شؤون اقتصادية

نبيل علي صالح10 نوفمبر، 20101

وفرت العائدات النفطية الهائلة –التي نجمت عن الارتفاع الكبير في أسعار النفط والذي وصل إلى ذروته في صيف العام 2008 قبل أن تبدأ بالانخفاض الهائل خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام نفسه- موارد إضافية ضخمة داعمة لميزانيات الدول الخليجية التي تعتمد بمعظمها على تصدير النفط والصناعات النفطية الملحقة به (حيث تملك دول مجلس التعاون حوالي 44% من الاحتياطيات المؤكدة من النفط الخام في العالم، وحوالي 15% من احتياطيات الغاز الطبيعي.. وهذه الدول تنتج حوالي 15% من الناتج العالمي للنفط الخام، وتصل صادراتها من النفط الخام إلى حوالي 20% من إجمالي الصادرات العالمية).. وهو ما تجسد عملياً في مضاعفة العائدات المالية من النفط إلى أرقام قياسية، وتحقيق فوائض في الميزانية العامة والحساب الجاري والناتج المحلي الإجمالي.
وقد أحدث هذا الوفر الكبير (الذي يمكن تسميته بالطفرة النفطية) صدمةً حقيقية عملية لدى كثير من النخبة الاقتصادية وصناع القرار السياسي والاقتصادي الخليجي ممن يعملون على تطوير مجتمعاتهم على مختلف الأصعدة والمستويات الاقتصادية والتنموية.. بما يزيد من فرص ازدهارها وتقدمها وتأمين مستقبلها، وتمكنها من الاندماج التقني والاقتصادي في السوق الدولية، ويوفر لأبنائها عمالة متقدمة علمياً وتكنولوجياً..
وقد لاحظنا أن معظم الدول الخليجية أنشأت مؤسسات وشركات إعمارية وبنائية عملاقة وتكتلات صناعية (ظاهرة المدن الصناعية والعلمية في السعودية والكويت مثلاً) وصناديق تنموية ليس فقط في داخل بلدانها وإنما تخطت حدودها لتستثمر في بلدان مجاورة عربية وإقليمية وحتى في كثير من الدول الكبرى في أوروبا وأمريكا..
ولكن السؤال المطروح هنا، أنه ومع ازدياد أعداد سكان دول مجلس التعاون الخليجي، والحجم الهائل في زيادة الطلب على الاستهلاكيات والاحتياجات اليومية، وتعاظم القوة الشرائية لدى المواطن الخليجي الذي أدى إلى إقباله الشديد على الشراء في ظل تنوع (وضخامة) العروض المقدمة: كيف يمكن –في ظل ذلك كله- معالجة الخلل الهيكلي القائم في أسواق العمل الخليجية المتمثل حصراً في ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل من المواطنين مع الازدياد المطرد في أعداد الأيدي العاملة الخارجية المستقدمة من دول عربية مجاورة ودول أخرى آسيوية، حيث نلاحظ مثلاً وجود ما نسبته 60%من الأيدي العاملة الخارجية تقوم بتشغيل مختلف القطاعات الاقتصادية في كل من المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين وسلطنة عمان؟!!.. ثم وفي حال قررت الدول الخليجية الاعتماد على عمالة مواطنيها، فهل تتوفر لدى هؤلاء الخبرة العلمية الميدانية خصوصاً وأن الشركات والمؤسسات الاقتصادية الخاصة تطلب خبرات علمية وكوادر مدربة ذات مواصفات دولية محددة، حيث أن ميزان الربح والخسارة –في النهاية- هو المعيار الحاكم في أية شركة تجارية أو صناعية أو زراعية، أما منطق الشعارات والخطابات فهذا هراء لا طائل منه إطلاقاً؟!..
إذاً أين الخلل: هل هو موجود في ذهنية وعقلية الفرد والمواطن الخليجي (وطبيعة تصوراته وثقافة العمل عنده) العازف عن الانخراط في بعض مجالات العمل، أم أن الخلل قائم في طبيعة السياسات التعليمية والاقتصادية المطبقة في البلدان الخليجية والتي لا يمكن أن تساهم في تأمين شروط التأهيل العلمي الحقيقي لأبنائها ومجتمعاتها كشرط للانخراط في العمل الميداني مما يساهم في زيادة الطلب على تأمين العمالة الوافدة المدربة والمؤهلة لتنفيذ مشاريع التنمية والإعمار والبناء في دول الخليج؟!..
في الواقع لقد أدى الاعتماد الكبير على العمالة الوافدة إلى زيادة تعقيد عملية تجزئة أسواق العمل في تلك الدول، حيث لاحظنا أن القطاع الخاص الخليجي هو الذي يستقدم ويستقطب العمالة الوافدة، بينما تركزت العمالة الوطنية في القطاعات الحكومية العامة، وهذا ما جعل من غير الممكن الاستمرار في توظيف كامل العمالة الوطنية عندما بلغت قيود الميزانية حدودها القصوى، وازدادت بالتالي معدلات البطالة بين المواطنين.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن حكومات مجلس التعاون الخليجي –وفي سياق سعيها لحل إشكالية البطالة، وعدم الاعتماد الكلي على النفط في تطوير مختلف أوجه نشاطات مجتمعاتها- استفادت من تلك الزيادات الهائلة للإيرادات النفطية في تأمين النمو للكثير من القطاعات غير النفطية، ولكن على ما ظهر هناك أن الهياكل الاقتصادية الحالية لتلك الدول غير جاهزة فعلياً للتحول المذكور، مما أثر سلباً على تلك التغيرات المطلوبة في هيكل توزيع الناتج.
طبعاً القطاع الخاص الخليجي –وغير الخليجي- يريد لسهمه أن يبقى في حالة ربح وصعود، ولذلك فهو يفضل توظيف العمالة الوافدة الخبيرة على العمالة الوطنية غير الخبيرة التي تطلب – في حال توفرت الخبرة والتدريب عندها- أرقاماً كبيرة لا تقارن مع مستويات الأجور المعطاة لنظرائهم الأجانب. وفي المقابل نجد أن أجور العمال الأجانب أقل من نظرائهم الوطنيين، وأنهم يعملون لساعات أطول خاصة في القطاع الخاص، فضلاً عن انخفاض المزايا الممنوحة لهم بالمقارنة بالعمالة الوطنية. وهذا ما ساهم أيضاً في زيادة نسبة البطالة بين صفوف الشباب الخليجي.
ويبدو أن استمرار القطاع العام الخليجي في الهيمنة على مختلف القطاعات الإنتاجية، وقبوله توظيف العمالة المحلية من دون خبرات علمية سيؤدي إلى تضخمه ولاحقاً إلى انخفاض كفاءة المشروعات التي ينفذها، وذلك بالمقارنة بالقطاع الخاص.
ويعتقد كبار المحللين الاقتصاديين أن تضخم القطاع العام له أيضاً آثار سلبية على مستويات الرفاهية العامة. لأنه سيجعل من عملية التحول إلى الخصخصة مسألة معقدة بسبب تزايد فاتورة عملية إعادة هيكلة المشروعات العامة، والتكلفة الفادحة التي ستترتب على تحويل العمالة الوطنية بالقطاع العام نحو القطاع الخاص، وتعد النقطة الأخيرة من الأسباب الأساسية لبطء عمليات التحول نحو القطاع الخاص.
انطلاقاً من ذلك لابد من البدء بتطوير التعليم وتنمية القوة البشرية، لأن ذلك سيسهم مساهمة فعالة في عملية الإصلاح الاقتصادي وتصحيح الاختلالات الهيكلية القائمة في صلب الاقتصاد الخليجي وتحديداً منها مشكلة البطالة.
فالفرد هو العنصر الحاسم في أي عمل، وهو الثروة الحقيقية لأي مجتمع على مستوى الهدف والغاية والطموح. وبقدر ما ينجح أي مجتمع في تفعيل قدرات أفراده والارتقاء بإمكانياته فإن النجاح والفلاح سيكون من نصيبه، وسيحقق في النهاية طموحاته وأهدافه المتوخاة في التنمية والتطور والازدهار.
والفرد القادر على العطاء والإنتاج هو الفرد الخبير المدرب، ومن هنا تتأكد أهمية التعليم والتدريب كنشاط رائد في عملية التنمية، حيث يقع على كاهل النظام التعليمي مهمة تأهيل القوى البشرية الوطنية لمواجهة احتياجات التنمية في الأجلين المتوسط والطويل، كما تبرز أهمية التدريب في ضوء الحاجة لإعادة تأهيل وتدريب مخرجات التعليم لمواجهة احتياجات سوق العمل على المدى القصير، فضلاً عن التهيئة المستمرة لقوة العمل لمواجهة الاحتياجات المتطورة لأسواق العمل في ظل التقدم التكنولوجي المتواصل. وبالإضافة إلى التأهيل العلمي الحديث، تحتاج نظم التعليم إلى تطوير مناهجها بشكل واضح كي يتماشى مع متطلبات العصر، والانتقال من التركيز على الحفظ إلى الفهم والاستيعاب والابتكار، وتنمية مواهب الابتكار والتعامل مع وسائل التعليم الحديثة والحاسب الآلي ووسائل الاتصال الحديثة واللغات الأجنبية.
وعندما يتوفر العنصر البشري الخبير والمدرب، سيكون من الطبيعي جداً أن تعتمد عليه قطاعات العمل الخاصة في مجتمعاته، وسيحدث نوع من الشراكة والتكامل بين القطاعين العام والخاص على مستوى التنافس في الاعتماد على العمالة الداخلية المستقرة في بلدانها.
كما أن توفر العمالة الداخلية سيسهم من جهة ثانية في معالجة الخلل السكاني القائم في الدول الخليجية على مستوى ترشيد استخدام العمالة الوافدة، والعمل على توطين الوظائف من خلال تشجيع عمليات الإحلال، وتنمية القوى البشرية في المنطقة من خلال الدعوة إلى إلزامية التعليم لكل من البنين والبنات، والاهتمام بالتعليم الفني والمهني، وفتح مجالات العمل أمام المرأة، والعناية بمراكز التدريب. وبالرغم من الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص في هذا الجانب إلا أن استعداده في هذا المجال ما يزال محدودا. وتلعب السياسات الحكومية دوراً هاماً في تعقيد هذه المشكلة. حيث أدى ارتفاع معدلات الأجور للوطنيين –كما ذكرنا سابقاً- إلى عزوف القطاع الخاص عن توظيف مواطني دول المجلس، كما ساعد هيكل الحوافز للعاملين بالحكومة إلى عزوف العمالة المحلية عن الانخراط الميداني في العمل لصالح القطاع الخاص، وجاءت مخرجات قطاع التعليم لتعقد من المشكلة، حيث يوجد تفاوت واضح وصريح بين مستوى وطبيعة مخرجات التعليم واحتياجات القطاع الخاص. ولذا ينبغي التركيز في المستقبل على قضايا التعليم والتدريب وحل مشكلة البطالة، وذلك بهدف التغلب على اختلالات هيكل البنية السكانية واختلالات سوق العمل بما له من انعكاسات سلبية على دول المجلس.
ومن الممكن أن تلعب الاتفاقية الاقتصادية الموحدة دوراً مركزياً في هذا المجال من خلال تفعيل اتفاقيات حرية انتقال عنصر العمل بين الدول الأعضاء، ويمكن الاستفادة من التجربة الأوروبية في هذا المجال عن طريق الإعلان عن الوظائف المتاحة بكافة دول المجلس بشكل مركزي، وبحيث يتم إعطاء أفضلية في عملية شغل الوظائف بدولة ما إلى مواطني تلك الدولة أولا ثم مواطني دول المجلس الآخرين ثانياً، قبل أن يتم شغل تلك الوظائف من خلال العمالة الوافدة.
ولا بد من التأكيد أخيراً على أن بداية الحل الذي يمكن تصوره لمشكلة البطالة (التي تفتح أمامها مشاكل أخرى على الطريق نفسه) هو في الاعتراف الحقيقي بحجم المشكلة التي تواجهها الهياكل الاقتصادية الخليجية، وهي وجود بون شاسع وواسع لا يزال قائماً بيننا وبين أسس ومعايير قواعد التقدم العلمي والتقني الحديث بالمعنى العملي، ولذلك سنبقى ولسنوات طويلة بحاجة ماسة للكثير من الخبرات والكفاءات والكوادر الأجنبية غربية أم غير غربية وفي كافة المجالات، وأما ادعاؤنا بأن لدينا ثروات هائلة طبيعية (كالنفط مثلاً) فإنه لن يمكننا من الاستمرار في العيش الطويل والآمن في بلداننا عند مستويات رفاهيتنا المتوفرة حالياً بين أيدينا (خصوصاً وأننا مهددون بالركود الاقتصادي بعد أزمة أسواق المال وبدء انهيار كثير من البورصات والبنوك الدولية)، ما لم نعمل مباشرةً وعلى الفور، على إعادة النظر (وتركيز النقد الفكري) في مجمل طرائق تفكيرنا وأساليب عيشنا، وإعادة دراسة وموضعة ما بين أيدينا من القدرات والإمكانيات والمهارات والطاقات الهائلة التي لا نزال نمتلكها حالياً أو تلك التي يمكن أن نوفرها لأنفسنا في المجالات الأخرى في الحاضر والمستقبل ضماناً لنا ولأجيالنا اللاحقة كي يبقى لنا أثر طيب يمكن أن تذكرنا به في حياتها المستقبلية.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 12 يناير 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

