شؤون اقتصادية

نبيل علي صالح21 أبريل، 20110

إننا نعتقد بضرورة أن نحث الخطى ونبذل قصارى الجهد من أجل تأسيس منهج حقيقي لاستشراف ورؤية المستقبل، واكتشافه، ووعي مجالاته، والإعداد العملي له لأننا معنيون أولاً وأخيراً بأهمية الدخول إلى هذا الحقل العلمي الكبير الذي يمكن أن نمتلك فيه كعرب تراثاً إخبارياً واسعاً يهتم بالمستقبل الإنساني، ويتحدث عنه، بل وحتى يؤسس له....التفاصيل).

حواس محمود17 مارس، 20111

يقدم الكاتب من خلال هذه المقالة لمحة تاريخية سريعة عن تطور الشوارع والطرق، ووسائل حل مشكلة المواصلات وأنواع الشوارع، وهذه الأمور هامة جدا لمخطط المدن وللقارئ العادي لمعرفة دور وأهمية الشوارع في تنظيم المدينة وحركة السكان والمواصلات فيها، وسبل حماية السكان والسيارات من مخاطر الحوادث المؤسفة التي تحدث بشكل متواتر في أغلب المدن العربية،.....

peshwazarabic26 يناير، 20110

من الخطأ أن يصبح جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة هدف بحد ذاته، بل من الحكمة أن تسخّر الدول النامية إمكانياتها للاستفادة من تلك الاستثمارات في إطار سياسات التنمية الشامل. ولكن لا يمكن تحديد السياسات العامة الأكثر فعالية لتحقيق تلك الاستفادة بشكل مطلق، بل من الضروري استخلاص العبر من تجارب بعض الدول في هذا الصدد مع الأخذ بعين الاعتبار توخي الحذر عند التطبيق، من منطلق أن لكل بلد إطاراً اقتصادياً وتاريخياً وجغرافياً وثقافياً وسياسياً يختلف عن الآخر.
إن عملية جذب الدول للشركات للاستثمار المباشر، تختلف من الدول الغنية إلى الدول النامية، حيث تعمل الدول المتقدمة على تقديم ما يعرف بالهبات المباشرة في كثير من الأحيان. بينما تلجأ الدول الفقيرة إلى حوافز تخفيض الضرائب. كما أن هنالك ترتيبات تفضيلية، مثل اتفاقيات الاتحاد الأوروبي مع كثير من الدول والتي تعرف باسم اتفاقيات الشراكة، وكذلك مبادرة الولايات المتحدة الأمريكية لحوض البحر الكاريبي. وأيضاً قانون النمو والفرص في افريقيا الصادر عن الولايات المتحدة. ولكن يجب النظر دائماً إلى مثل تلك الترتيبات على أساس أنها منفذاً مؤقتاً وليس دائماً.
والتحدي الأكبر يكمن في إمكانية تحقيق تلك الحوافز الفوائد المرجوة؟ وهل يؤدي ذلك إلى خطر إنفاق الأموال العامة؟ وهل هناك خطر من مدى القدرة على ضمان بقاء تلك الشركات في البلد المضيف؟ ومن يضمن بقاءها في حال انتهاء الحوافز أو توقفها؟ أو في حال لم يعد بإمكان الشركات الاستفادة من الترتيبات أو التفضيلات الممنوحه للدول من أجل تشجيعها؟
ومن الممكن استغلال منافع الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تضطلع به الشركات عبر الوطنية استغلالاً أكبر، فلقد بدأت التكنولوجيا تتغير، والعمليات والوظائف قابلة للتجزئة بصورة متزايدة، والحدود الفاصلة بين ما هو داخلي وما هو خارجي للمؤسسات تتبدل. والتحدي الذي تواجهه البلدان التي ترغب بالتطور والتقدم هو كيفية الاستفادة من تلك الشركات استفادة أكبر، وهنا تظهر أهمية السياسات العامة المعتمدة من قبل تلك الدول.
ومقدار النجاح الذي يحققه البلد المضيف للاستثمارات أصبح يعتمد على قدرة البلد على تطوير القدرات المحلية، والدول الأكثر نجاحاً في مجال استقطاب الشركات عبر الوطنية هي التي لجأت إلى اتباع نهج ثنائي يستند إلى تنمية القدرات المحلية مع استهداف الموارد والأصول للشركات. والصين تعتبر من أكثر الدول المعتمدة على هذا النهج في استراتيجيتها لجذب استثمارات الشركات عبر الوطنية. ومن عناصر هذا النهج :
توافق ما هو مستهدف في تشجيع الاستثمار مع الاستراتيجات الإنمائية والصناعية الأوسع نطاقاً للبلد المعني.
توفير رزمة من الحوافز بطريقة مركزة لتشجيع الشركات عبر الوطنية على الاستثمار في الأنشطة الرئيسية.
إشراك الشركات المنتسبة في تطوير ورفع المستوى المهني والتكنولوجي للموارد البشرية.
بنية رفيعة المستوى من قبيل مناطق التجهيز والمجمعات العلمية والمدن الصناعية بالإضافة إلى المناطق الحرة.
إن قدرة الدول النامية على الاستفادة من الفرص الجديدة الناشئة عن التنافس بين الشركات يعتمد إلى حد كبير على ما تتخذه بنفسها من إجراءات بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى ما تقدمه الدول المتقدمة من مساعدات سواء على صعيد تطوير القدرات المؤسسية، أو إزالة الحواجز أمام صادرات البلدان النامية خاصة في ظل بيئة تنافسية عالمية تزداد حدة. كذلك من الضروري طرح دور منظمة التجارة العالمية، الذي من الممكن أن تلعبه لتشجيع الدول النامية على التصدير والحد من سياسات الحماية المتبعة من قبل الدول الصناعية، كسياسات الدعم والإعانات المتخصصة، والتدابير الوقائية التي تقوّض فعلاً الفرص المتاحة أمام البلدان النامية لاستغلال ميزتها النسبية على أتم وجه.
الكثير من الأفكار والنظريات تعتبر أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتمثلة بالشركات هي من سلبت خيرات وإمكانيات الدول النامية وأنها تبحث فقط عن مصالحها الخاصة، وجعلت الدولة النامية أكثر تبعية لها. لكن في هذا السياق لا بد من التساؤل عن بعض التطورات الحاصلة في هذا الإطار:
هل كان بإمكان الصين الدولة العملاقة ودول أخرى كالهند وكوريا الجنوبية وإيرلندا تحقيق ما حققته في المجال الاقتصادي دون هذه الاستثمارات ؟
إذا كانت الدول النامية تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية فما هي طرق العلاج؟ وإذا كانت محصلة الأوضاع في كثير من الدول سيئة للغاية، فالحصول على شيء أفضل من لا شيء. فمصر لا تملك أية قدرة على مستوى صناعة السيارات، والآن تمتلك مصانع لتجميع سيارات “BMW” وما نتج عن ذلك من انعكاسات على المستوى التصدير، وخلق فرص عمل واكتساب خبرات ومهارات في مجال صناعة السيارات. فهل كانت مصر قادرة على فعل شيء من ذلك دون الاستثمار المباشر الأجنبي لشركة “BMW” ؟؟؟
© منبر الحرية،26 يناير/كانون الثاني 2011

peshwazarabic12 يناير، 20110

لم تعرف الحضارات الشرق أوسطيه الفكر الفلسفي كما عرفته أوربا منذ الحضارة اليونانية القديمة (حوالي 400 قبل الميلاد)، حيث كان الرواد الأوائل سقراط وأفلاطون وأرسطوطاليس، راسمي خط النشاط الفكري المتسائل.

peshwazarabic20 ديسمبر، 20100

قد يكون ظهور مصادر جديدة للاستثمار الأجنبي من الدول النامية ذا أهمية خاصة بالنسبة للبلدان النامية المضيفة لتلك الاستثمارات ذات الدخل المنخفض، وشركات اقتصادات الدول النامية هي الآن مستثمرة هامة في العديد من أقل البلدان نمواً.

peshwazarabic20 ديسمبر، 20100

كتب إدوين جيه. فيولنر (رئيس مؤسسة التراث واشنطن) في تقديمه لكتاب فريدريك هايك (الطريق إلى الرق) أن هذا الكتاب يعد أكبر من أي إسهام آخر في سيرة هايك. أما هايك نفسه فقد قال عنه أنه "واجب لم يكن علي التملص منه".

