شؤون اقتصادية

peshwazarabic10 نوفمبر، 20102

بداية لابد من تعريف الهجرة الحالية للشباب في الوطن العربي، حتى يمكننا فهم مسبباتها وآلياتها ودوافعها في عبارات موجزة موحية فنقول: الهجرة بمعناها المتداول اليوم، هي الانتقال من دولة نامية ذات إمكانات وقدرات ضعيفة، إلى أخرى تتوفر فيها إمكانات اقتصادية عالية ومستوى معيشي مرتفع يفتقدهما الشاب المهاجر في بلده.
ولهذا يمكننا القول بأن الهجرة الحالية للشريحة الشابة في الوطن العربي بدأت في السنوات الأخيرة، وبالتحديد بعد الهجرة الواسعة من الريف إلى المدينة في بدايات السبعينيات من القرن الماضي وخاصة في سورية، حيث اصطدام الشباب في حياتهم المدينية الجديدة بالبطالة وزيادة مصاريف المدينة وأعباء المعيشة، لتتحول سريعاً إلى تيار هجرة خارجية توجه فيها الشباب نحو أوربا الغربية بشكل خاص ثم الولايات المتحدة الأمريكية حيث الاقتصاد الحر مزدهر ولا قيود على الحريات الفردية.
وفي وقت ما اكتظت أحياء مدن أمريكا اللاتينية بالمهاجرين العرب الشباب كالبرازيل، والأرجنتين، والمكسيك…الخ. إما هرباً من الاضطهاد الديني أو السياسي أو طلباً لحياة أفضل في هذه البلدان، حيث يمكن أن نعد في البرازيل وحدها اليوم أكثر من عشر ملايين مهاجر عربي. أما في الآونة الأخيرة فقد تغير مسار الهجرة الشبابية من الوطن العربي نحو الغرب، حيث أصبح الشباب يحلمون بمستوى معيشي لائق وبالثروة والمال والجاه وبالخلاص من الضغط الداخلي المرير. ولهذا ازدادت الهجرة اللاشرعية بشكل ملفت للنظر في الآونة الأخيرة وخاصة من كل من مصر، وسورية، ولبنان، والأردن، واليمن، والصومال، وبلدان المغرب العربي، وهي البلدان الأكثر تصديراً للمهاجرين الشباب اليوم.
هذه الهجرة التي تتم اليوم عن طريق شبكات التهريب التي استطاعت بأساليبها الخاصة تهريب ما يقارب الـ 90% من حالات هجرة الشباب العرب إلى الغرب، وإن بدأت تقل في الآونة الأخيرة بسبب معوقات السفر في كل من بلدان الهجرة(الغرب) التي تعمل على الحد من دخول اللاجئين غير الشرعيين إليها، وبلدان المهجر(الوطن العربي)، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف الهجرة غير الشرعية على أيدي المهربين ومخاطر الطريق البحري ومشاكله.
وعلى العموم يمكن إجمال أسباب هجرة الشباب العربي إلى عدة عوامل أساسية وهي:
1- الزيادة السكانية الكبيرة، والبطالة الناشئة عن الاقتصاد العام الحكومي المغلق والتي طالت مختلف الشرائح الشبابية ومن أعمار مختلفة، ثم الحالة النفسية وحالات الاكتئاب والضغط النفسي التي أصبحت تسيطر على فئة للشباب. فالشاب الذي لا يجد في جيبه ثمن حذائه وقميصه وأحياناً دخانه – إن كان مدخناً- يشعر بالحرج والدونية في مجتمعه فيهاجر مهما كان ثمن هجرته.
2- عدم وجود فرص عمل كافية لاستيعاب الطاقات الشبابية وتحمسهم للعمل والإنتاج.
3- الضغوطات السياسية القمعية والنزاعات العسكرية والسياسات الاقتصادية المتبعة من قبل الحكومات المتعاقبة في البلدان العربية، وعدم الاهتمام بالشباب من قبل هذه الحكومات كانت هي أيضا من جملة الأسباب التي أدت إلى الهجرة غير الشرعية المتفاقمة بين شباب الوطن العربي اليوم.
4- رفع سقف القبول بالجامعات الوطنية، بالإضافة إلى اضطراد ارتفاع أسعار المواد الأساسية بشكل جنوني لافت.
5- ظهور حالات من الازدهار الاقتصادي السريع بين بعض الأسر التي هاجر أحد أفرادها، ثم الانبهار بالحياة الغربية والحريات (الليبرالية) المتوفرة فيها والتي تلبي طموحات الشباب المتحمس، وخاصة إذا كان الغرب هو الولايات المتحدة الأمريكية التي تبهر حتى الأوربي نفسه بأسلوب حياتها ومعيشة سكانها.
6- وأخطر أنواع الهجرة، هي ما نسميه بهجرة العقول أو الأدمغة أو أصحاب الشهادات العليا، لأن أوطانهم لاتوفر لهم مجالات تتناسب ومستوى ما يحملونه من شهادات سواء حصلوا على هذه الشهادات في بلدانهم أو من الخارج. لأن بلدانهم تخسر عليهم ملايين الدولارات، بالإضافة إلى أنها تضطر لاستقدام معادليهم من الدول المتقدمة، فيشكلون بذلك خسارة كبيرة لدولهم وبلدانهم. ولذا يجب توفير العمل لهذه العقول وأصحاب الكفاءات مهما كلف الثمن بدلاً من تركهم يهاجرون مرغمين.
ولكننا بدأنا نلمس تقلص تيار الهجرة بشكل ملفت اليوم، وخاصة بعد القيود التي فرضها الغرب وإصدار الأوربيين لما سمي بـ(الورقة الخضراء) التي ترسم السياسة الأوربية العامة فيما يتعلق بالهجرة من الدول النامية، والتي تنص على عقلانية الهجرة، أي الاعتماد على الهجرة الشرعية لتلبي وحدها متطلبات التنمية الأوربية وسد حاجات سوق العمل الأوربي، على أن يكون المهاجرون المعتمدون من أصحاب الأدمغة والكفاءات وممن هم أكثر دراية وتأهيلاً في مجالات العمل المختلفة. وقد أشارت التقارير إلى أن الهجرة تنتشر بشكل خاص بين شباب الوطن العربي بين من هم في سن المراهقة والذين لايجدون عملا محترما في أوطانهم ويتعرضون لمضايقات وقيود العمل. وبالفعل فقد أشارت تقارير الأمم المتحدة ومنها تقرير(التنمية والجيل القادم) إلى أن المهاجرين من البلدان العربية أومن البلدان النامية هم ممن تتراوح أعمارهم ما بين (12- 24) سنة.
ولكن ما هي نتائج هذه الهجرة على الصعيدين الداخلي والخارجي وعلى المنطقة العربية عموماً؟ لاشك أن المهاجرين الشباب سرعان ما يألفون أجواء الحرية السائدة في الغرب بعيداً عما هو سائد في بلدانهم من كبت وفساد وقمع للحريات، وسرعان ما يدركون أن عملهم في بلد المهجر يندرج ضمن  مساهماتهم في رفع مستوى المعيشة لأهاليهم بشكل خاص وفي بلدانهم بشكل عام، لما يرسلونه من أموال إلى أهلهم وذويهم حيث ترتفع العمائر وتزدهر البلدان، بالإضافة إلى التخفيف عن كاهل دولهم عبء توفير العمل لهذا السيل المتدفق من الطاقات الشبابية الطامحة إلى العمل والتطلع نحو بناء حياتها ومستقبلها. كما تؤدي هجرة الشباب في جوانبها الإيجابية إلى التخفيف من المشاكل والمنازعات الاجتماعية في المدن والبلدان العربية…الخ. ولكني أرى أن من الأفضل للبلدان العربية الإقتداء بالغرب، والعمل على انتفاء مسببات الهجرة، وترسيخ دعائم اقتصاد متين منفتح،  من خلال الاستفادة من طاقاتها الشبابية وفتح مجالات العمل أمام الشباب واحتضانهم بكل أريحية وحرية والعمل على تشغيلهم والإستخدام الأمثل لهم، أي بما معناه الانفتاح على الحريات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية…الخ، حتى يمكن تفجير طاقات الشباب الإبداعية، والاستفادة منهم في بناء أوطانهم العربية والتي هي بأمس الحاجة إليهم بزنودهم وبأيديهم.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

لا يكاد يوجد تحدٍّ يواجه اليمن، ويُلقي بظلاله المخيفة على حاضرها ومستقبلها، يُماثل التحدي الذي يفرضه شُحّ موارد المياه واستنزاف المخزون المائي للبلاد. وبالتأكيد فإن مُشكلة المياه التي تعانيها اليمن تظل الأخطر بما لا يقاس بأي مشكلات أخرى تواجهها، إذ أن لها أبعاداً وجودية كثيرة متداخلة وفائقة التعقيد كما العواقب والتّبِعات. فهناك بُعد قِلّة المياه قياساً بعدد السكان المتزايد والاحتياجات المتواترة لهذه السلعة الحيوية المرتبطة بكل مناحي حياتهم، وهناك بُعد القدرة على الوصول بشكل مستدام إلى مياه شرب نظيفة، وهناك بُعد متعلق بمعضلة تلوث المياه والتحديات الناجمة عنها.
إننا بالطبع لا نحتاج إلى التذكير بأهمية الموارد المائية للإنسان وللحياة برمتها، فهذا من بديهيات الأمور وطبائع الوجود، لكن ما نحتاج إليه حتماً وباستمرار هو دقّ ناقوس الخطر والتنبيه إلى العواقب الوخيمة الناجمة عن تجاهل مظاهر مشكلة فقدان الأمن المائي، لاسيما في بلدٍ يُصنّف ضمن أربع دول تواجه خطر الفقر المائي على المستوى العالمي ويُعدّ من بين الدول العشر الأفقر مائياً في العالم، إذ لا يتعدى نصيب الفرد، بحسب منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو)، 150 متراً مكعباً في السنة، بينما يحصل مثيله في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على 1250 متراً مكعباً سنوياً، وبالمتوسط العام الدولي 7500 متر مكعب. وإذا استمر تناقص نصيب الفرد من المياه بالوتيرة الحالية في ظل تنامي مضطرد لعدد السكان (يبلغ معدله السنوي 3.5%)، وذلك بالتوازي مع زيادة غير متكافئة في تنمية الموارد المائية، فإن الأمور ستسير نحو الأسوأ لا محالة.