على الرغم من أنّ التداعيات المباشرة للازمة المالية العالمية على الدول العربية لم تكن ذات وقع كبير (إذا ما اعتمدنا على البيانات الرسمية الصادرة) قياسا بما حصل في الدول المتقدّمة، الاّ أنّ ذلك لا يعني أنّها تجنّبت الأسوأ، وأنها استطاعت أن تحيّد نفسها عن التداعيات المحتملة اللاحقة. فقد شهدت الدول العربية في المرحلة الأولى من الأزمة المالية العالمية خسائر مباشرة تمثّلت بـ:
أ- الدول النفطية: خسائر ضخمة ناجمة عن الانخفاض الكبير الذي شهدته أسواقها المالية، إضافة إلى تعرّض مصارفها لمشكلة الشح في السيولة مصحوبة ببعض الخسائر لدى بعض المؤسسات الكبرى التي تعاملت في المشتقات المالية والتي كانت سببا في اندلاع الأزمة المالية العالمية. وتشير التقديرات أيضا إلى انّ الصناديق السيادية لهذه الدول تعرّضت لخسائر بقيمة حوالي 400 إلى 450 مليار دولار.
ب- الدول الغير نفطية: وكانت التداعيات المباشرة للازمة المالية العالمية عليها أقل من الدول النفطية وذلك اعتمادا على درجة انفتاحها على الأسواق المالية وارتباطها بالاقتصاد العالمي، ولوحظ انّ المصارف في معظم هذه الدول تلافت نسبيا الوقوع في خسائر مالية نظرا للسياسة المتشددة التي كانت تتّبعها المصارف المركزية فيها، وابتعاد القطاع المصرفي ككل عن التعامل في المشتقات المالية ولعدم ارتباطه بشكل واسع بالخارج. وقد اقتصرت الخسائر المباشرة على الانخفاض الذي تعرّضت له الأسواق المالية فيها.
في المقابل، يبدو أننا بدأنا نشهد الآن معالم المرحلة الثانية من تداعيات الأزمة المالية العالمية والتي ستصبح جليّة في العام 2009. اذ يشير تقرير صندوق النقد الدولي الأخير إلى إن التباطؤ الذي تشهده البلدان النامية حالياً كبير للغاية نتيجة للأزمة المالية العالمية وللتأثير المباشر لأزمة الائتمان على الاستثمارات التي كانت ركيزة أساسية لمساندة الأداء القوي في بلدان العالم النامية على مدى السنوات الخمس الأخيرة.
ومع تضييق أوضاع الائتمان وانخفاض مستوى تقبل المخاطر، من المرجح أن يتقلص نمو الاستثمارات في بلدان العالم النامية ومنها بلداننا العربية بطبيعة الحال من 13 في المائة في عام 2007 إلى 3.5 في المائة في عام 2009، وهي نسبة كبيرة للغاية بالنظر إلى أن ثلث نمو إجمالي الناتج المحلي يُعزى إليها. كما من المتوقع تقلص حجم التجارة العالمية بنسبة 2.1 في المائة في عام 2009، وهي المرة الأولى منذ عام 1982، وان تشهد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انخفاضا في معدّل النمو من 5.8% إلى حوالي 3.9 في المائة في عام 2009.
ومع انخفاض أسعار النفط بالشكل الذي حصل فاقدة أكثر من 70% من قيمتها خلال 5 أشهر فقط على أبواب العام 2009، يبدو واضحا انّ العام الجديد سيُخضع الاقتصاد العربي لامتحان عصيب، حيث ستبدأ التداعيات الحقيقية والغير مباشرة بالظهور، وستبرز عندها قدرة أو عدم قدرة الدول على تحمّل هذه الأعباء. وقد تنقلب المعادلة في هذه المرحلة على الأرجح، حيث ستعاني الدول العربية غير النفطية كثيرا إذا لم تحسن إدارة اقتصادها، في الوقت الذي ستتعرض الدول نفطية لخسائر كبيرة ليس اقلّها نتيجة انخفاض أسعار النفط، وستنكشف قدرة وحجم العوائد على امتصاص الصدمة في حينه.
وعلى أية حال، فاّن المؤشرات الأولية تعطينها فكرة عن معالم التداعيات التي ستتعرض لها الدول العربية في المرحلة الثانية، وهي تتمثّل بـ:
أ- بالنسبة للدول النفطية:
1- تراجع حاد في العوائد النفطية: اذ عمّقت الأزمة المالية من الانخفاض الحاد في أسعار النفط، مما من شانه أن يؤدي إلى تراجع العوائد النفطية بشكل كبير، حيث تشير أرقام صندوق النقد الدولي، إلى أنّ خسارة كل دولار واحد من سعر برميل النفط تؤدي إلى أن تخسر السعودية مقابله حوالي 3.5 مليار دولار، والإمارات مليار دولار، والكويت 950 مليون وقطر 350 مليون.
2- تراجع معدلات النمو: ستضطر دول الخليج إذا استمر انخفاض أسعار النفط إلى ترشيد الإنفاق نظرا للضغط الذي سيتولّد على الميزانيات لديها التي ستدخل عجزا كما يبدو، وهو ما سينعكس سلبا على معدّل النمو الاقتصادي فيها وعلى المشاريع التنموية وتاليا على الوضع الاقتصادي ككل.
3- تراجع حجم التجارة الخارجية: اذ ستتراجع حجم الصادرات التي تتكون من النفط في معظمها وذلك بسبب انكماش اقتصاديات أكبر الدول المستهلكة للنفط في العالم وعلى رأسها الولايات المتّحدة الأمريكية، اليابان وأوروبا، كما سيتقلّص بالضرورة حجم الواردات حينها بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي والطلب في الدول الخليجية.
4- تراجع في حجم الاستثمارات الأجنبية: سواء المباشرة الواردة إلى هذه الدول أو المباشرة الصادرة منها، إذ سيتم التركيز على عودة الاستثمار الخارجي لهذه الدول في هذه المرحلة لتحصين الداخل، وللمساعدة على تلافي التداعيات الأسوأ الممكن حصولها لاحقا.
وتفرض كل هذه العوامل على الدول العربية النفطية تحديات تتمثل في ضرورة دفع العجلة الاقتصادية إلى الأمام كي لا تقع في فترة ركود، ولتحافظ على معدّلات نمو معقولة في ظل التقديرات بانخفاض نسبتها إلى النصف عن الفترة السابقة. إضافة إلى ضرورة مواكبة الصناديق الاستثمارية لاقتصادها بحيث تخفف من آثار وانعكاسات الأزمة المالية العالمية عليه.
ب- بالنسبة للدول العربية الغير النفطية:
1- على الرغم من أنّ وقع التأثيرات المباشرة للازمة المالية العالمية على هذه الدول كان أخف من غيرها في المرحلة السابقة، الاّ انّه من المنتظر أن تدخل في نفق التداعيات الغير مباشرة، وهذا يعني انّ الصورة قد لا تبقى وردية على المدى المتوسط والبعيد، اذ من المتوقع أن يطال تأثير الأزمة المالية العالمية اقتصاديات هذه الدول وتحديدا القطاعات المرتبطة بالطلب الخارجي مثل السياحة والعقار السياحي والصادرات، والتي من المفترض أن تشهد تراجعا في ظل الكساد الذي ضرب أكبر الاقتصاديات العالمية، وبما انّ اقتصاد معظم هذه البلدان خدمي ويقوم على مثل هذه القطاعات فمن المتوقع ان ينعكس التأثير السلبي لأدائها على الاقتصاد ككل وبالتالي على وضعها المالي وعلى نموها.
2- كما انّ هذه الدول ونتيجة اعتماد اقتصادياتها في جزء كبير منها على تدفقات الدول العربية النفطية المالية وعلى استثماراتها، فمن المتوقع أن تتضرر هي أيضا جراء انخفاض أسعار النفط إلى هذا الحد، وأن ينخفض حجم التحويلات القادمة إليها من دول الخليج أيضا.
لذلك فان التحدي الأكبر لهذه الدول سيتمثّل بالحفاظ على معدّل نمو اقتصادي ايجابي وعلى الاستمرار في مسيرة الإصلاح الاقتصادي، وعلى تأمين مناخ استثماري آمن وجاذب لتحويل أكبر قدر من الاستثمارات إليها في القطاعات المهمّة والمنتجة خاصّة، لتساعد على خلق فرص عمل وتنمية اقتصادية حقيقية وزيادة في الإنتاجية من شانها أن تحد من آثار أي انكماش قد يضرب حركة الاقتصاد الكليّ.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 4 يناير 2009.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

