شؤون سياسية

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

أثارت وما تزال تثير المسألة التعليمية بالمغرب اهتماما كبيرا في مختلف الأوساط الفكرية والتربوية والسياسية والاجتماعية (من مفارقات هذه المسألة تناولها سياسيا أكثر من مقاربتها سوسيولوجيا أو تربويا) بل وكتبت مؤلفات حولها تسعى لتقديم الوصفات السحرية لأزمة لم تشخص بعد، لكن هيهات أن تصل على سبيل المثال إلى النظرية البورديوزية نسبة إلى بيير بورديو ورفيقه جان كلود باسرون حول التعليم بفرنسا في كتابهما ” إعادة الإنتاج ـ عناصر في سبيل نظرية نظام التعليم ـ، وانتهجت بصددها سياسات مختلفة ومتباينة لعل وعسى أن تنجح في معالجة الموضوع الذي لم يبرح مكانه بالنظر لجزئية الحلول المفضية إلى تكريس تفاقم المشكل الذي لم يكن وليد اللحظة الراهنة بل نتاج تراكم فترات سابقة. إذ منذ الاستقلال والإصلاحات تتنوع وتتعدد غير أنها لم تصل إلى حد إحداث تغيير جوهري في الوضع أكثر مما تمكنت من تعقيد المشاكل الموروثة عن النظام التعليمي السابق (الفرنسي) وعن النظام الاجتماعي من جهة، ومن أخرى نجد غياب التصور الشمولي للإصلاح الحقيقي وحضور المصالح الإيديولوجية ما سيكشف عن الفشل الذريع لهذه المحاولات الإصلاحية عفوا الترقيعية فهو التعبير الأنسب.
إن ما يبدو جليا أن عقارب ساعات الإصلاح قد تعطلت في ورش التربية والتكوين، فكل المؤشرات تدل على أن المسافة تزداد هوة وبعدا بين طموح الخطاب وواقع الممارسة، رغم كون هذا الورش هو ثاني قضية للمغاربة بعد مشكل الصحراء إذ أكد العاهل المغربي محمد السادس في خطبة افتتاح الدورة التشريعية على كون التعليم النافع إلى جانب التشغيل المنتج و التنمية الاقتصادية و السكن اللائق الانشغالات الحقيقية لمغرب اليوم والغد. فكيف إذن يحظى قطاع بكل هذه الأهمية ويأتي في ترتيب التقارير الدولية دون مستوى تعليم غزة التي تعيش تحت الحصار؟ إن إطلاق برنامج استعجالي يرمي إلى”إصلاح الإصلاح” يراه الكثير من المهتمين بالشأن التعليمي مجرد تحيين وإعادة إخراج لنفس سيناريوهات الأداء التعليمي بالمغرب. فلماذا كل هذا الفشل في قضية تنال منزلة مرموقة في أولويات الدولة؟
لن نكون مبالغين إذا قلنا أن البقاء في هذا الوضع سياسة متعمدة من لدن الجهات الوصية على هذا القطاع بالنظر لأسباب عدة نجملها في:
ـ غياب سياسية حقيقة حول حقل التعليم وازدواجية تسييره ما بين وزارة الحكومة ووزارة الظل.
ـ التبعية التاريخية للنظم التعليمية الفرنسية البالية وغير الملائمة للخلفية الثقافية التي غرست فيها بعد استيرادها.
ـ أزمتي المعرفة والمنهج التي تتخبط فيها البرامج والمقررات التعليمية بالمغرب في كل المستويات بدء بالابتدائي وصولا إلى الجامعي.
ـ ضحالة الميزانية المرصودة للبحث العلمي المحصورة عند سقف %0.8 من الناتج القومي مقابل تخصيص دول كالصين ل%9 و أمريكا ل% 7 و جنوب إفريقيا ل % 3 من  الناتج القومي.
أكثر من ذلك فمعطيات من قبيل ترتيب المغرب في الدرجة 126 من أصل 177 دولة في تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة برسم 2007 و 2008، ونسب الهدر المدرسي ما زالت مرتفعة، فأزيد من 400 ألف تلميذ يغادرون أقسام الدراسة سنويا، كما نجد مليونين ونصف المليون طفل خارج الزمن المدرسي. ونسبة الأمية ما زالت تهم %38 من الأطفال في سن العاشرة فما فوق ـ حسب دراسة للسوسيولوجي المغربي عبد الرحيم العطري ـ. تكشف عن نية مبيتة لثبات الوضع واستمراره، إذ كيف يعقل أن تكون هذه الأرقام في دولة تزعم أنها تشتغل على ورش التعليم منذ أزيد من نصف قرن.
“إن ما سمي بالإصلاح الجامعي في نظري كارثة وطنية لأن تبعاتها ستمتد على الأقل من 10 إلى 15 سنة قادمة”، تعود مقولة الدكتور المهدي المنجرة هذه لخمس سنوات مضت لكنها تكشف عن ما سبق وأكدناه. تعد الجامعة قمة نظم التعليم الرسمي ما يجعلها في طليعة المؤسسات التي ستقود حملة تحسين قدرات الإنسان ورفع مستواه، ولكنها تحجم عن القيام بهذا الدور القيادي بالنظر لجملة من العراقيل التي تتخبط فيها من قبيل مشاكل التشارك الانتقائي، التخصص الضيق، إهمال القضايا الحيوية، هشاشة البرامج والمقررات الدراسية، اعتبارها حقلا لتخريج جحافيل المعطلين، انغلاق الجامعة على محيطها الخارجي، أزمة البحث العلمي التي لا تتجاوز استنساخ ما سلف من البحوث، اعتماد الترقية بمعيار الأقدمية بدل معيار الإنتاج العلمي والمعرفي ما يشجع الأساتذة على الكسل والخمول.
هذا ما يخص الشق الأول من المعادلة أما عن الشق الثاني فالواقع أدهى وأمر إذ وصل  مستوى الوعي الطلابي بواقع الأزمة إلى الحضيض، فإذا كانت الحركات الطلابية بالجامعات الغربية قد زعزعت وبشدة العالم المتقدم، فإن انعدام الوعي من جهة و واجبات “الأمن الوطني” من أخرى قد ساهمتا جنبا إلى جنب في تجميد كل تغيير باسم الاستقرار والحفاظ على الأوضاع.
وقبل الختم نرى من نافلة البحث القيام بإطلالة على تصنيف WEBOMETRICS  الخاص بترتيب الجامعات على الصعيد العالمي حتى نتمكن من توسيع نطاق التناول بين المقاربة الداخلية والخارجية. فأحدث تصنيف كان في يناير من هذا العام واضعا أول جامعة مغربية وهي جامعة القاضي عياض بمراكش في الدرجة 3412 عالميا، وهي بالمناسبة أول جامعة مغربية تتوفق في الانخراط بنجاح في نظام الجودة محصلة بذلك على شهادة الجودة “إيزو 9001”. كل هذا أهلها إلى أن تحتل المرتبة 17 على المستوى القاري و 21 على المستوى العربي مع ملاحظة أساسية تجلت في احتلال جامعة كينية للمرتبة 12 إفريقيا متجاوزة  هارفارد إفريقيا( جامعة الأخوين) التي جاءت في المرتبة 29 قاريا و36 عربيا و4571 عالميا.
هذه اللعنة من الأرقام لا تريد أن تنفك عن قطاع من الأهمية بمكان في الأجندة السياسية للبلاد، وذلك ببساطة لكون التقدم في ميدان حيوي كهذا رهين بوضوح الرؤية والالتزام على الصعيد السياسي أولا، والاستقلال الثقافي الذي لا يؤخذ أو يعطى عن الاتفاق الدولي ثانيا.
© منبر الحرية، 15 يوليو/تموز 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20101