لقد عمل اليمنيون منذ القِدم على ابتكار وسائل مختلفة تساعدهم على التكيّف مع شحّ الموارد المائية في هذه الأرجاء، ولذا ابتكروا نظام المدرجات الزراعية على سفوح الجبال ودأبوا في الحفاظ عليها من أجل استغلال مياه الأمطار بالشكل الأمثل، كما قاموا أيضاً ببناء السدود وحفر القنوات الخاصة لسحب مياه الفيضانات والسيول. لكن هذه الإستراتيجيات القديمة لإدارة المياه أصابها التصدّع في هذا العصر بسبب الزيادة غير المنضبطة في عدد السكان، ولم تعد مصادر المياه المتجددة تلبي حاجة اليمنيين السنوية من الماء، والتي زادت من 2.9 مليار متر مكعب في مطلع تسعينيات القرن العشرين لتصل إلى 3.4 مليار متر مكعب في الوقت الراهن. فضلاً عن أن التوزيع الديمغرافي للسكان لا يتوافق مع توزع مصادر المياه، حيث يتمحور التركيز الاقتصادي والأنشطة التجارية والكثافة السكانية في مناطق تفتقر إلى تلبية الاحتياجات المائية والمنزلية لسكانها، ناهيك عن متطلبات الزراعة والرعي والأنشطة الأخرى.
وعلى الرغم من سعي الحكومة اليمنية إلى القيام بواجبها تجاه مواطنيها في توفير المياه، لكنها حتى اللحظة لم تستطِع تغطية احتياجات السكان في المدن سوى بنسبة ما بين 56% إلى 60% ونسبة تصل ما بين 40% و45% من احتياجات السكان في الأرياف. وهذا لا يعني أن نسبة 40% من سكان المدن لا يحصلون على المياه، ولكن لا يحصلون عليها عبر المشاريع الحكومية وإنما عبر مشاريع للقطاع الخاص.
وتزداد قضية الأمن المائي تعقيداً في ظل تفاقم مشكلة تلوث المياه في معظم أرجاء البلاد. ويعد سوء الصرف الصحي، وعدم توفر محطات معالجة المياه العادِمة، وكثرة استعمال المبيدات والأسمدة ومخلفات المعامل والمصانع من أهم أسباب تلوث المياه في اليمن. ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة عام 2008 تحت عنوان “مياه الشرب والصرف الصحي”، فإن 34% من السكان يحصلون على مياه شرب غير مُحسّنة (آبار وينابيع غير محميّة وعربات محمّلة بخزانات صغيرة وحاويات متنقلة ومياه سطحية).
وبالنظر إلى كون اليمن بلد زراعي وريفي تاريخياً، فإن مشكلة ندرة المياه فضلاً عن تلوث نسبة لا يستهان بها من الكمية المتوفرة منها، أخذت تُلقي بظلالٍ ثقيلة على مستقبل الزراعة في البلاد. فوفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو)، تقدر مساحة الأرض التي يمكن زراعتها في اليمن بحوالي 3.6 مليون هكتار أي حوالي 6.5% من مساحة البلاد، إلا أنه وبسبب النقص الحاد في المياه فإن إجمالي المساحة المزروعة لا تتجاوز 1.6 مليون هكتار أي حوالي 2.9% فقط من المساحة الإجمالية لليمن. ومن المعروف أن الزراعة ظلت تؤمن للأسرة اليمنية الاستقرار والأمن الغذائي، لكن النزوح المستمر وحركة الهجرة من الأرياف إلى المدن ومن أهم أسبابها ندرة المياه وشحتها، أجبرت العديد من سكان الريف على ترك النشاط الزراعي والتوجه إلى ممارسة أنشطة اقتصادية أخرى بديلة.
وفي ذات الإطار، يبرز انتشار القات وزراعته كمشكلة وطنية كبرى تساهم بقوة في استدامة حالة الفاقة المائية التي تعاني منها اليمن وتجذّرها. فالقات، وهو من الزراعات المروية من المياه الجوفية والذي يزرع 85% منه في محافظات صنعاء وعمران وذمار وإب وحجة، يستحوذ على ما يقرب من 30% من كمية المياه المستخدمة في الزراعة على مستوى البلاد. وقد ارتفع الطلب على القات في العقود الثلاثة الأخيرة بسبب الارتفاع النسبي للدخول والتوسّع في حفر الآبار الجوفية؛ وتبعاً لذلك توسعت المساحة المزروعة بأشجار القات عاماً بعد آخر وهي تنمو حالياً بين 10% و15% سنوياً، وطبقاً لبعض المصادر، فإن عدد أشجار القات في اليمن يصل إلى حوالي 260 مليون شجرة تقطف في السنة الواحدة بين 3 و4 مرات مع ما يستهلكه هذا من كميات مياه مُعتبَرة في كل مرة.
والمؤسف حقاً أن الحكومات المتعاقبة، وباعتراف كبار مسئوليها، ساهمت في تقديم معونات لاستغلال المياه لزراعة القات عن طريق بيع وقود الديزل بأسعار منخفضة، وبتكلفة سنوية تقدر بـ 3.5 مليار دولار أو بنسبة 14% من إجمالي الناتج المحلي، والذي بدوره أثر في نضوب المياه في أراضيها الجوفية، وكانت النتيجة مدمرة في صنعاء وما حولها. فقد كان المزارعون قبل أربعة عقود يستخدمون المعاول لحفر آبار المياه، لكنهم الآن يستخدمون الحفارات لتحفر أكثر من ألف قدم في باطن الأرض قبل أن تصل إلى المياه الصالحة للشرب دون معالجة ارتفاع الطلب. فضلاً عن أن الحكومة، كما أعترف وزير المياه والبيئة في أحاديث صحفية مؤخراً، لا يمكنها تطبيق قوانين استخراج المياه والري على كبار المستهلكين، مثل زعماء القبائل والمشايخ وضباط الجيش والأثرياء حتى إن حاولت، مؤكداً أن 99% من عمليات استخراج المياه تتم من دون ترخيص.
باختصار، فإن اليمن تعاني من انكشاف مائي يبعث على القلق بالفعل، وهذا الانكشاف لابد من معالجته بأسرع وقت ممكن؛ فهناك قليلٌ من المياه يقابله انفجار سكاني كبير، ولا شك في أن آخر قطرة ماء ستصبح قيمة للغاية. لقد عملت السياسات الحكومية جاهدة خلال السنوات الماضية على ردم الفجوة المائية التي تعاني منها البلاد، لكنها لم تعدُ – في المحصلة – أن تكون حلولاً مؤقتة، وفي أحيان كثيرة عقّدت المشكلة عوضاً عن حلّها. فعلى سبيل المثال، لجأت الحكومة وما تزال إلى بناء السدود في الكثير من المناطق بالرغم من أن سياسة بناء السدود – كما تبين للمسئولين أخيراً – ليست مجدية في بلد حار وجاف مثل اليمن، وحيث ينتهي الحال بالمياه إلى التبخّر. والحقيقة الجديرة بالإشارة، في هذا السياق، أن ما تحتاجه البلاد ليس بناء المزيد من السدود بل إقامة منشآت مائية تتولى تحويل المياه دون التفريط بحقوق الملكية في المناطق المستفيدة.
ويجادل البعض بأن مشكلة المياه في اليمن تتمثل في الزراعة، وأنه إذا استطاع كل من الحكومة وعموم أفراد المجتمع ترشيد استخدام الماء في الزراعة ستكون البلاد قد قطعت شوطاً كبيراً في حلّ هذه المشكلة, فالمهم هنا – كما يعتقد هؤلاء – هو كيف نُدير الطلب والعرض على المياه بطريقة صحيحة تؤدي إلى الاستخدام الأمثل للمياه. وحيث أن حوض صنعاء هو المهدد الأول بالجفاف، فإن هناك من يرى أن أفضل طريقة للتعامل مع أزمة المياه في الحوض تكمن في تخفيض استهلاك المياه قدر الإمكان، والحدّ من التوسع الزراعي، لاسيما في الزراعة المروية. وقد استبعد العديد من الخبراء خيار تحلية مياه البحر ونقلها إلى صنعاء كحل للمشكلة، لأنه في نظرهم خيار مستحيل فنياً واقتصادياً، لكنهم في الوقت نفسه يعتقدون أنه قابل للتحقيق بالنسبة للمدن الساحلية كالمكلا وعدن والحديدة وتعز.
وفي اتجاه موازٍ، تركز توصيات خبراء الموارد المائية والخاصة بطرق مواجهة أزمة المياه في اليمن على تولي الحكومة إدارة الموارد المائية المتوفرة بكفاءة أكبر، واعتماد اللامركزية في إدارة هذه الموارد، والاستفادة من مياه الصرف الصحي بعد معالجتها، والاهتمام بالزراعة المطرية والحفاظ على المدرجات الزراعية، واختيار محاصيل زراعية تتناسب مع مخزون المياه المتوفرة في كل حوض، مع ضرورة إدخال التقنيات الحديثة في الرّي الزراعي لتقليل الهدر، والسيطرة على العوامل الملوثة للمياه، وتوظيف البعد البيئي في التخطيط الحضري، ووضع تشريعات تلزم المباني الإنشائية بمعايير ومواصفات تراعي البعد البيئي وتستغل مياه الأمطار. وأخيراً وليس آخراً، رفع الوعي المجتمعي بمشكلة المياه من خلال وسائل الإعلام.
© منبر الحرية، 12 سبتمبر/أيلول 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

اتبعت تونس في تطورها خال العقدين الماضيين مسارين مختلفين تماما. ففي المجال الاقتصادي، انتهجت سياسة انفتاح مرفقة بإطار مؤسساتي يشجع المبادرة الحرة و يحترم على العموم حقوق الملكية مما نتج عنه تحقيق نتائج اقتصادية لا بأس بها (حوالي 5% كمعدل نمو خلال هذه الفترة). بالمقابل و على الصعيد السياسي تضاءلت الآمال بحدوث أي تحول ديمقراطي بهذا البلد و ذلك نظرا لتزايد مسلسل التضييق على الحريات السياسية و المدنية. إنها إذن حالة جديدة لتلك الأنظمة الغير الديمقراطية التي تنجح في تحقيق معدلات نمو اقتصادية جيدة.
