peshwazarabic

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

إن فشل الأشكال المختلفة من الدولانية في العالم الثالث، وإفلاس الشيوعية في الاتحاد السوفييتي السابق والصين، والبطالة المرتفعة الطويلة الأمد، والركود النسبي في دول أوروبا الغربية ذات الأنظمة الاقتصادية المعقدة أجبر على إعادة النظر في نموذج التنمية بما يتوافق مع مصلحة السوق والمُلكيّة الخاصة -وباختصار دولة مُقيِّدة بشكل أكثر. ولكن المعركة حول الأفكار والسياسات مستمرة ولم تنتهِ بعد. وفي الحقيقة إنها لن تنتهي أبداً حيث أن قوى الدولانية تجتمع من جديد بدلاً من أن تستسلم. لهذا فإنه من المهم تحليل ما هي السياسات الناجحة وتلك التي تفشل للحصول على تقارب ثابت ودائم لإخراج الدول الفقيرة من فقرها.
إن الشيوعية -وهي شكل متطرف من الدولانية– ذهبت إلى أبعد حد في قمع الأسواق وتجريم الأعمال الحرة. لقد كانت تكاليف الفرصة البديلة لهذه الحماقة المنظمة ضخمة: ففي بولندا على سبيل المثال؛ انخفض دخل الفرد النسبي من حوالي 100% منه في إسبانيا في عام 1950 إلى 40% فقط عام 1990. ومع انهيار النظام الشيوعي بدأت تجربة طبيعية كبيرة، فمن خلال النظر إلى نتائجها ينصدم المرء بالتفاوتات الهائلة بين دول الاتحاد السوفييتي السابق:
 في عام 2004 ارتفع الناتج الإجمالي المحلي مقارنة مع عام 1989 بنسبة 42% في بولندا، و26% في سلوفينيا، و20% في سلوفاكيا وهنغاريا، وعلى النقيض من ذلك فقد انخفض بنسبة 57% في مولدوفا، و45% في أوكرانيا، ولو شملنا اقتصاد الظل في الحسابات فإن الاختلافات في الناتج سوف تكون أقل لكنها تبقى كبيرة.
 إن جميع الأنظمة الاقتصادية الانتقالية قد حققت تقدماً كبيراً في تخفيض التضخم المالي، وبشكل أفضل فقد ترافق أداء النمو طويل الأمد يداً بيد مع الانخفاض في التضخم، وهذا يؤكد على أنه في الدول التي ترث تضخماً مالياً كبيراً، فإن مقاومة التضخم بنجاح يفضي إلى نمو اقتصادي طويل الأمد.
 إن الاستثمار الأجنبي المباشر يأتي عادة بعد نجاح اقتصادي سابق، ويعزز النجاح الاقتصادي المستقبلي، فما بين الأعوام 1989-2003 استقطبت جمهورية التشيك 3700 دولاراً لكل فرد من الاستثمار الأجنبي المباشر، و3400 دولاراً في هنغاريا، و1000-2400 دولاراً في دول البلطيق الثلاث، و1300 دولاراً في بولندا. إن تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر لكل فرد في أوكرانيا ومولدوفا كان فقط 128 و210 دولاراً على التوالي.
إن البلدان ذات المردود الاقتصادي الأفضل تميل كذلك إلى تحقيق نتائج غير اقتصادية أفضل. وعلى سبيل المثال؛ ما بين الأعوام 1989-2001 ارتفعت كفاءة الطاقة (الناتج الإجمالي المحلي لكل كغم مما يقابله من النفط) -وهو مؤشر هام للتأثير البيئي- من 2.5 إلى 3.9 في بولندا، ومن 1.5 (1992) إلى 1.6 فقط في روسيا، بينما انخفضت في أوكرانيا من 1.6 في عام 1992 إلى 1.4 في عام 2001. لقد ارتفع متوسط العمر المتوقع في بلدان وسط وشرق أوروبا بينما انخفض في معظم الدول خارج اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية، وعلى سبيل المثال؛ ارتفع في بولندا من 71 إلى 74 عاماً خلال السنوات 1990-2002 بينما انخفض من 70 إلى 68 عاماً في أوكرانيا . إن هناك اتجاهات مشابهة في معدل وفيات الأطفال؛ فما بين الأعوام 1990-2002 انخفض معدل وفيات الأطفال لكل 1000 مولود حيّ من 16 إلى 8 في بولندا، ولكن فقط من 18 إلى 16 في أوكرانيا، ومن 21 إلى 18 في روسيا.
كيف نفسر هذه الاختلافات الكبيرة؟ إذا تحدثنا بلغة النمو في الناتج الاجمالي المحلي فمن المغري أن نطّلع على الاختلافات في الظروف الأوليّة؛ فمثلاً كانت دول البلطيق –إستونيا ولاتفيا وليتوانيا- أكثر اعتماداً على صادراتها إلى نادي الاتحاد التجاري السوفيتي القديم، المعروف اختصاراً بالكوميكون (30%-40% من الناتج الإجمالي المحلي) من الدول الشيوعية في وسط وشرق أوروبا (4%-15% من الناتج الإجمالي المحلي). وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي، فإنه يمكننا أن نجادل بأن دول البلطيق قد تعرضت إلى انخفاض أكبر كثيراً في الناتج الإجمالي المحلي.
إن مثل تلك الاختلافات في الظروف الأولية تستطيع أن تفسّر فقط جزءاً من التباين وفقط خلال الأعوام الأولى؛ فعلى الرغم من الصدمات الأولية الهائلة التي تعرضت لها دول البلطيق، إلا أنها أنجزت على المدى البعيد بشكل أفضل، لنقُل، من رومانيا، التي كانت نسبياً أقل اعتماداً على التجارة مع الكوميكون.
إن الاختلافات في النمو الطويل الأمد ناتجة بشكل كبير عن إصلاحات أكثر شمولية موجَّهة نحو السوق وعن استقرار أكثر نجاحاً في الاقتصاد الكلي، ويدعم هذا الاستنتاج دراسات تجريبية مهمة وجادة.
إن الدول التي تُدرِك الإصلاحات تميل إلى إدراك النمو كذلك. خُذ أرمينيا على سبيل المثال؛ التي استطاعت توسعة مجالها في الحرية الاقتصادية وعملت على تقليل نسبة الضرائب للناتج المحلي الإجمالي إلى معدلات منخفضة، أثناء تقوية النظام المالي لديها، ولقد نما ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 70% منذ عام 1996، وقد يكون هذا مؤشراً آخر على أن نموذج الضرائب المنخفضة هو أكثر تحفيزاً للنمو الإقتصادي السريع ممّا هو عليه في الأنظمة التي تقوم بإعادة توزيع واسع لإيرادات الخزينة كما في نماذج دول شرق أوروبا الكبرى.
إن أفضل النتائج الاقتصادية تكون عادة مترافقة مع أفضل النتائج غير الاقتصادية لأن بعض الإصلاحات تكون حاسمة لكلتيهما، فعلى سبيل المثال؛ رفعت الإصلاحات الموجهة نحو السوق مجمل الكفاءة الاقتصادية بشكل كبير، حيث قام كلاهما بتعزيز النمو الاقتصادي والتقليل من التلوث البيئي. إن استحداث سيادة القانون كان مهماً للتنمية بعيدة الأمد ولفرض التشريعات البيئية كذلك، فالتحرر الاقتصادي لم يؤدي إلى تحفيز النمو فقط بل جعل الغذاء الصحي أكثر توفراً وأرخص نسبياً.
إن دول ما بعد الشيوعية التي توجهت بشكل أكبر نحو اقتصاد السوق حققت نتائج اقتصادية -وغير اقتصادية- أفضل من تلك التي لم تنفذ أو نفذت إصلاحات موجهة نحو السوق بشكل أقل. كيف يمكن مقارنة هذا الاستنتاج الأساسي مع تلك التجربة في الدول التي يتواجد فيها قطاع كبير من المشاريع المملوكة للدولة، وأنظمة تحد من التنافس، ومعوّقات لدخول السوق، وقيود على الاستيراد، وأسواق عمل غير مرنة، وحماية ضعيفة لحقوق المُلكيّة الخاصة، وعدم تحمل المسؤولية المالية، وخلافه؟ إن هذه المظاهر في التراكيب المختلفة هي من مواصفات الأنظمة الدولانية التي تقوم فيها الأنظمة السياسية وبيروقراطية الدولة بخنق حرية السوق، وتتصف كذلك بحكومات فاشلة تكون فيها وبشكل ظاهري منظمات الدولة في الحقيقة أدوات للنهب الخاص.
إن قراءتي في الدراسات التجريبية تقترح ثلاثة دروس واسعة:
أولاً: لم تحقق أية دولة فقيرة تقارباً اقتصادياً دائماً تحت أي من الأنظمة الدولانية أو ذات الحكومات الفاشلة، مما يتضمن أن التغيير المؤسسي الذي يُحدِث مثل تلك الأنظمة يحول دون تحقيق التقارب الدائم. والأنظمة التي تقمع وتحد بشدة وتشوه تنافس السوق المشروع تسبب فشلاً اقتصادياً.
ثانياً: إن الحالات الناجحة ذات التقارب الاقتصادي المستمر حدثت تقريباً تحت أنظمة تتمتّع بأسواق حرّة (كنظام الولايات المتحدة الذي كان يحاول اللحاق بالنظام البريطاني في القرن التاسع عشر) أو أثناء وبعد التحول إلى مثل تلك الأنظمة (كنمور آسيا منذ عام 1960 أو بعض الأنظمة الاقتصادية في الفترة اللاحقة للشيوعية بعد عام 1990) مما يوحي أن التسارع في النمو لا يحتاج إلى الانتظار إلى حين قيام مؤسسات “جيدة”، بل من الممكن أن يتسارع النمو خلال عملية الإصلاح بشرط أن تقوم الإصلاحات بتحسين المؤسسات من أجل النشاطات الإنتاجية، وهذا بسبب أن الإصلاحات تزيد الإيراد والإنتاجية في القطاعات التي تم قمعها سابقاً (كالزراعة في الصين أو كقطاع الخدمات في النظام السوفييتي) أو بسبب أن البنية التحفيزية السابقة شجعت على التبذير الجماعي (الاشتراكية المهيمنة).
إن آثاراً مثل تلك التحولات تميل إلى الإضمحلال بعد مدة معينة، عندها سوف تعتمد خطى النمو المستقبلي غالباً على قوة الحوافز الدائمة للعمل والابتكار -والتي بدورها تعتمد على مدى تقدم الدولة نحو كونها دولة مقيّدة، لذلك فإن مدى الاصلاحات الموَجَّهة نحو السوق التي بدأت تحت إمّا نظام دولاني أو نظام لحكومة فاشلة يعتبر أمراً هاماً بالنسبة للنمو قصير أو طويل الأمد.
إن بعض الأنظمة الاقتصادية خصوصاً النمور الآسيوية المسماة “بمعجزات النمو” قد سببت الكثير من الجدل، علماً أنه لا يوجد نقص في التفسيرات التي تعزو نموها السريع والاستثنائي إلى بعض المداخلات الحكومية الخاصة (كالأرصدة الموجهة والعلاقات الوثيقة بين الحكومة والأعمال التجارية)، ونظرة دقيقة لتجربتهم توحي بتفسير آخر:
لفترة ما اختلفت “الأنظمة الاقتصادية المعجزة” في مدى تدخل الحكومة فيها؛ (من عدم تدخل فعلي في هونغ كونغ إلى بعض التدخلات في معظم الدول الأخرى)، ولكنها جميعاً اشتركت في أمر واحد: حدوث أعداد كبيرة من إصلاحات السوق والتي -بالإضافة إلى ظروفها الأولية- ضمنت درجة أكبر من الحرية الاقتصادية أكثر منها في الدول النامية الأخرى. لقد اتجهت تدخلات الحكومة إلى إعاقة النمو طويل الأمد بدلاً من تعزيزه؛ أنظر إلى حركة تحفيز الصناعة الثقيلة التي قادتها الحكومة في كوريا الجنوبية في السبعينات من القرن الماضي والتي ساهمت في نمو دينها الخارجي وحوّلت الاستثمار عن المزيد من الصناعات الموجهة نحو التصدير. نتيجة لذلك انخفض نمو الانتاج المحلي الاجمالي لكوريا الجنوبية بشكل حاد في بداية عقد الثمانينات من تلك الفترة، مما حث على التغيير في السياسة الاقتصادية إلى تدخل أقل من قبل الحكومة.
إن السمات العامة “للدول المعجزة” تشمل معدلات منخفضة لنسبة الضرائب إلى الناتج الإجمالي المحلي بسبب قلة برامج دول الرفاه الشاملة. وهذا يزيد من عرض العمالة ويشجّع على الادّخارات الفردية. إن قادة النمو في عالم ما بعد الشيوعية الذين حققوا معدلات منخفضة لنسبة الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي يجب العمل على تشجيعهم للمحافظة على تلك النسب. إن دولة الرفاه الواسعة في الخدمات العامة تمنع الأشكال التطوعية من التضامن البشري ومن الممكن، خصوصاً في الأنظمة الاقتصادية الأفقر، أن تعيق النمو الاقتصادي، وهذا تحذير لتلك الأنظمة الاقتصادية الأفقر التي لها الآن معدلات عالية من نسبة الإنفاق العام إلى نسبة الناتج المحلي الإجمالي أكثر مما كان لدى السويد أو ألمانيا أو فرنسا عندما كانت تتمتّع بدخل فردي مشابه.
ثالثاً: بينما نشأت جميع حالات التقارب الاقتصادي الدائم تحت أنظمة أسواق حرّة، أو خلال وبعد التحول إلى تلك الأنظمة، إلاّ أنه ليست جميع الإصلاحات الموجهة نحو السوق قد أدت إلى تقارب اقتصادي مستمر. إنه يتم الإعلان عن الإصلاحات بشكل متكرر لكنها لا تنفذ، أو قد يتم تنفيذها في البداية ثم بعد ذلك يتم إبطالها أو تعديلها بشكل جذري، وفي مثل تلك الحالات يكون نقد إصلاحات السوق في غير محله.
قد تفشل الإصلاحات الموجهة نحو السوق إذا كانت غير مكتملة بشكل حاسم، وكمثال على ذلك إدخال نظام ثابت لأسعار الصرف من دون انضباط في الجهاز المالي. إن الانهيار الاقتصادي السابق في الأرجنتين ينبهنا على أن السياسات المالية غير المسؤولة قد تضعف نتائج إصلاحات سوق جادة. وقد تفشل الإصلاحات الموجهة نحو السوق كذلك في إحداث تقارب اقتصادي دائم إذا كانت بعض عناصرها الأساسية منظمة بشكل سيء، كخطأ في حساب المعدل الابتدائي لمستوى تثبيت أسعار الصرف أو كبنية تحفيزية سيئة في قانون الإفلاس.
لا تخول أي من هذه المشاكل البحث عن “حل ثالث” كطريقة مثلى لضمان تقارب النظام الاقتصادي بشكل دائم، إنها مجرّد عقبات يجب التغلب عليها على الطريق لتحقيق اقتصاد سوق متكامل.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 3 كانون الثاني 2006.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