تفرز أسئلة وقضايا “الجامعة والمجتمع” في البلدان العربية العديد من الموضوعات الساخنة المثيرة للجدل؛ وهي من النوع الذي ما فتيء يعيي ويشغل تفكير وتأملات الأكاديميين العرب. بيد أن واحداً من أكثر هذه القضايا إثارة للشجون ومدعاة للإهتمام يتشكل من شائكية علاقات الجامعات العربية بالجامعات الأجنبية، الغربية على نحو خاص. واحدة من الملاحظات التي تستحق الرصد والعناية في هذا السياق هي الشعور الوسواسي بـ”دونية” مؤسساتنا الأكاديمية مقارنة بمثيلاتها في الدول الأخرى، الأمر الذي يبرر ما يلاحظ من ظواهر التقييم العالي، والمبالغ به أحياناً، للأساتذة الأجانب ولخريجي الجامعات الأجنبية من الأساتذة المحليين مقارنة بخريجي جامعاتنا. بيد أن الطريف هنا هو أن أغلب القيادات الجامعية المحلية غالباً ما تتحدث عن المستوى العلمي اللائق لجامعاتنا درجة المطالبة بمعادلة الشهادات والمساواة بين الخريجين القادمين من الخارج وهؤلاء المتخرجين من الداخل. ولكن عندما يكون المسؤول الجامعي المعني “على المحك”، فإنه غالباً ما يعمد إلى التفاخر لأنه خريج هذه الدولة الأجنبية أو تلك، متخلياً عن إدعاءاته أن الجامعتين، المحلية والأجنبية، سيان في المستوى العلمي. والدليل على وطأة “عقدة” الأجنبي قد تمثلت مراراً في حالات إعتذار الجامعات العربية عن قبول أساتذة عرب على درجة رفيعة من اللياقة والتدريب الأكاديمي الرفيع للعمل فيها في الوقت الذي يقبل فيه الأساتذة الأجانب كأختيار أفضل على نحو متعام، تجسيداً لـ”عقدة الخواجة”.
لاشك في أن لهذه الظواهر ما يبررها من الأسباب، ذلك أن الجامعات الأجنبية (من نواحي الإنجاز والتاريخ الأكاديمي) متطورة للغاية مقارنة بجامعاتنا العربية التي تعد فتية نسبياً، لا تزيد أعمار أقدمها عن قرن واحد من الزمان في أفضل الأحوال، إذا ما إستثنينا مفهوم “المدرسة” التقليدي الموروث من العصر العباسي وما تلاه. بيد أن هذه الحال لا تعفينا من المعضلات التي إنبعثت من تعقيد العلاقة بين مؤسساتنا الأكاديمية ومكافئاتها في الدول الأخرى، خاصة بعد أن صار هذا الموضوع مثيراً للجدل الساخن بسبب الحساسيات من كل ما هو أجنبي، الأمر الذي أحال هذه القضية إلى نوعين من الإستجابة، هما: (1) الإستجابة الإنغماسية؛ (2) الإستجابة الإنكماشية. في الحالة الأولى، يدعو خريجو الجامعات الأجنبية إلى “الإستنساخ” أو المحاكاة المتعامية التي تقود مؤسساتنا الجامعية لأن تكون نسخاً مكررة للمؤسسات الأكاديمية الأجنبية. وبهذا تظهر لنا الجامعة في البلدان العربية وكأنها عضو غريب مستزرع أو منقول إلى أرض عربية لا تمت إليه بصلة، فهو يخشاها ويرفضها ويقاومها. أما في الحالة الثانية، يدعو بعض المنظرين الأكاديميين، المنغمسين حد الرأس بالمحلية وبالتراثيات، إلى “نسخ” التجارب الأجنبية والإمتناع عن محاكاتها بوصفها تجارب غريبة لا يمكن أن تناسب المجتمعات والتقاليد المحلية. وهكذا كان الإرتطام بين الرأيين والرؤيتين، متبلوراً في عدد من المحكات والمحطات التي أعيت الحياة الجامعية في العالم العربي عبر عقود طوال من الزمان وتركت آثارها حتى اللحظة.
واحدة من هذه المحكات المنطوية على التنافر بين رؤيتي النسخ والإستنساخ تتجسد في حركة “تعريب المناهج” الجامعية التي، كما يبدو على السطح، كانت من أهم المهمات الملقاة على عاتق المؤسسات الأكاديمية العربية بعد تحقيق الإستقلال السياسي. ففي الوقت الذي إندفع فيه العديد من القياديين الجامعيين والمنظرين العرب إلى تطبيق التعريب (إعتزازاً باللغة وبالتقاليد القومية)، ذهب البعض الآخر من خريجي الجامعات الغربية إلى ضرورة الإبقاء على اللغات الأوربية (الإنكليزية في المشرق العربي، والفرنسية في المغرب العربي) كوسيلة للتدريس وللدراسة وللبحث العلمي في جامعاتنا. وكانت النتيجة فوضوية بدرجة مقلقة: في الحالة الأولى، أدارت مجامع اللغة العربية والمؤسسات الترجمية في العواصم العربية عجلاتها بكل طاقاتها لتعريب المناهج والكتب الدراسية من الفيزياء إلى الطب، الأمر الذي إنتهى إلى ظهور العديد من هذه الكتب على نحو فوضوي مشوه وغير موحد بين الجامعات العربية نظراً لسيادة التشبث الفردي ولغياب لجنة مركزية لتوحيد المصطلح العلمي والفني وللإتفاق على تعريب وصياغات تشمل جميع الكليات والأقسام. زد على ذلك بروز مشكلة اللغات الأجنبية بين الطلبة العرب الذين يعانون أصلاً من صعوبات تعلمها منذ نعومة أظفارهم. وقد أدت هذه الحال إلى صعوبة إبتعاث خريجي بعض الجامعات العربية للدراسة في الجامعات الأجنبية بسبب المعوقات اللغوية والتمايزات الثقافية، علاوة على تعقيدات الإتصال بالمؤسسات الأكاديمية الأجنبية وصعوبات مواكبة الجديد في حقول العلم والثقافة، البحث والإستقصاء.
ولكن من ناحية ثانية، بقيت بعض المؤسسات الأكاديمية في العالم العربي متمسكة باللغة الأجنبية في الكتب المنهجية وفي الحاضرات وكتابة الأطروحات والبحوث العلمية، الأمر الذي أدى إلى نوع من التباعد بين الحقول العلمية الأكاديمية وبين الحقول الحياتية والإجتماعية التطبيقية. لقد كان حاجز اللغة من أهم العوائق التي شابت تقوية العلاقة بين المجتمع والجامعة. وهكذا سقط العديد من هؤلاء الأكاديميين في مأزق الإغتراب، حيث صارت الكلية أو القسم الدراسي “قلعة” محصنة منفصلة عمن يبحث عن فوائدها وجدواها ومردوداتها الإجتماعية العامة.
وإذا كان موضوع “التعريب” نموذجاً يستحق الرصد والمعاينة، فإن هناك أمثلة كثيرة تعكس تعقيد العلاقات بين مؤسساتنا الأكاديمية وبين مكافئاتها الأجنبية. بيد أن هذا لاينبغي أن يعمي المرء عن حقائق كونية المعرفة universality التي إشتقت لفظة “الجامعة” university منها، الأمر الذي يفرض علينا الإتصال والتواصل مع الآخر للإفادة من المؤسسات الجامعية الأجنبية لإغراض تبادل المعارف والتجارب والتراكم المعرفي والبحثي. إن المؤسسات الأكاديمية العربية بحاجة إلى تأسيس “شراكات” مع الجامعات الأجنبية لبلوغ المستويات العلمية الدولية وللحصول على الإعتراف العالمي بالشهادات الممنوحة لخريجي الجامعات المحلية. هذا ما لا يمكن أن يتحقق من غير مد جسور التعاون مع الجامعات الأجنبية ومع المنظمات الأجنبية المختصة في هذه الحقول من أجل تكريس دور الجامعة في تطوير الموارد البشرية والكوادر الإختصاصية والعالية المهارة. لذا ينبغي لإستراتيجيات التعليم العالي العربية التفتح على الإبتعاثات العلمية من ناحية، وعلى إستقبال الأساتذة الرفيعي المستوى لإلقاء المحاضرات وإجراء التطبيقات أمام الطلبة المحليين، علاوة على الإهتمام بـ”ورشات التدريب” للأكاديميين وللإداريين الجامعيين المحليين في الجامعات الأجنبية. إن تبادل الزيارات بين الأساتذة وإرسال مجاميع من الطلاب المتفوقين في دورات قصيرة أو متوسطة المدى ستصب في هدف الإتساق والتناغم بين ما يجري “هنا” وما يجري “هناك” . ومن أجل تعظيم الفوائد من تجارب الجامعات الأخرى، تظهر أهمية إستقبال معارض الكتب والمطبوعات والمجلات العلمية التي تصدرها دور النشر الجامعية العالمية كي تفتتح في كلياتنا وأقسامنا العلمية. وبضمن هذه الأنشطة تظهر أهمية إتفاقيات التعاون العلمي والأكاديمي بين الجامعات المحلية والجامعات الأجنبية، حيث إن مثل هذه الإتفاقيات تقوي التبادل المعرفي والتفاعل الأكاديمي عن طريق تبادل الزيارات العلمية وقيام أساتذة أجانب بالإشراف على باحثي الدراسات العليا المحليين، والعكس صحيح. وأخيراً، تبرز الآن ظاهرة “التوأمة” بين بعض الجامعات العربية وبين جامعات أجنبية كبرى، إذ تؤول هذه العملية المهمة إلى تحقيق وبلوغ شيء من التوازي في المستويات العلمية ومخرجات الأداء والكفاءة.
ولكي لا تثير مثل هذه الأفكار حفيظة المحافظين، فإنه من المفيد تجنب فتح “فروع” لجامعات أجنبية في بلداننا، بيد أن هذا لا يعني منع تأسيس جامعات محلية/أجنبية، جامعات تحاول الإفادة من معطيات التقدم الذي أحرزته الأكاديميات الأجنبية دون التضحية بسجايا الثقافة المحلية والهوية الوطنية، من الدين إلى اللغة.
© منبر الحرية، 23 يونيو/حزيران 2009

