حواس محمود

حواس محمود16 نوفمبر، 20100

يعتبر موضوع الجيش من القضايا الأساسية في العالم العربي والتي تترك ظلالها التأثيرية الكبرى على مسيرة تقدم وتطور المجتمعات العربية، وذلك لحساسيته وأهميته في التأثير على استقرار وتنمية هذه  المجتمعات.  باديئ ذي بدء تحدد ” مهمة الجيش في الدفاع عن الوطن والمحافظة على سيادة وحماية الدستور والقانون، ويستبعد استخدامه في حل المشاكل والنزاعات الداخلية، ولتحقيق هذه المهمات من الطبيعي أن يكون موقع الجيش داخل الثكنات العسكرية وأن تنحصر واجباته في الدفاع عن الحدود وأرض ووحدة الوطن، وبذلك يصان النظام الديمقراطي ويحمي من مخاطر الجنوح نحو السلطة والتآمر  ” العميد  نجيب الصالحي – الجيش والتحول الديمقراطي في العراق.
ولكن الجيش لم يحافظ على مهمته الأساسية والوحيدة ( الحفاظ على أرض وحدود وسكان الوطن) وإنما تعدى ذلك إلى الدخول في المنازعات والحروب الداخلية والأهلية في أكثر من قطر عربي وشرق أوسطي، وظاهرة الانقلابات العسكرية ودخول الجيش في معترك السياسة ظاهرة معروفة في العالم العربي.  إن ” ضعف الحياة السياسية وحداثة السلطة الديمقراطية وبروز الفئات الوسطى المدينية والفلاحية وبخاصة في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم قد أدى إلى ابراز المؤسسات العسكرية الأقوى القادرة على التغيير، فنشأت الانقلابات العسكرية الناجحة والفاشلة – كما يراها د. أحمد برقاوي – كما أنمت دوره في الحفاظ على على السلطة القائمة، وهكذا صار الجيش جزءا أساسيا من الحياة السياسية ليتحول في النهاية إلى محدد لمصير السياسة فاختلطت لديه المهمة الوطنية في الحفاظ على السيادة والمهمة السلطوية في الحفاظ على السلطة وتكونت النخبة العسكرية التي استلمت السلطة في النهاية ”  أحمد برقاوي – الحرية والديمقراطية – ورقة نقاشية .
والمسألة لم تقف عند حدود الخمسينات والستينات وإنما استمرت إلى أيامنا الراهنة بالرغم من فشل الجيوش العربية في معاركها مع اسرائيل ابتداء من حرب 1948 إلى حرب 1967 وحتى أحداث  غزة الأخيرة إذ لم تقم الجيوش العربية بأي دور خارجي ناجح فهي إما أن تخوض الحروب وتخسر أو لا تخوض الحروب بالمطلق.
وما يلفت النظر حقا أن الجيوش العربية تتدخل في الشؤون الداخلية والمنازعات الأهلية بحيث تبتعد الحلول السياسية للعديد من القضايا الداخلية المتعلقة بالحريات والإثنيات والاقتصاد والتنمية والبطالة، فحتى تظاهرة سلمية للمطالبة بلقمة الخبز يمكن لها أن تقمع بالجيش إذا خرجت عن السيطرة الأمنية.
و يمكننا الاستشهاد بحالات واقعية حدثت في العالم العربي وتركت آثارا سلبية ضارة على مستقبل عدة أقطار عربية ففي العراق حدثت حروب داخلية ( وخارجية) كثيرة مما أنهك الجيش العراقي بفضل سياسات خاطئة وذلك باقحام هذا الجيش في منازعات داخلية مزمنة وغير محسوبة العواقب وكانت النتيجة الغزو الخارجي واحتلال العراق وما آل اليه الشعب العراقي من تكبده لخسائر كبيرة ومما أحدث من آثار كبرى بالترافق مع تنامي ظاهرة الإرهاب والتطرف والتفجيرات وتنامي الطائفية السياسية والمذهبية  وكذلك ما حدث في السودان  من تدخل الجيش في الجنوب السوداني، وما حدث في دارفورووقوع مجازر كبرى هناك أدى إلى إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير بتهمة ارتكابه جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وما أحدث ذلك من ضجة  سياسية وإعلامية إقليمية ودولية  قوية لا زالت أصداؤها تتردد وتترك بصمات تأثيرية على مستقبل السودان واستقراره في المديين القريب والبعيد.