peshwazarabic6 ديسمبر، 20100

نظم مشروع منبر الحرية بشراكة مع شبكة الليبراليين العرب ومشروع عالم حر في السابع والعشرين من نونبر الجاري يوما دراسيا بمدينة الدارالبيضاء المغربية حول الحرية الاقتصادية بالمغرب. وشهد الحدث حضور فاعلين سياسين واقتصاديين محليين بالإضافة إلى ممثلي وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة.كما عرف اليوم الدراسي حفل توقيع وتقديم ترجمة كتاب “الليبرالية” للمفكر الفرنسي باسكال سالان والذي أشرف على ترجمته المغربي محمد تملدو.
بين الخبراء الدوليين والمحليين
ويأتي اليوم الدراسي الذي حمل عنوان “الحرية الاقتصادية في المغرب:الواقع والمستقبل”واحتضنه فندق فرح بالدار البيضاء برعاية من مجموعة من المنظمات. فإلى جانب شبكة الليبراليين العرب ومشروع منبر الحرية ومشروع عالم حر، شارك المسؤول الأكاديمي بمعهد الكاتو ومؤسسة أطلس للدراسات البروفيسور توم بالمر بورقة حول الحرية الاقتصادية بالمغرب،كما قدم فريد ماك ماهون عن معهد فريزرالكندي تقريرا عن المؤشرات المعتمدة في إصدار التقرير. وعرف اليوم الدراسي أيضا حضور الاقتصادي الكندي فرونسوا ميناردي بالإضافة إلى الاقتصادي الفرنسي إمانويل مارتان.
وتنبع أهمية اليوم الدراسي من استدعاء خمسة خبراء مغاربة من أجل إدارة ورشات تناقش مضامين تقرير الحرية الاقتصادية بالمغرب حيث انتظم المشاركون في إطار خمسلجان مممبرفع ملاحظاتها إلى معدي التقرير بخصوص المؤشرات المعتمدة. وشارك في إدارة الورشات كل من الاقتصادي المغربي فارسي السرغيني رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. والمحلل الاقتصادي بمؤسسة أطلس الدكتور نوح الهرموزي بالإضافة إلى الدكتور احمد مفيد الأستاذ بكلية الحقوق بفاس كما يشارك في إدارة الورشات الدكتور هشام المساوي الأستاذ بجامعة السلطان مولاي سليمان وعضو مشروع عالم حر.
في كلمات المتدخلين :افتحاص الاقتصاد المغربي آفاق جديدة للحرية.
خلق اليوم الدراسي نقاشا فعالا حول موضوع الحرية الاقتصاية حيث أكد المتدخلون المحليين والدوليين على ان الحرية الاقتصادية تشكل المدخل الأساسي والبؤرة الأساسية للحرية. وأجمعت الكلمات التي ساهم بها الخبراء الدوليون على أن الحرية الاقتصادية بالإضافة إلى تضمنها للحرية الفردية فهي تتجاوز ذلك إلى حقوق الملكية والاستفادة من نتائج العمل ومحاربة الرشوة ودعم الديناميات البنكية.
وبهذا الخصوص قال رئيس شبكة الليبراليين العرب محمد تملدو” ترتبط الحرية الاقتصادية بالمعاش اليومي لأنها المرآة الحقيقية للحقوق وعلى رأسها حق الملكية والمسؤولية وغيرها”.وأضاف تملدو أن اليوم الدراسي “يأتي في إطار سياسة شبكة الليبراليين العرب الهادفة إلى الانفتاح على المؤسسات الدولية عبر أنشطة تتجاوز العموميات إلى انشطة تطبيقية تفتح نقاشا تفاعليا بين مؤسسات دولية فاعلة والفاعلين الأساسيين في العالم العربي. وهكذا يقول تملدو يرمي هذا النشاط إلى “فتح آفاق جديدة للاقتصاد المغربي من خلال التعامل مع التقارير الدولية بحس علمي يتجاوز ردود الفعل في اتجاه التأسيس لتفاعل إيجابي حول ما ينتج حول المغرب وفي نفس الوقت في إطار التعامل المنهجي مع مايصدر من تقارير دولية حول المغرب وفرض الرؤية العلمية وفق فعل علمي وفعال””
وشهد اليوم الدراسي حضور فعاليات وخبراء وباحثين ومهتمين محليين ودوليين كما ستشهد حضور أطياف متعددة من المجتمع المدني من أحزاب سياسية وممثلي العمال ورجال الأعمال والإعلاميين وأعضاء الحكومة والمهتمين بقضايا الحرية الاقتصادية بالمغرب,.
ومن جهته قال الدكتور نوح الهرموزي رئيس مشروع منبر الحرية بإن اليوم الدراسي “يهدف اليوم إلى استضافة معاهد دولية كبرى تعد فاعلة على صعيد رسم استراتيجيات السياسات الدولية الاقتصادية. فمعهد فريز الكندي أحد أشهر المعاهد الدولية في إعداد تقارير الحرية الاقتصادية خص المغرب بتقرير سنوي. لذلك فالفكرة الأساسية هي خلق نوع من التفاعل المباشر بين معدي التقرير والفاعلين الأكاديميين والسياسيين ورجال الاعمال وممثلي العمال بخصوص المؤشرات المعتمدة في أفق تقويم السياسات الاقتصادية.
ومن جانب آخراعتبر البروفيسور توم بالمر من معهد كاتو الأمريكي أن المغرب يشكل ثالث محطة بعد الأردن ومصر التي اختارها منبر الحرية ومعهد فرايزر من أجل تقديم تقرير الحرية الاقتصادي.  ودلالة ذلك، يضيف توم، درجة الانفتاح التي يتمتع بها المغرب، غير انه أضاف بالمقابل بأن”التقرير لا يدعو إلى القلق لأن المغرب يمكن أن يحقق تقدما ملموسا على مستوى تثبيت مزيد من الحريات الاقتصادية من أجل تحقيق الرخاء والتقدم”
تقرير معهد فرايز: مؤشرات واعدة لكنها غير كافية
أشار نائب رئيس معهد فرايزر الكندي البروفيسور فريد ماكماهون إلى أن تطورا ملحوظا طرأ على مؤشرات الحرية الاقتصادية بالمغرب خاصة فيما يتعلق بحجم الحكومة والتي حصل فيها المغرب على مرتبة متقدمة. غيرأن ما يتعلق بقانون العمالة وغيرها من المؤشرات الأخرى تظل بحاجة إلى مزيد من التطوير.
وحول  المؤشرات الأساسية التي تم اعتمادها في إعداد التقرير ذكر مسؤول معهد فرايزر حجم الحكومة حيث “عندما تصبح الحكومة كبيرة جدا فإنها لا تفسح مجالا لنشاط اقتصادي حر وتقتنص بالضرائب ما يكسبه الأفراد والأسر بشكل مشروع. كلما كبر حجم الحكومة، كلما ازداد حجم الأنفاق وبالتالي تزيد الضرائب، وتبدأ الحكومة تدريجيا بالتمتع بحرية أكبر على حساب الحريات الفردية، والاقتصادية ».
كما استعرض الخبير الكندي المؤشر الثاني  المتمثل في الوصول للعملة المستقرة وهنا قال فريد ماكماهون “يمكن للحكومات أيضا أن تقلل من الحرية الاقتصادية عبر خفض قيمة الدخول والممتلكات التي اكتسبها الأفراد بشكل مشروع من خلال التضخم. حيث يؤدي التضخم إلى التقليل من قيمة الأجور والمدخرات. لذا فإن العملة المستقرة ضرورية لحماية حقوق الملكية. وحينما يكون التضخم متقلبا وعاليا، يصبح من الصعب على الأفراد أن يخططوا للمستقبل واستغلال الحرية الاقتصادية بفاعلية.
وبخصوص  حرية التجارة قال فريد أن “حرية التبادل- بمعناها الأوسع، الشراء، والبيع، وإبرام العقود، وما إلى ذلك- هي شيء أساسي للحرية الاقتصادية، التي تتضاءل عندما لا تشمل المبادلات قطاعات الأعمال والأفراد في دول أخرى  ».
وفيما يتعلق بالنظام القانوني قال المسؤول في معهد فرايزر”إن نظاما قانونيا يعمل بشكل جيد أمر لا غنى عنه لحماية الملكية والحقوق وضمان ألا يتمكن الأقوياء من استخدام نفوذهم للتقليل من حرية الآخرين. وبغياب مثل هذا الهيكل القانوني التشريعي الذي يضمن حماية الملكية، وهي أسمى غاية ومبرر لوجود الحكومة، لا يمكن أن تكون هناك حرية اقتصادية ». أما التدابير التنظيمية فتعني، حسب ذات المصدر دائما، أن تكون قادرا على العمل لمن تريد وأن تستخدم من تريد؛ أن تبدأ عملا وأن تنهيه كما تريد؛ وأن تقترض وتستعير ممن تريد.
وهدف اليوم الدراسي إلى مناقشة الوضع الراهن للحريات الاقتصادية بالمغرب ومناقشة آليات وسبل تعزيز هذه الحرية الاقتصادي وتسليط الضوء على مكامن ضعف وقوة المبادرة الحرة للاقتصاد المغرب ومقارنة مؤشر الحرية الاقتصادية بالمغرب مع المعدل العالمي والمعدل العربي ومعدل الدول العشر الأوائل في العالم.وانتهى اليوم الدراسي بإعداد تقرير نهائي عن وضع الحرية الاقتصادية بالمغرب بتنسيق بين الخبراء المحليين والدوليين، وتضمن هذا التقرير توصيات رفعت لصناع القرار السياسي والاقتصادي بالمغرب.
توصيات من أجل اقتصاد سليم
تطرقت أوراش عمل اليوم الدراسي بالتحليل والتقييم لمجموعة من مؤشرات الحرية الاقتصادية المتعارف عليها دوليا من قبيل حجم الحكومة الأمثل ودورها ووزنها في النشاط الاقتصادي وحرية التبادل التجاري والإجراءات التنظيمية الهادفة إلى تنظيم الائتمان والعمالة والأعمال التجاري النظام القانوني وتأمين حقوق الملكية واستقرار وثبات العملة الوطنية.
وخلص المشاركون في اليوم الدراسي إلى أن العقبات الأساسية التي تواجه الحرية التجارية بالمغرب، تتمثل في معدلات التعرفة الجمركية المفروضة على الواردات والصادرات. بالإضافة إلى المعيقات المرتبطة بحقوق الملكية المفروضة على المستثمرين الأجانب.كما تطرقت إحدى خلاصات اليوم الدراسي إلى الضوابط المفروضة على الرأسمال والإكراهات الموضوعة من طرف السياسات النقدية التي ينهجها مكتب الصرف، والتي تحول دون التداول والانتقال السلس لرؤوس الأموال المحلية والأجنبية.
كما تعرض الخبراء الاقتصاديون إلى الأثر السلبي للسياسات التدخلية في مجال تحديد وتثبيت الأسعار، حيث يخلق هذا التدخل ندرة مصطنعة يستفيد منها مجموعة من اللوبيات وقوى الضغط، في صفوف المنتجين الكبار على حساب المنتجين المتوسطين والصغار، والأكثر من ذلك على حساب المستهلك المغربي سواء في أثمنة السلع أو جودتها.
وخص اليوم الدراسي في إحدى ورشاته صندوق المقاصة بالعديد من التوصيات إذ أشارت إحداها إلى أن الدعم الذي يقدمه صندوق المقاصة لبعض السلع يتم الاستحواذ على أغلبيته من قبل كبريات الشركات على حساب الشركات الصغيرة وعلى حساب المستهلك.
يذكر أن اليوم الدراسي الذي نظمه مشروع منبر الحرية  بالدار البيضاء المغربية حول الحرية الاقتصادية بالمغرب، يعتبر ثالث تجربة في استضافة معهد فرايزر الكندي، أحد أشهر المعاهد الرائدة في إعداد تقارير الحرية الاقتصادية في العالم. وسبق لمنبر الحرية أن استضاف معهد فرايزر الكندي ضمن مؤتمرين اقتصاديين مماثلين بكل من الأردن ومصر. وتدخل هذه الاستضافة ضمن استراتيجية منبر الحرية الهادفة إلى الانفتاح على المعاهد الدولية الفاعلة في رسم استراتيجيات الاقتصاد العالمي وتمكين الفاعلين وصناع القرارالعرب من التفاعل المباشر مع منتجي التقارير الاقتصادية الدولية، للرفع من مستوى الحرية الاقتصادية في العالم العربي.