حواس محمود16 نوفمبر، 20100

يعتبر موضوع الجيش من القضايا الأساسية في العالم العربي والتي تترك ظلالها التأثيرية الكبرى على مسيرة تقدم وتطور المجتمعات العربية، وذلك لحساسيته وأهميته في التأثير على استقرار وتنمية هذه  المجتمعات.  باديئ ذي بدء تحدد ” مهمة الجيش في الدفاع عن الوطن والمحافظة على سيادة وحماية الدستور والقانون، ويستبعد استخدامه في حل المشاكل والنزاعات الداخلية، ولتحقيق هذه المهمات من الطبيعي أن يكون موقع الجيش داخل الثكنات العسكرية وأن تنحصر واجباته في الدفاع عن الحدود وأرض ووحدة الوطن، وبذلك يصان النظام الديمقراطي ويحمي من مخاطر الجنوح نحو السلطة والتآمر  ” العميد  نجيب الصالحي – الجيش والتحول الديمقراطي في العراق.
ولكن الجيش لم يحافظ على مهمته الأساسية والوحيدة ( الحفاظ على أرض وحدود وسكان الوطن) وإنما تعدى ذلك إلى الدخول في المنازعات والحروب الداخلية والأهلية في أكثر من قطر عربي وشرق أوسطي، وظاهرة الانقلابات العسكرية ودخول الجيش في معترك السياسة ظاهرة معروفة في العالم العربي.  إن ” ضعف الحياة السياسية وحداثة السلطة الديمقراطية وبروز الفئات الوسطى المدينية والفلاحية وبخاصة في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم قد أدى إلى ابراز المؤسسات العسكرية الأقوى القادرة على التغيير، فنشأت الانقلابات العسكرية الناجحة والفاشلة – كما يراها د. أحمد برقاوي – كما أنمت دوره في الحفاظ على على السلطة القائمة، وهكذا صار الجيش جزءا أساسيا من الحياة السياسية ليتحول في النهاية إلى محدد لمصير السياسة فاختلطت لديه المهمة الوطنية في الحفاظ على السيادة والمهمة السلطوية في الحفاظ على السلطة وتكونت النخبة العسكرية التي استلمت السلطة في النهاية ”  أحمد برقاوي – الحرية والديمقراطية – ورقة نقاشية .
والمسألة لم تقف عند حدود الخمسينات والستينات وإنما استمرت إلى أيامنا الراهنة بالرغم من فشل الجيوش العربية في معاركها مع اسرائيل ابتداء من حرب 1948 إلى حرب 1967 وحتى أحداث  غزة الأخيرة إذ لم تقم الجيوش العربية بأي دور خارجي ناجح فهي إما أن تخوض الحروب وتخسر أو لا تخوض الحروب بالمطلق.
وما يلفت النظر حقا أن الجيوش العربية تتدخل في الشؤون الداخلية والمنازعات الأهلية بحيث تبتعد الحلول السياسية للعديد من القضايا الداخلية المتعلقة بالحريات والإثنيات والاقتصاد والتنمية والبطالة، فحتى تظاهرة سلمية للمطالبة بلقمة الخبز يمكن لها أن تقمع بالجيش إذا خرجت عن السيطرة الأمنية.
و يمكننا الاستشهاد بحالات واقعية حدثت في العالم العربي وتركت آثارا سلبية ضارة على مستقبل عدة أقطار عربية ففي العراق حدثت حروب داخلية ( وخارجية) كثيرة مما أنهك الجيش العراقي بفضل سياسات خاطئة وذلك باقحام هذا الجيش في منازعات داخلية مزمنة وغير محسوبة العواقب وكانت النتيجة الغزو الخارجي واحتلال العراق وما آل اليه الشعب العراقي من تكبده لخسائر كبيرة ومما أحدث من آثار كبرى بالترافق مع تنامي ظاهرة الإرهاب والتطرف والتفجيرات وتنامي الطائفية السياسية والمذهبية  وكذلك ما حدث في السودان  من تدخل الجيش في الجنوب السوداني، وما حدث في دارفورووقوع مجازر كبرى هناك أدى إلى إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير بتهمة ارتكابه جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وما أحدث ذلك من ضجة  سياسية وإعلامية إقليمية ودولية  قوية لا زالت أصداؤها تتردد وتترك بصمات تأثيرية على مستقبل السودان واستقراره في المديين القريب والبعيد.
ولا ننسى الصومال واليمن وغيرها من الدول العربية التي يأتي تدخل الجيش في الشؤون الداخلية لها ليفاقم الأزمات الداخلية عوضا عن النأي بالجيش عن هذه المنازعات، والاعتماد على السياسة والحوارات السياسية في حل هكذا منازعات  يرى الدكتور طيب تيزيني أن الجيش أراد أن يقوم بوظائف الأحزاب والقوى السياسية المجتمعية فأخفق في وقت حشر فيه كذلك موقعه السابق، خسر الموقع العسكري وأخفق في الإجابة عن المسائل الاجتماعية الجديدة، وبدأت المجتمعات العربية تعيش هذه الحالة المضطربة : مجتمع عسكري لا ينتج عسكريا ولا مدنيا.
وهكذا نرى كيف أن الجيش  أصبح الآن صمام الأمان للأنظمة العربية بحيث يعتبر مطرقة هذه الأنظمة مرفوعة على الشعوب التي ضحت في معارك النضال والاستعمار والصهيونية وأدت واجباتها كاملة ولكنها فقدت حقوقها في التنمية والتعليم والمشاركة السياسية والاجتماعية والإعلامية وهي إن فكرت في أي تحرك مدني أو نهضوي تواجه بالجيش لقمعها بدلا من أن يكون هذا الجيش حاميا لها من التحديات والتدخلات الخارجية مما أوقع المجتمعات العربية في حالة من الركود النهضوي والنوم الثقافي والبؤس السياسي فأضحت غير محمية حتى من القوة الأساسية التي من المفترض أنها أنشئت لحمايته وهي “الجيش” .
© منبر الحرية، 08 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

