إنجاز المفاهيم والتطلعات الكبرى للإنسان عبر التاريخ. وإنما هو حق أصيل من حقوق الإنسان، ويجد منبعه الرئيسي من قيمة الحرية والقدرة على الاختيار.
وسيادة الرأي الواحد،يؤدي إلى التخشب واليباس، وإلى توقف العقل عن التفكير في القضايا الجادة، وضمور حـالات التجديد، والاستسلام لقوالب ونماذج ثقافية وفكرية جاهزة.
والبيئة الاجتماعية التي تقمع الآراء، وتنظر إلى الاختلافات والاجتهادات الثقافية والفكرية نظرة شائنة، هي البيئة التي تزدهر فيها حالات الجمود واللامبالاة، وتعشعش فيها كل الهوامش والطفيليات.
فالعقل قرين الحرية، فلا عقل فعال بدون حرية، و لا حرية مستديمة بدون عقل يمارس التفكير والسؤال والمساءلة، ويتحرك دائما نحو تجديد أفق المعارف والتصورات، وحرية تؤسس للشروط اللازمة لممارسة العقل سلطته ووظيفته الجوهرية.
ومن خلال الصلة الوثيقة بين العقل والحرية، تتجدد أدوات المعرفة، وتتطور أنماط الإنتاج العقلي والمعرفي. ووفق هذا السياق نتمكن من القول، أن الخرافة والتقليد الأعمى للآخرين كلها مضادات للحرية.. بمعنى أن سيادة الخرافة  يعني تراجع مستوى الحرية، كما أن شيوع حالات التقليد الأعمى يعني ضمور مجالات الحرية. فلا يمكن أن تلتقي الحرية مع الخرافة، كما أنه لا يمكن أن تنسجم حالات التقليد الأعمى مع متطلبات الحرية.
والإسلام الذي كفل حق الاختلاف، واعتبره من النواميس الطبيعية، وجعل التسامح والعفو  سبيل التعاطي والتعامل بين المختلفين. فحق الاختلاف لا يعني التشريع للفوضى، وإنما يعني أن تمارس حريتك على صعيد الفكر والرأي والتعبير، وتتعامل مع الآخرين وفق نهج التسامح والعفو. وبهذا لا يخرج الاختلاف عن إطاره المشروع، وفي نفس الوقت يمارس دوره الحضاري في حفز الهمم والبحث عن الحقيقة، والتعاطي مع جميع الآراء والتعـبيرات بعقلية حضارية تنشد استيعاب الآراء، وتستفيد منها جميعا في بناء واقعها ومسارها.
فالاختلاف لا يساوي الرذيلة والإثم والخلل، وإنما هو ناموس كوني وجبلّة إنسانية.  الخلاف والتشرذم والتفرقة، هي التي تساوي الإثم والخلل. وعلى هذا ينبغي أن نجدد رؤيتنا للاختلاف، ونتعامل معه وفق عقلية جديدة، لا ترى فيه إثما ومعصية، وإنما قدرة إنسانية مفتوحة ومتواصلة لإثراء الواقع والحقيقة.
فالاختلاف هو الوجه الآخر لضرورة الاجتهاد وإعمال العقل والفكر، كما أن الخلاف والتشرذم هو الوجه الآخر للخضوع للأهواء والغرائز والنـزعات الشيطانية، التي تتمرد على القيم والأخلاق، وتؤسس لصراعات وفتن دائمة، وتدخل الجميع في أتون النـزاعات التي لا طائل من ورائها.
فالحرية لا تعني الانفلات من الضوابط الأخلاقية والإنسانية، وإنما تعني امتلاك القدرة على التعرف والاختيار وفق لقواعد عقلية. فهي تتجه إلى الكمال وليس إلى التخريب، وإلى الانسجام ونواميس الكون والمجتمع وليس للخروج عنهما.
© منبر الحرية، 20 أكتوبر/تشرين الأول2009

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

تداول المفكرون العرب مفهوم الدولة في سياق حديثهم عن الأمة الواحدة والمنشودة، فنشأ لديهم خلط بين مفهومي الدولة/ الأمة إلى درجة التماه بينهما. وكان ضرورياً من الناحية التاريخية والمنطقية التمييز بينهما، لأن كلّ منهما يشكل تعبيراً نوعياً عن كينونة تاريخية متمايزة، لها وجودها وتاريخها الخاص. وبنتيجة هذا الخلط بين المفهومين غاب عن هؤلاء كذلك التمييز بين الدولة والمجتمع المدني، وكانت نتائج هذا الموقف هي الأشدّ خطورة على صعيد الحريات الفردية. وكما يلاحظ فأن التركة النظرية لمنظري القومية العربية، أمثال الحصري، والأرسوزي، وعفلق تفتقر بقوة إلى نسق نظري أو فلسفة عن الدولة بمعزل عن مفهوم الأمة.
بتأثير من التجربة القومية الأتاتوركية، استلهم الحصري مفهوماً مركزياً للأمة/الدولة يقوم على الفصل العميق بين الوحدة القومية ومسألة الديموقراطية، التي تجاهلها إلى حدّ كبير، ولم يكترث بحرية الأفراد ودورهم الفاعل في تقرير المصير السياسي للأمة. إذ شددت أدبيات الفكر السياسي القومي على تحرر الجماعة/ الأمة والدولة المطابقة لها، فلم تحظى فكرة حرية الفرد وحقوقه بأي اعتراف لديها، ولم تتبلور فيها منظومة لحقوق الإنسان الخاصة بموازاة حقوق المواطن. ولم ينل المجتمع أي اعتراف باستقلال كينونته خارج الدولة. إن الدولة المتصوّرة في الفكر القومي العربي هي صنو الأمة، تنشأ وتتطور من خلال تحرر الأمة السياسي ككل و سيرورتها نحو الوحدة القومية، لهذا لم يكترث هذا التصور بحرية الفرد ولم يعني بمساواته قط.

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

الخصوصية على مستوى الجماعات والشعوب هي مفهوم يمتد ليتسع لعدة أنماط تراثية وحضارية وثقافية وغيرها والصفة الأكثر وضوحا لها هي الانطلاق من محاولة وضع علامات فارقة مميزة لتلك الجماعة عن غيرها .. من زاوية أخرى يمكن اعتبار الخصوصية كمنتوج ومؤثر في نفس الوقت لوعي جمعي ساعد في تشكيله العديد من العوامل المتشابكة وعلى امتداد الزمن ..
هذا عن التعريف .. أما عن استخداماته وهو جوهر الموضوع .. فقد عانى مفهوم الخصوصية كغيره من المفاهيم التي تتصف ببعض الغموض والقابلة للتطويع والمط من محاولات استلاب وتهجين وتغيير مسار باختلاف الهدف ومصدر الاستخدام ..
فمثلا .. عندما يتحدث سدنة المؤسسات الرجعية ( سياسية أو دينية ) عن الخصوصية فغالبا يكون الهدف هنا هو الارتداد إلى لحظة تراثية معينة والتوقف عندها .. أو كحائط صد أمام دعاوى الحداثة والتطوير والعقلنة أيضا .. قد يكون التشدق بالخصوصية بمفهومها السلبي هو علامة ضعف أو عجز أو حتى انهزام .. وغالبا ما يتولد أيضا الهجوم المضاد لها من قبل عباد الحداثة .. وهم المسار المواز لعباد التراث .. ووجه الشبه هنا هو الجمود والفشل في إنتاج مقولات حداثية تنويرية تتميز بالأصالة والمعاصرة في آن واحد ..
