peshwazarabic

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

في شهر آذار ارتفعت الأسعار بأكثر من 50% ملازمة مع دخول زيمبابوي في جحيم التضخم المنفلت. وقد أتبع ذلك في 26 نيسان تخفيض العملة الرسمية للدولار الزيمبابوي بمقدار 98%. عمال المناجم والمزارعون ووكلاء السياحة والمنظمات غير الحكومية والسفارات ومواطنو زيمبابوي الذين يعيشون في الخارج يستطيعون الآن شراء 15000 دولاراً من زيمبابوي بدولار أمريكي واحد. وبالنسبة لآخرين يظل سعر الصرف الرسمي 250 دولاراً زمبابوياً مقابل الدولار الأمريكي.
لذا وبحيازة ورقة مئة دولار يستطيع السائح الآن تحويلها إلى 1.5 مليون وحدة من وحدات بنك زيمبابوي المركزي، بدلاً من 25000 وهو السعر السابق لصرف الدولار. وفي السوق السوداء يستطيع نفس السائح أن يفعل أحسن من ذلك، إذ يحصل على 3.5 مليون دولار زيمبابوي مقابل 100 دولار أمريكي.
الدمار الاقتصادي نتيجة عقد من التضخم الجامح، والأعلى في العالم، تحول إلى انفلات تام واضح كل الوضوح. فقد بدأ اقتصاد زيمبابوي بالانفجار داخلياً، واصبح البنك المركزي عاجزاً عن الدفع، وأصبح عمال زيمبابوي يتسللون إلى جنوب إفريقيا بحثاً عن عمل. مثل هذا الوضع سوف يأتي إلى نهايته، كما هي الحال مع جميع حالات التضخم الجامح، أي بتغيير للنظام: فإما نظام نقدي جديد، أو نظام سياسي جديد، أو كلاهما.
فكر للحظة فيما حدث خلال آخر انفلات تضخمي عاشه العالم. فقد بدأ في كانون الثاني عام 1992، فيما كان يُعرف بيوغوسلافيا، ووصل ذروته في كانون الثاني عام 1994، عندما ارتفع التضخم الرسمي الشهري بنسبة 313 مليون بالمئة (أسوأ شهر في التضخم المنفلت الذي عانته ألمانيا في عصر جمهورية وايمر عام 1922-1923، شهد ارتفاعاً بالأسعار مقداره 32400%). كانت النتائج مدمرة. وبوقت طويل قبل أن يضرب حلف الناتو يوغسلافيا 1999، كان الجنون النقدي لنظام سلوبودان ميلوسوفيتش رئيس يوغوسلافيا في ذلك الوقت قد دمر اقتصاد بلاده.
في عام 1999 كان إقليم مونتينيغرو (الجبل الأسود) ما زال جزءاً من هذه الفوضى، حيث كانت عملته الرسمية الدينار اليوغوسلافي سيء السمعة. بيد أن المارك الألماني الجبار كان العملة غير الرسمية للبلد، وعندما كنت مستشاراً اقتصادياً لرئيس مونتينيغرو مايلو دجيوكانوفيتش، أعدت إلى مسامعه قول عالم الاقتصاد النمساوي العظيم لودفيغ فون ميزس والذي وصف فيه العملة السليمة بأنها “الأداة لحماية الحريات المدنية ضد أخطاء الحكومات. ومن الناحية الأيديولوجية فإن العملة السليمة هي في نفس المستوى من الأهمية كالدساتير السياسية والحقوق المدنية.”
كان الرئيس دجيوكانوفيتش يدرك بأن المارك الألماني هو الكرت الرابح في يديه، سلاح لا يستطيع فقط تحقيق استقرار الاقتصاد بل يمهد الطريق أيضاً أمام استعادة مونتينيغرو لسيادتها. وفي 2 تشرين الثاني 1999 أعلن بشجاعة أن مونتينيغرو قد جعلت المارك الألماني عملتها الوطنية. وقد استُبدل المارك الألماني باليورو بعد عامين من ذلك.
ونتيجةً لذلك فقد حقق الاقتصاد في مونتينيغرو استقراراً فورياً، وبدأ يتصاعد تدريجياً بانخفاض نسبة التضخم. وما أن جاء عام 2005 حتى كان الناتج المحلي الاجمالي ينمو بمعدل 4.1% بينما ينخفض التضخم إلى مجرد 1.8%. إزاء ذلك لم يكن مفاجئاً قيام المقترعين في مونتينيغرو في أيار من عام 2006، وبأرقام قياسية، بإسقاط الوحدة مع جمهورية صربيا. فأصبحت مونتينيغرو مستقلة مرة أخرى. وفي 15 آذار 2007 وقعت جمهورية مونتينيغرو “اتفاقية تعاون واستقرار” وهي الخطوة الأولى نحو الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي (تبني العملة عادة يأتي في مرحلة لاحقة). الرئيس دجيوكانوفيتش قلب هذه العملية، بحيث تمكن بشكل فعال من إدخال مونتينيغرو في محيط اليورو من اليوم الأول.
وكما فعل الرئيس دجيوكانوفيتش بالنسبة لمونتينيغرو، يمكن لرئيس دولة جنوب إفريقيا ثابو مبيكي أن يكون المفتاح لوقف انهيار زيمبابوي. فقد عينته مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي—وهي مجموعة تتألف من تسعة بلدان جنوب إفريقية بما في ذلك زيمبابوي—للتوسط لمعالجة أزمة زيمبابوي الاقتصادية. وبضربة شجاعة يستطيع مبيكي وقف تعفن زيمبابوي النقدي، وفي الوقت ذاته دعم مصالح جنوب إفريقيا وغيرها من أعضاء المجموعة الإفريقية.
جنوب إفريقيا هي مركز منطقة العملة المشتركة والتي تضم أيضاً ليسوثو، وسوازيلند وناميبيا. فكل واحدة من تلك البلدان تُصدر عملتها الخاصة بها ولكنها تربطها بعملة الراند الجنوب إفريقية بقيمة متساوية. يضاف إلى ذلك، إن الراند يُتداول قانونياً في ليسوثو وناميبيا.
مجموعة البلدان التسع يجب أن تقترح توسيع منطقة عملة الراند المشتركة لتشمل زيمبابوي. ويجب إنشاء مجلس عملة شبيه بذلك الذي كان يعمل في زيمبابوي ما بين 1940 إلى 1956 (وكانت زيمبابوي تسمى في ذلك الوقت روديسيا). يجب أن تصدر دولاراً لزيمبابوي يكون مدعوماً دعماً كاملاً وقابلاً للتحويل بالراند بنسبة صرف محددة. ويجب أن يُدعَم مجلس العملة في بداية الأمر برأس مالٍ تقدمه جنوب إفريقيا، على أن يُسمح بتداول عملة الراند بصفة قانونية في زيمبابوي. إن إقرار مثل هذه الخطة هو الوسيلة الوحيدة لإنقاذ ما تبقى من حطام زيمبابوي الاقتصادي.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 31 تموز 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

كتب عالم الاقتصاد آلن بلايندر في صحيفة الواشنطن بوست بأن “تصدير الوظائف الخدماتية من البلدان الغنية مثل الولايات المتحدة إلى البلدان الفقيرة مثل الهند، قد يُشكل مشاكل رئيسية لعشرات ملايين العمال الأمريكيين على مدى العقود القادمة. وفي الحقيقة، فإنني أعتقد بأن تصدير الوظائف خارج الولايات المتحدة قد يكون أكبر قضية سياسية في الاقتصاد على امتداد جيل قادم.” التعبير الملفت للنظر هنا هو أن الظاهرة “قضية سياسية”.
كلمة “أوفشورنج”، أي تصدير الوظائف، هي كلمة قصيرة وخاطفة بحيث تجتذب المصالح الوطنية المحلية ودعاة الحمائية، سواء من اليسار أو من اليمين.
السيد بلايندر يتكهن حول “العقد أو العقدين القادمين،” ومع ذلك، فإن الظاهرة التي يصفها اصبحت قائمة في يومنا هذا. “إنفوسيس”، وهي أكبر شركات تصدير البرمجيات في الهند، بدأت في عام 1981، وتوظف الآن أكثر من 72000 موظفاً على امتداد العالم، بما في ذلك موظفين في 16 مكتباً في الولايات المتحدة. “ويبرو” توظف 66000، بما في ذلك 11 مكتباً في الولايات المتحدة. “بيرو سيستمز” توظف 5000 موظفاً من بين 22000 موظفاً في الهند. فإذا كان تصدير خدمات تجارية قد عرَّض للخطر “عشرات ملايين الوظائف الأمريكية”، كان يتوجب علينا أن نرى بعض العلامات على ذلك الآن. ولكننا لم نلاحظ أية علامات.
وفي دراسة وضعها لمركز أبحاث السياسة الاقتصادية في برينستون، انتقى السيد بلايندر 22 مجالاً رئيسياً في قطاع الخدمات، وقد صنفها في أربع مجموعات وفق قابليتها لتصدير الوظائف (أوفشورنج).