هل هناك سبيل للخروج من مأزق الديون الذي تعاني منها أثينا؟، كيف وقعت اليونان في الفخ المميت الذي هي فيه الآن؟ الجواب هو: عن طريق الاستحقاقات التي لا تمويل لها. بعبارة أخرى، حين تعد شخصاً ما بأمر ما، ولا تأتي بالتمويل اللازم لذلك، فإنك سرعان ما تجد نفسك عالقاً في أزمة مالية عامة أو أزمة ديون.
هذا هو الوضع الذي انتهى به المطاف بالنسبة لليونان، وفي شباط (فبراير) استدعت الحكومة اليونانية عدداً من المستشارين الأجانب (من بينهم الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل جوزيف ستيجليتز)، وبدأت لعبة التقاذُف بكرة اللوم. وراح رئيس الوزراء باباندريو، الذي هو في الوقت نفسه رئيس الاشتراكية الدولية، يلقي اللوم على الجميع. في البداية اتَّهم المضاربين. ثم سارع إلى مهاجمة زملائه في الاتحاد الأوروبي. كما هاجم الألمان هجوماً شديداً، لأنهم وفقاً لباباندريو كانوا سبباً كبيراً في متاعب اليونان.
ومن المفارقة أنه بعد أن اعتبر اليونانيون أن الأجانب هم الملومين على جميع المتاعب التي تعاني منها بلادهم، استدعى اليونانيون أطباء أجانب. في هذه الحالة لم يكن الأطباء هم صندوق النقد الدولي فحسب، وإنما كذلك تم إشراك السياسيين والبيروقراطيين في الاتحاد الأوروبي. لكن ربما يتبين في نهاية المطاف أننا أمام حالة يقتل فيها الأطباء المريض.
لم يبدأ الأطباء بما كان يجدر بهم أن يبدأوا به، وإنما بدأوا ببرنامج تقشف على النمط المعهود من صندوق النقد الدولي. ووعدت الحكومة بتقليص الإنفاق العام. ورفعت الضرائب كذلك. وعلى خلاف جارتها بلغاريا، التي فعلت الشيء الصحيح تماماً حين رفضت زيادة ضريبة القيمة المضافة على المبيعات، فإن اليونان زادت من ضريبة المبيعات مرتين منذ الأزمة.
ماذا كان ينبغي على اليونان أن تفعل؟ كان ينبغي عليها أن تبدأ بفرقعة كبرى، بمعنى أن تقوم بعدد من الأمور في وقت واحد، على غرار ما فعلت نيوزيلندا. ففي عام 1984، تم انتخاب حكومة بزعامة حزب العمال بعد أن أدت حكومتا الحزب الوطني برئاسة روبرت مالدون Muldoon إلى إحداث فوضى شاملة في الاقتصاد. على مدى عقد كامل تقريباً أدخلت حكومتا مالدون نظاماً على النمط الاشتراكي في نيوزيلندا. ثم أدخل حزب العمال، في ظل وزير المالية روجر دوجلاس، إصلاحات هيكلية تركزت على التحرير والقدرة التنافسية. نتيجة لذلك مرت نيوزيلندا بثورة اقتصادية هائلة بعد انتخابات عام 1984، وينبغي على اليونان أن تتبنى نمطاً من الفرقعة الكبرى على غرار نيوزيلندا.
كان يجدر باليونان، كجزء من برنامجها في الفرقعة الكبرى، أن تعيد جدولة ديونها. لكن كان يجدر بها كذلك أن تطبق برنامجاً لضبط النفقات في المالية العامة على جانب العرض (أي زيادة عرض النقود المخصصة للاستثمار من خلال تخفيض الضرائب). وهذا يعني تقليص الإنفاق الحكومي، لكنه يعني كذلك تغيير النظام الضريبي.
تعاني اليونان في الوقت الحاضر من ضرائب مرهقة على الرواتب يدفعها أصحاب العمل (من شركات ومؤسسات)، وفي نهاية الأمر تدفعها القوة العاملة. كجزء من الفرقعة الكبرى، ينبغي على اليونان إلغاء مساهمة أصحاب العمل في ضرائب الرواتب، والتي تبلغ في الوقت الحاضر 28 بالمائة من الأجور (ويدفع الموظفون بصورة مباشرة نسبة أخرى مقدارها 16 بالمائة).
في الوقت نفسه، ينبغي على اليونان أن تجعل ضرائب القيمة المضافة منتظمة. في الوقت الحاضر توجد ثلاث معدلات ضريبية مختلفة على القيمة المضافة في اليونان. وهذا أمر طبيعي في أوروبا. أولاً، هناك الضريبة الاعتيادية على المبيعات، وضريبة أخرى أدنى بنسبة 50 بالمائة على فئات أخرى، وأخيراً ضريبة إضافية مخفضة بنسبة كبيرة للغاية. أقترحُ إلغاء الضريبة المخفضة، والأخرى المخفضة بصورة كبيرة للغاية، والإبقاء على ضريبة منتظمة واحدة فقط على القيمة المضافة وتكون أقل من النسبة الضريبية العليا الحالية، وهي 23 بالمائة.
إذا فعلت اليونان هذين الأمرين، سينتهي بها المطاف إلى توليد دخل يفوق ما تقوم بتوليده في الوقت الحاضر. وحتى لو استند ذلك على تحليل عادي ساكن، فإن من شأن ذلك وضع اليونان على نحو يسبق لعبة الإيرادات.
لكن الأمر المهم أكثر من ذلك هو أن هذا من شأنه كذلك تحقيق تخفيض لا يستهان به في تكاليف العمل في الاقتصاد بين عشية وضحاها. تبلغ مساهمة أصحاب العمل في الضمان الاجتماعي حوالي 7.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. إذا ألغينا مساهمة أصحاب العمل فإن هذا سيؤدي إلى تخفيض مقداره 22 بالمائة في مبالغ الأجور الإجمالية في اليونان كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. من شأن ذلك أن يجعل الاقتصاد اليوناني أكثر تنافسية دون اللجوء إلى تخفيض العملة، الذي يزعم بعض المعلقين أنه أمر ضروري. من الواضح أن هذه التغيرات من شأنها كذلك تقليص الاستهلاك، وزيادة المدخرات، وتقليص مستوى الديون في اليونان.
اسمحوا لي أن أتقدم بتعليق حول تخفيض العملة. هناك بعض الناس الذين يشعرون بالقلق الشديد دون أن يفعلوا أي شيء ويقولون: “المشكلة مع اليونان هي أنها وضعت نفسها في إطار قيود اليورو، وليس بوسعها الآن تخفيض الدراخما. بالتالي فإن اليونان في مأزق. وليس هناك ما تستطيع عمله.”
لكن هناك أمر يستطيع اليونانيون القيام به. بإمكانهم تقليص إجمالي تكلفة العمالة بنسبة 22 بالمائة، بمجرد إلغاء مساهمة أصحاب العمل في ضرائب الرواتب. حتى نرى مقدار تخفيض العملة اللازم لتوليد صدمة تنافسية موجبة بهذا المقدار، لنفترض أن 50 بالمائة من التخفيض سيتم تمريره خلال الاقتصاد على شكل ارتفاع في معدل التضخم، وهو افتراض معقول بالنسبة لاقتصاد صغير ومفتوح مثل الاقتصاد اليوناني.
في هذه الحالة لا بد أن يكون مستوى تخفيض العملة في اليونان هو 44 بالمائة، حتى يكون معادلاً، من حيث القدرة التنافسية، للصدمة الموجبة التي يمكن أن تصاحب إلغاء مساهمة أصحاب العمل في ضرائب الرواتب.
بالتالي حين يتم إلغاء مساهمة أصحاب العمل في ضرائب الرواتب، تستطيع اليونان تعزيز قدرتها التنافسية. وسيكون هذا التعزيز مساوياً تقريباً لتخفيض العملة بنسبة 44 بالمائة. فضلاً عن ذلك، فإن جانب العرض الذي يتم توليده من خلال القدرة التنافسية لن يقترن بالأوضاع التي يمكن أن يستثيرها تخفيض العملة، وهي التضخم وحالات الإفلاس على نطاق واسع في القطاع الخاص.
من الواضح أنه لا اليونان ولا شركائها الدوليين يفكرون في عملية طوعية لإعادة هيكلة الديون، ناهيك عن إحداث فرقعة كبرى على جانب العرض، وهذا يجعل من المرجح أن تظل اليونان عالقة في الفخ. لا تدع أحدا يقول لك إنه ليس بمقدور اليونان أن تفعل أي شيء. لم يفُت الأوان بعد على تغيير المسار. بالإضافة إلى ذلك فإن بإمكان عدد من البلدان الأخرى التي تواجه الآن أزمة محتملة في الديون أن تحاول بالمثل اتخاذ منهج مماثل، وذلك بإعادة هيكلة الديون وتخفيض الضرائب على العمالة في سبيل تحسين القدرة التنافسية وحفْز عملية خلق الوظائف، وفي الوقت نفسه رفْع بعض ضرائب الاستهلاك للمحافظة على استمرار الدخل. أي أن هناك مخرج من المأزق اليوناني.
هذا المقال مقتبس عن ملاحظات ألقاها هانكي في منتدى السياسة لمعهد كيتو، بعنوان: “الأزمة الاقتصادية في أوروبا ومستقبل اليورو”، بتاريخ 11 أيار (مايو) 2010 في واشنطن العاصمة.
التعبير الأصلي باللغة الإنجليزية هو death spiral، وهو مصطلح مالي متخصص، يعني القرض الذي يعطيه المستثمرون إلى شركة معينة مقابل سندات قابلة للتحويل إلى أسهم بسعر محدد سلفاً (يكون في العادة أدنى من سعر السوق). من الممكن نتيجة لذلك أن يخسر المساهمون الأصليون سيطرتهم على الشركة، لأن أسهمها في العادة تهبط بصورة عجيبة بعد حصولها على قرض من هذا القبيل. ويستطيع المستثمرون أصحاب القرض بيع أسهم الشركة على المكشوف (في سبيل الضغط ودفع سعر السهم إلى الأدنى).
© منبر الحرية،29 تموز/يوليو 2010