لكن، و حسب عالم الاجتماع الأمريكي سيمور مارتن لييسيت فإنه كلما ارتفع الدخل الفردي في بلد ما و ارتفع مستوى التربية و التعليم لدى ساكنته و ازدادت درجة انفتاحه الاقتصادي إلا و ظهرت بوادر حدوث تحول ديمقراطي به. لأن هذا يوسع من انتشار الطبقات الوسطى داخل المجتمع. تلك الطبقات التي غالبا ما شكلت المحرك الأساسي لمسارات التغيير السياسي و الاقتصادي. في تونس و رغم تحقيق كل تلك الشروط الاقتصادية لا نلاحظ ظهور أية بوادر لتحول ديمقراطي. لماذا إذن لا يؤدي النمو الاقتصادي إلى تحول ديمقراطي في هذا البلد؟ و ما هي الأسباب التي تمنع الطبقات الوسطى لحد الآن من الدفع في اتجاه دمقرطة النظام؟
هل النمو الاقتصادي المحقق غير كافي؟
من الممكن أن يكون مستوى النمو الاقتصادي الذي وصلته تونس غير كافي للدفع في اتجاه تحول ديمقراطي. لأنه، و رغم أن ما ثم القيام به لحد الآن يسير في الاتجاه الصحيح لكن يبدو أن الاقتصاد التونسي لازال في حاجة إلى إصلاحات ليبرالية أكثر عمقا. فهذا التقرير الدولي حول حقوق الملكية لسنة 2009 في المرتبة 40 عالميا (الأولى في المغرب العربي و الثانية في إفريقيا). و هذا تقرير المنتدى الاقتصادي لدافوس حول التنافسية يصنف الاقتصاد التونسي كأول اقتصاد في إفريقيا و المغرب العربي وفي المرتبة 35 عالميا متجاوزا بذلك دولا أوربية كالبرتغال و إيطاليا و اليونان.
لكن في حقيقة الأمر لازالت هناك ثغرات تهم مجال القضاء الذي يعتبر ذا أهمية قصوى بالنسبة لحقوق الملكية و للتنافسية. و أي تحسن يطرأ على مستوى أداء هذا القطاع قد يؤدي إلى تحقيق نمو اقتصادي أكبر. من جهة أخرى حقق قطاع التربية و التعليم بتونس نتائج لا بأس بها حيث أن برنامج الأمم المتحدة للتنمية لسنة 2008 يتحدث عن نسبة 74.3 % من التونسيين الذين يجيدون القراءة و الكتابة و هي نسبة تعتبر جيدة على الصعيد الإفريقي لكن مقارنة مع الدول المتقدمة فإنه لابد من بدل المزيد من الجهود لتحسين الأداء بهذا القطاع.
إذن هل يمكن أن نقول أن النمو الاقتصادي بتونس لم يصل إلى المستوى الذي يسمح بحدوث تحول ديمقراطي؟ تتبعنا لتجارب دول أخرى قد يبعد هذه الفرضية أو على الأقل يضعف من أهميتها، فكوريا الجنوبية حققت تحولا ديمقراطيا في مرحلة كان فيها دخل الفرد أقل من مستواه الحالي في تونس(1460 دولار مقابل 4000 دولار).
الطبقات الوسطى و مساندة الوضع القائم.
لقد كان للطبقة الوسطى دور تاريخي فاعل في التحول الديمقراطي(دور بورجوازية المدن في توطيد الديمقراطية في أوربا الغربية). لقد ساندت هذه الطبقة التغيير الديمقراطي لأنه يمنح إطارا سلميا يسمح لها بالحفاظ على مكتسباتها الاقتصادية و يبعد خطر الميول الثورية للطبقات الفقيرة.
أما في تونس فيبدو أن الغالبية قد استفادت من النمو الاقتصادي للعقدين الأخيرين. في هذا الإطار تتحدث التقارير الرسمية عن 80% من العائلات التي تمتلك سكنها. كما أن مظاهر البؤس و التهميش تخف حدتها في العاصمة التونسية مقارنة مع  المشاهد التي قد نجدها في القاهرة أو الدار البيضاء.
إذن قد يكون لهذا الإطار الاجتماعي الذي تغيب فيه الفوارق الفاحشة و يتمتع فيه المواطن نسبيا بحقوقه الاقتصادية و الاجتماعية دور في توطيد مساندة شرائح من المجتمع لهذا النظام السياسي حتى و لو لم يكن ديمقراطيا. ففي الوقت الذي لا يكون فيه النظام الديمقراطي هو الوحيد الذي يمنح السلم الاجتماعي. فإن الطبقات الوسطى قد لا تطالب به خاصة إذا كان يحمل في طياته أخطار صراع مسلح.
وضعية جيوسياسية غير مستقرة قد تشجع على الاستبداد
منذ وصول الرئيس زين العابدين بن علي إلى السلطة سنة 1987 تعرض نظامه لمعارضة شديدة من طرف حزب النهضة الإسلامي. كما أن تفاقم الصراع بين الإسلاميين والنظامين المصري و الجزائري قد أدى بالنظام إلى تقوية سلطته مستغلا بذكاء أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 و تفجير جربة سنة 2002 كي يقدم نفسه كواق ضروري أمام المد الإسلامي. الشيء الذي جعله يضمن مساندة أغلب الأنظمة الغربية بالإضافة إلى شرائح عديدة من المجتمع التونسي المرعوبة من المشاهد الدموية التي كانت تأتي من الجزائر طيلة عقد التسعينيات. و هنا لابد أن نؤكد على أن تنظيم انتخابات حرة و ما نتج عنها من حرب أهلية بالجزائر لم يعطي صورة جيدة عن التحول الديمقراطي داخل الأوساط التونسية بما فيها الطبقات الوسطى. هذه الأخيرة التي فضلت الاستقرار السياسي الذي يضمن لها مكتسباتها الاقتصادية ولو في ظل نظام غير ديمقراطي على تحول ديمقراطي مجهول العواقب قد يحمل في طياته صراعا مسلحا. و السؤال المطروح هو هل سيظل هذا الاختيار قائما حتى لو تغيرت الظروف الاقتصادية و السياسية بتونس؟هل يمكن لوضع جهوي أكثر استقرارا أن يؤدي بالنظام إلى التوجه نحو انفتاح سياسي؟ هل يمكن لمستوى أكبر من النمو الاقتصادي أن يؤدي إلى التحول الديمقراطي المنشود؟ المستقبل وحده كفيل بالإجابة عن كل هذه الأسئلة.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

تحتدم المناقشات والمجادلات هنا وهناك، عبر وسائل الإعلام في عالمنا العربي بخاصة، حول التقارير السنوية التي تصدر عن الأمم المتحدة بشأن التنمية البشرية في البلدان العربية. ثم ما تلبث هذه المناقشات وأن تدور دوراناً عجيباً لتستقر على نقاط ومحاور لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن تقلب أو تغير الصورة القاتمة التي ترسمها التقارير المشار إليها. بل أن طبيعة الإستقبال العربي المثقف ونصف المثقف لهذه الخلاصات الأممية المشحونة بالدلالات والنذر المخيفة، بالنسبة لمستقبلنا ولمستقبل أجيالنا الصاعدة، تكرس ذات الإختلالات والإخفاقات التي تقدمها هذه التقارير على نحو رقمي لا مجال فيه للشكوك وللظنون، حتى لو تركنا هامشاً من نوع ما للمبالغات وللـ”تدخلات” الغربية في صياغتها. لذا لم تكن دعوة صديقي الكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان لنشر هذه التقارير من أجل إطلاع العالم، العربي خاصة، على حقائقها “المريرة” دعوة “مشبوهة” كما يحلو للبعض أن يدّعي، ذلك أننا يجب أن نرى أنفسنا بالمرآة بغض النظر عن إرهاصات فريدمان أو دوافع جامعي البيانات ومحرري التقارير موضوع المناقشة.
لا مراء من أن مثل هذه التقارير تصدر عن أهم هيئة دولية معترف بها عالمياً ومعتمدة من قبل جميع الدول العربية كسلطة عالمية مستقلة ومحايدة، الأمر الذي يجعل خلاصاتها (حتى بإفتراض وجود “التشويه” المتعمد وليّ الحقائق المشبوه) صحيحة بنسبة عالية جداً ربما تتجاوز التسعين بالمائة. وهذه فرصة لنا في العالم العربي لكي نراجع الذات ونحتكم إلى النقد الذاتي الذي قد يكون قاسياً أحياناً، آخذين بنظر الإعتبار إخفاق أغلب الحكومات والمنظمات الإقليمية العربية في تجهيز مثل هذا التقرير لصانع القرار السياسي ولجمهور القرّاء الصغير نسبياً في عالمنا الذي هاجر القراءة والكتابة إلى إغتراب الفضائيات الرخيصة والأغاني والفنون المتدنية.
ربما لا تعرف كتل كبيرة من المواطنين في الدول العربية المتباعدة معنى “التنمية البشرية”، أو أنها تجهل أبعادها الإستراتيجية والإقتصادية والإجتماعية الحقيقية. ولكن ينبغي، على أقل تقدير، ملاحظة أن مفهوم التنمية البشرية يصب في فكرة إحالة الإنسان “الخام” إلى إنسان مثقف أو إلى إنسان يمتلك من المهارات ما يمكنه من أن يكون عضواً نافعاً مفيداً في المجتمع، بدلاً من أن يبقى “عالة” عليه، الأمر الذي يعرّض هذا الإنسان لمزالق الإنحراف والجريمة واللاجدوى وحتى إلى “البطالة المقنعة” المتفشية في الأقطار العربية التي يرنو فيها الناس لأن يكونوا مدراء ورؤساء مؤسسات جميعاً، إعتماداً على المستورد والوافد من أصحاب المهارات الصناعية والزراعية الأجانب، الأمر الذي يؤول إلى إستهلاك مبالغ مهولة من مدخولاتنا الإقتصادية الوطنية. لذا تشكل العمالة الوافدة، خاصة تلك المستقدمة من دول أجنبية، دالة واضحة المعالم على إخفاق أغلب أنظمتنا التعليمية والتربوية والمهنية والجامعية التي تتكاثر على نحو مدارس وكليات أنيقة كـ”الفطر” عبر مدننا وقرانا ولكن بلا جدوى، حيث تكون المعطيات أو المخرجات في أغلب الحالات نوعاً من “الأمية المقنّعة” التي تقدم لنا خريجين لا يقرأون ولا يكتبون. هذا ما يفسر إنحسار حركة التأليف والإبداع وضآلة أعداد ونوعية المطبوع والمقروء والمكتوب بأيدٍ عربية. أما إذا أراد المرء أن يتساءل عن “تسويق” المنتج الثقافي العربي إلى القاريء العالمي، فإن هذا نوع من الأحلام الوردية التي قد لا تتحقق قط، بإستثناء ثلاث أو أربع حالات شهدت قبولاً دولياً لكتّاب عرب هم من بقايا الأنظمة التربوية القديمة التي يحلو للبعض الإشارة إليها بتعبير الـ”رجعية”. ويبدو أن الخلل الأخطر الذي تعاني منه العديد من الدول العربية لا يتمثل فقط في أن الجميع يريدون أن يكونوا مدراءً وقادة إداريين، بل يتمثل كذلك في غياب مؤسسات التعليم المهني ومؤسسات المعاهد الفنية التقنية التي تصنع الفئة أو الحلقة الوسطية في بنية الإنتاج الصناعي والزراعي والتجاري، الأمر الذي يفسر فتح الأبواب واسعة لإستقدام المهارات الأجنبية، من الفنيين الجيدين إلى المربيات الجاهلات. إن مشكلة أنظمتنا التعليمية والتربوية والمعرفية تتبلور في أن الحكومات العربية لا تدخر جهداً ولا تمنع الأموال عن بناء المدارس وتأسيس الجامعات، مهتمة بـ”الكم” بدلاً من “النوع”، حيث يغرم القياديون التربويون والجامعيون بعملية تقديم أرقام أعداد الخريجين من هذه المدارس والجامعات إلى ولاة الأمر الذين يطلعون عليها ويسعدون بها نظراً لتزايد هذه الأعداد ومضاعفتها. ولكن أن يسأل المرء عن مستوى هؤلاء الخريجين وهل يمكن أن يقارنوا حرفياً بأقرانهم من خريجي المدارس والجامعات في اليابان أو ألمانيا، فهذه قضية أخرى تثير القلق وكوامن الحذر. هنا يكمن مأزق الجامعة أو المؤسسة الأكاديمية العربية التي تُخرّج أطباء لا يعرفون سوى الأسبرين ومهندسين بلا مهارات عملية وخريجي لغات أجنبية لا يقرأون سوى العربية، كما يحدث في العديد من الجامعات والمدارس !