لم يشهد ربع القرن الماضي أزمة اقتصادية إقليمية في الاقتصاد العالمي أعمق من الكارثة الاقتصادية العميقة التي لحقت بالعالم العربي. وباستثناء ملحوظ للبلدان التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي بعد انهياره والتي تعرضت لانكماش شديد في الناتج العام في سياق إدارة تحوّل هزيلة، فإن الشعوب العربية شكلت المنطقة الوحيدة في العالم الحديث التي تراجع فيها معدل الفرد من الدخل الوطني بالأسعار الثابتة عام 2005 إلى اقل مما كان عليه عام 1980. لقد تراجعت حصة الفرد الحقيقية من الناتج المحلي الإجمالي مقيّمة بالنسبة لسبعة عشر بلداً عربياً من 5375 دولاراً مقدرة بالقوة الشرائية المكافئة عام 2002 إلى 5189 دولاراً.
وفي الوقت الذي انكمشت فيه الاقتصادات العربية كان الاقتصاد العالمي يواصل النمو بمعدل ارتفاع في دخل الفرد بنسبة 1.8% سنوياً. نتيجة لذلك فقد اتسعت الفجوة بين البلدان العربية وغير العربية بشدة خلال الخمسة وعشرين عاماً الماضية. في عام 1980 كانت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في العالم العربي تساوي 93.2% من معدلها على المستوى العالمي، أما في عام 2005 فقد تراجعت إلى 57.9%، وهذا هبوط هائل في المكانة النسبية بلغ حوالي 38%. بل إن التراجع الاقتصادي في البلدان العربية مقارناً بالغرب (22 دولة متقدمة في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وأستراليا) كان أكبر من ذلك: 41% تقريباً. في عام 1980 كانت حصة الفرد في البلدان العربية من الناتج المحلي الإجمالي تعادل 26.3% من مستواها في الغرب، وهبطت هذه النسبة في عام 2005 إلى 15.6% فقط.
حتى بلدان جنوب الصحراء الإفريقية، المعروفة عالمياً بأنها أكثر المناطق اضطراباً في العالم، شهدت تراجعاً في حصة الفرد فيها من الدخل مقارنة بالمستويات في البلدان الغربية بمعدل أقل من التراجع الذي حصل في العالم العربي: 1.8% و2.1% سنوياً على التوالي. وحتى بلدان الكتلة السوفييتية السابقة استطاعت بعد استئناف نموها الاقتصادي منذ عام 1998 تضييق الفجوة بينها وبين الغرب بمعدل 7 نقاط مئوية. البلدان العربية وحدها هي التي واصلت التراجع.
لماذا؟ لماذا يحدث مثل هذا الركود في إحدى أغنى المناطق في العالم؟ ما هي العوامل التي قد تفسر انحداراً استثنائياً كهذا؟ هناك عدة نظريات شائعة بهذا الخصوص: الدين (أي الإسلام)؛ الخصوصيات العرقية (أي القومية العربية)؛ ولعنة الموارد (أي الثروة النفطية). بيد أن أياً من هذه النظريات لا تعطي تفسيراً معقولاً عند إخضاعها لفحص دقيق.
لم تسلك البلدان الإسلامية غير العربية نهجاً مختلفاً فقط عن البلدان العربية بل إنها حسّنت من وضعها في الاقتصاد العالمي بصورة واضحة، فقد ازداد معدل حصة الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي من 40.9% من المستوى العالمي عام 1980 إلى 43.8% عام 2005.
التذرع بالقومية العربية كسبب للركود يبدو ايضاً موضع شك، فلثلاثة عقود متتالية سبقت عام 1980 كانت البلدان العربية تزيد من حصة دخل الفرد فيها بسرعة مدهشة—بلغت 3.9% سنوياً—وهي، لأغراض المقارنة، كانت بوتيرة أسرع من معدل نمو اقتصادات شهيرة خلال ربع القرن الماضي مثل تشيلي، وقبرص، وهونغ كونغ، والهند، وإندونيسيا، ولوكسمبورغ، وماليزيا، وسنغافورة.
أما مسألة “لعنة النفط” فمن الصعب إلقاء اللوم عليها أيضاً. فأولاً، النفط لم يكن عائقاً للنمو الاقتصادي السريع الذي تحقق خلال الفترة بين 1950-1980، وإضافة لذلك فإن زيادة أسعار النفط في سبعينات القرن الماضي قد عملت بصورة جوهرية على تسريع التنمية في العالم العربي. ثانياً، النمو الاقتصادي في البلدان العربية بقي بطيئاً بإصرار في الفترة من 1980-2005 بغض النظر عن سعر النفط—سواءاً كان مرتفعاً أو منخفضاً—أو طاقة إنتاجه تزايداً أو تراجعاً. إضافة لذلك فإن التدفق الهائل في الموارد المالية إلى المنطقة في السنوات الأخيرة قد فشل في إحداث أي تغيير إيجابي ملموس في المستوى النسبي مقارنة مع المتوسط العالمي أو متوسط المناطق الأخرى بما في ذلك الغرب.
لماذا حدث ذلك؟ ما هي نقطة التحول؟ ما الذي عكس نمو الاقتصادات العربية؟ ما الذي أعاد الشعوب العربية للخلف بما يعادل ثلاثة عقود من حيث معدل حصة الفرد من الدخل؟
إن الحل لهذا اللغز هو الأقطار المصدّرة للنفط (أوبك). إنه دخول هذا الكارتل الاحتكاري في أنشطة الحياة في منتصف سبعينات القرن الماضي بطريقة غيرت بشدة ديناميات النمو والرخاء الاقتصادي في العالم العربي. إنه تأميم المنشآت الإنتاجية في صناعة النفط وبنيتها التحتية، وتخصيص حصص الإنتاج، وإدارة الإنتاج الفائض، واللجوء إلى التخطيط المركزي في قطاع الطاقة، وإنتاج أسلوب “حزمة الأسعار العادلة”، وخلق “أسواق تحت السيطرة”، كل ذلك أدى إلى تدمير اقتصاد عربي فعال وحيوي وديناميكي.
حقيقة أن صناعة الطاقة تشكل في البلدان العربية الأعضاء في أوبك من 50%-70% من الناتج المحلي الإجمالي تعني أن الحكومات تملك الجزء الأكبر من الاقتصاد وتخضعه لتخطيط مركزي—وهو ما لا يختلف كثيراً عن البلدان الاشتراكية السابقة والعواقب الخطيرة المشابهة على النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية. الفرق الوحيد هو أنه، وخلافاً للبلدان الاشتراكية، فإن بلدان أوبك تقوم بإدارة صناعة النفط بصورة فعالة ليس فقط على المستوى الوطني بل على المستوى الدولي أيضاً. المسألة ليست فقط تخطيطاً مركزياً بل هي “تخطيط مركزي تام”!
هذا هو السبب في أن الأداء السيء للبلدان العربية الأعضاء في أوبك ينبغي ألا يثير دهشة أحد. لقد تراجعت مستويات حصة الفرد من الدخل في هذه البلدان بشدة بين 1980 و2005: في السعودية من 18 إلى 11 ألف دولار، وفي الكويت من 20 إلى 17 ألفاً، وفي ليبيا من 6 إلى 3 آلاف دولار، وفي الإمارات العربية المتحدة من 33 إلى 24 ألفاً، وفي قطر من 38 إلى 12 ألفاً.
المقارنة المدهشة أن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية غير الأعضاء في منظمة الأوبك قد ازدادت: في البحرين من 14 إلى 20 ألف دولار، في عُمان من 5 إلى 9 آلاف دولار، في تونس من 3800 إلى 6900 دولار، في مصر من 2700 إلى 4200 دولار، في سوريا من 4500 إلى 5200 دولار، وفي اليمن من 3000 إلى 3300 دولار. بل إن البلدان العربية التي ليس لديها نفط يذكر على الإطلاق مثل (الأردن، ولبنان، وموريتانيا، والمغرب) قد حققت نمواً اقتصادياً إيجابياً—وإن كان متواضعاً.
قد تبدو الأرقام المطلقة لحصة الفرد من الدخول في مجموعة البلدان الثانية غير مثيرة للاهتمام ومع ذلك فإن ازديادها قد أدى إلى تحسن الاقتصاد وحياة الناس. الأرقام المطلقة في البلدان الأعضاء في أوبك قد تبدو مدهشة، بيد أن تراجعها يشير إلى توجه إلى الجانب السلبي.
في عام 1980 كانت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية الأعضاء في أوبك تزيد بنسبة الثلث عنها في البلدان العربية المجاورة غير الأعضاء. وبحلول عام 2005 كان الوضع قد انعكس بأكثر من الضعف، فقد أصبحت حصة الفرد من الدخل في الدول العربية غير الأعضاء في أوبك تزيد بنسبة 74% عنها في الدول العربية الأعضاء. لقد كانت نسبة حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية الأعضاء في أوبك تعادل 167% من مستوى المعدل العالمي قبل 25 عاماً فأصبحت اليوم 72% فقط. البلدان العربية غير الأعضاء في أوبك تفوقت في أدائها ليس فقط على زميلاتها البلدان العربية الأعضاء في الكارتل بل حدث أن كانت المجموعة العربية الفرعية الوحيدة التي حققت نمواً متوازياً أيضاً مع الاقتصاد العالمي، وبذلك لم تتسع فجوة مستوى الدخل بينها وبين الاقتصاد العالمي.
لقد فشلت منظمة الأوبك في إنجاز ما وعدت به العالم عند إنشاء المنظمة الاحتكارية العابرة للحكومات. وبدت سياسات الإنتاج في المنظمة انحيازية، وغير قابلة للتنبؤ، ومقوِّضة للثقة، وليست غير تكرارية بل هي تكرارية بصورة أساسية. بعض عواقب “المرض الأوبكي” تشمل ارتفاع معدل أسعار النفط في العالم، وارتفاع تكلفة الاستكشاف والاستخراج والتطوير، والزيادة في أسعار الغاز، والتراجع الحاد في معدل نمو إنتاج النفط وتصديره. لقد أدت سياسات أوبك إلى قدرة احتياطية أكبر، واستثمارات أقل، ونمو أقل في معدلات الإنتاج، ونمو أقل في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وزيادة حدة “عدم الأمان النفطي”.
ولكن جميع هذه العواقب التي لحقت بالاقتصاد العالمي تَبْهت بالمقارنة مع الكارثة الاقتصادية التي جلبتها أوبك على البلدان الأعضاء فيها، بما في ذلك البلدان العربية منها. اليوم يبلغ معدل حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في سبعة بلدان عربية أعضاء في أوبك ما يقل بنسبة 33% عن معدله عام 1980. ولأغراض المقارنة فإن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي على المستوى العالمي زادت بنسبة 55%، وفي أوروبا بنسبة 49%، وفي أمريكا الشمالية بنسبة 65%، وفي آسيا بنسبة 140%، وفي الصين بمعدل 7.6 أضعاف، وحتى في جنوب الصحراء الأفريقية بلغت الزيادة 3.2%.
يتطلب وقف الكارثة الاقتصادية في العالم العربي إلغاء الأسس التي يقوم عليها وجود احتكار طويل المدى فرضه تدخلات حكومية على المستويات الوطنية والدولية. أفضل الطرق فعالية لتحقيق ذلك هي الخصخصة الكاملة لقطاع الطاقة وفتحه للاستثمارات الخاصة (بصرف النظر إن كانت محلية أو أجنبية) وإزالة جميع العوائق على الاستثمار في البنية التحتية المتعلقة بالوقود مثل خطوط الأنابيب والموانئ وشبكات الطاقة الكهربائية واستبدال الأسواق المسيطر عليها بأسواق تنافسية حرة. وينبغي تفكيك منظمة الأوبك، هذه المنظمة التي تقع عليها مسؤولية تراجع الاقتصادات العربية عن سائر اقتصادات العالم.
بعد ذلك ستصبح الدول العربية قادرة على تضييق فجوة الدخل وتجاوزها في نهاية المطاف، وهي الفجوة التي اتسعت بسرعة واستمرت بطريقة سخيفة طيلة العقود الأخيرة.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 23 كانون الثاني 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