إن قائمته النظرية الافتراضية مع ذلك، توضح توضيحاً كبيراً، أي من الوظائف الخدماتية هي الأكثر عرضة للتهديد. وهذا بدوره، يجعل من الممكن فحص نظرياته في ضوء التغيرات التي وقعت فعلاً ما بين 2002 و2005. تلك الوظائف القابلة للتصدير ازدادت بمقدار 8.2 في المائة ما بين 2004 و2005، ولكنني افترضت زيادة صغيرة ما بين 2002 و2004.
مجموع قائمة بلايندر الـ22 الرئيسية، الأكثر احتمالاً للتصدير، بلغت 15732670 في أيار 2005. كان هذا زيادة بنسبة 7.7 في المائة من 14603140 وظيفة في أيار 2002. الوظائف ازدادت في 18 من مجموع 22 من مجالات العمل، كما أن الأجور ارتفعت في جميعها.
أما الوظائف الأكثر عرضة للتصدير فهي برمجيات الكومبيوتر والتسويق الإلكتروني. يتبعها في رأس المجال ذاته محللو أنظمة الكومبيوتر، وكتبة حفظ الدفاتر الحسابية، ومهندسو مستهلكي البرامج “السوفت وير”، ومحللو الأنظمة.
الفئة الثانية، الأقل عرضة تشمل المحاسبين وعدداً من الوظائف التي لا يبدو من السهل تمريرها إلكترونياً بسهولة عبر الحدود الدولية، مثل أعمال اللحام، على سبيل المثال، ومساعدي عمال الإنتاج، والتغليف، وعاملي الماكنات، والمفتشين وحتى “مراقبي ومديري الخطوط الأمامية.”
وفي المجموعة الثالثة، يطلب منا بلايندر أن نُصدق بأن “مديري المبيعات” قد يعاد توزيعهم على بلدان أجنبية. قد يتلقى العملاء رسائل بريد إلكتروني أو مكالمة هاتفية، ولكن لا تتوقع وجبة غداء أو مصافحة يد!
الوظائف ارتفعت ما بين 2002 و2005 في 18 من مجموع الـ22 فئة وظائفية، قيل إنها مهددة بتقديم الخدمات إلكترونياً. انخفضت الوظائف 4 في المائة بين التسويق الإلكتروني، وهو انخفاض بحوالي 19000 وظيفة، ولكن هذه الوظيفة متدنية وقليلة الأجر. وحتى توضع خسارة 6000 وظيفة سنوياً في سياقها الصحيح، فإن الولايات المتحدة تخسر بشكل روتيني حوالي 30 مليون وظيفة كل سنة، وفي الوقت ذاته تكسب عدداً يفوق ذلك. الكسب الصافي في التوظيف هو الذي يفسر بقاء نسبة البطالة في حدود 4 في المائة.
التوظيف في قطاع مُبرمجي الكومبيوتر انخفض بمقدار 68000 وظيفة، أي حوالي 15 في المائة. إنني لست غير متعاطف ذلك أن ابني “جون” يعمل كواضع برامج “بي. إتش. بي.” ولها تطبيقات على شبكة الإنترنت (في نيويورك وليس في الهند). معظم محترفي “السوفت وير” في الهند هم واضعو رموز، وهو عمل لا يتطلب سوى القليل من الجهد الخلاق. بجانب ذلك، فإن الوظائف في أربع فئات لها صلة بالكومبيوتر والتي تم تصديرها، مثل مهندسي الـ”سوفت وير،” ارتفعت بمقدار 210570 وظيفة بين 2002 و2005، متجاوزة إلى حد كبير خسارة الوظائف البرامجية المتدنية، قليلة الأجر.
السيد بلايندر احتاج فكرة قصيرة خاطفة مصممة بحيث تكون “قابلة للتسويق في الساحة السياسية.” إنه يحاول بيعنا أفكاره في السياسة العامة. وكما لاحظت الدراسة الأكاديمية “فإن الأجوبة السياسية المناسبة—إذا كان هنالك ما يستدعي ذلك—لهذه القضية، ربما تتوقف على كم من الوظائف قد تتعرض لخطر التصدير.” إنه يريد رداً سياسياً كبيراً، وهذا يتطلب أعداداً كبيرة.
من الضروري أن نكون حذرين وأن ينتابنا الشك كلما طرحت ادعاءات جامحة مثيرة لتسويق سياسة عامة. السيد بلايندر يريد قدراً أكبر من مخصصات ما يدفع للعاطلين عن العمل (وهو ما يثبط التوجه للعمل)، وبرامج أكثر كلفة لإعادة التدريب (والتي تفشل دائماً). إنه يتوقع حتى من “خبراء التخطيط المركزي” إعادة صياغة نظامنا التعليمي بحيث نُخرج أعداداً أكبر من الناس الذين يتدربون على الوظائف التي تبقى في الولايات المتحدة، وأعداداً أقل لتلك الوظائف التي سوف تهاجر خارج الولايات المتحدة. فإذا أردت أن يكون أطفالك من مبرمجي الكومبيوتر أو محاسبين، فإن عليهم ببساطة أن يتأقلموا مع المخطط الوطني!
الوظائف في ازدياد في جميع المجالات التي يتصور السيد بلايندر بأنها أمام تهديد فوري بأن تصدَّر من خلال الاتصالات الإلكترونية إلى بلد ما بعيد في الخارج. وما لم تتغير الحقائق، فإن تكهنات وتقديرات منتقدي تصدير الوظائف لا ضرورة لأخذها على محمل الجد.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 25 تموز 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

بدأ ذلك في إستونيا، تلك الدولة التي أثبتت أنها إحدى أكثر دول أوروبا الشرقية جرأةً في الإصلاح الاقتصادي. ففي عام 1994، طبقت حكومة مارت لار نظام الضريبة الثابتة. الفكرة كانت سهلة: بغض النظر عن كمية ما يجنيه الناس فإنهم يدفعون ضريبة دخل واحدة، وقد كانت منخفضة نسبياً في حدود 26%.
الفكرة لم تكن جديدة نظريا؛ فقد اقتُرحت الضريبة الثابتة قبل 25 سنة من قبل رجلي الاقتصاد الأمريكيين ألفن رابوشكا وروبرت هول. بيد أنها حديثة العهد من الناحية العملية، وقد نجحت في ذلك: ضرائب سهلة—من السهولة بمكان دفعها ومن الصعب التحايل عليها—رفعت من مقدرة إستونيا التنافسية، وجذبت الاستثمارات الأجنبية وساعدت في جعل هذه الجمهورية البلطيقية أسرع الاقتصادات نموا على امتداد القارة الأوروبية. فانتشر الإصلاح الاقتصادي وثورة الضريبة الثابتة إلى سائر بلدان البلطيق، ومن ثم اجتاحت روسيا وصربيا وأوكرانيا وسلوفاكيا ورومانيا وجورجيا ومقدونيا ومونتينيغرو.
وقد تدعمت مناقشات الإصلاح الضريبي في روسيا عندما بحث آندريه إلاريونوف، كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس فلاديمير بوتين آنذاك، نجاح الضريبة الثابتة في بلدان البلطيق وإمكانية تطبيقها بشكل فعال في روسيا.
واستجابة لاقتراح إلاريونوف، نفذ الرئيس بوتين ضريبة ثابتة مقدارها 13% على الأفراد جنباً إلى جنب مع نسبة 15% على مداخيل معظم النشاطات الاقتصادية الأخرى. لقد جاءت النتائج مذهلة من حيث أن العاملين في سوق روسيا السوداء قرروا بأن الضريبة كانت منخفضة إلى درجة لم يعد من المجدي معها التحايل على دفعها. وبعد كفاح استمر نحو عقد من الزمان فقد نما الاقتصاد الروسي بمقدار 5% سنوياً محسوباً بعد التضخم في عامي 2002 و2003 كما ارتفع إلى 7.3% في العام الماضي. وقد كان فرض الضريبة الثابتة هو السبب الرئيسي لنمو دخل البلاد من ضريبة الدخل الفردية بمقدار 150% منذ العام 2001.
حتى روسيا لا تود أن تلعب بالضريبة الثابتة التي أثبتت نجاعتها. فقبل شهرين فقط، رفض المشرعون الروس اقتراحا لاستبدال الضريبة الثابتة بضريبة دخل تصاعدية تدريجية.
هنالك الكثير للإصلاحيين الاقتصاديين في العالم لتعلمه من قصص النجاح العظيمة التي تحققت في أوروبا الشرقية، والضريبة الثابتة هي من أعظمها.
لذا، فإن من العجيب أن نسمع إيفان سوكر، وزير خارجية كرواتيا، يصف نظام الضرائب في بلاده بأنه نظام “كامل”. ألق نظرة: كرواتيا تلقي على عاتق دافعي الضرائب نسبا ثقيلة تصل إلى 45% كضريبة دخل و20% كضريبة على الشركات، وفي غضون ذلك تُغرِقُهم في واحدةٍ من أكثر نُظم الضرائب تعقيدا في جنوب شرق أوروبا.