peshwazarabic10 نوفمبر، 20101

بصفتي ناقدا قديما لمفهوم العملة الأوربية الموحدة، لم يغامرني البتة شعور بالفرح والسرور للمشكلات الحالية التي ضربت منطقة اليورو، والتي تهدد اليورو وبقاءه. وقبل أن أتطرق للأحداث التي صاحبت أزمة الدين اليونانية بالمزيد من النقاش، عليّ أن أقدّم هنا تعريفا عمليا لمعنى كلمة “انهيار”. ففي سياق اليورو، هنالك تفسيران على الأقل يتبادران إلى الأذهان. التفسير الأول يرى بأن مشروع منطقة اليورو، أو مشروع صك عملة أوربية موحدة قد انهار مسبقا، وذلك بسبب إخفاقه في تحقيق النتائج الإيجابية التي كانت متوقعة منه.
إن عملية إنشاء منطقة اليورو قد تم تقديمها على أنها منفعة اقتصادية لا لبس فيها لجميع البلدان الراغبة في التخلي عن عملاتها النقدية التي كانت موجودة لعقود، أو قرون. لقد نُشرت دراسات مكثفة، ولكنها منحازة، شبه علمية، قبيل الشروع بإطلاق العملة الموحدة. وقد وعدت هذه الدراسات بأن اليورو سيساعد على النمو الاقتصادي، ويقلل التضخم، وأكدت بشكل خاص على التوقعات بأن الدول الأعضاء في منطقة اليورو ستكون في مأمن من جميع أنواع الأزمات الاقتصادية غير المرغوبة والصدمات الخارجية.
لم يؤدِ اليورو إلى نمو ٍ مرتفع في منطقة اليورو:
من الواضح جدا أن شيئا من هذا القبيل لم يحدث. فبعد تأسيس منطقة اليورو، تباطأ نمو دول الأعضاء الاقتصادي مقارنة مع ما كان عليه الحال في العقود السابقة، مما زاد في حجم الفجوة بين سرعة النمو الاقتصادي في بلدان منطقة اليورو ونضيره في الاقتصاديات الكبرى كاقتصاد الولايات المتحدة والصين، والاقتصاديات الأصغر في جنوب شرق آسيا وبعض الدول النامية، فضلا عن دول أوربا الشرقية والوسطى، التي لم تنضو ِ إلى منطقة اليورو. منذ ستينيات القرن العشرين، تباطأت معدلات النمو الاقتصادي في بلدان منطقة اليورو، ولم يؤد وجود اليورو إلى الحد من هذا التباطئ . وحسب بيانات البنك المركزي الأوربي، كان معدّل النمو الاقتصادي السنوي في بلدان منطقة اليورو 3.4 % في عقد السبعينيات، و2.4% في الثمانينيات، و 2.2 % في التسعينيات، و1.1 % منذ عام 2001 وحتى عام 2009 (عقد اليورو). لم يحدث أي تباطؤ مشابه في أي مكان آخر في العالم.
اقتصاديات منطقة اليورو لم تندمج:

حتى الاندماج المتوقع في معدلات التضخم لبلدان منطقة اليورو لم يحدث. وتشكّلت مجموعتان مختلفتان من الدول ضمن منطقة اليورو – إحداهما بمعدل تضخم منخفض، والأخرى (والتي تشمل اليونان، واسبانيا، والبرتغال، وإيرلنده، وبعض الدول الأخرى) بمعدل تضخم مرتفع. ورأينا أيضا زيادة ً في حالات عدم التوازن التجاري الطويلة الأمد. فمن ناحية، هنالك بلدان ذات ميزان تجاري يفوق فيه حجم الصادرات حجمَ الواردات، ومن ناحية أخرى، هنالك بلدان تستورد أكثر مما تصدّر. لذا فليس من قبيل المصادفة أن تعاني البلدان الأخيرة أيضا من معدلات تضخم أعلى. لذا فإن تأسيس منطقة اليورو لم يؤدي إلى أي تجانس أو انسجام فيما بين اقتصاديات الدول الأعضاء.
ولم تقم الأزمة المالية العالمية إلا بمفاقمت وكشف جميع المشكلات الاقتصادية في منطقة اليورو – لكنها لم تتسبب في خلق تلك المشكلات. غير أن هذا الأمر لم يشكّل مفاجأة بالنسبة لي. فمنطقة اليورو، التي تتضمن 16 بلدا أوروبيا، ليست “منطقة عملة مثلى” كما تزعمه بعض النظريات الاقتصادية المغلوطة.
أوتمار إيسينغ، العضو السابق في المجلس التنفيذي، وأحد الاقتصاديين الكبار في البنك المركزي الأوربي، قال مرارا وتكرارا (مؤخرا في خطاب له في براغ في ديسمبر – كانون الأول عام 2009) إن تأسيس منطقة اليورو كان قرارا سياسيا في المقام الأول[ii].  لكن ذلك القرار لم يأخذ بالحسبان مدى ملائمة هذه المجموعة الكاملة من الدول لمشروع عملة واحدة. ولا شك أن تكاليف تأسيس منطقة العملة الموحدة وإدامتها ستفوق الفوائد المتوخاة منها.
واختياري لمفردتَي “تأسيس” و “إدامة” ليس اختيارا عرضيا وبمحض المصادفة. فمعظم المعلقين الاقتصاديين (ناهيك عن المعلّقين غير الاقتصاديين) كانوا قانعين وراضين عن سهولة وانخفاض كلفة الخطوة الأولى (أي تأسيس منطقة عملة واحدة). وقد ساعد هذا على تشكيل انطباع خاطئ بأن كل شيء على ما يرام في ما يتعلق بمشروع العملة الأوربية الموحدة. كان هذا خطأ أشار إليه بعضنا على الأقل منذ لحظة ولادة اليورو. ولسوء الحظ، فإن أحدا لم يُصغ لنا.
لم أشكك أبدا بحقيقة أن أسعار الصرف في البلدان التي انضمّت لمنطقة اليورو كانت تعكس بشكل أو بآخر حقيقة الوضع الاقتصادي في أوروبا في زمن ميلاد اليورو. ولكن، خلال العقد الأخير، اختلف الأداء الاقتصادي لبعض أعضاء منطقة اليورو، وأصبحت التأثيرات السلبية “الإجبارية” لفرض عملة واحدة على الدول الأعضاء أكثر وضوحا. فعندما ساد ’الجو الجيد‘ (بمعناه الاقتصادي)، لم تظهر أية مشكلات. ولكن ما إن وصلت الأزمة، أو ’الجو السيئ‘، أخذ الافتقار إلى الانسجام بين أعضاء منطقة اليورو يتجلى بوضوح. ومن هذا المعنى، أستطيع القول إن منطقة اليورو قد أخفقت – كمشروع  واعد بالنفع والفائدة الاقتصادية الكبيرة لأعضائه.
التكاليف الخفية لليورو:

من المسائل المثيرة بالنسبة إلى السياسيين وغير المختصّين (وليس بالنسبة إلى الاقتصاديين) هي التساؤل عن إمكانية انهيار منطقة اليورو كمؤسسة. وجوابي على هذه المسألة هو ’لا‘ سوف لن تنهار. لقد استـُثمِر الكثير من رأس المال السياسي في وجود اليورو ودوره بوصفه ’الإسمنت‘ الذي يربط الاتحاد الأوربي في طريقه نحو (ما فوق الأممية) بحيث لن يُتخلى في المستقبل المنظور عن منطقة اليورو بكل تأكيد. هذه المؤسسة سوف تستمر، ولكن بثمن باهظ للغاية سيدفعه مواطنو بلدان منطقة اليورو (كما سيدفعه بشكل غير مباشر الأوربيون الذي ابقوا على عملاتهم النقدية الخاصة).
أما ثمن إدامة اليورو فسيكون النمو الاقتصادي المتدني في منطقة اليورو.  إن النمو الهزيل في منطقة اليورو سيتسبب في خسائر اقتصادية في بلدان أوربية أخرى، مثل جمهورية التشيك، وفي سائر أنحاء العالم. وسيكون سعر اليورو المرتفع ملحوظا جدا في حجم التداولات المالية التي يتوجب إرسالها إلى بلدان منطقة اليورو التي تعاني من أكبر المشكلات المالية والاقتصادية. أما الفكرة القائلة بأن هذه التحويلات لن تكون سهلة دون وجود اتحاد سياسي فكانت معروفة لدى المستشار الألماني هولمت كول منذ عام 1991 عندما قال إن ” التاريخ الحديث، ليس في ألمانيا فحسب، يعلّمنا أن فكرة إيجاد اتحاد اقتصادي ونقدي على المدى البعيد، دون وجود اتحاد سياسي، ما هي إلا مغالطة كبيرة.” ولكن يبدو أن كول قد نسيها، لسوء الحظ، مع تقادم الزمن.
إن حجم المال الذي ستتلقاه اليونان في المستقبل المنظور يمكن أن يقسم على عدد سكان الاتحاد الأوربي، ويمكن لكل شخص أن يحسب مساهمته بسهولة ويُسر. ولكن تكلفة “الفرصة” البديلة الناجمة عن خسارة معدّل نمو اقتصادي محتمل أعلى، وهو أمر يصعب حسابه وتأمله على غير الاقتصاديين، ستكون – أي تكلفة الفرصة البديلة – أكثر إيلاما بكثير. مع ذلك، لا أشك بأنه، ولأسباب سياسية، سيتم دفع هذا الثمن الباهظ لليورو، وأن سكان منطقة اليورو سوف لن يعرفوا على وجه الدقة حجم تكلفة اليورو عليهم.
وللإيجاز، فإن الإتحاد النقدي الأوربي لن يكون مهددا بالإلغاء. وسيستمر  ثمن الإبقاء عليه بالارتفاع.
غير أن جمهورية التشيك لم ترتكب خطأ عندما تجنبت اللحاق بركب منطقة اليورو حتى الآن. ولسنا البلد الوحيد الذي ينحى هذا المنحى. ففي الثالث عشر من أبريل نيسان، 2010 نشرت ’الفاينانشال تايمز‘ مقالا لمحافظ البنك المركزي البولندي الراحل سلاومير سكرازيبيك – وهو رجل تشرفت بمعرفته جيدا. لقد كتب سكرازيبيك هذا المقال قبيل موته المفجع في حادث تحطم الطائرة الذي أودى بعدد من رجال الدولة البولنديين قرب سمولنيسك في روسيا. في ذلك المقال، كتب سكرازيبيك: “بولندا، بوصفها دولة ليست عضوا في اليورو، كانت قادرة على الاستفادة من مرونة أسعار صرف الزلوتي (العملة البولندية) بطريقة ساعدت على النمو وخفّضت من العجز دون استيراد التضخم.” وأضاف أن “القصة التي استمرت لعقد من الزمن والتي توضح كيف خسر أعضاء منطقة اليورو قدرتهم التنافسية بشكل كبير هي درس وعبرة مفيدة.” وليست هناك حاجة إلى قول المزيد.
© منبر الحرية ، 18 يونيو / حزيران 2010

