تحديات إسلامية معاصرة

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

وأخيراً .. انتهى عهد بوش الصغير وإدارته الكارثية بكل المقاييس، أميركياً وعالمياً، وبدأت تباشير عهدٍ (بل وربما عصرٍ) جديدٍ آخر آتٍ، لا تحملها نسائِم القادم الأسمر إلى البيت الأبيض تحت يافطة “التغيير” بالذات، بقدر ما تحملها رياح نظام عالمي جديد، ما انفك يُنبئ بتحوّل عاصف في النفوذ وأنماط السلوك على المستوى الكوني.
فالعالم اليوم يمر بتغيير لموازين القوى يبدو واضحاً للعيان في انكفاء القوة الأميركية على نفسها تحت وطأة الأزمة المالية الحادة التي تعصف باقتصادها القومي، وتعثّر مشاريعها في كُلٍّ من أفغانستان والعراق. والأرجح أننا سنشهد خلال السنوات القليلة القادمة المزيد من التخثّر والتآكل في سلطة النظام العالمي الراهن، وستظهر معالم نظام جديد آخر يعكس المتغيِّرات العميقة التي طرأت في العالم خلال نصف القرن الماضي، والتي جعلت النظام العالمي الأحادي الحالي يبدو عاقراً وعاجزاً عن حُكم العالم.
ورغم الأجواء القاتمة السائدة والتي تشهد تراجعاً واضحاً لقطب النظام العالمي الأعظم (الولايات المتحدة) اقتصادياً وسياسياً، إلا أن العالم، وعلى النقيض من حالة القائد الأميركي، أخذ في التقدم بالاتجاه الصحيح من نواحٍ كثيرة. لهذا نشهد ظاهرة صعود لافتة لدول وقوى جديدة – قديمة، بدأت تبحث لها عن مكانة ودور تحت الشمس، فلا تجده في عصر “السلام الأميركي Pax Americana”، وعلى رأس هذه الدول، الصين، التي ستصبح أكبر اقتصاد في العالم خلال عقد أو عقدين، والهند، التي تسير بتؤدة ولكن بثبات وراء جارتها الصين، واليابان، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والبرازيل، العملاق الأميركي اللاتيني الصاعد، وجنوب أفريقيا، هذا بالإضافة إلى الاتحاد الأوربي وروسيا بالطبع.
وإذا كانت هذه البلدان هي التي ستُشارِك أميركا قيادة النظام العالمي خلال العقود المقبلة، إلا أن البنية التعددية لهذا النظام ستتميز كذلك، وبشكل أساسي، بتوزيعٍ جديد للقوى يشمل باقي العالم. إنه نظام متعدد القطبية ولكن بصيغة مغايرة وغير مألوفة أو مسبوقة، إذ أنه يتّجه لأن يكون أكثر تشاركية من أي زمنٍ مضى، وهذا يعود ببساطة إلى طبيعة التحول القائم الذي مَسّ، وما يزال يَمُسّ، مفهوم القوة كما علاقاتها وأنماطها. فأميركا ستواصل لأسباب عديدة لعب دور القائد العالمي على المستويين العسكري والسياسي، لكن في كل المستويات والأبعاد الأخرى، الصناعي والمالي والاجتماعي والثقافي، يتبدل توزيع النفوذ مبتعداً عن السيطرة الأميركية. وفي مجال الحرب والسلم، علم الاقتصاد والمشاريع التجارية، الأفكار والفن، سيولّد هذا الأمر مشهداً مختلفاً جداً عن ذاك الذي عرفناه وألفناه حتى الآن، مشهدٌ تُحدده وتُديره أماكن كثيرة وأشخاص كُثُر.
إننا نشهد بحق التحول الكبير الثالث في النفوذ خلال التاريخ الحديث، والذي وصف المفكر والمحلل السياسي الأميركي فريد زكريا تجلياته ببراعة وتبصُّر في كتابه “عالم ما بعد أميركا” الصادر منتصف العام الفائت. فإذا كان صعود العالم الغربي في القرن الخامس عشر الميلادي هو التحول الأول، الذي انبثق عنه العالم كما نعرفه الآن: العلوم والتكنولوجيا، التجارة والرأسمالية، الثروات الصناعية والزراعية. كما أنه أدى إلى السيطرة السياسية المطولة لدول العالم الغربي، فإن صعود الولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر وتحولها إلى بلد صناعي كان هو التحول الثاني، وقد اكتسب طابعاً فريداً بعد أن أصبحت أميركا الدولة الأكثر نفوذاً في العالم، وباتت أقوى من أي مجموعة محتملة من الدول الأخرى. وخلال عصر “السلام الأميركي”، دارت عجلة الاقتصاد العالمي وتسارعت بصورة دراماتيكية. وهذا التوسع هو الذي أسس للتحول الثالث الكبير قي النفوذ في العصر الحديث، والمتمثّل في صعود بقية العالم.
وعلى مدى جيلين أو ثلاثة، فإن نظاماً كهذا سيبقى هو الوحيد الممكن والمحتمل؛ نظامٌ تحكمه الدبلوماسية متعددة الأطراف وأقطابٌ يدور حول كُلٍّ منها مجموعة من الدول، أو لنقل معسكرات متنافسة، اقتصادياً وسياسياً على الأرجح وليس عسكرياً بالضرورة.
إنه عالم أميركا وما بعدها في الوقت نفسه؛ عالمٌ يظل تحت قيادتها ولكنه يُملي عليها – بعكس الواقع الراهن – شروطه ومعاييره التي تتحدى الأحادية بالضرورة ولا تقبل التعايش معها أو تحت ظلالها، لاسيما وأن الدول/ القوى المنافسة الصاعدة الأخرى والتي بدأت تحتل مواقعها في المشهد الكوني الجديد، ماضيةٌ بثبات في تطلعاتها ومحاولاتها لكسر السيطرة الأميركية على النفوذ العالمي. وفي حلبة نظامٍ جديدٍ ما فتئ يتخلّق شيئاً فشيئاً، ستستمر اللعبة المعهودة بين القوة القائدة والقوى المتطلعة للحلول مكانها، وإن بشكل حَذِِرٍ وأكثر بطئاً، إذ أن كل واحدة من هذه القوى – وليس أميركا وحدها – تنتابها كثير من النواقص الأساسية؛ فأوربا مُجزّأة بحكم عدم اكتمال وحدتها وأزمتها الديمغرافية، وروسيا تعاني من تذبذب وضعها الاقتصادي والديمغرافي، واليابان ما زالت محكومة بعزلتها ووضعها الديمغرافي أيضاً، أما الصين والهند فستظلان تركزان على إدارة نموهما الاقتصادي وتحسين مستوى معيشة العدد الهائل لسكانهما، بما يفوق اهتمامهما بإدارة التنافس في سباق القيادة العالمية. وهذا هو السبب الذي قد يُفسِّر لنا: لماذا لن تنتهي اللعبة الكونية الآتية بـ “كُش ملك” يرمز إلى انتصار قوة واحدة، وإنما بتعادل يُجسِّد عجز كل من هذه القوى على السيطرة الفعلية والمطلقة.
والحال أن العالم الذي سيُخلَق لن يكون إمبراطورية، تسيطر عليه قوة واحدة، بل سيكون نظاماً مُركّباً، تتوازن فيه مجموعة من الدول وما فوق الدول، على مستويات متكافئة، حتى إذا لم تكن متساوية بالمعنى الدقيق للكلمة. صحيح أن أميركا ستظل محتفظة بتأثيرها في النظام العالمي، وأكثر من أي طرف دولي آخر، ولكن قوتها وهيمنتها ستكونان أقل في عالم متعدد الأقطاب مقارنةً بما كانت تتمتع به لعدة عقود. وفي ضوء التراجع النسبي في اقتصادها، لن تتمتع الولايات المتحدة بنفس المرونة في الاختيار من بين عدة خيارات سياسية، في الوقت الذي ستكون فيه القوى/ الدول الصاعدة الأخرى أكثر حرصاً على المشاركة في صُنع حاضر العالم ومستقبله وفق رؤيتها الخاصة، بعد زمن طويل من التجاهل الأميركي والاستفراد بمقود القيادة العالمية.
© منبر الحرية، 18 مارس 2009