أما بالنسبة للضريبة الثابتة فإن كرواتيا هي بطيئة التعلم: صربيا (14% ضريبة ثابتة على الدخل الشخصي و10% ضريبة دخل على الشركات)، مونتينيغرو (9% ضريبة ثابتة على دخل الشركات) ورومانيا (16% ضريبة ثابتة على المداخيل الشخصية ودخل الشركات)؛ كل هذه الدول اشتركت في ثورة الضريبة الثابتة، وما زالت قائمة المؤمنين بنجاعتها تزداد بشكل سريع. وفي 1 كانون الثاني من هذا العام، أقرت مقدونيا ضريبة ثابتة مقدارها 12% على المداخيل الشخصية ومداخيل الشركات، وهي تعتزم إجراء مزيد من التخفيض إلى 10% عام 2008. وفي 1 تموز، من المقرر أن تطبق مونتينيغرو ضريبة ثابتة مقدارها 15% على المداخيل الفردية، على أن تخفضها إلى 12% في عام 2009 و9% عام 2010. وفي ألبانيا فإن أعضاء البرلمان يدرسون إمكانية اعتماد ضريبة ثابتة بمقدار 10% على مداخيل الشركات والمداخيل الشخصية.
بلغاريا أيضاً قد تنضم إلى هذه القائمة. فمؤيدو الضريبة المقطوعة هناك يعدون لعقد مؤتمر كبير، مشيرين إلى قلقهم بأن بلغاريا قد تفقد الاستثمارات لديها ما لم تتخلّ عن ضريبة الدخل الهامشية التي تبلغ 24%، و15% كضريبة على الشركات.
الاستثمارات الخارجية ليست الاعتبار الوحيد. فالضرائب الثابتة تحمل أيضاً إمكانية تحرير الاقتصاديات من أجل النمو، وإرغام النشاطات التجارية في اقتصاد الظل على الرجوع إلى الأسواق القانونية، وكذلك تسهيل جمع تلك الضرائب، وإعطاء أرقام صحيحة عن المداخيل وتخفيض التهرب الضريبي. لقد كانت النتيجة في جميع البلدان التي طبقت نظام الضرائب الثابتة حتى الآن زيادة في تحصيل الضرائب في غضون عام واحد.
في إقليم مثل جنوب شرق أوروبا يجب أن تحظى هذه التغييرات بالترحيب. ذلك أن بلدان الإقليم يواجهون تحديات تتمثل في الفساد، والتطبيقات العشوائية للقوانين والانظمة، والحجم الكبير من التجارة غير المسجلة، والمستوى المتردي من حماية الملكية الخاصة. إن الضرائب الثابتة تساعد في مكافحة مثل هذه المشاكل عن طريق إغلاق المنافذ وكشف وسائل التحايل على القانون.
لقد عززت ثورة الإصلاح الضريبي من التنافس الضريبي في أوروبا. إذ أخذت أوروبا الغربية علماً بذلك، وهي في صدد تخفيض نسبة ضرائبها. النمسا خفضت من ضريبة الشركات من ارتفاعٍ يبلغ 34% إلى 25% بعد أن خفضت سلوفاكيا من الضريبة الثابتة إلى %19. والآن تعمل ميركل، رئيسة ألمانيا، على تخفيض ضريبة الشركات إلى 29.8% بدلاً من 38.7%. وقد أكد نيكولا ساركوزي على أهمية تخفيض نسبة الضريبة على الشركات من 33% إلى 25%، وقد أعاد تأكيد هذه الرسالة بعد أن تم انتخابه رئيساً جديداً لفرنسا.
عدد متزايد من بلدان أوروبا الشرقية قد اعتنقوا فكرة الإصلاح الضريبي. وغيرهم يُقدمون على خطوات جديدة جريئة مثلما فعلت إستونيا. لقد بدأ السباق. وعلى المتباطئين نحو الإصلاح أن يأخذوا علماً بذلك.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 27 حزيران 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100
تُصدر البنوك المركزية العملة وتمارس سلطة واسعة على تصرف السياسة النقدية. وبالرغم من انتشار هذه البنوك المركزية بشكل واسع في هذه الأيام، إلاّ أنها تُعتبر أنظمة مؤسسية جديدة نسبيا. ففي عام 1900، بلغ عدد البنوك المركزية في العالم 18 بنكا فقط. وبحلول عام 1940، أصبح لدى أربعون دولة بنوكا مركزية؛ أما اليوم فهناك 164.
قبل حدوث الزيادة في الصناعة المصرفية المركزية (القومية النقدية)، كانت مناطق أو كتل العملة الموحدة تهيمن على العالم، وكان أكبرها الكتلة الإسترلينية. لقد حذر كبير الاقتصاديين النمساوي فريدرك فون هايك منذ عام 1937، من أنه في حال استمرار نزعة الصناعة المصرفية المركزية، فإن ذلك سيؤدي إلى فوضى في العملة وانتشار الأزمات المصرفية. لقد كانت هواجسه مبررة. فلقد أحاطت أزمات العملة والأزمات المصرفية النظام المالي الدولي بقوة وتواتر متزايدين، على الرغم من عدم توقع حدوث ذلك في الوقت الراهن. والواقع أن حرية حركة رؤوس الأموال النسبية قد أنتجت، ولمعظم دول الأسواق الناشئة ذات البنوك المركزية، تدفقات الأموال الساخنة وأزمات متكررة لأسعار الصرف والأزمات المصرفية المحلية. فماذا يجب أن نفعل؟
إن الجواب الواضح لهذا هو تخلص دول الأسواق الناشئة الحساسة من بنوكها المركزية وعملاتها المحلية واستبدالها بعملة أجنبية متينة. ويمكن اعتبار بنما مثالا رئيسيا لمنافع استخدام هذا النوع من النظام النقدي. فلقد قامت بنما، ومنذ عام 1904، باستخدام الدولار كعملة رسمية لها. وبذلك، يكون اقتصاد بنما المبني على الدولار جزءا من أكبر كتلة عملة في العالم، وبشكل رسمي. وبهدف دمج نظامها المصرفي في أسواق العالم المالية القائمة على الدولار، قامت بنما بتغيير القوانين المصرفية في عام 1970. ونتيجة لذلك، كانت البنوك الدولية متلهفة للمشاركة في الثورة المالية الخارجية. ويشهد نمو النظام المصرفي في بنما على حقيقة أن الإصلاحات المصرفية التي حدثت في عام 1970 قد أتاحت لبنما الاستفادة من اتجاهات العولمة والتدفق الحر لرؤوس الأموال.
يلغي النظام النقدي المبني على الدولار في بنما مخاطر سعر الصرف واحتمال حدوث أزمة في العملة مقابل الدولار الأمريكي. كما أن إمكانية حدوث أزمات مصرفية قد خُففت إلى حد كبير بسبب اندماج نظام بنما المصرفي في النظام المالي الدولي. وتوفر طبيعة البنوك البنمية المفتاح لفهم كيفية عمل النظام ككل بشكل سلس. وعندما تكون محافظ هذه البنوك متوازنة، لا يهمها توزيع السيولة، بفتح أو سحب ائتمان، سواء في الأسواق المحلية أو في الأسواق الدولية. وبتغيّر إمكانات خلق الائتمان في هذه البنوك، يتم تقييم معدلات العائد المضمونة في الأسواق المحلية والدولية وتعديل محافظها المالية بناء على ذلك. حيث يتم توزيع السيولة محليا إذا كانت العوائد المحلية المعدلة حسب المخاطر تفوق تلك للأسواق الدولية، وتوزيعها دوليا إذا كانت العوائد الدولية المعدلة حسب المخاطر تفوق تلك للسوق المحلية. ويتم عكس هذه العملية عندما ينشأ عجز في السيولة.
إن تعديل محافظ البنوك هو الآلية التي تتيح انسياب السيولة والائتمان من وإلى النظام المصرفي والاقتصاد. ويتم التخلص من تجاوزات أو عجز السيولة في النظام بسرعة لأن البنوك لا تبالي فيما إذا كانت ستوزع السيولة في الأسواق المحلية أو الدولية. إن بنما بمثابة مجرد بركة صغيرة تتصل عبر نظامها المصرفي بمحيط دولي ضخم من السيولة. فعندما تتجاوز معدلات العوائد المعدلة حسب المخاطر في بنما تلك العوائد في الخارج، تقوم بنما بالسحب من محيط السيولة الدولي، وعندما تتجاوز العائدات في الخارج تلك في بنما، تقوم بنما بإضافة سيولة (ائتمان) إلى المحيط في الخارج. ولمواصلة التشبيه، يعمل نظام بنما المصرفي مثل قناة بنما في الإبقاء على توازن مستويات المياه على جانبي القناة. ولا غرابة في أن تكون مستويات الاعتماد والودائع غير مرتبطة بعلاقة متبادلة في بنما بالنظر إلى الدرجة العالية الموجودة من التكامل المالي.
لقد كانت نتائج نظام بنما المالي المبني على الدولار ونظامها المصرفي المندمج دوليا ممتازة بالمقارنة مع دول الأسواق الناشئة الأخرى (أنظر الجدول المرفق).