ولا ننسى الصومال واليمن وغيرها من الدول العربية التي يأتي تدخل الجيش في الشؤون الداخلية لها ليفاقم الأزمات الداخلية عوضا عن النأي بالجيش عن هذه المنازعات، والاعتماد على السياسة والحوارات السياسية في حل هكذا منازعات  يرى الدكتور طيب تيزيني أن الجيش أراد أن يقوم بوظائف الأحزاب والقوى السياسية المجتمعية فأخفق في وقت حشر فيه كذلك موقعه السابق، خسر الموقع العسكري وأخفق في الإجابة عن المسائل الاجتماعية الجديدة، وبدأت المجتمعات العربية تعيش هذه الحالة المضطربة : مجتمع عسكري لا ينتج عسكريا ولا مدنيا.
وهكذا نرى كيف أن الجيش  أصبح الآن صمام الأمان للأنظمة العربية بحيث يعتبر مطرقة هذه الأنظمة مرفوعة على الشعوب التي ضحت في معارك النضال والاستعمار والصهيونية وأدت واجباتها كاملة ولكنها فقدت حقوقها في التنمية والتعليم والمشاركة السياسية والاجتماعية والإعلامية وهي إن فكرت في أي تحرك مدني أو نهضوي تواجه بالجيش لقمعها بدلا من أن يكون هذا الجيش حاميا لها من التحديات والتدخلات الخارجية مما أوقع المجتمعات العربية في حالة من الركود النهضوي والنوم الثقافي والبؤس السياسي فأضحت غير محمية حتى من القوة الأساسية التي من المفترض أنها أنشئت لحمايته وهي “الجيش” .
© منبر الحرية، 08 يونيو/حزيران 2009

حواس محمود15 نوفمبر، 20100

في  حين  تسير مجتمعات عديدة في العالم  باتجاه الارتقاء بمستويات التطور والتقدم في شتى مجالات الحياة المعاصرة، مستخدمة أحدث تقنيات التكنولوجيا والمعرفة والاتصالات ومستفيدة من أجواء الحريات العامة بما فيها حريات الابتكار والاختراع والحريات الأكاديمية. أقول في حين تسير هذه المجتمعات بهذا المنحى الصعودي باتجاه التقدم والتطور نجد أن المجتمعات العربية لا زالت تراوح في أماكنها بسبب الحالة السياسية الموجودة في هذه المجتمعات، والتي تكبل مستويات التطور والتقدم وتؤخر التنمية الثقافية وغير الثقافية بقيود وموانع وعراقيل عديد فتأتي النتائج سلبية عموما، ما عدا ايجابيات ببعض النقاط والجوانب في هذه الدولة العربية أو تلك.
يأتي قولنا هذا بمناسبة صدور التقرير الثاني للتنمية الثقافية العربية، والذي يصدره مؤسسة الفكر العربي، والذي يعده ويشرف عليه رهط من الخبراء والأساتذة والمثقفين العرب المختصين بمجالات التناول والبحث.
التقرير يتناول خمسة ملفات أساسية على صلة وثيقة بمؤشرات التنمية الثقافية في المجتمعات العربية ومستوى تطورها، والمحاور الأساسية في التقرير هي: المعلوماتية، الإعلام، التعليم، الإبداع، الحصاد السنوي.
في المحور الأول “المعلوماتية أفق بلا حدود للتنمية”: يشير التقرير إلى الفجوة الرقمية التي تعيشها  الدول العربية على مستوى البنية المعلوماتية وحجم الحضور العربي على الشبكة العنقودية، هنالك إشارة إلى تفوق الإمارات العربية المتحدة عربيا لجهة استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات في المكاتب والمدارس والدوائر الحكومية وأعداد  المشتركين، واحتلت المركز الخامس عالميا طبقا للمؤشرات الخاصة بمستوى تقنيات المعلومات والاتصالات في قائمة أولويات الحكومات العربية،  كما أن التقرير أظهر أن الكويت هي الأولى عربيا و 37 عالميا في معدل براءات الاختراع وحرية الصحافة، في حين احتلت السعودية المركز الأول عربيا والسابع عالميا وفقا لمؤشر القدرة على الإبداع والابتكار، والمركز الأول عربيا والثامن عالميا في مؤشر الإنفاق على التعليم، وجاءت قطر الأولى عربيا وفي المركز 25 عالميا لجهة مدى توافر الخدمات الحكومية عبر الانترنت، وسورية الأخيرة عربيا وفي المركز 131 عالميا، وقطر الأولى عربيا وال16 عالميا في مؤشر جودة النظام التعليمي وقدرته على دعم احتياجات التنمية، واحتلت تونس المركز الأول عربيا وال28  عالميا