peshwazarabic10 نوفمبر، 20101

لقد أنتجت الأزمة  المالية – الاقتصادية لعام 2008 مادة دسمة للصحافة المالية، إن لم تنتج شيئا آخر. وتمثل قضية احتيال الخمسين مليار دولار المزعومة التي قام بها بيرنارد مادوف، ومسألة التأكيد بأننا نحتاج إلى رزمة محفزات كينيسية هائلة – كلما كَبرت كانت أفضل–، تمثلان اثنتين من أفضل المواضيع المحببة اليوم. فمن أجل أن يجعل الكتّاب تقاريرهم وآرائهم أكثر إثارة، كثيرا ما كانوا يحاولون الربط بين القصص التاريخية مع قصتي مادوف والحوافز المذكورتين.
كان ’جون لو‘ وشركة ’المسيسبي‘ التي أسسها عام 1717 وانهارت عام 1720، مرجعا معياريا مقترنا بمخطط ’بونزي‘ المزعوم الذي قام به مادوف – ويلخص مخطط بونزي بأنه عملية نصب تعتمد على دفع عائدات المستثمر الأول من الأموال التي يدفعها المستثمرون الآخرون. وفي الواقع، إن الرابط الواضح الوحيد بين شركة ’المسيسبي‘ لجون لو، وعمليات مادوف هو أن قيمتها  قد ارتفعت ومن ثم انخفضت. وعلى كل حال، فقد فشلت هذه الحقيقة في جذب الانتباه واستحقاق الإشارة.
ما يستحق الذكر هنا هو أن ’جون لو‘ كان اقتصاديا مرموقا، وهو خير سلفٍ لجون ماينراد كينيس، وطريقته الاقتصادية الكينيسية. والحق أن مقالي ’جون لو‘ الموسومين “مقال حول بنك الأراضي” (1704) و “المال والتجارة” (1705)، قد حازا الإعجاب والثناء الكبيرين من جوزيف شومبيتر، الذي كتب في كتابهتأريخ التحليل الاقتصادي: “كثيرا ما اعتقدت أن جون لو يشكل تصنيفا أو فئة بحد ذاته، فقد نفذ اقتصاديات مشاريعه ببراعة و عمق، نعم، وهو ما يضعه في الصفوف المتقدمة من منظّري السياسة المالية على مر العصور.”
إن ربط ’جون لو‘ بالاضطراب المالي والاقتصادي ليومنا هذا هو الربط بين ’لو‘ وكينيس. فمثل كينيس، اعتقد ’لو‘ أن الاقتصاد يمكن أن يحفّز، وأن معدلات النمو يمكن رفعها بشكل مستمر عبر السياسة النقدية الفاعلة، وسياسات معدلات التبادل والمال. وباختصار، أيد كلا هذين  الاقتصادييَن فكرة الحكومة الفعّالة التدخلية. بعد قول هذا، تجنب كينيس ذكر ’لو‘، عندما لاحظ أمثلة سابقة للأفكار الواردة في كتابه الموسوم النظرية العامة للتشغيل، والفائدة والمال (1936). ربما لم يشأ كينيس أن يقترن بنظام شركة ’المسيسبي‘ لجون لو—المشروع الضخم الذي انتهى به المطاف فاشلا.
ظهرت فرصة ’لو‘ في تنفيذ أفكاره بعد ما عرف أن صديقه المخلص دوك أورلينز قد أصبح وصيّا على عرش فرنسا. وفي عام 1710، هاجر هذا الاسكتلندي – أي ’لو‘—من لندن إلى باريس. كانت فرنسا حينها في مشكلة مالية. كانت تلك المشكلة المالية تعزى بشكل جزئي للتقصير في الالتزامات أو السندات، بين أسباب أخرى. وبالنتيجة، كان الوصي قابلا للتأثر بمقترحات جون لو.
وفي حزيران (يونيه) عام 1716، أطلق ’لو‘ أول مشاريعه الكبيرة. حينها كان البنك العام قد تأسس. فقام هذا البنك بإصدار عملة ورقية لم تكن مدعومة عينيا (بالذهب أو الفضة). بدلا عن ذلك، استخدمت سندات الحكومة لتدعم حوالي 50% من العملات  الورقية الصادرة عن البنك العام. وقد صادق العرش على هذا الوضع الاحتياطي الجزئي، ومنحت تلك العملة الورقية قوة الإبراء القانوني.
لقد شكّل هذا سبقا فكريا لجون لو لأن واحدة من أفكاره كانت تقول باستبدال الأنظمة البنكية المبنية على الغطاء العيني بأنظمة مبنية على الإئتمان. وبدلا من موازنة التزامات البنوك وتعهداتها (لكل الودائع والأموال) بأصول مكونة من الذهب والفضة، كانت الالتزامات والتعهدات توازن بالقروض. ويبين الجدول المرفق الفرق بين هذين النظامين.
ومن المثير للانتباه، أن النظام المالي الدولي اليوم يبدو وكأنه يشبه النظام المبني على الائتمان الذي تصوّره جون لو، إلى حد كبير. في الواقع، عام 1973 – بعد ثلاثمائة عام من ميلاد جون لو—غادر النظام المالي الدولي آخر آثار معيار الذهب.
وكانت مغامرة جون لو التالية هي تأسيس ’شركة المسيسبي‘  التي مُنحت حقوقا احتكارية للتجارة والتطوير في أراضي لويزيانا الفرنسية، وفي الأراضي الكندية. وعبر سلسلة من عمليات الشراء والاندماج، أصبحت شركة قابضة عملاقة سيطرت على إمبراطورية كبيرة من الشركات التجارية الفرنسية. بالإضافة إلى ذلك، سيطرت شركة المسيسبي على معظم المهام أو الوظائف المالية للعرش. وتضمنت هذه الوظائف الحق الحصري في سك العملة، وجباية كافة الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وإدارة ديون العرش. وعندما جاء الأمر إلى إدارة الديون، أظهر جون لو مهارته وبراعته  في الإبداع.
لقد تم تأسيس شركة المسيسبي، جزئيا، لأجل تسهيل مقايضة الدين بما يعادله، تم خلالها إصدار حصص الشركة مقابل ديون العرش. وبالتالي، تمكن العرش من تفريغ كامل ديونه الباهظة. ولأجل أن لا يتفوق الفرنسيون على البريطانيين، اتبع البريطانيون قيادة جون لو، فسمحوا لشركة ’ساوث سي‘ بتولي مهام مجمل ديون الحكومة.
وبوجود فرص عائدات مدهشة، انتفخت باريس بالمستثمرين القادمين من شتى أنحاء أوروبا. وكما يؤشر الرسم البياني للشركة، ارتفعت أسعار أسهم شركة المسيسبي. وكذلك ارتفعت حظوظ جون لو. فمن بين أشياء عديدة، تم تعيينه مستشارا عاما للمالية – وهو المنصب الذي جعله رئيس الوزراء الفعلي لفرنسا.
تمكن ريتشارد كانتيلون (1680 – 1734)—وهو منظّر اقتصادي كبير ومؤيد للمال المدعوم عينيا – من تحقيق ثروتين عبر نظام شركة المسيسبي. الأولى، عندما ارتفع سعر أسهم شركة المسيسبي في السوق. أما الثانية فهي أن كانتيلون لاحظ خطأ مميتا في إستراتيجية ’لو‘ وهو: أن الزيادة في إصدار العملات  النقدية غير المدعومة بالغطاء العيني المطلوب لتهيئة أرضية تقف عليها أسهم شركة المسيسبي بواقع 9,000 ليفرا  للسهم الواحد. بناءا عليه، استنتج كانتيلون أن تحويل أسهم المسيسبي إلى نقود ، أو إضفاء الصفة النقدية (monetization) عليها سينتج تدفقا في العرض النقدي، وتدهورا حادا في قيمة ’الليفر‘ مقابل قيمة الجنيه الإسترليني. ونتيجة لذلك، اتخذ كانتيلون وضعا مضاربا أو مشككا (speculative position) ضد العملة الفرنسية – وهو عمل جعله يجني ثروة، وتسبب بقيام ’لو‘ بنفيه خارج فرنسا.
يحيلنا كل هذا إلى الحاضر، وإلى  الرابط بين ’لو‘ و ’كينيس‘. فبينما يتم تأمل إستراتيجيات رزم الحوافز الكبيرة، والتدخل الحكومي، ربما يكون من الجدير بالملاحظة التفكير بمصير نظام شركة المسيسبي لجون لو.
© منبر الحرية،15 أبريل /نيسان 2010