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

قامت إيران بتاريخ 3/2/2009 بوضع أول قمر صناعي لها في الفضاء متزامنا مع الذكرى الثلاثين للثورة الإيرانية. وحمل الصاروخ الإيراني الصنع “سفير 2” القمر الصناعي الصغير المصنّع محليا “أوميد” إلى الفضاء ليضعه في مدار منخفض بحيث يقوم بـ15 دورة حول الأرض خلال 24 ساعة وتجري مراقبته مرتين عبر المحطة الأرضية في كل دورة، وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء الإيرانية.
في الحالة الطبيعية ما كان لإطلاق إيران أولى أقمارها الصناعية أن يحتل هذا الحيّز المهم من الأخبار، وهذه المتابعة الدقيقة من قبل الأخصائيين والخبراء، خاصّة أن دولا عديدة في المنطقة كالعراق والسعودية ومصر كانت قد سبقت إيران في امتلاك وتصنيع تكنولوجيا الأقمار الصناعية، وهي تكنولوجية ليست بحديثة على الإطلاق.
بل أن عددا من الخبراء يعتقد أن الجهود السعودية في مجال الفضاء أكثر نضجا وتقدّما من نظيرتها الإيرانية خاصة في مجال صناعة الأقمار الصناعية وما أحرزته المملكة العربية السعودية من تقدم علمي في هذا الإطار، حيث توجت جهودها في هذا المجال بتصميم وإطلاق وتشغيل 12 قمرا اصطناعيا في الفضاء، وذلك عبر مساعي معهد بحوث الفضاء التابع لمدينة الملك فهد لإنتاج أقمار صناعية، والبرنامج الوطني لتقنية الأقمار الاصطناعية الذي يعمل على نقل وتوطين وتطوير التقنيات المتقدمة للأقمار الاصطناعية وتأسيس البنى التحتية اللازمة لتصميم وتصنيع وتشغيل هذه الأقمار محليا وتأهيل الكوادر الوطنية، منذ العام 1986.
وحتى في مجال الصواريخ المحلية الصنع التي تحمل الأقمار الصناعية إلى الفضاء، فقد كان العراق سبّاقا في هذا المجال، واستطاع قبل 20 سنة مما يقال انه انجاز إيراني اليوم، تصنيع صاروخ العابد (ويطلق عليه أيضا صاروخ تموز-1 أيضا)، الذي أعلن عن نجاح تجربته في ديسمبر من العام 1989 من قاعدة الانبار الجويّة، وهو صاروخ فضائي يصل مداه إلى حدود 1850 كلم وقادر على حمل أقمار صناعية.
ولا شك أن للاهتمام الإقليمي والدولي ببرنامج الفضاء الإيراني مبرراته، بغض النظر عن موقفنا منها، إلا أننا يجب أن لا نهمل ما يتعلق بالأمن القومي العربي، إذ لطالما كانت عين إيران تاريخيا على الخليج العربي، وهي تحاول مد وبسط نفوذها باتجاهه وباتجاه العراق، إذ تشكّل هذه المنطقة حيّزا حيويا وإستراتيجيا بالنسبة لها. ولم يتخل الإيرانيون عبر القرون عن هذه المقاربة على اختلاف حكّامهم وأنظمتهم بما فيه النظام الحالي الذي يقوده المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي الخامنئي. والنظرة إلى إيران بهذا المعنى لا تختلف عن النظرة إلى إسرائيل أو إلى أي دولة أخرى تحاول بسط سيطرتها ونفوذها بشكل عسكري وإيديولوجي خارج نطاق أراضيها وبشكل تخريبي.
وهذه المعطيات يعلمها الإيرانيون جيدا، إذ يقول -على سبيل المثال- الباحث الايراني “فرزاد بيزيشكبور” والخبير في السياسة الخارجية الإيرانية في هذا الإطار في مقال له بعنوان “ايران وميزان القوى الإقليمي”: “النظام العراقي بقيادة صدام حسين لم يعد موجودا اليوم، أمّا النظام الثاني المعادي لإيران أيضا والمتمثل بنظام الطالبان الأفغاني فقد تمّ التخلص منه، واليوم فان القادة الجدد للعراق وأفغانستان أكثر قربا لإيران من أي طرف آخر، وبدلا من صدام لدينا الآن رئيس عراقي غير عربي وفخور بمعرفته وإتقانه اللغة الفارسية، وعدد كبير من أعضاء الحكومة العراقية والبرلمان العراقي كانوا قد امضوا سنوات طويلة في إيران وأنجبوا أولادا لهم هناك ودخلوا مدارس طهران وتعلموا بها. ويحتل الشيعة اليوم أيضا في العراق ولبنان والبحرين موقعا مهما في النظام السياسي في بلدانهم مما يعطي إيران كنتيجة لذلك اليد العليا في المنطقة”!!
وفي هذا الإطار، هناك العديد من المؤشرات المتعلقة ببرنامج الفضاء الإيراني التي من شانها تعزيز المخاوف من توجهات إيران وبرنامجها الفضائي ومنها:
1-    تبني المشروع من قبل وزارة الدفاع: إذ تشير العديد من المعطيات إلى أن وزارة الدفاع الإيرانية تلعب دور المحتضن لبرنامج الفضاء الإيراني، إضافة إلى جهاز الحرس الثوري ، وهذا يعني أن الجهات الداعمة والممولة والمتحكمة هي جهات عسكرية وهو ما يلقي بشكوك كبيرة حول الطبيعة المدنية لبرنامج الفضاء كما الأمر بالنسبة إلى البرنامج النووي للبلاد.
2-    توقيت تسريع العمل بالبرنامج الفضائي: وذلك بالتوازي مع التقدم الحاصل في البرنامج النووي للبلاد، ومكن التخوف هنا أنه في حال صدقت الشكوك التي تذهب إلى القول بأن البرنامج النووي الإيراني قد يكون ذو طبيعة عسكرية لاحقا، فانه سيكون بحاجة في هذه الحالة إلى وسائل لحمل الرؤوس النووية، وبهذا يكون برنامج الفضاء الإيراني مربط الفرس. بمعنى آخر، إذا كان هدف إيران من البرنامج النووي تصنيع قنابل نووية، فإنها ستكون بحاجة إلى صواريخ بعيدة المدى قادرة على حمل هذه الرؤوس، وهنا يأتي دور البرنامج الفضائي الإيراني حيث يتم تطوير صواريخ بعيدة المدى بحجّة أن الهدف استخدامها يتم لنقل أقمار صناعية مدنية. إذ لطالما اعتمدت العديد من الدول على برنامج الفضاء لديها كغطاء لتطوير صواريخ بعيدة المدى، خاصّة أن التكنولوجيا المستعملة في الصواريخ التي من شانها أن تحمل الأقمار الصناعية إلى الفضاء الخارجي لتضعها في مدارها شبيهة إلى حد ما بالتكنولوجيا المستخدمة في الصواريخ البالستية البعيدة المدى القادرة على حمل رؤوس نووية.
3-    على الرغم من أن القمر الصناعي الذي أطلقته إيران يعتبر نموذجا بدائيا مقارنة بأقمار إسرائيل على سبيل المثال، إلا أن ربط طموح إيران الإقليمي، واختراقها جميع الساحات العربية عبر حلفاء عضويين ينتمون إليها مباشرة عقيدة ومذهبا وقيادة، أو عبر حلفاء غير عضويين من اليمن إلى فلسطين مرورا بالبحرين والعراق وسوريا ولبنان وصولا إلى السودان، بالجهود العسكرية التي تجتهد على تطويرها بشكل متسارع استغلالا للأحداث العالمية وانشغال القوى الدولية والإقليمية عنها، لا يلغي أنها تسعى للتجسس على دول الخليج العربي والدول الواقعة في دائرة نفوذها عبر تطوير أقمار صناعية تجسسية، وبالتالي فان الخطر الإيراني في هذه الحال لا يختلف بأي شكل من الأشكال عن الخطر الذي تفرضه إسرائيل على هذه الدول، خاصة أن إيران مازالت تحتل أراضي عربية وتهدد دول عربية أخرى بين الحين والآخر، وتعبث بالأمن الإقليمي بما يخدم مصلحتها.
وإذا ما استمر الوضع الإقليمي على تطوره الحالي، فأن هذا الواقع يهدد بالإطاحة بتوزان القوى الإقليمي القائم، لا بل الصحيح أنه يزيد من تعميق الهوّة الحاصلة به، لأن الإطاحة بالنظام الأفغاني السابق والعراق فتح المجال أمام إيران للصعود الإقليمي، صعود مشروع ومقبول شريطة أن لا يكون على حساب خراب البلدان العربية.
© منبر الحرية، 16 مارس 2009

peshwazarabic21 نوفمبر، 20101

في يوم ما اعتبر الاقدمون أن المرأة هي الأرض  التي تخرج من أحشائها كل شيء، الأرض التي سماها السومريون(إنكي)، والذكر هو السماء التي  تمطر وتعمل على إخصاب الأرض وسماها السومريون(آنو) ولذا عبد البدائيون الأرض كإلهة أم كبرى، ووجدوا في المرأة المعادل الموضوعي لها  وأصبحت الممثلة لإلهة الأم الكبرى الأرض وبنيت لها المعابد وقدمت لها القرابين والهدايا ودخلت البشرية فيما سمي بالعهد الأمومي. فالأقدمون رأوا المرأة كما الأرض ولودة منجبة تخرج من أحشائها مواليد جدداً  تجدد الحياة باستمرار.
واستمر العهد الأمومي هذا حتى الإنقلاب الذكري المثير عليها بقتل الإله الوثني (ميثيرا) الثور السماوي المقدس (هوما) وهو رمز المرأة لدى العديد من الشعوب القديمة، بينما كان آخر تمرد ضد الأنثى في المنطقة العربية تمثل في تمرد السيد المسيح على والدته العذراء في بلدة قانا اللبنانية حينما نهرها بقوله: ( ما لي ولك يا مرأة لم تأت ساعتي بعد). ويمكن اعتبار هذا أول تمرد على سلطة المرأة في بلاد الشام كما يقول فراس السواح، تمرد أنهى عبادة المرأة والمجتمع الأمومي (الماترياركي) وأدخل المنطقة في عبادة إله ذكر ومجتمع ذكوري (بطريركي).
بذلك تهاوى عرش المرأة السماوي وبدأت هكذا تخضع لسلطة الرجل وأصبحت مجرد شرفه وعرضه أو ناموسه رغم أنها نصف المجتمع. ولكن المرأة التي سلبت منها حقها بعد اعتلاء الآلهة الذكور سدة الحكم في الأرض والسماء، وأصبحت مواطنة من الدرجة أكثر من الثانية في بعض البلدان الإسلامية… وبمناولتنا للحقبة الإسلامية يتبادر إلى الذهن السؤال الهام وهو: ماذا أعطى الإسلام للمرأة من حقوق وواجبات؟ فهل أنصفها الإسلام يا ترى وأعطاها كامل حقوقها؟ أم أنها بقيت دون الرجل في محطات هامة من حياتها الاجتماعية؟
في الحقيقة نرى النساء في بعض الممارسات الإسلامية ينقسمن إلى حرات وجواري فزادت الحرة بدرجة على أختها الجارية التي بقيت كما في الجاهلية سلعة تباع وتشرى على قارعات الطرق وفي أسواق النخاسة في المدن الإسلامية الكبرى آنذاك، وبقيت حتى اليوم في بعض البلدان الإسلامية  كائنة تعيش في قيعان مستنقعات مجتمعاتها المتخلفة. حيث لم يكن الإسلام حاسماً في تجاهل عادات الجاهلية وخاصة في موضوع المرأة. ففي الجاهلية كانت المرأة دون الرجل في كل شيء. ورغم أن الإسلام اعترف لها ببعض حقوقها وأنقذها من الدفن وهي حية وهو ما أسميه بالوأد الأكبر، ألا أنها بقيت في حقوقها دون الرجل تماماً.
فبعض الممارسات الإسلامية – كما قلنا- أبقت على شيء ليس بالكثير من العادات الجاهلية وإنما استبدلت الوأد في التراب بالوأد بين أربعة جدران وهو ما أسميه بالوأد الأصغر، فأصبحت المرأة حبيسة الدار لا تخرج إلا بإذن من متولي أمرها.
وعلى العموم يمكن أن نعقد مقارنة موضوعية بين المرأة والرجل من حيث حقوق كل منهما في الإسلام وليحكم القاري بنفسه عليها بعد ذلك:
1-  ففي الميراث نصيبها نصف نصيب أخيها الرجل (للذكر مثل حظ الأنثيين). حتى لو كان الأخ عاطلاً لا يجلب منفعة للبيت في الوقت الذي قد تكون المرأة فيه عاملة أو موظفة وقوة اقتصادية لأسرتها، ومع هذا يصبح نصيبها من إرث والديها نصف نصيب الرجل، والغاية الأساسية من ذلك هو المحافظة على الثروة في خط سلالة الرجل دون المرأة.
2- وفي الشهادة تكون شهادة امرأتين على العقود وفي المواثيق بشهادة رجل واحد، أي يلزم ليشهد على عقد البيع رجل وامرأتان ممن ترضون دينهم والقرآن الكريم يبرر ذلك بآفة النسيان ويقول: (…فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى )- البقرة.
3- والطلاق كذلك بيد الرجل وحده ولا تستطيع المرأة أن تطلق نفسها مهما كانت الأعذار والمبررات، بينما يطلقها الرجل بثلاث كلمات شفهية لا غير، ويرحلها إلى بيت أين وأنى شاء.
4- وفي السفر، لا تستطيع المرأة السفر دون موافقة زوجها أو بحضور محرم معها من أهلها، وبهذا تفرض القيود على حركتها وتصبح غير صالحة للقيام بالأعمال التجارية ولن تستطيع – والحال هذه- الدخول في صفوف  رجال الأعمال إلا ما ندر.
5- وفي الزواج،  يحق للرجل الزواج بأربعة نساء. بالإضافة إلى ما هو ملك اليمين وملك اليمين يقصد به الجواري اللائي يقتنيهن الرجل ويجامعهن سيدهن بدون عقد شرعي. حيث كانت ظاهرتي الجواري والسبي في الحروب من أكثر الظواهر مأساوية في حياة المرأة آنذاك. سنشتشهد بمثال واحد فقط من الأندلس، وذلك حينما أهدى أحد خلفاء الأمويين في الأندلس ست جوار حسان لأحد أصدقائه المقربين منه والذي كان يقطن في بلد آخر بعيد عنه، كتب إليه هذا الصديق يظهر فحولته له ويقول: أنه اقتضهن في ليلة واحدة!
وكلنا يعلم أن تعدد الزوجات كانت ولا تزال وبالاً على المرأة المسلمةً. فالمرأة المتزوجة برجل له امرأة أخرى ولها ضرائر، ستظل تعاني طوال حياتها العنت والاضطهاد من زوجها ومن الخناقات اليومية والخلافات والشجارات، وستظل تعيش في حالة من القلق والإضراب النفسي طوال حياتها، مما يؤثر سلباً على حياتها وصحتها.
ولهذا يمكننا القول بأنه لا يمكن الكلام عن مساواة الجنسين دون أن تنال المرأة حقوقها كاملة لها ما للرجل وعليها ما على الرجل. وهذا لا يتم دون مجتمع حر متطور، وزوال النعرات العشائرية، والقبول بالعولمة القادمة التي تكنس أمامها كل الأفكار والخطابات القديمة التي عفى عليها الزمان وأصبحت من ميراث الماضي و مواداً للمتاحف الوطنية. وأقول إن مجمل هذه الظواهر هي الكفيلة بتحرير المرأة. فحينما يتحرر بلد ما من كل قيود، وحينما تتعلم المرأة وتصبح قوة إنتاجية مثل الرجل.