– كانت معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي لبنما مرتفعة نسبيا وكانت تقلباتها منخفضة نسبيا. وهذا أمر رائع وجدير بالملاحظة عندما يؤخذ بعين الاعتبار أن بنما نموذج تقليدي للاقتصاد المزدوج. فمن ناحية، يمتاز قطاع الخدمات المصرفية بأنه موجه نحو التصدير وذو كثافة رأسمالية ومرتفع الإنتاجية ويولد وظائف قليلة وخالٍ، إلى حد كبير، من تدخل الحكومة. ومن ناحية أخرى، فإن قطاعي الزراعة والتصنيع يمتازان بالركود والضبط الكبير والدعم المالي المرتفع وعدم الكفاءة والحاجة إلى أيدٍ عاملة كثيفة وعدم القدرة على التنافس.
– عكست أسعار الفائدة أسعار السوق العالمية، معدلة بالنسبة إلى تكاليف ومخاطر المعاملات.
– كانت معدلات التضخم أقل قليلا من تلك التي في الولايات المتحدة.
– كان سعر الصرف الحقيقي لبنما مستقرا للغاية ويسير باتجاه انخفاض طفيف قياسا بسعر الصرف للولايات المتحدة.
– أثبت نظام بنما المصرفي، الذي يعمل دون وجود بنك مركزي مقرض كملاذ أخير، على أنه شديد المرونة. والواقع أنه قد تعرض لأزمة سياسية رئيسية بين بنما والولايات المتحدة في عام 1988 وعاد عودة قوية في أوائل عام 2000.

وللتأمين ضد أزمات العملة والأزمات المصرفية، يتحتم على دول الأسواق الناشئة أن تتبع قيادة بنما وتحذو حذوها عن طريق: التخلي عن القومية النقدية عبر التخلص من البنوك المركزية والعملات المحلية، ودمج أنظمتها المصرفية مع أسواق رأس المال الدولية.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 2 حزيران 2007.
peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

لدى الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات قدرات مالية تفوق الناتج المحلي الإجمالي لبلدانٍ بأسرها. إن مساهمتها في إيجاد فرص العمل والنمو والإيرادات المالية تجعلنا نفهم لماذا أن الحكومات تجد تنمية الشركات المحلية وجعلها “أبطالاً وطنيين” أمراً جاذباً. ومع ذلك، فإن تنمية تلك الفِرق الوطنية العملاقة تجعلها معتمدة على مساعدة الحكومة بدلاً من إتاحة الفرصة أمامها لكي تصبح منافسة في الأسواق الدولية. إننا ننصح الحكومات بأن تكون حكيمة في التصرف بأموال دافعي الضرائب وأن تبتعد عن الأخطاء التي ارتكبها أقرانها في أوروبا وأمريكا.
هناك أمثلة عملية عديدة والتي أثبتت فشل السياسات الهادفة إلى خلق “أبطال وطنيين”. لقد صرفت الحكومة الفرنسية ملايين الفرنكات في عقدي الستينات والسبعينات على تطوير طائرات الكونكورد التي تتجاوز سرعة الصوت والتي انتهت إلى الفشل. وصُرِفت بلايين أخرى بلا طائل لإقامة صناعة كمبيوتر فرنسية. وأخيراً وليس آخراً، أقامت الحكومات الأوروبية صناعة طائرات إيرباص الأوروبية باهظة الثمن، لأنها كانت تشعر بعدم الرضى بوجود ثنائي بوينغ وماكدونل-دوغلاس اللتين كانتا قائمتين في الولايات المتحدة.
السياسيون يؤيدون فكرة الأبطال الوطنيين لأن لديها إمكانية إفادتهم مرتين. أولاً، سوف يحصلون على دعاية إيجابية عن طريق فتح مقرات رئيسية للبطل الوطني ضمن حدود صلاحياتهم. ثانياً، بعد أن يكون الأبطال الوطنيون قد استوعبوا نهائياً جميع أشكال الدعم الحكومي وأصبحوا مصابين بمرض مميت، فإنه يمكن للسياسيين أن يَظهروا كملائكة حماية. لقد وضع مستشار ألمانيا السابق شرويدر مثالاً على ذلك عندما اندفع متوجهاً إلى دائرته الانتخابية لإعطاء تأييده لشركة هولزمان للبناء المتعثرة، وبطبيعة الحال تم ذلك قُبيل الانتخابات، ثم ما لبث أن تُرِكت لتندثر بعد أن تمت الانتخابات!
عندما كانت شركة إنديسا الإسبانية العملاقة للكهرباء ضعيفة بحيث أصبحت عرضة للاستحواذ من قبل منافسين طامعين في أيلول 2005، رحب رئيس وزراء إسبانيا ثباتيرو بعرض الاستحواذ من قبل شركة الغاز الطبيعي التي تملكها حكومة إقليم كتالونيا الإسباني. لقد عرضوا دفع 21.3 يورو مقابل كل سهم من اسهم شركة إنديسا، وقد كانت النظرة إلى تلك الصفقة هي أنها كانت بمثابة “ثمن سياسي”. ذلك لأن الشركة الألمانية إي. أون دفعت لاحقاً 40 يورو. وقد بدا بأن ثباتيرو باختياره لشركة الغاز الطبيعي كان على وشك الموافقة على خسارة حوالي 20 بليون يورو لأسباب سياسية.
وفي النهاية اشترت شركة أكسيونا الإسبانية للإنشاءات 21% من أسهم إنديسا، كما استملكت شركة الكهرباء العملاقة إنيل المملوكة للدولة الإيطالية 25% من الأسهم الأخرى. ما تزال إنديسا شركة إسبانية وطنية، لأن الشركة الإسبانية تملك 50.01% من الأصوات في الشركة القابضة. وقد حالت الحكومة الإسبانية دون وجود سوق فعالٍ للتنافس والذي بسببه سوف تُجلب القضية أمام المحكمة من قبل المفوضية الأوروبية. لقد تم التركيز والتأكيد على قوانين الاستحواذ الوطنية والأنظمة المتعلقة بحَمَلَةِ الأسهم إلى درجة أن مراقب السوق المالي الوطني قرر الاستقالة من منصبه.
ما أن تتلقى الشركات الوطنية الدعم الحكومي حتى تُصبح أية حكومة تحت ضغط سياسي واسع لضمان أن الشركة سوف تظل تحت الهيمنة الوطنية. لقد أقامت الحكومة الإيطالية أنظمةً لمراقبة الاستثمارات الخارجية في قطاعات استراتيجية عدة. وكان قد صدر قرار وزاري من قبل الحكومة الفرنسية يفرض الحصول على موافقة الحكومة على أي استثمار دولي في قطاعات تغطي الصناعات الدفاعية وشركات الأمن الخاصة وحتى الكازينوهات. وأخيراً وليس آخراً، فإن اللجنة المختصة في الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة أثارت عناوين أخبار دولية عندما رفضت عرضاً تقدمت به الصين للاستحواذ على شركة البترول الأمريكية أونوكال وكذلك محاولةٌ من قبل شركة مرافق دبي العالمية لإدارة ستٍ من موانئ أمريكا البحرية.
وفي غضون ذلك، شهدت إنجلترا على امتداد السنوات الأخيرة اكتساحاً هائلاً في عمليات الاستحواذ. إلا أن أنظمتها الليبرالية قد سمحت للمستثمرين الدوليين بشراء أسهم مسيطرةٍ في شركات بريطانية كبرى، بما في ذلك الصناعة البنكية التي اشتهرت بها لندن، وكذلك صناعة السيارات. لقد كان أداء الاقتصاد الوطني جيداً إلى أقصى الحدود في ظل الأنظمة الليبرالية للاستحواذ، وللبيئة الجاذبة للأعمال التجارية التي تبقي الاستثمار والمقرات الرئيسية للشركات في المملكة المتحدة. وقد عُرف ذلك بشكل عمومي بـ”مؤثر ويمبلدن”: لم يعد هناك أبطال بريطانيون بيد أن المباريات تجري في بريطانيا.
في آسيا، تنتهج جمهورية الصين الشعبية سياسة الأبطال الوطنيين. قد يكون للصين الموارد المالية لانتهاج هذه السياسة. ولكن ما هو أهم من ذلك، في غياب الديمقراطية هو أن الصين لا تحتاج إلى إعلان مكاسبها أو خسائرها أو أن تبرر إنفاقها أمام دافعي الضرائب الصينيين.
أما العديد من الحكومات الأخرى في العالم، والتي تتبع أنظمة الديمقراطية التمثيلية، فإنها مضطرةٌ لتقديم حسابات عن الأموال التي تُنفقها. ومع ذلك، فكثيراً ما يكون هنالك علاقة وثيقة بين السياسات وكبريات الشركات، والتي تؤدي إلى قيام الثلاثي سيء السمعة “الفساد، والتواطؤ والمحسوبية”. كذلك، فإن العديد من الديمقراطيات ما زالت غير ناضجة، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف عام في أنظمة المراقبة، بما في ذلك تشريعات غير فعالة ومؤسسات مراقبة مالية غير سليمة، وفقدان للحرية الصحفية.
