شؤون سياسية

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

يتسم (إعلان مبادئ التسامح) الذي أعلنته منظمة اليونسكو( موسكو-1995) بأنه يتخطى الدلالة الدينية المألوفة أو الأخلاقية لمفهوم التسامح. إذ لم يعد التسامح مجرد التزام أخلاقي فحسب, وإنما حاجة سياسية وحقوقية تهدف إلى الاعتراف بالحقوق العالمية للإنسان وإلى ضمان الحريات الأساسية للآخر.
لقد غدا الوضع الإنساني المعاصر, عموماً, محكوماً بالتعايش والنزاع في الوقت نفسه, وهو الوضع الذي يقتضي مقداراً كبيراً من التسامح. ففي المجتمعات المتعددة الثقافات, التي تحفل بالاختلاف في أنماط المعيشة والتفكير, وتنطوي على تنوع كبير في الآراء والعقائد, يحتل مفهوم التسامح أهمية مركزية. إذ لامعنى للتسامح في أوضاع المماثلة والنمطية في الأفكار والعقائد. من هنا يؤكد راينر فورست في كتابه( التسامح في النزاع) على الارتباط العضوي بين التسامح  والتنازع, مشيراً إلى أن التسامح ينبثق عن التنازع ويولد من رحم النزاعات البشرية.
لا يمكن عدّ التسامح قيمة أخلاقية مجردة ومطلقة, منفصلة عن التاريخ والتطور. وهو ليس مجرد مبدأ يرنو من خلاله الإنسان إلى التعالي على تناقضات الواقع القائم، وإنما يتوقف معناه على ثقافة العصر السائدة, وعلى علاقاته الفعلية. وإذا ما فصلنا مفهوم التسامح عن سياقه التاريخي وعزونا إليه وجوداً مستقلاً عن التاريخ فإن من شأن ذلك أن يفقده كل قيمة إنسانية وعملية.
لم يرقَ مفهوم التسامح إلى مستوى المفاهيم الفلسفية المتماسكة إلا في إطار الصراع بين فكر الأنوار والكنيسة المسيحية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر. ولكنه قبل هذا الزمن بكثير كان موضوعاً للتأملات الفلسفية والوصايا الدينية والأخلاقية. إن مقولة سقراط الذائعة (إني أعرف شيئاً واحداً هو أني لا أعرف شيئاً) تكرّس لوعي التسامح عبر إقرار عميق بالتواضع العقلي, الذي يحتمل القبول برأي الآخر والاختلاف معه في آن. وكذلك الأمر مع الإمام الشافعي الذي شاع عنه قوله (رأيي صواب يحتمل الخطأ, ورأيك خطأ يحتمل الصواب) لكن الأكثر جرأة ووضوحاً هو قولٌ ينسب إلى الإمام جعفر الصادق يرفض فيه التعصب بحسم  أخلاقي ومعرفي لامتناه, يقول: (التعصب حتى للحق خطيئة). في الخطاب الفلسفي المعاصر رسخ كارل بوبر مبدأ ( اللاعصمة من الخطأ) الذي أكدّ من خلاله على نسبية الحقيقة من وجهة نظر أبستيمية. ومن منظور أخلاقي أقرّ بضرورة الاختلاف ومشروعيته.
مجّد فولتير الاختلاف والتسامح من خلال جملته المشهورة (قد لا أتفق معك, ولكني سوف أدفع دمي ثمناً لحقك في الكلام) وبخلاف الأخير تحدّث الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانط عن الوقع المتعجرف لكلمة( التسامح). وبالمثل كان غوته يعدّ التسامح مهانة. ويرى أن التسامح ينبغي أن يكون مؤقتاً وإلى حين, وأن يؤدي إلى الاعتراف في نهاية المطاف.
كان الألماني الأشد راديكالية فريدريك نيتشه يرى أن غاية الإنسان في الحياة هو السعي إلى امتلاك القدرة والقوة. ومن ثم فإن مطلب التسامح لا يعدو أن يكون سوى عقيدة للعبيد والضعفاء, الذين يفتقرون إلى الإرادة والقدرة على الانتقام. إن التسامح, من وجهة نظره, هو مؤشر على العجز والانحطاط, ومظهر من مظاهر الخنوع والترويض والاستكانة, علاوة على أنه ينطوي على مقدار كبير من المهانة والاحتقار للكرامة الإنسانية. ولم يجد الماركسي الروسي ليون تروتسكي بدّاً من التشكيك في جدوى التسامح قائلاً: لقد مضى ألفا عام تقريباً مذ أن قيل (أحبّ أعداءَك) و( أدر خدك الأيمن…) ومع ذلك حتى الأب الروماني المقدس لم ينجح في تحرير نفسه من كراهية أعدائه. ويبقى لاعتراف المهاتما غاندي, قديس اللاعنف, أهمية استثنائية على هذا الصعيد حين قال ( لا أحب التسامح, ولكني لا أجد أفضل منه) فقد وجد نفسه مرغماً على الاعتراف بأن شيئاً ما مكروهاً هو الأفضل بين الأشياء التي يراها وهو الأنفع.
خلاصة القول, يؤشر التسامح على الموقف من آراء الآخرين وعقائدهم ومصالحهم. كما يعكس مقدرة المرء على التعايش مع عاداتهم وأنماط السلوك لديهم. وتبرز الحاجة إلى التسامح بهدف الوصول إلى التفاهم والاتفاق حول المسائل الخلافية ووجهات النظر المتباينة, وبغرض الخروج على المصالح المتعارضة دون اللجوء إلى القسوة أو العنف أو الإقصاء. لكن السؤال الذي يظل قائماً هو: هل التسامح يعني أن نتسامح مع غير المتسامحين؟؟
*جامعي و كاتب سوري
© منبر الحرية، 26 فبراير/شباط 2010

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

لازال العالم العربي، يحاول جاهدا ان يقول لنفسه و للعالم بأن الاسلام دين حريه واستسلام لله. لكن الكثير من المظاهر التي يمارسها مسلمون عرب تتناقض وهذه الاطروحة الاسلامية: فسلوكيات التدخل بالحريات الشخصية، وبخصوصيات الناس وحرية المعرفة واللباس يتناقض والسماحة والتسامح. ان دعوات القتل والاعدام والتكفير المستمرة في العالم العربي هي الاخرى تتناقض والسماحة. اننا نعيش في حلقة مفرغة تساهم في صراعات جديدة لا حد لها ولا اخر، وتساهم في الشحن الطائفي والفئوي القاتل الذي لم تعرفه الاجيال السابقة.
أن مواجهة التطرف لا يمكن ان تتحقق في اطار الوضع القائم في معظم البلاد العربية. ورغم محاولات عدة للتعامل مع التطرف من خلال الدعوة للوسطية وانطلاقا من ان الاسلام دين وسط وان التطرف غريب عليه الا ان الوسطية لم تنجح. فالاطروحات الوسطية مالت للتطرف حول المرأة والحجاب والشيعة والسنة والغرب والاختلاف. هكذا اصبح تفسير الاقلية السلفية هو التفسير السائد بينما تم ضرب وازاحة التفسير الاسلامي التقليدي الوسطي الازهري.
ان البديل للتطرف في المجتمعات العربية هو في بناء مساحة حرة للجميع بما في ذلك المعارضة السياسية التي تعيش في المنافي بين لندن وعواصم العالم. يتطلب الامر زيادة كبيرة في مساحة الحرية الثقافية والسياسية والانسانية في المجتمع. ان المساحة العامة في البلاد يجب ان تكون لكل انسان ولكل فرد ولكل زائر للبلاد العربية مهما كان لونه ودينه وايمانه في اطار قانون ينظم هذه المساحة. ان المساحة العامة يجب ان تكون مساحة محايدة لقطاعات المجتمع كافة بحيث يجد كل فرد وانسان عندما يخرج من منزله ان حريته تتساوى وحريات الاخرين. ان بناء المساحة العامة المحايدة تمثل وسيلة لمواجهة التطرف وطريقة لبناء مجتمع حضاري.
لكن لتنجح المجتمعات العربية بالتحديد في تحقيق سلام داخلي لا بد من اعادة النظر بدور الدولة تجاه المجتمع. فالدولة هي الجهة الرئيسية التي بإمكانها تشجيع قيم الحرية والدستورية والديمقراطية والمساواة امام القانون وحقوق الانسان وهي التي بأمكانها الانقلاب على الدستور والمساواة والعدالة فتساهم في تعميق التفكك الداخلي والغضب اليومي. الدولة اساسية في مشروع الاتزان والاصلاح في جميع البلاد العربية وهي المسـؤولة عن التفكك الوطني في كل مكان عندما تتخلى عن مشروع الاصلاح. الدولة ان ارادت قامت بمحاربة الثقافة كما تفعل في دول عربية عديدة، وهي التي ان ارادت شجعت ثقافة الحرية. الدولة في معظم الاطر العربية الرسمية تشجع الاصولية على حساب الحريات عبر منع الكتب وممارسة الرقابة وتهميش المجتمع المدني. بأمكان الدولة ان تكون في خدمة التنوير والتقدم، و بأمكانها ان تكون على النقيض. يبقى السؤال: اي دول سنكون في السنوات القليلة القادمة؟ سيقرر هذا الامر طبيعة الازمات التي سيواجهها العالم العربي في المدى المنظور.
المصدر: الاوان ١٥ فبراير.
© منبر الحرية، 16 فبراير/شباط 2010