إدريس لكريني21 نوفمبر، 20100

حظيت مسألة إدماج وتمكين المرأة باهتمام محلي وعالمي واسع، بعدما اقتنع المجتمع الدولي بحجم التمييز والتهميش الذي يطالها؛ ومدى الانعكاس السلبي لذلك على تطور المجتمعات.
وإذا كانت مقتضيات الدساتير المحلية تؤكد على مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، فإن واقع الممارسة الدولية يبرز أن حضور المرأة في مختلف مراكز القرار الحيوية؛ يظل محدودا (حوالي 15 بالمائة) ولا يعكس كفاءتها وإمكانياتها في مختلف المجالات..
وقد جاءت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لتترجم الاهتمام المتزايد بتمكين المرأة؛ من قبيل الاتفاقية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة؛ وبرنامج عمل “بكين” الصادر عن المؤتمر العالمي حول المرأة المنعقد بالصين سنة 1995 والذي صادقت عليه 189 دولة. كما أن تقرير الأمين العام الأممي لسنة 2003 حول تنفيذ إعلان الألفية التابع للأمم المتحدة؛ أكد من جانبه على ضرورة تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. وفي السنوات الأخيرة؛ أضحى تمكين المرأة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. أحد أبرز المؤشرات لتقييم مستوى تقدم وتطور الدول ضمن تقارير التنمية البشرية.
وإذا كان الواقع الاجتماعي بموروثه الثقافي وتراكماته التاريخية.. إضافة إلى ضعف اهتمام المرأة بالعمل السياسي إجمالا؛ لا يسمح للمرأة بتحقيق المساواة الفعلية؛ رغم عطائها في مختلف المجالات العلمية والعملية؛ ورغم الضوابط القانونية التي تؤكد على حقوقها في هذا الشأن؛ فإن عددا من الدول ابتدعت سبلا وشروطا قانونية مرحلية؛ حاولت من خلالها تجاوز هذه الإكراهات والمعيقات للانتقال من المساواة القانونية الشكلية إلى المساواة الواقعية الفعلية؛ ومن تكافؤ الفرص إلى تكافؤ النتائج.
ويندرج نظام الحصص أو “الكوتا” ضمن هذا الإطار؛ وهي تقنية مرحلية تنحو إلى توفير فرص لعدد من الفئات الأقل حظا داخل المجتمعات (النساء والسود والأقليات وذوي الاحتياجات الخاصة..). وفي علاقتها بالنساء تتنوع “الكوتا” بين نظام محدث دستوريا؛ ونظام حصص محدث بمقتضى قانون انتخابي؛ وهما معا يسمحان بتنافس النساء على عدد أو نسبة من المقاعد المخصصة؛ ثم نظام حصص حزبي يقضي بترشيح نسب محددة من النساء في اللوائح الانتخابية المحلية و/أو البرلمانية؛ ويمكن لهذا الأخير أن يكون اختياريا في سياق توافقي؛ أو إجباريا بموجب نص قانوني.
لقد استأثرت هذه التقنية التي تنحو إلى تحسين مشاركة النساء؛ باهتمام ملفت داخل مختلف الأقطار المتقدمة منها والنامية التي ضمنتها في دساتيرها أو قوانينها الانتخابية أو الحزبية؛ وتشير الدراسات والتقارير المرتبطة بهذا الشأن إلى تنامي اللجوء إليها في ظل التطورات التي طالت حقل الديموقراطية وحقوق الإنسان في العقدين الأخيرين؛ على عكس المناصفة الذي يكاد يقتصر تطبيقه على النموذج الفرنسي والقوانين الداخلية لبعض الأحزاب اليسارية في أوربا الغربية، والذي يقضي بالمساواة في التمثيل داخل مختلف المؤسسات ومراكز اتخاذ القرارات بين الجنسين؛ ويعود السبب في ذلك إلى مرونة نظام الحصص(الكوتا) وإلى مراعاته للواقع السوسيو ثقافي للدول التي تعتمده.
وتؤكد الدراسات والأبحاث المرتبطة بهذا الشأن؛ أن أزيد من ثمانين دولة تعتمد هذا النظام على امتداد مناطق مختلفة من العالم؛ في كل من إفريقيا (جنوب إفريقيا؛ إريتيريا؛ غانا؛ السنغال؛ رواندا، بوركينا فاسو..) وأمريكا اللاتينية (الأرجنتين؛ البرازيل؛ المكسيك..) وأوربا(إسبانيا؛ بريطانيا؛ بلجيكا..) وآسيا (بنغلادش، باكستان؛ سريلانكا؛ الفيلبين؛ أندونيسيا..) وبعض الدول العربية (الأردن؛ فلسطين؛ العراق، موريتانيا؛ السودان؛ الإمارات العربية..).
وبحسب بعض الإحصاءات فإن 15 دولة فقط من بين الدول التي اختارت هذا النظام؛ هي التي استطاعت أن تتجاوز النسبة الحرجة المحددة في 30 بالمائة؛ وهنالك 30 دولة فقط تجاوزت نسبة ال20 بالمائة. وتوجد 45 دولة زادت مشاركة النساء فيها علي 15 بالمائة عن طريق قوائم الأحزاب.
وقد تباينت المواقف الفقهية بصدد هذه التقنية (الكوتا)؛ بين متحفظ ومعارض من جهة؛ وبين متحمس ومؤيد لها من جهة ثانية؛ فالاتجاه الأول يرى فيها وسيلة لتجاوز مختلف الحواجز والمعيقات العلني منها والخفي، باتجاه تحسين أوضاع النساء الاقتصادية والاجتماعية..؛ والانتقال من الصيغة النظرية لتكافؤ الفرص إلى واقع ملموس وتجاوز ضعف التمثيلية السياسية للمرأة في البرلمان والمجالس المحلية بشكل خاص؛ ولا يعتبرها رواد هذا الاتجاه تمييزا ضد الرجل بل تعويضا للمرأة عن التمييز السياسي الذي يطالها..
ويركز آخرون على مبدأ العدالة الذي يحتم تمثيل نصف المجتمع في المجالس النيابية على كافة مستوياتها، ومنطق تمثيل المصالح؛ ويعتقد جانب مهم داخل نفس الاتجاه أن المقومات الثقافية والسياسية في عدد من البلدان النامية التي تندرج الدول العربية ضمنها؛ لا تسمح بتكريس مشاركة فعالة للنساء من خلال مدخل الممارسة الديموقراطية المبنية على تكافؤ الفرص والتباري بصفة مباشرة مع الرجل؛ مما تظل معه العديد من الفعاليات النسائية الكفأة في مختلف الميادين والمجالات؛ مبعدة ومقصية من المساهمة في تعزيز المشهد السياسي والتأثير في القرارات الحيوية لبلدانها.
وإذا كانت “الكوتا” تعد إجراء تحفيزيا ودعما قانونيا يسمح بتطوير الثقافة السياسية وتذليل العقبات أمام المرأة لتصحيح ما يعتبره هذا الاتجاه خللا حاصلا في تمثيليتها في أفق توفير الأجواء النفسية والسياسية التي تسمح بانخراطها في تنافس ندي مبني على الكفاءة إلى جانب الرجل مستقبلا، فإن الاتجاه الثاني يرفض هذا الخيار؛ معتبرا إياه يتنافى مع مبدأ المساواة بين المواطنين ويتناقض مع مبدأ تكافؤ الفرص؛ فهو بموجب هذا الرأي تدبير غير ديموقراطي يمنح النساء حقوقا اعتمادا على اعتبار النوع لا الكفاءة؛ بل إن هناك من يعتبره حيفا في حقها؛ ويعبر عن تخوفه من أن يؤثر اعتماد هذه التقنية سلبا على نضال المرأة باتجاه التحسين الجذري لأحوالها وتعزيز مشاركتها السياسية في المستقبل.
وقد اعتبره البعض تشويشا على الممارسة الديموقراطية؛ من حيث أنه يفرض على الناخبين مسبقا الاختيار بين مرشحات فقط؛ كما يرى رواد هذا الاتجاه بأن منطق العدالة والديموقراطية؛ يفرضان ولوج المرأة إلى البرلمان ومختلف المجالس المحلية؛ من خلال الخضوع للضوابط المعمول بها بالنسبة للرجل أيضا؛ وإقناع الناخبين؛ بعيدا عن أي إجراءات تجانب مبدأ تكافؤ الفرص.
وبغض النظر عن هذه المواقف؛ فإن المشاركة السياسية للمرأة تظل مطلبا ملحا؛ ذلك أن تعزيز الخيار الديموقراطي والتنمية الحقيقية التي تركز على الإنسان باعتباره وسيلة وهدفا؛ لا يمكن أن تتحقق دون الالتفات لنصف المجتمع الذي تشكله المرأة.
وإذا كانت المرأة تتحمل قسطا من المسؤولية في ضعف مشاركتها في هذا الصدد؛ نتيجة عدم مبالاتها بالشأن السياسي.. فإن هنالك أسبابا أخرى تتحملها الدولة والمجتمع وتسهم في تفشي هذه الظاهرة؛ من قبيل تعرضها للعنف بجميع مظاهره والفقر والأمية.. كما أن الأحزاب لا تتيح فرصا كافية لتعزيز مكانتها في الحقل السياسي بشكل عام وفي التمثيل البرلماني على وجه الخصوص..
إن تحقيق مبادئ الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان وشروط التنمية الحقيقية لا يتم دون فتح المجال لمشاركة المرأة وإدماجها داخل المجتمع؛ وهي مهمة لا تقتصر على فتح باب المشاركة السياسية وولوج البرلمانات والمجالس المحلية.. أمامها فقط؛ بقدر ما ترتبط بتمكينها من المساهمة الفعالة في اتخاذ القرارات الحيوية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية..
© منبر الحرية، 10 مارس 2009