تحت تلك الظروف فإن سياسةً قائمة على بناء وحماية الأبطال الوطنيين، لن تُعيد فقط الأخطاء الأوروبية والأمريكية؛ بل إنها على الأغلب سوف تتم بثمنٍ أعلى بكثير. وقد تؤدي في نهاية المطاف إلى زعزعة استقرار المجتمعات وإساءة سمعة الديمقراطية.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 16 أيار 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

من سوء حظ بول وولفوفيتز أنه يتسبب بمعضلة كلما حاول إجراء تغيير في نظام قائم. لقد ثارت كوادر البنك الدولي رداً على تسرب معلومات تفيد بقيام وولفوفيتز، الذي جعل الحملة العنيفة ضد الفساد سمة مميزة للفترة الوعرة لتوليه منصب رئيس البنك الدولي، بمنح صديقة له زيادة في الأجر مقدارها 60 ألف دولار. وطالب الموظفون الذين كانوا دائماً يكرهون العمل تحت إمرة منظّر الحرب على العراق باستقالته، وتُرك وولفوفيتز في عزلة تامة.
وإلى حد ما، كان السبب الأساس لهزيمته في البنك هو ذاته لفشله في العراق: العجرفة الفكرية في القمة التي تترفع عن الحقائق التي في القاع. لقد استسهل وولفوفيتز معالجة الحالة المرضية التي تعاني منها المعونات الأجنبية مثلما استسهل إنشاء الديمقراطية في الشرق الأوسط.
لقد جاء وولفوفيتز إلى البنك وهو عاقد العزم على محاربة الفساد، وربما تحرير نفسه وخلاصها بعد العراق، من خلال تقديم مساعدة ذات طابع رحيم ومحافظ لفقراء العالم. ولكن النجاح لم يكتب لبرنامجه أبداً.
لقد وضع وولفوفيتز حداً في أوزبكستان، حاجباً القروض عن إسلام كاريموف. وأعلن ان السبب في ذلك يعود إلى ان كاريموف سرق شعبه الفقير أصلاً وذبح المتظاهرين المدنيين. ولكن منتقدي وولفوفيتز يعترضون على ذلك ويزعمون ان السبب لهذا الموقف هو رفض كاريموف في تموز 2005 إعطاء إدارة بوش حق استخدام قاعدة عسكرية في أوزبكستان.
ولكن باستثناء حجب المعونة عن أوزبكستان وعن حالات قليلة أخرى، تعرض برنامج وولفوفيتز للخطر بسبب الأعمال الانتقائية. فوفقاً لمقاييس البنك، ينتشر الفساد في 54 دولة غير أوزبكستان أو ربما كان وضعها أسوأ. فهل يا ترى يتوجب على البنك حجب المعونة عنها كلها؟
لم يكن وولفوفيتز على استعداد للذهاب إلى هذا الحد، ما أوقع الجميع في حيرة حول معاييره الفعلية. فباكستان، وهي المحور الرئيس للحملة الأمريكية ضد “القاعدة” والتي لا تُعتبر نموذجاً للديمقراطية أو صلاح الحكم مثلها مثل أوزبكستان، استمرت في تلقي كميات كبيرة من أموال البنك الدولي. كذلك فتحت هذه الحملة العشوائية ضد الفساد المجال أمام مساعدي وولفوفيتز السيئي السمعة، روبن كليفلاند وكيفن كيليمز، وكانا يعملان سابقاً في إدارة بوش، لتهديد الموظفين المعارضين بوصفهم “متسامحين مع الفساد”. (هل يبدو هذا مألوفا؟)
لكن المشكلات المتعلقة بإدارة وولفوفيتز للبنك الدولي تجاوزت حملته الفاشلة لمكافحة الفساد وكانت أعمق. فقد تبنى أهداف سلفه جيمس وولفونسون الطوباوية الخيالية ووسّعها. فبينما كان وولفوفيتز أكثر صرامة مع “الحكومات السيئة” في أماكن مثل أوزبكستان، مثلاً، كان البنك يصر، في الوقت ذاته، على ان تُظهر برامج التنمية “ملكية الدولة”، ويعني هذا المصطلح ان تتولى الحكومة المستفيدة مسؤولية إدارة برامجها. ولكن كيف يمكن ان تكون صارماً مع الحكومات التي تسيء التصرف فيما تصر على ان تقوم هذه الحكومات بإدارة برامجك؟
هذه الحماقات ما هي إلا أحد أعراض الأزمة الفكرية العميقة حول ما إذا كان البنك يملك أدنى فكرة عن كيفية تحقيق أهدافه الطنانة الفخمة. وكانت الدروس المستفادة ازدهار الدول التي تجاهلت مبادئ البنك (الصين، فيتنام، الهند) في حين ضعف أداء الدول التي كانت تحت رعايته وإرشاده (روسيا، الأرجنتين، زامبيا).
كذلك استمر وولفوفيتز في الاتجاه المشؤوم ذاته الذي بدأه وولفونسون، والذي كان يرد على فشل البنك في تحقيق أحد أهدافه بإضافة ثلاثة أهداف جديدة أخرى. لقد وسع الإثنان الهدف الأصلي للبنك الذي يدور حول تعزيز النمو الاقتصادي بكل شيء بدءاً من ضمان حقوق الأطفال إلى تعزيز السلام العالمي. وفي هذه الأثناء، ضحى الإثنان بوضوح الاتجاه لصالح شعارات سخيفة وغير معقولة وملائمة فقط للعلاقات العامة مثل “تمكين الفقراء” و”تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية” (التي تغطي كل أوجه المعاناة الإنسانية).
وأدى هذا كله إلى زعزعة البنك وتداعيه. لقد ترك البنك العديد من أفضل الموظفين وأبرعهم بنزوح محبط مطرد، وبدأت الدول الفقيرة تهجر البنك وتسعى للحصول على قروض من أسواق رأس المال الخاصة أو منح من الجهات المانحة مثل الصين التي تسعى لتتبوأ المرتبة الأولى في ذلك. وفي هذه الأثناء، بدأت مؤسسات خاصة جديدة (مثل “مؤسسة بيل وميليندا غيتس”، و”غوغل دوت أورغ”، وغيرها) تستحوذ على المجالات التقليدية للبنك مثل الصحة والزراعة. وبإضافة الكارثة المتعلقة بصفقة صديقة وولفوفيتز إلى ذلك، يواجه البنك أخطر أزمة في تاريخه خلال العقود الستة الماضية.
يجب ان يتحمل البنك مسؤولية إطعام الجياع وتوفير المياه النظيفة الآمنة للعطشى ومعالجة المرضى. وقد حقق البنك تقدماً حقيقياً في كل هذه المجالات، وباستطاعته ان يحرز أكثر من ذلك إذا حُرر العديد من العاملين الموهوبين من جحيم البيروقراطية الحالية وسُمح لهم بأداء ما يحسنون عمله.
من المحزن ان هذه المبادئ الواضحة لم تُحتضن حتى الآن. ولا يسع المرء إلا ان يأمل في ان يكون الإصلاحيون، الذين يتميزون بمصدر قوة سياسية وحيد يتمثل في عطفهم على الفقراء، أقوياء بما فيه الكفاية في هذه الأزمة للتمكن من إنقاذ البنك لصالح أكثر الناس ضعفاً في العالم. وسيكون هذا مثابة تغيير لنظام يمكننا جميعاً ان نتعايش معه.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 7 أيار 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

هل تعتقد بأنه يتوجب إلغاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؟ من الواضح لكل إنسان بأن المنظمتين كليهما في ورطة كبيرة.
لقد تم تشكيل المنظمتين في مؤتمر بريتن وودز في ولاية نوهامبشر، الذي انعقد في تموز من عام 1944. لقد أعطي صندوق النقد الدولي المسؤولية الرئيسية لضمان استقرار النظام النقدي والمالي الدولي، وبشكل محدد إدارة نسب تبادل محددة للعمولات مرتبطة بسعر الذهب والتي أُقيمت يومئذ (ولكنها أُلغيت في عام 1973).
أما البنك الدولي فهو في الحقيقة مجموعة من منظمات دولية خمس مهمتها الرئيسية تقديم التمويل للتنمية وإسداء النصح من أجل القضاء على الفقر على امتداد العالم. وعلى مدى عقود عدة كان نقاد البنك (بما في ذلك عدد من كبار موظفيها السابقين، مثل كبير الاقتصاديين السابق، والحائز على جائزة نوبل، جوزيف ستيغليتز، وعالِم الاقتصاد البارز وليم إيسترلي) كان هؤلاء النقاد قد قدموا إثباتات كثيرة بأن المؤسسة قد خلقت مشاكل أكثر كثيراً مما كانت قادرة على حلها.