تنقسم القمم على خلفية الهدف المرجو منها إلى ثلاثة أقسام،1. قمة مصارحة و هي الأبدى بين القمم،2. قمة مصالحة هي تعلن بصراحة عن وجود خلافات تسعى لحلها
و كلاهما تؤتى منهما الثمار، 3. قمة مصافحة و بوس اللحى و هي التي لا تؤت ثمار لبذور لم تغرس قط.
هنا يجب الحديث عن جدوى القمم العربية و أهمية انعقادها بشكل دوري.
القمة هي الآلية الكبرى التي تعتمد المحور السياسي و الاقتصادي و الأجتماعي و انعقادها بشكل دوري ضروري لإدارة الملفات المستجدة على كافة المحاور السابقة.
و لكن هل القمم العربية تفعل هذا الدور المنوط بها ؟
يتضح هذا من خلال مقارنة بين القمة الأفريقية و القمة العربية اللتان بدأتا دوريات انعقادهم في نفس الوقت، في حين انعقدت 39 قمة أفريقية انعقدت 21 قمة عربية حقيقة لا تحتاج لتعليق ! و في مقارنة أخرى بين قمة انشاص عام 46 التي خرجت بنتائجها غير المعلنة عن حضور سبع دول عربية و قرار ظل طي الكتمان حتى عام 48.قمة 63 التي لفت فيها الرئيس المصري عبد الناصر أنظار العالم العربي عن خطورة تحويل مياه نهر الأردن لصالح إسرائيل، هذه قمم سجلت في ذاكرة التاريخ فماذا عن قمة الدوحة الأخيرة؟!
إدارة الخلافات بدلاً من المصالحة العربية !
تمثيل عربي على أعلى المستويات و غياب الشقيقة الكبرى !
تمسك بمبادرة السلام العربية المطروحة على طاولة المفاوضات لست أعوام على التوالي بشكل لم يعد يصلح للتصديق عليها أو إغفالها !
صعود سوداني.. هبوط فلسطيني !
المصالحة العربية كانت عنواناً عريضاً لهذه القمة و خيار لا بديل عنه لدول الحضور و الخلافات كانت أعمق من قمة لم تتعدى الملاسنة و بوس اللحى إلى عرض حقيقي للمشكلات و محاولة البحث لها عن حلول فخرجنا بأضعف الإيمان على لسان الرئيس السوري الأكثر صراحة في هذه القمة معلناً إدارة الخلافات أضعف الإيمان.
ما عن القضية الفلسطينية التي كانت محوراً لكل القمم العربية السابقة فقد توارت كثيراًُ في هذه القمة خاصة و لم يحدث تصالح فلسطيني فلسطيني كما كنا نأمل قبل انعقاد هذه القمة.
و كان غياب الشقيقة الكبرى الحدث الذي لم نجد له مبرراً مقنعاً عن هذه القمة التي حرص جميع الزعماء العرب على التواجد فيها لماذا ؟ هل هكذا تعاقب الشقيقة الكبرى أشقائها الأصغر ؟! ما هي الرسالة التي توجهها مصر بهذا الغياب و إلى من؟
غياب مصر في أجواء تصالحية كما يبدو للوهلة الأولى غير مبرر و لكن من يجيد قراءة ما خلف الكواليس يجد أن الشقيقة الكبرى أرادت بهذا الغياب عقاب الأشقاء الصغار على عرقلة سعيها في حلول بعض القضايا الأقليمية و التلاسن الإعلامي الذي طالها و لكن هل في السياسة يوجد كبير و صغير أم أن من يتحمل دوره يستحق الاحترام ؟ و هل الغياب الطريقة المثلى لحل الخلافات ؟
تعاني منطقة الشرق الأوسط من فراغ في الأدوار الأقليمية و تكالب من بعض الدول على سد الثغرات دون تحديد للأدوار و من هنا بدأت المشكلة التي أججتها قطر بدورها الكبير في زيادة مساحة الخلاف الفلسطيني الفلسطيني و محاولتها دحض الدور المصري في إدارة ملف غزة، دعم التدخل الإيراني في الملفات العربية الساخنة في الوقت الذي مازالت مصر تعمل بنظام اقليمي عربي يحافظ على آليات الجامعة العربية و لا يقبل التدخل في شئون القطر العربي التي تتحمل العبء الأكبر في حلها إلا في صورة أدوار تكميلية و ليست تدميرية لدورها و سيادتها التاريخية.
فيما كانت كلمة د.مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والبرلمانية نائباً عن الرئيس المصري رسالة عتاب موجهه حين قال ( نحن مع دعم الإعلام المسئول الذي يلتزم الحقيقة في مادته الإعلامية و ينأى بنفسه عن ترديد الشائعات )
و أشار في رسالة أخرى إلى ضرورة تفعيل آلية القمم المصغرة و فق قواعد جديدة حتى لا تتحول إلى آلية لنفخ جذوة الخلافات العربية المشتعلة.
في الوقت الذي تنتهج فيه مصر آلية الجولات المكوكية أو القمم الصغيرة لإيمانها بأنها تحل كثير من الخلافات التي لا يمكن طرحها على مائدة مفاوضات قمة مارس من كل عام.
فيما نتوقع جولة مكوكية قريبة لتصفية الخلافات تجمع أمير قطر و رئيس سوريا مع مصر و السعودية صاحبتا التمثيل الدبلوماسي الأقل في هذه القمة.
فيما تضمنت كلمة د. مفيد شهاب رسالة أخرى تطوي بداخلها طرح قضية التعريب في كلمة صريحة موجعه متطلعة للمستقبل ( إحدى جارات العالم العربي دخلت عالم الفضاء )
أما عن الملف الرئيسي لهذه القمة و هي مبادرة السلام فما جدوى هذه المبادرة التي يبدو بشأنها كل هذا الخلاف في ظل سياسة التهويد و الاستيطان الإسرائيلية ؟ و المرحلة الصعبة التي ستقبل عليها ملفاتنا العربية المفتوحة مع إسرائيل في ظل القيادة اليمينية المتشددة للحكومة الجديدة و حفائر المسجد الأقصى التي لم تتوقف ؟ و لكن هل سحب المبادرة مناسب في هذا التوقيت ؟ و ما هو البديل ؟
يقول المحللون السياسيون أنه في ظل تغير نظرة العالم الغربي لإسرائيل و تشكك أمريكا المعلن في إمكانية تحقيق تقدم في قضية السلام مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة ستقدم هذه المبادرة العرب للعالم كدعاة سلام و ستصبح غطاء لمطالبنا المشروعة.
لكن الواقع له حديث آخر فنظرة العالم الغربي التي يشار بتغييرها لن تغير في مواقفه التي يتبناها تجاه العالم العربي الكثير لأن المسألة تدخل فيها التوازنات السياسية و الأقتصادية و لا مجال فيها للجانب العاطفي الذي يعول عليه المحللون في ضرورة التمسك بهذه المبادرة.
كما أن هناك حقيقة لا تقبل الشك في أن هذه المبادره المثار حولها الخلاف لم تعد تصلح الآن حتى على مستوى إدارة الخلافات العربية بعدما اخفقت في تحقيق حلم المصالحة بالأقتراب من الملفات الرئيسية و الاتفاق على الحدود الدنيا لحلها و أصبح لزاماً علينا الآن تبني موقف عربي موحد وفق تصورات عربية جديدة تتفق و الموقف المتأزم الذي تمر به المنطقة و تتلامس مع المتغيرات العالمية الجديدة بتقديم أجندة أقتصادية و سياسية موحدة تجبر العالم على خيار السلام، تجبره لا تستجديه فهل نحن قادرون على تقديم مثل هذه الأجندة أم سنظل نتفق و نختلف حول عبارة السلام خيار إستراتيجي العبارة مطاطة التي تحمل أي معنى حقيقي و التي تبنتها الاتفاقية في أول بنودها ؟!!!!
© منبر الحرية، 31 مايو 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