عندما يتحدث بعض العقلانيين التنويريين عن الخصوصية الثقافية لمجتمعاتنا المأزومة يكون التوجه هنا نحو مفاهيم تغيب عن الوعي الملتاع من أية محاولة لتفهم الماضوي وعقلنته والمندفع دوما نحو الاغتراب والانفصال والإقصاء ..
تلك المفاهيم الغائبة أو المغلوطة هي الاحتياجات الخاصة بكل مجتمع وطبيعة تركيبته الاجتماعية والسياسية وارتكازاته التاريخية وغيرها ..
وتكون الدعوة هنا إلى موائمة الخصوصية ليست ارتدادا أو مراوغة حداثية و إنما بناء عقلاني سليم وأعمق تم تأسيسه على فهم طبيعة المجتمع النازح نحو التغيير .
التنوير ما بين عبّاد التراث وعبّاد الحداثة ..
وعلى الجانب الآخر .. تكون الدعوة إلى ( استيراد ) الأشكال سابقة التجهيز من مقولات الحداثة والتنوير مغرقة في السذاجة وعلى خلفية من جهل بحركة التاريخ ومتطلبات التطور ..
فكل وأي حراك اجتماعي وتنوير عقلاني بأي مكان وزمان هو مسار محكوم بعوامله الخاصة ومتطلبات مرحلته وخصوصيته التي تتحول هنا إلى هوية وعلامة فارقة تحدد له أهدافه وآليات تحققه من أجل ما سبق وغيره الكثير وبالتوازي مع فشل الوعي باللحظة الراهنة وهي من ركائز التنوير الأصيلة كانت المراوحة العربية فكريا شعبيا ونخبويا ما بين عبادة الحداثة وعبادة التراث ..
بعبارات أكثر وضوحا .. فان الخصوصية هنا ( في مسارها العقلاني الايجابي ) لا تعني الجمود .. بل تعني ضرورة إنتاج المجتمعات لآليات تطورها بنفسها وبما يتسق مع متطلباتها واحتياجاتها .. وفي نفس الوقت .. بما لا يتعارض مع خط التطور البشري فكريا وإنسانيا .. وإن أضاف له يكون الخروج من الحرية إلى التحرر .. وهو ما أشك أن مجتمعاتنا بنفس الأنماط السلبية من التعاطي سواء من عباد التراث أو عباد الحداثة سوف تبلغه فضلا عن بدء السير في طريقه .. ويبقى الحل كما أراه في ضرورة تبني مسار تنويري عام وشامل وهذا للأسف أيضا يسير في اتجاهه المعاكس أشكال الحكم السلطوية التي تكرس للماضوي وأحيانا تمجده .
الخصوصية هنا ليست ( صفات ) بل ( احتياجات ) .. ليست ( وفرة ) بل ( افتقاد (
لذلك وبالتأمل في مفهومها الإيجابي الذي يطغى عليه استنكار واقع الحال المزري الذي نعاين وقائعه كمجتمعات عربية ( وهو حق ) لاكتشفنا أن ما هو موجود من صفات تميز مجتمعاتنا المأزومة من فقر وجهل وتخلف وغيرها هي بالتأكيد موجودة ومستفحلة لكنها هنا توجد كصفات أو أمراض اجتماعية وفكرية يضلع التنوير والحداثة بالقضاء عليها .. بينما يكون موقع كلمة ( الخصوصية ) هنا هو الآلية والطريقة التي تتواجد بها تلك الأمراض الاجتماعية .. وتكون الدعاوى إلى مراعاتها عند العلاج هي تفهم ذلك التموضع لها من اجل النجاح في إيجاد حل سليم يتمتع بالموائمة .
مثال لتوضيح ما سبق ..
كان المجتمع الأوروبي يتصف في مرحلة ما قبل عصر التنوير بالرجعية والظلامية والخضوع لسلطان الكنيسة بالتحالف مع الإقطاع .. هذا الوضع المعين أنتج آليات تنويره وتطوره المتمثلة في الثورة الصناعية والعقلية التي توازت مع إطلاق عصر التنوير لصرخته الأشهر (كن جريئا في استخدام عقلك) بينما وعلى الجانب الآخر لن نجد أبدا هذا الوضع التاريخي و الاجتماعي متحققا بأي شكل من الأشكال بمجتمعاتنا العربية .. فنحن لسنا كيانات منتجة بالمعنى الأصيل الذي كانت عليه الدول الأوروبية وقتها. بينما تحور الإقطاع لصورة مؤسسات وأفراد ينتسبون للرأسمالية ( بوجهها الإستغلالي ) وبمزاوجة مع مؤسسات رجعية سياسية أو دينية … وهذا كله على خلفية من هيمنة خارجية وتحديات هوياتية بل ومواقعة احتلال واستنزاف مادي ومعنوي. هذا الاختلاف .. هو المقصود بالخصوصية .
الوعي باللحظة الراهنة ..
إن القول باستحالة أن نستطيع كمجتمعات وشعوب عربية إنتاج حداثة وعصرنة تتميز بالأصالة والمعاصرة هو قول يتعارض مع الحداثة ذاتها التي تؤمن بشيء اسمه الحراك والتطور .. ليس فقط بالمفهوم الديالكتيكي بل وأيضا بالمفهوم التنويري كأفراد ثم كشعوب .
ولا تعني دعاوى ضرورة التمثل بالخصوصية المجتمعية هو الانغلاق أو الإقصاء أو التقوقع على الذات. لا تعني التحريم أو التخوين أو الوقوف على طرف الحلبة من المجتمعات المتحضرة التي تصوغ لنا للأسف حتى مقدراتنا فضلا عن وقائع حياتنا اليومية الاستهلاكية وأحيانا الفكرية ..
ولا تعني أبدا عدم الالتفات إلى تجارب الشعوب التي هي في الأساس إرث إنساني عظيم وملهم ..
بل تعني محاولة فهم عميق لطبيعة مجتمعاتنا وتركيبته المعقدة المتشابكة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وذلك من أجل النجاح في إنتاج طرائق ناجحة للخروج من عصور ظلام عربية طالت كثيرا.  أما عن دعاوى نقل التجربة كما هي .. فالأمر هنا لا يتعلق برفضي أو قبولي أو رفض وقبول المجاميع .. فهو بالأساس مستحيل منطقيا لمغايرة الزمان والمكان والوضع التاريخي ..
وهناك فارق كبير ما بين أن نتبنى مثلا التنوير أو الحداثة وغيرها .. وبين ان نتبنى نفس الآليات التي استطاعت تلك المجتمعات أن تحقق أهدافها بها ..
الأول .. أي تبني المفاهيم والطرائق التطورية مع إعادة إنتاج آلياتها ووسائل تحققها هو حق .. وهو ما يجاهد كل عقلاني حر إلى بلوغه وتسييده بمجتمعه المأزوم ..
بينما الثاني .. أي تبني نفس الآليات والطرائق لهو فضلا عن استحالته إنما يمنح مؤشرا مرعبا على عدم الوعي باللحظة الراهنة وهو ما سيأتي إليه الحديث الآن .