peshwazarabic21 نوفمبر، 20103

يدعي المتطرفون كونية الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان ويعتبره قسم واسع من الحقوقيين مناهضا للقيم الحقوقية المتعارف عليها كونيا. حجة المتطرفين اعتبارهم الإسلام “شرع الله” الوحيد الصالح لكل البشرية مهما اختلفت الثقافات. أما رد المناهضين فينطلق من أن الحق في الاختلاف ومناهضة التمييز والكراهية والعدل والمساواة شرائع، لا يمكن أن نجد لها في الإسلام نظيرا صالحا للتطبيق الكوني، بل هناك من يعتبر أن “شرع الله” مناهض لأهم ميزة في حقوق الإنسان، أي حق الاختلاف..
يشكل الاختلاف والاعتراف بالآخر قيمة سامية في المنظومة الحقوقية العالمية، فيما يشكل التطرف والكراهية ميزتان لا تنسجمان مع الحق الإنساني كما ناضلت من أجله الإنسانية. في العالم الإسلامي لا يكف المتطرفون عن ترديد شعار عدالة الإسلام. وبالمقابل يقوم ملايين الخطباء ورجال الدين من على منبر خطبة يوم الجمعة، بالتحريض على الكراهية والعنف ضد غير المسلمين.
ومابين المفارقتين سلوكيات متجذرة لدى بعض المسلمين من قبيل الموقف المتطرف اتجاه غير المسلم و”الكافر”. أما الكراهية التي تتضمنها العديد من أدبيات مختلف المذاهب الإسلامية، فنموذج آخر لتطاحن داخلي يخفي  سؤالا عميقا مفاده: ماهو نموذج الدين الصالح لكل زمان ومكان، إذا كان المسلمون أنفسهم غير متفقين على فهم واحد لهذا النموذج؟
بعيدا عن هذا السؤال الذي يحتاج وقفة مستقلة، وقريبا من واقع بلدان من قبيل المغرب ومصر وسوريا ولبنان حيث “يتعايش” مواطنون من مختلف الأديان. يستمع غير المسلمين(يهود ومسيحيون) كل يوم جمعة بالتحديد إلى الكثير من الأوصاف المشينة لهم والتي تدعو عليهم وتحرض على “الجهاد” ضدهم وعدم الثقة بهم…ولا يقتصر الأمر عند معاداة المختلف دينيا والدعاء عليه، بل يتجاوزه إلى عداء مستحكم بين المسلمين أنفسهم بفعل اختلافات مذهبية تذهب حد تكفير بعضهم البعض.
تقوم حقوق الإنسانية في المقام الأول على الديمقراطية بما هي قبول للاختلاف، وهي قيمة ذات مضمون إنساني قابل للتعديل والتطوير بما يخدم الإنسانية، لكن آيات الله الخميني، مؤسس إيران ولاية الفقيه، الجمهورية الإسلامية الأكثر نفوذا في العالم الإسلامي في الوقت الراهن، لا يرى في حقوق الإنسان سوى مجرد قوانين وضعها الصهاينة لهدم الديانات. وهكذا يدعو منشئ “الصحوة الشيعية المتطرفة” إلى ضرورة الرجوع إلى القرآن لتمييز الخطأ من الصواب.
تصبح حقوق الإنسان بهذا المنظور مؤامرة غربية، وتصير حقوق الإنسان مؤامرة ضد الدين، أما المرجع الوحيد لفهم العالم فهو القرآن. وهنا تصبح المتاهة أكبر، خصوصا و أن القرآن نفسه حمال أوجه… إنه مادة لغوية خامة قابلة لقراءات لا حد لها. بل إن تاريخ المسلمين والنزاعات الدموية التي خاضوها بين بعضهم البعض، لم تكن سوى محاولات يائسة لاحتكار شرعية قراءة النص الديني.
انطبع تاريخ المسلمين بالعنف والحروب التي خاضوها لاحتكار شرعية “قراءة وفهم القرآن”. لقد وجد في كل مرة من يعتبر هاته الحروب “جهادا” ولو في المسلم الذي يحرم القرآن نفسه “قتله بغير حق”. وبالمقابل طورت الإنسانية قوانين بشرية صنعتها المجتمعات أثناء تفاعلاتها المختلفة. قوانين وضعية قابلة للتعديل والتغيير، ولا يمكن أن نضفي عليها طابع القداسة المطلقة.
إن الحق الوحيد الذي يجب أن يظل مقدسا هو حق الإنسان في الوجود الحر والكريم، كحق كوني غير قابل للمساس. لكن لا شئ بالنسبة للمتطرفين يمكن أن يكون كونيا ما لم يكن مصدره “شرع الله”. وفرض هذا الشرع كما يفهمه المتطرفون على جميع المواطنين و بدون رضاهم مخالف للشرائع الحقوقية، بل مساس خطير بحرية الاعتقاد و بالحق في الاختلاف.
يستند المتطرفون للتستر على معاداة الفكر الحقوقي على: “خصوصية المجتمعات الإسلامية “و” اختلاف الثقافات” و”استحالة الحديث عن كونية حقوق الإنسان” وعلى “نسبية الأفكار”.غير أن هاته الأفكار ذاتها تلزمهم باحترام خصوصيات المختلفين معهم و عدم تطبيق “شرع الله” عنوة على غير المقتنعين به.
إن الهدف الرئيسي من دفوعات المتطرفين هو تبرير الخرق السافر لحقوق الإنسان الذي يروجون له. إن الإصرار على اعتبار شرع الله المصدر الوحيد للتشريع بعيدا عن كل اجتهاد يجعل الرجم و الجلد حتى الموت و قطع يد السارق أحكاما جائزة، رغم أن سياقات فرضها في الشريعة، خضعت للظروف الزمانية والمكانية لشبه الجزيرة العربية، الموطن الأول للإسلام، ولم تكن أبدا شرائع مطلقة.
تتوافق هاته النظرة المتزمتة للمتطرفين مع تصورات العديد من الأنظمة العربية الإسلامية الاستبدادية. إذ يشترك الطرفان في الوقوف في وجه إقرار حق الإنسان في الحرية والعيش الكريم والمساواة، فيحرم زواج المسلمة من غير المسلم وترتبط طهارة المرأة بالحجاب، ويتم إقرار التفاوت في الإرث بين الذكر والأنثى ويتم تحريم الاختلاط.
إن استغلال الأنظمة الاستبدادية والأصولية لأطروحات المتطرفين يجد نموذجه الواضح في رفض العديد منها المصادقة على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، فيما اضطرت أخرى للتوقيع عليها وبتحفظ شديد، خوفا من تحرر مجتمعاتها، ومطالبتهم بالمساواة والحرية والديمقراطية والعيش الكريم.
إن الغاية القصوى لكل الشرائع أرضية كانت أم سماوية هي تحقيق العدل على الأرض، والعدل في معناه السامي يتجه نحو حرية الإنسان وسعادته باعتباره قيمة كونية، لا يمكن لأي شريعة أن تناهضها. كثير من المفكرين المسلمين وعوا هاته الحقيقة وحاولوا جاهدين إعادة تأويل الدين الإسلامي ونصوصه، بحثا عن نقط مضيئة فيه تلائم مقتضيات العصر. نذكر هنا طارق رمضان، فاطمة المرنيسي،  أمينة ودود،  ورفعت حسن وغيرهم…اختلفت طبعا منطلقاتهم وتوجهاتهم غير أن محاولاتهم تصطدم بتعنت لا يزداد مع الزمن إلا تشددا لتبقى نجاحاتهم ضئيلة في انتظار الذي قد يأتي، لفتح كوة أمل في أفق مظلم. أما الأمل الحقيقي، ففي تنوير إسلامي أشد تطورا وأكثر نضجا.
© منبر الحرية، 26 فبراير 2009