peshwazarabic2 ديسمبر، 20101

الجزء الأول
يترتب على زيادة القدرة التنافسية التصديرية الناتجة عن الاستثمار الأجنبي المباشر آثار هامة، والبلدان التي حققت أكبر المكاسب من حيث الحصص السوقية هي بصورة رئيسية بلدان نامية. وأصبحت تلك البلدان تنتمي بفضل ما اكتسبته مؤخراً من حصص سوقية إلى البلدان الـ20 الأكثر تصديراً في العالم. كذلك توجد 5 شركات مقارها في اقتصاديات نامية تحتل مكانة في قائمة أكبر 100 شركة في العالم.  أي إن هنالك تغيّرات هائلة قد أخذت تحدث في تكوين التجارة العالمية. ويمكن اعتبار ذلك من المؤشرات التي تبعث على الأمل، وهناك إمكانية للتقدم في حال تم استغلال الظروف والإمكانيات استغلالاً جيداً.
إن احتدام المنافسة يجبر الشركات عبر الوطنية على البحث عن سبل جديدة لزيادة كفاءتها وإمكانياتها، بما في ذلك عن طريق توسيع نطاق وصولها إلى المستوى الدولي، والوصول إلى أسواق جديدة في مرحلة مبكرة وتحويل بعض الأنشطة الإنتاجية من أجل تخفيض التكاليف. وهذا يؤدي إلى اتخاذ أشكال جديدة للإنتاج الدولي على مستوى ترتيبات الملكية وترتيبات تعاقدية جديدة . كما إن سياسة الدول الرائجة في عصرنا الحالي من فتح الأسواق المالية والسماح بجميع أنواع الاستثمارات الأجنبية، تساعد الشركات على زيادة استثماراتها في الخارج. بحيث أتاحت استراتيجية الشركات وتغيير النظم الإنتاجية العالمية إمكانات جديدة للبلدان النامية للانخراط في نظم الإنتاج العالمية.
ويلاحظ أن الكثير من البلدان التي حققت تقدماً في الأسواق التصديرية كانت معتمدة اعتماداً كبيرا ًعلى الاستثمار المباشر. وهناك بعض الميّزات النسبية التي تتمتع بها تلك البلدان تلعب دوراً في استقطاب الاستثمار الأجنبي، فمثلاً تتميّز الصين بحجم اقتصادها، أما كوستاريكا وأيرلندا فتتميّزان باتباع سياسات وطنية قائمة على نهج استباقي لاجتذاب الاستثمار الأجنبي في مجال التكنولوجيا الرفيعة المستوى والارتباط بشبكات الموردين الدولية.
أما هنغاريا والمكسيك وأيرلندا تتميّز بإمكانية وصولها إلى أسواق رئيسية وبشروط تفضيلية، فمثلاً ميزة المكسيك هي إمكانية التصدير إلى الولايات المتحدة الأمريكية وفقاً لاتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، مما يجعل المجال كبيراً أمام الدول التي تفرض عليها الولايات المتحدة شروطاً في تجاراتها مثل أن تدخل إلى السوق الأمريكية عن طريق المكسيك وهذا ما تفعله اليابان. وذلك أيضاً ما يحدث في هنغاريا وأيرلندا اللتين كانت تتميزان بحصولهما على شروط تفضيلية في الأسواق الأوروبية مما جعلهما محط أنظار الكثير من الشركات.
عمليه اجتذاب أنشطة الشركات الموجهة للتصدير عملية تنافسية إلى حد كبير. والدول المتقدمة قد تجد صعوبة في إدامة قدراتها التنافسية عندما ترتفع الأجور وتتغير الأوضاع في الأسواق. وهذا ينطبق أيضاً على الدول النامية، فالهند التي استطاعت من خلال مجموعة من المميزات ومنها الأجور المنخفضة أن تكون مصدر جذب من الطراز الأول للشركات عبر الوطنية. ولكن فيما بعد ونتيجة ارتفاع الأجور فيها جعلها تتراجع لتصبح روسيا – محط الأنظار – صاحبة الأجور المنخفضة أكثر من الهند.
فالفوائد المستمدة من التجارة المرتبطة بالشركات بدءاً بتحسين الميزان التجاري وتحسين العمليات التصديرية وإدامتها، تساعد على زيادة الصادرات. ولكن في المقابل فإن الشركات الأجنبية تستورد وقد تكون حصيلة النقد الصافي بين التصدير والاستيراد صغيرة في بعض الحالات. وقد تكون قيمة الصادرات مرتفعة، ولكن مع تدني مستويات القيمة المضافة تصبح العملية مستقبلياً تحمل في طياتها مخاطر ذات نتائج سلبية.
لا يمكننا اعتبار المكاسب الإنمائية الناتجة وتمتع تلك الاستثمارات بالديمومة والاستقرار مقولة قابلة للنقاش. ومن الخطأ أن يصبح جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة هدف بحد ذاته، بل من الحكمة أن تسخّر الدول النامية إمكانياتها للاستفادة من تلك الاستثمارات في إطار سياسات التنمية الشاملة، وفي كثير من الأحيان تتحمل الدول النامية مسؤولية فشل الاستثمارات في تحقيق نهضة اقتصادية نتيجة غياب التخطيط والسياسات العامة.
فالمسألة ليست في اجتذاب الاستثمارات بقدر ما هي كيف يمكن للبلدان النامية المضيفة أن تستفيد إلى أقصى حد ممكن من الأصول التي تتحكم بها الشركات؟
الأمر يعتمد على الاستراتيجيات التي تتبعها الشركات من جهة، وعلى ما يقابلها من قدرات السياسات العامة في البلد المضيف.إذ أن عدداً من المنافع المستمدة على المدى الطويل والتي يمكن عزوها إلى الشركات الأجنبية العاملة في التصدير قد لا تتحقق في البلد المضيف، بحيث من الممكن عدم قيام انخراط بين الشركات الأجنبية والاقتصاد المحلي، وبالتالي عدم قيام الشركات بتنمية المزايا النسبية الدينامية للبلدان المضيفة.
هناك أولويات مشتركة بين البلدان سواء كانت غنية أم فقيرة أهمها تحسين الصادرات وإدامتها لكي تسهم في التنمية إسهاماً كبيراً. فيجب على البلدان النامية النظر في كيفية التحول في أي صناعة من الصناعات إلى أنشطة ذات قيمة مضافة أعلى، وهنا يكمن التحدي في كيفية الاستفادة من إمكانيات الشركات لتحقيق التنمية المستدامة.
‎© منبر الحرية،25 نونبر/تشرين الثاني 2010