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

مازلنا غير قادرين على البوح، بصوت عال، بآرائنا ورغباتنا، مازلنا لا نستطيع كشف ذواتنا أمام الآخرين بحرية، فهواجس الخوف والريبة تجاه الآخر تستحوذ على مشاعرنا، فتكتم افواهنا، إلا إلى الذين نعرفهم ونطمئن اليهم، وهم قلة، وليست هذه حرية نتمتع بها، والحرية المضمونة في الدستور لا تهديء من قلقي حين أرغب بالتعبير عن رأيي أمام الآخرين لكنني أخشى أن يكون احدهم مختلفا عني، يختلف معي في الرأي، في العقيدة، في المذهب، بل حتى في المذهب نفسه ثمة مخاوف لانه لم يعد مذهبا موحدا، فللاختلاف في العراق ضريبة قاسية جدا، تسلب حياتك منك لانك مختلف، لأن لك هوية أخرى حتى وإن كنت قد ورثتها عن  آبائك، أو كنت رافضا لها.
لم يعد اختلافنا رحمة، كما كان يتباهى الرسول العربي بأمته التي تختلف، فيكون اختلافها رحمة، لكنه بات علينا نقمة، هنا في العراق، نحن امة تعلمت كيف تختلف لتدمن القتل على مذبح النقاء المزيف والفرقة الناجية ووهم الانتماء والهوية المقدسة، لكنها نست أو تناست بتعمد غريب جدا، إن الدين جاء من أجل الإنسان، من أجل حياته، من أجل كرامته وحريته، وليس من أجل بضعة أوهام، تمسخ العقول وتفسد الأخلاق، فتجعل من القتل طقسا للتقرب منها.
ليس الاختلاف في الدين وحده، يمثل أزمتنا الوحيدة، فثمة الاختلاف في السياسة، فقد تطبعت أحزابنا وميليشياتنا بطابع الصراع الطائفي والفرقي، وانتقلت عدوى الاختلاف إليها، والمشكلة ليست في التعددية ذاتها، لا في تعدد الفرق والطوائف دينيا، ولا في تعدد الأحزاب والميليشيات سياسيا، إنما في تقبلها وتعايشها، أحدها للآخر، وليس في صراعها ورفض بعضها البعض، فيما ندفع نحن ثمن صراعين مريرين هما؛ الصراع الديني من جهة والصراع السياسي من جهة اخرى، وقد خطت دماؤنا التي سفكت باسميهما اللافتات والشعارات التي يكتبونها أو ينادون بها.
نحن بلا حرية، والسقوط الذي مثل عهدا جديدا، ما زال تاريخا للسقوط وليس النهوض، فالحرية لا تعيش مع المخاوف، ونحن مازلنا خائفين، لأننا ما زلنا ندفع ثمن اختلافاتنا، ولم نتعلم كيف نختلف دون ان نشعر برغبة في القتل او الانتقام، أن نتعلم كيف نتعايش مع اختلافاتنا، أن نحتفي بهذه الاختلافات، لأنها ستمنحنا الحرية والنهوض لعهد جديد.
© منبر الحرية، 13 فبراير/شباط 2010

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

إن للثقافة بعدين،أحدهما المجتمع الذي تشكل ثقافته، وماهيته وشخصيته تلك الثقافة. واحترام الثقافة يعني احترام حق المجتمع بثقافته، واحترام ماهية تلك الثقافة وشخصيتها. ولكل من صيغتي الاحترام أسس مختلفة، إذ يتوجب علينا احترام حق المجتمع بثقافته لأن للبشر الحرية في تقرير طريقة حياتهم، ولأن ثقافتهم مرتبطة بتاريخهم وهويتهم، ولأنها تعني الكثير بالنسبة لهم، ولأسباب أخرى عديدة، من هذه الناحية لكل مجتمع حق متساو في تبني ثقافته، وليس ثمة أسس منطقية لعدم التساوي.
إن النظرة الأحادية والموقف المتكبر يرفضان الاعتراف بثقافة الآخر وشخصيته وحضارته…،‏ وأن عدم الاعتراف بالآخر وبثقافته يفضي إلي إقصاءه و تهميشه‏,‏ وهذا شكل من أشكال التمييز التي تؤجج مشاعر الكراهية التي هي فتيل للصراع والصدام‏.‏ فالتعالي والتكبر السياسي والثقافي والحضاري، هو الدافع إلى النزاع والصراع بين الحضارات، والصدام بين الثقافات وزعزعة أمن واستقرار المجتمعات الإنسانية‏، ولذلك كان الاعتراف بثقافة الآخر‏,‏ الخطوة الأولى نحو تعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات‏,‏ تمهيدا لإقامة جسور التواصل فيما بينها‏، وهذا هو الهدف النبيل الذي  تسعى لتحقيقه بعض المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام بقضايا الحوار بين الحضارات والثقافات‏.
يجادل بعض الكتاب في أن كل البشر متجذرون ثقافياً ولهم حق التمتع بثقافتهم الخاصة، وبالتالي يشكل التنوع الثقافي نتيجة حتمية وشرعية لممارسة ذلك الحق، لذلك لا يكفي منح الأفراد الحق الرسمي بثقافتهم، بل يتوجب على المجتمع خلق الظروف المساعدة على ممارسة ذلك الحق، كتقبل واحترام الاختلافات، وتنمية ثقة الأقليات بنفسها، وتوفير الموارد الإضافية للمحتاجين. ولا يود المجتمع الأعم أن يتكبد أعباء التكاليف التي يقتضيها ذلك، أو تقبل التغييرات الضرورية في مؤسساته عن طيب خاطر، أو كبت نزعته التمثيلية، ما لم يتم إقناعه بأن التنوع الثقافي يصب في مصلحته أو أنه قيمة تستحق التمسك بها ورعايتها.
وإن التنوع الثقافي هو مصدر من مصادر إثراء للثقافات، وتعزيز لقدراتها، وإعطاءها أبعاداً إنسانية، وإطلاق العنان لآفاقها الإبداعية الخلاقة.
إذ ليس للثقافة سلطة عدا تلك المستمدة من ولاء أبنائها ورغبتهم بالانتماء إليها، لذلك يستحيل الحفاظ على أية ثقافة بالقوة أو اللجوء إلى وسائل وأساليب اصطناعية.
أما بالنسبة للثقافة ذاتها فإن احترامنا لها يعتمد على تقييمنا لماهيتها أو نوعية الحياة التي توفرها لأفرادها، ولأن كل ثقافة تعطي استقرارا ومعنى للحياة الإنسانية، وتضم أفرادها معاً في مجتمع متماسك، وتبرز طاقات إنسانية خلاقة، وما إلى ذلك، فإن كلا منها تستحق الاحترام.
وان قبول ثقافة الآخر المختلف لا يعني بالضرورة الاقتناع بها، إنما هو إقرار بوجود الاختلاف معها وبوجود هذه الثقافة وقبولها من قبل الآخر، شرط أن لا تكون تلك الثقافة مبنية على حساب حقوق الأخر أو وجوده، كما ويجب النظر إلى الآخر المختلف من دون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو القومية أو الخلفية الاجتماعية أو الاتجاه السياسي أو أي سبب آخر، وطالما أن الاختلاف لا يكون على حساب وجود الآخر أو حياته، فالآخر هو فرد مواطن، له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، فيجب احترام هذا الاختلاف والعمل على تعزيز قبول ثقافة الآخر المختلف مهما بلغت درجة الاختلاف، وتفعيلها بشكل طبيعي بما تنسجم مع واقعنا ومتطلباته.
إن احترام الآخرين يتضمن حكما احترام استقلاليتهم الذاتية، بما فيها حقهم في إدارة شؤون حياتهم بالطريقة التي يفضلون، مع أن ذلك لا يمنعنا من تقييم وانتقاد خياراتهم وطرق حياتهم. ويبدو جليا أن أحكامنا يجب أن تنبني على تفهم ودي يتعاطف مع عالمهم ويتفهمه من الداخل، وإلا ظلمناهم وأسأنا الحكم على تلك الخيارات.
أما إذا استمعنا إلى دفاعهم عن وجهات نظرهم، ومنحناهم ما يكفي من الاهتمام والدراسة المتأنية، ووجدنا بعد ذلك أن خياراتهم لا تمنح مجالا لحريات الأفراد والضوابط المجتمعية المتفق عليها طوعا، فلا يترتب علينا واجب احترامها بل واجب عدم احترامها.
وبدون أدنى شك فإن الحوار الثقافي بين الدول والشعوب هو بديل عن وسائل العنف والتطرف، فليس هناك من وجه مقارنة بين حوار السلاح وحوار العقول.
© منبر الحرية، 27 يناير/كانون الثاني2010