في مؤشرات مدى إقبال الشركات والمؤسسات داخل الدولة على تمويل البحوث، أما مصر فجاءت الأولى عربيا وال36 عالميا لجهة استخدام الانترنت  تجاريا، ويشير التقرير إلى أن كل عشرة أشخاص من مائة شخص يستخدم الكمبيوتر وأن 55 مليون شخص يستخدم الانترنت بصورة أو بأخرى، كما يشير التقرير إلى ضعف المواقع العربية في مجال نشر الثقافة العربية والتراث العربي، والى ضعف مماثل في مواقع التعليم الالكتروني والمكتبات الرقمية والأدب والفلكلور والى ضعف آخر في محتوى مواقع البحث العلمي على شبكات الانترنت، ويلحظ الغياب الواضح لمعظم الصيغ التفاعلية مع المواقع الرسمية لوزارات الثقافية والجهات الرسمية، إذ أن الزائر إلى  العديد من  عناوين المتاحف عبر الانترنت يرى أنها تحولت إلى مواقع دعائية إعلانية لا علاقة لها بالمحتوى المتاح. ويخلص التقرير إلى التأكيد على عدم إمكانية إنتاج مجتمع إيجابي ومشارك في الشأن العام وهو يعاني فجوة معرفية ومعلوماتية، مؤكداً أن المجتمعات التي سجّلت تقدماً فعلياً على صعيد حرية الوصول إلى المعلومات وتداولها، هي نفسها التي سجّلت تقدماً في توظيف تقنية المعلومات كأداة من أدوات التنمية الثقافية. مشدداً على ضرورة تطوير المواقع الثقافية العربية وتطوير الخطاب الثقافي الرقمي، وتحفيز رأس المال العربي على الاستثمار في مشروعات التوظيف الثقافي لتقنية المعلومات وتقديم خدمات وبوابات ثقافية.
وختاما فإن التقرير هام جدا لجهة التأشير إلى مواضع الضعف ومكامن الخلل ومواقع العطب في المشهد التنموي الثقافي العربي، وهو حافز لدراسة الواقع الثقافي العربي ومحاولة الارتقاء به إلى مستويات متقدمة
‎© منبر الحرية،9 نونبر/تشرين الثاني 2010

حواس محمود15 نوفمبر، 20100

عدد كبير  من الكلمات  والمصطلحات والمفاهيم تم استخدامها عربيا وعالميا في حقب ومراحل زمنية مختلفة، وهي كلمات مؤدلجة وتحمل شحنات عاطفية ترتبط بمستوى الوعي والأفكار والمشاعر السائدة في تلك الحقب والمراحل الزمنية، ولكن لنتساءل هل يمكن أن تبقى تلك الرؤى والأفكار والمشاعر ثابتة وقارة في الأذهان والعقول رغم تغير الظروف وتبدل الحالات وتحول الأزمان؟
من المفاهيم التي سادت في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات وحتى قبل نهاية العقد الأخير من القرن العشرين مفهوم النضال: النضال ضد الاستعمار، النضال ضد الرجعية، النضال ضد الصهيونية … الخ، لكن مع فشل الأنظمة العربية في معارك التحرير ومعارك التنمية وبناء الإنسان والأوطان، ومع تفاقم ظاهرة الاستبداد التي جاءت على كل شيء فحولته إلى حالة جامدة متصلبة عصية على التحول والتطور والنماء، فكانت خسارة هذه البلدان كبيرة وضخمة بحجم استفحال الاستبداد الذي نتيجته الفساد والقمع والسجون والتهجير، وكذلك الحروب والمنازعات الداخلية المدمرة،  والخارجية الكارثية والمأساوية. أقول مع تفاقم ظاهرة الاستبداد يمكن القول بأن شعار النضال قد فقد بريقه وفقد شحناته التحريضية للجماهير، وأضحى مادة للتندر والفكاهة، فلم تعد الناس تفاخر بالقول لبعضها: أخي المناضل، إخوتي المناضلين، ولم تعد البيانات الحزبية والإيديولوجية تدبج في مقدماتها بكلمة أيها الأخوة المناضلون، وذلك لأن هذه الكلمة/المفهوم قد فقدت بريقها  الأيديولوجي ومعناها الحقيقي الذي كان مقصودا بها، وتحول العديد من” المناضلين ” إلى أساطين وديناصورات  وعمالقة الفساد والخراب في هذه البلدان والأوطان.
ما نريد التركيز عليه هنا هو أن هذه الكلمة/المفهوم ،الشعار، لم تعد تستخدم لأغراضها الأساسية من مقاومة المستعمر أو الصهيونية أو الرجعية …الخ، وحل محلها – مع فشل التيار القوموي العربي – مفاهيم أخرى بديلة متأثرة بالموجة الدينية الجديدة كالجهاد، والمقاومة، وبشكل خجول على الصعيد القومي   الممانعة.