peshwazarabic12 نوفمبر، 20100

موجز تنفيذي
الرخاء وحقوق الملكية أمران مترابطان لا تنفصم عراهما. إن أهمية وجود تحديد واضح لحقوق الملكية وحمايتها حماية قوية أصبحا الآن موضع اعتراف واسع لدى علماء الاقتصاد وواضعي السياسة. نظام الملكية الفردية يعطي الأفراد حصراً الحق في استخدام مواردهم وفق ما يرونه مناسباً. حق التصرف هذا بما يملكون يقود منتفعي الملكية بأن يأخذوا بعين الاعتبار التام جميع الفوائد والأثمان التي تتأتى عن استغلالهم لتلك الموارد بطريقتهم الخاصة بهم. إن عملية تقييم المنافع مقابل الأثمان التي ينطوي عليها ذلك الاستغلال ينتج ما يصطلح عليه علماء الاقتصاد بالنتائج الأكفأ. وهذا يترجم على أرض الواقع بتحقيق مستويات معيشة أعلى.
ومع ذلك، فإن القبول بأهمية حقوق الملكية من قبل علماء الاقتصاد لم يتم إلا في العقود الأخيرة. وعلى امتداد كثير من فترات تاريخ الاقتصاد الحديث، لم يحظ هذا الموضوع إلا بأقل الاهتمام. حتى أشد دعاة اقتصاديات السوق كانوا يتغاضون عن بحث هذا الموضوع. ليس من دواعي الدهشة إذن أن تكون قد نتجت عن ذلك الإهمال سياسات تنمية رديئة وحتى لو أصبح واضعو السياسة في الدول المتقدمة وفي المؤسسات الدولية يعترفون اليوم بالدور الحيوي الذي يمكن أن يؤديه نظام يعترف بالملكية الفردية في الدول النامية بالنسبة للتنمية الاقتصادية، فإن قدراتهم محدودة فيما يتعلق بما يمكن عمله لمساعدة الدول النامية على تطوير مثل هذا النظام. بيد أن بمقدور واضعي السياسة الابتعاد عن التوصية بسياسات من شأنها النيل من نظام الملكية الفردية.
لماذا حقوق الملكية؟
إن المعاذير التي تقدم لتفسير فشل التنمية متعددة ومشهورة: شح الموارد الطبيعية؛ عدم كفاية التمويل في مجال التعليم؛ الثقافة، الدين والتاريخ؛ ومؤخراً عنصر الموقع الجغرافي. وكما علَّمنا فريدرك هايك، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، في سياق آخر، فإننا لا نستطيع أن نفسر النجاح عن طريق تمحيص الفشل: “قبل أن نستطيع تفسير لماذا يرتكب الناس الأخطاء، علينا أن نفسر أولاً، لماذا يتوجب أن يكونوا أصلاً على صواب.”
السؤال الذي يتوجب أن نسأله هو: لماذا يتوجب على الأمم أن تتمتع بالازدهار؟ وجهة نظرنا هي أن الفرق بين الرخاء والفقر يكمن في الملكية الفردية. الأمم تزدهر عندما تكون حقوق الملكية الفردية محددة بوضوح ومصانة.
ثروة الأمم
الباحثان ريتشارد رول وجون تالبوت في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، وضعا عنواناً مثيراً على البحث بعنوان “لماذا كثير من الدول النامية هي ليست كذلك؟” التنمية الاقتصادية كانت الاستثناء وليس القاعدة. وكما أوضح عالم الاقتصاد من البيرو هيرناندو دي سوتو، فإن الرأسمالية حققت النجاح بدرجة رئيسية في الغرب. والنتيجة هي الفروقات التي لا تصدق في مستويات المعيشة حول العالم.
ووفقاً للقياس الذي يتبع، فإن الدخل الحقيقي يتفاوت على امتداد بلدان العالم بأكثر من 155 ضعف. في عام 2000، كان الإنتاج المحلي العام في لوكسمبرغ (50.061) دولاراً، وفي سيراليون (490) دولاراً. هذه الأرقام محسوبة على أساس مقارنة متوازية للقوة الشرائية. وإذا استخدمت قيمة الدولار لعام 1995، فإن الفوارق بين البلدان تبدو حتى أكثر بعداً. الفوارق بين بلدان متجاورة، يمكن أن تكون هائلة. ووفقاً للمقياس الذي يعتمد فإن دخل الفرد في الولايات المتحدة من مجموع الإنتاج القومي العام هو أربعة إلى ثمانية أضعاف مثيله في المكسيك. النتائج الاقتصادية-الاجتماعية لتلك الفوارق كبيرة ومعروفة. وبقياس متحفظ، فإن دخل كوريا الجنوبية هو 17 ضعف دخل الكوريين الشماليين. وبالتأكيد فإن ذلك الفرق له علاقة بالتوتر الحالي القائم على ساحة الجزيرة الكورية.
في الثلاثينات من القرن الماضي كان الفنلنديون والإستونيون يتمتعون بمستوى معيشة متطابق. البلدان كلاهما جاران. لغتهما تنتمي لأصول لغوية مشتركة، وثقافتهما متشابهة وكلاهما يشتركان بقيم كثيرة. (على الرغم من كونها إحدى دول البلطيق جغرافياً، فإن الإستونيين يعتبرون أنفسهم من الجنس الاسكندنافي). ووفقاً للمقياس المطبق، فإن أهل فنلندا في عام 2000، كانوا يجنون ما بين اثنين ونصف إلى أكثر من سبعة أضعاف ما يجنيه في المتوسط المواطن الإستوني. خمسون عاماً من الحكم الشيوعي كان له، بكل تأكيد، علاقة بالفجوة القائمة بين دخول سكان البلدين.
في الماضي، كانت توجد فجوة شاسعة في مستوى المعيشة بين شرق وغرب ألمانيا—بلدان يملكان بشكل أساسي نفس الموارد والتعليم والثقافة واللغة والدين والتاريخ والجغرافيا.[1] لماذا إذن ذلك الفرق الشاسع؟
هونغ كونغ وسنغافورة هما دولتا مدينة، ويكادان أن يكونا محرومين كلياً من أية ثروات طبيعية. إن حدودهما مجاورتان لبلدان أكبر وأفقر منهما كثيراً. هونغ كونغ، بصورة خاصة، تحملت فترات طويلة من الهجرات إليها من جارتها الأفقر—الصين الشعبية. ومع ذلك فكلاهما حققا نمواً متواصلاً في دخل الفرد بنسبة 5% وعلى امتداد فترة طويلة. دخل الفرد الفعلي في سنغافورة تضاعف ما بين 1962 و1971. دخل الفرد الفعلي من الإنتاج الوطني العام في هونغ كونغ، وهي مستعمرة بريطانية سابقة، يتجاوز الآن دخل البلد الأم (25.153) دولار مقابل (23.509) دولار في عام 2000، من حيث القوة الشرائية المتوازية. والتناقضات وفيرة. فعلى الرغم من المعجزة الاقتصادية التي حققتها الصين مؤخراً، فإن دخل الفرد الفعلي فيها من مجموع الإنتاج الوطني العام، ما زال تحت 4000 دولار. ودخل تايوان هو 17.000 دولار أي أكثر من أربعة أضعاف دخل الصينيين. (كلاهما محسوب بالقوة الشرائية الحقيقية المقارنة).
وقد علق البروفيسور ألن ميلتزر مؤخراً على هذه التجارب شبه المختبرية في حقل التنمية بما يلي:
“في كل حالة من حالات المقارنة، نجد أن الثقافة واللغة والتقاليد واحدة. النتائج مع ذلك نراها مختلفة بشكل حاد. البلدان التي تتبع نظام السوق ولديها مؤسسات الرأسمالية تنمو أكثر ثراءً؛ الأخرى، إما ترنّحت أو رجعت إلى الوراء. الكوري الجنوبي الآن يعيش على دخل متوسطه يساوي متوسط الدخل في الولايات المتحدة عام 1945. ابن عمه في كوريا الشمالية، هذا إذا استطاع البقاء، يعيش على أكل الحشائش والاعشاب. زميلي نيك أبرستاد يوضح مدى تأثير الغذاء ومستوى العيش: الأولاد الكوريون الجنوبيون في سن سبع سنوات 9 بوصات أطول من الأولاد في سنهم في كوريا الشمالية.”
التنمية الاقتصادية التاريخية الحقيقية لا يمكن تفسيرها بوجود أو غياب الثروات الطبيعية. الموارد الطبيعية ليست ضرورية أو كافية للتنمية. لقد أنجزت التنمية في ظروف عسيرة، وغابت التنمية في بلدان غنية بالموارد الطبيعية. “لعنة” البترول معروفة.[2] ودخل الفرد الحقيقي في المملكة العربية السعودية هو جزء بسيط مما كان عليه في يوم مضى. نيجيريا، وهو بلد منتج للبترول يصنف على أنه بلد فقير غارق في الديون. والأرجنتين، الغنية بالموارد الطبيعية بما فيها البترول، عانت في الآونة الأخيرة من أزمة اقتصادية طال أمدها بسبب سياسات سيئة ومؤسسات منقوصة.[3]
في دراساتهم التجريبية، يربط علماء الاقتصاد ما بين الإنتاج ورأس المال المستثمر، ورأس المال البشري والإنتاجية. وبغض النظر عن ارتباطها المشار إليها، فإن هنالك خطأ فكري فادح في ذلك التحليل. إن طرفي المعادلة يحسبان الشيء ذاته:
الجانب الأيسر يقيس تدفقاً من المال، بينما المعطيات الفيزيقية وعناصر رأس المال البشري المختلفة، على الجانب الأيمن، تقيس مجمل الثراء. واضح أنه إذا أجرى أحد إنحداراً للثراء على الثراء، بالإضافة إلى بعض مقررات الثراء، فإن الأخير لن تكون له فرصة بأن يبدو مهماً.
ليس غريباً إذن أن المعطيات المأسسية للنمو قد تعرضت للإهمال. حتى عندما تُشمل في الدراسات التجريبية، فإنها تتنافس مع الثراء في إيضاح النمو الاقتصادي. إن النمطية في عملية النمو قد أدت إلى تغييبها.
ليس القصد من هذه الدراسة مراجعة أدبيات التنمية بالوسائل التجريبية. لقد فعل ذلك جيداً رول وتالبوت. إن تركيزنا هو على ما هو مهم فعلاً للنمو: الملكية الفردية. ومع ذلك، فنحن نأخذ في الحسبان نتائج الدراسات التجريبية التي جاءت في دراستهما.
فقد وجد رول وتالبوت بأن تسعة عناصر مؤسسية تُفسر أكثر من 80% من التباينات الدولية في حسابات مجموع دخل الفرد ضمن حسابات الدخل القومي حيث تتواجد حقوق الملكية الفردية (+) ونشاطات السوق السوداء (-)، والتي يكون لها أكبر الأثر. العوامل الأخرى هي قيود التنظيم (-)، التضخم (-)، الحريات المدنية (+)، الحقوق السياسية (+)، حرية الصحافة (+)، النفقات الحكومية (+)، والحواجز التي تعيق التجارة (-). إننا ننسب هذه الدراسة للقارئ الذي يرغب في الحصول على مزيد من التفعيلات حول نتائج الدراسة التجريبية.
وقبل أن نتحول إلى النظرية الفكرية التي تبين بأن حقوق الملكية الفردية هي العنصر الرئيسي في النمو الاقتصادي والتنمية، فإننا نتساءل عن الأسباب التي أدت إلى إهمال حقوق الملكية الفردية في البحوث الاقتصادية. لا نستطيع الاكفتاء بمجرد إلقاء اللوم على الأنماط الاقتصادية التي تستخدم في الدراسات بل يتوجب الرجوع إلى النظريات الفكرية التي تقف وراء ذلك الإهمال.
تجاهل علماء الاقتصاد
في كتابه حول تاريخ حقوق الملكية الفردية، يحلل توم بيثل موضوع إهمال حقوق الملكية الفردية في الأدبيات الاقتصادية. وينهي الكاتب دراسته بالقول بأن الملكية الفردية كانت حقيقة قائمة لا جدال فيها في كتابات علماء الاقتصاد الكلاسيكيين. غيابها كان أمراً خارجاً حيّز التفكير، لذا فإن أهمية الدفاع عنها لم يكن وارداً. وكما أوضح المؤلف: “في بريطانيا في زمن آدم سميث، لم يكن انتقاد حقوق الملكية ليجد طريقه أبداً إلى النشر”. ويوافق ريتشارد بايبس على ذلك بقوله: “إذا كان تجميد الملكية الفردية قد وصل القمة في إنجلترا، حيث كانت تتمتع بتأييد الأعداد الكبيرة من أصحاب الملكية الفردية، فقد تعرّضت للنقد، أول ما تعرضت في فرنسا إبان النظام الفرنسي القديم البائد.”
آدم سميث لم يهمل حقوق الملكية في أعماله القانونية. فقد جاء في أول محاضرة ألقاها ضمن السلسلة الأولى من محاضراته حول فقه القانون ما يلي:
“إن الواجب الأول والأساسي لأي نظام حكومي هو الحفاظ على العدالة: منع أعضاء المجتمع من أن يعتدي أي منهم على ممتلكات شخص آخر، أو الاستيلاء على ما هو ليس لهم. النظام إذن هو إعطاء كل واحد التملك الآمن والسلمي لممتلكاته.”