نبيل علي صالح21 نوفمبر، 20100

لا أدري إن كان طرح السؤال الوارد أعلاه كعنوان لهذا المقال صحيحاً من الناحية
المعرفية بالصورة التي صيغ بها.. إذ هل من الممكن والصحيح (أو حتى المعقول) –بالمعنى الموضوعي- أن تمتلك جملة من الطروحات المفاهيمية والاعتقادات الروحية الغيبية (أو ما اصطلح على تسميتها بالثقافة الإسلامية) القدرة على التأثير والفعل المباشر في عالم كبير متحول ومتغير؟ عالم لم يعد يقيم وزناً للروحانيات والأديان ومختلف الافتراضات الوهمية اللامنظورة بقطع النظر عن أمكنة إنتاجها وانتشارها وتواجدها في الماضي أو في الحاضر أو حتى في المستقبل؟!!.
وإذا كان طرحنا وتساؤلنا السابق صحيحاً –إذ من حق المثقف النقدي طرح الإشكالية ومحاولة الإجابة عليها- نعود لنسأل مجدداً عن ماهية تلك القدرات والمعايير والأسس التي يختزنها الإسلام –كدين حاكم على القلوب ومهيمن على الأفئدة في عالمنا العربي والإسلامي- في داخل منظومته الفكرية الاعتقادية لكي يتمكن من خلالها من الانسجام مع العصر الراهن، والتكيف مع عمعايير ومقتضيات الحداثة، وضرورة الانخراط الجدي العملي في عملية الإصلاح الديني والثقافي والسياسي في عالمنا العربي والإسلامي؟!…
في الواقع نحن –بمعنى من المعاني- لسنا خارج العصر، ولا يمكننا الانغلاق على ذاتنا، كما أنه لا يمكن إلا أن نتواجد في صلب حركية الحياة الهادرة، بصورة وبأخرى، مهما رفضنا وكابرنا ثقافياً وحضارياً، فنحن نعيش حالياً في مجتمعاتنا حياة حديثة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى من حيث التعامل الشكلي والمظهري مع مقتضيات (ونتاجات) الحداثة والثقافة الغربية التي ينبغي على العرب والمسلمين –بادئ ذي البدء- الاعتراف بعلو كعبها، وبقدرتها وفاعليتها، وأخيراً الإقرار الكامل غير الناقص بانتصارها (ثقافةً وحضارةً وأدوات) على كل الحضارات والثقافات الأخرى.. فنحن نتعامل بالانترنت، ونسافر بالطائرات، ونعمل وفقاً للكثير من المعايير والقوانين الإدارية والاقتصادية الحديثة التي أبدعتها الثقافة الغربية، ونتواصل تفاعلياً وتبادلياً مع مختلف بقاع الأرض، وتخضع كثير من حكوماتنا ونظمنا السياسية لمؤسسات وهيئات ومنظمات دولية اقتصادية وسياسية وثقافية متعددة نشأت وصيغت في الغرب الذي نكرهه ونذمه ونشتمه على منابرنا الدينية والسياسية ليلاً ونهاراً.. الخ.. إذاً نحن لسنا متخلفين في أساليب الحداثة ووسائلها وطرقها.. ومجتمعاتنا العربية لا تعيش حياة القرون الوسطى بل هي مجتمعات خاضعة بشكل أو بآخر لقوانين ونظم الحداثة العالمية ذاتها.. ولكن الخطر والخطأ في الموضوع هو أننا فهمنا الحداثة مجرد نقل لمنجزات الآخر وتقنياته واختراعاته الكبيرة، لا صنعاً واستنباتاً لها في تربتنا المحلية، وإنما استهلاكاً وشراءً.. وهذا لاشك أمر مهم وعظيم، ولكنه غير كاف لاستنبات وخلق وصنع الحضارة والحداثة العلمية.. وهذا ما ندعوه بالحداثة القشرية أو الحداثة الكسيحة التي تقوم على استهلاك متزايد لمنتجات وثمار الحداثة الناشئة والمتطورة والمزدهرة خارجها دائرتنا الحضارية العربية على الرغم من أننا ساهمنا في الماضي في التأسيس لها بصورة وبأخرى كما يزهو ويتباكى على أطلالها كثير من عتاة الأصوليين (من المتدينين وغير المتدينين). كما أننا عجزنا حتى الآن عن زرع شجرة الحداثة عندنا وبما يناسب “مجالنا وسياقنا الحضاري الإسلامي” على حد تعبير بعض الإسلاميين المعتدلين. فلم نفتح ورشات لها خاصة بنا وبشروط وجودنا، لا ورشات المعرفة الزمنية، المدنية، الإنسانية، ولا مواقع البحث العلمي والتطور الفكري الحر. ولا ورشة الدولة الحديثة (دولة الحق والقانون) التي وعدنا الناس بتحقيقها فكانت النتيجة أن أنشأنا –عوضاً عنها- دولة التعسف والإكراه والغلبة.
إذاً نحن لا زلنا مجتمعات حديثة (بالمعنى الظاهري إلى حد ما)، تخضع لسلطة الأعيان والأتباع وكل مظاهر العشائرية والقبلية البغيضة. ولم نطور أيضاً بما فيه الكفاية ربما مسألة الفرد كذات، أو الفردية الحرة والمسؤولة.. وهنا قد يسأل أحدهم عن تحديد مسؤولية ذلك التأخر والتقهقر؟!.
في الحقيقة وعلى الرغم من التسليم بدور ومسؤولية العامل الخارجي في ما وصل إليه حال العالم العربي من تخلف وانحطاط سياسي واجتماعي واقتصادي (بالرغم من وجود بعض المواقع والنقاط الإيجابية المضيئة هنا وهناك)، إلا أن هناك وعياً متزايداً بأن الكوارث التي يعيشها ليست كلها ناجمة عن المخططات والمؤامرات والأطماع والتدخلات الأجنبية وحدها (مع العلم أن لغة المصالح وسياسة المناورات وحبك المؤامرات هي القانون الحاكم في العلاقات بين الدول والسياسات الدولية في كل زمان ومكان)، وأن الكثير منها يعود إلى عجز النخب السياسية الحاكمة عن إيجاد الحلول الملائمة لتناقضات مزمنة كامنة في بنية وثقافة المجتمعات ونظم الحكم العربية.. وترتب على إهمالها وتراكمها نجاح القوى الخارجية في تعميقها واستغلالها إلى أن وصلت الأمور إلى نقطة الانفجار أو أنها انفجرت بالفعل كما هو الحال في دول عربية كثيرة.. فالبطالة (والعطالة العقلية) وتعثر الإصلاح السياسي والخلل الرهيب في توزيع الثروة والمداخيل تحولت إلى أمراض مستوطنة في جسدنا، وراحت تنخر في عظام معظم دولنا العربية لتشكل قنابل موقوتة قابلة للانفجار في جسدها في أية لحظة.
من هنا وبالنظر إلى ما تقدم من تحليل، نؤكد على مجموعة الملاحظات الفكرية التالية في سياق ضرورة قبولنا وتبنينا لأفكار الحداثة التي نعتقد أن الإسلاميين –على وجه الخصوص- لن يقبلوها بسهولة ويسر وهدوء قد توفرها الدعوة المستمرة لاعتماد الحوار العقلاني في قبول الآخر والوصول معه إلى القناعات الوطنية السلمية المشتركة التي نتمنى أن تسود بين كل فئات وتيارات المجتمع العربي:
1- إن المؤسسة الدينية الرسمية وغير الرسمية المسيطرة –ظاهراً أم باطناً- على كثير من مناخات العمل الاجتماعي والثقافي والسياسي في العالمين العربي والإسلامي هي أصل الداء وجذر العطالة، باعتبارها توفر القاعدة الفكرية والحاضنة الدعوتية ومن ثم الملاذات الآمنة لكل قوى الموت في كل دعاويها وأفكارها التي تهدف من خلالها إلى سحق الآخر، والانقضاض على مجمل الأفكار الحداثوية النيرة التي تطالب باعتمادها وتطبيقها مختلف الحركات والنخب العقلانية المنتشرة بكثرة في عالمنا العربي والإسلامي أو في خارجهما.. ولذلك فإن تلك المؤسسات الرثة والبالية مطالبة قبل غيرها -أكثر من أي وقت مضى- بأن تنفض عنها غبار التخلف (أو تسمح لغيرها بنفض الغبار عنها، وعدم ادعاء امتلاك الحقيقة المقدسة المتعالية والمفارقة للزمان والمكان) وادعاء التمسكن والعفة الفكرية والعملية من فورها، وأن تبادر مباشرةً للخروج من كهوف الماضي ومغاور التاريخ القديم الذي تعشش فيه خفافيش الفكر، وتنفتح على الحياة والعصر بأن تخرج إلى ضوء الشمس وتتنفس الهواء الطلق والنقي في ساحة الحياة الرحبة والواسعة من دون حواجز ومغاليق فكرية وفتاوى دينية من هنا وهناك، وأن تعترف بحاكمية العقل (لا حاكمية الفتوى والنص) والحوار والانفتاح على الآخر، وإطلاق خطاب ديني عصري واضح يعتمد على عنصر النقد الفاعل البناء وليس التلقي والقبول والتسليم والإذعان الكامل لترهات وأباطيل أتباع الوعظ المسجدي والكنسي العتيق.
2- إن الإصلاح المطلوب تطبيقه والسير به داخلياً القائم على رؤى حداثية مستنيرة، والمنطلق من ترتيب أوضاع بيوتنا الداخلية أفضل وأقوى وأمتن من أي إصلاح خارجي مفروض لن يأتي إلينا إلا نتيجة الغياب المتعمد لانطلاقة مناخ الإصلاح الطبيعي في المجتمعات والشعوب بما ينبع منها ويتفق مع تقاليدها ويرتبط بهويتها التاريخية التي نعتقد باستحالة انسجامها مع العصر، ما لم تبنى –من جديد- على رؤية متحركة وفاعلة غير جامدة ومعبرة عن نبض العصر وتسارع الحياة.
3- الإصلاح الحقيقي المطلوب الذي يستمر ويبقى هو فقط الإصلاح الذي يتم بالطرق السلمية الديمقراطية مع رفض كامل لمنطق الثورة في العملية السياسية الإصلاحية، لأن مفاجآتها كثيرة وردود فعلها معقدة ونتائجها غير مضمونة.. بينما الإصلاح التدريجي الثقافي والتربوي الفردي والاجتماعي المدروس وفقاً لخطة زمنية معلنة هو السبيل الأفضل للانتقال نحو الغايات والتطلعات الكبرى للأمم والشعوب. وتستطيع نظم عربية كثيرة أن تتواءم مع التطورات المقبلة بشرط أن تستوعب حقائق العصر وأن تمضي نحو المستقبل بخطى ثابتة، بدلاً من اجترار وترديد شعارات خادعة مزيفة صالحة فقط –إلى حد ما- للاستهلاك المحلي بهدف المماطلة والتسويف ومحاولة إلغاء التغيير وإجهاض الإصلاح بالرغم من كونهما سنة وقانون وناموس كوني (التغيير أو الحركة هو الثابت الوحيد في الحياة).
4- نحن عندما نؤكد على ضرورة سلوك طريق الحداثة واعتماد قيم التنوير العقلي للخروج من الأزمات الراهنة، فإننا لا نعفي الحداثة نفسها –كما تبنتها ونقلتها نخبنا السياسية والفكرية السلطوية إلى بلداننا العربية، وفرضتها بالقسر والإكراه على مجتمعاتنا القديمة- من مسؤولية الأزمة التي تعيشها المجتمعات العربية. مما يستدعي –بعد وصول مشروع الحداثة العربية ذاتها إلى طريق مسدود- إعادة دراسة ونقد هذه الحداثة بذاتها، وتقييم مفهومها (وما آلت إليه نتائجها وتطبيقاتها) حتى يمكن إعادة إطلاق مسارها من جديد بشكل أكثر قوة وديناميكية وتأثيراً.. لأن عملية النقد هذه ستؤدي بالضرورة لفهم حقيقة انتشار المد الديني الأصولي من حيث هو نتيجة طبيعية لفشل مشروع الحداثة العربية ذاتها قبل غيرها (فشل التحديث العربي).
5- إذا وصلنا –في سياق نقد الحداثة والتحديث العربي- إلى مرحلة نقد التراث بمختلف عناوينه وتراكماته الفكرية التاريخية، نتساءل: كيف يمكن الاتفاق في هذه الحال على مسألة نقد هذا الكم الهائل من مختلف إشكاليات النصوص والتأويلات الدينية الخاصة بها والهادفة إلى تجديد الفكر والهوية لتصبح منفتحة مستوعبة تواصلية مع الذات ومع الآخر، من دون الاتفاق حول الغايات والقيم الأساسية التي سوف تحكم إعادة بناء المجتمعات العربية المفككة أو اجتماعاتها السياسية؟!.
لقد انطلقت الثورة التقنية والصناعية (وما رافقها من إنجازات علمية هائلة) نتيجة انبثاق وتفجر بركان معرفي وثقافي تنويري كبير –كما ذكرنا– قادته مجموعة كبيرة من النخب والمفكرين والفلاسفة والمجددين الكبار، ولئن حدث هذا التحول الذي عرفته مجتمعات الغرب الأوروبي بفضل ذلك المناخ الثقافي التنويري فإننا نسأل: هل يمكن لثقافتنا العربية الدينية أن تتمثل (وتستفيد وتستثمر) بما أنجزته الثقافة الأوروبية الحديثة حتى تتمكن من إحداث النقلة النوعية المتوخاة داخل المجتمعات العربية والإسلامية؟!! وإذا كان لكل أمة ثقافتها الخاصة فلا يعني هذا أن مستوى الثقافة واحد لكل الشعوب، لكن هذا المستوى يختلف من شعب إلى آخر بسبب تنوع وتعدد درجات الثقافة ومستويات الوعي في مراتب الرقي والتكامل.
ومن المعروف سابقاً أنه قد شاع على صعيدنا العربي –في بعض المفاصل الزمنية القليلة– تأويل منفتح ومتسامح (عقلاني) للدين، منسجم مع ذاته، ومتفاعل مع الحضارات الكونية الأخرى، انطلق أساساً من خلال بعض اللمحات واللفتات والرؤى العقلانية القليلة والبسيطة غير المتجذرة، ولكن المهمة والمؤثرة التي أبدعها بعض حكمائنا وفلاسفتنا القدامى نتيجة انفتاحهم وتفاعلهم الخلاق مع بعض الثقافات الأخرى التي كانت سائدة آنذاك.. ولكن بدءاً من عصر الانحطاط أخذ يسود التأويل الظلامي الجامد والمنغلق والمتعصب للدين والتأويل الديني، فأنتج هذا الفهم التأويلي كماً كبيراً من الأفكار والكتب والمراجعات الفكرية لا تزال تأثيراتها واضحة وجلية حتى الآن. وغني عن القول هنا أن الثقافة العربية هي بطبيعتها ثقافة تأصيلية، فيها إمكانات هائلة للنظر والوعي والنقد والبناء المعرفي الحضاري، إلا أن حاجتها للتجدد في عالم التحول والتغير والتنوّر يفرض عليها مزيداً من المساهمة الفاعلة لتتمكن من أداء دور صحيح وسليم ومعافى بما يكفل لها الارتقاء في سلم الرقي والتقدم كباقي حضارات وثقافات الشعوب والأمم.. طبعاً نحن ومن باب الرجاء والأمل نحاول البناء والتأسيس، ولكن الواقع القائم صعب ومعقد، ولذلك لا يكفي أن نأمل ونرجو بأن تمتلك ثقافتنا نظرياً القدرة على البناء والنمو والتصاعد بل لا بد من الاعتقاد أن شرط النمو هنا هو في مدى قدرة ثقافتنا على الدخول في حوار ونقد مع مسببات أزمة وجودنا الراهنة مع أنفسنا أولاً قبل الآخر.
إذ لم يعد مقبولاً أبداً اليوم أن تراوح هذه الثقافة العربية الإسلامية في مكانها ليجتر أصحابها مقولات ومفاهيم خارج نطاق الحياة والعصر.. أو أن تكتفي بترداد أغاني الماضي التليد وانجازات العصور القديمة، بل عليها أن تواكب حركات التقدم الذي وصلت إليه الثقافات الأخرى وأن تتفاعل بشكل خلاق ومبدع مع كل الانجازات العلمية والفكرية التي ساهم بها مثقفو الأمم الأخرى.
وهنا نؤكد دائماً على أن تجاوز هذه الإشكالية قائم على مسألة نظرية بسيطة لكن معقدة وهي: أن نعمل على الاستفادة من ثقافتنا وحضارتنا العربية بما يتلاءم ويتناسب مع حاجات مجتمعاتنا الراهنة المتغيرة ومن دون أن نكون أسرى لقيم الماضي، ومستغرقين في مناخاته القديمة، وأن نأخذ بمعطيات الحاضر ونساهم في تطويره بما يمكننا من استشراف المستقبل.
ويبدو لي أن أهم ما نحتاج إليه في هذا الطريق الطويل هو الثقافة التنويرية، ثقافة العقل والعلم والوعي الحضاري.. حيث لم يعد مقبولاً الاكتفاء بالنشاطات الثقافية الشكلية التي لا تمت إلى الجوهر بل علينا أن نساهم في عملية البناء الفكري الصحيح والمتين الذي يصوب سهامه إلى مكامن الجهل في زوايا مجتمعاتنا المتعطشة إلى نور العلم والمعرفة وهذا ما يتطلب توفير كل المقومات والإمكانات عن طريق إيجاد مناخ يكفل حرية البحث العلمي والإنتاج الأدبي والنقد السياسي، بما يؤهل مجتمعاتنا لأن تكون رائدة في ثقافتها منسجمة مع ماضيها مترقبة لمستقبلها الواعد..
وتلك هي مسيرة الثقافات عبر التاريخ وخلال العصور فالتواصل الثقافي بين الأمم أشبه بسلسلة ذات قنوات متداخلة كل قناة تأخذ مما قبلها وتعطي ما بعدها، هكذا كان حال ثقافات الأمم الغابرة من مصرية ورومانية وفارسية ويونانية وعربية إسلامية مروراً بثقافة أوروبا في عصر النهضة والتنوير وانتهاء بالثقافة المعاصرة التي نعيش في رحاب نتاجها الذي يرفد الإنسانية بعوامل الرقي والإبداع لما فيه خير البشرية جمعاء.
إننا نعتقد ونؤكد –في اعتقادنا- على أن لا بديل لنا كعرب عن الانخراط في الواقع المعاصر، والاهتمام بكل أحداثه ووقائعه وشؤونه المختلفة.. وهذا يتطلب البحث الجدي منا عن مضامين معرفية جديدة، بما يؤهلنا للانخراط الجدي والحقيقي في مقتضيات عصرنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، بما يقلل من الخسائر التي علينا دفع أثمنتها نتيجة فواتنا التاريخي، ريثما تتوفر شروط عامة للتحرر والانعتاق في المستقبل.
فنحن لسنا وحدنا في هذا العالم، كما أننا لسنا مركزه، أو غايته، أو منتهاه.. بل نحن أمة مثل باقي الأمم والحضارات.. لها ما لها وعليها ما عليها.. إننا أمة من جملة أمم وثقافات، لا يمكن أن نتكور على أنفسنا ونتقوقع ونعيش من دون جيران وأصدقاء ومصالح وتوترات ومناخات باردة أو ساخنة وغيره كما ذكرنا آنفاً.. ولا نستطيع أن ننعزل عن أية تأثيرات وتطورات قد تحدث في العالم الذي نعيش فيه.
ومن أجل ذلك، تظهر أهمية الإصلاح والتجديد الديني والثقافي، وتهيئة الأرضية المناسبة لنمو بذرة الديمقراطية السياسية والاجتماعية والفكرية –إذا صح التعبير- كمهمة عاجلة وفورية تأتي في رأس أولويات التجديد الحضاري السليم.. فمسألة التقدم تستدعي مقولات جديدة: المجتمع المدني، الديمقراطية، الدولة الحديثة، المواطنة، وهذا كله يمكن اختصاره بمقولة واحدة هي: الحكم الصالح. وتبدو أهمية ذلك إذا أدركنا أننا، بشكل عام، لا نملك لغة سياسية حديثة، منظمة ومؤسسة، في بنانا السياسية والثقافية، إذا بقينا خارج تسلسل وتاريخ الأحداث والتغيرات التي تعصف بالعالم المعاصر.
إننا نعتقد أن الدور الأساسي منوط بالفاعل الفردي في كل تلك الأحداث والتطورات المفروضة أو المرغوبة مستقبلاً، وهو دور يقتضي الارتقاء بشروط حياة الإنسان وثقافته وفكره وشعوره الأخلاقي القيمي، باعتبار أن ذلك هو القضية الرئيسية التي تستحق بذل العرق والجهد، في ما وراء الانتماءات القومية والاعتقادات المذهبية والولاءات الجماعية والمناطقية والجهوية. والمدخل الرئيسي لتجديد الفلسفة الإنسانية، هو باب الحرية، والحرية فقط، بالمعنى الفردي والاجتماعي والسياسي.
© منبر الحرية، 12 فبراير 2009