لذا كانت النتائج مأساوية بحق: فقد تحولت العديد من مجتمعاتنا المزركشة بالشهادات والدرجات العلمية الأولية والعليا إلى مجتمعات إستهلاكية بدلاً من أن تكون مجتمعات إنتاجية، حسب معايير أعداد الكليات والمدارس التي تفتحها الحكومات العربية حتى في القرى النائية. وبدلاً من أن ينتج حملة الشهادات الأولية والعليا الكتب التي تخاطب الجمهور وتصنع الثقافة، لم نزل نعاني من “عقدة الخواجة” في جميع حقول الثقافة المحلية، بعد أن كانت الثقافة العربية الإسلامية هي منبع الثقافات العالمية في القرون الوسطى، عبر العصر العباسي خاصة. حتى في حقول الموسيقى والغناء والفنون العادية التي تغزو عقول أبناءنا وبناتنا من النشء والشبيبة، يبقى الإنتاج نمطاً ضعيفاً من محاكاة الفنون الرخيصة الموجودة في دول العالم الأخرى. لقد سدت السبل أمامنا، وأغلقت الأقدار أبواب الإبداع والإبتكار بدرجة تثير المخاوف والقلق: المخاوف من تواصل الإندفاع إلى الإستهلاك، والقلق من مستقبل خال من الإيحاء ومن المبادرة الحضارية والثقافية.
لماذا، إذاً، يميل بعض المعلقين العرب لأن ينحي باللائمة على الدول الغربية وعلى إسرائيل لتبرير تردي معطيات التنمية البشرية العربية. إن تقارير الأمم المتحدة أعلاه تقدم لنا مرآة لرؤية الذات ولمراجعة كل ما يشوب وجهنا من كلف وبثور يعكس ما نعاني منه في دواخلنا من أمراض إجتماعية وتردي ثقافي. ولكن رؤية الحقيقة المؤلمة عبر المرآة تذكرنا بشاعرنا العربي الكبير الحطيئة الذي لم ينجُ أحد من هجائه اللاذع، حتى إذا ما رأى صورة وجهه معكوسة عبر سطح الماء في بركة، هجا نفسه ولعن صورته بأقبح الأوصاف. إن إحالة مشاكلنا التربوية والتنموية إلى “الآخر” هي أسهل وأسرع الطرق للتملص من المسؤولية التاريخية: فهل منعت الإدارة الأميركية حكومة عربية من أن تفتح جامعة أو كلية رصينة، أم أن إسرائيل فجرت الثانويات والإعداديات المهنية التي تخلق أجيالاً من المهنيين والحلقات الوسطية المهمة في العملية الصناعية ؟ هذا كلام مردود، ذلك أن الدول العربية تمتلك من الموارد والقدرات الطبيعية الخام ما يجعلها قادرة على مواكبة العديد من دول العالم المتسابقة اليوم في مضمار التنمية البشرية. الخلل ليس في “الآخر” ( الضحية دائماً) وإنما الخلل يقبع في قصر النظر وفي الميل إلى تقديم الأرقام لولاة الأمر، بدلاً عن تقديم الحقائق ومستويات التعليم والتربية كما هي وكما ينبغي أن تكون.
© منبر الحرية، 26 يوليو/تموز 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20102

تلّقت الصناديق السيادية الخليجية كما العديد من الاستثمارات الخارجية العربية ضربة قوّية اثر انفجار الأزمة المالية العالمية، ومنيت هذه الصناديق الخليجية التي يقدّر حجمها بين 1.2 و1.5 تريليون دولار تشكّل قرابة الـ45 الى 50% من حجم الصناديق السيادية العالمية نتيجة لذلك بخسائر كبيرة قدرّتها بعض الأوساط بحوالي 450 مليار دولار في حين قدّرها البعض الآخر بنسبة بين 25 و40% من حجمها تقريبا حيث تتفاوت هذه النسبة بين صندوق وآخر تبعا لنوعية وأماكن الاستثمار.
ومن المعروف أنّ الإمارات تمتلك أكبر صندوق سيادي في العالم والمتمثّل بـ”جهاز أبوظبي للاستثمار” ويقدّر حجمه وفقا لمعهد بيتيرسون للاقتصاد الدولي وعدد من المؤسسات المالية والمصرفية العالمية بحوالي 875 مليار دولار كحد أقصى و 250 مليار دولار استنادا إلى صندوق النقد الدولي كحد أدنى. فيما تمتلك الكويت أكثر الصناديق السيادية شفافية مقارنة بغيرها، ويعتبر صندوقها “الهيئة العامة للاستثمار الكويتية” الأقدم عالميا ويقدّر حجمه بـ 213 مليار دولار مقارنة بـ50 مليار لصندوق قطر السيادي “الهيئة العامة للاستثمار القطرية”.
وتشير المعلومات المتوافرة إلى أنّ صناديق هذه الدول كانت الأكثر خسارة من غيرها وذلك نتيجة لاستثماراتها الخارجية ولاسيما في قطاع البنوك الذي مني بخسائر فادحة في الولايات المتّحدة الأمريكية وكذلك في الأسهم في الأسواق المالية. فجهاز أبو ظبي للاستثمار على سبيل المثال كان قد اشترى حصّة في “سيتي جروب” بنسبة 4.9% وقيمة حوالي 7.5 مليار دولار دون أن نذكر استثمارات الهيئة العامة الكويتية للاستثمار والتي استثمرت ايضا في “سيتي جروب” حوالي 3 مليارات وفي “ميريل لينش” حوالي مليارين والعديد من الاستثمارات الأخرى الكبرى.
ولا شك أنه سيكون على هذه الصناديق إعادة النظر باستراتيجياتها الاستثمارية، وتقييم الأداء الذي قامت به خلال الفترة الماضية. وتفرض المراجعة الذاتية لأداء هذه الصناديق التحوّل نحو الداخل العربي خاصة في هذه المرحلة الحرجة في ظل الانعكاسات القوية للأزمة المالية العالمية على الوضع الاقتصادي للبلدان العربية ومنها الخليجية بطبيعة الحال.
وقد بدأت هذه الصناديق بالفعل خلال المرحلة الماضية التحرك وان بخجل نحو الداخل، فقامت الهيئة العامة للاستثمار الكويتية بالتدخل في المرحلة الأولى للازمة، باتخاذ العديد من الإجراءات والخطوات لدعم آليات السوق المحلية في الكويت بما يكفل تحقيق الاستقرار وعودة الثقة، فعملت على زيادة حصتها في 8 من الصناديق الاستثمارية المحلية وتمّ تعديل بعض الشروط والضوابط بشأن مساهمة الهيئة في الصناديق الاستثمارية المحلية، وذلك لإعطاء مرونة لمديري الصناديق للمساهمة في استكشاف فرص استثمارية جديدة.
كما تدخّل جهاز قطر للاستثمار والذي يمثّل الصندوق السيادي لقطر بشكل نشط وملحوظ على الساحة المحليّة، وطرح خطّة بحجم 5.3 مليار دولار لشراء أسهم في البنوك المدرجة في البورصة القطرية لدعم ثقة المستثمرين في البنوك بلغت نسبتها حوالي 20%، وضخ الجهاز حوالي 20 مليار ريال في رأسمال البنوك القطرية، لتعزيز قدرة البنوك الوطنية على تمويل مشروعات التنمية في المرحلة القادمة بشكل أوسع، وتأكيداً للثقة الكبيرة في أوضاعها المالية، كما قام الجهاز بشراء أسهم في بنك قطر الإسلامي بنسبة 5% على أن يستحوذ على 10% من أسهم البنك بنهاية عام 2009.
ولم تكتف هذه الصناديق بالتحوّل نحو الداخل وان بشقّه الإنقاذي، بل قرر بعضها التوقف عن الاستثمار الخارجي في هذه الفترة الحرجة وإيقاف  العمليات الخارجية لمدة معينة كما فعلت “الهيئة العامة للاستثمار القطرية” التي قررت تأجيل عملياتها الخارجة لمدة 6 أشهر، فيما فضّل البعض الآخر التوجّه نحو شراء السلع بدلا من الأسهم التي كبّدتهم خسائر فادحة اثر انهيار الأسواق المالية العالمية.