الرسالة الأساسية للبنك الدولي قد تم تصورها بشكل خاطئ منذ البداية، وبالتالي فقد كان محكوماً عليها بالفشل. فبالرجوع إلى عام 1944، كان هنالك اعتقاد واسعٌ بأنه إذا ما زوِّدت حكومات البلدان الفقيرة بمبالغ من المال لإقامة البنى التحتية وغيرها من أسباب التطوير فإن بإمكانها أن تصبح أكثر رخاءً وبسرعة. وكما نعلم الآن فإن موظفي الحكومات الذين ينفقون أموال شعوب غيرهم على مشاريع يتم تقريرها على أسس سياسية تؤدي في نتائجها إلى إنفاقٍ زائد وأداء ضعيف، حتى في البلدان الديمقراطية الغنية. أما في البلدان الفقيرة، فإن النتائج هي على الدوام أسوأ من ذلك. لذا فإن أموالاً كثيرةً جداً اكتسبها البنك الدولي من دافعي الضرائب من الطبقات الوسطى في البلدان الغنية إنما ذهبت لإثراء موظفي الحكومات وقادتها الفاسدين في البلدان الفقيرة.
إن البنك الدولي، وبسبب غياب رقابات حسابية والإشراف المناسب والشفافية، قد ساهم في إذكاء الفساد والاضطهاد في القارة الإفريقية وغيرها. يُضاف إلى ذلك أن الناس الفقراء الذين لم يستفيدوا مما أنفقه البنك قد انتهى بهم الأمر بأن أصبحوا مُكبّلين بديون توجب عليهم إعادة دفعها إليه.
في عام 1990، كنتُ رئيساً مشاركاً للفريق الاقتصادي البلغاري الإنتقالي، الذي كانت ترعاه مؤسسة الغرب الوطنية التجارية والحكومة البلغارية. وكجزء من جهودنا، كنا نحاول خصخصة معظم الشركات التي تمتلكها الحكومة، بما في ذلك شركة الهواتف التي تملكها الدولة. ومن وراء ظهورنا قدم البنك الدولي قرضاً إلى احتكار الدولة للهاتف، يرافقه شرط بأن الحكومة لا يمكن أن تسمح بالمنافسة الخاصة. وعندما واجهت المسؤول في البنك الدولي، قال لي أن الأكثر أهمية للبنك هو أن يسترجع ما قدمه وليس أن يكون لشعب بلغاريا نظام اتصالات منافس خاص (أي أسعار أقل وخدمة أفضل). وحتى هذا اليوم ما زالت هذه العقلية تهيمن بشدة على البنك الدولي. لقد تم تحقيق بعض التقدم في الإشراف والشفافية خلال السنين الأخيرة، ولكن كثيراً جداً من مشاريع البنك الدولي كانت ضعيفة الدراسة وسيئة الإدارة وبطبيعة الحال فاسدة.
عندما تسلم بول وولفويتز رئاسة البنك الدولي في حزيران عام 2005، جعل مكافحة الفساد من قبل المقترضين من البنك الدولي، والمتعاقدين معه، وحتى من موظفي البنك أولوية مركزية. بطبيعة الحال فإن الحكومات الفاسدة ومؤيديها، والمتعاقدين الفاسدين، وحتى بعض موظفي البنك قد اشتكوا. عندها ارتكب السيد وولفويتز خطأً أحمق بإعطاء عدد من الأشخاص الذين جلبهم معه وصديقته (وهي موظفة في البنك الدولي) زيادات كبيرة في الرواتب وبالتالي أساء إلى حملة مكافحة الفساد ووضع نفسه على المشرحة ليتم ذبحه من قبل أعدائه.
قضية صندوق النقد الدولي هي أكثر تعقيداً من حيث أنه ارتكب أخطاءً فادحةً، من حيث أنه أرغم البلدان الفقيرة على زيادة الضرائب، ومن حيث كونه الملجأ الأخير لتقديم القروض لبلدان غير مسؤولة وبالتالي زيادة المخاطرة بالنظام العالمي. بيد أن صندوق النقد قد حقق بعض النجاحات من حيث المساعدة في إقامة أنظمة بنكية ومالية ونقدية في عدد من البلدان الشيوعية السابقة. إلا إن مشاكله الحالية تتأتى من حقيقة كونه يتلقى أمواله العاملة من القروض التي يكون قد منحها إلى الحكومات في حالات عُسرها، وحيث أن معظم المدينين الكبار للصندوق قد أعادوا دفع تلك القروض، فإن دخل صندوق النقد الدولي هو بضع مئات من ملايين الدولارات أقل من نفقاته. وعندما كانت محفظة الصندوق عامرة، انغمس في سلسلة لا تنتهي وغير ضرورية من الانتفاخ البيروقراطي العام وبأعداد كبيرة جداً من الموظفين الذين يتلقون رواتب عالية.
فإذا استطاع صندوق النقد الدولي أن يُخفض تخفيضاً راديكالياً من حجمه وأن يُقيّد نفسه بمهمة جمع المعلومات، وتشجيع الدفعات الدولية المنتظمة، وتوسيع التجارة وبعض مهام المساعدات التقنية المحدودة (وجميع تلك المهام يُمكن إنجازُها بِعُشر عدد جهاز صندوق النقد وموازنته) فإنه يمكن عندها للصندوق أن يُبرر استمرار وجوده.
إن قول “وداعاً” للبنك الدولي وإلى جزء كبير من صندوق النقد الدولي سوف يكون لهما نفس الفوائد والنتائج التي تمخضت عنها الإصلاحات التي أُدخلت في برامج المساعدات الاجتماعية في الولايات المتحدة. عندما لا يعود أمام الحكومات، مثل الأفراد، أي خيار لديهم سوى تحمل مسؤولياتٍ أكبر إزاء أفعالهم، فإن معظمهم سوف يفعلون ذلك.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 2 أيار 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

لماذا يكره العالم الأمريكيين أو على الأقل الحكومة الأمريكية على هذا النحو؟ هل السبب ان وزارة الخارجية الأمريكية تعتقد بأن عليها التصرف بفظاظة وبأسلوب مهين ومتغطرس؟
في آذار الماضي، سجلت وزارة الخارجية الأمريكية رقماً قياسياً جديداً إذ أهانت مواطني 123 دولة في وقت واحد. ووردت الإهانة في “تقرير إستراتيجية مكافحة المخدرات الدولي: المجلد الثاني، تبييض الأموال والجرائم المالية”.
وفي التقرير المؤلف من 450 صفحة، نوقشت تصرفات الدول الأخرى للتقليل من حجم تبييض الأموال والجرائم المالية، ما يُعتبر أمراً جيداً. ولكن بعد ذلك، ألقى واضعو التقرير محاضرة مجانية على كل دولة من الدول التي ذُكرت بالاسم حول الطريقة التي يمكن من خلالها إنجاز تلك الأمور في شكل “أفضل”. ولكي يُفهم النفاق الكلي للمناكدين في وزارة الخارجية الأمريكية، من المهم الإشارة إلى ان حجم تبييض الأموال المصرّفة في الولايات المتحدة أكبر منه في أي مكان آخر على وجه الأرض، وأن الولايات المتحدة أكبر سوق للمخدرات غير الشرعية في العالم.
والتقرير، الذي أعده مناكدون عالميون في وزارة الخارجية الأمريكية، مليء بطلبات لا نهاية لها يجب على الدول الأخرى ان تلبيها لتحقيق المهمة في شكل أفضل، وتشمل تطبيق قوانينها النافذة، وإصدار مزيد منها، وتوقيع مزيد من المعاهدات الدولية، والاشتراك في ممارسات تعتبر غير قانونية وغير دستورية في الولايات المتحدة.
وشن واضعو التقرير هجوماً حاداً على الأصدقاء والأعداء على حد سواء، كما لو ان الفساد وعدم الكفاءة غير موجودين في واشنطن ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية وغيرها. وفي ما يلي بعض الأمثلة التي أوردها التقرير:
بالنسبة إلى البلجيكيين، “عليهم تعزيز التمسك بالمتطلبات الخاصة بالتبليغات التي تُقدم من قبل بعض الهيئات غير المالية كالمحامين وكتاب العدل”، وهذا ما تقوله وزارة الخارجية الأمريكية بينما تتجاهل تماماً أهمية سرية عمل المحامين.
أما بريطانيا، فتفيد وزارة الخارجية أيضاً “بأن على المملكة المتحدة ان تطور التشريع لديها وتطبق الأنظمة لضمان تغطية كاملة لقطاعات المقامرة والمراهنة مثلما هي الحال مع الأعمال التجارية والمهن المالية والأعمال المخصصة لغير الشأن المالي”. وربما لم يخطر على بال العاملين في وزارة الخارجية الأمريكية ان البريطانيين يتمتعون بالديمقراطية منذ أمد طويل وأنهم قادرون على ان يقرروا في شكل جيد تماماً اعتماد تلك القوانين والأنظمة التي يفضلون ان يعيشوا في ظلها.
ثم يأتي دور الصين، التي تفيد وزارة الخارجية الأمريكية بأن عليها “تنفيذ العقوبات الجنائية بحق عدم الممتثلين لشروط تحديد هوية الزبون من قبل المؤسسات المالية والمواظبة ومسك الدفاتر”. وهكذا، فإن لدينا أفراداً في الحكومة الأمريكية يقولون بأن على دولة بوليسية ان تعزز العقوبات “الجنائية” الخاصة بالجرائم التي يجب، بحسب اعتقاد خبراء قانونيين كثيرين، ان تكون جرائم مدنية، سواء في الولايات المتحدة أم في أي مكان آخر في العالم.