عزيز مشواط21 نوفمبر، 20100

تشكل شعوب العالم العربي الاسلامي في الوقت الراهن احدى الشعوب الاكثر التصاقا بماضيها، في نفس الوقت الذي تواجه فيه تحدي التحديث والتقدم والذي يمثل الغرب نموذجهما. يقول عبد الله العروي في كتابه (الإيديولوجيا العربية المعاصرة): “منذ 75 سنة والعرب يطرحون نفس السؤال: من هو الآخر؟ ومن هو الأنا؟” وإذا كان صاحب مفهوم العقل قد طرح السؤال أواخر الستينيات، فإن الملاحِظ لحركية المشهد العربي الفكري والثقافي لا بد أن يكتشف استمرار حضور نفس الهواجس وإن اختلفت صيغها، ما بين حافر في العقل العربي وناقد له.

يقدم العالم العربي للملاحِظ الأجنبي صورة حية لمجموعة من التناقضات أمام عنف التغيير المفروض بقوة تكنولوجية وحضارية واقتصادية تروج لنموذج النجاح الغربي المدعوم بايمان عميق بالتفوق. ولعل مأثورة عصام العطار التالية خير معبر عن هواجس جيل بأكمله. يقول “كيف نقبل الجمود، بل كيف يمكن الجمود في عالم تتجدد معلوماته ومعطياته ومطالبه ووسائله… باستمرار لا بد لنا من التجدد الدائم والإبداع المتواصل والجهاد المضني في كل مجال… وإلا فقدنا حياتنا ووجودنا الفاعل المؤثر وأزاحنا الركب البشري عن طريقه وقذف بنا إلى هامش الهامش أو هوة التاريخ. فذهبنا جفاء كما يذهب الزبد وغثاء السيل ومحينا من لوحة الحاضر والمستقبل وتحولنا إلى ذكرى من ذكريات الماضي البعيد”. فما بين انجذاب كلي الى ماض مجيد ورهانات التحديث تختلط الدعوات بالصراخ، بالعواطف اللاعقلانية وغليان اجتماعي وسياسي. إنها ملامح أزمة هوية عميقة.

لا بد من العودة إلى الانفجار الحداثي الذي رافق الاستعمار ابتداء من القرن التاسع عشر حيث واجه المسلمون أسئلة هوياتية عميقة. فأصبح  مفهوم الخصوصية المؤسس على قدسية اللغة والتاريخ والدين المشتركين موضع نقاش منذ النصف الثاني من القرن وتعمم بعد ذلك على امتداد العالم العربي الاسلامي. وقد أفرز هذا الاختلال مجموعة من الاستتباعات أهمها على الاطلاق العداء الذي انتصب بين الوطنيين والاسلاميين عند بداية القرن العشرين حيث اعتبرت النزعة الوطنية نقيضا لروح الدين، ولم تتردد في وصفها بالمؤامرة الغربية التي تمس وحدة الأمة. غير أن المسافة الموضوعية بين المثالي والواقعي افرزت فكرة الاصلاح. ومن ثم دعا مفكرو الاصلاح الى العودة الى السلف الصالح والى التقاليد الصافية للدين.

كما لم يحدث قط على امتداد تاريخ الدولة الاسلامية، تطبيق الليبرالية السياسية حيث ظلت السلطة تقريبا في يد حاكم مطلق وهو ما يناقض جذريا الصورة المثالية لأسطورة دين يدعو إلى العدالة والمساواة. وحيث ما وجدت مصلحة الجماعة فثمة شرع الله. والمسلمون باجمعهم لم يستطيعوا التخلص من ذلك.

أما الملاحظة الثالثة فهي غرابة مدى الحيوية الحاسمة للانتماء الى الأمة الاسلامية المتصورة كوحدة في حين أن الحقيقة التاريخية تكذب هذه الاطروحة بشكل سافر. مبدئيا كل المسلمين اخوة في الدين، مهما كان انتماؤهم الاثني، لان منهج الاسلام العالمي يتجاهل الحدود الوطنية.

ولحماية الذات من كل تشرذم وانقسامات طالما لجأت الادبيات الإسلامية إلى اتهام الغير للرد على الواقع المتشرذم للامة الاسلامية، فتعزى الانقسامات الى عدو محتمل يكون سبب المؤامرة المحبوكة (الأعداء-الكفار) الذين يرمون إلى تقزيم الدين من الداخل، وهذا ما يمكن أن يفسر الحذر الذي تقابل به أية محاولة تجديدية، لأن “الاسلام فقد ثقافته الأصلية الى حد بعيد بفعل الافتراءات الكاذبة ذات الأصول الخارجية”.