هذه الخطوات وان كانت ايجابية لجهة دعم الاقتصاد المحلي والاستفادة من الأموال المتوافرة لتعزيز القدرة الذاتية وتخفيف أعباء وانعكاسات الأزمة المالية العالمية على الدول الخليجية، الا أنها تبقى غير كافية مقارنة بحجم الصناديق السيادية والدور الذي تلعبه على الصعيد العالمي. فحتى لو قدّر لهذه الصناديق أن تخسر في العالم العربي الـ450 مليار التي خسرتها على الصعيد العالمي لكان لهذه الخسارة منفعة على أكثر من صعيد بدلا من أن تذهب الأموال هباءً. إذ يشير بعض الاقتصاديين إلى أنّ هذا الرقم من الضخامة بمكان بحيث يمكنه حتى في في حال إنفاقه مباشرة دون استثماره تأمين الوظائف لجميع العاطلين عن العمل في العالم العربي لمدة حوالي 6 سنوات كاملة، أو سد الديون المترتبة على جميع الدول العربية، أو تأمين الغذاء المستورد للعالم العربي لمدّة 12 سنة، فما بالكم في حال تمّ استثماره في الداخل العربي وبشكل فعّال ومنتج.
من هذا المنطلق، فان المطلوب من هذه الصناديق التي من المفترض أن تحمي الاقتصادات الخليجية حال تراجع أسعار النفط، أن تعمل على تحقيق القيمة المضافة الحقيقية في الوطن العربي وعلى المستوى المحلي أولا. فليس المطلوب منها أن تكون مجرّد خزّان مالي يتم إنفاقه واستنفاذ مهامه حال تراجع أسعار النفط، ونعود بعدها إلى نقطة الصفر من جديد حال فراغه سواءا بسبب الخسائر التي تتكبدها هذه الصناديق في أصولها أو لتراجع أسعار النفط التي تعتبر فوائضها المموّل والمغذّي الأساسي لها.
يجب  الاستفادة من الدور الذي قامت به هذه الصناديق على المستوى العالمي، ونقل الخبرة والمعرفة والتكنولوجيا المكتسبة إلى بلدانها من خلال الاستثمارات الخارجية في الشركات والمؤسسات العالمية الكبرى ومن خلال تطوير الشراكات، والعمل على استيعاب هذه المعرفة المنقولة من خلال تهيئة البنية التحتية والبشرية واللازمة لتوظيفها والاستفادة منها. كما يجب على هذه الصناديق العمل على تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي على المدى البعيد من خلال توجيه ايجابيات الاستثمار الخارجي إلى الداخل، وتحويل الأزمة إلى فرصة حقيقية خاصّة أنّ الأسواق المحليّة كما رأينا تحوّلت إلى ملاذ لهذه الصناديق بعد تضررها على الصعيد الخارجي، وهو ما يستدعي المواءمة بين ضرورة الاستثمار الخارجي لما فيه مصلحة المحلي وعدم إهمال الاستثمار المحلي ذو الفرص الحقيقية لصالح الخارجي دون تحقيق أي قيمة إستراتيجية فعلية للاقتصاديات الوطنية على المدى  البعيد
© منبر الحرية، 01 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

في غضون شهر يناير 2009 قامت أجهزة الجمارك المغربية بإيقاف مجموعة من الحافلات المصرية كانت في طريقها إلى السوق المغربية. السبب الذي قدمته السلطات المغربية هو أن هذه الشحنة من الحافلات لا تخضع لبنود اتفاقية أغادير للتبادل الحر، و هي اتفاقية تم التوقيع عليها سنة 2004 بين المغرب و مصر و الأردن و تونس و يتم بمقتضاها الرفع الكامل للحواجز غير الجمركية و التوجه نحو إنشاء منطقة للتبادل الحر. من جانبها، تقول السلطات المصرية أن هذه ليست إلا عراقيل إدارية هدفها الحقيقي هو منع منتوجاتها من الوصول إلى السوق المغربية. و رغم أنه من المفترض أن تكون اتفاقية التبادل الحر هذه قد دخلت حيز التنفيذ في أبريل 2007 إلا أن تطبيقها على أرض الواقع يبقى أمرا صعب التحقيق لحد الآن. كيف يمكن إذن أن نفسر هذا التعثر؟
يبدو أن هناك نقطة مشتركة بين تصرف الحكومتين المغربية والمصرية؛ و هي الخضوع لإملاءات مجموعات الضغط الاقتصادية. ففي مصر هناك قطاع تركيب السيارات الذي يرى الفاعلون فيه أن دخول سيارة “لوغان” المركبة في المغرب إلى السوق المصرية يشكل تهديدا لمصالحهم.
لقد وجد المصدرون المغاربة صعوبات جمة في إيصال هذه السيارة للمستهلك المصري، بدعوى عدم احترامها لمقاييس الجودة. في حقيقة الأمر، كل المؤشرات تدل على أن هذا المنع ناتج عن ضغوطات شركات تركيب السيارات المصرية التي تريد الحفاظ على حصص إنتاجها في سوق داخلية للسيارات جد محمية.
في الجانب المغربي ينضر الفاعلون في قطاعات عدة كالنسيج و الفلاحة قدوم السلع المصرية بكثير من الريبة و الحذر. في هذا الإطار استجابت الحكومة المغربية للمطالب الملحة لمنتجي الأرز المغاربة بتحديد الكميات المستوردة من الأرز المصري، لأنهم يعتقدون أن استيراد الأرز المصري بكميات كبيرة قد يؤدي إلى القضاء على نشاطهم الاقتصادي.
و تظهر كلتا الحالتين أن الحكومات، و هي تستجيب لمطالب مجموعات الضغط، تزعم أنها تفعل ذلك “لحماية” اقتصادياتها مما تعتقد أنه تهديدات ناتجة عن التبادل الحر. حسب هذا المنطق يكون التبادل دائما لعبة ذات مجموع صفري حيث أرباح طرف تؤدي إلى خسائر لدى الطرف الآخر. و هذه، في نظرنا، رؤية خاطئة لأسس التبادل الحر. و هي رؤية سائدة حتى بين أولئك الذين يؤمنون بايجابياته لأنهم يترددون في تطبيق مبادئه في جميع الحالات، نظرا لاعتقادهم أنه في ظل تشابه البنيات الإنتاجية بين الدول فإن التبادل الحر لا يمكن أن يكون مفيدا بالنسبة لجميع الأطراف. و هنا لابد أن نرجع إلى النظرية المؤسسة لهذا الطرح للاقتصادي البريطاني دافيد ريكارد و التي تقول أن على كل بلد أن يتخصص في فروع الاقتصاد التي يتوفر فيها على مزايا نسبية تتعلق بالإنتاجية. بعد ذلك يمكن لهذه الدول أن تتبادل بحرية منتوجاتها و تستفيد من مزايا التخصص. هذه النظرية صحيحة، لكن تفسيرها قد يتم بشكل خاطىء من طرف من يعتقدون أن التبادل التجاري يجب أن يتم بين بلدان مختلفة و حول منتوجات مختلفة. لكن، و كما ذكر بذلك عالم الاقتصاد الأمريكي الحاصل على جائزة نوبل لسنة 2008 بول كروغمان :” في غالب الأحيان فإن التبادلات التجارية تتم بين دول لا تتوفر فقط على بنيات إنتاجية متشابهة لكنها تتبادل نفس المنتوجا ت”.  وهذا يظهر بوضوح قي حالة فرنسا و ألمانيا اللتان تتبادلان السيارات و أيضا في حالة السويد التي تصدر “فولفو” إلى ألمانيا و تستورد منها « BMW ». إذن لا يمكن في أي حال من الأحوال تبرير الإنغلاق التجاري بحجة تشابه المنتوجات.
و يضيف “كروغمان” أن التبادل التجاري بين دول ذات بنيات متشابهة يبقى مفيدا لجميع الأطراف، لأنه يسمح للمنتجين بالإستفادة من خزان من المستهلكين أكبر من ذلك الذي توفره السوق الوطنية و ذلك عن طريق ما يسمى بوفورات الإنتاج. كما أن المستهلكين سيستفيدون من اختيارات أوسع و أثمنة أرخص للسلع. و إذا ما أضفنا إلى ذلك عامل التنافسية بين منتجين مدفوعين إلى الإبتكار من أجل التميز عن منافسيهم، فإن ذلك سيخلق حتما فرصا أكبر و تقسيما جيدا للعمل مما سيؤدي الى تحقيق نمو اقتصادي دائم. الإنفتاح الاقتصادي يعني أذواقا جديدة لتلبية رغباتها و أثمانا أرخص بالنسبة للمستهلكين.
و إذا ما عدنا إلى تعثر التبادل الحر بين المغرب و مصر فإنه ناجم عن تصور خاطئ لأسس التجارة الدولية. تصور لا يرى ضرورة للتبادل إلا في حالة التكامل الاقتصادي ويغفل أن الطرفان سيستفيدان حتما لو تبادلا السلع بحرية.
إن المشكلة هنا لا ترجع إلى “اتفاقية أغادير” و لا إلى آليات تطبيقها بل إلى الرؤية التي يتم بها تفسيرها. لذا فيجب على الحكومات اعتماد البيداغوجية في تفسير مزايا الإنفتاح التجاري، كما يجب عليها التحرر من ضغط اللوبيات لأن هذا هو السبيل الوحيد لتغيير العقليات في اتجاه فهم صحيح لمزايا السوق الحرة والإقتناع بأن التبادل الحر سيبقى دائما لعبة ذات مجموع إيجابي.
© منبر الحرية، 25 مايو 2009

نبيل علي صالح10 نوفمبر، 20100

إزاء المخاطر والتحديات المحدقة لا بد لدول الخليج من الاستجابة الفاعلة والتكيف الإيجابي مع هذه الأوضاع والمتغيرات الاقتصادية، ولا غنى لها عن تعديل مجمل الهياكل الاقتصادية القائمة في داخلها، بما يؤهلها لاتخاذ الإجراءات والسياسات الاقتصادية اللازمة لمواكبة المنافسة المنتظرة.
كما أنه وفي ظل ارتفاع أسعار النفط وتراكم الوفورات النفطية في الخزائن والبنوك والتي جعلت دول الخليج في وضع اقتصادي واجتماعي مريح عموماً (بالرغم من الهبوط الحاد لأسعار النفط منذ نهاية صيف 2008) فإن الخيار الوحيد أمام هذه الدول للتعامل مع مجمل الاتفاقيات الاقتصادية الدولية (كاتفاقية الجات ومنظمة التجارة العالمية ومختلف التكتلات الاقتصادية القائمة بين الدول والتي تعتمد على الجودة والإدارة ومنافسة الابتكار والتميز الصناعي) هو في وجود تكتل اقتصادي خليجي قوي وفعال كبداية لتكتل اقتصادي عربي موسع مشابه للتكتلات القائمة. ولكن السؤال المطروح هنا: هل أن وجود ثروة مادية كبيرة بيد الخليجيين كافٍ لإيجاد تنمية اقتصادية حقيقية في بلدانهم، بما يفضي إلى رفع مستويات المعيشة، وتحسين ظروف الحياة، وبحيث يدفعها ويوفر لها الإمكانية الفعلية لتعزيز القدرة على القيام بتكتل اقتصادي فيما بينها لاحقاً؟!