مسقط، عُمان – إن الفكرة المتمثلة في أن الحريّة الاقتصادية هي أمر جوهري لتقدم البشر قد أخذت تنتشر في العالم العربي. وأثناء عشاء احتفالي أُقيم هنا وحضره المئات من الديبلوماسيين العرب والضيوف البارزين الآخرين، فقد قامت منظمة عمانية جديدة، وهي مؤسّسة البحوث الدولية، بنشر تقرير “الحرية الاقتصادية في العالم العربي” والذي يوضّح كيف أن الفروق الكبيرة في السياسات داخل المنطقة يمكن أن تُحدث فروقاً كبيرة في النتائج الاقتصادية.
ينظر التقرير في 39 حالة متغيّرة في 16 بلداً بالمنطقة، حيث تتراوح من حجم الحكومة إلى السياسة النقدية والمالية والانفتاح التجاري والتنظيم وسيادة القانون. إن التقرير الذي جرى نشره بالاشتراك مع معهد فريزر، علماً أن مؤشّره العالمي حول حرية الاقتصاد معروف جيداً، يوحي بأن ما يصدق على العالم ككل يصدق أيضاً في العالم العربي: إن البلدان التي تتمتع بحرية اقتصادية تميل إلى أن تصبح أكثر ازدهاراً وتنمو بشكل أسرع.
تقول الدراسة بأن “العالم العربي هو لحاف مرقّع بألوان مختلفة من النظم الاقتصادية”. لذلك، فإن مدى التبادل الطوعي وأمن حقوق الملكية وحريّة التنافس وحريّة الاختيار تختلف بشكل واسع داخل المنطقة. إن لبنان وعُمان متعادلتان بالنسبة للمقام الأول فيما يتعلق بمفهوم حريّة الاقتصاد، في حين تتعادل كلّ من الإمارات العربية المتحدة والكويت في المقام الثاني. وتأتي كلّ من سوريا والجزائر في أسفل القائمة.
إن بعض المراقبين قد لا يفاجئون بحقيقة أن البلدان التي تتمتّع بحرية اقتصادية أكبر والتي تهيمن عليها دول النفط، تنزع أيضاً إلى تحقيق إيرادات أكبر. إن معدّل دخل الفرد في كلّ من عُمان والكويت يبلغ 13032 دولاراً و 17073 دولاراً على التوالي، في حين يبلغ معدّل دخل الفرد في سوريا فقط 3651 دولاراً، على سبيل المثال. ولكن النفط ليس دائماً نعمة، إن العديد من الدول غنية بالنفط ولكن، نظراً لأن حكوماتها تستطيع الوصول بسهولة إلى ثروة النفط، فإنه يتم فعل القليل لتحسين الاقتصاديات الشاملة لتلك الدول والأوضاع المادية لمواطنيها. وهكذا تصبح الثروة النفطية عائقاً لحريّة الاقتصاد. لقد عملت “لعنة النفط” على ابتلاء بلدان مثل فنزويلا ونيجيريا والمكسيك وروسيا.
إن لعنة النفط ليست بهذه الشدّة تماماً في دول الخليج. فدول النفط بوجه عام تنجز بشكل أفضل من الدول العربية الأخرى. وقد يكون سبب ذلك مرتبطاً بالتجارة. ومن الجدير بالذكر أن دول النفط المدرجة في التقرير (لم يتم إدراج العراق بسبب الافتقار إلى معلومات) قد احتفظت لمدة طويلة بمستوى عالٍ نسبياً من حرية التجارة. إن وجود نظام تجاري متحرّر يعتبر هاماً لأنه يخلق ديناميكية سياسية محلية تشجّع الناس على المشاركة في أنشطة منتجة بدلاً من السعي للحصول على محاباة من الحكومة. وباختصار، فإن التجارة الأكثر تحرّراً تقلّل من قدرة المصالح الخاصة على تخفيض الحريّة الاقتصادية، وقد تساعد على زيادة الحريّة الاقتصادية في مجالات أخرى.
لقد لعبت الإمارات العربية المتحدة دوراً إيجابياً بصفة خاصة في تشجيع حرية التجارة والاقتصاد. ويشير سالم الإسماعيلي، وهو مؤلف مشارك في وضع مؤشر حرية الاقتصاد العربي، إلى الإمارات العربية المتحدة -وهي البلد الخليجي الذي احتفظ بنظام تجاري حرّ لأطول مدّة– بأنها تقدّم انطباعاً عملياً وواقعياً للدول المجاورة. وبما أن تجارتها قد بقيت حرّة نسبياً خلال العشرين سنة المنصرمة، فقد عملت الإمارات العربية المتحدة بشكل مطّرد على زيادة مستوى الحرية في مجالات أخرى لاقتصادها، حيث قامت بجذب الاستثمارات وتحقيق النمو. وقد قامت بلدان أخرى بمحاكاة هذه القدوة. إن التنافس في السياسات بين البلدان هو هام بشكل مماثل للتنافس في السوق.
ومع ذلك، يلاحظ التقرير أنه في العالم العربي “تظلّ معظم أنواع التفاعل الاقتصادي… محدودة وغير هامة بشكل ملفت للنظر”. فالتجارة بين بلدان الشرق الأوسط تمثّل فقط حوالي 8 بالمائة من تجارة المنطقة. إن الافتقار إلى حرية الاقتصاد في عدد كبير من البلدان العربية يحدّ من التجارة، ممّا ينتج عنه أن الدول الأكثر غنى “تجد منتجات أفضل وأرخص خارج المنطقة بدلاً من دول المنطقة التي تتوفّر فيها الأيدي العاملة، والتي بدأت حريّة الاقتصاد فيها تصبح منخفضة نسبياً”.
وتبقى هنالك مشاكل أخرى حتى في البلدان العربية الأكثر تحرّراً من الناحية الاقتصادية. ففي عُمان، على سبيل المثال، ارتفعت نسبة البطالة إلى 15 بالمائة، وحكومتها، التي تقوم بتوظيف حوالي نصف القوى العاملة العمانية، حجمها كبير. ولحسن الطالع، يبدو أن هذا البلد يدرك بأن احتياطياته النفطية لن تدوم إلى الأبد، وبالتالي فقد استمر في رفع مستواه الخاص بحريّة الاقتصاد. إن التقدّم المذكور في عُمان ودول الخليج الأخرى ولبنان يمنح الأمل بأن كافة الدول العربية تستطيع تحقيق ودعم الرخاء الاقتصادي.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 3 كانون الثاني 2006.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

لقد شهد عشرات الملايين من العرب سقوط رئيس العراق السابق صدام حسين في ربيع 2003، ووجدوا في سقوطه إنعكاساً لوضعهم الحالي، حيث يمثل التحول في العراق البداية لسقوط “الجدار العربي” – الحاجز غير المرئي للسلطوية والصرامة والذي يعزل المنطقة تماماً كما قام جدار برلين في أحد الأيام بتقسيم أوروبا إلى قسمين.
واعتماداً على حالة القلق التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، أصبح الوضع العربي الراهن في هذه الأيام صعب الاحتمال، ولكن، ماذا سوف يحل محله؟ يوجد هناك ثلاثة إمكانيات قاتمة: فوضى من النوع التي سمحت لأسامة بن لادن أن يقوي نفوذه في أفغانستان، أو حروباً أهلية كالتي نهبت كلاً من الجزائر والسودان، أو نظاماً جديداً كأسلوب صدام السلطوي.
ليس على العالم أن يفعل شيئاً من أجل إدراك تلك السيناريوهات سوى الانتظار ومراقبة الوضع الحالي الذي يزداد فساداً وغرقاً في فوضى عارمة. ولكن هناك بديلاً إيجابياً وهو عبارة عن طريق إصلاحي يؤدي إلى تأسيس نظام القانون، وحقوق الأفراد، ومجتمع مدني أكثر قوة، ودمقرطة في جميع أنحاء العالم العربي.
وبالرغم من العنف الذي يلحق بالعراق الآن، إلا أن إيجاد الطريق نحو ذلك البديل أمر محتمل. لقد كان العالم العربي مستقراً نسبياً خلال العقد أو العقدين الماضيين، فقد اختفت فعلياً عمليات الاغتيال والانقلابات والاضطرابات الاجتماعية التي سادت المنطقة ما بين 1945– 1990 اللهم وجود بعض الاستثناءات لما ذكر وهما الاجتياح العراقي للكويت والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إضافة إلى حرب لبنان الأهلية وحرب السودان والجزائر الأهلية.
ولم يحسّن الاستقرار النسبي بسبب طفرة النفط عام 1973 من الأمور شيئاً بل ولّد حكومات فاشلة، ونمو اقتصادي سلبي، وقيام جماعات إسلامية متطرفة، كما ولّد المزيد من القمع. وسبب هذا القصور حالة من اليأس وتوق إلى العنف، كما قال لي شاب عربي أثناء وصفه لوطنه: “إن البلاد لم تقم يوماً بالاستثمار من أجل الشباب، فلا يوجد لنا مكان، كما أنه ليس مرغوباً بنا، ولذلك فإن باستطاعتي حرق هذا المكان والانتقال دون ان ينتابني أي شعور بالندم.”
كيف يستطيع الشرق الأوسط إيقاف هذا اليأس والغضب الذي ينتاب فئات هامة من الشعب؟ لقد قام المسلمون بتجارب عديدة على معظم المذاهب السياسية الأكثر حداثة: الاشتراكية (الجزائر ومصر والعراق وليبيا وسوريا واليمن)، الشيوعية (جنوب اليمن)، الرأسمالية ممزوجة بالملكية (الخليج العربي والأردن والمغرب العربي)، كما أنها قامت ببعض التجارب على الأيديولوجيات المحلية –الناصرية والبعثية والخمينية، ولكن الأيديولوجية الوحيدة التي لم يتم تطبيقها في المنطقة هي الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية.
وتعتبر الدول الملكية (والأميرية) من الكويت إلى البحرين وعمان والإمارات العربية المتحدة وقطر أفضل مَن يسعى إلى اتباع الطريق الليبرالي وذلك لطبيعة أمرائهم وملوكهم وأنظمتهم التي تعتمد على قاعدة سكانية صغيرة وتتفاعل مع المجتمع بروحية عصرية تقوم على التعايش بين التيارات والآراء المختلفة. لقد كانت نهضة دبي وانفتاح فطرة ديمقراطية للكويت وإصلاحات عمان والبحرين دليلاً على نمط التفكير الذي ساد العديد من دول مجلس التعاون.
وعلى العكس، فإن الإصلاح القابل للتطبيق في السعودية يواجه تحديات أكبر بكثير. فالانقسام السعودي على بيئة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر وعلى السياسة الأمريكية الناتجة عن تلك الإحداث كان كبيراً في المملكة. كما وتقوم القوانين والصفة الدينية للبلاد –التي تعتبر أساساً لشرعية نظام الحكم– بالتقليل من المساحة العامة والحريات التي تتناقض والتفسير الوهابي للإسلام. لهذا تحولت قضايا المرأة إلى أحد المسائل الحساسة للغاية في المملكة.
من جهة أخرى ينتاب الكثير من السعوديين الخوف من أن تؤدي الضغوطات المحيطة بالإصلاح السياسي والديني إلى تعاظم في نفوذ ودور المتطرفين على حساب التوازنات السعودية التقليدية في ظل حكم آل سعود. ومن جهة أخرى، نجد أن ردة الفعل السعودية على الإرهاب الداخلي قد دفعت بالمتطرفين خطوات إلى الوراء. إن آفاق الإصلاح قائمة في المملكة ولكن شروطها وظروفها تتميز بالتعقيد والصعوبة والمخاطر بنفس الوقت.
أما في الأردن فيتطلب الإصلاح إعادة ترتيب للبنية الاجتماعية من خلال بناء مؤسسات دولة حديثة تنفتح على جميع مواطنيها. إن تفعيل آليات الديمقراطية ودور الجيل الجديد في الحكم الأردني منذ وفاة الملك حسين واضحة في التغيرات التي تشهدها المملكة ولكن هذه التغيرات تتطلب نظرة واضحة لتغيير بنى الأردن العشائرية والقبلية والحكومية التي سادت في العقود الماضية. إن إعطاء الأردنيين الفلسطينيين حرية أكبر في المساهمة سياسياً واقتصادياً ومهنياً بأساليب فعّالة، أساسي لمستقبل المملكة. ولكن من جهة أخرى على الأردنيين من أصول فلسطينية أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه الأردن وينطلقوا من القبول الواضح بالأردن كوطن لهم يتطلب بناؤه وازدهاره.
وتواجه الدول العلمانية في الشرق الأوسط مشاكل مختلفة، فقد تآكل دور مصر القيادي البارز الذي تبوأته في العالم العربي، وذلك بانتقال النفوذ إلى قطر والإمارات المتحدة والأردن وانتقاله المحتمل في الوقت الحالي إلى عراق ديمقراطي. وتستطيع مصر إستعادة القيادة العربية فقط من خلال قيادتها بشكل يحقق النهضة الثقافية، والليبرالية، والديمقراطية، والإصلاح التعليمي، والتنمية الاقتصادية.
إن تاريخ مصر يدعم هذا الدور، فقد سقطت الملكية عام 1952 من دون أعمال عنف، وعلى مدار 250 عاماً قامت مصر بإظهار قدرتها على انتاج اتجاهات سياسية راديكالية واصلاحية أيضاً، وبالتأكيد سوف يعني مصير عملية الإصلاح في مصر إما موت أو إعادة إحياء العالم العربي نوعاً ما.
إن الوضع في سوريا مشابه للوضع في مصر، إلا أنه يختلف عنه ببعض الأدوار. فقد ساعد سقوط صدام على إلقاء الضوء على بعض الأمور التي يفضل النظام بقائها في الظلام كالدور التي تقوم به سوريا في لبنان، ودعمها لحزب الله ولبعض المنظمات الفلسطينية، والتعدي على حقوق الإنسان.
ولكن إذا أراد الرئيس بشار الأسد أن لا تعاني بلاده من العزلة والتراجع الاقتصادي، عليه أن يباشر في تحرير بلاده سياسياً وثقافياً واقتصادياً، حيث أنه يستطيع أن يتخذ الكثير من الخطوات الجريئة رغم القيود التي ورثها. إن آفاق نجاح هذه العملية محفوفة بالمخاطر. فالدول التي لم تشهد تجارب ديمقراطية وقامت على حكم الحزب الواحد تواجه الكثير من المصاعب في عملية الانتقال نحو الحريات والديمقراطية. ولكن البيئة الجديدة الناتجة من الحادي عشر من سبتمبر تجعل الخيارات أمام سوريا محدودة. لهذا يمكن الاستنتاج بان الانتقال نحو الديمقراطية أصبح خياراً مفروضاً ولكن السؤال بأي شكل وما هي طبيعة النتائج أمام آفاق تداول السلطة وبناء الديمقراطية في سوريا؟
أما في إيران، فيتوق الإيرانيون إلى الإصلاح، وينعكس توقهم هذا في الانتصارين الساحقين اللذين حققهما الرئيس خاتمي في الانتخابات. ولكن تشير من جهة أخرى مقاومة المحافظين لأبسط التغييرات إلى إدراكهم بأن الإصلاح الجذري سوف يضع دورهم الحاكم على المحك. وبالرغم من ذلك، لم تكن عملية الإصلاح أقرب مما هي عليه الآن في إيران قط، وذلك بسبب مطالبة الشباب الذين يشكلون الأغلبية العظمى من الشعب الإيراني به. ولم يشهد أي بلد عربي حركات مطالبة بالتغيير الاجتماعي والثقافي أقوى من الحركات التي تكونت في إيران. إن إيران مقبلة على صراعات مفتوحة في خياراتها وستحدد نتيجة هذه الصراعات مستقبل إيران.
ويعتبر الإصلاح الأهلي في منطقة الشرق الأوسط هو فقط نصف المعركة، ويتمثل النصف الآخر في تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولن ينجح الإصلاح وسط النزاعات التي تشجّع التطرف والكراهية ولذلك يجب هدم جميع الجدران التي تقف عائقاً أمام دمج العرب مع العالم في ظل مجتمعات أكثر حداثة. لقد بدأ التغيير في منطقة الشرق الأوسط، أما حجم التغيير وطبيعة القلاقل التي ستصاحبه فهو ما لم تتضح صورته حتى الآن. لقد بدأ يسقط جدار برلين العربي على مراحل وسط حروب وتناقضات كثيرة.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 3 كانون الثاني 2006.