إدريس لكريني16 نوفمبر، 20100

تنامت ظاهرة التدوين بشكل مكثف ولافت في السنوات الأخيرة؛ بالموازاة مع التطورات التي طالت مجال التكنولوجيا الحديثة عموما وحقل “الإنترنت” على وجه الخصوص؛ وأضحت هذه المنابر تتطور بصورة متسارعة دخلت من خلالها عالم المنافسة إلى جانب مختلف القنوات الفكرية والثقافية والإعلامية.. التقليدية.
وقد أسهم توافر مجموعة من العوامل والشروط في هذا التصاعد والتطور؛ فعلاوة عن وجود قوالب جاهزة تقدمها بعض المواقع المهتمة بهذا الشأن لمرتاديها؛ فإن إطلاق المدونة هي عملية سهلة ولا تتطلب وقتا أو جهدا كبيرا؛ كما أنها لا تحتاج إلى مستوى تعليم جامعي أو إلى دبلوم معين أو إلى تصاريح إدارية أو رساميل أو موظفين أو موزعين؛ بالإضافة إلى إمكانية فتحها بأسماء مستعارة تسمح بمقاربة المواضيع ونشر الأفكار بجرأة؛ بعيدا عن أي إكراه أو ضغط موضوعي أو نفسي..
ولا تقتصر المدونة على نشر النصوص والمقالات والمعلومات؛ بل تجاوزتها إلى تقديم معطيات وأحداث بالصورة والصوت والفيديو(التدوين المرئي)؛ الأمر الذي يجعلها محط اهتمام جمهور عريض من المتتبعين.
وضمن هذا السياق؛ أصبحت شبكة “الإنترنت” تزخر بعدد من المدونات المتباينة في جنسيات أصحابها واهتماماتها..
نظرا لحيويته وأهميته؛ لقي التدوين الإلكتروني إقبالا واسعا في المنطقة العربية؛ حيث برزت العديد من المدونات التي تهتم بمختلف القضايا والشؤون (ثقافية، علمية، سياسية، اجتماعية، رياضية، فنية، بيئية؛ تاريخية؛ دينية؛ تربوية، شخصية، إبداعية..)؛ إلى الحد الذي اعتبر فيه البعض أن هذه الإمكانية انتقلت من مجرد هواية ظهرت لأول مرة بالولايات المتحدة في منتصف التسعينيات من القرن المنصرم؛ إلى قوة ضغط حقيقية في السنوات الأخيرة.
وهكذا مكنت التطورات الحاصلة في مجال التدوين من تجاوز احتكار الدول بقنواتها الإعلامية والتربوية والثقافية للمعلومة والأخبار ووسائل التعبير بصفة عامة.. بل إنها أضحت في الواقع منافسا حقيقيا لهذه القنوات؛ وهو ما تؤكده نسبة التردد والمقروئية المتزايدة يوما بعد يوما لعدد من هذه المدونات؛ التي أتاحت إمكانيات فائقة في التواصل بين مختلف الأشخاص في مختلف المناطق؛ وتبادل الأفكار بصدد عدد من القضايا؛ بعدما أسهمت في تكسير الحدود الجغرافية والاجتماعية والسياسية بين الدول لتعزز تواصلا أكثر نجاعة وتطورا..
ولعل ما يمنح هذه المدونات مصداقية في نظر مرتاديها؛ هو استثمارها لهامش الحرية الذي تتيحه الشبكة العنكبوتية للمعلومات؛ وعدم الخشية من مقص الرقابة الحكومية الذي لم يعد قادرا على التحكم في هذا المجال المنفلت؛ مما يمكنها من طرح مواضيع وقضايا سياسية واجتماعية وشخصية.. جريئة؛ لا تجد طريقها للمتلقي عادة إلا من خلال هذه التقنية بأسلوب مبسط وساخر أحيانا؛ عكس التقنيات التقليدية التي طالما تغلق أبوابها أمام طرح عدد من هذه القضايا؛ أو تقاربها في أحسن الأحوال بنوع من التحفظ أو الانحراف أحيانا؛ بالنظر للرقابة الذاتية التي تفرضها على نفسها؛ أو بفعل ضيق هامش التعبير والحريات داخل معظم البلدان العربية..
إن ما يؤهل المدونات للقيام بأدوار طلائعية مستقبلا؛ ويسهم في ازدياد انتشارها وتأثيرها في المنطقة العربية؛ هو اهتزاز ثقة المواطن في مختلف المنابر الإعلامية التقليدية بشتى أشكالها المرئية والمكتوبة والمسموعة؛ المندرجة سواء ضمن القطاع الخاص أو العام.. التي لا تعبر بالضرورة عن همومه وانشغالاته الحقيقية؛ بحكم الضغوطات المختلفة التي تتعرض لها.. في الوقت الذي تستفحل فيه المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية بشكل ملحوظ داخل معظم الأقطار العربية..
فهي – المدونات – تسمح في جانب هام منها برواج مجموعة من الأفكار والمعلومات المتعلقة بقضايا قريبة من نبض المجتمع، وتعكس مشاكله الحقيقية بشكل غير منمق أو منحرف؛ مما يجعلها تصل بسرعة إلى المتلقي الذي يشعر من جانبه بمصداقيتها وجديتها..
كما أن الإمكانية التي تتيحها المدونات عادة؛ فيما يخص التعليق على الأخبار والمقالات والدراسات والإبداعات..؛ هي مدخل هام يمكن أن يسهم في تعزيز هذه التقنية؛ ويسمح ببلورة نقاشات فكرية جادة وعميقة تطرح الرأي والرأي الآخر بشكل أكثر وضوحا وجرأة وموضوعية.. ويتيح بذلك تكريس ثقافة الاختلاف وتطوير الأفكار على درب الخروج بخلاصات هامة؛ يمكن أن تسهم في حل عدد من الإشكلات والمعضلات بمختلف مظاهرها وأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية..
إن المتتبع لفضاء التدوين يكتشف أنه أضحى مجالا للنقاش والتواصل والحوار المستمر؛ كما أصبح يتسم بالجرأة؛ إلى الحد الذي جعل البعض يعتبره بمثابة طفرة تحررية نوعية بعد التحول الذي أحدثته القنوات الفضائية في المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة.
وهذا ما سمح لعدد من المدونين بتنظيم حملات تضامنية مع مختلف الشعوب المظلومة؛ ومع ضحايا الاستبداد والقمع في مختلف المناطق العربية وغيرها؛ وحملات تحسيسية أيضا مكنت من الوقوف على مجموعة من القضايا العادلة (حملات ضد تهويد القدس، حملات ضد الرسوم المسيئة للرسول(ص)..).. كما أسهمت العديد من المدونات في فضح عدد من مظاهر الفساد السياسي والتهميش الاجتماعي.. وأكدت نجاعتها في الوصول بتوصياتها ومطالبها وحملاتها إلى صانعي القرار على اختلاف مستوياتهم ومجالات اهتمامهم..
وقد حظيت قضايا عربية كبرى باهتمام المدونين من قبيل القضية الفلسطينية، والاحتلال الأمريكي للعراق، والتحولات السياسية في لبنان..
هذا بالإضافة إلى قضايا إقليمية ودولية حيوية كالملف النووي الإيراني، تداعيات أحداث 11 شتنبر 2001 والتحولات السياسية والاقتصادية في أوربا..
إن ما يعزز من مصداقية المدونات العربية ويفتح آفاق المراهنة عليها في عالم سمته التطور والتسارع؛ هو مدى قدرتها على استيعاب وفهم المحيط العربي بإمكانياته وتحدياته؛ وانفتاحها المستمر على المشاكل والقضايا الحقيقية للمجتمع والتفاعل معها بشكل إيجابي على طريق مواجهة العديد من الإكراهات المجتمعية..
وإذا استحضرنا الإمكانيات المذهلة التي يتيحها الإنترنت في النشر والتواصل بسرعة وبعيدا عن رقابة السلطات؛ وفي غياب قواعد قانونية كافية تؤطر عملياته التي تتطور باستمرار انسجاما مع التطورات التي تشهدها تقنيات الاتصال؛ فإن حقل المدونات يطرح الكثير من الإشكالات التي تقف حجر عثرة أمام تطوره وتنظيمه؛ وتؤثر في مصداقيته في أوساط المتعاملين.
ولذلك يعتبر وضع مبادئ واتفاقات عامة تنظم وتؤطر حقل التدوين الذي يزداد إشعاعا وإقبالا؛ على طريق التنسيق والتواصل والتعاون بين مختلف المدونين (باحثين، مفكرين، علماء، مبدعين، طلبة؛ مهنيين..) الذين يجمعهم هاجس التغيير.. أمرا ملحا وضروريا؛ لما يمكن أن يسهم به في تأسيس عمل تدويني جاد وملتزم بقضايا مجتمعه؛ وكفيل بتخليق هذا الفضاء الحيوي، وقادر على استثمار الإمكانيات الفعلية التي يتيحها؛ سواء في تأطير وتنشئة وتنوير المجتمع؛ أو الضغط على صانعي القرار باتجاه بلورة قرارات أكثر مصداقية وقربا من الشعوب..
ويكتسي هذا التنسيق والتعاون أهميته وضرورته بالنظر لعدد من الاعتبارات؛ فالتدوين يفتح آفاقا مذهله ومتسارعة على مستوى التطور والابتكار..؛ مما يحتم وضع عدد من الضوابط والمبادئ التي تمنع من تحوله إلى سلاح عكسي؛ يكرس الفوضى والصراع والميوعة والسرقات الفكرية والتعتيم والاعتداء على حريات وحرمات الآخرين..
وضمن هذا السياق؛ يطرح مضمون ومحتوى المدونات مجموعة من التساؤلات فيما يتعلق بصحة ومصداقية ما يتضمنه من معطيات وأخبار ومعلومات..، ومدى انتسابها بالفعل لأصحاب المدونات التي تنشرها، ومدى التزام هؤلاء بأصول الأمانة العلمية والإعلامية في نقل الأخبار والمعلومات بالدقة المطلوبة والالتزام بذكر مصادرها..
ومما يؤكد حيوية وملحاحية التنسيق والتعاون في هذا الشأن؛ هو أن عددا من المدونين تعرضوا بفعل مقاربتهم بشجاعة لملفات حساسة مرتبطة بالأوضاع الاجتماعية والسياسية والحقوقية.. ببلدانهم إلى عدد من التضييقات؛ بلغت إلى حد شطب المدونات وتعريض أصحابها للمتابعة القضائية والسجن (المغرب؛ تونس؛ مصر؛ الإمارات العربية؛ البحرين..).
ولعل العمل على إحداث مدونات عربية بلغات أخرى(الإنجليزية، الفرنسية، الإسبانية..)؛ يمكن أن يسهم في فضح الأوضاع التي ترزح تحتها الشعوب العربية داخليا وخارجيا.. ويتيح إمكانية التواصل مع مختلف الثقافات والشعوب الأخرى وتصحيح الصورة القاتمة التي يحاول البعض تقديمها عن العرب والمسلمين..
وعلى العموم، فالحضور الذي ميز المدونات العربية في السنوات الأربع الأخيرة لا زال بحاجة إلى مزيد من التطور والعطاء؛ انسجاما مع حجم التحديات العربية المطروحة والإمكانات والفرص اللامحدودة التي تتيحها شبكة الأنترنت في وقتنا الراهن.
© منبر الحرية، 22 يناير/كانون الثاني2010