إن الإجابة العملية على هذا التساؤل تبرز الأهمية المعقودة على مجلس التعاون الخليجي لاتخاذ مزيد من الخطوات العملية السائرة نحو تحقيق التكامل الاقتصادي الخليجي.
ولعل من بديهيات هذا التكامل الاقتصادي المنشود بين دول الخليج هو في البدء بتطبيق عدة أمور:
الأول: تفعيل الواقع الاقتصادي وتحريره في داخل كل دولة من الدول الخليجية من القيود الداخلية السياسية والاقتصادية. وهذا يتطلب رفع كفاءة البشر في تلك البلدان حيث لا تزال الأنظمة التعليمية عاجزة عن توفير عمالة وطنية متمكنة من تحمل مسؤوليات الاقتصادات الوطنية. وهنا تؤكد المعلومات الإحصائية أن بلدان الخليج لا تزال فقيرة في مواردها البشرية، وفي الوقت ذاته يتم توظيف كثير من هذه الموارد على أسس غير رشيدة وغير محسوبة العواقب، وبداعي التنفيع والكسب الخاص، وليس بهدف بناء الخبرة المهنية، واكتساب المهارات النوعية، والتميز في الأداء الاقتصادي.
إضافةً إلى ذلك –وقبل ذلك- يجب الاهتمام الكافي بالجانب النظري التعليمي الخاص بتنشئة الأجيال وأسلوب تربيتها وتدريبها، على مستوى معالجة نظم التدريب من أجل تحسين مخرجات التعليم، وهذا يتطلب:
–    توفير المباني التعليمية المجهزة والمهيأة بشكل مناسب للعملية التعليمية.
–    تحسين المستويات العلمية والخبرات العملية للهيئات التدريسية.
–    استخدام مناهج علمية متطورة حديثة.
–    الابتعاد عن الأسلوب التلقيني في التعليم، والتركيز على الأسلوب التحليلي القائم على تحريض الطاقات وتحفيز المواهب والقدرات الذاتية للفرد، تفكيكاً وتحليلاً واستنتاجاً.
–    اعتماد كل الوسائل والأدوات التعليمية العصرية التي تعزز كفاءة الأفراد، وتعظيم مبادراتهم الذاتية، وصقل تجاربهم العملية.
الثاني: زيادة حجم المشاريع المشتركة بين تلك الدول (وضرورة السعي إلى توسيع رقعتها الجغرافية والمادية، بما يخلق قاعدة مادية عريضة لقيام وتطور الأشكال الأخرى للتعاون). حيث تمثل المشروعات المشتركة صيغة تنسيقية في المجال الإنتاجي لزيادة الاعتمادات المتبادلة بين اقتصاديات دول المجلس التعاون، مما يخلق حاجة موضوعية للتنسيق والتكامل فيما بينها. كما أن تلك الاعتمادات سوف تقلص من حجم انكشاف الاقتصاديات الخليجية على العالم الخارجي، وبالتالي سيكون ذلك تقليصاً للآثار السلبية لهذه الظاهرة مثل تقلبات أسعار الواردات والصرف ومعدلات التضخم.
الثالث: زيادة وتطوير الطاقة الإنتاجية كماً ونوعاً في البلدان الخليجية بما يجعلها مؤهلة لتلبية متطلبات السوق الأكبر من السوق المحلية (من مختلف السلع والمنتجات والبضائع)، ولكي يصار لاحقاً إلى البدء بتحرير التبادل التجاري بينهم.
الرابع: فسح المجال للتحرك والانتقال السلس والحر لعناصر الإنتاج، والاستثمار بين دول مجلس التعاون الخليجي. خصوصاً عندما توجد مجموعة مشاريع مشتركة بين تلك الدول، مما يقتضي زيادةً في التنسيق الصناعي والإنتاجي والاستثماري.
الخامس: تنسيق الخطط التنموية بين دول الخليج العربي في سياق رغبتها الملحّة بتحقيق التكامل الاقتصادي أو (على الأقل) في سياق
توجهها نحو التوحيد الاقتصادي والتوافق على السياسات الاقتصادية المتعددة والمتنوعة.
السادس: إذا كان الهدف هو الاستفادة من الأموال المتاحة لدى الحكومات والأفراد والمؤسسات الخاصة من أجل تنويع القاعدة الاقتصادية، فإنه من المفروض أن تسهل عملية الاستثمار، ويوضع حد للعراقيل التي تحول دون التملك في الأصول في بعض القطاعات والأنشطة لغير المواطنين المحليين.
السابع: إنّ التنسيق الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي ينبغي أن يتم بالتوازي مع التنسيق السياسي والتنسيق العسكري فيما بينها، كما عبر عن ذلك الشيخ زايد، ولا يمكن لهذا التكامل الاقتصادي أن يتحقق من دون وجود أمن واستقرار حقيقي.. أي أن التنسيق والتكامل الاقتصادي يحتاج إلى حماية أمنية، كما أنها تشكل -في الوقت نفسه- دعماً كبيراً للخطط الأمنية، ويشكلان معها حلقات مترابطة تهدف في النهاية إلى تحقيق الرخاء والخير للمواطن في هذه المنطقة.
الثامن: البدء بتطبيق تداول العملة الخليجية الموحدة (نظرياً حدد الموعد في العام 2010).
وأخيراً فإننا نؤكد على أن ضرورات التنمية والاستجابة لمتطلبات التكتلات الاقتصادية الكبيرة والمتزايدة في هذا العالم (من التجمع الأوروبي الاقتصادي المشترك:EEC- إلى رابطة الدول الآسيوية المعروفة بمجموعة الآسيان- إلى التكتل الأمريكي الشمالي بين كل من الولايات المتحدة والمكسيك وكندا: NAFTA، وغيرها من الكتل الاقتصادية الإقليمية في أنحاء متفرقة من العالم)، إن ذلك كله يقتضي تفعيل وإغناء تجربة مجلس التعاون الخليجي، بما يساهم في إنجاز الأهداف والتطلعات الاقتصادية لشعوب المنطقة. وهذا يتطلب بدوره إعادة قراءة جديدة ومراجعة نقدية جادة لكل المرحلة السابقة من تجربة هذا المجلس على الصعيد الاقتصادي منذ قيامه وحتى الآن.. كما أن ذلك يلزم تلك المنظومة الخليجية بأمرين:
–    الأول: تفعيل وتعميق أواصر التعاون والتكامل بين دولها، وتحويل الاتفاقات الموقعة منذ فترة إلى واقع حي ملموس. ومن ثم تفعيل التعاون بين دول المجلس مجتمعة وبين تلك التكتلات بما يحقق تطوير المبادلات التجارية بين الطرفين والتغلب على العوائق التجارية.
–    الثاني: إعادة النظر بآليات رسم الاستراتيجيات الاقتصادية الخليجية بشكل ينعكس على الارتقاء بقدرتها التنافسية مع تلك التكتلات الاقتصادية.
وباعتقادي فإن التكتل الخليجي الاقتصادي الموحد المطلوب من قبل الجميع هناك، لن يصبح أمراً واقعاً، ما لم تلتزم دول الخليج بتنفيذ وتطبيق جميع البنود والنقاط الواردة ضمن الاتفاقية الاقتصادية الموحدة.
لكننا –وإن كنا ننظر إلى النواحي الإيجابية لمجمل النتائج المتوخاة من التكتل الاقتصادي لدول الخليج- فإن سلبيات عديدة تبرز أمامها، تجعلها تواجه عقبات اقتصادية في طريق التطبيق، يزداد وقعها سنة بعد أخرى، ويتسع نطاق انعكاساتها على جوانب الحياة المختلفة بوتيرة متسارعة حتى أوشكت تلك المعضلات أن تخلف وراءها سلسلة من التبعات الاجتماعية والسياسية لم يحسن الاقتصاد الخليجي في الجملة التعامل معها حتى الآن. بل إن بعض جوانب الاقتصاد الخليجي بات يتكامل مع الاقتصادي العولمي -بدليل اتفاقيات التجارة الحرة- بأسرع مما يتكامل ذاتياً.
© منبر الحرية، 10 مايو 2009

نبيل علي صالح10 نوفمبر، 20100

استقر الغرب الحديث اقتصادياً على أسس أربعة هي:
–    ليبرالية اقتصادية وحرية تداول المنتج والسلعة في ظل سوق مفتوحة (مسنودة بنظام سياسي ديمقراطي حر تداولي).
–    سيطرة شبه مطلقة على موارد الطاقة الطبيعية. (ظاهرة الاستعمار القديم والحديث).
–    هيمنة كاملة على سوق تصريف المنتجات التي يصنِّعها (مستعمرات كبيرة وممتدة جغرافياً وبشرياً تحولت إلى سوق ضخم مستهلك لمنتج المستعمِر).
–    التحكم في مواقع الإنتاج ووسائل الاتصال وطرق النقل ومنافذ البيع الدولية.
ضمن هذا السياق، وفي هذه الظروف (البحث عن أسواق لتصريف المنتجات-البحث عن أيدٍ عاملة رخيصة-البحث عن مواد خام) ولدت فكرة الاستعمار، وأدت إلى التحكم بالدول والأوطان، والسيطرة على مواقعها وثرواتها، ونهب خيراتها وطاقاتها المادية والبشرية الهائلة، وعلى خلفية ذلك اشتعلت الحروب وساد الدمار والانقسام والتفكك في كثير من الأمم والحضارات، قديمها وجديدها..
ولم تخلو أوروبا –على عكس صورتها المستقرة الراهنة- من الأزمات والانهيارات.. بل إنها مرت بمراحل صعبة من التفكك والدمار عاشت خلالها حروباً أهلية على مديات زمنية طويلة، ثم عادت وهيمنت هي بدورها على شعوب وحضارات أخرى بأكملها، وانطلقت لتغزو العالم سياسياً واقتصادياً وعلمياً بعد ذلك.
وبعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية نشأت في أوروبا فكرة وجود تجمع أو تكتل اقتصادي يجمع بين عدة دول، وكان الهدف منه زيادة المزايا النسبية في الإنتاج المادي للسلع والبضائع ومختلف أنواع المنتوجات، ومحاولة التخفيف من الآثار السلبية المترتبة على حركة المنافسة (بطابعها السلمي الرمزي أحياناً والحربي العنيف أحياناً أخرى) التي كانت تهيمن على العلاقات الدولية، بعد خروج الدول الأوربية من الحرب منقسمة ومتعبة ومحمَّلة بأعباء وتكاليف باهظة الثمن، خصوصاً على المستوى الاقتصادي، وقررت أن تستعيد وضعها ضمن القوى الدولية الكبرى من خلال عملها على ما يلي:
–    إنشاء منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي.
–    قبول خطة مارشال الأمريكية لإعادة تعمير أوروبا.
–    إنشاء المنظمة الأوربية العليا للفحم والصلب.
–    وو.. وأخيراً السوق الأوربية المشتركة التي قادت بدورها إلى قيام الاتحاد الأوربي بعملته الاقتصادية وطابعه السياسي المؤثر والفاعل على الساحة الدولية..
وبعد فترة من الزمن قامت الدول الأوروبية بمجموعة فعاليات ونشاطات اقتصادية أفضت إلى توقيع اتفاقية التجارة الدولية (الغات)، وكان من أهدافها:
1.    تحرير التجارة الدولية من كل الحواجز والمعيقات على المستوى القطري والعالمي.
2.    تسوية المنازعات والخصومات التجارية التي قد تحدث بين الدول الأعضاء.
3.    الإشراف على تجارة السلع والخدمات في العالم.
في هذا المناخ “السياسي-الاقتصادي” الضاغط بقوة (عبر قواه الكبرى المالكة لثلاثية القوة: المعرفة والسلطة والثروة) نأتي إلى عالمنا العربي الكبير وبالأخص منه دولنا في مجلس التعاون الخليجي التي كانت تبحث عن تكتل اقتصادي يجمع ويوحد الطاقات والموارد الطبيعية الهائلة التي تمتلكها بلدان الخليج العربي ضمن بوتقة واحدة فاعلة ومؤثرة في عالم مليء بالتحديات والمنافسات والمصالح.. أقول: نأتي، لنتساءل مع كثيرين هنا وهناك عن طبيعة هذا الموقع الذي يشغله الخليج العربي من تلك التحديات الاقتصادية على مستوى الهضم والاستيعاب والتأثير؟! وإلى أين وصلت أفكار القائمين على المجلس لجهة مواجهة النتائج العملية الناجمة عن وجود تلك التكتلات الاقتصادية الدولية الكبرى التي تعتنق مذهباً وحيداً هو مذهب المصالح والتبادلية والتنافسية والجودة؟!..
في الإجابة نشير إلى أن قادة وزعماء دول الخليج العربي وقعوا على قرارهم التاريخي بإنشاء مجلس التعاون الخليجي في العام 1981، بهدف مواجهة أخطار عديدة خارجية محدقة بهم، ربما كان التحدي الاقتصادي أحد أسباب هذه النشأة التكتلية الأولية..
ومنذ ذلك التاريخ لا تزال حزمة غير قليلة من القرارات الاقتصادية -التي وقع عليها القادة- حبراً على ورق، تنتظر اللحظة المناسبة للتحول من حيز الكلام إلى حيز الفعل.. حتى وصل الأمر أن اعتقد كثيرٌ من المراقبين أن ولادة سوق خليجي مشترك أو اتحاد جمركي موحد تحتاج إلى ما يشبه المعجزة لإثبات أن الأمل لا يزال مشروعاً في ظل التلكؤ والتباطؤ الذي ساد طوال فترة زمنية ليست بقليلة أحدثت شكوكاً واسعة تجاه أن يكون لهذا المجلس أصلاً أي طموح تكاملي يذكر في ظل الأسباب السياسية التي دفعت لإنشائه إبان حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران.
إن المخاطر والأثمان الكبيرة المطلوب دفعها (بالنظر إلى حجم النتائج السلبية المترتبة على عامل التأخر الزمني في الاستجابة لمقتضيات التحولات الاقتصادية الكبرى) قد ارتفعت أسهمها، وتزايدت بوتائر عالية حيث الهيمنة الكاملة للتكتلات الاقتصادية للدول الكبرى على الساحة الدولية (مجموعة دول الثمانية)، بما لها من قدرات ضخمة وإمكانيات تنافسية هائلة في الإنتاج والتوزيع، مما جعلها تمتلك اليد الطولى التي تتحكم من خلالها في أسواق العالم النامي.
وهذا ما يظهر عملياً عند دخول مؤسسات ومجموعات غير مصرفية في الأسواق المالية وتطور أنظمة المدفوعات الالكترونية، وهذا من شأنه أن يفرض ضغوطاً على الأنظمة الرقابية وأنظمة المدفوعات والتسويات الدولي، وكذلك على مقدرة السلطات النقدية على احتواء الصدمات الاقتصادية والمالية داخل حدودها الجغرافية والحيلولة دون امتدادها عبر الحدود.
كما أن النظام الدولي -بكل ما يحمل من خصائص اقتصادية وسياسية فعالة- سيؤدي على الأرجح إلى زيادة دور آلية السوق، وبالتالي فرض اعتبارات وتأثيرات هذا السوق المفتوح على الأحداث والتطورات الاقتصادية والمالية بصورة أكبر من تأثير الحكومات والنظم السياسية القائمة. وفي هذه الأحوال فمن المتوقع زيادة درجة انتقال التأثيرات المالية عبر الحدود بين البلدان.
© منبر الحرية، 09 مايو 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

إن التمعن و التوقف على تداعيات الحرب الأخيرة على غزة يؤكد وجود انقسام و اهتراء في الموقف العربي. موقف يحمل في طياته جذور تراكمات انهزامات ليست وليدة اللحظة. فهذه ليست المرة الأولى التي تعجز فيها الدول العربية على اتخاذ موقف موحد وقوي يشرح الرؤية العربية و يدافع عنها في المحافل الدولية. كيف يمكن أن نفسر هذا الضعف في الموقف العربي؟ و ما هي المسببات و الجذور التي تحكمت لحد الآن في مساره ؟ و ما هي الحلول التي يمكن أن تخرج المنطقة العربية من هذه الظرفية المتردية ؟
دعونا نبدأ بالمساندة القوية التي يتمتع بها الموقف الإسرائيلي لدى غالبية إن لم نقل كل الدول الغربية. إن هذا الأمر يرجع بالطبع إلى مرسبات المحرقة التي تعرض لها اليهود على أيدي النازيين خلال الحرب العالمية الثانية. فهذا الموضوع لا زال يلقي بظلاله على الحياة السياسية و الإعلامية و يضفي حساسية مفرطة على أي انتقاد يوجه لإسرائيل في أوروبا و الولايات المتحدة. لكن و مع حتمية و بديهية هذا الأمر.
هناك عامل آخر لا يمكن استبعاده. إن الدول الغربية تساند إسرائيل أيضا، لأنها تمتلك النظام السياسي الأقرب و الأمثل للمنظومة الغربية. لذا فهي (أي إسرائيل) تقدم نفسها على أنها واحة من الديمقراطية وسط صحراء قاحلة من الإستبداد. أي بكل بساطة أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. تلك الدولة التي تصارع في جبهة متقدمة للدفاع عن العالم الحر.
صحيح أن إسرائيل استغلت بذكاء هذا الموضوع لتحقيق أطماعها في المنطقة. و صحيح أيضا أن هذا الطرح تحيط به هالة إيديولوجية واضحة المعالم و لكن الواقع الذي لا يمكن إنكاره ( ورغم كل التحفظات التي يمكن أن نضعها عليه و المتعلقة بالحقوق المدنية و السياسية لما يسمى بعرب 48، و تأثير الأحزاب الدينية و العسكرة المفرطة للدولة) هي الطبيعة الديمقراطية لهذا النظام. أي أنه يعرف تناوبا حقيقيا على السلطة و معارضة قوية و صحافة لا تتردد في انتقاد الحكومات المتعاقبة إذا ما أخلت بواجبها نحو الشعب. و الأهم من ذلك أن إسرائيل تتوفر على جهاز قضائي مستقل يكفي هنا أن نذكر أنه في ظل الجو المشحون للحرب و المساندة القوية للرأي العام لها فقد استطاع الآلاف من العرب و مناصري السلام التظاهر ضد الحرب و لمساندة غزة حاملين الأعلام الفلسطينية في قلب تل أبيب بعد موافقة المحكمة العليا على ذلك.
أما في الأنظمة العربية فالرؤساء ينتخبون بنسبة 99% ، و يورثون أبناءهم قبل رحيلهم و في بعض الأحيان يغيرون الدستور لإضافة ولاية ثالثة و رابعة. أما الصحافة المستقلة فإن وجدت فهي تصارع القيود و الأحكام القضائية الجائرة من أجل البقاء. و القضاء يبقى في غالب الأحيان خاضعا للسلطة التنفيذية و لا يتمتع بالاستقلالية إلا في حالات نادرة.
كيف يمكن إذن للأنظمة العربية أن تصدر موقفا قويا يعبر عن موقف شعوبها في هذه القضية و غيرها و هذه الشعوب لا تستشار و لا يسمح لها بإبداء رأيها و لا تستطيع أن تحاسب حكوماتها. في المقابل هناك موقف مناقض للموقف العربي، اتخذته دولة إقليمية غير عربية. هذه الدولة هي تركيا التي كان لها و منذ بداية هذه الحرب موقف ثابت و قوي. لقد انتقد وزيرها الأول إردوغان الهجوم الإسرائيلي بوضوح و دون لبس رغم عضوية بلده لحلف الشمال الأطلسي و ارتباطها بمعاهدات سياسية و عسكرية مع إسرائيل. كما غادر منتدى دافوس الإقتصادي احتجاجا على ما اعتبره تزييفا للحقائق من طرف الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز. و هو الأمر الذي لم يستطع القيام به الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي كان حاضرا في نفس الندوة رغم أن القضية الفلسطينية تمثل قضية مركزية في المؤسسة التي يتولى أمانتها العامة.
إن موقف إردوغان يمثل رأي غالبية الشعب التركي الذي اختار حزبه لتسيير دفة الحكم مرتين في انتخابات (2002 و 2007)، أي أن قوة موقفه نابعة من فوة و شرعية تمثيليته لشعبه. ليس لأنه ذلك الزعيم المنقذ الملهم الذي يتماهى مع تطلعات شعبه، و لكن لأن حكومته خارجة من صناديق الاقتراع و ستعود للاحتكام إليها من جديد بعد انتهاء ولايتها. لذا فهي تحترم رأي من أدلوا بصوتهم لصالحها و تعبر عنه و تدافع عنه داخليا و خارجيا.