الوعي باللحظة الراهنة ببساطة هو الوعي الذي يستطيع استقراء الحاضر وتجاوز الماضي من أجل محاولة إنتاج المستقبل وهو مقابل لما يسميه البعض ( الوعي الأصولي ) وهو كما يتضح من اسمه الوعي الذي يعاني من التوقف عند نقطة تراثية معينة ..
ولذلك أيضا كان الاشتقاق الصادم ( عبادة الحداثة ) وذلك لأن هؤلاء أيضا إنما توقف وعيهم عند نقطة إحداثية ما لن تلبث أن تنتقل بدورها بحكم حركة التطور الى التراثي والماضوي
الوعي باللحظة الراهنة هو الوعي المعنى بالتنوير .. أو ان شئنا الدقة بحمل مشاعله .. وذلك لأنه قادر على الابتكار والإبداع لا النقل والإتباع ..
أي تغيير مجتمعي هو وليد التثوير في شتى مناحي الحياة .. والتثوير هو منتوج تنويري بحت .. وهنا التنوير يتجاوز مفهومه المعرفي لينسكب على كافة طرائق و آليات التعاطي الإنساني مع الحياة حتى الشخصية أو الاجتماعية فهو مرادف دوما للتطور ولكن الإرادي لا المحتوم.
© منبر الحرية، 22 سبتمبر/أيلول 2009

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

تحت شعار “العالم العربيّ: حلولٌ جديدةٌ لإشكاليات قديمة”؛ نظّمَ مشروع “منبر الحرية”، التابع لمؤسسة أطلس وبشراكة علمية مع معهد كيتو الأمريكيّ، جامعته الصيفية الأولى لموسم 2009 ما بين 9 و 16 تمّوز/يوليو في منتجع المهدية الشاطئي (30 كلم شرق العاصمة المغربية)، والتي من المنتظر أن يُعاد تنظيمها مرة أخرى ما بين 25 و30 أيلول/سبتمبر 2009 في العاصمة اللبنانية بيروت.
كانت الجامعة الصيفية لمنبر الحرية مناسبة لالتقاء رؤى ومنهجيات متعددة لتباحث الإشكاليات المعقدة التي تمس عمق المجتمعات العربية المعاصرة. هذا وقد عرفت الجامعة الصيفية لهاته السنة حضورَ باحثين مرموقين من مختلف أنحاء العالم العربيّ بغيةَ إثراء النقاش حول مجموعة من المحاور التي تهم الراهن العربيّ.
وفي هذا السياق تطرق الأكاديمي المصري الدكتور/ محمد حلمي عبد الوهاب، في مداخلته الأولى إلى “ما يتعدّى نفيَ الآخر، كيف ترى الخطابات الدينية إلى الليبرالية؟”، وأشار في بداية مداخلته إلى أنه ينبغي التمييز بين “النص الديني المقدس” و “الخطاب الديني” الناتج عن إعمال الفكر في فهم هذا النص، حيث يؤدي الخلط بينهما إلى إسقاط طابع القداسة وارتحالة من فضاء الأول “النص المقدس” إلى عالم الثاني “الخطاب/البشري”. ومن ثم، تكتسب الاجتهادات التأويلية ذات الطابع الإنسانيّ سمتا من القداسة، الأمر الذي يحولُ بطبيعة الحال دون تقويمها ونقدها.
كما أكد الباحث في مداخلته أن الخطاب الديني ليس واحدا كما يعتقد البعض؛ وإنما هناك مجموعة كبيرة جدا من الخطابات الدينية التي تصدر عن قطاعات مختلفة تتصارع فيما بينها على الحديث باسم الإسلام، وتتفق فيما بينها على أن ثمة حربا يشنها الغرب على الإسلام والمسلمين بلا هوادة، وأن أخطرها على الإطلاق هو ما تسميه بـ ”الغزو الفكري“. وبحسب هذا المنطق، فقد تسللت الليبرالية إلى بلاد الإسلام، مع أن الأخير ليس بحاجة إليها، وأنه ليس بالإمكان الجمع ما بين منهج مادي يرفض الأديان ومنهج الإسلام الرباني، فالليبرالية تعني في حكم الإسلام ألوانا متعددة من الكفر والشرك المناقض لحقيقته، وأشكالا مختلفة تناقض أخلاقه وقيمه، وأن من يقوم على إشاعة الفكر الليبرالي اليوم ليسوا سوى ”مجموعة من الزنادقة والملاحدة يناقضون جذور الإسلام وأصوله الأساسية”.
وهذا ما يؤدي، بحسب د. حلمي، إلى أن تنتصر الجهادية الانتحارية والمدمِّرة في النهاية، لذا لا بد لكي يسودَ انسجامٌ نسبيٌ بين المثال والواقع، أن تتغير رؤية العالَم لدى الإسلاميين وذلك عبر إقبال الدعاة على أمرين رئيسيين: أولهما الدعوة لبناء الدين، وفي موازاة ذلك إسقاط سوء الظن بالعالَم الآخر.
وفي نفس السياق، تناولت الأستاذة مرح البقاعي موضوع “مداولة الإسلام بين الزمني والروحي”، متسائلة عن موقع الإسلام اليوم من هيكلية الدولة بمؤسساتها ومرجعياتها وبيئتها السياسية المختلفة، وعن الدور الذي يُفترض أن يلعبه في المجتمعات المعاصرة.
هذا وتؤكد الأستاذة مرح أن الجدل الراهن القائم بين أضلاع المثلث الثلاثة: (الإسلام ـ السياسة ـ المجتمع)، والذي تحول سريعا إلى مواجهات فكرية وسياسية ـ وأحيانا مسلّحة، قد نأى بالمجتمعات الإسلامية عن قراءة الحالة المدنية في الشريعة الإسلامية، مما أجّج الصدام، المتواصل أصلا، بين الجماعات الإسلامية من جهة، والتيارات العلمانية والتنويرية، من جهة أخرى؛ مثلما أدى إلى تعاظم الاحتقان الاجتماعي.
وانطلاقا من تجارب بعض الحركات الإسلامية كالإخوان المسلمين وتجارب بعض الدول العربية في تعاملها مع الاجتهاد والإصلاح والعلمنة خلصت د.مرح إلى أنه يجب ردّ الإسلام إلى جوهره الاعتقادي الروحي الأول كونه علاقة منفردة ومتفرّدة بين الفرد والله، ذلك أن التعصب والجمود لن يؤد إلا إلى  الاحتقان السياسي والاصطفاف المذهبي والانقسامات العقائدية السياسية التي تضع منطقة الشرق الأوسط برمتها على حافات الانزلاق إلى حروب أهلية.
من ناحية أخرى، تطرق الدكتور إدريس لكريني، الأستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش، إلى مسألة الديمقراطية، ولكن من خلال دور النخب في الإصلاح الديمقراطي. ومن ثم جاء اهتمامه بالنخب السياسية منصبا على الإيمان بأن دراستها  تنطوي على أهمية كبرى، باعتبارها تساهم بشكل كبير في فهم وتفسير السلطة السياسية داخل الدولة. خاصة، وأن النخب السياسية العربية تجد نفسها أمام واقع سياسيّ عربي صعب، مما يفرضُ تحملها للمسؤولية نحو بلورة إصلاحات ديموقراطية ناجعة.