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

يعرّف ستيوارت مِلْ الحرية الفردية في كتابه عن الحرية : “إنها حق الكيان الأخلاقي في أن يطوّر نفسه بطريقته الخاصة” (23)، وهو يهدف من وراء بحثه الشهيرتبيان القيمة الاجتماعية، التي تنجم عن تنمية الخصائص الفردية تنمية غنية وكامِلْة. وفي سبيل هذه الغاية يرى( مِلْ) أن الفرد يجب ألا يكون مقيداً بالاعتبارات الاجتماعية حين يعملْ على إنماء طبيعته العقلية والخلقية(24)، وعليه يدعو إلى أكبر قدر ممكن من تحرر الفرد من سلطة الجماعة على أن يكون هذا القدر متناسباً مع العيش  في مجتمع ما.(25)  من هنا يأتي دفاعه في مسألة حرية الرأي موجهاً ضد تدخل( السلطة الجماعية للرأي العام) في شؤون الأفراد التي لاتهمّ غيرهم من أعضاء المجتمع. فالنمو المحتم للمساواة الاجتماعية وسيطرة الرأي العام يقود، برأيه، إلى فرض نير ظالم من وحدة الرأي ووحدة العملْ على رقاب النوع الإنساني.  إن هاجسه الأساس نظير توكفيل، الذي كان يشعر أن المشكلة الأساسية في نظام مبني على حكم الشعب هي الحيلولة دون استبداد الطبقات العامة للشعب التي تؤلف الأكثرية- وهذه هي الطبقة غير المتعلمة التي تتألف من الجماعات العامِلْة- الحيلولة دون استبداد هذه الطبقة بالأقلية المؤلفة من الأفراد الممتازين (29)
كان أكثر الناس، برأي (مل)، ولا يزالون يخشون طغيان الأكثرية كما يخشون سائر أنواع الطغيان الأخرى، وذلك لأنه ينفذ في الغالب عن طريق إجراءات السلطات العامة. ولكن رجال الفكر يرون أن المجتمع حين يكون نفسه هو الطاغية-  أي حين يكون المجتمع بجمِلْته ضد الفرد-   فإن ذلك يعني أن أساليب طغيانه لا تنحصر بالإجراءات التي يمكن أن ينفذها عن طريق موظفيه السياسيين.(ص45) إن المجتمع قادر على إصدار الأوامر وعلى تنفيذها بنفسه. فإذا أصدر أوامر خاطئة بدلاً من الصحيحة، أو إن أصدر أوامر في شؤون يجب ألا يتدخل فيها، فإنه يمارس بذلك طغياناً اجتماعياً هو أ شد عتواً من كثير من ألوان الاضطهاد السياسي لأنه وإن لم تدعمه عادةً عقوبات شديدة، فإن وسائل النجاة التي يتركها قليلة، وهو ينفذ إلى الصميم في كثير من نواحي الحياة، ويستعبد الروح ذاتها. لهذا كان الاحتماء من طغيان الحكام غير كاف. وكان لا بد من حماية ضد طغيان الآراء و المشاعر الشائعة، وكان ميل ضد أن يفرض المجتمع  ( دون اللجوء إلى العقوبات المدنية) آراءه الخاصة وطقوسه كقواعد للسلوك، يفرضها حتى على أولئك الذين لا يوافقون عليها، ليكبل النمو و التطور، ويمنع إن أمكن تكوين أي شخصية فردية لا تكون منسجمة مع طرقه، ويجبر كل الطبائع على تكييف نفسها طبق أي نموذج من صنعه هو. إن هنالك حداّ للتدخل المشروع في استقلال الفرد من قبل الرأي الجماعي. وإن إيجاد ذلك الحدّ وصيانته من التجاوز أو الاعتداء عليه لازم لحسن سلامة شؤون الناس لزوم الاحتماء من الاستبداد السياسي.من هنا يوضح( مل) أن غرضه من  هذا البحث ليس الحرية التي تسمى حرية الإرادة والتي تقابل ما يسمى خطأ بالضرورة الفلسفية، وإنما موضوعه الحرية المدنية أو الاجتماعية، وطبيعة السلطة التي يمارسها المجتمع على الأفراد، وحدودها. (39)
السؤال الذي ينشأ، ويعدّه( مل) السؤال العملي والمباشر هو: أين يجب وضع الحدّ وكيف يمكن تحقيق التوفيق المناسب بين الاستقلال الفردي و السيطرة الاجتماعية..؟هذا السؤال يبقى الموضوع الذي عليه يتوقف كل شيء تقريباً.( 47) لا يعتبر مل أن حرية السلوك الذي يمس الغير غاية في ذاتها. فهو يشدد على قيمة الحرية و يلحّ على الاعتراف بها، ولكنه لا يدعي  أن أي حرية هي مطلقة. إن حرية الفرد مبررة  لأنها-  كما يرى-   تسهم في الصالح العام، وهي وسيلة قيمة لغاية أعلى منها هي( التقدم  الاجتماعي) الذي يهم كل عضو في المجتمع. ويعتقد مِلْ أن مبدأه يقدم مقياساً علمياً للتمييز بين تلك الأفعال التي تساعد التقدم وبين تلك التي تعرقله. فالأفعال الأولى يجب تشجيعها في الحياة العمِلْية أما الأخرى فيمكن تقييدها. هكذا يعتقد مِلْ أنه حل المشكلة في العلاقة بين الحرية و السلطة.
وبرأيه، فإن الغاية الوحيدة التي تجيز للبشر، أفراداً كانوا أم جماعة، أن يتدخلوا في حرية أفعال أي واحد منهم  إنما هي حماية الذات. أي أن الغرض الوحيد الذي من أجله يمكن ممارسة السلطة في أي مجتمع متمدن على عضو منه رغم إرادته إنما هو دفع للأذى عن الغير.فلا يكفي أن  يكون الهدف الخير الخاص للعضو، مادياً كان هذا الخير أم معنوياً. لا يجوز عدلاً إرغامه على القيام بأمر أو الامتناع عنه لأن ذلك خيراً له، أو لأن ذلك يجعله أسعد حالاً، أو لأن الآخرين يرون أن من الحكمة و الصواب فعل ذلك..( 55)  إذن الحالة الوحيدة التي تجيز إخضاع الفعل العفوي الفردي للقيد الخارجي هي حين تكون أفعال الفرد ماسة بمصالح الآخرين فإذا أتى امرؤ ما فعلاً يؤذي الغير فإن هناك وضع واضح يدفع إلى معاقبته عن طريق القانون أو بوساطة الاستنكار العام حين يتعذر تطبيق العقوبات القانونية بأمان. ولكن الشخص قد يسيء  إلى الغير لا بما يفعل فحسب ولكن بامتناعه أحياناً عن الفعل أيضاً وهو في كلتا الحالتين مسؤول أمام الغير عن الضرر.
ويشير( مل) إلى أن هنالك دائرة للأفعال، إن كان للمجتمع المتميز بجمِلْته عن الفرد مصلحة فيها فإنما هي مصلحة غير مباشرة، وتشمِلْ هذه الدائرة ذلك الجزء من حياة الفرد وسلوكه الذي لا يمس إلا شخصه وحده أو إن مسّ غيره من الناس فيكون ذلك بمحض إرادتهم، وموافقتهم التي لا خداع فيها،واشتراكهم. وهذا هو  نطاق الحرية البشرية الخاص بها. إنه يشمِلْ أولاً ممِلْكة الوعي الداخلية التي تتطلب حرية الضمير بأوسع معانيها وحرية الفكر والشعور، و الحرية المطلقة للرأي و العاطفة في كل المواضيع العلمية أو النظرية العلمية أو الأخلاقية أو الدينية……وثانياً يتطلب مبدأ حرية التذوق و المشارب، و حرية تصميم خطة لحياتنا توافق طبعنا، و حرية العمِلْ وفق ما نحب ونرغب…. وثالثاً، من هذه الحرية لكل فرد تنشأ ضمن الشروط نفسها حرية التكتل بين الأفراد،  حرية الإتحاد و التضامن في سبيل أي هدف لا ينطوي على إيذاء الغير….( 60) وكل مجتمع لا تحترم فيه هذه الحريات عموما ًلا يكون حرّاً مهما كان شكل حكومته، ولا يكون أي مجتمع حرّ حرّية تامّة إن لم تكن فيه هذه الحريات مطلقة و كامِلْة الشروط. و الحرية الوحيدة الجديرة بهذا الاسم هي حريتنا في أن ننشد خيرنا بطريقتنا الخاصة ما دمنا لا نحاول حرمان الغير من خيراتهم ولا نعرقل جهودهم في الحصول عليها.( 61)
ولكن وسائل الضغط المعنوي ضد الانحراف عن الرأي السائد قد استعملت هنا بشدة أعظم في المسائل التي تمس الفرد مما في المسائل الاجتماعية. ويعتبر(مل) هذا  الاستبداد أقسى بشكل يفوق ما فكر به أشد الفلاسفة القدماء صلفاً في تفكيرهم السياسي. وينكر(مل) على الأغلبية ممارسة حق الضغط والإكراه، سواء أكانت تمارس ذلك مباشرة أو عن طريق حكومتها الممثلة لها. ولو أجمع البشر كلهم على رأي وشذّ واحد بمفرده عنهم لما جاز لهم إسكاته، كما أنه هو، لو أوتي القوة، ولا يجوز له إسكاتهم…..ولكن الشر الخاص في إخماد التعبير عن الرأي أنه سرقة: أنه سرقة تقع على العرق الإنساني في الأجيال الحاضرة وفي الأجيال المقبلة، وتقع على مخالفي الرأي كما تصيب معتنقيه. فإن كان الرأي صحيحا حرموا فرصة استبدال الباطل(67) بالحقّ وان كان خاطئا خسروا فائدة كبيرة هي حصحصة الحق وظهوره جلياً واضحا بعد مقارعته بالباطل.( 68) إذ أن هناك، برأيه، بون شاسع بين افتراض صحة الرأي الذي يكون قد صمد في كل المناقشات ولم يدحض، وبين فرض صحة الرأي بغية عدم السماح بدحضه. والحرية التامة التي يتمتع بها كل إنسان في معارضة آرائنا ودحضها هي الشرط الأساسي الذي يبرر موقفنا في افتراض صحتها والعمِلْ بموجبها. وبدون هذا الشرط لا يستطيع أي مخلوق يحمِلْ معه المِلْكات الإنسانية أن يصل إلى ضمانة معقولة أنه على حق. ـ إن الميل القتّال إلى  إهمال التفكير والمناقشة في أمر لم يعد مشكوكاً فيه إنما هو سبب نصف أخطاء البشر ولقد أجاد احد الكتاب المعاصرين حين تحدث عن السبات العميق لرأي مقبول مقرر (114)
ويخلص ( مل) إلى البرهان على ضرورة النقد والتفكير والمناقشة  وحرية الرأي  استنادا إلى أربعة أسس هي :
أولاً: إذا أرغم رأي ما على السكوت، فمن الممكن أن يكون ذلك الرأي صحيحا وإنكار ذلك ادعاء منّا بالعصمة.
ثانياً: إذا كان ذلك الرأي الذي أخمد خاطئاً، فمن الممكن أن يحتوي على جزء من الحقيقة، وكثيراً ما يحدث ذلك. وبما أن الرأي العام أو الشائع في أي موضوع لا يكون كل الحقيقة، أو يندر أن يكون كذلك فلا أملَ في تأمين الجزء الباقي من الحقيقة إلا عن طريق احتكاك الآراء المتضادة .
ثالثاً: إذا كان الرأي المسلم به صحيحاً ويتضمن كل الحقيقة، فإنه، إذا لم يناقش بعزم وإخلاص، يبقى مجرد تحيز لدى معظم الذين يسلمون به، ثم إنهم لا يدركون إلا اليسر من أسسه المعقولة. ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ وحده، بل وهنا يجب أن نضيف :
رابعاً: إن  معنى المذهب نفسه يصبح مهددا بالضياع أو الضمور والهزال، ويفقد المذهب أثره الحيوي على الخلق والسلوك إذ يصبح المذهب المقرر مجرد  اعتراف شكلي لا خير(130) فيه يقف عثرة تحول دون نمو أي اقتناع حقيقي صميمي صادر عن العقل أو الخبرة الشخصية) 131)
في حدود سلطة المجتمع على الفرد يتساءل( مل) أخيراً ما هو الحدّ الشرعي لسيادة الفرد على نفسه؟ أين تبدأ سلطة المجتمع ؟ماذا يجب أن يعود للفردية من الحياة البشرية و ماذا يجب أن يعود للمجتمع؟ إن كلا منهما ينال حصته العادلة إذا هو احتفظ بما يخصه أو يعنيه. فيكون للفردية جزء  الحياة الذي يهم الفرد، وللمجتمع الجزء الذي يهم المجتمع.
إن من ينال حماية المجتمع، باعتقاد مل، يكون مديناً له مقابل ذلك، والعيش في المجتمع(167) يقتضي حتماً أن يتقيد كل فرد بخطة من السلوك تجاه الآخرين. يتألف هذا السلوك أولاً من عدم إضرار الواحد بمصالح الآخر، أو بالأحرى عدم الإضرار بتلك المصالح التي يجب أن تعتبر حقوقاً إما بموجب نص قانوني صريح أو بموجب تفاهم ضمني. ويتألف هذا السلوك ثانياً من تحمل كل فرد نصيبه( الذي يقرر وفق مبدأ منصف)مما تقتضيه صيانة المجتمع  أو أعضاءه من أتعاب وتضحيات. ويحق للمجتمع مهما كلف الأمر أن يفرض تحقيق هذين الشرطين على من يحاول الامتناع عن ذلك.( (168
ويعتبر الشخص هو صاحب الشأن الأول فيما يختص بخيره الذاتي، ولا يعتد  بشأن الآخرين فيه إلا في حالات العلاقة الشخصية القوية، وما شان المجتمع به كفرد إلا شان جزئي غير مباشر…. إن تدخل المجتمع  للتحكم في حكمه وأغراضه الخاصة به لا بدّ أن يقوم على افتراضات عامة قد تكون خاطئة، وان كانت صحيحة فقد يسيء تطبيقها على الحالات الفردية أناس يجهلون تلك الحالات كما يجهلها أولئك الذين ينظرون إليها من الخارج فقط. في هذه الدائرة من شؤون البشر يقع مجال عمل الفردية.( 170)  ويجزم ( مل) هنا بأن الضرر الذي يلحقه شخص بنفسه قد يكون ذا أثر خطير على الغير ممن لهم علاقة به، وبدرجة أقل على المجتمع عموما. فإذا قاد مثل هذا السلوك شخصاً إلى الإخلال بواجب واضح نحو الغير، فإن القضية تخرج عن نطاق الشؤون الذاتية وتصبح في متناول التنديد الأخلاقي بمعناه الصحيح. ( 178)
وباعتقاده، فإن أقوى حجة ضد تدخل المجتمع بشؤون الفرد الخاصة هي بأن تدخله غالبا ما يكون خاطئا وفي غير محله. إن رأي العموم، أي الأكثرية السائدة  في مسائل الأخلاق الاجتماعية والواجب نحو الغير كثيراً ما يكون خاطئاً، رغماً عن أنه كثيراً ما يظهر مصيباً  لأن المطلوب منه إذ ذاك أن يحكم في مصالح الأكثرية، وفي الطريقة التي يمكن أن يؤثر عليهم فيها نوع من السلوك قد يسمح بممارسته. أما فرض رأي الأكثرية  كقانون على الأقلية في شؤون السلوك الخاص، فإنه قد يكون خاطئاً بقدر ما يكون صائباً لأن الرأي العام في مثل هذه الحالات لا يعدو كونه  رأي بعض الناس فيما هو خير أو شر للغير، بينما هو كثيراً ما لا يعني حتى هذا، فتهمله العامة ولا تبالي بإرادة أصحابه ورضاهم ولا تهتم إلا بما تفضله.(182)
© منبر الحرية، 18 يناير/كانون الثاني2010