أذهلَ قاض ٍ سعودي مؤخرا العديد من السعوديين، كما صَعَقَ الرأي العام العالمي، من خلال إتمامه عقد زواج بين طفلة تبلغ من العمر ثمان سنين ورجلٍ عمره سبعة وأربعون عاما. فقد ذكّر ذلك الحُكم الرأي العام بممارسة مقيتة لطالما كانت متوارية عن الأنظار، وبعيدة عن النقد العام والمناقشة العلنية.
لم تكن تلك القضية فريدة من نوعها. فهناك قضية أخرى في اليمن هزّت الرأي العام مؤخرا، حيث طالبت طفلة تبلغ من العمر عشرة أعوام المحكمة بالطلاق، بعد أن أجبرها والداها على الزواج من رجل يبلغ الثلاثين من العمر، استغّل هذا الامتياز الذي حصل عليه بموجب عقد الزواج ليغتصبها وينتهك شرفها. إنه لمن المخزي أن يُسمح بحدوث مثل هذه “الزيجات” القسرية الفاضحة. ومع ذلك، فإن المطلعين على الأنظمة التعليمية في العالم العربي لم يتفاجأوا.
إن الأنظمة التعليمية المخزية التي تقمع التفكير النقدي السليم هي التي جعلت مثل هذه الممارسات الرجعية تتواصل دونما رادعٍ، تتحصن خلف النظرة الدينية المحلية الضيقة الغير الخاضعة للتحقيق. إن مثل هذه الأحكام  و نظيراتها  في العربية السعودية ما هي إلا نتائج للنظام التربوي الفاشل.
لقد فشلت بعض المجتمعات العربية، وبشكل بائس، في خلق أجيال معدّة أعدادا جيدا، لتكون قادرة على اللحاق بركب العالم بشتى مجالاته. فالمناهج التربوية الدينية في السعودية، التي تزاوج إستظهار النصوص وحفظها عن ظهر قلب مع القبول السلبي للممارسات القبلية بلا نقد ولا مراجعة، هي التي أدت إلى تخلف البلاد. فهي لا تهيأ الطلبة لمواكبة  الحداثة والسير  في ركبها، ولا تأهلهم للإسهام الفعّال والمنتج في المنظومة الاقتصادية العالمية.
وعلى الرغم من سيل المليارات تلو المليارات من أموال النفط التي تُنفق على النظام التعليمي العام، لا يزال الطلبة السعوديون يقبعون وبشكل مستمر في أدنى المراتب ولا سيما في الرياضيات والعلوم.  والمذنب الأكبر الذي يتحمل وزر هذا الأمر هو القمع؛ قمع التفكير النقدي، فضلا عن قلة التعاطي مع الرياضيات والعلوم. فالمحصلة هي ضياع استثمار كبيرٌ  في البنى التحتية للتعليم العالي وعدم إتيان أكله. يبدو الأمر كما لو أن الدولة قد اشترت أحدث  جهاز الحاسوب، ولكنها أهملت برنامج الاستعمال المناسب لتشغيله.
تفشل معظم الأنظمة التربوية العربية في إعداد خريجيها للحياة العملية الإنتاجية. فيتخرج في كل عام آلاف الطلبة من الجامعات بشهادات في الشريعة الإسلامية أو الأدب العربي. ولكن السواد الأعظم من هؤلاء الخريجين سيلتحق بصفوف البطالة، أو سيشعل مناصب لا تناسبه، أو يوَظّف في القطاع الحكومي المترهّل، مما يسهم أيضا في ضعف الأداء الحكومي الذي يعاني مسبقا من عدم الكفاءة. لقد أُضعفت وروح المبادرة والاستقلال و التفكير الذاتي التي تعتبر الدعائم الأساسية لإذكاء روح المقاولة والممارسة الديمقراطية. فلا عجب إذن من أن يقوم القضاة بالحكم على الفتيات البريئات بمثل هذه المصائر المفجعة.
على العربية السعودية وغيرها من الدول العربية أن تنظر إلى سياسات الولايات المتحدة والهند التي حوّلت التعليم وجعلت منه قوة فاعلة وأساسية في تحقيق النمو الاقتصادي.
أوضحت كلاوديا غولدن ولورنس كاتز من جامعة هارفارد أن العائدات الاقتصادية للاستثمارات التعليمية هي عائدات ضخمة. إذ يكسب خريجي الجامعات، في الأنظمة التعليمية الموائمة لسوق العمل، عائدات جيدة جراء استثماراتهم للمال والوقت اللازمين. كما أن رغبة الأمريكيين في الاستثمار في الرأسمال البشري، نخبة كانوا أم عامة الشعب، حفّزت الإزهار الأمريكي وسارعت وتيرته. ولكن المفتاح لم يكن كمية الاستثمار فقط، بل في التفكير النقدي الموضوعي الذي جعله ذلك الاستثمار ممكنا. وعلى العكس من ذلك، نجد أن العربية السعودية تُغدقُ الإنفاق على التعليم العام المجاني، بهدف إدامة نوع من المعتقدات الدينية التقليدية التي يقوم بتدريسها معلمون ضعفاء الإعداد.
لقد أدى استثمار الهند في التعليم إلى انتشال مئات الملايين من البشر من حالة الفقر المدقع عبر نمو اجتماعي حقيقي مثير للإعجاب.  فقد قالت رئيسة الوزراء الهندية الراحلة إندريا غاندي: “إن التعليم هو قوة مُحررة، وفي عصرنا هذا هو قوة دفع صوب الديمقراطية أيضا، فهو يتخطى حواجز الطبقات والفرق والطوائف، مما يخفف من حدة التباينات التي تُفرَضُ بالولادة و عبر إكراهات أخرى ” غير أن تلك القوة المُحرِّرَة لم تكن تلقى تمويلها من الدولة فقط، كما لاحظ جيمس تولي من جامعة نيوكاسل في بحثه الميداني وفي كتابه الأخير الموسوم  الشجرة الجميلة. فقد استثمر الفقراء بشكل كبير من مواردهم الشحيحة ليؤمّنوا التعليم الملائم لأطفالهم. فكانت إحدى ثمار هذا التعليم الموجه صوب المهارة والتفكير النقدي هي نمو الصناعات التكنولوجية المتطورة في الهند، وهو فرصة لم يكن أحدا يحلم بها قبيل أعوام قليلة.
إن المهمة التي تواجه العديد من البلدان العربية هي الإقرار بأهمية التعليم وأولويته على التدريس المجرد. وليس السر في إنفاق المزيد من المال. فالكيمياء لم تفشل نتيجة نقص في الاستثمار في الأكاديميات المتخصصة بعلم الكيمياء. والمناهج التربوية التي تركّز على الحفظ والاستظهار و النقل لا بد من إصلاحها لكي تسمح بالتفكير النقدي الدي يعتبر عنصرا أساسيا للتخلص من براثن التخلف.  كما أن هذا الأمر نفسه ينطبق على تخلّف النظام القضائي و على التخلف الاقتصادي. فالإصلاح العميق والمتأني – الذي لا يقتصر على الجانب المالي فحسب بل يضع نصب عيناه  التفكير النقدي الحر – يمكن أن ينتج قضاة حكماء. أما الاستظهار فلا ينتج و يكرس سوى التخلف.
* تنشر هذه المقالة بتعاون مع صحيفة ذي ديلي ستار.
© منبر الحرية، 16 مايو 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

لا تختلف الشعوب على أهمية التعليم العالي. به تربعت أمريكا العالم قلبا وقالبا، ومن خلاله انطلقت نمور الشرق واعتمدت عليه دول أوربا في تقدمها. إن سياسات التعليم الجامعي تؤثر وبشكل كبير في حراك التنمية ومستوى الفكر والمعرفة الثقافية والاجتماعية لدى الأفراد، وهو في السنوات الأخيرة نقطة انطلاق لكثير من الدول النامية في أنحاء العالم. أما في السعودية مثلاً وبالرغم من ميزانيات التعليم التي تلتهم النصيب الأكبر من ميزانية الدولة إلا أن نتائج السياسة التعليمية لا ترقى إلى حجمً تلك الميزانيات و الاستثمارات.
تطرح السعودية كنموذج تعليمي العديد من علامات الاستفهام. حين تخرج المدارس الثانوية كل عام مايقارب 300 ألف طالب وطالبه وبارتفاع سنوي يقترب من 4.3%، في حين لاتزال أعداد الجامعات 20 جامعة حكومية نصفها حديثة التأسيس  و12 جامعة أهلية أخرى تتركز في المدن الرئيسية الثلاثة ( الرياض – جدة – الدمام). هذا مقارنة مع بلد كالأردن الذي يستقطب بجامعاته ال40 كل عام الطلاب بسكانة لا تتجاوز 5 مليون نسمة أو دولة البحرين كمثال آخر، والتي تحوي 20 جامعة أخرى بتعداد سكان يقارب 600 ألف نسمة.
لا تكون التنمية إلا بجيل مسلح بالعلم، والعلم الكفء فقط، جودة التعليم التي تعطي الطالب الرغبة في التخصص والانطلاق في الإبداع والدعم اللا محدود ومصادر التعلم المتنوعة ومواكبة للعصر. إن جولة سريعة في جامعاتنا تكفي عن استيعاب واقعها المزري. وتجدر الإشارة هنا إلى تحول نسبة كبيرة من الجامعات إلى مصادر تلقين أو تدجين بعيداً عن أساليب الاقتناع العملي الحر، والأسئلة المتلاحقة، وأفكار البحث العلمي المعروفة، وقد لا أنسى ترتيب الجامعات العربية في الترتيب العالمي.
وبالنظر إلى كل هذا، نجد أن الضرورة ملحة لوضع عدد من البرامج والنقاط  للمساهمة في حل هذه المعضلة منها :
1-     فصل المشاريع الجامعية الكبرى ضمن مشاريع وطنية مستقبلية بعيدا عن روح البيروقراطية والمنهجية ينطلق من خلالها مبادرات فعالة و مستدامة
2-     تنشيط إدارات التعليم الجامعي الأهلي بوزارات التعليم العالي في استقطاب الجامعات العريقة لفتح فروع لها وتقديم الدعم المادي والمعنوي والاستثماري لهذه الجامعات ( جامعة مريلا ند استقطبتها دول في أربع قارات خلال سنتين – جامعة الأمير محمد بن فهد في السعودية بدأت العام 2007 باستقطاب خبرات أكثر من 20 جامعة أمريكية ).
3-     هيكلة السياسة التعليمية وجعلها مؤهلة و قادرة على استقطاب رؤؤس الأموال للاستثمار في مشاريع تعليمية مربحة حين نرى أن جامعة هارفارد تستحوذ على أموال وسندات واستثمارات تفوق 25 مليار دولار ولا ننسى ربط هيئات الاستثمار كعضو فعال في هذا المجال.
4- الاهتمام بجودة التعليم عبر توفير مراكز بحث علمي ومنشات ومراكز خدماتية ومكتبات وغيرها.
5- الاستفادة من خبرات إدارات التدريب على المهن والأعمال الفنية الدقيقة في مجال دعم معاهد القطاع الخاص وانتشارها.
6- الاهتمام بمفاهيم التعليم المفتوح والتعليم عن بعد وفتح المجال أمام العديد من موظفي الدول والقطاع الخاص لاكتساب المعرفة وصقل المواهب.
7- مجاراة فرص العمل في طرح برامج تعليمية عملية تواكب هذه الفرص.ً
إن التجربة الماليزية والهندية والصينية والايرلندية والفنلندية وغيرها  لهي أمثلة لدول نامية حققت انجازاتها من خلال اهتمامها بتعليمها ككل وتعليمها الجامعي بشكل خاص في عالم ينتظر منا ليس التقدم ولكن التقدم بأسرع ما يمكن.
© منبر الحرية، 16 أبريل 2009