إن خطاب سميث هذا حول الهدف من الحكومة يعود في صياغته إلى لغة القرن الثامن عشر. إنها وصفية بقدر ما هي حقيقة وضعية. حماية الملكية الفردية هي بكل تأكيد الواجب الأول والأهم. وكما يوضح بيثل، فإن علماء الاقتصاد “افترضوا وجود إطار سياسي وقانوني شبيه بما كان قائماً في بريطانيا القرن الثامن عشر، ولكنهم لم يؤكدوا على هذا المفهوم، كما أنهم لم يشرحوا مفاهيمه بالتفصيل.” في فرنسا، أفرد جان-بابتيست سيه فصلاً في كتابه بعنوان دراسة حول الاقتصاد السياسي حول الملكية. وعلى ما يبدو، فإن تجربة الثورة الفرنسية قد دفعت بسميث إلى التركيز على أهمية حقوق الملكية. كما أن تلك التجربة قد أثرت تأثيراً عميقاً على مفكرين إنجليز من أمثال إدمون بيرك. إن الإهمال الذي اتسم به كتّّاب الاقتصاد السياسي البريطانيين، والذي تطرق إليه بيثل، لأمر ما زال يدعو إلى العجب. ووفق ما يقول بيثل، “فإن تعبير الملكية الخاصة بالكاد أن يكون دخل لغة التعبير قبل القرن التاسع عشر.” آدم فيرجون، الفيلسوف الاسكتلندي تحدث في القرن الثامن عشر عن الملكية ولكن دون إعطاء أية نعوت. وقد عدّد بيثل نوعين من استخدامات تعبير “الملكية الفردية” في كتاب ثروة الأمم، وواحدة في الطبعة الأولى من كتاب مالثوس مبادئ الاقتصاد السياسي. “وبشكل عام يبدو أنه لم يكن ضرورياً أن تحدد بشكل أكثر دقة، مؤسسة، لم يكن يعتقد بأن لها أي بديل عملي.”
بطبيعة الحال، كان كبار المفكرين من رجال القانون مهتمين بالملكية ووجوب حمايتها. وقد وصف بلاكستون الملكية بأنها “الهيمنة المستبدة التي يدعيها ويمارسها أي رجل ما، على أشياء الدنيا الخارجية، وبمعزل تام عن حق أي فرد آخر في العالم.” ولكنه لم يستطع أن يفكر بأي شيء “يعادل تعلق البشرية به مثل حق التملك.” أما جيريمي بينثام، الذي اختلف مع بلاكستون في كل شيء تقريباً، فقد كان متوافقاً مع هذا القانوني حول الملكية قائلاً إن القانون الذي يحمي الملكية هو “أنبل انتصار حققته البشرية على نفسها.”
ولكن ما أن جاء منتصف القرن التاسع عشر حتى أصبحت الملكية الفردية موضع الهجوم. وقد جاء الهجوم من جهات عدة. وقد حدد بيثل حلفاً ثلاثياً غير مقدس بين علماء الاقتصاد: ميل، ماركس، ومارشال.
لقد كان التمييز الشهير الذي وضعه جون ستيوارت ميل، بين قوانين الإنتاج وقوانين التوزيع وراء كثير من المفاهيم الخبيثة التي جاءت في زمن لاحق. قوانين الإنتاج كانت قوانين مبنية على قواعد علمية ثابتة لا تتغير، بينما جاءت قوانين التوزيع بفعل الإنسان وقابلة للتغيير عن طريق التشريع وقد بحث ميل موضوع الملكية تحت بند التوزيع. وقال إن العلم وليس التملك هو الذي يصنع الإنتاج.
ولكن، وفي نظام السوق، ليس هنالك من وجود للتوزيع منفصل عن الإنتاج وتبادل المنافع. إن النزعة لإعادة التوزيع هي التي تنال من نظام التملك الفردي، الذي يشكل عماد الإنتاج وتبادل المنفعة. إن عملية الإنتاج التي يقال إنها تعمل وفق قوانين مطلقة لا تتغير، يصيبها الضعف عندما تصبح الملكية الفردية غير مؤمنة. ليست هنالك من آلية تعمل بمعزل عن نظام المكافأة والعقاب، والتي تلحق بمن يملكون عناصر الإنتاج (الأرض، العمال، ورأس المال) في السوق.
إن وصف ميل البريء للإنتاج يتعارض تعارضاً حاداً مع الوصف الذي قدمه فون ميزس بعد مائة عام، حيث يقول:
“ملكية أدوات الإنتاج ليست امتيازاً، بل عبئاً اجتماعياً. أصحاب رؤوس الأموال وملاّك الأراضي مرغمون على استغلال ما يملكون من أجل تحقيق أعظم نفع ممكن للمستهلك فإذا كانوا بطيئين في تحقيق واجباتهم، فإنهم يعاقبون لإلحاق الخسارة بهم. فإذا لم يتعلموا الدرس ويستخلصوا العبر في إصلاح إدارتهم لأعمالهم، فإنهم يخسرون ثرواتهم. لا يوجد استثمار يدوم مدى الدهر.”
وفق نظرية ميزس، فإن الإنتاج هو مغامرة فعالة تنطوي على الأخطار. الإنتاج هو عملية متغيرة، والقانون الدائم الوحيد للإنتاج هو التغيير. وإن استنتاج ميزس والقائل إنه: “لا يوجد استثمار آمن إلى الأبد،” يضحض النظرية الاقتصادية الكلاسيكية حول الاستئجار الاقتصادي: لا توجد هنالك قنوات دخل دائمة.
كان جون ستيوارت ميل من أوائل حشد من المفكرين الذين اعتقدوا بأنهم يشاهدون تحولاً في الطبيعة البشرية. مثل هذا التحول، من شأنه أن يمكن ملكية شيوعية لتحل محل الملكية الفردية، فعندما تتحول الطبيعة البشرية تلقائياً، فإن كل فرد يتعلم “أن يشعر بأن المصلحة العامة هي مصلحته.” لقد كان ميل، بكل تأكيد، عالم اقتصاد كفء ومدرك للتهاون الذي سوف يحل إذا ما أصبحت الملكية مشاعاً. ففي مزرعة أو مصنع تكون فيه الملكية مشتركة، فإن الناس يعملون “تحت أعين لا رئيس واحد، بل تحت إشراف المجموعة كلها.”
نحن نعرف كيف تكون نهاية مثل هذا النظام: الكولاج (المعسكرات الجماعية). ولكن في منتصف القرن التاسع عشر، كانت تعتبر مثل هذه الآراء تقدمية. وقد كان المفكر ميل “الأصغر” يتمتع بنفوذ هائل كمفكر، لا في القرن الذي عاش فيه فحسب، بل في القرن الذي تلاه. فقد كان “واضع أنجح وأكثر الدراسات تأثيراً في عصره،” ويقول بايبس بأن ميل “حرك الفكر الليبرالي وجهة تقربه من الاشتراكية.”
كتاب ألفرد مارشال بعنوان مبادئ الاقتصاد ترك أثراً قوياً على المفكرين الاقتصاديين الناطقين بالإنجليزية، وقد كان مارشال يؤمن أيضاً بنظرية التقدم. وبينما كان ميل يتطلع إلى إمكانية حدوث تقدم في الطبيعة البشرية، كان مارشال يؤمن بأن تغييرات سريعة قد حصلت بالفعل على الطبيعة البشرية خلال الخمسين عاماً الماضية. وبشكل مقلق، فقد أعرب عن الرأي بأن الحاجة إلى الملكية الفردية، لا تصل، بدون شك، إلى ما هو ابعد من مقومات الطبيعة البشرية.
وقد كان مارشال من مؤيدي نظرية التقدم الاجتماعي المضطرد قائلاً: “إن غرائز الإنسان الجماعية، وشعوره بالواجب والتعلق بالمصلحة العامة، سوف تتطور إلى الأحسن،” ومن شأن التشريع أن يحصن هذا التوجه، وعندما يحقق الإنسان الكمال، فإن الملكية الفردية تصبح فاقدة للأهمية.[4]
أما كارل ماركس، الذي كان جسراً ما بين ميل ومارشال على المدى القصير، فقد هاجم الملكية الفردية، ودعا إلى إلغائها. إن الذي توافق عليه ثلاثتهم هو الحاجة إلى تغيير الطبيعة البشرية، إذا كان للملكية الفردية أن تُلغى. “كان ماركس يعتقد بأنها بالفعل آخذة بالتغير، وهكذا أيضاً كان يعتقد مارشال. لذا فإن نظرتهما للملكية كانت على الأقل منسجمة مع نفسها. أما اليوم، فقليل من الناس من يؤمن بأن الطبيعية البشرية آخذه بالتغير. ونستطيع أن نرى بأن أقوالاً مثل التي أعرب عنها مارشال، والتي ادعى فيها أن الطبيعة البشرية قد تغيرت، كانت مظلمة.”[5]
إن ممارسات الشيوعية في القرن العشرين حاولت إحداث تغيير في الطبيعة البشرية. وقد أوضح المؤرخ الروسي مايكل هيلر ذلك بقوله: “كل ما فعله الحزب الشيوعي منذ الثورة، وبغض النظر عن التغييرات والانحرافات الظاهرة عن المبادئ الأصلية وكذلك تغيير القادة، كانت جميعها موجهة نحو تطوير الطبيعة البشرية،” ونحن نعرف نتائج تلك الجهود.
وما أن حل القرن العشرون حتى رأينا التناقض الناجم عن أن المدافعين عن اقتصاد السوق لم يقولوا إلا القليل نسبياً حول الملكية، وعندما تحدث علماء الاقتصاد عن الملكية الفردية، فقد كانت أحاديثهم في كثير من الأحيان، ناقدة لها. وقد تحدث شومبيتر عن هزيمة الليبرالية الكلاسيكية، وأعرب عن رأيه بأن “أساتذة الاقتصاد بوجه عام وفي جميع البلدان، كانوا سياسياً مؤيدين للتيارات المناهضة لليبرالية، بدلاً من تأييد الليبرالية التي كانت وما زالت سائدة. وضمن هذا المفهوم يمكننا القول بأن التحالف بين الاقتصاد والليبرالية، ومع استثناءات قليلة، قد انفصمت عراه.”[6]
لم يركز أحد على الملكية الفردية بقدر ما ركز كارل ماركس ولكن في إطار شجبها. وقد انتصرت وجهات نظر ماركس حول الملكية في الكثير من بلدان العالم في النصف الثاني من القرن الماضي. أين كان علماء الاقتصاد في المساجلات حولها في القرن العشرين؟
إهمال الملكية في القرن العشرين
اليوم، أصبح من المتعارف عليه القول بأن علماء الاقتصاد الكلاسيكيين الجدد قد أهملوا الملكية الفردية. ولكن الذي يثير الدهشة هو شح ما كتب أولئك العلماء حول حقوق الملكية الفردية، وهم علماء الاقتصاد المعترف بهم كمدافعين عن اقتصاديات السوق. في عام 1935 أشرف هايك على تحرير مجموعة من الأبحاث تتعلق بالمناقشات حول حسابات الاشتراكية. وفيما يلي ما كتبه حول حقوق الملكية في فصل مطوّل كتبه كتقدمة لبحث القضية:
“إن القول بأن التخطيط الجزئي من النمط الذي تسير إليه، هو غير منطقي، ليس معناه مع ذلك بأن النمط الوحيد للرأسمالية، والذي يمكن الدعوة له بعقلانية، هو التجارة الحرة بالكامل، بمفهومها القديم. ليس هنالك أي سبب للافتراض بأن المؤسسات القانونية المتوارثة تاريخياً هي بالضرورة أكثرها طبيعية، بأي شكل من الأشكال بأن تحديد الأطر القانونية القائمة حالياً بالنسبة لهذا الحق، هي الأكثر ملائمة. إن مسألة ما هي أنسب الأطر الدائمة، والتي من شأنها ضمان أكثر الوسائل كفاءة ويسراً لتحقيق المنافسة، هي على قدر كبير من الأهمية، وهي مسألة يجب الاعتراف بأنها قد أهملت إهمالاً محزناً من قبل علماء الاقتصاد.”
لقد أصاب هايك كبد الحقيقة في قوله بأن علماء الاقتصاد قد أهملوا إهمالاً محزناً مسألة ما هي أنسب الأطر الثابتة لتحقيق اقتصاد يتسم بالتنافسية. إن هذا الفصل مع ذلك يمثل مثل ذلك الإهمال، فالفقرة التي أشرنا إليها هي خالية كلياً من أي مضمون، ولكن يتوجب الاعتراف بأن هايك في أواخر حياته عاد للاعتراف بأهمية حقوق الملكية في التحليلات الاقتصادية.
ففي كتابه بعنوان الطريق إلى الرق، وهو بحث سياسي، دافع هايك عن الملكية الفردية، فكتب يقول:
“إن نظام الملكية الفردية هو الضمان الأكبر للحرية، ليس فقط لأولئك الذين يملكون، ولكن وبدرجة لا تقل إلا قليلاً لأولئك الذين لا يملكون. وحقيقة أن السيطرة على وسائل الإنتاج موزعة على عدد كبير من الناس يعملون باستقلالية عن بعضهم البعض هي ما منع وقوعنا تحت السيطرة الكاملة لأي إنسان، وأننا كأفراد، نستطيع أن نقرر ما نعمل بالنسبة لأنفسنا، فإذا كانت جميع وسائل الإنتاج تحت سيطرة يد واحدة، سواء كانت إسمياً بالمجتمع ككل، أو بيد دكتاتور، فإن من يملك مثل هذه السيطرة لقادر على السيطرة الكاملة علينا.”[7]
إن أهم حماية يقدمها القانون للفرد هي حماية ملكيته. مثل هذه الملكية توفر للفرد حيزاً أمام الدولة. وبالنسبة لبايبس “فإن الملكية هي المفتاح لبروز المؤسسات السياسية والقانونية التي تضمن الحرية،” وعلى النقيض من ذلك، فإن النظم الشمولية تعود في جذورها إلى النظم الأبوية التي ترتبط فيها السيادة مع الملكية فليس من قبيل الصدفة بأن النظام الشمولي قد بلغ أوْجَه في الاتحاد السوفييتي، ذلك أنه وعلى امتداد التاريخ الروسي لم يكن هنالك في كثير من الحالات أي تمييز بين السيادة والملكية.
الأغنياء والأقوياء يعملون على المحافظة على ممتلكاتهم، حتى عندما يفشل قانون ضعيف في حماية الملكية الفردية للسكان بعامة. إن معظم أمريكا اللاتينية—وتشيلي هي الاستثناء الواضح—تجسد لتلك الحالة. فعلى سبيل المثال، فإن المواطنين الفنزويليين العاديين لا يستطيعون الحصول على التملك، ولذا فإنهم يبنون مساكن هشة على التلال المحيطة بكراكاس. وفي غضون ذلك، فإن النُّخب في المجتمع تعيش في فلل محصنة. وإن غياب الحماية القانونية للملكية الفردية هي التي وقفت حائلاً دون دمقرطة الملكية والرأسمالية في ذلك الإقليم.