وفي مداخلته تلك أكد د.لكريني على وجود أزمة مركبة لهذه النخب، ممثلة في ضعف المصداقية لديها، بسبب سكوتها عن نقد الأوضاع الحالية ما أدى إلى فقد ثقة الجماهير العريضة في قيادييها.
وأنه من أجل أن تكون هذه النخب فاعلة على مستوى الإصلاح والتغيير، ينبغي عليها -بحسب د.لكريني- أن تراهن على الجماهير؛ والتي من خلالها ستستمد مشروعيتها وقوتها، كما أن إيمانها بالديموقراطية مبدأ وسلوكا يعد منطلقا لتحقيق تغيير حقيقي في الأقطار العربية.
وفي مداخلته الثانية قدم الدكتور الكريني نموذجا لتجربة مغربية متميزة في العالم العربي، وهي تجربة “هيئة الإنصاف والمصالحة” والتي كانت في أساسها محاولة لرد الاعتبار لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وجاءت في إطار التطورات التي شهدها المغرب في مسار حقل حقوق الإنسان، أو ما سمي بـ “مسلسل الانتقال الديموقراطي” الذي بدأ منذ منتصف التسعينيات.
وفي هذا السياق كانت اللجنة التي شكلت من نخبة من الناشطين والمناضلين الحقوقيين والمعتقلين السياسيين السابقين، قد كُلفت بمَهَمةِ مقاربة سياسية للملفات المرتبطة بالانتهاكات الجسيمة التي شهدها المغرب ما بين سنة 1956 و1999، والتي أرادت أن تكفل رد الاعتبار للضحايا وتمكن المتضررين من تعويضات مادية مناسبة.
هذا  وتدخل هذه التجربة في إطار ما يعرف دوليا بسياسات “العدالة الانتقالية” التي تؤمن تحولا سياسيا مرنا وهادئا، وتسمح بمصارحة الذات والتاريخ والعمل على تلافي التجارب القاسية في المستقبل.
لكن على الرغم من وجود العديد من العراقيل والانتقادات التي وجهت للهيئة؛ إلا أن د.لكريني أكد على أن تجربة “هيئة الإنصاف والمصالحة”، والتي تعد الأولى من نوعها بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تبقى تجربة شجاعة بكل المقاييس؛ سواء على مستوى إحداث الهيئة في حد ذاته، أو على مستوى بلورة النتائج والتوصيات التي خلصت إليها، وهي خطوة تاريخية تقتضي بأن يعززها فتح ورش إصلاحية في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية والقضائية والإدارية.
وفي إطار الاهتمام بالإشكالات التي تمس عمق المجتمع العربي طرح الباحث عزيز مشواط ممقاربة مهمة لموضوع “تضخم خطاب الهوية العربية”، وما ينتج عن ذلك من تساؤلات وإشكالات حول المفهوم ودرجة تعقيدهّ، ومدى مساهمة الدين في بناء الهوية العربيةّ، ودور الأزمات، بمختلف مستوياتها، في بناء الخطابات الهوياتية المتطرفة؟ .وكيف يمكن بناء هوية قائمة على أسس من التعايش والحوار المشترك؟
وبحسب ما يؤكد الأستاذ/ مشواط؛ فإن الهوية العربية تقف في مفترق الطرق بين اتجاه يرنو إلى التشكل وفق المتغيرات الجديدة، حيث انهيار المسافات بين المجتمعات بفعل الثورة التقانية ووسائل الاتصال المتدفقة من كل جانب. أما الاتجاه الثاني، فيمكن أن نسميه بالاتجاه النكوصي الافتراضي المتطفل على زمانه، والذي يقدم الهوية الأصلية بصفتها المقدسة والمطلقة والخاضعة للتأبيد والثبات، وهو اتجاه لا يمكن أن ينتج عنه سوى كسر الحوار وثقافة للعنف وتشويش للرؤية.
غير أن مسعى البحث عن الهوية الموحدة في الحالة العربية لا يتم بحسب مشواط دون اللجوء إلى الدين بحال من الأحوال. وعلى هذا الأساس يستعير الخطاب الهوياتي النكوصي من الدين عناصره المتمثلة في الحقيقة المطلقة والعقيدة الثابتة، فتصبح الهوية والدين متلازمان.
ويخلص الأستاذ/ مشواط إلى القول: إن أزمة خطابات الهوية في العالم العربي تتمثل في عملية التبسيط الشديدة التي يتعرض لها مفهوم الهوية نفسه، رغم شدة تعقده وإحالته على عوالم يستحيل تصنيمها واختزالها من خلال الثبات. كما تتمثل أيضا في استمرار منطق الثنائيات المتصلب مما يؤدي إما: إلى التمجيد والنرجسية الفارغة، أو إلى التعصب والعنصرية. وفي كلتا الحالتين ستكون النتيجة هي التقهقر، والتطرف فكرا وثقافة واجتماعا، مما ويقود إلى الانغلاق والتطرف.
وفي مداخلته الثانية، تطرق د. حلمي إلى بحث “إشكاليات تعثر التحول الديمقراطي وفشل مشروع الإصلاح في العالم العربي” في محاولة منه للإجابة عن التساؤلات التالية: كيف ولماذا تنبثق الديمقراطية، أو لا تنبثق، لدى أمة من الأمم دون غيرها؟!، ولماذا تتعثر تجارب التحول الديمقراطي في حقبة زمنية ومكانية محددة، فيما تنجح نظائرها في مناطق أخرى من العالم؟
بداية أشار د. حلمي إلى أن مفهوم الديمقراطية يصعب تعريفه أو حصره في تعريف واحد، وهو ما يجعل من الديمقراطية ديمقراطيات من حيث التعاريف، خاصة وأنّ تغير الظروف السياسية من خلال التطور الحضاريّ أضاف لها معاني ودلالات متعددة.
وفي المقابل ركز الباحث على تعثر المسلسل الديمقراطي في الدول العربية، خاصة مع اتباع أغلب النظم العربية المعاصرة سياسة الانفتاح السياسي من دون دمقرطة مما ينتج عنه مجموعة من الإشكالات من أبرزها:
•    بقاء مركز السلطة كما هو غير قابل للتغيير بوسائل ديمقراطية ومحتكرا لصالح ملك أو رئيس.
•    الحفاظ على شكل الدولة البيروقراطية التسلطية.
•    عدم حدوث أي تغيير جوهري يذكر بالهيكل التسلطي للقانون مع تزايد قبضة السلطة على مقاليده.
•    حصول انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان السياسية والاقتصادية.
هذا وقد جعل الباحث من مصر نموذجا للدول العربية التي عاشت نفس التعثر، حيث تحدث عن تطور المفهوم الديمقراطي وتعثره منذ خضوع مصر للخلافة العثمانية وإلى يومنا هذا.
وفي نهاية مداخلته اقترح د.حلمي استراتيجية جديدة لتنظيم الانتقال الديمقراطي والتي يمكن أن تتم من خلال معالجة الجوانب الرئيسية المرتبطة أساسا بمشاكل العالم العربي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وذلك من خلال الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي على اعتبار أن معالجة الأزمات الاقتصادية وما يرتبط بها من تقلص فرص التنمية تعد شرطا ضروريا وتمهد الطريق أمام التحولات السياسية الديمقراطية، وجعل الاختيار الديمقراطي هدفا ممكنا بالنسبة لجميع الطبقات الاجتماعية، هذا بالإضافة إلى العمل على إعادة البناء السياسي للمجتمع، أي زرع وتوطين الهياكل المؤطرة له والمعقلنة لسلوكه وحركته وبما يتضمن إدخال للشروط الملائمة لنمو النقابات والجمعيات والأحزاب السياسية.