حواس محمود15 نوفمبر، 20100

في  حين  تسير مجتمعات عديدة في العالم  باتجاه الارتقاء بمستويات التطور والتقدم في شتى مجالات الحياة المعاصرة، مستخدمة أحدث تقنيات التكنولوجيا والمعرفة والاتصالات ومستفيدة من أجواء الحريات العامة بما فيها حريات الابتكار والاختراع والحريات الأكاديمية. أقول في حين تسير هذه المجتمعات بهذا المنحى الصعودي باتجاه التقدم والتطور نجد أن المجتمعات العربية لا زالت تراوح في أماكنها بسبب الحالة السياسية الموجودة في هذه المجتمعات، والتي تكبل مستويات التطور والتقدم وتؤخر التنمية الثقافية وغير الثقافية بقيود وموانع وعراقيل عديد فتأتي النتائج سلبية عموما، ما عدا ايجابيات ببعض النقاط والجوانب في هذه الدولة العربية أو تلك.
يأتي قولنا هذا بمناسبة صدور التقرير الثاني للتنمية الثقافية العربية، والذي يصدره مؤسسة الفكر العربي، والذي يعده ويشرف عليه رهط من الخبراء والأساتذة والمثقفين العرب المختصين بمجالات التناول والبحث.
التقرير يتناول خمسة ملفات أساسية على صلة وثيقة بمؤشرات التنمية الثقافية في المجتمعات العربية ومستوى تطورها، والمحاور الأساسية في التقرير هي: المعلوماتية، الإعلام، التعليم، الإبداع، الحصاد السنوي.
في المحور الأول “المعلوماتية أفق بلا حدود للتنمية”: يشير التقرير إلى الفجوة الرقمية التي تعيشها  الدول العربية على مستوى البنية المعلوماتية وحجم الحضور العربي على الشبكة العنقودية، هنالك إشارة إلى تفوق الإمارات العربية المتحدة عربيا لجهة استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات في المكاتب والمدارس والدوائر الحكومية وأعداد  المشتركين، واحتلت المركز الخامس عالميا طبقا للمؤشرات الخاصة بمستوى تقنيات المعلومات والاتصالات في قائمة أولويات الحكومات العربية،  كما أن التقرير أظهر أن الكويت هي الأولى عربيا و 37 عالميا في معدل براءات الاختراع وحرية الصحافة، في حين احتلت السعودية المركز الأول عربيا والسابع عالميا وفقا لمؤشر القدرة على الإبداع والابتكار، والمركز الأول عربيا والثامن عالميا في مؤشر الإنفاق على التعليم، وجاءت قطر الأولى عربيا وفي المركز 25 عالميا لجهة مدى توافر الخدمات الحكومية عبر الانترنت، وسورية الأخيرة عربيا وفي المركز 131 عالميا، وقطر الأولى عربيا وال16 عالميا في مؤشر جودة النظام التعليمي وقدرته على دعم احتياجات التنمية، واحتلت تونس المركز الأول عربيا وال28  عالميا في مؤشرات مدى إقبال الشركات والمؤسسات داخل الدولة على تمويل البحوث، أما مصر فجاءت الأولى عربيا وال36 عالميا لجهة استخدام الانترنت  تجاريا، ويشير التقرير إلى أن كل عشرة أشخاص من مائة شخص يستخدم الكمبيوتر وأن 55 مليون شخص يستخدم الانترنت بصورة أو بأخرى، كما يشير التقرير إلى ضعف المواقع العربية في مجال نشر الثقافة العربية والتراث العربي، والى ضعف مماثل في مواقع التعليم الالكتروني والمكتبات الرقمية والأدب والفلكلور والى ضعف آخر في محتوى مواقع البحث العلمي على شبكات الانترنت، ويلحظ الغياب الواضح لمعظم الصيغ التفاعلية مع المواقع الرسمية لوزارات الثقافية والجهات الرسمية، إذ أن الزائر إلى  العديد من  عناوين المتاحف عبر الانترنت يرى أنها تحولت إلى مواقع دعائية إعلانية لا علاقة لها بالمحتوى المتاح. ويخلص التقرير إلى التأكيد على عدم إمكانية إنتاج مجتمع إيجابي ومشارك في الشأن العام وهو يعاني فجوة معرفية ومعلوماتية، مؤكداً أن المجتمعات التي سجّلت تقدماً فعلياً على صعيد حرية الوصول إلى المعلومات وتداولها، هي نفسها التي سجّلت تقدماً في توظيف تقنية المعلومات كأداة من أدوات التنمية الثقافية. مشدداً على ضرورة تطوير المواقع الثقافية العربية وتطوير الخطاب الثقافي الرقمي، وتحفيز رأس المال العربي على الاستثمار في مشروعات التوظيف الثقافي لتقنية المعلومات وتقديم خدمات وبوابات ثقافية.
وختاما فإن التقرير هام جدا لجهة التأشير إلى مواضع الضعف ومكامن الخلل ومواقع العطب في المشهد التنموي الثقافي العربي، وهو حافز لدراسة الواقع الثقافي العربي ومحاولة الارتقاء به إلى مستويات متقدمة
‎© منبر الحرية،9 نونبر/تشرين الثاني 2010

حواس محمود15 نوفمبر، 20100

عدد كبير  من الكلمات  والمصطلحات والمفاهيم تم استخدامها عربيا وعالميا في حقب ومراحل زمنية مختلفة، وهي كلمات مؤدلجة وتحمل شحنات عاطفية ترتبط بمستوى الوعي والأفكار والمشاعر السائدة في تلك الحقب والمراحل الزمنية، ولكن لنتساءل هل يمكن أن تبقى تلك الرؤى والأفكار والمشاعر ثابتة وقارة في الأذهان والعقول رغم تغير الظروف وتبدل الحالات وتحول الأزمان؟
من المفاهيم التي سادت في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات وحتى قبل نهاية العقد الأخير من القرن العشرين مفهوم النضال: النضال ضد الاستعمار، النضال ضد الرجعية، النضال ضد الصهيونية … الخ، لكن مع فشل الأنظمة العربية في معارك التحرير ومعارك التنمية وبناء الإنسان والأوطان، ومع تفاقم ظاهرة الاستبداد التي جاءت على كل شيء فحولته إلى حالة جامدة متصلبة عصية على التحول والتطور والنماء، فكانت خسارة هذه البلدان كبيرة وضخمة بحجم استفحال الاستبداد الذي نتيجته الفساد والقمع والسجون والتهجير، وكذلك الحروب والمنازعات الداخلية المدمرة،  والخارجية الكارثية والمأساوية. أقول مع تفاقم ظاهرة الاستبداد يمكن القول بأن شعار النضال قد فقد بريقه وفقد شحناته التحريضية للجماهير، وأضحى مادة للتندر والفكاهة، فلم تعد الناس تفاخر بالقول لبعضها: أخي المناضل، إخوتي المناضلين، ولم تعد البيانات الحزبية والإيديولوجية تدبج في مقدماتها بكلمة أيها الأخوة المناضلون، وذلك لأن هذه الكلمة/المفهوم قد فقدت بريقها  الأيديولوجي ومعناها الحقيقي الذي كان مقصودا بها، وتحول العديد من” المناضلين ” إلى أساطين وديناصورات  وعمالقة الفساد والخراب في هذه البلدان والأوطان.
ما نريد التركيز عليه هنا هو أن هذه الكلمة/المفهوم ،الشعار، لم تعد تستخدم لأغراضها الأساسية من مقاومة المستعمر أو الصهيونية أو الرجعية …الخ، وحل محلها – مع فشل التيار القوموي العربي – مفاهيم أخرى بديلة متأثرة بالموجة الدينية الجديدة كالجهاد، والمقاومة، وبشكل خجول على الصعيد القومي   الممانعة.
لقد أضحت كلمة النضال مهملة منسية مقصية مهمشة في دروج الشعاراتية والتشحينية والتحميسية والتهييجية العربية، ولذلك فإن كاتب السطور يرى طرح هذا المفهوم ” النضال” لغايات أخرى مناقضة ومتضادة ومتعاكسة للغايات الأساسية التي استخدمت لأجلها، وهذه الغايات الجديدة هي أن تعني الكثير ممن استخدموها شعاريا وذلك بتوجيه هذا المفهوم باتجاه ممن كان يستخدمها لأغراضه الخاصة، أن تستخدم من قبل القوى الديمقراطية والليبرالية ضد الأنظمة المستبدة والفاسدة والفاشلة وسحب البساط من تحتها نظريا بعدما تم سحب البساط منها  عمليا وواقعيا بإفلاسها وفشلها الذريعين، وذلك بأن نقول النضال ضد الاستبداد في الدولة الفلانية، ولم لا؟ طالما أن هذه الدولة الاستبدادية أضرت وتضر أكثر مما أضر الاستعمار، فهي قد أجهزت على الإنسان فدمرت كل مشاعره الحيوية الإنسانية  المتيقظة، وشلت قدراته الفكرية ونشاطاته الاجتماعية والاقتصادية، فتحول إلى جسد فاقد للروح من خلال ما مورس بحقه من ظلم واضطهاد وانتهاك.
نرى في مقالتنا هذه  أنه يجب أن يكتسب مفهوم “النضال” بعدا جديدا على الصعيد العربي والشرق أوسطي والعالمي، أن يكون النضال ضد الأنظمة القاهرة والمستبدة والمناهضة لتطلعات الشعوب بالتنمية والحرية والعدالة وبناء الإنسان، أن يكون النضال رافعة قوية في وجه من كان يستخدمها ولا يزال ضد أهداف أضحت أهدافا خيالية وميتافيزيقية وبعيدة عن الواقع العياني الملموس.
لقد طرح بعضهم أمرا غريبا وهو أن على الشعوب العربية أن تساند حكامها ضد القوى الخارجية فإذا انتصرت عليها عندها يمكن إسقاط الأنظمة التي تحكمها، هذا أمر خيالي طوباوي لا يقبله أي عاقل، كيف لشعب مكبل اليدين ومحروم من أبسط حقوق المواطنة والعيش الكريم  وفاقد لأبسط أسلحة المواجهة الكبرى أن يهزم قوى عالمية ضخمة تمتلك إمكانات تكنولوجية هائلة؟ وكيف له أن يساند قامعيه وظالميه وهو لا حول له ولا قوة؟ وكيف تحفر الأنظمة الاستبدادية قبرها – المزعوم- بيدها بمقارعة القوى الخارجية بالاستناد إلى شعبها المسحوق؟
إن هذا الإنسان الذي ينتمي لهذه البلدان لا يمكن له أن يتفرغ – وهو لم ينل حقوقه الأساسية– لمهام خارجية ليست بالضرورة  أن تكون ذات طبيعة عنفية وإنما يمكن أن تكون ذات طابع دبلوماسي وعقلاني.
إن مفهوم  النضال وشحناته المرافقة له يجب أن يتحول إلى ساحة أخرى هامة جدا باتجاه نيل استقلال آخر في هذه الأوطان والبلدان، يسميه المفكر والحقوقي التونسي المنصف المرزوقي ب ” الاستقلال الثاني ” !
‎© منبر الحرية،8 نونبر/تشرين الثاني 2010