في عام 1763، أفادت مجموعة من المستوطنين الألمان في ماريلاند بأن “قانون البلاد قد تم وضعه بشكل يضمن لكل إنسان التمتع بملكيته الشخصية،” وأن أضعف إنسان هو بمنأى عن اضطهاد أكثر الناس نفوذاً، وأنه لا يمكن أخذ أي شيء منه دون أن تسوى معه الأمور بما يرضيه. إن المهاجرين الألمان إلى المستعمرات الأمريكية تمتعوا بحقوق تضمن ملكيتهم الخاصة في القرن الثامن عشر أكثر ضماناً مما يتوفر لمواطن فنزويلي في القرن الحادي والعشرين، فهل من عجيب أن نرى الولايات المتحدة تتمتع بالرفاه بينما تعاني فنزويلا من الركود؟ الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، خطر وهدام على ما يقال عنه، ولكن لا يمكن أن يلام بسبب ما تعانيه فنزويلا. إنها مسألة فشل مؤسسي وليست مسألة عيوب في شخصية فرد.[8]
إن الحقوق التي منحت للمواطنين الأمريكيين الأوائل ضد افتئات الدولة والأقوياء، كما ذكر المستوطنون الألمان في القرن الثامن عشر والذي نشرنا أعلاه، هي التي وفرت لهم الحماية لأشخاصهم وأملاكهم. تلك الحماية بدورها تمكنهم من الاستثمار وتقبل المخاطر. وبشكل عام، كلما كانت حقوق الملكية أقوى، كانت الحوافر أقوى للعمل والتوفير والاستثمار. وبالتالي الإدارة الفعالة لعجلة الاقتصاد. وكلما كانت تلك العجلة الاقتصادية أكثر فاعلية، كلما ازداد النمو في أي قطاع من قطاعات الثروة.
إن الدعم النظري لأهمية حقوق الملكية مقنع إلى أبعد الحدود، فلماذا يقبل الفرد على الاستثمار ما لم يكن يستهدف تحقيق شيئاً من الكسب لنفسه ولعائلته؟ وكيف يمكن أن يضمن بأن المكاسب التي تتأتى عن جهوده سوف تكون مؤمنة ومملوكة له إلا من خلال نظام يرسم بوضوح حقوق الملكية؟ إن افتراضاً غير ذلك يعني افتراض أن الطبيعة البشرية سوف تتغير. هذه الطريقة قد تصل إلى نهاية مسدودة.
ومع ذلك، ما زالت نظريات النمو الاقتصادي تتحدث عن قوانين الإنتاج والعلاقات بين الأشياء، بدلاً من التفاعل بين الناس الذين تحكمهم المؤسسات. علماء الاقتصاد مازالوا يتناقشون حول ما إذا كانت مستخلصات الحجم في ازدياد أو نقصان أو ثبات، ولكن تلك المجالات تتصل بقوانين الإنتاج الفعلية، وليست بأنظمة الحوافز والمكافآت التي تقود عملية النمو الاقتصادي.
ففي إطار نمط اقتصادي معين، قد تكون هنالك مردودات متناقصة، ومع ذلك فإن العالم الحقيقي يبدو في إطار من المردود المتزايد. كان آدم سميث يعتقد بأن المردود يتناقص على المدى القصير، بينما تتناقص التكاليف على المدى الطويل. المدى القصير جسّد عالم المردود المتناقص المرتبط اسمه بديفيد ريكاردو، وغيره من الاقتصاديين الكلاسيكيين. فعلى المدى الطويل، رجال الأعمال ابتكروا، وأصحاب رؤوس الأموال استثمروا، والتكاليف تناقصت سميث نفسه كان يعتقد بأن مصنع الأزرار يعطي التفسير لهذا النمط، بينما كان علماء الملكية الفردية ينظرون إلى نواحي أخرى.[9]
في القرن العشرين، وقف رجل اقتصاد واحد ضد التيار حول حقوق الملكية: إنه لودفيغ فون ميزس. آراؤه بشأن حقوق الملكية استبقت كثير من آراء رجالات الاقتصاد الذين تبنوها بعد سنوات طويلة لاحقة. “إذا ما حللنا بشكل متناسق، فإن حقوق الملكية تضفي على صاحبها جميع المزايا التي تتأتى عن حسن استغلالها من ناحية، مثلما أنها تكميلية بجميع العواقب التي تنتج عن سوء استغلالها من ناحية أخرى.” المزايا والتكاليف ليست ناتجة عن عوامل داخلية إذا كانت القوانين قاصرة أو إذا كانت هنالك ثغرات تؤثر على حماية الالتزامات، وفي مثل هذه الحالة، فإن مسألة التكاليف الخارجية تطفو على السطح.
يحلل ميزس العملية التي يتم بموجبها للأشخاص إقامة حقوق الملكية على الثروات الطبيعية. إنه يفحص التكاليف والفوائد التي تنتج عن الملكية الفردية. عندما تكون الأرض شاسعة وتقوم حدود لها، كما كان الحال في أمريكا القرن التاسع عشر، فربما لم يكن مغرياً إقامة حدود للملكية الفردية في مثل تلك البيئة، فإن المستوطنين يقتلعون الأشجار دون اعتبار لإعادة زراعتها. كذلك، فإنهم يصيدون الأنعام والأسماك إلى أن تنفذ كمياتها، ثم ينتقلون إلى مناطق بِكر أخرى لم تُستوطن. “فقط عندما كان بلد ما مكتظاً بالسكان ولم تعد توجد أراض من الدرجة الأولى صالحة للاستغلال كان نظر الناس إلى ذلك الاستغلال بأنه هدر واعتداء على الموارد، وفي تلك الحالة، فإنهم عززوا نظام الملكية الفردية في الأرض.”
وعلى النقيض من ذلك، وفي أواسط وغرب أوروبا، لم تلاحظ مثل هذه العملية في الزمن الحديث. لم يلاحظ انحسار التربة أو تعرية الأحراش من أشجارها، لماذا؟ “لأن نظام الملكية الفردية كان قد استقر بشكل ثابت على مدى قرون عديدة. الأحراش كانت ملكية فردية، وكان الدافع للمحافظة عليها مصلحة المالكين الأنانية. وفي أكثر المناطق ازدحاماً واحتواء للصناعة حتى سنوات أخيرة، كان ما بين خُمس إلى ثُلث الأراضي مغطاة بأحراش من الطراز الأول، وتدار وفق أفضل الطرق العلمية بصيانة الأحراش.
حقوق الملكية الفردية تصان فقط عندما تتغلب فوائدها على تكاليفها. هذا التوجه معروف في يومنا هذا. وتحليل ميزس، مع ذلك، يستبق دراسة ديمسيتز المعروفة.[10] إن أدبيات حقوق الملكية الحديثة قد صرفت النظر عن تحليلات ميزس. وكان ممكناً الاستفادة منها، ذلك أن ميزس كان على إدراك أوسع وأعم للدور المفصلي الذي تؤديه حقوق الملكية الفردية من معظم معاصريه في القرن العشرين.
موجز القول هو أنه، وباستثناء ملكية بارزة، فإن تاريخ العلم الاقتصادي اتسم بإهمال شديد لحقوق الملكية بسبب اهتمامهم الأساسي بالعوامل المادية المؤدية إلى النمو الاقتصادي مثل التكون الرأسمالي والاختراعات التكنولوجية، كما أن بزوغ نظرية اقتصادية أكثر تنافساً بالنسبة لحقوق الملكية تعود إلى فترة قريبة نسبياً.
الاقتصاد، حقوق الملكية، والتنمية
آرمن ألكيان، رونالد كوز، وهارولد ديمسيتز، هم مؤسسو المدرسة الاقتصادية الحديثة فيما يتعلق بحقوق الملكية. لقد عملوا، ليس فقط على تحديد أهمية نظام الملكية الفردية بالنسبة لإدارة الاقتصاد بكفاءة، ولكن في تحديد الظروف التي تؤدي إلى تحويل وتكوين حقوق الملكية الفردية. وقد كتب ألكيان:
“وفق نظام حقوق الملكية، فإنني أعني طريقة أن تحول إلى الإفراد سلطة اختيار بضائع محددة واستخداماتها، ما بين مجموعة من الاستخدامات المسموح بها. وكما هو مبين في الملاحظات الآنفة، فإن نظرية “السلطة” ونظرية “غير الممنوعات”، تعتمدان على شكل من أشكال التنفيذ أو الحث على احترام التحويل أو التفويض ومدى الاختيار غير المسموح به. حق التملك بالنسبة لي يعني بعض الحماية من خيارات آخرين ضد إرادتي في استخدام موارد تعتبر مملوكة لي.”
ويوضح كوز بأن الطريقة التي تحول بها الحقوق بداية، أو تقسم، لا تؤثر على الطريقة التي تستغل بموجبها الموارد، عندما لا يكون هنالك ثمن مرادف لتبادل الممتلكات الطوعي، ولا توجد التزامات بوليسية. وما دام أن هنالك التزامات بوليسية وأثمان معاملات تتصل بتحديد وحماية حقوق الملكية، فإن مثل هذه الحقوق سوف تُحدد وتُحمى فقط عندما تتجاوز المنافع في إجراء ذلك الثمن الذي يدفع.
إن من الخطأ الافتراض بأن مهمة إعطاء وتحديد وحماية حقوق الملكية هي حصراً من مهام الدولة وحدها. الملكية الفردية تطورت من ثنايا العادات والتقاليد وقبل أزمان بعيدة من نشوء الأمم. وفي كتابه بعنوان الملكية والحرية يقدم بايبس عرضاً لتطور مؤسسات الملكية من الأزمنة البدائية وحتى قيام مؤسسة الدولة. ولاحظ المؤلف بأنه وفي معظم البلدان، فإن حقوق الملكية اتخذت شكل الاستحواذ والإدعاء بها كان يستند ليس على وثائق حقوقية ولكن على استخدامات طويلة الأمد، والتي تثبت التقاليد بأنها برهان على الملكية. في مرحلة لاحقة فقط أصبحت الملكية منظمة ومعتبرة بقيام الدولة.[11]
وفي يومنا هذا يتم الاتفاق أولاً بين الأفراد أو الشركات على حقوق الملكية، ومن ثم يعترف بها قانونياً. ومع ذلك، فإن الحكومات وعلى جميع المستويات تواصل إضعاف أو النيل من حقوق الملكية، يوماً بعد يوم، بإطلاقها سلسلة من الأنظمة التي تؤثر على استخدامات الملكية الخاصة.
العنصران الرئيسيان في حقوق الملكية هما: (1) حقوق الأفراد حصراً بالاستفادة من مواردهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، ما دام أنهم لا يعتدون على حقوق أناس آخرين؛ (2) قدرة الأفراد على نقل أو تبادل تلك الحقوق على أسس طوعية. وإلى المدى الذي تكون فيه هذه العناصر محترمة ومطبقة، تكون مدى فعالية عنصر الأسعار في تخصيص البضائع والخدمات في الاقتصاد بكفاءة. التجربة والنظرية كلاهما يدلان على أن النظم الاقتصادية التي يعمل فيها عنصر الأسعار بكفاءة هي النظم الأفضل في تكوين الثروة. وباختصار، كلما كانت حقوق الملكية الفردية أقوى، كلما كان النظام الاقتصادي أكفأ في توزيع الموارد وتعظيم فرص تكوين الثروات.
الأفراد في جميع المجتمعات لهم مصالح متضاربة إحدى وسائل حل تلك التضاربات هي عن طريق المنافسة. نظام الملكية الفردية في المجتمع يحدد الأشكال المسموح بها في التنافس ويعطي الحق المطلق والحصري للأفراد لاستغلال مواردهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، وكذلك الحق في تحويلها. مثل هذا النظام يمنع استخدام القوة ويشجع التعاون. والحقيقة هي أن المنافسة الاقتصادية هي نظام للتعاون الاجتماعي. وبقدر ما تكون حقوق الملكية الفردية مصانة وقوية، بقدر ما يكون نظام الأسعار ناجحاً في تخصيص الموارد وتعظيم الثروات.
إن العلاقة بين حماية الملكية—والتي تعرف من حيث الشفافية والاستقلالية والكفاءة التي يتسم بها الجهاز القضائي—وبين الثروة، مقاسة بدخل الفرد من مجموع الإنتاج الوطني الكلي في 150 بلد حول العالم، تؤكد هذا القول. بالمتوسط، فإن دخل الفرد من مجموع الإنتاج الوطني العام، مقاساً بمعدل القوة الشرائية المقارنة، هو ضِعف الدخل في الدول الأكثر حماية للملكية الفردية (23.769 دولار)، منها في البلدان الأقل حماية لها (13.027 دولار)، وبمجرد أن تشير الدلائل إلى تراجع في حماية حقوق الملكية (أي حماية متوسطة)، وحتى بدون أن يكون النظام القضائي فاسداً كلياً، فإن دخل الفرد من الإنتاج الوطني العام يهبط إلى خمس مثيله في البلدان الأكثر حماية (4.963 دولار). إن البلدان التي تكون نظمها القضائية فاسدة جداً تكون كذلك فقيرة جداً بالمعدل الوسط (2.651 دولار).