لقد أضحت كلمة النضال مهملة منسية مقصية مهمشة في دروج الشعاراتية والتشحينية والتحميسية والتهييجية العربية، ولذلك فإن كاتب السطور يرى طرح هذا المفهوم ” النضال” لغايات أخرى مناقضة ومتضادة ومتعاكسة للغايات الأساسية التي استخدمت لأجلها، وهذه الغايات الجديدة هي أن تعني الكثير ممن استخدموها شعاريا وذلك بتوجيه هذا المفهوم باتجاه ممن كان يستخدمها لأغراضه الخاصة، أن تستخدم من قبل القوى الديمقراطية والليبرالية ضد الأنظمة المستبدة والفاسدة والفاشلة وسحب البساط من تحتها نظريا بعدما تم سحب البساط منها  عمليا وواقعيا بإفلاسها وفشلها الذريعين، وذلك بأن نقول النضال ضد الاستبداد في الدولة الفلانية، ولم لا؟ طالما أن هذه الدولة الاستبدادية أضرت وتضر أكثر مما أضر الاستعمار، فهي قد أجهزت على الإنسان فدمرت كل مشاعره الحيوية الإنسانية  المتيقظة، وشلت قدراته الفكرية ونشاطاته الاجتماعية والاقتصادية، فتحول إلى جسد فاقد للروح من خلال ما مورس بحقه من ظلم واضطهاد وانتهاك.
نرى في مقالتنا هذه  أنه يجب أن يكتسب مفهوم “النضال” بعدا جديدا على الصعيد العربي والشرق أوسطي والعالمي، أن يكون النضال ضد الأنظمة القاهرة والمستبدة والمناهضة لتطلعات الشعوب بالتنمية والحرية والعدالة وبناء الإنسان، أن يكون النضال رافعة قوية في وجه من كان يستخدمها ولا يزال ضد أهداف أضحت أهدافا خيالية وميتافيزيقية وبعيدة عن الواقع العياني الملموس.
لقد طرح بعضهم أمرا غريبا وهو أن على الشعوب العربية أن تساند حكامها ضد القوى الخارجية فإذا انتصرت عليها عندها يمكن إسقاط الأنظمة التي تحكمها، هذا أمر خيالي طوباوي لا يقبله أي عاقل، كيف لشعب مكبل اليدين ومحروم من أبسط حقوق المواطنة والعيش الكريم  وفاقد لأبسط أسلحة المواجهة الكبرى أن يهزم قوى عالمية ضخمة تمتلك إمكانات تكنولوجية هائلة؟ وكيف له أن يساند قامعيه وظالميه وهو لا حول له ولا قوة؟ وكيف تحفر الأنظمة الاستبدادية قبرها – المزعوم- بيدها بمقارعة القوى الخارجية بالاستناد إلى شعبها المسحوق؟
إن هذا الإنسان الذي ينتمي لهذه البلدان لا يمكن له أن يتفرغ – وهو لم ينل حقوقه الأساسية– لمهام خارجية ليست بالضرورة  أن تكون ذات طبيعة عنفية وإنما يمكن أن تكون ذات طابع دبلوماسي وعقلاني.
إن مفهوم  النضال وشحناته المرافقة له يجب أن يتحول إلى ساحة أخرى هامة جدا باتجاه نيل استقلال آخر في هذه الأوطان والبلدان، يسميه المفكر والحقوقي التونسي المنصف المرزوقي ب ” الاستقلال الثاني ” !
‎© منبر الحرية،8 نونبر/تشرين الثاني 2010

حواس محمود15 نوفمبر، 20100

الأقليات الدينية والإثنية واللغوية في العالم العربي قلما يتم تناولها من قبل النخبة الفكرية والسياسية العربية، وعندما يثير موضوعها أحد الكتاب المنتمين إلى هذه الأقليات أو غير المنتمين إليها، فإنه يواجه بسيل من الكتابات التشكيكية  والاتهامات والاستفهامات، وتصل هذه الكتابات إلى حد اتهام هذا الكاتب بالتواطؤ مع القوى الغربية و”الإمبريالية” وحتى الصهيونية !.
قضية الأقليات يتم تجاهلها وطمسها، بحيث لا تظهر كقضية ديمقراطية تحتاج للمعالجة والحل، وذلك بدوافع أن هذه الأقليات عليها أن تخضع لإرادة الأغلبية العربية والمسلمة، فالأقليات القومية يتم الالتفاف عليها بمقولة أن من تكلم اللغة العربية فهو عربي، وهذا بحد ذاته نوع من المراوغة والهروب من الواقع الحقيقي، فهل يمكن اعتبار كل فرنسي أو أمريكي أو روسي يتحدث العربية من العرب والقومية العربية، هذه نظرة تدخل في سياق صهر الأقليات القومية في البوتقة العربية، أما بالنسبة للأقليات الدينية فهي أيضا تطمس إذ تغيب عن المشاركة السياسية، وتغفل حقوقها الدينية والثقافية إلى حد كبير في العديد من الدول العربية والشرق أوسطية.