وفي سياق آخر، عالج الدكتور نوح الهرموزي في مداخلته “إشكالية المعرفة والنمو الاقتصادي في العالم العربي” واقع المعرفة في العالم العربي المعاصر وعلاقة هذا الواقع بالنمو الاقتصادي، مؤكدا أن الجوانب الاقتصادية تشكل بدورها رهانات أساسية لتقدم الدول العربية المعاصرة. وفي تحليله لواقع النظم المعرفية والتعليمية في العالم العربي، أكد الهرموزي أن هذه النظم تتميز بوجود تباين بين التكوين العلمي ومدى ملاءمته لمستلزمات سوق العمل، هذا بالإضافة إلى عدم اهتمام الدول العربية بمجال البحث العلمي، والذي تخصص له ميزانية هزيلة جدا بالمقارنة مع المعدلات العالمية المرتفعة.
وإلى جانب ما سبق، أكد د. نوح على أن جودة التعليم وفعاليته تتوقف على قدرته على الاستجابة لمتطلبات العصر والقدرة على التكيف والابتكار داخل عالمنا المعولم، كما أن نموذج الدولة الكفيلة بإنتاج نظم تعليمية فعالة هي دولة الحق والقانون حيث تسود الشفافية وسيادة القانون والمساءلة، وحيث حقوق الملكية واضحة ومحترمة، وحيث يمكن للمواطنين المشاركة في الشؤون العامة بلا أدنى إكراه، وحيث تترك السلطة المركزية مجالا مفتوحا لمبادرات القطاع الخاص.
وفي مداخلته الأولى تناول الدكتور نعيم الظاهر، المدير الإقليمي لجامعة لاهاي الدولية بالأردن، إشكالية العولمة في العالم العربي، باعتبار أنها أصبحت ظاهرة حتمية، وانطلق في دراسته من التساؤل الذي يطرح نفسه بإلحاح، ألا وهو: هل ستعمل العولمة على محو الهوية الثقافية والدينية في المجتمع العربي المسلم ؟ أم أن هذه الثقافة ستكون قادرة على الحفاظ على أصالتها وخصوصيتها؟
وفي إجابته على التساؤل السابق أكد د. الظاهر أن تجاوز هذه الإشكالات يكمن في التفكير في أنسب الطرق التي يمكن لمجتمعاتنا معها دخول نظام العولمة، بما يضفي على هذا النظام الاجتماعي الاقتصادي الخصوصية العربية والإسلامية، وبما يضمن عدم فقدان الهوية الثقافية والدينية لها، وذلك من خلال تلافي الظواهر السلبية التي أفرزتها العولمة في المجتمعات التي ظهرت فيها، أو التقليل من حدة هذه الآثار إلى حدودها الدنيا على أقل تقدير.
وإذا كانت أزمة التعليم والبحث العلمي أصبحت تطرح نفسها بشكل كبير في وقتنا الراهن، فإن أزمات المجتمعات العربية أضحت أكثر عمقا في زمن العولمة والتقهقر السياسي والاجتماعي والاقتصادي في كثير من البلدان العربية المعاصرة، وهو ما دفع بالدكتور الظاهر إلى معالجة مفهوم الأزمة في مداخلته الثانية المعنونة: “العرب وإدارة الأزمات”، والتي تحدث خلالها عن معنى  إدارة الأزمات، وأعطى أمثلة ونماذج عربية ودولية لإدارة الأزمات أثناء وبعد الحرب الباردة. مؤكدا أن إدارة الأزمات تحتاج إلى تأييد المجتمع، ومساندته وتعضيده، ومن ثم كلما كان المجتمع معارضاً لقوى الأزمة، كلما كان من السهل التعامل معها، أما إذا كان مؤيداً ومسانداً لقوى الأزمة، كان من الصعب التعامل معها.
وبحسب الدكتور الظاهر؛ فإنه على الرغم من تعدد أشكال الأزمات وأنواعها، إلاّ أن الهدف من مواجهتها، يتمثل في الحدّ من التدهور والخسائر؛ والاستفادة من الموقف المستجد، في الإصلاح والتطوير؛ ودراسة أسبابها وعواملها، كي يمكن اتخاذ الإجراءات الملائمة، ليس فقط لحلها، ولكن أيضا لمنع تكرارها.
وفي ارتباط بالموضوع الرئيس للمنبر حاول الدكتور يوسف تيبس من جامعة محمد بن عبد الله بالمغرب الاقتراب من الأسس الفلسفية لمفهوم الحرية من خلال مداخلته: “قراءة في التصورات الممكنة لمفهوم الحرية في العالم العربي الإسلامي” انطلاقا من المرجعيات المؤسسة لمفهوم الحرية في الواقع العربي الإسلامي، ومقتضيات حرية الممارسة الدينية  وذلك من خلال نظريات فلاسفة الأنوار وكشف التعارض الكائن –بحسبه- ما بين الحرية الطبيعية والتصور الديني للحرية وحدودها.
في حين حوّلت الأستاذة مرح ندوتها عن “الحريّة والشباب” إلى ورشة عمل شارك فيها جميع المشاركين متدخلين ومشاركين حيث أجاب كل واحد منهم عن مفهومه وتعريفه الخاص للحرية ومعناها. ومن ثم تراوحت التعاريف المقترحة من قبل المشاركين بين تأييد “الحرية من دون قيود”، على اعتبار أنها تمثل الانفتاح على الحياة دون ضوابط، والخلاص من القيود والذهاب بالعقل إلى ما لانهاية، وبين تأييد “الحرية المنضبطة” وقد خلص المشاركون إلى تعريف الحرية بأنها: “اختيار ما نريد ضمن ضوابط توافقية”.
© منبر الحرية، 14 أغسطس/آب 2009

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

لايحتاج المرء للإطلاع على التقارير الدولية أو الإقليمية حول موضوع التنمية البشرية في أغلب بلداننا العربية ليخرج بخلاصة تؤشر “التصحر” الذي تعاني منه الطاقات البشرية. وتتبلور هذه الظاهرة الخطيرة على نحو مؤلم في النزعة الإستهلاكية والميل إلى المنتجات المستوردة الجاهزة وفي العزوف عن الإبداع والعمل المثابر. كل هذا أدى إلى تدنّي روح المبادرة وغياب لذة العمل، إن لم نقل بهجة الكدح، التي تمنح الحياة طعماً ومعنى. بيد أن زحف التصحر البشري آخذ بالإمتداد بسرعة مذهلة، وهو في طريقه إلى ملامسة وإبتلاع أكثر المناطق الخضراء في النفس البشرية حيث تمتد كثبان الجهل والترهل والأمية المقنعة إلى أكثر قطاعات الحياة حيوية، كما سنلاحظ ذلك لاحقاً.