قوة الموقف التركي يمكن أن تفسر أيضا و في ظل الأزمة العالمية الراهنة و التباطؤ الذي يشهده النشاط الإقتصادي في أوروبا و الولايات المتحدة، بدينامكية اقتصاد هذا البلد و الصحة الجيدة التي يتمتع بها منذ بداية العقد الحالي. وضعية ناتجة عن إصلاحات هيكلية و عميقة للإقتصاد و ليس عن ارتفاع ظرفي للعائدات النفطية كما هو الحال في بعض الإقتصاديات العربية.
إن عدم قدرة الجانب العربي على اتخاذ موقف قوي و ثابت يدافع عن مصالحه الإستراتيجية إبان هذه الحرب و غيرها لا ينجم فقط عن اختلال موازين القوة العسكرية لصالح إسرائيل. لأن هذا الأمر يتغير بتغير موازين القوى الدولية. أما الثابت فهو مسار التقدم السياسي و الإقتصادي في العالم العربي. مسار لم يبرح مكانه منذ عقود.
لقد آن الأوان للبلدان العربية، شعوبا و نخبا و حكاما، أن تبادر للخروج من دوامة الهوان التي ما فتئت تدور في رحاها. خروج لن يمر إلا عبر إصلاح هيكلي للمنظومة المؤسساتية السياسية و الإقتصادية. إصلاح يمنح المواطن العربي الحق في الإدلاء برأيه لاختيار و محاسبة حكوماته بكل نزاهة و شفافية. لأنه من المخجل حقا أن تصنف المنطقة العربية من طرف المنظمات المختصة كأكثر المناطق التي تسود فيها الأنظمة الاستبدادية. إصلاح يرفع عن الصحافة كل القيود و يجعل منها تلك السلطة التي تراقب ما تقوم به الحكومات من أعمال. فتفضح ما يخل بالقانون منها و تشيد بما يحترم المصلحة العامة. أما القضاء فبدونه لا يستقيم شيء في الدولة لأنه عماد الحكم الرشيد. و بدون إصلاحه لا يمكن القيام بأي إصلاح اقتصادي جذري لأن “دولة الحق والقانون” هي اللبنة الأساسية التي ترسي دعائم الملكية والحرية الاقتصادية و اقتصاد السوق.
هذا هو مسار التغيير الذي يمكن أن يصالح الأنظمة العربية مع شعوبها و يمنحها القوة للتعبير عن مواقفها بثبات في المحافل الدولية. إن احترام الدول العربية لرأي شعوبها سيضفي قوة و شرعية على تمثيلية مؤسساتها السياسية. و سيجعل الدول الأخرى و على رأسها الدول الغربية تستمع لمواقفها و تحترم قضاياها.
© منبر الحرية، 01 أبريل 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، كان هنالك إجماع بشأن السياسات الاقتصادية التي ينبغي تبنيها من أجل تحسين الإدارة الاقتصادية، ومن ثم بالتالي استعادة النمو في الدخل وخلق الوظائف فيما يعرف بإجماع واشنطن.
لكن هذا المنهج (إجماع واشنطن)، قد أثمر نتائج غير مرضية، بل ومدمرة في بعض الأحيان. حيث أن العديد من اقتصاديات المنطقة العربية، وغيرها قد عانت من الركود أو التراجع. و لم يتحسن مستوى المعيشة في كثير من الدول العربية ذات الاقتصاديات الفقيرة. تتجلي خطورة الوضع الاقتصادي وتداعياته السياسية في أزمة الركود الاقتصادية الحالية. فالركود الاقتصادي من شأنه أن يقوض شرعية الأنظمة العربية الحاكمة، بل وحتى قدرتها على ممارسة عملية الحكم في بعض الأحيان. وتشتد خطورة المشكلة بوجه خاص لكون الاقتصاديات الراكدة لا تستطيع توفير وظائف كافية لذلك المد المتنامي من الشباب الباحثين عن عمل في منطقة تعاني نظمها فشلا مديدا في حل تلك المعضلة. إن هذه الخلطة التي تجمع بين عجز الأنظمة، وتصاعد معدلات البطالة والفقر، ووجود قطاعات كبيرة من الشباب لخلطة سريعة الالتهاب جداً على الصعيد السياسي. إن الأداء الاقتصادي الباهت يسبب إحباطات شعبية تجاه قيادة النظام، ويفاقم نمو السكان من خطورة تلك المشاكل الاقتصادية ليجعل من الأشق على الأنظمة أن تحافظ على مستويات المعيشة الراهنة، ناهيك عن أن ترفع تلك المستويات. كذلك فإن الفساد الواسع النطاق يولد المزيد من الإحباطات هو الآخر عندما يضطرون للإنفاق من دخولهم المحدودة لدفع الرشاوى وغيرها من المدفوعات من أجل أن يؤمنوا لأنفسهم الخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة، ولكن التعبير عن أي من تلك الإحباطات لن يكون ممكناً من خلال هياكل الحكومة، وهذا بحد ذاته قد يتسبب في إحباطات إضافية تجاه الجهاز الحكومي. ويصبح الاحتمال أكثر وروداً هو أن تؤدي تلك الإحباطات إلى ازدياد المطالبات بالإصلاح السياسي الذي يسمح للمواطنين بان يكون لهم على الأقل صوت في عملية صنع القرار. والأنظمة العربية الحاكمة وفق خبرة الرصد لاستجابتها لتلك المتطلبات تكون دوما بإحدى طريقتين : فهي إما أن تزيد من حجم المساهمة الشعبية بهدف نزع فتيل الاستياء المتنامي، أو أن تلجأ إلى المزيد من القسر والإكراه.
وقد اختارت العديد من دول المنطقة العربية إستراتيجية تجمع بين عناصر من كلا الخيارين، وذلك باتخاذ إجراءات محدودة للإصلاح السياسي بينما يشن في الوقت نفسه هجوم على المعارضة التي تتجاوز الحدود المقبولة التي أقرها النظام. وقد لاقت هذه الإستراتيجية نجاحا كبيرا لأنها مكنت الأنظمة الحاكمة من أن تسيطر على شكل الإصلاح السياسي وإيقاعه. ومع ذلك فإنه ليس من الواضح بعد أن كان من المستطاع الثبات على هذه الإستراتيجية على المدى البعيد. كما أن هذه التحديات تهدد إدارة الدولة والاستقرار السياسي بطريقتين : طريقة مباشرة، طالما أن بعض التحديات تجعل المواطنين يتحدون الحكومات ( كالشباب العاطلين عن العمل مثلاً ) وطريقة غير مباشرة، من خلال ردود فعل الدول تجاه التحديات ( كالتقشف في الميزانية على سبيـل المثال) وقد يجادل البعض، بطبيعة الحال، بأن الفشل الاقتصادي لا يترجم تلقائياً إلى كارثة سياسية، كما أن ليس هنالك إجماع على مدى عمق التهديدات التي تمثلها هذه التحديات الاقتصادية للأنظمة الحاكمة القائمة.
ورغم أن المصاعب الاقتصادية المتصاعدة تجابه إدارات حكومات جميع الأنظمة بتحديات جسيمة، فإن شكوكاً كثيرة تحوم حول مدى قدرة الحكومات المختلفة في المنطقة العربية على التعامل مع هذه التحديات. فعند أقصى أحد الطرفين تهدد هذه التحديات بإمكانية تقويض، لا إدارة الدولة فقط، بل ومدى رضوخ المحكومين أنفسهم لسلطة الحكم.
ففي بعض البلدان، وبالأخص الأشد فقراً منها، قد تتغلب التحديات على أي هيكل حكومي، مفضية إلى انهيار النظام، كما حدث في أفغانستان والصومال. إلا أن حتى المشاكل الاقتصادية العميقة قد لا تتمكن من إسقاط الأنظمة التي لها قدرة مواصلة ضخ الامتيازات والمكاسب إلى مؤيديها الرئيسيين، وإخماد أصوات المعارضين. ولا توجد هناك علاقة بسيطة بين الركود الاقتصادي وانصياع المحكومين لسلطة الحكم.
لقد أبدت حكومات المنطقة وجماعات النخبة لحد الآن تفضيلا ملحوظاً لإتباع نمط إصلاح يمضي بخطوات تدريجية، أو حتى متثاقلة. والأسباب وراء ذلك تتفاوت ما بين حالة وأخرى، ولكنها عادة ما تكون مزيجاً من عاملين:
العامل الأول يتمثل في خشية بعض الأنظمة – ولها بعض الحق أن تخشى- من أن الإزاحة الاجتماعية التي سيسببها الإصلاح الاقتصادي الشامل سينتج عنها الوقوع في مخاطر زعزعة الاستقرار السياسي. أما العامل الثاني فهو أن ذوي المصالح المكتسبة وأقوياء النفوذ سوف يعملون أما على سد الطريق بوجه الإصلاحات، أو على ضمان أن يعود عليهم نوع معين من الإصلاحات بمكاسب لا تتناسب وحقيقة ما يستحقون على حساب الجماعات الأخرى في المجتمع. وتكون الحصيلة صورة مختلطة متداخلة تبدو فيها الأنظمة وقد أخذت بتطبيق شيء من الإصلاحات الاقتصادية، بل وفي أغلب الأحيان الكثير منها (وبالذات في مجال سياسة الاقتصاد الواسع). في حين ترجئ أو تتحاشى الإصلاحات الأكثر تعقيداً، كالخصخصة، وإصلاح القواعد التنظيمية، وتطوير حكم القانون.
وقد كانت نتائج ذلك النمط من الإصلاح مخيبة للآمال، سواء بسبب المصاعب المصاحبة التي لابد أن تواجهها أية سياسة اقتصادية، أو بفعل انعدام التوافق في عملية الإصلاح. ورغم أن الأداء الاقتصادي لدى بعض الأقطار كان أفضل بدرجة ملحوظة في أواسط التسعينيات وأواخرها منه في الأعوام العشرة الماضية، فإن سرعة النمو لم تبلغ في أي قطر من الأقطار العربية حتى اليوم حداً يكفل خفض نسبة البطالة أو رفع معدلات الأجور الفعلية ومستويات المعيشة.
© منبر الحرية، 5 فبراير 2009

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018