بعض علماء الاقتصاد يثيرون مسألة التكاليف الخارجية في اعتراضهم على وجود نظام قوي لحماية الملكية. إن وجود تكاليف خارجية تستخدم لتبرير التدخل الحكومي في إضعاف الملكية الفردية. ومع أن وجود عنصر خارجي أو فشل في السوق هو شرط ضروري لإحداث تدخل حكومي، فإنه ليس شرطاً كافياً. الإجراءات الحكومية لها تكاليفها الناتجة عنها، وهذه يجب أن توضع في الميزان عند حساب الفوائد المحتملة من مثل تلك الإجراءات.[12] ومع ذلك، فإن بلدان كثيرة تلجأ إلى فرض قيود من شأنها إضعاف حقوق الملكية الفردية بمجرد هبّة خفيفة من التكلفة الخارجية. الأنظمة والتعليمات تؤثر على النشاط الاقتصادي لأنها تشكل تدخلاً في حقوق الملكية الفردية. إنها تفعل ذلك عن طريق محاولة تعديل أو الإحلال أو استبدال نتائج من صنع السوق بنتائج من صنع الحكومة. إزالة القيود إذن تتجاوب مع الإدراك بأن تقوية حقوق الملكية من شأنه ضمان أفضل الاستخدامات للموارد.
ومع أن المحافظة على حقوق الملكية يزيد بشكل واضح نمو البلدان وتنميتها، فإن تحويل وتنفيذ حقوق الملكية في بعض المناطق يمكن أن يشكل تحدياً، وهذا صحيح بصورة خاصة بالنسبة للبضائع المستندة إلى المعرفة والاستخدامات الاقتصادية لبعض الموارد الطبيعية. وفي الحالتين كلتيهما، فإن من الصعب جداً تحقيق توافق بين الأمم، سواء حول كيفية تعريف حقوق الملكية أو حول كيفية إقامة آلية دولية لتنفيذها. وبهذا المعنى، ستظل البيئة والبضائع القائمة على المعرفة تشكلان قلب أكثر مصادر النزاع حول حقوق الملكية. ومع ذلك تظل الحقيقة قائمة بأن الحماية الفعالة للملكية هي الوسيلة الفعالة الوحيدة أمام المجتمعات لأفضل استخدام لما يملكون من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والثروة.
إن بناء نظام قوي لحماية الملكية الفردية في البلدان الفقيرة ليست بالأمر السهل. كما إن إقامة نظام حكم ديمقراطي ليس ضماناً لنظام يصون الملكية الفردية بقوة. فهنالك بلدان كثيرة تعاني من الفقر ونظمها الديمقراطية مضادة لليبرالية، تقوم بإضعاف وانتهاك حقوق الملكية الفردية على هواها ودون اكتراث، والأرجنتين هي آخر الأمثلة على ذلك وأكثرها فداحة. كما أنه ليس واضحاً بأن الديمقراطية هي شرط ضروري لحماية الملكية الفردية، ذلك أن مثل تلك الحقوق قد نالت الحماية القوية في ظل الدكتاتورية (تشيلي)، وعلى يد سلطات أجنبية حاكمة (هونج كونج). ومع ذلك، إن أقوى الأنظمة على ما يبدو موجودة في البلدان الغنية ذات النظم الديمقراطية المستقلة. إن مصدر نجاحها ينبثق—ليس من كونها حكومات قوية—ولكن من حكومات تركز على حماية الملكية واستخدام تلك الملكية في النشاط التجاري. وكما كتب هايك:
“لم تكن تحت أكثر الحكومات قوة، ولكن في المدن التي شهدت النهضة الإيطالية، وفي جنوب ألمانيا وفي البلدان المنخفضة، وأخيراً، في إنجلترا حيث كانت حكوماتها قليلة التدخل؛ أي أن نشأة الثورة الصناعية الحديثة كانت تحت حكم البرجوازية وليس تحت حكم المحاربين. إن حماية الملكية المتعددة، وليس انقياد استخداماتها من قبل الحكومة، هي التي وضعت الأسس لنمو تلك الشبكة الكثيفة من تبادل المنافع والخدمات، وبالتالي أوجدت النظام العريض.”
إن أكثر ما ينفع البلدان الأقل نمواً هو التركيز على إقامة وحماية الملكية الفردية. ومع ذلك، فإن معظم ما تقدمه الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي موجه نحو أهداف أخرى، وفي كثير من الأحيان يضعف حقوق الملكية. إن حماية الملكية، وتمكين الأشخاص من متابعة ما يصعب في مصلحتهم الذاتية، وفتح سبل التجارة، هي أكثر العناصر ضماناً للنمو الاقتصادي.
الفساد
يركز مسؤولو التنمية المؤيدون للنمو الاقتصادي بشكل متزايد على الفساد بصفة كونه يعيق التنمية. تقليدياً، كان لعلماء الاقتصاد رأيين منفصلين حول الفساد فقد أعرب روبرت بارو عن الرأي بأنه وفي ظروف معينة يمكن أن تتأتى عن الفساد بعض الفوائد:
“في بعض الحالات، فإن الفساد أفضل من التطبيق الأمين لأنظمة سيئة. على سبيل المثال، سوف تكون النتائج أسوأ، إذا كانت هنالك أنظمة تمنع النشاطات الاقتصادية النافعة، وطبقت بحذافيرها، بدلاً من التحايل عليها نتيجة الرشوة. ومع ذلك، فإن مما يعيق الاقتصاد أن تكون النشاطات الاقتصادية التي تتم دون رشوات قليلة. لذا، فإن النتائج الكلية للفساد الرسمي تنطوي على الغموض.”
كثير من علماء الاقتصاد يوافقون على حساب “الثمن مقابل المنفعة” في معالجتهم للفساد، وإن لم يكن الغموض الأخلاقي الذي يكتنف موضوع الفساد. في ظل هذا التوجه، هنالك حد أقصى من التعامل الخاضع للقانون. وعلماء الاقتصاد ميالون إلى تأييد أقوى لموقف بارو عند الحديث عن السوق السوداء، والتي يعتبرها نتيجة وتكيفاً مع تعريف ضعيف لحقوق الملكية، مثل الضرائب الباهظة والقيود الإدارية الظالمة. لذا، وبالتعامل مع القطاع غير العلني، فإن باستطاعة الأفراد أن يمارسوا نشاطات اقتصادية، ربما تُفقد بسبب مؤسسات خفيفة وسياسات خاطئة. ومع ذلك، فإن هنالك ثمناً يتمثل في نقصان الكفاءة، وفقدان القدرة على تطبيق العقود، وكذلك نقصان في الدخل الضرائبي.
وقد رسم هرناندو دي سوتو بشكل واضح المعالم التكاليف التي تترتب على نشاطات رجال الأعمال العاملين في السوق السوداء على الوجه التالي:
“خلافاً للحكمة السائدة، فإن العمل في الاقتصاد غير الرسمي ليس بلا كلفة. فالنشاطات الخارجة عن القانون تدفع ضريبة عدم وجود قانون يحمي الملكية، كما أن عليها أن تتستر على نشاطاتها باستمرار هرباً من السلطات وبما أنهم ليسوا منتظمين في شراكات قانونية، فإن رجال الأعمال الخارجين عن القانون لا يستطيعون اجتذاب المستثمرين عن طريق بيع الأسهم، كما أنهم لا يستطيعون الاقتراض بفوائد رسمية متدنية لأنهم لا يملكون حتى عناوين قانونية. كذلك، فإنهم لا يستطيعون تقليل مخاطرهم عن طريق محدودية الضمان أو الحصول على تأمينات لاستثماراتهم؛ التأمين الوحيد المتاح أمامهم هو ذاك الذي يقدمه جيرانهم، والحماية التي يقدمها “الزعران” أو المافيا لهم مقابل الثمن. يضاف إلى ذلك، وحيث أن رجال الأعمال الخارجين عن القانون يعيشون حالة من الخوف الدائم من اكتشاف الحكومة لهم أو ابتزاز الموظفين الفاسدين لهم، فإنهم يجدون أنفسهم مضطرين إلى تقسيم مرافق إنتاجهم بين مواقف عديدة، وبالتالي فإنهم يحققون الوفر الناتج عن اقتصاديات الحجم. في البيرو، 15% من مجموع الدخل المتأتي عن الإنتاج في المصانع غير القانونية يدفع في شكل رشاوى، تتراوح ما بين نماذج مجانية إلى هدايا خاصة من البضائع وحتى دفعات نقدية. ولما كانت عيونهم تراقب البوليس، فإن النشاطات الخارجة عن القانون لا تستطيع أن تعلن عن منتوجاتها بشكل علني حتى تكسب مزيد من الزبائن، أو أن تعقد صفقات كبيرة بتكلفة أقل لزبائنها.”
وقد قاد دي سوتو البحث إلى نتيجة مفادها أنه إذا كان ممكناً لرجال الأعمال الحصول على اعتراف قانوني بملكيتهم، وأن يعملوا ضمن القانون، فقد يكون مجزياً لهم أن يدفعوا الضرائب لتفادي التكاليف التي تتأتى عن العمل تحت الأرض. الفقراء لا يختارون العمل بشكل غير قانوني لأنهم ميالون إلى السلوك غير القانوني. وفي سياق حديثه عن عملية الهجرة إلى المدن في الدول النامية، فقد وجد دي سوتو أنه “في كل بلد قام بدراسته، وجد أن صعوبة البقاء في ظل القانون لا تقل صعوبة عن أن يصبح المرء قانونياً. وبشكل متعذر اجتنابه، نرى أن المهاجرين إلى المدن لا يكسرون القانون بقدر ما يكسرهم القانون، وبالتالي لا يجدون مفراً من الخروج عن النظام.”
عدد متزايد من المراقبين للدول النامية يلقون باللائمة على تفشي الرشاوى. أليخاندرو شافوين ويوجينيو غوزمان كتبا يقولان:
“ورغم ذلك، فإن السلوك الفاسد نفسه الذي قد يعطي لشخص ما القدرة على تجنب قانون ظالم قد يسمح لشخص آخر بتفادي الالتزام بقانون عادل. إن الموظف البيروقراطي الذي يقبل الرشوة لمساعدة إنسان ما في الحصول على عقد قد يقبل رشوة أيضاً لترك إنسان آخر يخرج من العمل. الموظفون الذين يقبلون الرشاوى لتسريع معاملة قانونية ما قد يقبلون أيضاً برشوة لترك إنسان أعزل غير قادر على حماية نفسه من الابتزاز. والمدراء التنفيذيون لشركات مقيمة في الولايات المتحدة كثيراً ما يجدون أنفسهم ضحايا لمثل هذا السلوك البيروقراطي.”
هنالك دلائل وفيرة على أن شافوين وغوزمان كانا على صواب، فدراسة حديثة لرول وتالبوت تبين بأن الفساد له تأثير سلبي كبير على دخل الفرد ضمن مجموع الإنتاج الوطني العام. إن هذا العنصر هو الثاني فقط من حيث التأثير، بعد حقوق الملكية، على مستوى المعيشة في أي بلد من البلدان، وعندما يتجذر الفساد، يصبح من الصعب اقتلاعه. فالدفاعات غير الشرعية التي يتلقاها الموظفون الحكوميون تصبح جزءً من مكافآتهم المتوقعة، ووكالات الجمارك قد تصبح ليس أكثر من هيئات لجني الرشاوى.
إحدى الطرق للتخلص من هذه المعضلة هي أن تعين الحكومات شركات خاصة مثل الشركة السويسرية (سوسيتيه جينيرال دو سيرفيلانس) لتنفيذ القانون أو حتى لجباية الجمارك. في البيرو، عينت حكومة فوجيموري عدة شركات تفتيش مرخصة لإجراء تدقيق مسبق قبل الشحن على المستوردات من البضائع، والتي تصلح كمرجع لتقرير أحجام المكوس والجمارك والتخليص. هذا المشروع التنافسي الخاص رفع من دخل الجمارك وخفض من التأمينات التي كانت تحصل في عمليات التخليص. الحكومة تقرر لوحات التعرفة والقواعد، ولكن الشركة الساعية للربح تنفذها. وحيث أن سمعتها تكون على المحك، فإن الشركة سوف توظف مواردها لمكافحة الفساد. وكبديل لذلك، يمكن لبلد تخفيض الحوافز الدافعة لأخذ الرشاوى عن طريق تغيير السياسات. إن لوائح التعريفات المعقدة، والتي تضم عدداً كبيراً من الرسوم المختلفة، تخلق الحوافز للمستوردين للسعي لدى مسؤولي الجمارك في الحصول على معاملة تفضيلية بالنسبة للخانة التي تقع فيها بضائعهم. وقد فرضت تشليي تعرفة واحدة متساوية لمعظم البضائع والتي كان من شأنها التقليل من طلب المعاملة التفضيلية إلى حد كبير ولكن ذلك ترك تعرفة عالية مقدارها 10%، وفي عام 1991، أعلنت الحكومة أنها ستخفض التعرفة الجمركية بمقدار 1% كل عام، حتى تهبط التعرفة الموحدة إلى 6% في عام 2003.
ومع أن ذلك ليس مستحيلاً، فإن اقتلاع الفساد بعد تجذره يشكل تحدياً للنظام السياسي. هذا الاعتبار هو الذي حدا بتوماس جفرسون إلى القول بأن الوقاية هي خير علاج:
“الطبيعة البشرية هي نفسها على طريقي الأطلسي وهي سوف تخضع لنسف المؤثرات والأسباب. الوقت الذي يجب أن نحترس فيه من خطر الفساد والطغيان هو قبل أن يمسكا بتلابيبنا. من الأفضل إبقاء الذئب في خارج الحلبة بدلاً من الوثوق بخلع أنيابه بعد أن يكون قد دخل.”
البلدان التي أبقت الذئب خارجاً هي التي تمتعت بالرخاء. الدول الإسكندنافية مشهورة بقلة وجود فساد سياسي. وعلى الرغم من وجود ضرائب باهظة، فإن مواطني تلك البلدان يتمتعون بمستوى عالٍ نسبياً من الدخل الحقيقي. فنلندا والدنمارك تُذكران كثيراً كمناطق جاذبة للاستثمار والتعامل التجاري،