فاروق حجّي مصطفى15 نوفمبر، 20100

قد كان محقاً عندما وصف عضو مجلس النواب العراقي عن كتلة ” التحالف الكردستاني” محمود عثمان ما يجري في العراق بأن “الدولة أصبحت دولة كتل وليست مؤسسات”، ولعل سبب ذلك يعود إلى أن ما تشهده الساحة السياسيّة العراقيّة هو التجاوز الذي طال  الدستور في مقابل الخضوع للتوافقات  بين الكتل السياسيّة الذي لم يزد إلا من حالة  التفاقم والتأزم  بين مكوناتها. والحق بالفعل أن الكتل السياسية وتعنتها لم يقف في حدود اللعبة السياسية إنما امتد لتشويه صورة الديمقراطية المنشودة أيضاً. وهذا ما عبّر عنه جلياً السيد عادل عبد المهدي  عندما أكد أن المشكلة في تأخير تشكيل الحكومة ليست في العهود والأوراق والعقود، بل في هل ننتقل إلى العمل المؤسساتي أم نبقى في إطار تفسير الفرد؟ وإذا كانت هناك مؤسسات فهي الفخامة لمنع الديكتاتورية. وما يجري اليوم هو تكالب على الدولة للسيطرة على مقوماتها واستغلالها وتكريسها لخدمة الذات وهوما يعاكس المفاهيم الديمقراطية.
وهذه الكتل التي ما تنفك تشوه صورة الديمقراطية التوافقية والتي تُظهر على أنها لم تتناسب مع المكونات السياسية العراقية، والتي عجزت عن لمّ شمل العراقيين بانفتاح بعضها  على البعض بسهولة وبيسر. ولعل هذا مرتبط بشكل مباشر بالثقافة السياسية والمعرفية لدى نخبة المكونات للفسيفساء العراقي. لذا من البديهي أن تبدو الأمور في كل دورة انتخابية  وكأن هذه المكونات في بداية مرحلة جديدة من البناء وكأنهم للتو يستعدون للخوض في غمار  الديمقراطية، وكأن السنين التي مرت ذهبت هباءاً منثوراً ولم تفعل فعلها في النحت على الخارطة السياسية للساسة العراقيين. وهذا ما نراه ونلمسه لدى الإخوة العراقيين الذين بشروا متابعيهم و مريديهم بأن الحكومة  العراقيّة الجديدة ستتشكل في يوم كذا وكذا، وهذه البشرى طبعاً تأتت حين تتم اللقاءات بين الكتلتين الفائزتين “العراقيّة” التي يرأسها إياد علاوي، و”دولة القانون” التي يرأسها نوري المالكي، وبالمقابل نجد أن تلكؤ تشكيل الحكومة سببه الأول والأخير  المزاج السياسي للكتلتين المتمسكتين بالمصالح الآنية حتى وإن كان الأمر على  حساب مصالح الشعب العراقي الذي ما انفك يعانى من  حالة  القلق والتوتر والتشتت الذهني والمصيري.
في كل الأحوال يبدو أن للعراقيين صبر  طويل وإلا لما انتظروا طويلا على جور نظام صدام حسين حتى أتت الولايات المتحدة من آلاف الأميال لتحررهم من النير الذي هد رقابهم وتستبدله بنير يلاءم العصر وربما هذا أضعف الإيمان. و لكن هذه المرة لن يكون الصبر مفتاحا للفرج كما يقول المثل، لربما هذه المرة جلب الصبر ويلات عدة  على رؤوس العراقيين وهم يراوحون في مكانهم بانتظار فك أزمة تشكيل حكومتهم بقدرة قادر، و مع أن تشكيل هذه الحكومة مثل عدمها لأن الأطراف التي  تخسر في الظفر  بكرسي رئاسة الوزراء ستعمل عاجلا أم آجلا على إفشال  الحكومة وهي ستتصرف على الأغلب بروح انتقامية وعدائية  أكثر من وقوفها إلى  جانب الحكومة في تأسيس أو تعزيز بنية الدولة حتى تستطيع هذه الدولة  الحفاظ على سيادتها وتحمي حدودها من التجاوزات الإقليمية سواء أكانت مصدر هذه التجاوزات إيرانية أو تركية.
من الملاحظ أن النخبة السياسية العراقية  عندما وضعت قوانين الحكم ودساتيرها لم يكن لهم من الصبر ليمعنوا فيها ويدققوا في حيثياتها، فأتت هذه القوانين بشكل ارتجالي ولازمت سجالاً عقيماً  لم يفض بالنهاية إلى حالة جنينية يمكن أن تلد في المستقبل مولوداً صحيحاً غير ذو عاهة،  لذا ساد الغمز واللمز بين الكتل وبدت الأزمة أزمة قوانين مازالت نيئة ولم تستو بعد على نار التجربة  وبان ذلك جليا من خلال عجز المؤسسات الدستورية عن القول إن الكتلة الفائزة هي كتلة ” العراقية”، وبالتالي من حق هذه الكتلة تشكيل  الحكومة ومباشرة  العمل بها خصوصا وأن هذا البلد أمام استحقاق وطني كبير. وهو ما العمل بعد جلاء القوات الأمريكية؟
وماذا ستفعل الحكومة بشأن دمج القوى الشعبية وغيرها من المؤسسات ضمن هيكل  الدولة لتأخذ صفة الشرعية والوصول إلى اتفاق مديد العمر بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق حول النفط والبشمركة وتوزيع الصلاحيات؟ لا تبدو الكتل الفائزة بالانتخابات مؤمنة بشكل كبير بالديمقراطية، ولعل هذا جلي و بين من خلال جهة تشبثها بالسلطة. في  هذه الحالة يبدو أن لب الديمقراطية يفرغ من محتواها ولا يبدو  تداول السلطة سليماً.
بقي القول هو أنهم (العراقيين)  يظهرون بمظهر ديمقراطي ولا يستطيع أي طرف أن يقبل على نفسه أن يوضع في خانة المعارضة، والطرف الفائز وحده  يشكل الحكومة،  والواضح منذ الآن  أن لا ديمقراطية توافقية مناسبة في ظل الأميّة الثقافيّة بمفاهيم الديمقراطيّة.  ويبدو الكل غير  مهتم بمستقبل الشعب الذي تحدى الموت وذهب إلى صناديق الانتخابات متمنياً من وراء ذلك جلب الاستقرار والأمن وإعادة روح الدولة لا أن يساهم في إبراز وتضخيم  الصورة  الهشة الحقيقية للنخبة السياسية كما نراها اليوم.
‎© منبر الحرية،6 نونبر/تشرين الثاني 2010