لا تتطلب عملية تشخيص هذه الظاهرة المقلقة التي تؤدي إلى هدر الموارد البشرية وتبديد الطاقات الشابة سوى القليل من القدرة على الملاحظة: ملاحظة الميل الواضح لدى الشبيبة والنشء إلى الخمول والكسل والبحث عن الوظائف (وليس المهن) التي تشكل واحدة من أخطر مظاهر التراجع الإقتصادي، وهي الوظائف الشكلية التي يراد منها الحصول على موارد وأجور دون تقديم شيئاً يذكر. هذه هي البطالة المقنّعة التي تعاني منها الدول الميسورة إقتصادياً التي تلتزم حكوماتها بصيانة حياة المواطن وضمان أمنه الإقتصادي من خلال خطط التشغيل، بأية طريقة وبأي ثمن. بيد أن الظاهرة المؤسفة تأخذ مدياتها الأوسع عبر عزوف الشبيبة عن الأعمال التي تكسب المهارات والخبرات. وإذا كانت الوفورات المالية قد أهلت عدداً من المجتمعات العربية إلى إستيراد كل شيء حرفياً، فإن الموضوع يأخذ مدياته الإستراتيجية والإقتصادية البعيدة عندما يستذكر حقيقة أن الموارد النفطية، مثلاً، إنما هي موارد ناضبة، وإن أهم الخطوات التي ينبغي للحكومات في المنطقة الإضطلاع بها تتمثل في إستثمار هذه الموارد للتأسيس لموارد أخرى تخدم قواعداً لإقتصاد صلب مضمون للمستقبل. هذا ما تعمل على تحقيقه العديد من الحكومات العربية، بيد أنها تعاني من صعوبة صد طوفان النزعة الإستهلاكية التي جردتنا حتى من أبسط الصناعات والحرف التي أتقنتها الأجيال السابقة لعصر النفط والبترودولار. بل أن الظاهرة راحت تتفاقم لتلقي بآثارها حتى على القطاعات الزراعية والرعوية، حيث يغادر الأبناء حرف آبائهم وأجدادهم كي “يسعدوا” ببيوقراطية الجلوس خلف منضدة في مكتب أنيق لإحدى دوائر الدولة أو شركات للقطاع الخاص. لقد أدت “حمى” البيوقراطية إلى مظاهر مؤسفة كالخجل من الأعمال اليدوية والعزوف عن الإنتاج الملموس المثابر، الأمر الذي أدى إلى ظواهر أكثر خطورة مما قد نتصور: منها إستيراد الأيادي العاملة من البلدان الفقيرة كي تخدمنا مقابل أجور ثقيلة مأخوذة من الموارد الطبيعية التي كان ينبغي أن تخصص لإستثمارات ذات جدوى مستقبلية.
عندما يدير المرء جهاز التلفاز على العديد من الفضائيات العربية، فإنه لا يمكن أن يفلت من ملاحظة تلك الأعداد المهولة من الشبان والشابات الذين يتشبثون بفنون الترفيه كالغناء والرقص والعروض الرخيصة التي لا تحتاج إلى مهارات أو إلى ثقافة مهما كانت. هذه “الجيوش” من المتطلعين للشهرة وللكسب السريع تعبر عن مأزق وتعقيدات نكوص التنمية البشرية في أغلب الأقطار العربية، حيث يعتمد هؤلاء على أشكالهم الخارجية أو على ما حفظوه من أغانٍ وحركات كي يتمكنوا من حصد الأموال بلا مؤهلات علمية أو حرفية تستحق الذكر. لاريب في أن هذه الظاهرة، كما هي عليه حال ظاهرة التشبث بالمنضدة البيروقراطية، تضع أصابع الإتهام على الأنظمة التربوية، المدرسية والجامعية الأولية، حيث أصبحت الدراسة في المدارس والكليات شيئاً من “الوجاهة” الإجتماعية، بغض النظر عن المهارات والمعارف المكتسبة. وتتجلى الحال على نحو أكثر مرارة لدى حملة الشهادات العليا الذين تكفي مقابلة واحدة مع بعضهم لإماطة اللثام عن أن ما يحملون من شهادات علمية لايزيد عن “ديكور” شخصي.
ربما يسأل المسؤولون في الوزارات ودوائر التخطيط المختصة في العديد من الحكومات في المنطقة: إذاً، إلى أين تذهب الأموال الأسطورية المخصصة لخطط التنمية البشرية في حقول التعليم العالي والمدارس المهنية ؟ لا ريب بأن على هؤلاء السادة المحترمين أن يضعوا أيديهم على الخلل، بدليل أننا نستورد كل شيء: من الخادمات والمربيات الأجنبيات اللائي نضع أطفالنا “أمانة” بين أيديهن، إلى المهندسين والبناة الماهرين الذين يقيمون لنا الجسور ويشقون لنا الشوارع كي نتسلى بقيادة سياراتنا المستوردة عبرها! ولكن مالذي تفعله المدارس والكليات التي تُفتح بالعشرات في أغلب البلدان العربية ؟ إنه سؤال مضنٍ يستوجب المراجعة والتحقيق بعد إجراء حسابات مالية وزمنية بسيطة حول تاريخ التعليم والتعليم العالي في البلدان العربية: هذا التاريخ الذي صار طويلاً منذ أن تحقق الإستقلال السياسي لأغلب الدول العربية كان يكفي ضمانة لأن نوفر جميع الحرف والمهارات بداخل بلداننا دون الحاجة لإستيرادها أو للإستعانة بها من الغير. بيد أن المؤسف هو أننا نرسل مرضانا إلى لندن أو نيويورك لإجراء العمليات الجراحية، بالرغم من أن كليات الطب في بلداننا لها تراث طويل من العمل وأجيال من المتخرجين، وبالرغم من أن حكوماتنا لم تبخل بإبتعاث الآلاف من الأطباء للتخصص في الجامعات الغربية. هذا كله تم إنجازه ولكن مريضنا لا يثق بالجراح المحلي لأنه يفضل أن تجري عمليته في إحدى مستشفيات لندن، والأدهى هو أن الذي يجري هذه العملية هناك يمكن أن يكون جراحاً هندياً أو عربياً مهاجراً ! هذه مفارقة تستحق الملاحظة لأنها تجسد البون الكبير بين جدوى إستثماراتنا على الصعيد التعليمي والجامعي التخصصي وبين جدوى إستثمارات الدول الأدنى مستوى معيشي: الفرق يتلخص في أن جيوبنا ممتلئة بالمال، بينما تعتمد جيوبهم على العمل والمثابرة والإبداع كي يصيبها شيئاً منه.
ويجسد الوضع الإقتصادي في العراق، على سبيل المثال، هذا النكوص المؤلم: فبعد عقود من “الضوضاء” حول بناء قاعدة صناعية رصينة ومشاريع مهولة للتصنيع العسكري والمدني (أدت إلى الحروب الدموية المعروفة) نجد أنفسنا اليوم نستورد كل شيء حرفياً: من علب الكبريت والملابس البسيطة والمشروبات الغازية إلى الأجهزة الكهربائية والمكائن الصناعية. إذاً، أين ذهبت الأموال الأسطورية التي أُقتُطعت من رغيف المواطن فخصصت لخطط “التنمية الإنفجارية” عبر أكثر من خمسة عقود كلفتنا الكثير الكثير من الرفاه والتقدم. لدينا الآن عشرات الجامعات ومئات الكليات، بينما كنا نتحدث عن الصواريخ البعيدة المدى وعن تصنيع الدبابات والمدافع والسيارات وعن إطلاق أول قمر صناعي عراقي، أما الآن فنحن نستورد حتى الإبرة والمسمار. هذا النموذج ينبغي أن يُستحضر كي يلاحظ المسؤولون والمواطنون في جميع دول المنطقة كيف يمكن لخطط التنمية أن تغدو “حبراً على ورق” لأنها تفتقر إلى الجدية وإلى الرقابة الدقيقة والتقييس العملي.