إن طريقة الحكم في الدول العربية بسيادة النمط الشمولي الاستبدادي والغياب الكبير لمناخات الديمقراطية والحريات ومفهوم المواطنة والعدالة الاجتماعية،  هو الذي أدى ويؤدي إلى طمس حقوق الأقليات سواء الإثنية أو الدينية أو اللغوية، هذا ولكي لا  نكون نظريين كثيرا علينا الاستشهاد بحالات واقعية ملموسة في العالم العربي، فالشعب الكردي في العراق الذي تعرض للظلم  والتشويه والإلغاء عبر العديد من أنظمة الحكم العراقية، أثر على مستقبل العراق وكبل العراق العديد من الخسائر والضحايا، ولو تم التعامل معه منذ البداية  بحكمة وعقلانية، لما كانت الأمور قد وصلت إلى ما وصلت إليه قبل أكثر من عقدين ونيف من مجازر وأنفالات وحلبجة ( القصف الكيماوي) وتدمير أكثر من (450)  قرية كردية، ناهيك عن خسارة  أرواح المئات  والألوف من أبناء الشعب العراقي بعربه وكرده وأقلياته الأخرى، وهذا ما حدث أيضا أو ما يشبهه بالجنوب السوداني (وفيما بعد في إقليم دارفور )، إذ كبدت الحرب بالجنوب السوداني الخسائر الهائلة للدولة السودانية وللشعب السوداني، ويتم تجاهل حقوق البربر في الجزائر ودول المغرب العربي الأخرى والأقباط في مصر.
إن إلغاء  القوميات والأقليات والإثنيات المتعايشة مع الشعب العربي، ليس من شأنه حل أي مشكلة بل يفاقم المشكلات الموجودة أساسا في البلدان العربية ويزيدها تعقيدا.
لقد أثبتت التجربة التاريخية عقم التعامل الصهروي / البوتقي – إن جاز التعبير- مع الأقليات، وضرورة حل مشكلة الأقليات بإفساح المجال أمامها لممارسة ثقافتها وحقوقها وخصوصيتها ضمن الدولة العربية، وكذلك المشاركة في الشأن العام للدولة والمجتمع. إن التعدد بحد ذاته إغناء وإثراء للوحة الديموغرافية في الدولة العربية، وليس عامل تنافر وحقد واقتتال وإلغاء بين القوميات أو الأديان المتعايشة ضمن هذه الدولة.
يخطئ  النظام العربي كثيرا ( أي نظام كان ) إذا اعتقد أنه بإلغاء الأقليات يساهم في حل مشكلتها، بل إنه يساهم في تآكل الدولة بالكامل عبر زيادة  الاحتقان الداخلي. لا نتلمس وجود للأقليات في العالم العربي لا في المتداول التربوي عبر مطبوعات وزارة التربية والتعليم ولا في المتداول الثقافي عبر منشورات وزارة الثقافة، ولا حتى في المتاح الإعلامي عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، فرغم أن هذه الأقليات تختزن ثقافة وفلكلورا وطقوسا متمايزة وجميلة، إلا أنه يتم تجاهلها عن عمد بسبب النظر إليها كحالات سياسية وليس كحالات تعددية وثقافية وفلكلورية وتراثية ومناطقية، وهذا ما يؤدي إلى زيادة الاحتقان والرغبة في الخروج عن الطوق وضرورة إبراز المكبوت تحت السطح واختراق قشرة السطح بصورة قوية وشديدة ومفاجئة ( تحويل الجدران اللامرئية إلى جدران  مرئية بشكل واضح ).
إن المطلوب من النخبة العربية هو اتخاذ موضوع  الأقليات كمحور هام من محاور الانفتاح الديمقراطي  الداخلي، والمصالحة الداخلية بين فئات الشعب في المستوى  العمودي للخروج من أزمة الأقليات واستفحالها وخروجها عن السيطرة إلى مجال التدخل الخارجي قبل فوات الأوان.
‎© منبر الحرية،6 أكتوبر/تشرين الأول 2010

حواس محمود15 نوفمبر، 20100

الثورة المعرفية الكبرى التي نشهدها الآن أفسحت المجال لتغيير آليات التبادل والتواصل والتفاعل، والتأثير في العديد من المجالات الحياتية الكبرى في العالم. ولم تعد الوسائل والأدوات الاتصالية والتأثيرية التقليدية تملك ذلك الزخم التفاعلي، لقد دخلت اللعبة التواصلية الجديدة ذات الوقع التأثيري الكبير إلى ميدان كل صغيرة وكبيرة في حياة الإنسان المعاصر.