ومن أجل الهدف نفسه، أي حماية الذات، يعتبر وضع وحدة الأمة في خطر خطيئة كبرى لا يمكن التساهل فيها، ويرمى هذا بالضرورة الى الحفاظ على الانسجام الاجتماعي، حيث يحتل العنصر العربي في الايديولوجية الاسلامية وضعية خاصة في العالم الاسلامي، فالخليفة يجب أن يكون عربيا، واللغة العربية تبقى مقدسة، لأنها لغة الوحي الذي لا يمكن قراءته في غير لغته الأصلية؛ إنها اللغة التي اختارها الله لمخاطبة الجنس البشري.

صحيح ان الساسة الليبراليين حاولوا أمام عجز الاصلاح الذي قاده رواد التقليدية ملئ الفراغ، حيث شكلوا المؤسسين الفعليين لاستقلال الدول العربية، فمزجوا بين ثنائية العروبة والاسلام مستعيرين جهازا مفاهيميا مستمدا من التراث، غير أن نموذجهم السياسي والاجتماعي ظل مستمدا من  النزعة اللائكية والعقلانية الاوروبية.

إلا ان الاضطرابات التي اعقبت الحرب العالمية الثانية، والحرب العربية الاسرائيلية اسهمت في إحداث تغيرات فجائية وجذرية في انبثاق حركات التحرر حيث شكل مفهوم الثورة إحدى المفاهيم العامة التي طبعت المرحلة.

وقد طرحت على النزعة العروبية مجموعة من التحديات تمثلت في هذا التحدي المزدوج الذي يمثله الغرب من جهة والبنيات التقليدية المهيمنة من جهة اخرى. فسادت نزعة مناوئة للنموذج الغربي باسم الأصالة والخصوصية والقيم المسماة أصيلة، كما شهدت المرحلة نوعا من التماهي بين العروبة والاسلام. وهو اتجاه شمل حتى بعض المنظرين المسيحيين الذين أكدوا على الأبعاد الاسلامية للشخصية العربية معتبرين بانها موروث مشترك بين افراد الامة.

يعرف العالم العربي الاسلامي حاليا العديد من التغيرات تمس العقلية السائدة يرافقها قلق حاسم ناتج عن تعدد الاجابات المقترحة للرد على اكراهات وضعية فقدان الهوية، ويمكن تلخيص ذلك في التناقض بين الاصالة والمعاصرة الثورية. ولقد حاول التيار الاصولي تحقيق هذه الاجابة من خلال الدعوة الى عودة الامة العربية الى تطبيق الشرع الاسلامي مستمدا من السلف الصالح نموذج العمل والتأهيل.

تلك هي بعض سمات المجتمعات العربية الاسلامية الباحثة عن استقرار هوياتي تأوي اليه عندما تضيع كل النماذج المسماة مرجعية وهي السمات التي لا يمكن فهمها في انفصال عن بنية شديدة التعقيد من العوامل التاريخية والسياسية والدينية.

© منبرالحرية، 4 أيلول 2008.

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

بعد هجمات 11 سبتمبر في نيويورك، وهجمات 11 مارس 2004 في مدريد، وتفجيرات لندن في 7 يوليو 2005، كثيراً ما يذكرنا الساسة بخطر الإرهاب المستمر وبأنهم يحتاجون إلى مزيد من الصلاحيات لحمايتنا. أنا أعيش في مدينة يعمها السلام في بلجيكا، والذعر أصابنا نحن أيضاً. بدأت مدينة آنتويرب موخراً بوضع كاميرات مراقبة على مدار الساعة في الساحة الرئيسية في حرم الجامعة. لا عجب أن عامة الشعب مستعدون لإعطاء الصلاحيات للحكومة لوضع مقاييس مراقبة قمعية تهدد الحرية بشكل كبير. وبدلاً من أن تجعل الناس أكثر أماناً، يحدث العكس: يستغلون الاستياء الاجتماعي لاكتساب النفوذ السياسي ويفاقمون شعور الخوف بين الناس. إننا نرى المزيد والمزيد من كاميرات الشرطة معلقة في الأماكن العامة. لكن، لا يوجد أي دليل على أنها تجعلنا أكثر أماناً.
إن السياسيين الشعبويين، حتى الذين تتوقع مناوئتهم لمزيد من السلطات الحكومية، يدافعون عن الحالة الجديدة من المراقبة المستمرة على أساس افتراضات لا أساس لها من الصحة وملاحظات كاذبة ومخاطبة التوجهات الديماجوجية التي تسببها حالة الهستيريا الجماعية. النتيجة هي تآكل الحريات المدنية.
واحدة من الافتراضات التي لا أساس لها هي أن الكاميرات ستمنع العمليات الإجرامية من الحدوث، لكن، ببساطة هذا غير صحيح. لا تتوقف العدوانية ولا العنف حيث توجد الكاميرات: تصل الأجهزة الأمنية دائماً متأخرة، وأحياناً عندما تكون الحادثة قد حدثت. فهل منعت الكاميرات تفجيرات لندن؟
المسؤولية لا تقع على السياسيين وحدهم؛ سلبية المواطنين أيضاً تساهم في انخفاض الحرية بسبب تزايد الكاميرات. مواطنون كثيرون يفكرون “أنا لست مجرماً، فماذا عليّ أن أخبّىء؟” الثقة العمياء بالدولة عند بعض المواطنين مثيرة للذعر. في النهاية، الدولة ليست أكثر من نظام يعهد إلى بعض الأفراد احتكار سياسة الإكراه. نفس هؤلاء الأفراد لهم مصالحهم الخاصة، ومن أهم هذه المصالح الاحتفاظ بالسلطة. الحقيقة هي أن الحكومات الحديثة التي تمتلك قوى بوليسية فائقة قتلت وقمعت أعداداً من الناس أكثر بكثير مما تسبب به المجرمون الذين تحمينا الدولة من عنفهم. نحن نحتاج إلى أن تحمينا الدولة من المجرمين، لكننا نحتاج إلى أن نحمي أنفسنا من إكراه الدولة.
المواطنون الأحرار لا يستطيعون أن يكونوا سلبيين تجاه الحكومة. يجب علينا كمواطنين واعين ومنتبهين التأكد من أنه لدى الحكومة فقط السلطات الضرورية لحماية حريتنا، وأن هذه السلطات محدودة بحيث لا تصبح تهديداً لهذه الحريات.
هذا يعيدني إلى الكاميرات المعلقة بالساحة قرب منزلي. عندما لاحظت في بداية الأمر وجودها وما هي بالضبط، غضبت لأن كثيراً من الناس المسالمين كانوا تحت مراقبة الشرطة. حتى في دولة مسالمة مثل بلجيكا، يجب ألاّ نفترض أبداً النوايا الحسنة وراء سلطات الدولة. الادعاء بـ”النوايا الحسنة” لا يكفي لتبرير سياساتهم: الجميع يعتقد أن نواياهم جيدة، لكن، عندما يكون لدى السلطات حق احتكار سياسة الإكراه، يستطيعون أن يفرضوا آراءهم على بقيتنا.
تصر السلطات دائماً على السيطرة على تحرّك الناس. يجبرونك على حمل وثائق صادرة عن الدولة لتثبت هويتك. يسجلون تاريخ دخولك إلى البلد وتاريخ خروجك منه. يريدون معرفة مكانك وماذا تعمل. الكاميرات هي الأسلوب الأفضل لتحديد مكان المواطنين! إنهم لا ينامون أبداً! يسجلون كل شيء. ومع برامج الكمبيوتر الحديثة للبحث عن المعلومات والبرامج التي تتعرف على الوجوه والقامة، سيتمكنون من ملاحقة أي شخص إلى أي مكان تقريباً. وإذا سقطت مثل هذه المعلومات في أيدي الأشخاص الخطأ، فستكون النتائج دراماتيكية.
كما يقول تقرير من قناة الـ بي بي سي، قامت الحكومة في بريطانيا العظمى بوضع كاميرات يقوم موظفون مدنيون بالعمل عليها في غرف تحكّم. يشاهدون المواطنين وهم يعبرون الشوارع ويتنزهون في الأحياء. إذا لم يستخدم أحدهم المكان المخصص لعبور الشارع أو رمى قمامة على الأرض، يوجه الموظف المدني له رسالة بأنه ارتكب إساءة وأنه يجب أن يعدّل سلوكه.
يصعب تخيّل هذا في بلد أنتجت “الماغنا كارتا” ووثيقة الحقوق! تبدو كأنها هلوسة من كتاب جورج أورويل 1984، لكنها بريطانيا العظمى اليوم.
هذا لم يحدث في بلجيكا بعد… لكن ظهور مزيدٍ من الكاميرات في أي بلدٍ كان شيءٌ مقلق يجب على المواطنين الأحرار مقاومته.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 11 كانون الأول 2007.