peshwazarabic10 نوفمبر، 20101

هذه المقابلة مع البروفسور أندريه لانكوف، من جامعة كوكمين في سيئول، وهو أحد أبرز الخبراء في كوريا الشمالية، أطلق العديد من المنشورات لمشروع إن لبرتي، تتعلق بالوضع الراهن في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية (DPRK)، وهي واحدة من التجارب الاشتراكية الأكثر راديكالية في العالم.   – متى، وفي أي المراحل، بدأت السوق السوداء تنمو في كوريا الشمالية؟
في البداية، نحتاج إلى استحضار الماضي، بالتحديد، خلال فترة حكم كيم إل- سونغ، والذي بدأ بشكل فعلي عام 1948 واستمر حتى عام 1994 في أواخر الستينيات، كانت كوريا الشمالية الدولة الأقل إتباعا لاقتصاد السوق واستعمالا لآلياته  في العالم.  فجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية اتبعت نظام الحصص التموينية الأكبر و الأشمل في العالم. وبحلول السبعينيات، كانت الكتب هي السلع الوحيدة المعروضة للبيع(وكانت على الأغلب مؤلفات ’القائد الأعظم‘ أو قصصا تحكي عن أمجاده، أما الكتب الأخرى فلم تكن تُنشرُ أصلا)، بالإضافة إلى بعض القرطاسية، وبعض الأدوات ذات الاستخدام اليومي كالأمشاط البلاستيكية، وبعض اللوازم الشخصية. كل السلع الأخرى كانت توزّع وفق ضوابط صارمة. وكانت طريقة التوزيع تتم وفق صيغة هرمية تراتبية معقدّة وغريبة، صيغة تبتُّ في مسألة مَن يحصل على ماذا، وبأي نوعية. من الناحية الشكلية، كانت البضائع تباع، ولكن الأسعار كانت منخفضة للغاية، وذات طبيعة رمزية ليس إلا—في الواقع، كان ثلث الراتب الشهري الاعتيادي كافيا لشراء مجموعة كاملة من سلع الحصة التموينية، وبالطبع، كان الاقتصاد يعاني من تراكم ضخم في السيولة النقدية، مما أدى إلى تضخم مستتر كبير.
على خلاف الاعتقاد السائد في الغرب، فإن الأسواق لم تكن ممنوعة بشكل رسمي في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، ولكن نطاق البضائع المسموح بيعها كان ضيقا ومحدودا جدا. من الجدير بالذكر أنه منذ عام 1957، تم فرض حظر صارم على بيع محاصيل الحبوب – وهي المصدر الرئيس للغذاء في كوريا الشمالية. وكانت الفكرة القائمة وراء هذا الحظر كالآتي: إذا لم يتمكن الفرد من شراء الحبوب في السوق، لن يبق أمامه خيار سوى أن يبحث عن عمل في مؤسسة من مؤسسات الدولة التي تحتكر منح بطاقات الحبوب. أما الرز وغيره من المحاصيل فكانت تزرع في حقول الحكومة فقط و كانت أية عملية اتجار في الحبوب تعدّ عملا إجراميا يعاقب عليه القانون.
كان القطاع الخاص شبه منعدم. مساحة الحدائق المنزلية في القرى كانت محددة بمائة متر مربع، أما في المدن فكانت تتراوح بين 20 و30 مترا مربعا. أما الملكية الخاصة للماعز، أو الخنازير أو الدواجن، فكانت مسموحة، ولكن لم يكن من السهل إيجاد طعام لها، مما يتطلب علاقات جيدة مع أصحاب النفوذ.  وطالما كانت بضائع القطاع الخاص – والتي كانت كمياتها قليلة جدا ولا تكاد تُذكر – هي الوحيدة التي يمكن بيعها في الأسواق، وبالنظر إلى كمية الأموال الهائلة المتداولة ، كانت الأسعار خرافية في عقدي السبعينيات والثمانينيات: فقد كان سعر التفاحة الواحدة يعادل أجرة عامل لمدة يومين، أما كيلو اللحم فكان يساوي حوالي ثلث أو نصف المرتب الشهري للموظف. ولكن، أود أن أكرر هنا، أن الأسواق بهذه الصيغة، كانت شرعية تماما. كان في بيونغ يانغ عشرة أسواق، ولكنها كانت غير قادرة على لعب دور اقتصادي ملموس.   غير أن منتصف السبعينيات شهد أول بوادر الأزمة في نظام التوزيع. إذ تراجع عرض البضائع بشكل تدريجي في المدن الصغيرة والمحافظات في أول الأمر، ومن ثم في المدن الكبرى. ثم لوحظت بعض التأخيرات في استلام حصص البطاقات التموينية. حيث تم تقليل معدلات حصص الحبوب في أوائل السبعينيات وفي أواخر الثمانينيات. أما بعض الأنواع الأخرى من المنتجات فقد توقفت حتى ضمن نظام البطاقة التموينية (على سبيل المثال، في السبعينيات، توقف تجهيز معظم المواطنين بمادة السكر، رغم أن المسؤولين استمروا في الحصول عليه).وفي أواخر الثمانينيات، وعلى الرغم من الدعم السوفيتي والصيني، أصبح الوضع في المحافظات متوترا جدا، حيث بدأ الناس يتضورون جوعا، مع أن المجاعة لم تصل إلى حد خطير.   وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، توقف الدعم السوفيتي لكوريا الشمالية و بدأ الوضع الاقتصادي بالتدهور بشكل سريع. فبدون الوقود الروسي والأدوات الاحتياطية المدعومة، اضطرت المصانع على الإغلاق. أما المزارع فقد افتقرت إلى المعدات، والأهم من ذلك، الأسمدة. وفي أواخر الثمانينيات، عانى العديد من الكوريين من المجاعة. وأصبح الجوع أكثر حدّة في منتصف التسعينيات.
منذ مطلع عقد الثمانينات، بدأت السلطات في التسامح مع المنتجات المنزلية الحرفية، على الرغم من أن مثل هذه الأنشطة كانت تعدّ  نوعا من أنواع “البحث عن البدائل الخارجية”outsourcing  وكانت تتم تحت سيطرة حكومية صارمة. في الثمانينيات، ازدادت تجارة الحبوب بالرغم من عدم رفع الحظر الرسمي عليها. وعلى خلاف الوضع في الصين، حيث قامت الدولة بإدخال بعض الإصلاحات في  اتجاه دعم اقتصاد السوق في أواخر السبعينيات، فإن كوريا الشمالية حافظت على الوضع القائم. بل على العكس، أكدّت الحكومة أن الأسلوب السوفيتي أو الصيني في “المراجعة والتنقيح” غير مقبول على الإطلاق، وأن نظام كوريا الشمالية الاشتراكي لا عيب فيه، لذا فإن أي تغيير لهذا النظام هو أمر ممنوع بتاتا. ولكن، في ظل المتغيرات الجديدة، أصبحت الحكومة الجديدة غير قادرة على تنفيذ أو تفعيل العديد من القيود والممنوعات.   – ما الذي قاد إلى ما يمكن أن نطلق عليه اسم “التحرير التلقائي” إذا جاز التعبير؟  عامل مهم واحد يتمثل في تفشي الفساد كالنار في الهشيم، ولا سيما بين صغار المسؤولين الحكوميين، حيث أن أزمة الطعام قد ألمّت بهم أيضا. كثيرا ما قيل لي أن المسؤول الحكومي النزيه الذي يحاول بكل صدق أن يعيش وفق القانون لم يمكن له أن ينجو من المجاعة. ونتيجة لذلك، فإن العديد من هؤلاء النزيهين قد لقوا حتفهم، بينما أنتهج الآخرون سبلا أخرى للعيش. فكانت الرشاوى تأخذ أشكالا عديدة، فمنها العيني ومنها النقدي بالعملة الصعبة، أو باليوان الصيني، الذي كان يميل نحو التضخم هو الآخر (ففي التسعينيات، كان الدولار الأمريكي يساوي  8.10  وانا، أما عام 2000 فكان يساوي حوالي 150).
من الجدير بالذكر أنه قبل بداية المجاعة الحادة التي ضربت البلد في أواخر الثمانينيات، لم يكن معظم الكوريين يريدون الانخراط في أنشطة السوق التي كان ينظر إليها سلبا في أغلب الأحيان. إذ كانت النظرة السائدة هي أن التجارة كانت حرفة المضاربين والمحتالين. وقد استمرت هذه النظرة طيلة الفترة التي استطاعت فيها الدولة أن تُطعم الشعب بشكل أو بآخر. ولكن ما إن أدرك الشعب أنه لم يعد بإمكانه الاعتماد على الدولة، كان عليه إيجاد وسائل بديلة للعيش. ونتيجة لذلك، فإن نظام الدولة للبطاقة التموينية، الذي كان لا يزال موجودا، قد تراجع أمام القطاع الخاص.   وفي التسعينيات، تنامت أهمية الأسواق والقطاع الخاص بشكل سريع، كما تزايد عدد العاملين في السوق، وتعددت السلع التي تباع في الأسواق. وفي نهاية التسعينيات، كان كل شيء تقريبا يباع في السوق. أما الممنوعات السابقة فقد ضُرب بها عرض الحائط. فالبضائع المسروقة، التي أخذها الفلاحون من حقول الدولة والمزارع الجماعية، أصبحت متوفرة وتباع علنا. منذ بداية التسعينيات، بدأ الفلاحون يزيدون من حجم أراضيهم دون موافقات رسمية من خلال زراعة منحدرات الجبال. وعندما أصبحت هذه الظاهرة واسعة الانتشار، لم تتدخل الحكومة.   ولكن الوضع استمر في التدهور. ففي عام 1996، تحوّلت أزمة الطعام إلى مجاعة. فبحسب التقديرات الرسمية (التي كانت حكومة كوريا الشمالية تقدّمها للمنظمات الدولية ولكن لا تقدمها إلى شعبها)، خلال المجاعة التي ضربت البلد منذ عام 1996 حتى 1999، لقي حوالي 250,000 شخصا حتفهم. أما أعلى التقديرات الدولية فتشير إلى أن عدد الضحايا كان حوالي ثلاثة ملايين نسمة. وأغلب الظن أن تقديرات كوريا الشمالية تحاول تقليل العدد، بينما التقديرات الدولية، مرتفعة جدا هي الأخرى. لكن الحقيقة تقع في مكان ما بين التقديرين، بين النصف مليون والمليون ضحية.   أدت المجاعة إلى العديد من التغييرات الاجتماعية الكبيرة و انهارت المحاولات التقليدية القديمة للسيطرة التامة على المجتمع والاقتصاد. أولا، فقدت كوريا الشمالية السيطرة على حدودها مع الصين، وبدأت الهجرة الجماعية للاجئين عبر الحدود. ونتيجة لذلك، بحلول عام 1999، كان حوالي 300.000 من الكوريين الشماليين قد فرّوا إلى الصين إلى المناطق الحدودية التي تسكنها بعض الأعراق الكورية. وكان معظم هؤلاء اللاجئين الذين هربوا من سياط المجاعة يمارسون أعمالا شاقة لم يكن الصينيون انفسهم ليقومون بها.
لا بد أن أشير هنا أن فتح الحدود كان أمرا مدبّرا جزئيا. فمن ناحية، كان من الصعب جدا السيطرة على ما يقارب 1400 كيلومترا من الحدود التي تحاذي بعض الأنهار الضيقة والضحلة. من ناحية أخرى، قامت الحكومة بتخفيف العقوبة المترتبة على العبور غير الشرعي للحدود. كان التسلل عبر الحدود جريمة كبرى في السابق، ولكن منذ عام 1996، أصبح جنحة ثانوية نسبيا، عقوبتها السجن لأشهر قليلة.   وكما ذكرت آنفا، فإن معظم المهاجرين إلى الصين كانوا لاجئين عاديين. ولكن البعض منهم بدأ يعمل على تهريب البضائع الصينية إلى كوريا الشمالية.   أصبحت الصين النافذة التي تطل منها كوريا الشمالية على العالم الخارجي، كما أصبحت مصدرها الرئيس للبضائع والمعلومات. ولم يكن ذلك راجعا لجرأة المهرّبين فقط، فمنذ أواخر التسعينيات، كانت جميع المنظمات شبه الخاصة تعمل تحت غطاء المنظمات العسكرية والحزبية، والتي قامت بتجارة – شرعية – ناشطة مع الصين. كانت هذه المنظمات تصدّر المعادن إلى الصين، فضلا عن بعض الأطعمة البحرية المجففة، والأعشاب الطبية. كما أن تهريب الذهب من كوريا الشمالية قد تزايد بشكل ملحوظ، ومنذ عام 1998 فصاعدا، حدثت موجة من تهريب الآثار، نتيجة للحفريات غير الشرعية للمواقع التاريخية والقبور.