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

في ظل الحراك العالمي والمستجدات التي تفرضها قضايا العولمة، لا بد من وجود قانون يستجيب لتلك المشاكل المترتبة على فرضية تداخل الفضاءات، ويحدد العلاقة بين الدول والقانون والمجتمع على كافة الصعد. حيث يمكن الاستفادة من هذه المرحلة الحالية التي تشهد إلى حد ما الانتقال من دولة الشرعية إلى دولة القانون.
إن واقع الإدارة العالمية الاقتصادية لن يكون مستقراً، إلا إذا برز نظام كوني متجانس قادر على مواجهة القوى الاحتكارية، وتطبيق كل قواعد الحكمانية عليها من المجاهرة والإيضاح والشفافية والديمقراطية وتحمّل المسؤولية الاجتماعية، وهنا تكمن أهمية القضاء ودوره. وإلا فإن كل صيحات الديمقراطية الاقتصادية الجديدة ومضمونها ستكون نظاماً دولياً احتكارياً لم يشهد العالم مثيلاً له. وإذا طغت السيطرة على النظام الاقتصادي العالمي، فإن كل دعاوى الديمقراطية الاقتصادية التي نسمعها ستكون مجرد همسات في ريح عاتية. وفي حال غياب أداة قادرة على الفصل كالمحاكم تكون قد تركزت دعائم دكتاتورية السياسة الدولية. وفي هذا الإطار يمكن الرجوع إلى عمل منظمة التجارة الدولية لمحاولة فهم هذه المتغيّرات، خاصة نشاطها على الصعيد القضائي.
إن إجراء تقييم دقيق للسجل القضائي لمنظمة التجارة العالمية، يظهر أن النظام قد سجل تقليصاً لدور الدبلوماسية الدولية وعمل بالمقابل على تعزيز حكم القانون. والنزاعات التجارية الدولية الآن تسوّى من قبل منظمة التجارة العالمية، وعلى أساس حكم القانون وليس من خلال اللجوء إلى سياسة القوة المحضة. وتمنح تلك المنظمة كل عضو حقوقاً متساوية وكذلك التزامات متساوية في قبول النتائج، ومن أكثر الأمثلة تعبيراً عن واقع عمل هذه المنظمة على الصعيد القضائي، هو ما يتعلق بقضية الهرمونات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا. والمسيرة القضائية لمنظمة التجارة العالمية أثبتت نجاحها بوجه عام على الرغم من بعض الملاحظات والاعتراضات على مسيرتها القضائية كالاعتراضات على نظام التسويات القضائية للمنظمة مثل سرية المداولات، ونفقات المقاضاة …الخ.
وتظهر سجلات منظمة التجارة أن عدد الخلافات أو الشكاوي الواقعة بين الدول والتكتلات داخل المنظمة حتى نهاية العام 2005 بلغت نحو 335 شكوى بين الأعضاء، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، هي أكثر الدول الشاكية والمشكو منها أيضاً. وتشير إحصاءات المنظمة أن عدد الشكاوي الموجهة من الولايات المتحدة ضد الدول الأخرى بلغت 81 شكوى منذ العام 1995، فيما بلغ عدد الشكاوي ضدها 90 شكوى. والنسبة العظمى من الخلافات التي تم تقديمها إلى المنظمة، مقدمة من قبل الدول والتكتلات الكبرى، فيما الدول النامية والصغرى وهي التي تعتبر الأكثر تضرراً من غيرها من الواقع الاقتصادي العالمي، هي الأقل تقدماً أو تذمراً أمام مراجع المنظمة القضائية.
والقضايا المطروحة في أروقة المنظمة متنوعة منها ما يتعلق بحقوق الملكية، وفرض قيود على حرية وصول المطبوعات، وسياسة الإغراق. وفي نيسان2007 تقدمت الولايات المتحدة بشكوى ضد الصين تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، وشكوى أخرى تتهم الصين بوضع قيود على حرية وصول المطبوعات والأفلام والموسيقى الأجنبية إلى الأسواق الصينية. وأصدرت منظمة التجارة العالمية أول أحكامها ضد الصين وشملت القضية ثلاث دعاوى رفعتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا في شأن الضرائب التي تفرضها على واردات مكونات السيارات، وهذا أول حكم ضد بكين منذ انضمامها لعضوية المنظمة عام 2001، وطالبت لجنة فض المنازعات في المنظمة من الصين بمطابقة نظام الواردات لديها مع قواعد التجارة العالمية.
والخلافات القضائية داخل المنظمة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معظمها قائم على دعم الدول لصناعتها وزراعتها التي تصب في خدمة ودعم الشركات. وقد تكون المنافسة القضائية بين الشركتين، إيرباص وبوينغ تدخل في إطار استراتيجيات الدول التي تعتبر صناعة الطيران صناعة استراتيجية تدخل في صميم الأمن القومي السياسي والأمني والاقتصادي. فالولايات المتحدة قدمت شكوى ضد مؤسسة الطيران الأوروبية، تتهم فيها الحكومات الأوروبية بتقديم الدعم لشركة إيرباص، وتعتبر هذه القضية من أكثر القضايا تعقيداً التي تبت بها المنظمة الدولية. وقد قدمت الولايات المتحدة أدلة على أن السلطات في مقاطعة ويلز، قدمت 9,5 مليون دولار على شكل منحة لتدريب فنيين جدد لطائرة إيرباص A350 المنافسة لطائرة البوينغ 787 حيث يحاول كلا الطرفين تقديم الأدلة والبراهين على مخالفة الطرف الآخر لمبادئ المنظمة ودعمه لشركته الوطنية. ولقد أصدرت منظمة التجارة العالمية حُكمها القضائي المكون من حوالي 1200 صفحة والذي تدين فيه الاتحاد الأوروبي.
قوى السوق بأمسّ الحاجة إلى سلطة القضاء من أجل إعطائها الشرعية القانونية، ومن أجل صون ملكيتها وحماية حرية عملها. والمنظمات غير الحكومية تستطيع أن تلعب دوراً على صعيد العمل القضائي للمنظمة، من خلال الحق الذي أعطي لها في تقديم مذكرات النصح والإشارة لهيئة الاستئناف في منظمة التجارة العالمية. ويمكن الاستفادة من السلطة القضائية العالمية للمحكمة الجنائية الدولية، خاصة في ما يتعلق بقضايا النزاعات المسلحة وانتهاك حقوق الإنسان. فلا بد من الإشارة إلى نظام المحكمة الجنائية الدولية المتعلق بمسؤولية الاشتراك في الجريمة، والذي يمكن أن يخلق مسؤولية جنائية دولية للموظفين والمسؤوليين. وعلى المجتمع المدني الضغط والعمل لإيجاد تعديلات في نظام المحكمة من أجل إدراج مسؤولية المؤسسات عن الانتهاكات، في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
المجتمعات بحاجة إلى قوانين مالية واقتصادية وسياسية تنظم حركة الأسواق الاقتصادية بكافة جوانبها، والقضاء قد يكون مدخلاً لهذه الحركة. وإلى أن يتم الاتفاق على وضع تلك القوانين، يبقى القضاء وقدرته على الحركة خاصة من باب الاجتهادـ المدخل الأسهل والأسرع لمعالجة هذا الوضع. وفي إطار لعبة السلطة والسلطات المضادة يمكن للقضاء أن يملأ الفراغ الناتج عن هذه المتغيرات، سواء على صعيد الفاعلين من شركات، منظمات غير حكومية، حكومات، منظمات دولية، أفراد، أو الأسواق وضروراتها. وفي ظل عصر السوق لا يمكن إيجاد توازن بين كل تلك الجهات سوى من خلال القانون. وفي ظل غياب مدلول قانوني معولم واضح لكثير من القضايا الشائكة. وقد تكون قرارات واجتهادات المحاكم المدخل لواقع جديد يتبلور في ظل التباين في العلاقة بين العولمة والقانون.
© منبر الحرية،17 أكتوبر/تشرين الأول 2010

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018