نبيل علي صالح9 نوفمبر، 20101

من خلال تجربتي المتواضعة في بعض مواقع الإدارة والتوجيه والإشراف –وأحياناً الإنتاج العملي- يمكنني استخلاص نتيجة عملية مفادها أنه لا يمكن السير في طريق التنمية الصحيح من دون وجود نظام معرفي قيمي عملي يمكنه دفع وتحريض وتحفيز أجمل وأرقى ما في داخل الفرد العربي من طاقات ومواهب وإمكانات هائلة، فالإنسان العربي –لم يصبح مواطناً بعد- يمتلك قدرات وطاقات خلاقة ومبدعة إذا ما تم استثمارها على طريق العمل والبناء والتطوير بعد معرفتها ووعيها من الداخل أولاً، وثانياً بعد خلق الأجواء المجتمعية الملائمة لنموها وتكاملها على مستوى الخارج والفعل العملي التجريبي..
ونحن عندما نتحدث هنا عن التنمية نعني بها بدايةً تنمية الفرد، وتنظيم مهاراته، باعتباره حجر الزاوية في بناء وتطوير ومن ثم تنمية أي مجتمع، حيث أنه لا يمكن لأي بلد أن ينمو ويتنامى ويتقدم على طريق الرقي الحضاري العلمي والتقني من دون تنمية أفراده ثقافياً وعلمياً ومعرفياً، وهذا شرط أساسي لازم، وكذلك العمل أيضاً على رفع مستواهم ودخولهم عبر زيادة إنتاجية الفرد من خلال تهيئة وبناء مختلف قطاعات الدولة لخدمة وإنجاز ذلك الهدف الكبير.
وحتى يشارك الفرد في اجتماعنا العربي والإسلامي في تنمية مجتمعاته، بصورة فعالة يمكن من خلالها تحقيق نتائج مثمرة على صعيد التنمية والبناء المجتمعي ككل، لا بد من وجود قناعة فكرية، وحالة رضى وطواعية ذاتية في داخل نفس هذا الفرد عن طبيعة العمل الذي يريد الاضطلاع به وتنفيذه.. لأن الفرد الذي يعمل في ظل مناخ ثقافي ونظام معرفي يقتنع به عن وعي وإدراك كاملين، لا بد وأنه سيصل مع باقي الأفراد المقتنعين والمتفهمين إلى إنجاز غايات تنموية صحيحة ومنتجة وفعالة. والعكس صحيح أيضاً، وهو أن الفرد الذي يعمل تحت ظل بيئة ثقافية مناقضة ومعادية –إلى حد ما- لما يختزنه في داخله من قيم وأفكار ومشاعر وتراكيب نفسية وشعورية وتطلعات وغايات (أنظمة قيم ومعنى) هو بالضرورة فرد غير قادر على العطاء والإثمار الحضاري، وغير قادر أيضاً على تحقيق أبسط شروط التنمية الحقيقة، مما ينعكس سلباً على حركة وتنمية المجتمع ككل.
إذاً، نقول وبصورة أكثر تركيزاً وضبطاً، أنه وحتى تنمو مواهب الأفراد وتنمو مقدراتهم وقابلياتهم الذاتية لابد من وجود مناخ اجتماعي وثقافي وسياسي مناسب يشكل حاضنة ملائمة لنمو وبروز واستثمار تلك الاستعدادات والقابليات الفردية، وهذا بدوره يحتم توفر فضاء سياسي قانوني دستوري يمارس الناس فيه حقوقهم في التعبير عن معتقداتهم وآرائهم وقناعاتهم السياسية والثقافية والمعتقدية بصورة صحية وسلمية تداولية يكون فيها المشترك العام هو خدمة الناس والأفراد تحت سقف القانون والنظام العام الذي يتفق عليه كل أفراد المجتمع ضمن آليات ديمقراطية سلمية بعيداً عن توسل واستخدام أدوات العنف الرمزي والمادي.
وحتى يحدث في أي مجتمع نوع من التشارك والاندفاع الجماعي الحقيقي المؤثر في اتجاه خدمة عملية التنمية الهادفة إلى تطوير واقع الفرد والمجتمع على مستوى بناء أسس ومعايير اقتصادية صحيحة تساهم في زيادة الإنتاج والدخل الفردي والوطني، لابد من تعميم ثقافة التنمية بين جميع مكونات المجتمع، وعلى مختلف المستويات، بدءاً من أصحاب القرار، إلى مختلف البنى الاجتماعية والاقتصادية البشرية، حيث أن التنمية المنظمة والشاملة، التي تشارك فيها كل المؤسسات والهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويساهم فيها الجميع طوعياً لا قسرياً هي الشرط اللازم الحقيقي للنهوض الذي لا يمكن أن يتحقق فجأة، وإنما عبر سلوك طريق طويل منظم من العمل والتعب والجهد والمثابرة والكدح والإيمان بأن الوطن لا يقوم إلا بمحبة كافة أبنائه له، وبمشاركتهم الفاعلة والمنتجة في العمل الميداني المسؤول.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن عملية التنمية باتت حالياً ثقافة عمومية ومسؤولية عامة، لا تختص بفئة أو شريحة معينة، كما أنها لم تعد حصراً وحكراً على نخب اقتصادية أو غير اقتصادية بذاتها، لأنه إذا كان مطلوباً رفع وزيادة دخل الفرد، فلابد من رفع إنتاجيته وفاعليته عبر توفير المناخ السياسي والاجتماعي الأنسب والأفضل لتبلور طاقاته ومواهبه كما ذكرنا..، وهذا المناخ الصحي التداولي التشاركي هو الذي يمكن أن يسمح للفرد ذاته بالمشاركة المبدعة في عملية التنمية وعياً وثقافة وعملاً..
وفي اعتقادي أن أحد أهم أسباب الفشل الذريع الذي لحق بكل مشاريع التنمية في عالمنا العربي حتى الآن، الذي لا يزال مجرد حقل تجارب لأفكار اقتصادية تأتي من هنا وهناك من دون وجود أدنى قناعة ووعي علمي صحيح بها داخل نفوس وعقول الناس عندنا (تبيئة مفاهيم)، يكمن في ابتعاد الفرد وتغييبه قسرياً –بالرغم من كونه أساس ولب وجوهر عملية التنمية- عن المشاركة الواعية والفاعلة في العملية التنموية الفردية والمجتمعية.
وهذا يقودنا لإعادة التأكيد على أن نجاحنا في تحدي التنمية الاقتصادية للتخلص من ألبسة التخلف المهترئة التي تلف واقعنا العربي والإسلامي عموماً، لا يمكن أن يكون مضموناً، إلا إذا اكتسبت التنمية العربية الفردية والمجتمعية إطاراً يستطيع أن يدمج الأمة ككل ضمنه، وقامت على أساس ثقافي قيمي يتفاعل معها.. فحركة الأمة كلها شرط أساسي لإنجاح أي تنمية، كما كان يؤكد السيد محمد باقر الصدر أحد متنوري الفكر الإسلامي.. لأن حركتها تعبير عن نموها ونمو إرادتها وانطلاق مواهبها الداخلية..، فالتنمية للثروة الخارجية والنمو الداخلي للأمة يجب أن يسيرا في خط واحد.
من هنا نعتقد بضرورة تهيئة الأجواء الثقافية والإعلامية والاجتماعية المناسبة لإطلاق المبادرات الجادة الهادفة إلى دفع الفرد باتجاه الانخراط الجدي والحقيقي في مختلف مشروعات التنمية، وذلك عبر التوجيه الصحيح الدائم، والاستمرارية في العمل الدؤوب والصادق. لأن الواقع العربي العام صعب ومعقد وينذر كوارث حتمية أكثر مما هو قائم حالياً على مستوى السياسة من خلال سيطرة الاستبداد ونزع ممارسة السياسة –وما ينتج عنها من حقوق وواجبات وحريات فردية وعامة مسؤولة- من المجتمع، وعلى مستوى الاقتصاد من خلال وجود ما يزيد على 140 مليون مواطن عربي يعيشون تحت خط الفقر المدقع، وارتفاع معدلات البطالة حيث تصل نسبة الشباب العاطل عن العمل إلى ما يزيد على 50% من نسبة عدد السكان بالنسبة لمعظم الدول العربية، مما يجعل معدل البطالة بين الشباب في الدول العربية الأعلى في العالم كله. وهنا يتمثل التحدي العربي الأكبر –كما تؤكده كل تقارير التنمية- في ضرورة توفير 51 مليون فرصة عمل جديدة خلال السنوات العشر القادمة أي بحلول عام 2020م.