تدفقت مختلف أنواع الألبسة والأجهزة الإلكترونية من الصين إلى كوريا الشمالية. ومن المثير للاهتمام، أن نوعا من التصنيع المتنوع، الذي يذّكرنا بالأيام الأولى للرأسمالية الأوربية قد بدأ يظهر في كوريا الشمالية ولم تعد هناك حاجة لقيام المواطنين بتهريب الطعام، ففي عام 1997، أصبح بالإمكان الحصول على الطعام من المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات العالمية.   كانت المساعدات توزّع حسب الرتب أو المناصب: فمدينة بيونغ يانغ والمدن الكبيرة الأخرى، فضلا عن المسؤولين الحكوميين (بعبارة أدق، الموظفون الأكثر نفوذا وامتيازات داخل الحكومة)، كانوا يحصلون على المساعدات الإنسانية أولا. ثم يذهب الباقي إلى المدن الأصغر والأجهزة الرسمية الأقل تأثيرا. أما المحافظات الشمالية الشرقية – مثل هامجيونغ، و تشاغانغ، و ياغانادو–  فلم تكن تحصل على أية مساعدات. كان هذا التقسيم يتم بشكل قصدي: فبسبب انعدام الموارد، كانت الحكومة تطعم المناطق والمجموعات الاجتماعية التي تحتاج إليها أكثر من الآخرين من أجل بقائها وديمومتها. أما سائر أبناء الشعب، فعليهم أن يتدبروا معيشتهم بأنفسهم.   ومن الجدير بالملاحظة أن المساعدات الإنسانية كانت تأتي إلى كوريا الشمالية عبر الموانئ التي تقع على السواحل الشرقية للبلاد. كانت وجهة البضائع هي بيونغ يانغ، ولكن بعضها كان يُسرق في الطريق، وبذلك يذهب إلى السكان المتخلى عنهم من طرف الحكومة.   ولكن، و في المحصلة، فإن معظم الكوريين الشماليين قد تُركوا دون حصص تموينية، وكان عليهم أن يحاولوا العيش في ظل ظروف جديدة قاسية. تمكّن البعض منهم من ذلك، وأخفق البعض الآخر. ولكن الناجين ساعدوا على خلق اقتصاد سوق تلقائي.   – كيف كان الوضع في التسعينيات؟  كما أسلفت، لم يكن نظام البطاقة التموينية قد ألغي رسميا.
في الواقع، لم تكن البطاقة التموينية تسمح للمرء أن يشتري طعاما، حتى عندما استمر السكان في الحصول على البطاقات. حتى في بيونغ يانغ، منذ منتصف التسعينيات، لم تكن البطاقة التموينية تمكن من اقتناء سوى معدّلات مخفضة جدا لا تكاد تسد الرمق – شيء من قبيل 300 غرام من الحبوب للفرد الواحد في اليوم. حتى سكان بيونغ يانغ أجبروا على سد رمقهم من السلع المتواجدة في السوق مما أدى إلى بروز مجموعة جديدة من الخدمات. على سبيل المثال، حوالي عام 1997، اختفت خدمات الإطعام الحكومية تماما وظهر سوق المطاعم الخاصة ثم شهد بعدها نموا سريعا. كانت المقاهي المنشأة حديثا غير قانونية في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى كانت موجودة بصفتها مؤسسات شبه حكومية. كما بدأت الفنادق الخاصة بالظهور في أقبية المباني السكنية (بشكل غير شرعي). كما كان هناك بعض العاملين في صرافة العملات النقدية، وبعض المقرضين. كما بدأت ظاهرة إيجار أجهزة الفيديو بالظهور.   وأخيرا، بدأ الإنتاج، على نطاق ضيّق، على شكل ورشات تصنيع حرفية صغيرة، ومصانع مصغّرة، تعمل أساسا على إنتاج الألبسة والأحذية. على سبيل المثال، لدي العديد من الأصدقاء في مدينة سينويجوي، الواقعة على الحدود الصينية والتي أصبحت أكبر مركز خاص لتصنيع الأحذية. كان المصنّعون ينسخون النماذج الصينية، ويؤسسون علاقات واسعة داخل البلد، ويهرّبون بعض المواد الخام من الصين.   – ما هو واقع  كوريا الشمالية اليوم؟
أعلنت الحكومة رسميا سنة 2002 عن إطلاق بعض الإصلاحات الاقتصادية. عمليا كان ذلك يعني شرعنة بعض الأنشطة التي ما برح الناس يمارسونها منذ وقت طويل. كان هناك ارتفاع حاد، بلغ مئات الأضعاف المضاعفة، في الأجور بالموازاة مع تزايد الأسعار مما أدى إلى ظهور موجة من التضخم. ثم استقرت الأسعار ثانية ولكن بمستويات جديدة. فعلى سبيل المثال ارتفع سعر الرز الذي حددته الدولة، والذي كان سعره 0.08 واناً كوريا للكيلو غرام الواحد ولعقود طويلة من الزمن، ليصبح 44 وانا للكيلو غرام، بينما كان سعر السوق 900 وانا للكيلو.   ما فتئت الدولة تحاول منذ عام 2004 أن تفرض القيود على الحرية الاقتصادية مرة أخرى. قيود ألغيت من طرف الشعب دون مصادقة من الحكومة. و كانت لهذه القيود أسبابا سياسية بحتة. حيث تعتقد القيادة السياسية في كوريا الشمالية أن التحرر سيؤدي إلى وعي شعبي بازدهار كوريا الجنوبية، مما جعلها تحكم قبضتها مرة ثانية على مصير الشعب. إن الفجوة بين المعايير المعيشية بين الكوريتين الشمالية والجنوبية واسعة جدا. وفقا للتقديرات الأكثر تحفظا، إن الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في كوريا الجنوبية أكثر 17 مرة منه في الشمالية، بينما تشير بعض التقديرات الأخرى إلى أن الفارق بينهما يصل إلى 50 ضعفا.
قام القادة في كوريا الشمالية لعقود عديدة من الزمن بكل ما في وسعهم لتقليل انتشار المعلومات حول العالم الخارجي. كانت العزلة في البداية موجهة ضد الاتحاد السوفيتي، بعد “التحرر” النسبي الذي أعقب موت ستالين، والذي قاد إلى أزمة ذات مرة أوشكت أن تجعل كيم إل- سونغ يفقد سلطته. ثم أصبحت كوريا الجنوبية هي مركز المخاوف والقلق بالنسبة إلى كوريا الشمالية، وذلك بسبب الفجوة الكبيرة بين البلدين، والتي نمت بسرعة متزايدة.   كما أن التدابير التي تم اتخاذها كانت غير اعتيادية. على سبيل المثال كانت جميع أجهزة الراديو في كوريا الشمالية مبرمجة لالتقاط سوى المحطات الرسمية. ولم يكن هناك سوى القليل جدا من الرحلات إلى خارج البلد. في الوقت نفسه، فإن الدعايات الموجهة المتعلقة بمعاناة شعب كوريا الجنوبية كانت رائجة بين أوساط الشعب – حيث تشيع بعض هذه الدعايات أن أطفال كوريا الجنوبية يلمّعون أحذية الغزاة الأمريكان المتغطرسين، والطلبة يبيعون دمهم من أجل شراء الكتب، والأولاد الصغار الذين لا يدفعون أقساط المدارس يقذف بهم المدراء إلى الشارع.
لقد أدت هذه الدعايات هدفها بشكل فاعل. لم يكن الشعب في كوريا الشمالية يعرف أن اقتصاد كوريا الجنوبية واحد من أكثر الأنظمة الاقتصادية ازدهارا في المنطقة. كانت هناك بعض الدعايات بلا شك، ولكن شكوكا كبيرة ظهرت بعد منتصف التسعينيات، عندما بدأت بعض الدعايات تتغلغل من الصين وبدأت الأشرطة المهرّبة التي تظهر فيها برامج تلفزيونية من كوريا الجنوبية تنتشر في السوق.   كما سلكت الدولة سلوكا عدائيا ضد الأسواق بوصفها مراكز محتملة لتنظيم و تأطير الأفراد، كما خشيت السلطات من تكرار سيناريو ألمانيا الشرقية. تخشى حكومة بيونغ  يانغ أنه إذا ما عرف الكوريون الشماليون حقيقة الأوضاع في كوريا الجنوبية وازدهارها وامكانية ازدهارهم بعد تحررهم، فإن من غير المحتمل أن يوافقوا على اختيار نموذج العمال الصينيين الذين لا يسألون الكثير من الأسئلة، وظلوا ينتظرون لعقود طويلة من الزمن أن تتحسن وضعيتهم. من المحتمل جدا أن يعارض الكوريون الشماليون النظام، مطالبين بإتحاد فوري مع الجنوب المترف(وعلى أي حال، فإن من السذاجة بمكان أن يتوقعوا أن تجعلهم هذه الوحدة يصلون فورا إلى المستوى المعيشي الذي في كوريا الجنوبية).  أما بالنسبة إلى القيادة السياسية في سيول و الشعب الكوري الجنوبي بصفة عامة، فإنهم لا يريدون الوحدة مع كوريا الشمالية الآن. بل أنهم يريدونها، ولكن في المستقبل البعيد، بعد عقود من الزمن. والعامل الحاسم وراء ذلك هو فهمهم لمدى فقر الشمال، وضخامة حجم الأموال التي لا بد من استثمارها لأجل إحداث قفزة في اقتصاد كوريا الشمالية. لذا فإن الكوريين الجنوبيين يطعمون الشمال من خلال المساعدات الإنسانية، آملين من وراء ذلك أن المشكلة ستحلّ نفسها نوعا ما.    إن كوريا الشمالية اليوم تتلقى دعما كبيرا من كوريا الجنوبية (والتي هي في حالة حرب معها من الناحية الرسمية) ومن الصين كذلك. فالمحصول كوريا الشمالية السنوي من الحبوب (الرز والذرة) يقارب من 4 ملايين طنا في العام خلال العقد الأخير. ولكن الحد الأدنى من الحبوب الذي تحتاجه لكي تتمكن من إطعام شعبها هو 5.2 مليون طنا. أما الفرق فتتم تغطيته من ثلاث مصادر هي:
(1) المنح التي تقدمها كوريا الجنوبية، والتي وفّرت في السنوات الأخيرة نصف مليون طن بشكل ثابت (400 ألف طن من الحبوب في العام عبر القنوات الحكومية، وعدد من المساعدات الخاصة)؛
(2) المساعدات الصينية التي تقارب نفس المقدار السابق؛ و
(3) مساعدات المنظمات الدولية.
و الجدير بالملاحظة أن كلا من الصين وكوريا الجنوبية توفران المساعدات دون أية شروط، حتى تلك المتعلقة بكيفية توزيعها. وبالطبع، فإنهما يفهمان أن معظم هذه المساعدات تذهب في آخر المطاف إلى الأجهزة التنفيذية، وإلى النخبة الحزبية، وإلى المجموعات النافذة من أصحاب الامتيازات. لكن هذا لا يتعارض مع مصالحهما الطويلة الأمد: فهما يريدان قبل كل شيء الاستقرار رغم أن هذا الأمر لم يصرّح به علنا. لذا أصبح في حكم الواضح بالنسبة إلى نظام بيونغ يانغ أن المساعدات الصينية والكورية الجنوبية ستأتي بكل حال من الأحوال، وأن هذه المساعدات ستبقى عند مستوى يكفي لسد الرمق تبقي البلد في حالة من الكفاف.  إن المساعدات عامل أساسي مفسر للتراجع الأخير في مجال الحريات الاقتصادية التي قامت حكومة كوريا الشمالية بإطلاقها سابقا. فقد قامت الحكومة بالتراجع   عن حرية تجارة الحبوب (على الرغم من حقيقة أن هذا الحظر لم يُرفع بشكل رسمي أبدا). منذ نهاية عام 2006، مُنِع الرجال من المتاجرة في الأسواق. ومنذ عام 2007، منعت النساء اللائي لم يبلغن الخمسين من العمر. كما اتخذت إجراءات صارمة بحق المطاعم و شركات النقل الخاصة. وكانت الغاية من هذه التدابير هي حشد الشعب في المصانع، حيث لا يفعلون شيئا، إلا من أجل إبقاء الوضع تحت سيطرة الحكومة.   – لقد تحدثنا كثيرا عن تهريب البضائع إلى كوريا الشمالية. فهل هناك تهريب للمعلومات أيضا؟   نعم هناك تهريب من هذا النوع وهو واسع الانتشار. فأسطورة فقر كوريا الجنوبية قد تلاشت في أول الأمر من خلال انتشار أشرطة الفيديو الكورية الجنوبية، وتغلغل أجهزة الفيديو المستعملة القادمة من الصين( والتي حلت محلها الآن أجهزة تشغيل الدي في دي DVD المنخفضة التكلفة). لقد بدأ هذا الأمر عام 1999 تقريبا. في ذلك الحين، كان من الواضح جدا أن الصين أغنى بكثير من كوريا الشمالية: هناك بعض المدن الكورية الشمالية المتاخمة للصين، والتي يمكن فيها مشاهدة ناطحات السحاب الصينية ذات الأنوار البرّاقة.   ولكن لا بد أن نلاحظ أن مستوى ترهيب الشعب في كوريا الشمالية أكبر بكثير مما كان عليه الحال في الإتحاد السوفيتي السابق. اليوم، هناك ما بين 150 ألف و200 ألف سجين سياسي في البلد – وهو رقم مرتفع إلى حد مدهش في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 23 مليون نسمة.
* تم تسجيل المقابلة بتاريخ 25/ آذار مارس عام 2008
© منبر الحرية، 30 مارس/آذار 2010