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

يجد العرب في أيامهم هذه أنهم وسط مأزق يزداد عمقاً وينعكس على حياتهم السياسية وحرياتهم بكل أبعادها. فهم حققوا دولاً قبل وبعد أواسط القرن الماضي، ولكن ما لبث معظم هذه الدول أن تراجع عن برامج التنمية والسعي للاستثمار في المواطن ومستقبله. في العقود الماضية ساد الاعتقاد العربي بإمكان ردم الهوة مع الغرب، وإذا بالهوة تزداد مع الغرب والشرق الآسيوي في زمننا هذا. في العقود الماضية سعى العرب للانتصار في الصراع على إسرائيل، وإذا بإسرائيل تعود وتلتف على العالم العربي وتسبب لدوله تراجعات متتالية إلا من محاولات شعبية من قبل أطراف شعبية، كما حصل مع حركة «فتح» بعد عام ،١٩٦٧ وفي حرب ٢٠٠٦ مع «حزب الله»، وحرب غزة مع حركة «حماس» عام ٢٠٠٩.
في العقود الماضية سارت دول العالم نحو الديمقراطية وإذا بالدول العربية تتخلف في هذا المجال وتتراجع. وبينما سقطت الشيوعية منذ أكثر من عشرين عاماً إذا بالعرب يتمسكون بالبيروقراطية الضاغطة على الإنسان والمستنزفة للموارد. ومنذ عقود اعتقد العرب بأن الدين لم يعد أساسياً في تقرير شؤون الطوائف وخلافاتها وإذا به يعود متدخلاً في الحريات الشخصية ومثيراً للكراهية بين الفئات.
العقود الماضية كانت قاسية على العرب من خلال الحروب التي شنت عليهم في زمن الاستعمار أو من خلال حرب ١٩٤٨ حين قامت إسرائيل، أم من خلال الحروب التي شنوها على بعضهم من اليمن إلى لبنان إلى الجزائر إلى السودان إلى العراق والكويت والعراق وليبيا في التشاد والصومال. لقد حمل العرب أحلاماً لم يمارسوها، وسعوا إلى معارك يصعب الفوز بها نظراً لوسائل تنظيم ضعيفة وطرق تفكير تائهة، وركزوا على أولويات أقل أهمية وأهملوا قضايا كان يجب أن يثابروا عليها. مرت عقود والعرب منغمسون في قضايا تنقصها العصرية: إذ استمروا ضعفاء في التفكير العلمي والتنمية الثقافية وقوة الحضارة ومقدرة العلم والعمل الجماعي ودعم ازدهار الأفراد. ظلوا تائهين عن ضرورات العصر الأهم: الحرية وكرامة المواطن.
في حصيلة التطورات: تراجعنا، ضُربنا وضربنا أنفسنا. فشعار الوحدة والقومية هُزم على أنقاض الخلافات العربية العربية كما هُزم على يد إسرائيل، كما أن شعار تحرير فلسطين هو الآخر واجهته حقائق صعبة المرة تلو الأخرى، أما شعار «الإسلام هو الحل» بالصيغة التي طرحت في العقدين الماضيين فقد واجه تعثرات مرتبطة بطريقة التطبيق والتضييق على الناس في أبسط حرياتهم وخياراتهم.
إن كل جيل عربي ومنذ عقود طويلة انتهى إلى خيبات أمل متراكمة تجاه حكّامه ومؤسساته، وتجاه اقتصاده وحقوقه. لقد شعر العرب على الدوام بدوار التاريخ وبعقم الحقيقة وبحدة الهزائم. في هذا تولد بينهم منطق خاص ميّزهم عن غيرهم من الشعوب: اعتزاز كبير بالتاريخ، وتمسك حاد بكل ما كان في الماضي من تراث وقوة مصحوب بخوف كبير من المستقبل. وقد وصل هذا التناقض في الوضع العربي إلى حد أنه دفع العرب نحو استكانة كبيرة تجاه تغير أوضاعهم وتحسين أنظمتهم ومواجهة مسؤوليات عالمهم، أو دفعهم أيضا بنفس القوة والحدة نحو التطرف والسعي للانتقام من العالم كما هو حاصل في تعبيرات تنظيم «القاعدة».
لقد أصبح الاستضعاف جزءاً من الذاكرة التاريخية للعرب، فهل نحن «يهود العصر» نسبة إلى حالة التهميش والاضطهاد والتميز التي عرف بها يهود التاريخ؟ نحن العرب كنا جزءاً لا يتجزأ من الدولة العثمانية التي خسرت كل شيء في الحرب العالمية الأولى، وكنا أيضاً جزءاً من العالم الذي خضع للاستعمار بين الحربين الأولى والثانية. وما أن حلمنا بالاستقلال إلا وولدت قضية فلسطين ومعها قيام دولة إسرائيل عام ١٩٤٨ وذلك في ظل ملايين اللاجئين. وما أن تفاءلنا بإمكان هزيمة إسرائيل لاستعادة أراضينا التي احتلت وإعادة لاجئينا الذين طردوا من أراضيهم وبلادهم وتحقيق الوحدة العربية، إلا وهوت كل الأحلام بهزيمة العرب عام ١٩٦٧ وخسارة المزيد من الأراضي والحياة. وما أن شعرنا بإمكان تحقيق حلم النهضة أو حلم الأمة العربية ذات الرسالة الخالدة، إلا وتوالت خيبات الأمل الناتجة عن أنظمة عسكرية منعتنا من التعبير، وحدت حريتنا ودمرت كل فكرة جديدة وكل روح تسعى إلى التجديد. وما أن وقع هذا إلا ودخلت أكثر من دولة عربية في حروب أهلية صغيرة وسط حالة تدين وصحوات إسلامية مصحوبة بالشكليات والتعصب بينما خيم الجمود القاتل على معظم بقاع العرب.
والأغرب أننا أصبحنا أعداء أنفسنا: فالدعوة العربية من أجل فلسطين تناقضت دائماً مع التخلي عنها في مجالات شتى، كما تناقضت دعوات الأخوة والسلام بين العرب مع صراعات دائمة بين فئاتهم ومجتمعاتهم، وتناقضت الدعوات إلى نبذ الطائفية مع عمق المأزق الطائفي، وتناقضت الدعوة إلى الديمقراطية والمساواة مع تدن كبير في حقوق الإنسان العربي. كما تناقضت الدعوات إلى التضامن مع الشعب الفلسطيني ورفض التوطين في البلاد العربية مع اضطهاد الشعب الفلسطيني وانتهاك حقوقه الإنسانية في الحياة الكريمة والعمل في أكثر من دولة عربية. كما تناقضت حالة التدين الأكثر تطرفاً في عالم العرب مع هروب الأفراد من الدين، فكلما ازدادت الطقوس الدينية ازداد الهروب من الضغط الذي تسببه والحد من حريات الناس في التعبير والتفكير بحرية. حالة غريبة هذه: محبة ولا محبة، قبول ورفض، وحدة وتفكك، شعارات عظيمة وممارسات قبيحة. إن معظم عرب اليوم لم يتوقعوا أن نمر اليوم بنفس ما مر به من سبقنا من آباء وأجداد. بل يمكن القول أننا كررنا أخطاءهم وكررنا كل ما حذرونا من عدم تكراره.
إننا نعيش مأزقنا الحضاري الأكبر. نجد هذا واضحاً في تجاربنا الجديدة، فالشواهد نجدها في شوارع وعواصم بلادنا العربية وفي أرقام التنمية وأوضاع الجامعات وحالة المؤسسات وتعبيرات السياسة. ربما يكون الاعتراف بالفشل والتساؤل عن أسبابه بداية التعلم من الأخطاء والممارسات التي أدت إلى ما نحن فيه.
العرب مطالبون بالتساؤل عن الحال العربي. فكما تساءلوا عام ١٩٤٨ عن أسباب النكبة، وعام ١٩٦٧ عن أسباب النكسة، عليهم اليوم التساؤل الأعمق عن أسباب النكبات الجديدة التي تمر علينا وتفرض على بلادنا. فالتساؤلات السابقة عن الأوضاع العربية لم تشمل أسس تنظيم المجتمعات العربية وإصلاح تركيبتها القبلية والعشائرية، الطائفية والمدنية، السياسية والنفسية، كما لم تشمل طريقة التداخل بين الأخلاق والسياسة بما يعزز الأخلاق في السياسة، كما أنها لم تشمل الترابط بين الدين والسياسة بما يحمي الدين من السياسة، ويحمي السياسة من الغلواء الديني في وسائل الحكم العربية. ولم تشمل التساؤلات مناهج التعليم ومبادئ الديمقراطية وحرية التعبير وضرورات الإبداع لننجح في مواجهة المخاطر وليكون في بلادنا مجتمع ينمو لصالح أفراده وازدهارهم.
التساؤلات العربية السابقة لم تتعامل مع مسببات التراجع الذاتية ومسببات التراجع المحلية التي تؤدي إلى الهزائم الوطنية سواء في الحروب مع إسرائيل أم في معارك الجهاد الأكبر مع التنمية ومع الديمقراطية ومع الإدارة الحديثة. التساؤلات السابقة تجاهلت فوق كل شيء عناصر النهضة والازدهار والتجديد بصفتها عملاً تراكمياً يتطلب حشد قدرات الأمة وطاقاتها الإبداعية في ظل مناخ من الحرية والتقدير.
المصدر: الحياة
© منبر الحرية،31 أكتوبر/تشرين الأول 2010

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018