peshwazarabic9 نوفمبر، 20100

عرض الاجتماع السنوي الثامن عشر لليوم العالمي للماء نفس المشاكل القديمة واستمر في رفضه للحلول العملية. و كالعادة، قضى مليار شخص يوم 22 آذار (مارس) دون ماء نظيف، بالإضافة إلى عدم حصول ثلث البشرية على مرافق صحية ملائمة كما سيموت حوالي ثلاثة ملايين ونصف مليون رجل وامرأة وطفل من الأمراض الناجمة عن ذلك. مع ذلك لا يزال كثير من الساسة و المنظمات غير الحكومية یفضلون الأيديولوجيا على الأفكار ویرفضون ما يقدمه القطاع الخاص إلى فقراء العالم.   غالباً ما يدعي الناشطون أنهم يدافعون عن الفقراء ضد الشركات التي تريد تعظيم أرباحها. لكن هذه الفكرة أقرب إلى العقيدة الجامدة منها إلى الواقع. بالنظر إلى أن أقل من 10 بالمائة من إدارة الماء في العالم هي في أيدي القطاع الخاص فإن من الصعب أن نفکر كيف يمكن لوم الشركات علی العرض السيئ.
الواقع أن الحكومات هي التي تدير الماء بطريقة سيئة وتسيء تخصيصه وتعطيه لمحسوبيها لأغراض سياسية ولجماعات الضغط القوية النافذة مثل المزارعين. بينما يظل الفقراء في المناطق الريفية أو في الأحياء الفقيرة المعدمة غير قادرين على الحصول على الماء. لا تتوقف الجماعات المناهضة للخصخصة عن الترديد أن الماء يجب أن يتم تأمينه من قبل الحكومات، لكنها تتجاهل أن الحكومة هي أكبر أعداء الفقراء.   من جانب آخر، تدعي حركة التنمية العالمية وجماعات مماثلة أخرى أن القطاع الخاص لم يفعل شيئاً يذكر للفقراء، وأنه لم يوصل الماء إلا إلى ثلاثة ملايين شخص في البلدان النامية على مدى السنوات الخمسة عشرة الماضية. لكن هذا الرقم لا يأخذ في الاعتبار أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، حيث حدثت طفرة في إدارة القطاع الخاص للماء وفي عدد الأشخاص الذين يحصلون على الماء منذ التسعينيات. ففي الأرجنتين على سبيل المثال انخفضت أسعار المياه في المناطق المدارة من قبل القطاع الخاص، وارتفع عدد الأشخاص المزودون بالماء، وانخفض عدد الإصابات بالأمراض المعدية وعدد الوفيات بين الأطفال.
كما أن الناشطين المناوئين للخصخصة أمعنوا في تشويه إدارة القطاع الخاص للمياه بالتركيز على الشركات متعددة الجنسيات مع تجاهلهم في الوقت نفسه لشركات توفیر الماء الصغيرة التي أوصلت المياه إلى أشخاص تخلت عنهم حكوماتهم. في كثير من المدن الإفريقية يباع الماء في قنينات بلاستيكية إلى عابري السبيل، في حين أن 500 شركة صغيرة من شركات تزويد المياه في باراغواي تؤمن الماء إلى نصف مليون شخص باستخدام الصهاريج أو عبر شبكة الأنابيب. تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن “أكثر من نصف السكان في معظم المدن في البلدان النامية يحصلون على خدمات المياه الأساسية من موردين خارج مصلحة المياه الحكومية القائمة. ”
منظمة الصحة العالمية، شأنها شأن الناشطين، تتجاهل هؤلاء المورِّدين “غير الرسميين” للماء. فهي ترفض اعتبارهم أطرافا تساهم في تحسين خدمات الحصول على الماء، على اعتبار أنهم غير خاضعين لجهاز تنظيمي ولا يمكن التنبؤ بتصرفاتهم، وتزعم أنهم عاجزين عن خدمة أعداد كبيرة من المستهلكين.   عجز لا يقره مئات الملايين من الأفراد الذين يعتمدون على هذه شركات للتزود بالماء. بالنسبة للكثير، تمثل هذه الشركات الفرق بين الحياة والموت.
إن شركات توريد الماء غير الرسمية مختلفة الأشكال والأحجام لكن قاسمها المشترك هو تأمين الماء مقابل تحقيق الربح. يعتبر عملاء هذه الشركات من بين أفقر الناس، ومع ذلك فإنهم مستعدون لدفع المال في سبيل حماية عائلاتهم من الأمراض، وفي سبيل الاستفادة من وقتهم على نحو أجدى من البحث عن میاە نظيفة.   إن نجاحات شركات الخدمة الخاصة في تأمين الماء في مختلف أنحاء أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا تدحض الزعم القائل إن الفقراء أفقر من أن يدفعوا المال مقابل الماء، وإن القطاع الخاص ليس لديه حافز لخدمتهم. الواقع أن الفقراء في الغالب يدفعون أموالاً في سبيل الحصول على الماء تفوق ما يدفعه أهل المناطق المزدهرة التي تتمتع بموارد مياه “رسمية”.
في دراسة للبنك الدولي لمدن أمريكا الجنوبية تبين أن المياه التي تنقلها الصهاريج تكلف في المتوسط ما بين أربع مرات إلى عشر مرات زيادة على أسعار الماء التي تتقاضاها الشبكات العامة. في منطقة كيبيرا، وهي من أفقر أحياء نيروبي ويعيش فيها حوالي مليون شخص، تباع كل صفيحة ماء سعة 20 لتراً تقريباً بأربعة أضعاف متوسط سعر الماء في كينيا.   يجدر بالناشطيين الذين يكتفون باتهام القطاع الخاص بأنه يضع الأرباح قبل الأفراد أن يضعوا نصب أعينهم ثلاثة أمور:  الأول هو أن شركات توريد الماء ستتوقف عن توريد الماء وتأمين الصحة إذا لم تحقق الربح. الثاني هو أن الحكومات هي الملومة بالدرجة الأولى عن الأسعار المرتفعة للماء لأنها تقيد عرض الماء من طرف القطاع الخاص أو تجعله مخالفاً للقانون. الثالث والأخير هو أن الأفراد يشترون الماء من الموردين طواعية، ويكون في الغالب أمامهم مجال الاختيار بين مجموعة من شركات التوريد. وواقع توريد الماء في العالم يدعوا إلى قراءة نقدية للمقاربة الكلاسيكية.
مصر
تحسن وضع الماء والصحة بصورة عجيبة في مصر منذ الثمانينيات، خصوصاً في المناطق الريفية. مع ذلك فإن الافتقار إلى مياه الشرب النظيفة والعوامل الصحية المناسبة يساهم في 17 ألف حالة وفاة بين الأطفال كل عام في مصر، وهذه النسبة تشكل 20 بالمائة من بين وفيات الأطفال.
الأردن
رغم أن الأردن هي واحدة من أكثر المناطق جفافاً على الكرة الأرضية، إلا أنها تستفيد من تغطية شبه شاملة للمياه والمرافق الصحية. لكن الأردن يواجه صراعاً في سبيل زيادة المحافظة على الماء وتحسين الكفاءة، خصوصاً في مجال تخفيض تسرب الماء والعدادات الرديئة و تسرب المياه في الخزانات.
الجزائر
يعتبر معدل الحصول على الماء الصالح للشرب مرتفعاً نسبياً في الجزائر، حيث تصل النسبة إلى 88 بالمائة من السكان في المدن و 82 بالمائة من السكان في المناطق الريفية. لكن معدلات التغطية في انخفاض مستمر منذ منتصف التسعينيات، حيث هبطت من التغطية شبه الكاملة في المدن و 88 بالمائة في المناطق الريفية في عام 2002. ألقي اللوم على نقص المياه على غياب الاستثمار في أنظمة الماء، وقِدم شبكات التوريد وسوء الإدارة.
المغرب
رغم أن جميع السكان تقريباً في المدن المغربية يتمتعون بالحصول على مياه الشرب المأمونة، إلا أنه لم يكن هناك تحسن يذكر بالنسبة لساکنة المناطق الريفية، حيث أن 59 بالمائة فقط من السكان في تلك المناطق كانوا يتمتعون بالحصول على الماء في عام 1987 وعام 2004.
موضوع اليوم العالمي للماء لهذه السنة هو الجودة، وبالتالي فإن السماح لشركات توريد الماء بالعمل ينبغي أن يكون من الأولويات. بعد ذلك تستطيع هذه الشركات امتلاك الموارد والأراضي والبنية التحتية ومن ثم توسيع نطاق أعمالها، بحيث تخدم عدداً أكبر من الناس بأسعار أدنى وماء أنظف. هذه المشاريع الصغيرة، وليس الوعود الفارغة من الحكومات، هي التي تستطيع تحسين توريد الماء للفقراء في أسرع وقت ممكن.
© منبر الحرية، 28 مارس/آذار 2010