كما ترى الخارجية الأمريكية ان على الألمان ان “يقوموا بتعديل التشريع والتخلي عن القيود المفروضة على تجميد الموجودات لدى غرفة مقاصة الاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى الجرائم المالية والإرهاب بحيث لا تستدعي عملية تجميد الموجودات إجراء تحقيقات جنائية”.
ربما لم يكن لدى المرشدين الروحيين في وزارة الخارجية الأمريكية دراية بأن هناك أسباباً تاريخية معينة تجعل الألمان يصرون في الوقت الحالي على الحمايات القانونية ضد أي خداع محتمل من دولة أخرى.
ويقول واضعو التقرير ان على حكومة جمهورية الدومينيكان “أن تتخلص من برنامج حق المواطنة الاقتصادية الصادر عنها”. لكن، أيضاً وأيضاً، ربما لم يكن لدى هؤلاء علم بأن عدداً كبيراً من الدول، ان لم يكن معظمها، بما في ذلك الولايات المتحدة، تسمح بالإقامة الدائمة و/أو المواطنة لغير المواطنين الذين يستثمرون مبلغاً معيناً من المال في المكان الذي اتخذوه موطناً لهم.
ودعا التقرير سنغافورة إلى “إضافة الجرائم الضريبية والمالية إلى قائمة الجرائم الخطيرة الخاصة بها”. وهنا أيضاً، ربما لم يخطر على بال أفراد وزارة الخارجية الأمريكية بأن مواطني سنغافورة المتعلمين تعليماً عالياً والذين يعيشون في ازدهار اقتصادي، قادرون تماماً على ان يقرروا بأنفسهم نوع الجرائم التي يجب ان تُعتبر قانونياً “جرائم خطيرة”.
ومع كل ذلك، وجدت فعلاً بنوداً متعددة في التقرير أقبلها وأتفق معها. فعلى سبيل المثال، هناك بند يقول: “على إيران ألا تدعم الإرهاب أو تموله”. وإنني بكل تأكيد آمل ان تقرأ هذه الجملة في طهران وأن تأخذ على محمل الجد. هناك إشاعة مفادها أن تقرير السنة المقبلة سيطالب المزارعين في إفريقيا بوقف إنتاج مادة الكاكاو الخاصة بصنع الشوكولاته وأن يوقف البرازيليون إنتاج مادة السكر نظراً لأن هاتين المادتين تجعلان الأمريكيين بدناء!
© معهد كيتو، منبر الحرية، 18 نيسان 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20101

برحيل عالم الاقتصاد ميلتون فريدمان في شهر تشرين الثاني الماضي، فقدنا بطلاً عظيماً من أبطال السوق الحر. وفي النعوات والتعليقات التي سجلت الأحداث التي تتعلق بحياة الفقيد من ناحية أعماله وتأثيره الهائل فقد تم التنويه وبشكل لم يتغير بمناصرته ودفاعه عن أسعار الصرف المرنة والتي تركت انطباعاً على أنه يستحسنها ويحبذها على الدوام. إلا أن ذلك ليس على هذا الحال.
بالنسبة لفريدمان هناك ثلاثة أنواع مميزة من أنظمة أسعار صرف العملات: سعر الصرف المرن، وسعر الصرف الثابت وسعر الصرف المرتبط (أنظر الجدول المرفق). ويوجد لكل نظام من هذه الأنظمة الثلاثة خصائص متباينة ونتائج مختلفة.

وبالرغم من كون سعر الصرف المرن وسعر الصرف الثابت يبدوان وكأنهما غير متماثلين، إلا أنهما عضوان في نفس أسرة السوق الحر. فكلاهما يعملان دون وجود قيود على النقد، كما أنهما آليتان من آليات السوق الحر الخاصة بتصحيحات ميزان المدفوعات.
بوجود سعر الصرف المرن، بإمكان البنك المركزي أن يضع السياسة النقدية، إلا أنه لن يملك سياسة سعر الصرف، إذ سيكون سعر الصرف وفقاً لأسلوب التوجيه التلقائي. وتبعا لذلك، سوف يتم تحديد القاعدة النقدية على المستوى المحلي من قبل البنك المركزي. أما بوجود سعر الصرف الثابت، فسيكون هناك احتمالان: إما أن يقوم مجلس العملة بتحديد سعر الصرف—إلا انه سوف لن يكون لدى البنك سياسة نقدية، حيث سيكون عرض النقد وفقاً لأسلوب التوجيه التلقائي—أو، أن يتم اتباع نظام “دولرة” الاقتصاد واستخدام عملة أجنبية كعملة خاصة به. وبناء عليه، وبموجب نظام سعر الصرف الثابت سوف يتم تحديد القاعدة النقدية للدولة من قبل ميزان المدفوعات والذي سوف يتحرك بمطابقة تتم حسب الطلب (من واحد لواحد) مع تغييرات تطرأ على الاحتياطيات من العملات الأجنبية. وبوجود هذين النظامين الخاصين بالسوق الحر وآليتي سعر الصرف فسوف لن يكون هناك تعارض بين السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف، وسوف لن تتمكن أزمات ميزان المدفوعات من أن تقوم برفع رؤوسها البشعة. وبالفعل، ستقوم قوى السوق بالتصرف لإعادة توازن التدفقات المالية بشكل تلقائي ولتفادي وقوع أزمات ميزان المدفوعات بموجب نظامي سعر الصرف المرن وسعر الصرف الثابت.
ويبدو بأن سعر الصرف الثابت وسعر الصرف المرتبط وكأنهما شيء واحد. ومع ذلك، فهما من الناحية الأساسية مختلفان كالتالي: في معظم الأحيان تقوم أنظمة سعر الصرف المرتبط باستخدام تقييدات على النقد، وهي لا تعتبر من آليات السوق الحر بخصوص تصحيحات ميزان المدفوعات العالمية. كما تتطلب أسعار الصرف المرتبطة وجود بنك مركزي ليقوم بإدارة كل من سعر الصرف والسياسة النقدية. وكذلك، بوجود سعر صرف مرتبط، فسوف تتضمن القاعدة النقدية عناصر محلية وأجنبية كليهما. وبشكل لا يشبه سعري الصرف المرن والثابت، فإن أسعار الصرف المرتبطة ستؤدي بشكل لا يتغير إلى حدوث تعارضات بين السياسة النقدية وسياسة أسعار الصرف. فعلى سبيل المثال، عندما تصبح تدفقات رأس المال إلى الداخل “زائدة عن الحد الأدنى” بموجب نظام سعر صرف مرتبط فسوف يقوم البنك المركزي في معظم الأحيان بمحاولة تحييد تلك الزيادة الناشئة في عنصر القاعدة النقدية الأجنبي من خلال سندات البيع، بحيث تعمل على خفض عنصر القاعدة النقدية المحلي. وعندما تصبح تدفقات رأس المال إلى الخارج “زائدة عن الحد الأدنى” فسوف يقوم البنك المركزي بمحاولة تعويض ذلك النقص في عنصر القاعدة النقدية الأجنبي من خلال سندات الشراء، بحيث تعمل على زيادة عنصر القاعدة النقدية المحلي. ويتم نشوب أزمات ميزان المدفوعات عندما يبدأ البنك المركزي بالمقاصة بشكل متزايد بغرض خفض عنصر القاعدة النقدية الأجنبي مع أموال أساسية مستحدثة محلياً. وعندما يحدث مثل ذلك، فسيكون الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن يقوم مضاربو العملات بفرز التناقضات الموجودة بين سياسة سعر الصرف والسياسة النقدية (كما قاموا بعمله بالأزمة المالية الآسيوية التي حدثت بين عامي 1997-1998) وبفرض خفض في قيمة العملة أو بفرض قيود على سعر الصرف.
من حيث المبدأ، قام فريدمان بتفضيل واستحسان كل من أسعار الصرف المرنة والثابتة. وبموجب هذين النظامين من أنظمة السوق الحر، يتم تدفق رأس المال بشكل حر ودون أية قيود. وقد قام فريدمان، وعلى الدوام، برفض نظام سعر الصرف المرتبط.
لقد أثبتت الأعمال التي قام بها فريدمان—وهو رجل صاحب أعمال وليس أقوال—على أن مخزونه الفكري يحتوي على أكثر من أسعار الصرف المرنة. ففي العام 1992، قمت بالمشاركة في تأليف كتاب باسم “الإصلاح النقدي الخاص بجمهورية إستونية حرة” والذي يحمل تظهير تعزيزي من قبل فريدمان كالتالي: “يعتبر مجلس العملة، كالذي يقترحه (هانكي)، نظاماً ممتازاً ومناسباً لدولة في مركز إستونيا”. وخلال ستة شهور قامت إستونيا بإغراق الروبل الروسي (ببيعه برخص زهيد جداً) وكان مجلس عملتها يقوم بصرف “الكرون” الإستوني بسعر صرف ثابت مقداره ثمانية كرونات مقابل المارك الألماني الواحد (والذي اصبح في وقت لاحق 15.65 كروناً مقابل اليورو الواحد). ومنذ ذلك الوقت، ازداد الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد بمقدار عشرة أضعاف، وهو أداء يعتبر مثيراً للإعجاب.