peshwazarabic16 نوفمبر، 20101

على الرغم من الجهود الحقيقية الحثيثة التي يبذلها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز لإصلاح المملكة وتحديثها، إلا أن ممارسات الرجعية التي يمارسها المناهضون للحضارة الحديثة هي في الواقع ممارسات فضيعة وضيعة تثير الإشمئزار. وما قضية علي حسين سباط، مقدّم البرامج اللبناني السابق، إلا مثالا على قولنا هذا. سباط مواطنٌ لبناني كان يقدّم برنامجا تلفزيونيا مباشرا، يُبث من لبنان ويغطي منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك السعودية وهو مسلمٌ أيضا. وكان خلال بث برنامجه، يتلقى الاتصالات من بعض الأفراد الذين يتصلون به، ويقدم لهم النصح والمشورة، كما يقوم ببعض التنبؤات حول مستقبلهم.
في مايو (أيار) عام 2008، وخلال قيامه برحلة للحج والعمرة إلى مكة، ألقت الشرطة الدينية السعودية القبض عليه واتهمته بالشعوذة و انتزعت منه الاعترافات وحوكم بلا محام للدفاع عنه. واستُخدِم اعترافه، الذي أ ُخذ بالإكراه، ضده وحُكم عليه بالإعدام في المدينة المنورة في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2009. وقد يُنفّذ الحكم في أي يوم من هذه الأيام.
وما تزال منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان الأخرى تطالب بالإطلاق الفوري لسراح سباط وغيره من المعتقلين المتهمين بمثل هذه “الجريمة.” وأيا كان ما يعتقده المرء حيال برنامج سباط التلفزيوني، فمن غير المعقول أن يُعدم  لتهمة كالتي أدين بها هذا الرجل. وإن لم يوقَف هذا القتل، فإن تراب السعودية سيُضرّج بجريمة: جريمة قتل. وستخلِّف هذه الجريمة أرملة ثكلى وخمسة أطفال. لا بد أن يمنع تنفيذ الإعدام.
توضّح هذه القضية، بما لا يقبل الشك، القوة الهائلة التي تتمتع بها الشرطة الدينية في السعودية. فالملك عبد الله يواجه معركة صعبة في كفاحه ضد المتطرّفين: ليس فقط  الإرهابيين من تنظيم القاعدة الذين يقتلون الأبرياء، بل الشرطة الدينية والقضاء الذين يقتلون الأبرياء أيضا. كلما أقدم الملك على إصلاح الدولة، أعترض المتطرفون طريقه. على سبيل المثال، قبل شهور قليلة، عندما افتتح الملك جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، وهي أول جامعة مختلطة في السعودية، واجه موجة عاصفة من الانتقادات التي أثارها رجال الدين. وفي آخر المطاف، أفتتحت الجامعة، وما كان من الشيخ سعد بن ناصر الشثري إلا أن قدّم استقالته من هيئة كبار علماء الدين. لا شك أن تلك كانت خطوة بالاتجاه الصحيح. مع ذلك، وكما تبرهن قضية سباط والآخرين الذين حكموا بالإعدام بتهم “الارتداد” أو “السحر،” فإن مقاومة المتطرّفين ما زالت مستمرة. ولكن الفرصة لا تزال سانحة أمام الملك عبد الله بن عبد العزيز بأن يتخذ قرارا شجاعا، كما فعل عندما جابه رجال الدين في الجدل المتعلق بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا. غير أن الملك ومؤيديه يحتاجون إلى العمل بحزم للحد من قوة المتطرفين وقدرتهم على تنفيذ اعتقالات غير القانونية، وتوجيه الاتهامات الباطلة، وانتزاع الاعترافات بالإكراه، وإقامة محاكمات غير عادلة، ولا سيما تلك التي تتكلل بارتكاب جرائم القتل (أي أحكام الإعدام). وما سباط والآخرون إلا أضحيات وقرابين بشرية يذبحها المتطرفون لا لشيء، سوى لإدامة قوتهم وسطوتهم.
ولكن ماذا سيأتي بعد؟ إعدام طفل يقرأ كتاب ’هاري بوتر‘؟ لقد خلق الحوار الإيجابي الذي بدأ بين إدارة أوباما ومعظم العالم الإسلامي فرصة لواشنطن لكي تعبّر عن قلقها حول مصير سباط. فكثيرا ما تحدّث الرئيس أوباما عن التزامه بحقوق الإنسان فعليه إذن أن يُشجّع الملك عبد الله بن عبد العزيز على اتخاذ موقف من أجل العدالة ووضع حد للأضحيات البشرية.
كما تقع على عاتق لبنان مسؤولية الدفاع عن مواطنيها وحمايتهم والمطالبة بسلامتهم. إن لحكومة رئيس الوزراء سعد الحريري علاقات خاصة مع العائلة الحاكمة في السعودية. لذلك، تحتاج هذه الحكومة، بوصفها حكومة تمثّل بلدا عربيا ديمقراطيا يمتلك صناعة قوية في مجال البث الإعلامي، تحتاج  أن تبيّن أنها ستدعم حرية التعبير – و لا سيما فيما يخص علي حسين سباط والآخرون.
على العاهل السعودي الملك عبد الله أن يُظهر شجاعته عبر مجابهة المتطرفين وإطلاق سراح علي حسين سباط وإعادته إلى لبنان. وإن فعل ذلك، يجب أن يحظى بدعم من جميع أمم العالم الأخرى.
© منبر الحرية، 01 يناير/كانون الثاني 2010

خالد وليد محمود16 نوفمبر، 20100

شهدت العقود الاخيرة الماضية اعترافاً متزايداً بالدور الذي تضطلع به المرأة العربية في المجتمع خاصة في ظل الجهود الدولية المتمثلة في الإعلان العالمي لحقوق الانسان و الرامية الى انهاء التمييز ضد المرأة و ضمان مشاركتها الى جانب الرجل في عملية التنمية بكافة اشكالها .
و تتفق جميع دول العالم على ان مكانة المراة على الصعيد المجتمعي السياسي و الاقتصادي والثقافي و الاجتماعي و مشاركتها في صنع القرار تمثل مؤشرا على مستوى التنمية في اي مجتمع . فقضية المرأة من المفاصل الأساسية في عملية التغيير الاجتماعي والتنمية الشاملة الهادفة إلى بناء مجتمع ديمقراطي حر متوازن.
إلاّ أن هناك عوامل تحد من مشاركة المرأة رغم أنها تشكل نصف المجتمع و اهم هذه العوامل التنشئة الاجتماعية و الموروث الثقافي الضاغط على الاسرة بسبب عملية التحول الاجتماعي و آليات السوق و ضعف دعم النخبة النسائية للقواعد النسائية .
و رغم توقيع العديد من الدول على الاتفاقيات الخاصة بالمرأة و تمكينها من المشاركة لا سيما في صنع القرار، إلا أن ذلك لا يكفي بمعزل عن الموائمة بين الالتزامات الدولية و التشريعات الوطنية .
ورغم مرور عقود على بدء المشاركة السياسية للمراة العربية ، الا ان هذه المشاركة لا تزال ضعيفة ،  ويظهر ضعف تمثيل المراة ومشاركتها في الحياة السياسية،  من خلال ضعف تمثيلها في الحكومات والبرلمان والنقابات والاحزاب السياسية . وترجع مشاركة المراة في الهيئات الحكومية الى قرارات عليا نصت على ضرورة تمثيل المراة في الحكومات وفي الهيئات المختلفة .
ان مناقشة واقع المرأة و دور المجتمع المحلي في دعم المرأة العربية وتعزيز دورها في العمل البرلماني يقودنا بالضرورة إلى مناقشة عدد من المفاهيم منها :
    المساواة : تعني تشابه العلاقة في مناحي الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية ، و بالتالي عدم استحواذ الرجل على مصادر القوة الاقتصادية ( الملكية ) و السياسية ( القوة و اتخاذ القرار ) .
    التجانس وانواعه ( الجندر ):
– التجانس البيولوجي : و هوالنظر الى المرأة كجنس بيولوجي ( ربة منزل ) دون مشاركة في الحياة السياسية و البرلمانية و المجال العام ، سواء في العمل أو الانتخاب او الجمعيات و  الهيئات الخيرية .