peshwazarabic9 نوفمبر، 20100

أيـما دولة في التاريخ الإنساني تكون على شقين، نظام يَحْكُم وشعبٌ يُحْكَم بينهما تفاعلٌ نسبي، بمقداره يكون مدى تميز الدولة بين الأمم.. وإذا ساء الحُكم وجنح إلى فشلٍ تسوء على إثره مقادير المحكوم وحظوظه، وأيضاً تفتقر إلى أمانٍ تعوزه طاقات ترنو إلى النِّتَاجِ والنماء، عندما تُقصَرْ عنهما تصير طاقات عنف ودمار.
يقول ديورانت في موسوعته «قصة الحضارة»: “الحضارة تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، لأنه إذا أمن الإنسان من الخوف تحررت في نفسه دوافع التطلع، وعوامل الإبداع، وبعدئذ لا تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه إلي فهم الحياة وازدهارها”، وعلى النقيض منه يصير السقوط حاضراً في دولة الخوف، في حضرة نظامٍ يدَحضُ الفكر ويقوض الطاقات، وفي أسوا الأحوال يستأصلُ القوى الحية في المجتمع.
وفي ذات الإطار، مقولة لابن خلدون بأن العدل أساس لبقاء الدولة واستمرارها، بينما الظلم أساس النهاية والانقضاء، وعنده أيضاً، أن العمل والإنتاج والكسب أساس رئيس للدولة، وانتفاءه يفضي إلى حيف اجتماعي يتفاقم مع ما يقترفه النظام بحق المضطهدين، ومع ذلك تظل السلطة لا تدرك المخاطر، وإذا شاءت الظروف لها أن تستفيق من الوهم فسيكون الوقت قد فات.
إن استمرار الجور يجعل السلطة مترفة غير أنها ضعيفة سياسياً، إذ سرعان ما تعصف ببنيانها الأزمات، وتتفاقم سوءات النظام ويتوحش الفساد، بالتالي لن تظل الجماهير حبيسة الخوف والصمت، عندها لا سبيل لردها عن ثورتها مهما بلغت أفانين القهر والاستبداد، وللإمام علي-رضي الله عنه- مقولة مؤداها.. أن الكفر يتواجد في المكان الذي يتواجد فيه الفقر.
لذا يكون الكثير من العنف في مواجهة سلطة الخوف تبريراً حاجياً تتجه إليه القوى المعطلة، علاوةً على أن الإسقاطات النفسية لتراكمات الإحباط والاحتقانات النفسية لمكبوتات القهر عبر سنوات طوال، ُجيرت لحساب عنفٍ يطغى على كل شيء، إلى أن يقوض الدولة، وفي أحايين يكون للعنف المفرط قوالب فكرية يبرر بها تصفية نظم سياسية واجتماعية وثقافية، بدواعي القضاء على الرجعية أو الطبقية …. الخ.
ويقول لينين في وصف الحركة الثورية: “لا حركة ثورية من دون نظرية ثورة”، حيث قد تغدو انتفاضة وثورة الضعفاء إرهاباً لا ينفك من التكرار في ماضي التاريخ الإنساني وحاضره. وبمناسبة الحاضر، فإن الاستبداد قد تعدى الأنماط الملكية في قوالب استبدادية جديدة، غير مسبوقة بدءاً بحقبة الثورة الفرنسية، التي جعلت من الأبعاد التنويرية مصوغات لممارسات النظام الثوري للقمع والإرهاب، بدءاً بمجزرة سبتمبر  1792م  (عقب الثورة) إلى غاية سقوط دكتاتور الثورة “روبسبيير” في يوليو 1794، ورغم إعدام النظام الثوري لثائر روبسبير، إلا أن الفوضى (أو ماشابهها) استمرت عقب سقوط النظام الملكي عقوداً تقارب مائة عام.
غير أن العنف المفرط الذي حصل في حقبة الثورة الفرنسية ووري جانباً، مقارنة باستبداديات أنظمة الثورات الفاشية والنازية والشيوعية، فروسيا الشيوعية في عهد الدكتاتور ستالين، لم يسلم من استبداده رفقاء الدرب، إلى درجة أن التقرير (حسب الأستاذ هيكل) الذي قدمه خورتشوف عن حقبة ستالين السوفييتية كان صاعقاً ومؤثراً لاحقاً في الإتحاد السوفييتي نفسه.
المقصود هنا: “ذلك النمط من الحكم الذي يستدعي القوة والحسم الجذري في التعاطي مع السياسة وقضايا الاجتماع باسم ادعاءات حداثية وتنويرية، وهو إرهاب يتراوح بين الاستخدام الفج والصريح للعنف المنظم من طرف مؤسسات الدولة وأجهزتها، وبين العنف “الصامت” الذي يقوم على سن تشريعات قانونية تعسفية وحامية لإرهاب الدولة المنظم”.
فحين تسهم سياسات الدول الفاشلة في الفوارق السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع، باتخاذها للقمع طابعاً سياسيا وبديلاً عن مؤسسات مجتمعية ومدنية تستفرغ طاقات نخب تبغي في أقل مقاصدها إيصال الحاجات الإنسانية للنظام، فإن حالتي التضييق والخنق المتفاقم تعني أن توظف قوى المجتمع في دورة عنف متبادل، حيث يصير العنف حينها تفكيراً استدعائنا لكل ما تمثله الدولة المستبدة التي توصد أبوابها وآذانها في وجه الجمهور، فلا تجد الشكاية مستساغاً لتصريفها سوى الأدوات الأمنية التي بمعدل استخداماتها تتوالد أطوار العنف التي لا تجد بداً من استمرار دوامة العنف بقوالبها السياسية، المذهبية، الثقافية وحتى التجمعات القبلية.
العنف (بالتالي) يصبح تشريعاً سياسياً لأجل ممارسة الضغوط السياسية بواسطة مظاهر عنيفة تحدث أضراراً أحياناً بمكونات حكومة الدولة التي تكون في الغالب متربعة على سياسات فاشلة، ويشيع في هذه الدولة، حسب موسوعة علم النفس والتحليل النفسي، الجو التسلطي حيث يصير الجو الاجتماعي استبدادياً، إذ أن الزعيم المستبد يصنع كل القرارات الاجتماعية ويقلل اتصالاته بأعضاء الجماعة إلى أدنى الحدود.
ويتعاظم الاستبداد كلما توقعت الشخصية المستبدة إن خطراً سيأتي به خروج المجتمع من قوقعته ومغلف البؤس الذي تستنكف خططه السياسية خروجاً عن تلك الظروف، ولذوي علم النفس أبحاث في طرازات الشخصية المستبدة، فقال أدورنو وفر ينجل وليفنسو وسانفورد عام 1950م بعد قيامهما ببحث تاريخي خلصا منه إلى أن الشخصية المستبدة أو المتسلطة هي نمط من الشخصية التي ينمو صاحبها وسط أبوين يكونان مسيطرين، بما ينمي لديه حب التسلط، حيث أن الطفل إزاء تلك السيطرة ينمو في نفسه شعور الكراهية التي يكبتها مقابل جبروت الوالدين، وما ينبغي أن يكنه من حب لهما، لكن الكراهية يسقطها نفسياً على الآخرين، وخصوصاً الضعفاء غير القادرين على الرد، والقلة الأجناسية والدينية في مجتمعه، حيث أن المستبد يحترم القوة ويخشاها، ويحترم القوى الأكبر منه التي يخضع لها، بل ويتجه نحوها، وشعور الاستبدادي نحو الأقوى ثنائي فهو يكرههم لقوتهم ويمتثل لهم لأنه ذاته النفسية تعودت على الخضوع للأقوى ولتوجيهاته، وهو أيضاً عاجز عن التصرف بمفرده، إذ هو دائم الاحتكام إلى رؤسائه لو كان مرؤوساً، وإلى القوانين واللوائح ينفذها تنفيذاً صارماً، وعندما يجتهد في أمر مستقبلي فلا يحيد عنه قيد أنملة، أو يفسر أمراً ما فلا يتنازل عن تفسيره ولا يرجع عنه أبداً وإن خسر كل شيء، وبالتالي فطراز الشخصية المستبدة تصير كارهة للتغيير السياسي والاجتماعي، ومقاومة لكل جديد، لأن ذاته الراكدة يقلقها أن التغيير سيهدد وجودها.
في الدولة المستبدة تختفي مظاهر العمليات العقلية، فيصبح الأفراد بمقتضاها مغيبين عن إدراك البيئة الداخلية والخارجية، حيث يجري تلغيم عمليات المعرفة من إحساس أو إدراك و انتباه وتذكر وربط وحكم وتفكير ووعي، فقد أثمرت الدعايات السوداء المنظمة في التأثير السلبي على اتجاهات وآراء الآخرين ، غير أن الاستقراءات التاريخية تدل على أنه كلما طغت ظروف الكبت والاستبداد الاجتماعي كلما أفضى ذلك إلى دورات من العنف والإحترابات تجرف كل شيء عندما تجد مساحات أو مجالات للتحرك والقفز من العتمة والظلمة المستبدة إلى واجهة الأحداث، إذ أن واقعاً استبدادياً يجني في بدأه على ثوابت النهوض وعند انقضائه تتكفل الظروف بما ستؤول إليه دورة العنف، وحينها يكون للتيارات الفكرية فرصاً للتحرك كحال فكرة الشيوعية التي تحرك قطعانها عندما آن أفول القيصرية عن روسيا، أو الثورة الشيعية بإيران عندما حان أفول الشاه، الذي انشغل بذاته فكانت تسيطر رغباته الفردية وحاجاته الذاتية على تفكيره الواقعي الذي يفترض أن يراعي الأعراف والتقاليد المجتمعية الإيرانية، التي اجتاح هيجانها أدوات القمع تحول بينه وبين شعبه. لذا، الدولة الفاشلة لا تعقل أين تفضي بالمجتمع سياستها!، ففي ظلها تتهيأ وتنتشر سلوكيات فكرية تستثمر حالات التآكل في بنية المجتمع الواحد لتسويق الخلاص، منها الإدعاء بالانكفاء على الماضي.. ورغم ادعاءاتها إلا أنها حيال تيارات فكرية مغايرة، تتعامل معها بذات المبدأ الاستبدادي والإقصائي الذي تدعو الناس للتخلص منه.
وأحسبُ أن طغيان الخوف بين الحاكم والمحكوم في مجتمعات عربية وإسلامية يعزز من وهن تلك الدول، التي تتجسد أنظمتها في فردية الحاكم الذي سيكتشف حقيقة مرة، هي انفضاض الشعب والقوات العسكرية عنه، حينما تجد أن نظامها الحاكم لم يعد موجوداً. ولعل سقوط بغداد المدوي في مواجهة الغزاة يغني عن الكثير من الحديث حول ما جرى وقتها وبعدها، (أو ما زاد  من تناميه أطراف الاحتلال)، إذ طغى عنف طوائف وجماعات لا تكاد تستسيغ الآخر عبر تراكمات أحقاد سابقة وذرائع دينية تبرر من خلالها إرهاباً لا يكاد ينتهي.
© منبر الحرية، 28 فبراير 2009

peshwazarabic9 نوفمبر، 20100

رغم بعدها الإنساني الواضح، فان قضية إعمار قطاع غزة بعد التدمير الهائل الذي أحدثته الحرب الإسرائيلية على القطاع تعتبر صعبة و متشابكة، حيث يتقاطع عندها عناصر متعددة فالإنساني بالسياسي والاقتصادي، والمحلي بالإقليمي والدولي، هكذا بدت القضية منذ أن وضعت الحرب أوزارها وظهور حجم الدمار الهائل الذي لحق في جميع مناحي الحياة في قطاع غزة. إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قد جاءت بعد حصار شديد و خانق على قطاع غزة منذ يونيو من عام 2007 مما أوصل الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي إلي أسوأ حالاته، فالاقتصاد الفلسطيني منذ نهاية العام 2000، وهو ينتقل من سيء إلي أسوأ حتى وصل حجم الخسائر وحسب التقديرات الدولية إلي أكثر من 15 مليار دولار بنهاية العام 2005. سياسيا كذلك تأتي قضية الإعمار في ظل انقسام فلسطين حاد ألقى بظلاله علي كافة القضايا و العلاقات…فلسطينيا وعربيا. علي الصعيد الاجتماعي شهد قطاع غزة أعلي معدلات للفقر و البطالة وارتفاع الأسعار وعدم توفر السلع والخدمات الإنسانية وانتشار الأمراض وزيادة معدلات فقر الدم وغير ذلك من آثار.
من هنا فإن قضية إعمار قطاع غزة يجب التعامل معها كمشروع وطني تنموي يشمل ليس الترميم الإسكاني و الاقتصادي فقط بل يجب أن يتعداه ليشمل الترميم السياسي و الوطني لكل ما سببه الانقسام و الاقتتال الداخلي و الانفصال الجغرافي و الوجداني الذي حدث بسبب الانقسام الذي جعل حركة حماس التي تحكم قطاع غزة بشكل كامل منذ يونيو 2007 و السلطة الفلسطينية التي تحكم الضفة الغربية. إن إعادة إعمار ما دمرته الحرب يجب أن تأتي في إطار جديد وفلسفة جديدة شاملة، تجب معها كل ما خلفه العدوان و الحصار و الانقسام و تأتي بكل ما هو جديد على المستوى الوطني و الاجتماعي و السياسي و العلاقات الداخلية الفلسطينية. مستلهمة تجارب الإعمار السابقة والمهمات التي كان يجب أن تنفذ مسبقا ولم يتحقق ذلك، إضافة لمعالجة أوجه التشوه والخسائر التي مني بها الاقتصاد الفلسطيني خلال السنوات السابقة.
إن ضخامة المهمة يجب أن تكون دافعا للتعاون و خلق شراكة حقيقية و ليس سببا إضافيا للتنافس و الصراع.
المعيقات:
هناك العديد من المعيقات تعترض سبيل تنفيذ مهمة الإعمار بهذا الشكل التي تطرحه الورقة من هذه المعيقات:
1. معيقات تقنية (فنية)
•    ضخامة المهمة:
لقد شهدت مدن قطاع غزة دمارا كبيرا، فقد تم تدمير كافة مباني الوزارات والمؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية والشرطية، ومنازل خاصة، ومزارع ومصانع، وشوارع وسيارات ومرافق عامة وبني تحتية، كل ذلك في بقعة جغرافية محدودة نسبيا وفي مناطق ذات كثافة سكانية مرتفعة جدا (الأعلى في العالم ) وفقيرة جدا وتعاني من مشكلات عديدة أخري. قدرت الخسائر التي سببتها الحرب على قطاع غزة والي تواصلت ثلاثة أسابيع منذ 27 من ديسمبر 2008 وحتى 17 من يناير 2009 بثلاثة مليارات دولار.
•    تنسيق المسارات:
إن ضخامة المهمة واتساعها، يفرض تحديد الأولويات، وهو أمر مختلف عليه، نتيجة الأبعاد المتشابكة للقضية، إنسانيا يجب أن يسكن المواطنين الذين دمرت منازلهم فورا، وفنيا هناك العديد من الإجراءات والخطوات اللازمة. كذلك علي صعيد تنسيق المسارات هناك تباين الأرقام واختلافها في تقدير حجم الخسائر بسبب اختلاف مناهج التقييم المتبعة.
•    عدم كفاية التمويل واستمراره:
هناك تخوف كبير من قضية توفير التمويل اللازم والكافي وفي الوقت المناسب فالتجربة السابقة، للدول المانحة تشير دوما إلي فجوة كبيرة بين الالتزام والتنفيذ في التمويل ناهيك عن عدم وضوح حجم التمويل المطلوب للإعمار والذي سيتم رصده واعتماده من قبل المانحين والمجتمع الدولي والعربي.
•    تقدير الممتلكات غير التقليدية:
أشرنا في بند سابق إلي أن أحد أوجه القصور في تقدير قيمة الخسائر تركز علي المباني دون تقدير في الممتلكات الأخرى، الأوراق و الوثائق و السيارات والأثاث والمجوهرات والملابس والمقتنيات الثمينة وذات القيمة الإنسانية، بالإضافة إلي أجهزة الحاسوب والنظم والأرشيف والمعدات الفنية بالنسبة للمباني الخاصة بالمؤسسات الحكومية والمدنية والأهلية، وهو ما يجب أخذه في الحسبان.
2 المعيقات السياسية :
•    المعابر :
فرضت إسرائيل إغلاقا كاملا على المعابر الستة التي تربط قطاع غزة بالعالم الخارجي ومن بينها معبر رفح الذي يربط قطاع غزة بجمهورية مصر العربية والذي ينظمه اتفاق المعابر و الحركة AMA و الذي وقع في أكتوبر 2005 بين خمس جهات هي : السلطة الفلسطينية، إسرائيل، الولايات المتحدة، مصر، الاتحاد الأوروبي. يعتمد قطاع غزة بشكل كامل على إسرائيل في استيراد كل ما يلزم. لذا فإن فتح المعابر جميعها وبشكل كامل هو الشرط الثاني الضروري لعملية إعادة الإعمار التي تحتاج لمواد البناء وكل متطلبات الإعمار.
•    المصالحة والوضع السياسي :
بات واضحا أن المجتمع الدولي لن يغير من موقفه المعلن بعدم التعامل مع حكومة حماس في غزة. هذا الموقف اتخذه المجتمع الدولي بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير 2006 و تشكيلها حكومة. كذلك يدرك المجتمع الدولي أن السلطة الفلسطينية المتواجدة في الضفة الغربية فقط لن تتمكن من تنفيذ أي مشاريع إعمار في قطاع غزة بسب عدم وجودها هناك بعد هزيمتها على أيدي حركة حماس في الاقتتال الداخلي الذي شهده قطاع غزة خلال عامي 2006 -2007 و الذي انتهى بسيطرة حماس على مقاليد الأمور في قطاع غزة في 14 يونيو 2007. لذا فمن الصعب أن تبدأ عملية إعمار غزة في ظل هذا الانقسام الحاد في الوضع الفلسطيني، وعليه فان المصالحة الوطنية تمثل شرطا ضروريا لبدء عملية إعادة الإعمار التي ينتظرها على سبيل المثال و ليس الحصر أكثر من خمسة آلاف عائلة دون مأوى بعد دمرت منازلها كليا وخمسة عشر ألف عائلة دمرت بيوتها جزئيا و آلاف الأطفال الذين فقدوا معيليهم و مئات المزارعين الذين تضررت مزارعهم وحوالي 600 صاحب مصنع دمرت كليا…
هؤلاء بشكل خاص و الفلسطينيون بشكل عام ينظرون بكل أمل إلى جهود المصالحة التي تديرها مصر بيم حماس و السلطة الفلسطينية و ينتظرون بفارغ الصبر مؤتمر إعمار غزة المزمع عقده في القاهرة في الثاني من مارس القادم.
© منبر الحرية، 20 فبراير 2009