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

في اليونان، كما في أي بلد آخر، إذا قامت إدارة إحدى الشركات بتقديم أرقام مضللة حول وضعها المالي في البيانات الرسمية التي تُقدَّمها للحكومة، بهدف تعزيز سعر أسهمها أو دعم بيع الأوراق المالية، فإنها بذلك تصبح عرضة للمتابعة القضائية بتهم جنائية.هذا الأمر يعتبر في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك اليونان، تزويراً للأوراق المالية.  لكن في اليونان، على خلاف البلدان الأخرى، إذا كان المسؤولون عن النصب و الاحتيال هم أعضاء في حكومة(سابقة)، وإذا كان ضحايا عملية النصب هم “الأجانب” (أو زينوي xenoi في اللغة اليونانية)، فإنهم غير معرضين لأي تهديد من هذا القبيل.
أكثر عقوبة يمكن أن يتوقعونها هي سماع تقريع خفيف مع الرجاء “لا تفعلوها ثانية من فضلكم”.  هذا باختصار هو وصف الوضع المالي اليوناني.على الرغم أنه بات من المؤكد الآن أن حكومة “الديمقراطية الجديدة” السابقة تلاعبت بالإحصائيات لتعزيز صورة الاقتصاد اليوناني في أعين المستثمرين، إلا أنه لم توجَّه تهم قضائية ضد رئيس الوزراء السابق كوستاس كارامانليس أو ضد بطانته الاقتصادية.مع ذلك فإن التشويه المتعمد للأرقام الخاصة بالعجز في المالية العامة في اليونان يشكل بوضوح خداعاً للجهات التي يمكن أن تشتري السندات اليونانية.الامر الذي أدى بهؤلاء المشترين  إلى المطالبة بعلاوة متدنية تماماً للتأمين ضد المخاطر، تقل كثيراً عن العلاوة التي كانوا ستيطلبونها لو أنهم كانوا على علم بالوضع الحقيقي للمالية العامة في اليونان. ورغم أن رئيس الوزراء الحالي كان يمتلك الشجاعة الكافية – بالمقاييس اليونانية – للكشف عن مقدار وحجم عمليات التلاعب المالية للإدارة السابقة، إلا أنه مع ذلك تجنب إصدار أمر بإجراء تحقيق شامل بخصوص عملية الغش المذكورة.
إن عدم رغبة النظام القضائي والسياسي في اليونان، أو عدم قدرته، على السعي لمعاقبة القائمين على عملية التضليل المذكورة، خلق فراغاً أخلاقياً تزدهر فيه جميع الأنواع من نظريات المؤامرة.هذه النظريات تشترك جميعاً في أنها تلقي اللوم على الضحايا (أي على حاملي السندات اليونانية) بخصوص المأزق الحالي الذي تعاني منه اليونان.في كل يوم تمتلئ وسائل الإعلام اليونانية بحكايات عن جهات حقيرة تتألف من “المضاربين” و “المنتفعين” و “المصرفيين” و “الممولين” والذين يشبهون المرابي اليهودي شايلوك (أي الذي يريدون أن ينهشوا لحم اليونان)، الذين يلامون على الفوضى الاقتصادية التي تعاني منها اليونان الآن.  صدق أو لا تصدق، لكن وفقاً لنظرية المؤامرة المهيمنة في الوقت الحاضر، فإن اليونان عالقة حالياً في صراع هائل لإنقاذ شرف منطقة اليورو.بالتالي فإن “هجمات المضاربين الأجانب” تشكل من الناحية العملية هجوماً شرساً ضد اليورو تقوم به “قوى الظلام”(المقصود بذلك هم الأمريكيون) التي لا تريد لأوروبا أن تزدهر وتحتل مكانتها اللائقة على المسرح الدولي.
هذا الخطاب يناسب تماماً غالبية الشعب اليوناني.على مدى 30 سنة ظلت جميع الأحزاب السياسية اليونانية تغذي اليونانيين بوجبة لا تنقطع من الخطاب المليء “بمعاداة الإمبريالية”، وهو خطاب تُعتبر بموجبه جميع المشاكل التي تُرزأ بها اليونان هي دائماً من فعل الغرباء (زينوي) ومؤامرات “المنتفعين من اللبراليين الجدد”.لذلك ليس من قبيل المفاجأة أن النظريات التي من هذا القبيل واسعة الانتشار بين الناس. بل إنك حين تسمع اليوناني العادي وهو يقول “لن نستطيع أن نلوم إلا أنفسنا” بخصوص الأزمة، فإنه يقصد بذلك في العادة أن اليونانيين أضروا بأنفسهم حين كشفوا “للأجانب” الحجم الحقيقي للعجز في المالية العامة.لو أن الحكومة الحالية لم تكشف هذا الخداع للعالم فإن اليونان، وفقاً لهذه الحكاية، بإمكانها الاستمرار في استغلال هؤلاء “الفرنجة الأغبياء” لعدة سنوات مقبلة.بعبارة أخرى، المشكلة ليست في حجم العجز بحد ذاته، وإنما في حقيقة أن الحكومة اليونانية الحالية فضلت أن تكشف النقاب عنه أمام العالم.  بعبارة أخرى، مشكلة اليونان ليست اقتصادية فقط.إنما مشكلة أخلاقية كذلك.
يقول جورج بيتروس، الأستاذ في جامعة أثينا للاقتصاد والأعمال: “هناك تقليد طال عليه الأمد  من التلاعب بالبيانات الإحصائية في اليونان، وليس فقط بسبب التدخلات من جانب الحكومة.” ويضيف: “هذا خلل خطير في النظام تمتد جذوره إلى إخفاق النظام السياسي، وكذلك إلى هيكل وغياب الشفافية في القطاع العام.معنى ذلك أن السرطان ضرب بجذوره عميقاً في هيكل النظام، ومن شأنه تحويل حتى القديسين ليصبحوا على شاكلة راسبوتين.”   إن الإخفاق في معاقبة أولئك الذين يتحملون المسؤولية السياسية عن هذا الخداع الهائل لن يساعد اليونان على استعادة مصداقيتها بين المستثمرين الدوليين.من جانب آخر، فإن إقامة قضايا قانونية ضد أولئك المسؤولين ربما لا تعمل بالضرورة على تهدئة الأسواق، ولكنها ستبرهن للعالم بالتأكيد أن الخداع أمر لا يمكن السكوت عليه في اليونان، حتى ولو كان الضحايا هم الأجانب  “زينوي”.
© منبر الحرية، 11 مارس/آذار 2010

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

“الفلسفة الحمائية هي فلسفة حرب”    لودفغ فون ميزيس
إن الحمائية هي الطريق نحو الحرب. لكنها ليست مجرد “حروب تجارية”  تتناوب فيها الحكومات من أجل شن الحروب على شعوبها (والتي هي أشبه “بالانتحار التجاري”)، بل هي حروب تقتل بالفعل.
لقد بات معروفا منذ زمن طويل أن الأنظمة الديمقراطية أقل قابلية من الانظمة غير الديمقراطية على شن الحروب على بعضها بعضا. وهذا هو ما يُعرف بالـ”السلام الديمقراطي.”  و تؤكد الأبحاث أن التبادل التجاري هو أيضا محفّزٌ فعّال للسلام بشكل عام. وكما بيّن البروفسور إيريك غارتزك من جامعة كولومبيا في أعماله، فإن “الحرية الاقتصادية أكثر فاعلية من الديمقراطية في تشجيع السلام إلى حد كبير ؛ فهي أكثر فاعلية خمسون مرة.” وفي الواقع، أظهر كل من البرفسور سولومون بولاتشيك وكارلوس سيغلي (من جامعة ولاية نيويورك SUNY)) في بنجامتون وجامعة روتغيرز) في بحثهما حول العلاقات (الثنائية) بين الدول، أنه “بما أن البلدان الديمقراطية تتاجر فيما بينها أكثر من البلدان غير الديمقراطية، فإن الديمقراطيات تتعاون مع بعضها البعض أكثر نسبيا من غيرها، مما يفسّر “السلام الديمقراطي” حيث أن الديمقراطيات نادرا ما تحارب بعضها البعض.”  لهذا يمكن القول أن التبادل تجاري يدعم السلام؛ أما الحواجز التجارية، والسياسة الحمائية، والقومية الإقتصادية فلا تقود إلا إلى الحرب. (للمزيد من الأدلة التجريبية، زوروا موقع الانترنت  www.FreedomToTrade.org).
من أجل عالم حر ينعم بالسلام، انضموا إلينا من أجل حرية التجارة. ضموا أصواتكم لأصوات آلاف الأفراد (من ضمنهم أكثر من ألف خبير اقتصادي) وقّعوا على إلتماس للتجارة الحرة:

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

في عام 1930 قامت الحكومة الأمريكية بفرض واحدة من السياسات الاقتصادية الأكثر مأساوية في القرن الماضي. فقد  فرضت تعرفة سموت – هاولي ضرائب على أكثر من 20.000 صنف من البضائع المستوردة، مما أدى إلى رفع أسعارها  وغلائها على المستهلك الأمريكي. ربما لم يدرك مؤيدو التعرفة أن فرض الضرائب على الواردات كان أشبه بفرض الضرائب على الصادرات أيضا، وكانت النتيجة تراجع الصادرات إلى مستوى 50% بعد أقرار التعرفة والمصادقة عليها، مما أدى إلى تدمير الصناعات الامريكية. وانخفضت واردات أمريكا القادمة من أوربا من أكثر من مليار وثلاثمئة وأربع وثلاثين مليون دولار عام 1929 إلى ثلاثمائة وتسون مليون دولار فقط عام 1932. في غضون ذلك، تراجعت صادرات أمريكا إلى أوربا في نفس الفترة المذكورة من مليارين وثلاثمائة وواحد وأربعون مليون دولار إلى سبعمئة وأربع وثمانون مليون دولار فقط. كانت الواردات والصادرات مرتبطة ببعضها، وقد تسببت الحواجز التجارية بخسارة جسيمة للثروة والفرص التجارية لكل من الأمريكيين والأوربيين. و ثبُتَت بعد ذلك الخديعة التي تنطوي عليها السياسة الحمائية.
لقد أدرك الكثيرون حقيقة الأمر حينها، ولكنهم لم يجدوا آذانا صاغية. فقد أرسل غراهام هاوارد، المدير الأقليمي لشركة جنيرال موتورز في أوربا، برقية إلى واشنطن، يحث فيها على مجابهة تعرفة سموت – هاولي، ذكر فيها:
إن أقرار مشروع القانون ينذر بعزلة إقتصادية للولايات المتحدة، وأقسى كساد اقتصادي عرفته الولايات المتحدة في تاريخها.
كان هاوارد على حق، فعلينا أن لا نتجاهل اليوم رسالته.
كانت السياسة الحمائية أسوأ استجابة لأزمة الثلاثينيات الاقتصادية، وهي أسوأ استجابة في يومنا هذا. فقد اطلقت تعرفة سموت – هاولي موجة من الحواجز التجارية المتزايدة التي سحقت اقتصاد العالم، مما أدى إلى انهيار التجارة العالمية بمعدّل 70%. لقد ادرك القادة السياسيون مأساة السياسة الحمائية، ولكن بعد فوات الأوان. فلم يُقرّ قانون اتفاقية التجارة المتبادلة لعام 1934، إلا بعد وقوع الدمار الأشد وطأة، ليس على الاقتصاد العالمي فحسب ، بل على العلاقات الدولية أيضا، إذ أن الحمائية ساعدت على تشجيع الروح القومية والعدائية الدولية. فاحتاج الأمر إلى عقود من الزمن لكي تتعافى التجارة الدولية من التجارب الكارثية التي عصفت بعقدي الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين.
توسيع ألأسواق، وزيادة الفرص للتجارة والاستثمار يؤديان إلى زيادة رفاهية الإنسان. إن أفضل رزمة حوافز اقتصادية هي التجارة الحرة.
تم تنظيم حملة حرية التجارة (www.FreedomToTrade.org ) من قبل 76 مركز ابحاث من 48 بلد من أجل مقاومة الحواجز التجارية والمطالبة بتدمير الحواجز الحالية التي تقف بوجه التجارة الحرة.
اقرؤوا المزيد عن فوائد التجارة الحرّة من خلال زيارة موقع:

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

لا يعرف المرء إذا ما كانت العودة إلى تقارير الأمم المتحدة المعنونة “الوضع الإجتماعي في دول العالم” الصادرة كل سنة يمكن أن توضع إلى جانب مؤتمرات “الأغنياء” العشرين. وبغض النظر عن المدلولات والمعاني العميقة لهذا الجمع بين نقيضين فإن للمرء أن يلاحظ تقارير الأمم المتحدة وما تنطوي عليه من صورة سوداوية قاتمة للوضع الإقتصادي الدولي الآن، خاصة بقدر تعلق الأمر بالإتساع السريع والمرعب للفجوة بين الدول الغنية والفقيرة. ربما تعكس هذه التقارير خلاصات تدق ناقوس الخطر من حدوث “ثورة” كونية للفقراء (الذين يزدادون فقراً) ضد الأغنياء الذين يضاعفون ثرواتهم ويمثلون أقلية تحتكر الثروات والقوة ومصادرهما عبر العالم. ليس المقصود بالثورة، في هذا السياق، هو أن يحدث هجوم من قبل الفقراء على “روما”، كما فعلت القبائل الجرمانية القوطية عندما هدت روما، المدينة والإمبراطورية، وإنما المقصود هنا حدوث عدد مهول من التغيرات والأزمات والتفاعلات التي تعكس لا عدالة توزيع الثروة في العالم، كما كانت عليه الحال بلا عدالة توزيع الشعر بين لحية برناردشو ورأسه، حيث تجسدت “الكثافة” في الإنتاج واللاعدالة في التوزيع !
بيد أن المشهد العالمي اليوم يزداد تحذيراً لما يطويه مرجل السنوات الجارية الذي يعتمل بتعابير الخوف من الفقر والفقراء، ذلك الخوف الذي ما إنفك يقض مضاجع الأغنياء عبر الأزمات والتفاعلات ونذر المجهول منذ أن إجتاح الجياع الباستيل الباريسي. إن من يتابع شيئاً من معطيات مؤتمر الدول الغنية المذكور أعلاه، لابد وأن يلاحظ أن الإجراءات والقرارات التي إتخذتها هذه الدول لم ترق إلى المستوى المطلوب أو المتوقع على سبيل مد يد العون لإنتشال الدول الفقيرة مما يحيق بها من مخاطر من النوع الذي لا يمكن إحتوائه بداخل حدودها، ذلك أن الفقر يترجم نفسه بلغة عابرة للحدود وعابرة للقارات، كما هي عليه الحال في إنتشاء وإنتشار فايروس نقص المناعة المكتسب المنتشر على نحو شبه وبائي في القارة السوداء، وهو مرض فتاك لا يمكن لمجتمع أن ينجو منه أو أن يعالجه ويشفي المبتلين به مهما كانت درجة تقدم ذلك المجتمع. والدليل يتمثل في معاناة أعداد لا بأس بها من المواطنين في أكثر دول العالم ثراء وتقدماً علمياً. وتنطبق ذات الحال على الأمراض الوبائية الصديقة للفقر من نوع إنفلونزا الطيور والملاريا والهيضة والجدري والسل وسواها كثير.
وإذا كانت الأمراض والأوبئة تمثل خطراً لا يستثني أحداً مهما ثقل جيبه وكبرت خزائنه، فإن هناك أمراضاً أخرى تطفو على جلد البشرية كبثور تنذر بالكثير من المخاطر المعتملة في دواخل الكينونة البشرية، مهددة المجتمعات الغنية بنفس درجة تهديدها للمجتمعات الفقيرة. هذه أمراض إجتماعية وسياسية وإقتصادية متشعبة وشائكة يصعب إجتثاثها أو القضاء عليها قضاء مبرماً. لاحظ أن مزارع الأفيون تكثر وتنتشر في الدول الفقيرة، بينما يكثر مستهلكوه وينتشرون في الدول الغنية. ويرد سبب ذلك إلى أن الفقراء يبحثون بكل الوسائل والطرائق المبتكرة عما ينقذهم من فكي الحاجة والفاقة، الأمر الذي يبرر لهم زراعة وتجارة مثل هذه المواد المخدرة والفتاكة التي تلقي بضلالها على المجتمعات المتخمة التي هي بدرجة من إستنفاد وسائل اللهو والتسلية والمتعة إنها راحت تبحث عن الغريب والممنوع والمحرم من أجل تجربة المزيد من النشوة والإنتشاء عبر المخدرات والمحرمات. وإذا كان التهريب واحداً من أهم إفرازات ثورة الفقراء التي اشرت إليها أعلاه، فإن آفته المتعددة الرؤوس لا تكتفي بتمرير المخدرات عبر الحدود إلى الأغنياء، وإنما هي تزيد في قائمة موادها وسلعها لتشمل الرقيق الأبيض والأصفر والأسود لإشباع شره الملذات في الدول الغنية، زد على ذلك سلعها الأخرى التي تحطم البيئة عبر الكرة الأرضية، والبيئة ثروة كونية مشتركة لأن ما يضر بها في أفريقيا أو آسيا لا يمكن إلاّ أن يترك آثاره الكونية على أوربا وأميركا الشمالية. وتنطبق ذات الحال على الحروب التي تدخلها الدول الفقيرة بإنفعالية وتسارع، وكأنها تحاول من خلالها التخفيف عن أعبائها السكانية ! لذا كانت الحروب البينية والحروب الأهلية من ظواهر ومعطيات الفقراء منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عندما لقن الرايخ الثالث العالم الغربي درساً لن ينساه في معنى وثمن الحرب وخطورة آثارها.
إن الأسباب الخفية للحروب، وليس السباب المباشرة، تكمن فيما تعاني منه الدول الفقيرة من نكوص في المستوى التعليمي والثقافي وفي إنتشار الفساد والترهل الإداري والمالي وفي التبذير والهدر الآتي من سيادة الحكومات غير الرشيدة والدكتاتورية والشمولية، تلك الحكومات التي تبني صروح أمجادها بالبلاغيات الملفقة وبتبديد الأموال وبالطائرات الخاصة وبالصروح العمرانية الكبيرة في الوقت الذي تعاني فيه مجتمعاتها من أزمات سكن خانقة تجعل الأسر المتعددة تشترك في غرفة واحدة أو في بيت واحد مبني من الصفائح. هذا ما يبرر ويفسر إنتشار الفساد الإجتماعي وظواهر الإتصال الجنسي بالمحرمات وبيع الإنسان نفسه أو أعضائه لتهريبها إلى الإغنياء الذين غالباً ما يعانون من الترهل وعجز الأعضاء الجسمانية.
إن اي رصد، مهما كان عاجلاً، للطرائق التي تقدمها الدول الغنية لمساعدة الدول الفقيرة لن يخفق في تذكير المطلعين على الفجوة بين الفقراء والأغنياء إبان عصر الثورة الصناعية في بريطانيا. فالدول الغنية تتمسك بنفس مواقف كتّاب وروائيي بريطانيا العصر الفكتوري، حيث كان هؤلاء يلتزمون بدور المرآة التي تعكس معاناة وآثار الفقر، ولكن هؤلاء الكتّاب الرومانسيون، في ذات الوقت، كانوا يحذرون من خطر الفقراء الكامن، خاصة تحت شبح الثورة الفرنسية الذي كان قوياً آنذاك. لقد كان مفكرو تلك الحقبة الصناعية الأولى يتعاطفون مع الفقراء ويعكسون معاناتهم، ولكنهم كانوا يعجزون عن تقديم حلول لمآسيهم،  فلا يقترحون سياسات حقيقية وعملية للقضاء على مسببات الجوع والعوز. لذا كانت كتاباتهم غالباً ما تنتهي إلى نوع من “الإصلاح” أو التسوية العاطفية، حيث تنتهي الرواية إلى زواج البطل الغني من البطلة الفقيرة. كانت هذه النقطة هي واحدة من أهم أدوات النقد الذي تلقته كتابات كبار الروائيين من نوع ديكنز ودزرائيلي والسيدة غاسكل وسواهم.
إن حكومات الدول الغنية تعرف جيداً أن الفقر لا يمكن أن يُزال من الدول الأفريقية والآسيوية والأميركية اللاتينية عن طريق تقديم الهبات والقروض وحذف السابق منها. فهي تدرك أن مثل هذه الهبات والحذوفات والقروض الجديدة لا يمكن أن تملأ “قربة مثقوبة” تتمثل بالحكومات اللامسؤولة وبالأنظمة التي ينخرها الفساد المالي والإداري. وبنفس القدر من الوعي، يدرك زعماء الدول الغنية أن القضاء على الفقر له أدوات ووسائل وحلول جذرية تتمثل في بناء قاعدة صحية وتربوية وسياسية موائمة ومستقيمة يمكن من خلالها، وعبر عقود من الزمن، أن تشفى المجتمعات الفقيرة من أمراضهاالمستعصية والمستوطنة العضال. بيد أن الدول الغنية لا تريد أن تقود الدول الفقيرة نحو نموذجي الهند والصين، حيث تمكنت هاتين الدولتين من لجم الفقر وبتر إفرازاته كي تدخلا معترك التنافس والتقدم الإقتصادي درجة إغراق الأسواق الأوربية والأميركية بالمنتوجات الصينية والهندية.
حسب هذا المنظور، يمكن للمرء أن يخلص إلى أن حكومات الدول الغنية تبدو غير جادة في إنتشال الدول الفقيرة من بين فكي الفقر. وسبب ذلك يرد إلى أن أقلية الأغنياء الذين يمتلكون السطوة والقوة الإقتصادية والعسكرية لا يمكن أن يسمحوا بظهور منافسين جدد من الدول الفقيرة التي تتجاوز كبواتها. إن إحتكار القوة من قبل أقلية الأغنياء لا يمكن أن يسمح لهم بغير الإستعراضات الدعائية (كالمؤتمرات والأضواء) المنطوية على المشاعر الإنسانية والنزعات الخيرية، لأنهم لا يريدون أن يروا منافسين وأنداد جدد إلى جانيهم. لذا تبقى مبادرات الدول الغنية جبيسة “الإصلاحات المحدودة”، من نوع الدبون وإطفاء الديون والمساعدات العينية والمالية والهدايا لأطفال الدول الفقيرة. بيد أن لحكومات الدول الغنية أن تدرك جيداً إن هذه السياسة تشكل سلاحاً ذا حدين، إذ أن تفاقم مشاكل الفقر، كالجهل والأمراض والتهريب، لا يمكن أن يبقى بمنأى عن المجتمعات المتقدمة إقتصادياً. فإذا كانت الأمراض الفتاكة ومشاكل الإرهاب قد أخذت طريقها عبر الحدود إلى الدول الغنية، فإن ما نلاحظه اليوم من ظاهرة تهريب العشرات والمئات من الأفراد من الدول الفقيرة إلى الدول الغنية ينذر الأخيرة بنقل الأمراض الناتجة عن الفقر إلى مجتمعاتهم. وإذا كانت هناك سفينة أو باخرة هنا وهناك يمكن الإمساك بها من قبل شرطة الحدود وحرس الشواطيء في الدول الغنية، فإن هذه الظاهرة ستتفاقم مع تفاقم وتعاظم مشكلات الفقر عبر السنوات القادمة. وهكذا سيظهر نوع جديد من القبائل الجرمانية القوطية البربرية التي أطاحت بروما الغنية في الماضي، ولكن هذه المرة ستكون قبائل الفقراء من نوع جديد يهدد العواصم والحضارات الغنية القائمة.
© منبر الحرية، 19 يوليو/تموز 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

ن الانخفاضُ الذي حدث مؤخراً على أسعار النفط والسلع الأخرى، جعل من شبه المؤكد أن تصل بعض البلدان غير المستقرة والمُصدِّرة للسلع إلى مرحلة الأزمة في غضون الأشهر القليلة القادمة. السؤال هو فقط أيُّ هذه البلدان ستنفجر فيه الأزمة أولاً؟
يمكن الرهان بثقة على حدوث انفجارٍ في منطقة الشرق الأوسط، ولكن هناك فرصةً كبيرة جداً لأن يحدث الانفجار التالي في إفريقيا، وعلى الأغلب في الكونغو ثم السودان. في أميركا اللاتينية تتجه الأرجنتين نحو انهيار مالي وعجز آخر عن تسديد ديونها بينما يتواصلُ التدهورُ السريع في فنزويلا. وهناك روسيا أيضاً، التي يُرجَّح أنها لن تُحسِن التصرفُ في وقتٍ يمضي فيه اقتصادها نحو ركود شديد. وستتصاعدُ الضغوط على الولايات المتحدة من أجل التدُّخل، خصوصا في إفريقيا، عندما تبدأ المجازر الجماعية مرة أخرى.
لقد كانت الأسعارُ المرتفعة للنفط والسلع الرئيسية الأخرى بمثابة غطاءٍ واقٍ خلال السنوات القليلة الماضية، أخفى توتراتٍ متزايدة داخل البلدان المصدِّرة للسلع الرئيسية. أما وقد انخفضت العائداتُ الكبيرة بشدة من هذه الصادرات الآن، فإن القتال سيتصاعد لاقتسام حصصٍ من كعكةٍ يتضاءلُ حجمُها باستمرار.
في الوقت الذي تراجعت فيه أسعار النفط، بحساب معدل التضخم، من 100 دولار تقريبا للبرميل الواحد عام 1980 إلى 16 دولارا فقط للبرميل عام 1997، كانت الولايات المتحدة ومعظم البلدان الأخرى المستوردة للنفط تتمتع بنموٍ اقتصادي سريع. ولكن عندما ارتفعت الأسعار الحقيقية للنفط، أخذت أضرارُها تظهر على النمو الاقتصادي في أوروبا والولايات المتحدة، خصوصاً في السنة الأخيرة عندما تضاعفت أسعار النفط تقريباً. الارتفاعُ السريع في أسعار النفط وَخَزَ فُقاعةُ أسعار العقارات في الولايات المتحدة وأوروبا بأسرعَ مما كان لذلك أن يحدث لو كانت أسعارُ النفط أكثر استقراراً.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018