وخلال الأزمة المالية الآسيوية التي حدثت بين عامي 1997-1998، قام فريدمان بالدخول في العراك. وبصفتي مستشاراً للرئيس الإندونيسي السابق (سوهارتو) فقد اقترحت بأن يتم تثبيت سعر صرف الروبية الإندونيسية بالنسبة للدولار من خلال مجلس عملة. وبعد ذلك بوقت قصير، قامت النشرة الاقتصادية للشرق الأقصى (فار إيسترن ايكونوميك ريفيو) بنشر مقالة بعنوان: “أقوال رئيس مجلس الإدارة ميلتون (فريدمان)”. لقد كانت أفكاره حول مجلس العملة بخصوص إندونيسيا كالتالي: “إذا أراد الإندونيسيين أن يمتثلوا بنظام معين، فسوف يكون ذلك شيئاً حسناً. وما الشيء الآخر الذي بمقدورهم أن يفعلوه؟” حسناً، قد يكون من الممكن أن يتم إجبارهم من قبل التكتل الرئيسي بين الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي كي يتخلوا عن فكرة مجلس العملة! وهو ما حدث بالضبط، والذي نجم عنه نتائج اقتصادية مدمرة.
أين يقف فريدمان فيما يتعلق باقتصاد السوق الحر؟ لقد قام فريدمان بالانحياز إلى سعر الصرف الثابت الذي تم في هونغ كونغ، بقوله: “تشير تجربة هونغ كونغ بكل وضوح إلى أن دولة معينة كهونغ كونغ سوف لن تكون بحاجة إلى بنك مركزي. فهي بالفعل دولة محظوظة جداً لأنها ليست لديها مثل ذلك. فنظام مجلس العملة الذي تم إدخاله في العام 1983 قد حقق نجاحاً جيداً جداً بالنسبة لهونغ كونغ، وإنني اعتقد بأن من المحبذ الاستمرار به”.
وبذلك، وبشكل مخالف للمعتقد الشائع، قام فريدمان باستحسان والانحياز إلى كل من نظامي سعر الصرف المرن والثابت.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 10 نيسان 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

يشترك أعداء العولمة ودعاة المحافظة على البيئة في إبداء خشيتهم من الأعداد المتزايدة من سكان العالم والاستهلاك المتعاظم للطاقة والسلع، والتي جاءت مع النمو الاقتصادي والتغيرات التكنولوجية والتجارة الحرة.
وبالفعل، فقد شهد القرن العشرون ازدياداً في عدد السكان، ومع ذلك، فان عمر الإنسان قد ازداد بحيث تعدى الضعف، حيث ارتفع من سن الحادي والثلاثين في العام 1900 إلى سن السابعة والستين في الوقت الحالي. وفي كل من الهند والصين، كان عدد حالات وفيات الأطفال الرضع في كل منهما قد تجاوز 190 حالة وفاة لكل ألف حالة ولادة في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، أما في الوقت الحالي فقد وصلت إلى 62 حالة وفاة في الهند و26 حالة وفاة في الصين. وفي الدول النامية أيضاً، فقد انخفضت نسبة السكان الذين يعانون من الجوع المزمن من نسبة 37 في المائة إلى 17 في المائة بين أعوام 1970 و2001 بالرغم من الزيادة التي طرأت على عدد السكان في هذه الدول والتي بلغت 83 في المائة. وعلى المستوى العالمي، ازداد متوسط الدخل السنوي بالدولارات الحقيقية بمقدار ثلاثة أضعاف منذ العام 1950. وتبعاً لذلك، فقد وصلت النسبة المئوية للسكان الذين يعيشون في فقر مدقع في الدول النامية المنتشرة في كافة أنحاء العالم إلى النصف منذ العام 1981، حيث هبطت من نسبة 40 في المائة إلى 20 في المائة. كما انخفضت عمالة الأطفال في الدول ذات الدخل المنخفض من 30 في المائة إلى 18 في المائة في السنوات التي امتدت من العام 1960 والعام 2003.
وبنفس المستوى من الأهمية، أصبحت دول العالم أكثر علماً وثقافةً بوتيرة لم تشهدها من قبل على الإطلاق. فمن الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية أصبح الناس أكثر حرية في السعي نحو رفاهيتهم وفق ما يروق لهم. وهناك كثير من الشعوب الذين يقومون باختيار حكامهم ويتمتعون بحرية التعبير، فهم، بشكل أكثر احتمالاً، يعيشون تحت حكم القانون.
ولم يسبق أبداً وأن كانت التنقلية (أو حرية التنقل) الاجتماعية والمهنية أكبر مما هي عليه الآن حيث أصبح، وبشكل أكثر سهولة من ذي قبل، على الناس في مختلف بقاع العالم أن يتجاوزوا الروابط الطبقية ومكان الولادة وجنس المولود. فالأفراد، في الوقت الحالي، يعملون بساعات أقل عدداً ولديهم أموالاً بمقادير أكبر ويتمتعون بصحة أفضل والتي تتيح لهم أن يتمتعوا بأوقات فراغهم وراحتهم أكثر من أسلافهم.
يعتبر سجل الإنسان السابق حول البيئة أكثر تعقيداً. ومن الممكن أن تكون مراحل التطور الأولى للإنسان قد تسببت ببعض التدهور البيئي فعلاً بما أن المجتمعات البشرية كانت عندئذ منهمكة في مشاكل من الدرجة الأولى كان لها تأثير على رخاء الإنسان. وتشتمل تلك المشاكل على الجوع وسوء التغذية والأمية ونقص التعليم وخدمات الرعاية الصحية الأساسية والمياه السليمة والصحة العامة والانتقالية ومصادر الطاقة الجاهزة.
ولأن الثروات الأضخم هي التي تعمل على التخفيف من هذه المشاكل وتقوم في الوقت نفسه بتوفير وسائل راحة أساسية للمخلوقات البشرية، فإن الأفراد والمجتمعات يركزون بشكل مبدئي على التطور الاقتصادي وهم يقومون، في أغلب الأحيان، بإهمال الجوانب الأخرى من جوانب الجودة النوعية للبيئة. وبالرغم من ذلك، فقد أقروا، في الوقت نفسه، بأن التدهور البيئي سيعمل على التقليل من جودة حياتهم. وتبعاً لذلك، قاموا بتخصيص المزيد من الثروة التي اكتسبوها حديثا وكذلك تخصيص المزيد من رأس المال البشري في سبيل التطور ولتطبيق تقنيات تكنولوجية تعتبر أكثر نظافة للبيئة، الأمر الذي عمل على استحداث عبور بيئي ينتقل بواسطة تلك القوتين التوأمين وهما التطور الاقتصادي والتقدم التكنولوجي واللتان قامتا بالبدء في توفير الحلول للمشاكل البيئية بدلاً من أن تقوما بخلق تلك المشاكل.
ولكن ما هو السبب وراء تخلف بعض أنحاء العالم بينما الأنحاء الباقية تشهد ازدهاراً ونجاحاً قوياً، ولماذا توقفت تلك التحسينات التي جرت في مجال رفاهية الإنسان في مناطق معينة كالمناطق التي تقع جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية والعالم العربي؟
إن السبب التقريبي لتلك التحسينات التي طرأت على رفاهية الإنسان هو بفعل “دورة التقدم” والتي تتألف من القوتين الداعمتين المشتركتين (التطور الاقتصادي والتقدم التكنولوجي). غير أن تلك الدورة نفسها قد جرى تحريكها من قبل شبكة من المؤسسات الأساسية وبوجه خاص حقوق الملكية والأسواق الحرة وحكم القانون. كما أن هناك مؤسسات أخرى هامة تضم أساليب مستندة إلى العلم والمعرفة وإلى التكنولوجيا، كلها تعمل على حل المشاكل وقد تم تأسيسها اعتماداً على الشكوكية (أو النزوع إلى الشك)؛ وعلى التجريب؛ وعلى التقبلية للتقنيات التكنولوجية والأفكار الجديدة والتجار الحرة.
بالرغم من كل هذا التقدم وهذه الأخبار الجيدة، ما زال هناك، فوق ذلك، الكثير مما لم يتم إنجازه. فهناك الملايين من الناس يموتون بسبب الجوع وسوء التغذية وأمراض قابلة للوقاية والعلاج كالملاريا والسل والإسهال. وهناك أيضا ما يزيد عن مليار إنسان ما زالوا يعيشون في فقر مدقع. كما أن ثلث عدد سكان العالم المؤهلين للدخول في المدارس الثانوية ما زالوا غير مسجلين فيها. أما الحواجز التي يتم وضعها أمام العولمة وأمام التطور الاقتصادي والتغير التكنولوجي كاستخدام، مثلاً، مادة الـ”دي. دي. تي” للقضاء على مرض الملاريا واستخدام هندسة الجينات والتكنولوجيا الحيوية، فهي التي تشكل المصدر الأكبر للمشاكل.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 3 نيسان 2007.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018