– النوع الاجتماعي : و هو النظر الى المراة كفرد في المجتمع و فق دور يحكمه     الزمان و المكان و بالتالي تكون شريكة للرجل ، و يكون لكل منهما عمله ورغباته واتجاهاته ، و العلاقة بين الرجل و المراة تكون قابلة للتغيرحسب المفهوم و الثقافة السائدة
    التنمية : و هي عملية تغير اقتصادي سياسي تهدف الى :
– رفع مستوى الوعي التربوي و الصحي و الثقافي لدى جميع الافراد و الجماعات في المجتمع .
– العدالة الاجتماعية و المساواة بين الذكور و الاناث، فالمرأة تقع تحت وطأة الاجر غير المتساوي للعمل.
– توزيع الموارد؛فالمرأة لا زالت مهمشة وهي الضحية الاولى للبطالة.
– تحسين نوع الحياة .
– الاهتمام بالمجموعات المهمشة و الفقيرة ، و تشكل النساء الغالبية من هذه النسبة.
– رفع مستوى الدخل لدى الافراد .
– زيادة الدخل القومي و اعادة توزيعه .
– تفعيل مشاركة النساء .
    المشاركة : تشمل مجمل النشاطات التي تهدف الى :                            – التاثير على القرارت التي تتخذها الجهات المهمة في صنع القرار السلطات (التنفيذية، التشريعية ، الاحزاب ، الجمعيات ) .و تشمل هذه النشاطات :
– التصويت لانتخاب الممثلين و المشاركة في الحملات الانتخابية للمرشحين ، و نشاطات المجتمع المحلي .
و بهذا يمكن تعريف المشاركة على أنها :
– السلوك المباشر و الغير مباشر الذي بمقتضاه يلعب الفرد دورا في الحياة السياسية في المجتمع .
– قدرة التاثير على اتخاذ القرار و تحقيق الاهداف .
– نشاط يقوم به الافراد بصفتهم الشخصية بهدف التاثير على صناعة القرار.
– سلوك، وليست مجرد اتجاهات المواطن نحو السلطة .
    التمكين : هو العمل الجماعي في المجموعات المهمشة لمواجهة العقبات و التمييز التي تقلل من اوضاعهم وتصادر حقوقهم . و تمكين المراة من اتخاذ القرار و المطالبة بالحصول على الحقوق و الخدمات و هذا مرتبط بعملية التنمية .
•    العوامل المحددة لمشاركة المرأة العربية
وجود المرأة في المواقع القيادية، او اصدار القوانين والتشريعات ليست هي العامل الرئيسي بقدر بقدر ما هي اقترانا بالعوامل التي تحدد المشاركة ومن ضمنها:
1-الحالة الثقافية: دور الثقافة السائدة من منظومة القيم والمعتقدات والاتجاهات التي تؤثر في السلوك.
2-التنشئة الاجتماعية : يلعب الموروث الاجتماعي والقيم الاجتماعية والمعتدات دورا تتناقله الاجيال.
3-الارادة السياسية لصانع القرار ، تكتسب اهمية خاصة من خلال التشريعات والقوانين وتفعيلها.
4-المنظمات النسائية وضرورة تفعيلها.
5-القدرات الشخصية والكفاءة والخبرة.
6-الاحزاب السياسية حيث ان نسبة المشاركة فيها متدنية جداً
التمكين بمعناه المبسط يعتمد على توسيع طاقات الفرد والجماعات وبالتالي توسيع الخيارات وبالتالي رفع سقف الحرية، ولكن هناك علاقة بين الخيارات المحدودة والفقر مثلا فما قيمة ان تملك الحرية في شراء دواء ولا يوجد معك قرشا مثلاً.
كان لا بد من توضيح هذه المفاهيم للحديث عن مؤسسات المجتمع المحلي عموما ، و الهيئات النسائية على وجة الخصوص، و دورها بالغ الاهمية في صياغة الخطط و البرامج التي من شانها ان تدعم حضور المراة في الحكم المحلي .
•    المجتمع المدني
المجتمع المدني هو نقيض المجتمع العسكري ، و هو مستقل في تنظيم حياته المدنية . و قد ارتبط المجتمع المدني بالمجتمعات الديمقراطية الانتقالية ، كما انه جاء ردا على سلطة الحزب الواحد الحاكم بايجاد مرجعية اجتماعية خارج الدولة .وتضمن المجتمع المدني ما يلي :
– التشديد على الفصل بين الدولة ومؤسساتها و المجتمع و مؤسساته المجتمعية .
– ينطوي على المشاركة الطوعية للافراد في العمل الجماعي .
– يتطلب وجود تعددية سياسية تضمن حق هذه الجماعات في الاعلان و التعبير عن عن نفسها و حقها في المشاركة السياسية .
– يتكون المجتمع المدني من النقابات المهنية و العمالية و الجمعيات النسائية و الاتحادات والاندية الثقافية و الاحزاب السياسية .
تستطيع المراة من خلال مؤسسات المجتمع المدني تطوير ذاتها و مواجهة مهامها و النهوض بواقعها و تطوير اوضاعها و بلورة مفهوم المواطنة لديها .
•    كيف تمكن منظمات المجتمع المدني المراة :
– تشجيع المشاركة .
– ادارة العملية الانتخابية من خلال المناظرات و المحاضرات و الندوات .
– مراقبة العملية الانتخابية من خلال الجمعيات ذات الاختصاص .
– توعية المراة حول حقوقها السياسية .
– التشجيع على القيام بحملات التوعية للسكان خاصة اهمية التصويت .
– تنظيم الحملات لتشجيع الناخبين على تسجيل انفسهم في السجلات الانتخابية .
•    أما من العوامل المساعدة في تمكين المراة :
– المشاركة في عملية الانتخاب و الترشيح.
–  تنمية الوعي في معرفة آليات العمل الانتخابي.
– الاهتمام بتحقيق التوازن بين المراة في الريف و الحضر .
– ان تبذل الهيئات النسائية جهدا في اسناد المراة ودفعها للمشاركة .
-الاهتمام بالمستوى التعليمي للمراة كاداة يمكن من خلالها احداث عملية التغيير الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي و بالتالي منح المراة سلطة اضافية داخل الاسرة .
# لذلك فان اقبال المراة و متطلبات مشاركتها في العمل السياسي شهد تطوراً ايجابياً للاسباب التالية :
•نمو الوعي الاجتماعي و ارتفاع المستوى التعليمي .
•تطور التجربة الديمقراطية و مؤسساتها .
•دور مؤسسات المجتمع المدني المتنامي .
•زيادة مشاركة المراة في الانشطة الاقتصادية و الاجتماعية .
وبناء على ما تقدم، يمكن القول أنه وعلى الرغم من  أهمية دور المرأة في الحياة السياسية، وشمولية هذا المفهوم،إلا  أن الملاحظ للمراقب  أن سلطة الرجل ما زالت تؤثر على قرار المرأة ، ولتلافي ذلك لا بد من توعية المرأة سياسيا بالمعنى الواسع للتعبير، بما يكسبها احتراما لمواطنتها ودورها وثقة بقدرتها على الفعل والتغيير، كذلك لا بد من التوعية الانتخابية وتوعيتها ايضا بالفرص التي تمنحها لها العملية الديمقراطية لفرض خياراتها الحياتية الخاصة بها والتحرر من عبوديتها في الخيار والقرار، إضافة إلى التوجه إلى القضاء على الأمية عند النساء في التعليم من جهة وفي الوعي لحقوقها القانونية والسياسية والاجتماعية من جهة أخرى، كما تتحمل الأحزاب دوراً في التصدي لنظرة الموروث المتمثلة بمعاملة المرأة على أنها الأضعف في شتى نواحي الحياة، كما لا بد من وضع آلية مبرمجة تؤمن القدرة على اختراق بعض العادات والأعراف والتقاليد لتبديد المفاهيم الخاطئة عن مكانة المرأة ودورها في البناء والتطور، وهذا يستدعي وضع استراتيجية مستندة إلى الحجج العقلية لمواجهة العقلية الرجعية التي رسخت في الأذهان.
© منبر الحرية، 24 دجنبر/كانون الأول2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

يعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948م، وثيقة تاريخية هامة، وإنجازا كبيرا على صعيد حقوق بني البشر، فقد جاء الإعلان إقرارا بكرامة الإنسان، واعترافا بحقوقه في المساواة والعدالة، والحياة الحرة والكريمة؛ وقد أشارت الجمعية العامة إلى كافة البلدان على أهمية نشر الإعلان وتوزيعه وإدراجه كبرنامج تثقيفي في المدارس والمعاهد التدريسية، وكل هذا جاء ابتغاء لعالم يتمتع فيه الفرد بكافة حقوقه، في إطار من الأمن والعيش الكريم بعيدا عن الخوف وذلّ الحاجة، وكم تذكرنا المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بقول الخليفة عمر بن الخطاب وهو يزجر أحد المنتهكين بعدوانيته إزاء حقوق إنسان آخر: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا).. قارنوا قول الخليفة هذا بالمادة الأولى من الإعلان العالمي والتي نصّها: (يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلا وضميرا، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء) فليت الإسلام السياسي اليوم، أن يقتدي بقول عمر، ويأخذ في البال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويضنّ بالتالي بأرواح البشر، لا أن يفجع الناس بمشاهد مروعة تقشعرّ لها الأبدان… ثم تشير المادة الثانية من الإعلان، على سواسية بني البشر، دون أي تمييز في القومية أو الدين أو اللون أو الجنس أو الرأي.. ثم تأتي المواد التالية، فتكمل شروط صون كرامة الفرد، وحقوقه، وتوفير الأمن، ومنع الاسترقاق، أو استعباد أي فرد، وعدم تعرض أي إنسان للتعذيب أو الحط من كرامة المرء…
إن مثل هذه الحقوق التي يتضمنها الإعلان العالمي، نفتقدها – للأسف – في عالمنا العربي، حتى أصبحنا نسمع هنا وهناك بوفاة إنسان ما تحت التعذيب، دون أن تكفل له التشريعات اللازمة باعتباره الشخصية القانونية كما يصرح بذلك الإعلان نفسه، الحماية اللازمة، ليدفع عن نفسه مثل هذا الأذى، ويلجأ إلى القانون لحمايته بالتالي، أو إلى القضاء لينصفه، كما يقر بذلك الإعلان في مواده الثامنة والتاسعة والعاشرة.. إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يضمن للفرد الكثير من الحقوق، ويجنبه كثيرا من التعديات والتجاوزات… فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، والحكم يأتي بعد أن يمثل الفرد أمام قضاء نزيه يوفر له الضمانات للدفاع عن نفسه… إن الإعلان يجيز للفرد حرية التنقل، ومغادرة بلاده، والبحث عن ملاذ آمن في بلد آخر هربا من الملاحقة والاضطهاد، ومن حقه بالتالي التمتع بجنسية بلد ما، فلا يحق لأية جهة أن تنتزع منه الجنسية تعسفا… كما إن الإعلان يبيح للفرد حق التملك، ويمنع بالتالي تجريده تعسفا من ملكه، فضلا عن هذا وذاك فالإعلان يعطي للفرد حق الانضمام إلى أية جمعية أو تنظيم، أهلي مدني، أو سياسي بمطلق الحرية والرغبة دون قسر أو إرغام..
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يرى ضرورة إيجاد فرص العمل للفرد بأجر عادل ومجز، وحمايته من البطالة، بغية تأمين نمط من العيش بعيدا عن العوز والفاقة، وتوفير ما يلزم لإتاحة الفرص في التعليم… وقد حذّر البيان في ختام مواده جميع المعنيين بذريعة أي تأويل، من النزوع إلى هدم الحقوق والحريات الواردة في الإعلان…
إذا ما انطلق واحدنا من الواقع العربي، وهو يستعرض مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فسوف يجد نفسه، أمام واقع آخر، واقع مغاير، أمام مفارقة كبيرة، بين المبتغى في الإعلان والواقع العربي المعيش، حتى يخيّل لواحدنا أن الإعلان يرصد واقعا مثاليا يبتكره خيال الإنسان لا عقله؛ فما زالت النظم العربية بعيدة عن التعايش مع مبادئ أساسية في حياة البشر والدول، كالحرية والمساواة وإرساء أسس العدالة، لأن الشرط الأول الذي تقتضيه هذه المبادئ هو عدم حصر السلطة في حزب ما مثلا، أو حكرها من قبل جهة واحدة، لكن أنظمتنا العربية بعيدة عن هكذا مناخات من الديمقراطية،
فلطالما السلطة الحاكمة هي التي ترعى القوانين، فكثيرا ما تقوم بصياغتها من جديد، وتأويلها وتفسيرها بما يضمن لها التحكم والسيطرة والاستمرارية، وبالتالي نسف تلك الحقوق والمبادئ التي يشهّرها الإعلان… إن التجاوزات القائمة من قبل النظم العربية لا يمكن حصرها في مجال ما، فما زال تعذيب المعتقل الأمر المنكر والفظيع ممارسا من قبل غالبية السلطات العربية الحاكمة، ويشهد على ذلك ضحايا التعذيب حتى الموت، فضلا عن الاعتقال الكيفي، وزج العشرات في أقبية السجون دونما محاكمة، أو على أحسن تقدير محاكمة صورية، كما أن الحجز على حرية الفرد، ومنعه من السفر، وسحب جواز سفره.من الممارسات الاعتيادية، وأيضا محظور على مختلف الأحزاب والتنظيمات حق التظاهر السلمي، ولو كان في سبيل مسألة قومية أو وطنية، فالشعب هنا ليس مصدر السلطات، بل محكوم هو بإسار سلطة جائرة، تحكم عنوة، فلا تسمح السلطات  بالتعددية على صعيد الأحزاب والتنظيمات، وبالتالي لا تعددية في الآراء،  كحق التعبير خلال حشد جماهيري، أو تجمع  سلمي، أو حتى على صعيد نشر الصحف. فضلا عن حالات أخرى عديدة…
إن الإنسان هو ركن الحياة الأول دون منازع في الكون، وهو دائما ينزع إلى الكمال، وإن سعي الأمم المتحضرة للرقي بالإنسان إلى هذا الكمال المنشود، من خلال تمتعه بتلك الحقوق التي يفردها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أمر محمود له ما يبرره، فإذا كان تحقيق هذه المبادئ عصي على التطبيق في بعض العوالم، منها العالم العربي، ولطالما أن تحقيق ذلك لا يدخل في خانة الاستحالة، فإذن ينبغي علينا أن نسعى ونناضل في سبيل تحقيق تلك المبادئ، وبمجرد السير في هذا الطريق، هو مناضلة  وإيمان بتلك المبادئ، فلا بدّ إذن من مواصلة النضال حتى يتحرر الإنسان من وطأة الظلم والطغيان، وليشهد حالة مريحة، تترجم فيها كثير من تلك المثل التي ضحّى من أجلها الإنسان منذ الأزل إلى حقائق واقعية، ليستمتع الفرد بنعم الحياة وفي مقدمتها حريته الوافرة، وكرامته المصونة.. ولقد كرّمنا بني آدم…
© منبر الحرية، 11 دجنبر/كانون الأول2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