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

كان يفترض أن يكون عام 2006 بالنسبة للبنان عاماً مميزاً فائقاً. كانت التوقعات من الناحية الاقتصادية بأن تسجَّل أرقامٌ قياسية بحضور مليوني سائح—وهي موارد يحتاجها لبنان لدعم الثقة في شعب مصدوم. لسوء الحظ لم يتحقق أي من تلك التوقعات. وبدلاً من ذلك فقد كان لبنان المسرح لحرب مكلفة استمرت شهراً كاملاً بين إسرائيل وحزب الله، كما أنها الآن ميدان لنزاع خطير واصطفاف خطرٍ شبيهٍ بالحرب الأهلية بين السنّة والشيعة التي تجري في العراق. شوارع بيروت تبدو على شفا كارثة. ولكن من المهم أن نتذكر بأن مشاكل لبنان ليست من صنع محلي. إنها عالمية في طبيعتها—سواء في نشأتها أو في حلولها.
جذور الصراع هي في جوهرها شخصية. لقد كانت الحرب في لبنان في شهر تموز الماضي كنوع من المبارزة الشخصية الذاتية بين أيهود أولمرت في إسرائيل وبين حسن نصر الله زعيم حزب الله. كان أولمرت تواقاً إلى إثبات أن انعدام خبرته العسكرية ليست مانعاً أمام قيادته، بينما أراد نصر الله أن يحرز العظمة والسمعة اللتين تتأتيان من مقارعة إسرائيل، وهي أقوى القوى في المنطقة. بيد أن هذه الحرب الشخصية الذاتية تجاوزت بكثير النزاع المباشر. إن النتائج المضطربة لتلك الحرب عرّضت أولمرت إلى التحقيق البرلماني في إسرائيل، كما أنها أعطت نصر الله القوة والحافز لاكتساب المزيد من النفوذ في لبنان، وإلى مزيد من اصطفاف الشعب. اليوم نصر الله يستغل تلك المكاسب استغلالاً تاماً. إنه وبمعونة مالية من طهران يحاول تغيير الديناميكية السياسية في لبنان لصالحه.
كانت الحرب الأهلية اللبنانية في عقد السبعينات حرباً في غالبيتها بين المسيحيين والمسلمين. أما اليوم فإن لبنان على ما يبدو هو منقسم نصفياً على الحكومة برئاسة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة والمعارضة التي يرأسها حسن نصر الله. ففي الداخل يحظى السنيورة بتأييد غالبية المسيحيين، والسنّة، والدروز. أما نصر الله فإنه يستند إلى تأييد الشيعة وبعض الجماعات المسيحية وغيرهما من الجماعات المؤيدة لسوريا والتي تتلهف لاسترجاع مواقعها السياسية التي خسرتها عندما أُرغمت سوريا على مغادرة لبنان في عام 2005.
هذه السياسات الداخلية المعقدة تزداد تعقيداً نتيجةً للعلاقات الدولية والتعاطف والمصالح الإقليمية. خارجياً فإن فؤاد السنيورة يحوز على تأييد الغرب—الولايات المتحدة وفرنسا في طليعتها—ومعظم الحكومات العربية السنية بما في ذلك المملكة العربية السعودية. أما المؤيد الرئيسي لحسن نصر الله فهو إيران ومعها سوريا وكيلتها.
لم يكن السنّة والشيعة في لبنان في يوم من الأيام أبعد عن بعضهم بعضاً مما هم عليه الآن. إنهم يتجهون نحو انقسام سياسي شبيه بذلك الذي كان يفصل بين البروتستانت والكاثوليك في إيرلندا الشمالية في أوج صراعهما في عقد السبعينات. ومع تسلح حزب الله هذا التسلح الشامل، فإن طموحات نصر الله للسيطرة تملك القدرة على تدمير لبنان. وقد أعطى قبل أيام بياناً أعلن فيه بأنه يملك القدرة على قلب حكومة السنيورة. لقد أصبحت دوافعه تتبلور شيئاً فشيئاً.
الحالة في لبنان أصبحت الآن يائسة إلى درجة تتطلب توجهات سياسية جديدة. التوترات المستمرة بين طهران وواشنطن تتفاعل على أرض لبنان. ونتيجة للمكاسب التي حققها شيعة العراق في أعقاب “تحرير العراق” فقد وجد الشيعة اللبنانيون الآن الفرصة للهيمنة على لبنان وإدخال إيران الثيوقراطية الدينية. لا يجب أن يسمح لذلك بأن يقع.
وكما هو الحال في العراق، فإن إيران الآن تستخدم حزب الله للنيل من استقرار لبنان كما هي مستمرة في السعي لزيادة نفوذها السياسي. لقد قاوم السنّة وحلفاؤهم المسيحيون في لبنان بنجاح تلك المحاولات حتى الآن. اللعبة التي تقوم بها طهران وحزب الله خطيرة جداً.
إن شعبية حزب الله التي اكتسبها بعد حرب الصيف ضد إسرائيل قد ذوت الآن في العالم العربي السنّي. السنّة في لبنان الآن يشككون في ولاء الشيعة: هل هم لبنانيون وتصادف كونهم شيعة، أم أنهم شيعة تُفرض عليهم السياسات من إيران؟ إذا ما أُرغمت الحكومة على الانهيار نتيجة جهود نصر الله ومؤيديه، فإن لدى لبنان الكثير من العناصر التي تهدد بجعله عراقاً آخر مع إمكانياتٍ قاتلة جداً بالنيل من استقرار شرقي البحر الأبيض المتوسط. كما أن إمكانيات وقوع الاضطرابات يمكن أن تجر بعض شعوب الخليج العربي إلى الاقتراب أكثر إلى إيران مع تواجد مجتمعات شيعية كبيرة.
إن تغيير النظام في العراق والمستنقع الذي حلّ محله منذ ذلك الحين قد أفاد إيران وحلفاءها الشيعة. حزب الله هو أحد أولئك المستفيدين. إن جهود نصر الله الأخيرة لقلب الحكومة اللبنانية إنما يخدم كمؤشر ومذكر للفشل الأمريكي في العراق وفي غضون ذلك فإن لبنان ينزف دماً بغير قدرة على وقفه. إن من الضرورة بمكان أن تطالب المجموعة الدولية بتجريد حزب الله من السلاح وأن تُنفِّذ قرار مجلس الأمن رقم 1701، والذي يزيل عملياً قدرة إيران وسوريا على إبقاء جنوب لبنان كساحة عسكرية مفتوحة لحرب استنزافٍ بالوكالة ضد إسرائيل. ولا يجب أن يُقبل أي شيء أقل من ذلك.
© معهد كيتو،منبر الحرية، 14 شباط 2007.

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

الإسلام، وهو أحد أسرع الديانات السماوية انتشاراً في العالم، قد جوبه بالتحدي لتحديد معايشته مع الديانات الأخرى منذ 11 أيلول 2001. إن الهوية وفحص الذات قد أرغمت مسلمين عديدين في مختلف أنحاء العالم على دراسة توجه دينهم في خضم الإرهاب والتطرف اللذين ارتبطا بالإسلام خلال السنين الأخيرة.
هذا التحدي هو أقسى بكثير بالنسبة للمسلمين في بريطانيا. إنهم دعاة في الخطوط الأمامية يعيشون بين أمة تزداد شكوكها. إنهم يحاولون أن يشرحوا لماذا أن الإسلام لا يتفق مع الإرهاب وكيف أن الأحداث الرهيبة التي وقعت في تموز 2005 كانت نتيجة أفعال عدد من الأشخاص الفاسدين الذين اختطفوا دينهم وأساءوا إلى صورته. المقالات الأخيرة التي نشرت حول نمو الراديكالية بين الطلبة المسلمين في الجامعات البريطانية والمناقشات التي دارت حول الحجاب قد هيمنتا بشبحهما على الجالية المسلمة في بريطانيا. ومع ذلك فإن التحدي الأعظم الذي يواجه البريطانيين المسلمين هو في تحديد هويتهم كبريطانيين وهم في الوقت ذاته مسلمون وليسوا مجرد مسلمين يعيشون في بريطانيا.
المسلمون هم قادمون متأخرون نسبياً للمملكة المتحدة. معظمهم ما زالوا يتمسكون بقيم عائلية قوية التي تؤكد على التقاليد الثقافية التي تربطهم ببلدانهم الأصلية حيث كثيراً ما تكون السياسة متداخلة مع الدين. ولكن وحتى يتمكن المسلمون من الاندماج بنجاح في الثقافة البريطانية فإنهم يحتاجون إلى أن يكونوا صادقين ليس فقط مع دينهم ولكن أن يستطيعوا الاندماج أيضاً على الأقل في معظم وأهم القيم في الثقافة الأوروبية. إن تحقيق الهدف الأخير هو عملية تطورية تحتاج إلى الوقت والجهد.
قد يكون من المفيد للمسلمين أن يتفحصوا النجاح الذي أحرزه المهاجرون اليهود في الاندماج في الولايات المتحدة. ومثل كثيرين من المهاجرين إلى أمريكا الشمالية فقد كان لدى المهاجرين اليهود قضاياهم الخاصة بهوياتهم اضطروا إلى مواجهتها قبل حوالي القرن. لقد وصل معظمهم من أوروبا وكان على اليهود أن يتعلموا بسرعة كيف يصبحون أمريكيين مع الاحتفاظ بهويتهم اليهودية.
الذوبان في المجتمع الجديد كان يعني لهم عملية بطيئة من الابتعاد عن بلادهم القديمة ولكن مع ذلك فقد احتفظوا بالهوية الثقافية التي مكنت اليهود من الاحتفاظ بوحدتهم. وبتطور الجيل الثاني برز الأمريكيون اليهود ومعهم مجموعة جديدة من القضايا الداخلية والاستراتيجيات لتدبير أمورهم.
اجتماعياً، كان هنالك مقاومة مبدئية واجهت العائلات اليهودية المهاجرة من قبل السكان المحليين. وقد خفت حدة هذه المقاومة مع مرور الوقت—ولكنها لم تختفي كلياً. وقد تعود اليهود على مواجهة التمييز بين الحين والآخر ولكنه كان متواصلاً، ولكنهم تعلموا كيف يتحدونه بشكل موحد عن طريق إنشاء لجان عمل سياسية ومنظمات غير ربحية.
المسلمون الأوروبيون تحدروا من منابت أكثر تعددية وتباعداً، وما يجمعهم هو أقل إلى حد كبير ثقافياً مما كان يجمع المهاجرين اليهود في أوائل القرن العشرين وأواخر القرن التاسع عشر. لذا فإن الدين كثيراً ما يكون هو عنصر التوحيد الوحيد الذي يجمع بين المصريين والباكستانيين والصوماليين.
وحيث يأخذ المسلمون بإعادة النظر في أولوياتهم، فإنهم يستطيعون كذلك الاستفادة من النظر إلى تطور اليهودية في الولايات المتحدة. فبإدراكهم بأن التعاليم الدينية اليهودية قد تطورت لمواكبة التغيرات الاجتماعية الصادرة نتيجة نزوح جماهيرهم من مختلف أسقاع العالم إلى الولايات المتحدة، فقد أصبح الحاخامات في الولايات المتحدة أكثر مرونة تدريجياً وأخذوا يغيرون من رسالاتهم بحيث تتواكب مع مستلزمات وجودهم ضمن التجمعات الأمريكية.
يتوجب على المسلمين البريطانيين وغيرهم من المسلمين الأوروبيين النظر في الأخذ بهذا الأسلوب وأن ينتهجوا سياسة تجعلهم مستقلين عن أية سيطرة دينية من البلدان التي تحدروا منها. وعلى سبيل المثال يتوجب على المدارس الخاصة التي تدعوا إلى توجهات سياسية ودينية تتعارض مع القيم الغربية في التسامح أن لا تُشجع وأن لا تُؤيد من قبل الجاليات المسلمة. تلك المدارس تجعل الاندماج في المجموعات الأوروبية الأكبر أكثر صعوبة بالنسبة للأطفال المسلمين ومن شأنها أن تقود إلى مواجهات اجتماعية مع البلدان التي ارتضوها وطناً جديداً.
على القادة المسلمين أن يتفحصوا الحاجات المحلية التي تؤثر على رعاياهم وأن يكونوا القوة الدافعة لاندماج أقوى في المجتمع البريطاني. وعندما يتعرضون للاضطهاد يتوجب عليهم أن يتحدثوا مجتمعين بصوت واحد. وعندما تحل الفظائع بإخوانهم وأخواتهم في بلدان مثل دارفور، عليهم أن يكونوا أول من يتحدث ويستنكر.
الإسلام دين غني وعريق ولديه الكثير مما يُعطي. على المسلمين الأوروبيين أن يُتيحوا لدينهم بالتطور بشكل يتوافق مع قيم الوطن الأوروبي الذي أصبحوا مواطنين فيه. إنها فترة تأقلم ولا يمكن أن تتم بين عشية وضحاها.
إن اندماجاً ناجحاً هنا سيكون له انعكاسات إيجابية وتداعيات على مستوى العالم. لقد وُجه اللوم إلى المسلمين بشكل عام بسبب أحداث 11/9 وكذلك الهجمات التي وقعت في لندن. لقد كان ذلك خطأً يؤسف له. يجب أن لا يُعتبر بليون مسلم مسؤولين بسبب عمل قام به 19 قاتلاً. ومع ذلك فإن كثيراً من المسلمين في أوروبا يواجهون الآن تحدياً في تحديد وإعادة صياغة تفسيرهم لدينهم. إنها فرصة يتوجب الأخذ بها.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 17 كانون الأول 2006.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018