ولكن وبالرغم من ضعف الاستعمال التكنولوجي في العالم العربي لأسباب مادية ودينية وسياسية، إلا أن السرعة الهائلة في وسائل الاتصال تتطلب من المثقف العربي أن لا يبقى في حدود الأساليب التقليدية للعملية الاتصالية، إذ مطلوب منه التفاعل والتواصل والمثابرة في استخدام التقنيات الحديثة بشكل نوعي ومتميز، والتي يجود بها العصر بين الفينة والأخرى ( مثل الكمبيوتر والموبايل والإعلام الفضائي وبرامجه التفاعلية  … والانترنيت  بجميع برامجها التفاعلية الماسينجر والبريد الالكتروني والسكايبي والتويتر والفايسبوك وغرف الدردشة والحاسوب والهاتف النقال … الخ )، ويستخدمها في تعاطيه اليومي المستمر مع حركة المعرفة حول ” الذات ” و” العصر والحضارة المعاصرة “، حيث تصبح سمة من أهم سماته وجزءا أساسيا من صلب حياته، ولعل هذا الإتقان وهذا النوع من الاستخدام هو بالتحديد ما يمكن المثقف العربي ” االتفاعلي  ” من وعي ” الذات ” و” المحيط ” و” العصر ” و”الآخر” وعيا موضوعيا سليما، كما يمكنه من إدراك ” البنية العميقة التي تحكم سلوك “الآخر” وتفكيره وإبداعه وطريقة حياته من حيث نقاط الضعف ونقاط القوة وجوانب التأثر والتأثير، وآليات التعاطي والتواصل المناسب. فضلا عن أن “كتابة الكاتب الالكترونية التفاعلية من شأنها أن  ترسّخ علاقة جديدة بين الكاتب والقارئ، بين المؤلّف والناقد. وهذه إحدى المميزات الأساسية لهذه الكتابة، وهي أنها غالبا ما تدخل في مسلسل التعليق والتعليق المضادّ بمجرد أن “تلعقها” الشبكة. هناك “سيولة نقدية” مخالفة لما كان معهودا في الكتابة الورقية. ذلك أنّ هذه الأخيرة، نظرا لما تعرفه من بطء النشر والانتشار تحتاج إلى كبير رويّة كي تُتلقّى وتُهضم حتى يتمّ انتقادها. أمّا الكتابة الالكترونية فهي تكاد تظهر مع حواشيها دفعة واحدة، بل غالبا ما يغدو حجم التعليقات والحواشي أضخم بكثير من النص ذاته. وهي تعليقات تتمتّع بقدر كبير من “الحرية”، خصوصا وأنّها معفيّة من الرقابات المتنوّعة التي يفترضها النشر الورقيّ عادة.
لعلّ ذلك هو ما يبرّر “غزارة” الإنتاج التي أخذنا نلحظها عند الكتّاب الذين ينشرون على الشبكة. فربّما كانت سهولة التلقّي وسرعة “الاستهلاك” والتعليق هي التي تجرّ الكاتب إلى أن يواصل حواره مع قرائه بمجرد أن يتلقّى ردودهم. لنقل بأنّ التفاعل بين الكاتب والناقد يغدو بفضل النشر الالكتروني أكثر اتساعا، وأكبر سرعة، وربما أشد إرغاما ” (عبد السلام بنعبد العالي )، ويمكننا القول بأن هذا النمط من المثقفين هو الأكثر قدرة على  تخليص الثقافة العربية من مشكلاتها الراهنة، والنهوض بأعباء المشروع الثقافي والحضاري العربي نهوضا حقيقيا عمليا بعيدا عن الكلام الفارغ والمهاترات الخلبية التي تسيء للثقافة العربية ومشروعها النهضوي المنشود، لاسيما وأن الأزمات السياسية العربية مستفحلة الآن وهنالك حاجة للمثقف التنويري الحداثي لكي يقوم بدوره التشخيصي النقدي، وأن يظهر كقوة إصلاحية قادرة على مخاطبة الجماهير بشكل مباشر ومتماس مع  همومه الفردية والمجتمعية والدولتية، وبالتالي السياسية الكبرى. ويكون هذا المثقف التفاعلي قادرا على نقد ومراجعة الحقبة الماضية بما تتضمنه من هزائم القيادات العربية المتلاحقة على الصعيد الخارجي من حرب حزيران – النكسة- وحتى احتلال العراق، وما يتلاحق مع هذا الشريط الزمني حاليا من نكسات وضربات قوية في الدول العربية بسبب هشاشة بنية الدولة العربية الراهنة القائمة. إما على زعامة الفرد الأوحد أو على نمط حزبي تقليدي جامد بعيدا عن التأثر بكل موجات الحداثة والتقانة، إن المثقف المأمول في القادم من الأيام هو المثقف الالكتروني التفاعلي المعبأ سياسيا والقادر على التأثير في أوسع  قطاع جماهيري، وبخاصة الشباب الذي يتواكب مع المبتكرات التكنولوجية التفاعلية والذي يستشف ويلحظ متغيرات العالم وينظر إلى واقعه المؤلم، ويكشف لا بل يصدم بالمفارقة الحضارية الكبرى بين بلده وبلدان العالم المتطورة، فتتكون لديه طاقة نفسية هائلة مستعدة لتلقي الطاقة التوعوية من المثقف بشكل سلس وبايجابية كبرى، وعندما يقوم المثقف بدوره التفاعلي الناجح يتعانق فكريا مع الشاب الطموح المصدوم من سوء الأحوال العامة في بلده والفجوة المعرفية الكبرى بين بلده وبلدان العالم المتقدمة الأخرى، وعندها تتحقق لحظة التواتر التأثيري الكبير.