لا ريب في أن الدول المتقدمة صناعياً تعمل على تكريس هذا التيار الإستهلاكي اللامجدي الذي راح يستهلك الإنسان قبل الإقتصاد في العديد من دول المنطقة: فالغرب لا يمانع من قبول المئات من طلبة البعثات والعشرات من المتدربين من بلداننا في دورات أكاديمية أو مهنية، ولكنه يدرك جيداً أن هذه الكوادر والأموال المخصصة لها ستذهب هدراً في ظل تعاظم النزعة الإستهلاكية وتراجع المبادرة العلمية والحضارية. لهذا السبب تبقى الدورة العالمية المبتناة على إستيراد الدول الصناعية الغنية مواردنا الطبيعية، لإعادتها إلينا، بأضعاف مضاعفة من أسعارها، كمنتجات صناعية، منها منتجات بسيطة كنا نضطلع بصناعتها حتى سنوات قليلة خلت. إن دورة التراجع المستديم (وليس التنمية المستدامة) التي تعاني منها العديد من الإقتصاديات العربية بحاجة إلى وقفة جادة تتجاوز البيانات الرقمية المقدمة للقيادات السياسية لإستدرار الإطراء والمكافأة، وقفة تقيس جدوى جميع المخصصات المالية الموجهة إلى التنمية البشرية من أجل تجنب الوقوع في “دائرة سحر” التخلف الدوري المتعاظم التي تبقينا حبيسي فتح الإعتمادات والإستيرادات حتى آخر برميل نفط تبتطنه أرضنا.
© منبر الحرية، 11 أغسطس/آب 2009

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

شهدت إيران في الثاني عشر من شهر حزيران الجاري انتخابات لرئاسة الجمهورية الإسلامية، بمنافسة ملفتة بين التيار الإصلاحي، والتيار المحافظ الحاكم ، وحضورا لم تشهده إيران من قبل حسب المراقبين، وقد رصدت الانتخابات وسائل الإعلام لمختلف الدول، وبهذا الحضور الكثيف، تفاءل الإصلاحيون من أن النجاح بات شبه مؤكد، بل أن أحد المصادر في وزارة الداخلية الإيرانية  قد أبلغ المرشح الإصلاحي السيد مير حسين موسوي مباركا ومهنئا بفوزه الأكيد، وعليه صياغة كلمته حينما يشهر  فوزه أمام الملأ..
بيد أن النتائج المعلنة رسميا، أفادت بنجاح الرئيس الحالي  السيد أحمدي نجاد لدورة رئاسية ثانية، وبفارق كبير بينه، وبين السيد الموسوي، أي 63 بالمئة لأحمدي نجاد و33 بالمئة لحسين الموسوي، هذه النتيجة بحسب المراقبين  قد صدمت الإصلاحيين وسرعان ما أعلنوا عن لعب  وتزوير في النتائج، ويبدو أن وزارة الداخلية الإيرانية قد أدركت خطورة الموقف، فقد شهدت العاصمة طهران اضطرابات، فنزلت إلى الشوارع أرتال من جيل الشباب خاصة، إلى جانب العنصر النسائي، وهذا الثنائي عدّا أكثر المتضررين بفوز الرئيس نجادي، وهما أكثر حماسا للإصلاحات في البلاد، وهذه النتيجة عمقت الهوة بين الشباب والعنصر النسائي من جهة والدولة من جهة أخرى، فجاء الرد بإغلاق الهواتف ومواقع البريد الإلكترونية، وتم قطع التيار الكهربائي.. وتتالت التصريحات، وبالتالي توالت الإجراءات، فالسيد مير حسين الموسوي أعلن أنه هو الفائز، وبالتالي فالنتيجة هي مزورة وطلب من الجماهير الغاضبة النزول للشارع، فما كان من السلطة أن حاصرته في داره، وألزمته المكوث في بيته، وقطع عنه مختلف وسائل الاتصال بالخارج، في حين أن الرئيس نجاد، اعتبر نجاحه وهذا الحشد التي بايعته بمثابة  ملحمة وطنية، في الوقت الذي أعلن السيد الكروبي المرشح الثالث لرئاسة الجمهورية من أن النتيجة غير مقبولة وغير شرعية..
لكن الملفت هذه المرة أن الانتقاد قد طال المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، الذي لم يقف موقف الحياد- حسب زعم الإصلاحيين – فقد كان عليه أن يكون أبا للشعب، واعتبر موقفه هذا الداعم للسيد نجاد انقلابا ضد الشعب…
لاشك أن الاحتقان كان موجودا ويبدو لي أنه سيأخذ مسارا تصعيديا أكثر بعد الانتخابات، فقد تم اعتقال نحو مئة من المحافظين بينهم شقيق الرئيس السابق محمد خاتمي.. وهذا دليل على تخبط وإرباك طاقم نجاد..
إن الشكوى في عهد السيد نجاد، كانت بسبب ازدياد نسبة البطالة، وتوسع رقعة الفقر، وعدت ولايته حينها كارثة على الصعد كافة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا… فكيف له إذن بالولاية الثانية..!
كما ثمة توجس عربي من خبايا نفوس المعممين في إيران، وبالتالي تمددهم إلى فلسطين ولبنان بعد العراق متجاوزين الواقع العربي ورؤيتهم في الحلول المطروحة للخروج بحلول ممكنة في النزاع العربي الإسرائيلي، منها إقامة دولتين عربية وإسرائيلية في فلسطين.. لكن أيران لها موقف آخر من الحل وهو الحل المستحيل، أي(اللاحل)  تحرير فلسطين، لهذا كانت حركة حماس أول المعلقين دعما لنجاح السيد نجاد..