تعكس علاقة الأمّة بالثقافة موقفها من تاريخها و راهنها ومستقبلها، وتعكس درجة استقلالها ووعيها بذاتها. وتختلف هذه العلاقة، من حيث القوة والحجم والتأثير المتبادل، من مجتمع لآخر، ومن زمن لآخر في المجتمع الواحد. إذ ليس لأمة حيّة، طموحة ومتقدمة، أن تكتف بثقافة تقليدية- عامة تقتصر على الأعراف والعادات المتوارثة والأشكال الأولية من المعارف الجمعية والعقائد والقيم التي تشير إلى خصوصيتها وتؤكدها. ولذلك تطلع، بصورة مستمرة، إلى ثقافة أرقى وأكثر تقدماً تتناسب مع آفاق تقدمها، وتستجيب لغاياتها المستقبلية، مع الحفاظ على الحد الأدنى من خصوصيتها ومن سمات هويتها الثقافية، التي لا تتعارض سيرورة تطورها الشامل.
تمتلك الثقافة بذاتها قدرات هائلة على تغيير المجتمعات وتجديدها، بل تشكل أسّ هذا التغيير وجوهره. وبالمقابل فإن البشر حينما يعمدون إلى تغيير أنفسهم وأوضاعهم، إنما ينتجون وعياً أرقى بهذا التغيير يشكل روح ثقافة أكثر تقدماً. وهنا تتراكم المعارف والخبرات في سياقٍ إعادة تشكيل ثقافة الأمّة وتطور هويتها.
إذن، ثمة علاقة ضرورية بين التحولات الثقافية والتحولات التاريخية، تكون الهويّة الثقافية، وفقاً لها، مشروعاً بنائياً متواصلاً، يقوم على الاحتواء لما هو ماض وحاضر و يتجاوزهما. إنها علاقة جدلية قوامها النفي والاستبقاء، أي تحرير الذات مما هو سلبي في الماضي، والاستبقاء النقدي لما هو إيجابي وفاعل. وعليه فإن ما يميّز الذات أو الهويّة الثقافية للأمة هو هذا السياق التاريخي الخاص لتطورها.
بهذا المعنى، الهويّة الثقافية للأمة ليست ثابتة ومنجزة دفعة واحدة في التاريخ، ولا ينقصها التناقض والانقسام الداخلي، اللذين يشكلان حافزاً لتخطي ذاتها على الدوام، ولهذا هي تتجاوز ذاتها باستمرار في الأزمنة المختلفة. فلا يمكن القول عنها إنها مغلقة، بل مفتوحة بالمعنى التاريخي التفاعلي، ويتم إنتاجها وإعادة تشكيلها في صيرورة تاريخية لا تكتمل أبداً.
ويمكن القول أيضاً، إن الهويّة الثقافية لأمة من الأمم ليست مفارقة للتاريخ، للزمان والمكان، وإنما هي محايثة لها، تنبثق في جغرافية معينة، وفي زمان معين، ولها تاريخها الخاص. إنها أبعد ما تكون عن الثبات المطلق. ومن هنا فإن هذا التأكيد على الخصوصية التاريخية لثقافة لا ينبغي أن يكون لهدف تكريس وهم أيديولوجي معين، يقود إلى تصور لا تاريخي للهوية الثقافية، أي بوصفها جوهراً خالداً، أو ماهية ثابتة تتعالى على التاريخ.
انطلاقا من هذا الموقف، فإن النظر إلى تلك العلاقة يستدعي تعريفاً إجرائياً لمفهوم( الثقافة الحرّة) بإزاء( الثقافة التابعة أو المقيدة) أو ثقافة الإتباع لا الإبداع. فإذا كانت الثقافة عموماً هي فكرة الأمة بالذات عن ذاتها وعن الآخر، فإن الثقافة الحرّة هي ثقافة وعيُّ أمة بضرورة حريتها، التي تطلع إلى المزيد منها، تمارسها وتنافح عنها، تعبير عن الشغف الدائم بها. فالحرية حاجة متواصلة، والحاجة برأي هيغل، هو وعيّ النقص. والحال أن الحرية لا تكون بالنسبة للأمة حاجة، ما لم تدرك هذا النقصان بها، وتعي افتقارها الدائم إليها. هنا تقاس قيمة الثقافة الحرّة وأهميتها، بدرجة وعيّ الأمة المنتجة لها بالحاجة المستمرة إلى الحرية، على أنها ثمرة وعيها الحرّ بضرورتها. الثقافة الحرّة هي ممارسة كلّ القوى من أجل هدف الحرّية الكاملة اللامتناهي.
الأمة الأكثر حرّية، هي الأقل جهلاً، والأكثر عقلانية ووعياً بالضرورة. وتبدو لنا الثقافة الحرّة، حاجةً تلازم كل أمة لا تريد لنفسها أن تكون خاضعة للضرورة اللاواعية والفوضى والاعتباطية. وهي في الوقت نفسه الأقل تعصباً والأكثر تسامحاً. فالثقافة الحرّة ليس لها أن تحقق امتداداً إلا في التواصل الإنساني والتعايش، تكرّس الحوار والتفكير الحرّ وسيلةً، ويصاحبها التسامح وقبول الآخر مظهراً لها.
لا تسعى الثقافة الحرّة إلى تأبيد الواقع وتكريس ما هو قائم، بل تتطلع إلى تجاوز العالم الراهن وتخطيه. إنها في العمق تنطوي على قناعة بأن ثمة واقعاً أكثر كمالاً  وجمالاً يمتد وراء الوضع القائم، الذي يبدو ناقصاً من وجهة نظرها، وتعبر عن الثقة بالمستقبل والتفاؤل به.
وتفصح الثقافة الحرّة عن إمكانات تطور هذا الواقع وتقدمه، عبر التشكيك والنقد. إن ما يعدّ نتاجاً لهذه الثقافة يدخل في نطاق الثقافة النقدية، التي تعيد تشكيل أسئلتها وتعيد إنتاج ذاتها في سياق تشكيل الواقع باستمرار. وحينما تصل الثقافة الحرّة  إلى هذه الدرجة من نقد العالم فلا تكون مقيّدة إليه أو تابعة، أو في حالة إمحاء تامٍّ، تنشأ لديها الرغبة في تخطي ذاتها وعالمها الواقعي. فلا تمنح موافقتها الدائمة لأيّ واقعٍ قائمٍ يفترض أنه الأمثل أو ينبغي الاعتراف به على أنه الواقع الصحيح والعقلاني معاً. هنا تقبع معارضة الثقافة الحرّة لكلّ سلطة، أيّاً كانت، أخلاقية، سياسية، دينية، اجتماعية، تسبغ على نفسها القداسة.
© منبر الحرية، 06 سبتمبر/أيلول 2009

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018