إن الإرادة الثقافية الواعية للمثقف الجاد الذي يستطيع الخروج من شراء الضمائر الضعيفة من قبل السلطات الاستبدادية، أو الركون للخمول، أو الكسل الفكري، أو اليأس من التغيير تحت وقع سياط الشمولية والاستبدادية، أو مؤاثرة الهدوء والحياة ببطء موتي خافت ومهين،  هي  القادرة   على تشكيل وعي حداثي تنويري لدى جيل الشباب من شأنه التأسيس لمقدمات نهضة ثقافية وفكرية كبرى.
أهم المراجع:
1- فيصل سليمان حسن – حاجتنا الراهنة للمثقف الحضاري المقارن – صحيفة تشرين عدد 5 فبراير 2006   
2-غازي الذيبة – الرقمية والكتابة – مجلة عمان عدد يناير 2006
3- د. عبد السلام بنعبد العالي – الكتابة الالكترونية والكتابة الورقية –  الأوان 9-3-2010
© منبر الحرية،9   آب 2010

حواس محمود15 نوفمبر، 20100

نادرا – بل نادرا جدا – ما يشعر المرء، وبخاصة الفرد المبدع بحالة من الراحة النفسية الكاملة، تجاه ما يتم تقديره واحترامه وتشجيعه في الأوساط الاجتماعية المحيطة به، لما يقوم به من دور وإبداع في خدمة مجتمعه والإنسانية جمعاء.
ولعل الأكثر معاناة في هذا الصدد، هو ذو الكفاءة أو صاحب موهبة أومن امتلك طاقة خلاقة، إذ يشعر الإنسان المبدع أنه بالرغم من عطائه الرائع فإنه يهمل ويهمش، ليس هذا فحسب وإنما يتعرض للمضايقة والعرقلة والتشويش عليه وعلى إبداعاته، وفي كثير من الأحيان يحارب- بفتح الراء – ( بالاستناد إلى مقولة مفادها : يكتشف المبدع بتلك العلاقة الدالة وهي تحالف جميع الأغبياء ضده ). إن هذه الظاهرة تندرج ضمن إطار مأزق الفرد في المجتمع.
لقد تناول هذا المأزق عدة كتاب وباحثين مرموقين في العالم العربي، فالشاعر العربي الكبير أدونيس المرشح لجائزة نوبل للآداب يسلط الضوء على هذا المأزق، ويرى ( في محاضرة له بالقاهرة ) أن الفرد في المجتمع العربي المسلم يعاني التهميش الذي تمارسه مؤسسات تمحو الذاتية لصالح مفهوم الأمة أو الجمهور الذي قال بأنه فكرة أيديولوجية.
إن الفرد المسلم-  بحسب أدونيس-، يعيش الآن رهين محبسين: هما التأويل الوحداني والتأويل السلفي للنص الديني، وهذا يؤدي إلى انمحاء وذوبان الفردية في الجماعة – الأمة-، ويشير إلى محاولات في التاريخ العربي لاختراق هذين المحبسين على أيدي بعض الشعراء والمتصوفة، حيث يرى أن التصوف أعمق ثورة في تاريخ الإسلام ، ويضيف  أدونيس بالقول : إن جميع الأحزاب تلغي الهو في سبيل الهم.