فماذا بعد الانتخابات، وتبّوء السيد أحمدي  نجاد سدة الرئاسة مرة ثانية، باعتقادي أن الأمور ليست بسهولة تصورها، وكأنها زوبعة، أو سحابة صيف، لا تلبث أن تنقشع خلال بضعة أيام، حسب مصادر مؤيدة لأحمدي نجاد، لاشك أن أيران ستشهد هدوءا في غضون الأيام القليلة القادمة، لكنها لن تنعم بهدوء دائم، ربما ذلك الهدوء أو الركود سيسبق العاصفة .. وفي الحقيقة، أن قراءتين مختلفتين تتجذران في الواقع الإيراني، شئنا أم أبينا.! فالتيار المعارض سيشتد عوده، وقد بدا ذلك إقباله الملفت لصناديق الانتخابات، وهذا الإقبال كان دليلا على توق الشعب الإيراني على التغيير والانفتاح ورزمة من الإصلاحات، وأن التيار التقليدي المحافظ الحاكم لن يتقدم خطوة  باتجاه هذا، بل العكس فقد أعلن الرئيس أحمدي نجاد خلال مناظرته أنه لن يتراجع عن سياساته، أي لن يتراجع عن علاقاته المأزومة بمحيطه  لا سيما جيرانه من العرب، لن يتراجع عن التدخل في العراق ولبنان وفلسطين، وأخيرا وليس آخرا اليمن ومصر..أنه لن يتراجع عن تخصيب اليورانيوم، أما عن التنمية في إيران، لاسيما إقامة مشاريع استثمارية، فهذا غير مشجع الكلام فيه، فقد بدد مليارات الدولارات في فترة حكمه، ما صنعه هو في غضون حقبة أربع سنوات من حكمه، أنه قام بتوزيع الصدقات وقدم الأعطيات للأسر الفقيرة التي تعيش تحت خط الفقر، فبدل أن يسعى لتوفير فرص العمل والإقبال على الاستثمارات، جعل من فقراء إيران متسولين، ينتظرون كيسا من بطاطا أو من رز وماعونا من الزيت..إلخ في حين كانت نسبة البطالة في ارتفاع، والعزلة الإيرانية السياسية من كل الجهات، أما عائدات النفط التي بلغت نحو 270مليار دولار، فكانت تبدد في دعم سياساتها الخارجية لاستمالة أتباع كحماس وحزب الله، أو دعم حتى بعض التنظيمات السنية المتطرفة كالقاعدة مثلا، للقيام ببعض الأعمال الإرهابية للأهداف التي هم يرسمونها، في حين أنهم يرفضون تعيين وزيرا سنيا أو حتى معاون وزير سني في حكومتهم الطائفية، أي قوامها من طائفة الشيعة فقط، والسنة يبلغ تعدادهم نحو عشرين مليون سني… كما عمدوا على إبقاء بعض الدول على موقف الحياد تجاه سياساتها الخاطئة.. فلننتظر ونترقب..!
طاقم الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عبر عن شكوكه في نتائج الانتخابات، كما شكك في نسبة المشاركة من المقترعين، التي ناهزت 85 بالمئة حسب زعمهم، واليوم الإدارة الأمريكية في ما يشبه ورطة بشأن تواصل الحوار، وبعض من هؤلاء قد انتقدوا سياسة أوباما في التساهل والدخول في حوار مع إيران.
ستشهد إيران احتقانا اجتماعية وليس استقرارا، والهوة ستزداد شرخا بين المعارضين المناهضين لسياسة المحافظين التقليديين، فالنتائج كانت مؤذية لمشاعر ومستقبل العنصر النسائي والشباب، اللذين يريان في الولاية الجديدة  للرئيس أحمدي نجاد بمثابة كارثة  سياسية واقتصادية واجتماعية، والأشهر القليلة القادمة كفيلة بمدنا بصورة واضحة عن مستقبل إيران السياسي، وإلى أية كوارث تسوقهم  هذه السياسة التقليدية الخرقاء.

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

هل عاد “فعل” الخطابة السياسية ليستقطب الوهج الإعلامي والالتفاف الجماهيري حول المنابر، المحلية منها، والعالمية، في آن؟ وهل تقدُّمُ الرئيس الأميركي باراك أوباما كخطيب استثنائيّ في تاريخ الزعامات الدولية عامة، والأميركية على وجه الخصوص، من شأنه أن يشجّع على  الدور الاستيتكي – اللغوي لبلاغة “النص” وفصاحة “السياسيّ” في إشاعة مناخات السلام والحوار والتوافق بين شعوب الأرض قاطبة؟
الجواب قد يأتي إيجابا ـ في نظر بعض المحلّلين والمراقبين السياسيين ـ  وذلك في مشهدين متباعدين ـ في تقديري على الأقل ـ أولهما حدث دوليّ بامتياز، وهو الخطاب التاريخي الذي ألقاه أوباما  تحت قبة جامعة القاهرة العريقة في الرابع من شهر حزيران/يونيو الجاري، حيث اختار الرئيس الأميركي منبرا معرفيا وثقافيا ليكون موقعا رمزا للحوار مع العالم الإسلامي؛ وذلك  في مسعى حثيث من الإدارة الأميركية الجديدة لترويج أجواء الشراكة والتآلف مكان نوازع الانفصال والصدام بين العالمين الأميركي من جهة، والإسلاميّ/ العربيّ، من أخرى.
الإضافة “الثقافية” التي برزت في خطاب أوباما ـ الحدث، والتي تُسجّل له ولمستشاريه الثقافيين، استشهاده بالتسامح الديني بين الأديان السماوية الثلاثة، الذي كان قائما في دولة الأندلس، دولة الجذب والانتشار الثقافيين التي تشكّل المفرق التنويري في التاريخ الإسلامي، والتي عمرت 8 قرون، بين ما يقارب 750 و1550 ميلادية، وقامت على فتوحات ترفعّت عن أعمال استهداف العُزْل، أونهب الخيرات، أواقتراف التطهير العرقي والاضطهاد الدينيّ؛ في رقعة جغرافية هي في العمق من طريق الحرير، الذي وصل الشرق والغرب، وشكل محجّأ لثقافات عالمية قاطبة، ومرجلا لتلاقحها مع الثقافة الإسلامية.
أما المشهد الثاني الذي يؤكّد على فعل “سلاح” الكلمة الحرّة في مقاومة قوى الظلام والانكفاء والتطرّف، فقد كان مسرحه مناطق القبائل الباكستانية الحدوديّة مع أفغانستان، وأبطاله أدباء وشعراء ومغنّون أقاموا حفلا في مدينتهم باره جنار ـ والاسم يعود إلى شجرة تتميّز بها المنطقة ـ وذلك لإحياء جهود السلام وإشاعة روح الأمن في المدينة إثرمجموعة من العمليات الإرهابيّة تعرّضت لها المنطقة، كان آخرها تفجير انتحاريّ في العام 2008؛ الأمر الذي أثار الفرقة والانقسام والتوجّس بين أبناء البلد الواحد، وأدّى إلى تراجع ملحوظ في دخولهم التي كانت تزدهر في المواسم السياحية، ما قبل انتقال موجات العنف والتطرّف الدينيّ إلى مناطقهم.
هكذا خرج شعراء باره جنارعن صمتهم، واتّخذوا من جمال الشعر ولغة الفن سلاحا لمقاومة الظلاميّات ومطبّات الجاهليين والسلفيين. أحدهم استعاد في أبياته السلام الذي اندثر مع تقدم نوازع التعصّب والكره والترهيب بين أبناء البلد الواحد، ونعى في قصائده غناء الطيور الذي تحوّل في نظر الأصوليين إلى جريمة ينكرها الإسلام؛ والشجر الذي يُنحر واقفا ويتحول إلى حطب في موقد أمراء الحرب.
وهكذا توجّه أوباما، من معقل الاعتدال الإسلاميّ الأزهريّ، بخطاب مستجدّ اللغة والمصادر، بما لم نعهده في التاريخ السياسي الأميركي بخاصة، والغربي بشكل عام؛ في لغة تصالحيّة تستعيد استضاءات التاريخ الإسلاميّ في عصره التنويريّ، وتنبذ مظاهر العنف والتشدّد في الماضي والحاضر، في آن.
شعراء باكستان، وسيّد البيت الأبيض، يجتمعون ـ على تواضع الحراك السياسي في سهول باره جنار مقارنة بالمكتب البيضاوي ـ على أن إغناء الحوار والتقارب الثقافيين بين الشعوب هوالطريق الأمثل لرأب الهوّات، واستعادة الثقة، ودحر العنف، وإشاعة أجواء السلام، محليّا كان أم كونيّا! فهل من مستجيب؟!
© منبر الحرية، 09 يونيو/حزيران 2009

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018