peshwazarabic9 نوفمبر، 20100

كان الإنسان في  العهود السابقة، في أوربا مثلا في القرون الوسطى تحديدا، يعيش حالة مزرية من الفقر المدقع، أو يعيش حالة الكفاف في أفضل حالاته، وكانت الإقطاعيات المجاورة تعيش حالة من النزاع الدائم، والغزوات، واعتبرت مثل هذه النزاعات، والحروب، في فترات خلت من التاريخ أمرا واقعا،  وضرورة، بل كان هناك من يشيد بحسناتها..
لكن الحالة بدأت بالتحسن ولو بشكل بطيء، بعد القرن السادس عشر، إثر التبادل التجاري بين الدول، وشاعت حالة الاعتماد المتبادل، فالتجارة خففت من الاحتقانات فيما بين الدول، بل ربما قلنا أن التجارة شرعت بإرساء أسس السلام بينها…
ثمة حكاية طريفة من القرن السادس عشر تقول : بينما كانت السويد والدانمرك في نزاع دائم، أقام مزارعون من البلدين على الحدود نقاط  التقاء تجارية، وأرسوا السلام  فيما بينهم، بالضد من رغبات حكام البلدين، عندما أخذوا يتبادلون المواد والبضائع، فيقايضون ( اللحم والزبدة، بالسمك والبهارات) لذلك شاعت نادرة تناقلها شعب البلدين تقول : ( أرسى الثور السلام )  فالثور هو عدة  المزارعين، وهو أيضا من عناصر قوى الإنتاج المهمة في ذلك العهد..
إن النمو الحقيقي والتحسن الملحوظ في أوربا، بدأ منذ القرن التاسع عشر، جرّاء الثورة الصناعية، حيث كان المزيد من الإنتاج، والتوسع في حجم الادخار، وتوظيف تلك الادخارات بإدخالها في حيز الاستثمار، كل هذا إلى جانب أسباب أخرى لا سيما السياسة الاقتصادية المتبعة، والتي سنوضح طبيعتها بعد قليل، كل هذا، دفع أوربا إلى النهضة الحقيقية بخطا وئيدة، لكن ثابتة.. هذا عن العالم الأوربي، عالم الغنى، فكيف كانت حال النمو والتنمية، بالنسبة لعالم الفقر.
إن النموّ في البلدان الفقيرة، ولنأخذ الهند مثالا، إذا لم يتحقق بمعدلات جيدة نسبيا، لكن النتيجة دفعت الإنسان الهندي في المحصلة، للبحث عن عمل، والتحرر من سطوة الإقطاعي، الذي ظلّ يتحكم في مصيره ومصير الملايين من أمثاله، حتى المرأة التي كانت عالة على أهلها، قابعة في البيت حبيسة المنزل، تابعة لمعيلها، أتيحت لها فرص العمل، بعيدا عن عبودية الزوج والأهل؛ كما صارت الأسر ترسل أبناءها للمدارس.. لهذا حق لبعضهم القول، من أن النمو يبقى أجدى وسيلة،  وأفضل سبيل لتجاوز حالات الفقر.
ترى أية سياسة اقتصادية ينبغي أن تتبع، حتى يكتب لتلك السياسات النجاح في التنمية، ومعالجة مسألة الفقر، وتوفير الثروة.؟ هذا هو السؤال المهم والأساسي المطروح، وهو غاية هذا  النص الذي بين أيدينا في التناول والمعالجة.
أمامنا نموذجان للاقتصاد: الاقتصاد الرأسمالي، أي اقتصاد السوق، أما الثاني فهو اقتصاد التخطيط المركزي، النموذج السوفييتي.. فلو أخذنا شعب بلد واحد في بلد منقسم، تتوزع شعوبه على النموذجين، ثم وقفنا على النتائج، نستطيع أن نستخلص بعض الأفكار ونخرج بالتالي بنتيجة ما؛ فالاقتصاد الرأسمالي، أي اقتصاد السوق، يدخل في إطارها ألمانيا الغربية، في حين أن ألمانيا الشرقية، أو ألمانيا الشيوعية، تدخل ضمن اقتصاد التخطيط المركزي، النموذج السوفييتي، وهما بلد واحد ينقسم، أو يتوزع شعبا وأرضا بين النموذجين كما قلنا، وكوريا الجنوبية الرأسمالية، إلى جانب كوريا الشمالية الشيوعية، مثال ثالث وأخير، تايوان الرأسمالية، والصين الشيوعية؛ كانتا من قبل كيانا واحدا، يمثلهما مركز واحد  ولنتأمل الآن في النتائج، نتائج السياسات الاقتصادية المتبعة في كل بلد..
لقد شهدت ألمانيا الرأسمالية ( معجزة اقتصادية) في الوقت ذاته كانت ألمانيا الشيوعية تنحدر نحو الفقر، كما أن  كوريا الرأسمالية عرفت تطورا اقتصاديا وتكنولوجيا هائلا، تعرض في ذات الحين اقتصاد كوريا الشيوعية، إلى ركود ثم الميل باتجاه الانهيار.. وفي حين كانت الصين الشيوعية تعاني من الفقر والمجاعة، شهدت تايوان تطورا هائلا، مما حدا بالصين أخيرا مضطرة إلى فتح أسواقها أمام عالم التجارة والاستثمار.. ولا ننسى النموذج السوفييتي في أوربا الشرقية كيف أنه انهار بالكامل، حيث شمل الانهيار الاتحاد السوفييتي وكافة دول أوربا الشرقية.. وهنا حق القول، من أن السياسة الاقتصادية للرأسمالية (السوق الحرة) هي التي كسبت الرهان، وانتصرت على اقتصاد التخطيط المركزي، الذي اندحر أي اندحار..!
عمد كثير من القادة اليساريين بغية التخفيف من وطأة الفارق الكبير بين بلدان النموذجين ــ الاقتصاد الحر, والتخطيط المركزي ــ إلى الترنم بهذه المقولة، في الاقتصاد الحر، حيث البلدان الرأسمالية ( الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقرا ).
من خلال قراءتي للأدبيات الماركسية، لا تجد في هذه المقولة سوى نصف الحقيقة، صحيح أن الأغنياء يزدادون غنى، لكن أيضا أشار ماركس بالتحسن الذي يطرأ على وضع الطبقات الدنيا أيضا؛ لكن ربما أن نتفق بأن البون، أو الفارق بين الطبقتين، يزداد اتساعا، لكن القول بأن الفقراء يزدادون فقرا، فهذا لا يقره الواقع، وإلا فلماذا يدعو بليخانوف إلى التنمية الرأسمالية لتحسين وضع الطبقات الدنيا، فقد قال في عام 1883: ( نحن لا نعاني في روسا من نمو الرأسمالية، بل نعاني من عدم كفاية نموها ) وبعد أكثر من عقدين عاد لينين ليكرر نفس الكلام، ويمضي به أكثر وضوحا، عندما قال ما معناه من إن معاناة الشعب الروسي ليست بسبب الرأسمالية في روسيا، وإنما بسبب تأخر الرأسمالية فيها، ونحن مع تطور الرأسمالية بشكل مطلق ودون تحفظ، إن هذا الكلام  يستدعي منا أن نقف عنده ونتمعن فيه عندما يقول: ونحن مع تطور الرأسمالية  على الإطلاق.. فماذا يعني هذا الكلام، أنه يعني فسح المجال أمام القطاع الخاص الرأسمالي، أي أصحاب الملكيات الخاصة للتنمية الرأسمالية والاستثمار، وتقديم التسهيلات اللازمة لهم، أي ( دعه يعمل، دعه يمر ) تلك المقولة الاقتصادية القديمة، أو الترنيمة المعروفة، والتي أثبتت جدواها ومثال دول النمور الآسيوية ماثل لعيان، فقحط الأرض، وفقرها لم يحولا دون تنميتها أمام الإرادة الحرة…
علينا أخيرا إدراك أهمية الاقتصاد الحر، وبالتالي ضرورة فسح المجال أما الناشطين اقتصاديا للعمل بكامل الحرية وألا نقيدهم بمركزية السلطة، بقراراتها المتشددة إذا أردنا لبلدنا الازدهار ولشعبنا الوفرة والعيش الكريم
© معهد كيتو، منبر الحرية، 9 ديسمبر 2008.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018