ويتناول الباحث الدكتور مصطفى حجازي في كتابه ” الإنسان المهدور” – اصدار2005- تهميش الفرد في المجتمع من خلال البحث في سيكولوجية هدر الطاقات وهدر الإمكانات وانمحاء الفرد ضمن الجماعة – الدين – القومية –  القبيلة- الطائفة-…الخ، ويرى حجازي أنَ ثقافة الولاء للعصبية لا تفعل سوى هدر الطاقات والكفاءات التي طالما اعتبرت ثانوية، تهدر الطاقات الأكثر حيوية وعطاء على مذبح الولاء والتبعية، وبالتالي تهمش فئات كبيرة من ذوي الكفاءات حتى النادرة منها، وتدفع إلى المنفى الداخلي أو الخارجي ما لم تقدم فروض الطاعة والولاء وبراهين التبعية التي لا يداخلها شك، يقرب المولون ولو كانوا من ذوي الكفاءات الرديئة والانجاز المتدني بينما تهدر الطاقات الوطنية الثمينة، ثقافة الولاء هي ثقافة الهدر ذاته، وهذا ما يفسر تعثر التنمية ويعم التخلف، والمبعدون والمنفيون من ذوي الكفاءات يجترون الإحباط والمعاناة ويشتعل في نفوسهم الغضب على واقع الحال.
ويشير إلى أن الإنسان إذا تم الاعتراف به كإنسان وبشكل غير مشروط فإن الآفاق الرحبة تفتح أمامه، ويعيش التوازن النفسي والوفاق مع الذات، ومع العالم ومع الآخرين، وتنمو لديه الثقة بالنفس والنظرة الإيجابية إلى الذات، والدافعية للعمل والإنجاز، وصولا إلى الإبداع.
يشدد الباحث على ثقافة الإنجاز والعمل تبعا لناموسها، وبرأيه في ثقافة الإنجاز التي تشكل قاعدة كل نماء وبناء، لا يرى المرء من مفهوم لذاته أو تصور إلا باعتباره كائنا منجزا يحسن تنمية طاقاته وتوظيفها، كما أن صناعة المستقبل قائمة على الجهد الذاتي والجماعي بما فيه من تجديد وإبداع.
ويؤكد الباحث على ضرورة الاعتراف  بحق الإنسان بالكيان، وصيانة حرمة هذا الإنسان وتأمين الحاجة والخوف كشرط مسبق لبناء الاقتدار الإنساني الذي يشكل نواة أي إنجاز أو إنتاج أو تقدم أو تنمية الإنسان أولا وفي الأساس، والاعتراف بإنسانيته كمنطلق ومآل ووسائل، وكل ما عدا ذلك جهد مهدور وأمل ضائع.
أما الأستاذ حازم صاغية فيحرر في كتابه ” مأزق الفرد في الشرق الأوسط ” – الساقي 2005- عدة مقالات للعديد من الباحثين والكتاب في مجال الفردانية في الشرق الأوسط، وكل يتناول الفردانية في منطقته، أو ما يختص ويهتم به في تلك المنطقة عبر فصول الكتاب.
ويفرد في الكتاب فصلا عن الفردانية في الشرق الأوسط العربي، بالإضافة إلى مقدمة غنية بالأفكار الحيوية والمهمة، إذ ضمت رؤية نقدية واضحة لمكانة الفرد في التاريخ العربي.
يشير الباحث صاغية على أنه في الواقع لقد وجد الأفراد دائما في الشرق الأوسط، كما في غير مكان من كوكبنا،  وهؤلاء الذين تربطهم ألفة ما بالتاريخ والأدب العربيين يعرفون بالشعراء “الصعاليك ” فآراء وأعمال هؤلاء الشعراء كانت مرفوضة في قبائلهم وجماعاتهم، وكان عليهم أن يهجروا منازلهم وأصحابهم ليعيشوا في منافي الأراضي المهجورة في الصحراء، غير أن ما لم ينوجد هو الفردانية لأن هذه لا تظهر  إلا مع الحداثة وبفضلها، لكن مجتمعا ينوجد فيه أفراد من دون التنبؤ بتصرفاتهم أو كطائشين أو في – أحسن الأحوال- كمتطرفين، ويكونون عرضة للتضحية بهم من دون سبب، وفرديتهم المقموعة إنما تجد مخارج قليلة للتعبير عن نفسها فيكون ملاذها الأسهل في بعض الإيماءات الجسدية الشاذة، أو في سلوك هزلي ما أو كما هي حال الصعاليك، في بعض الشعر” الغريب ” سواء في مفرداته أم في محتواه، ولهذا يصعب أن تصدر مواقف متماسكة منطقيا عن هؤلاء الأفراد فهم لا يستطيعون تطوير خطاب فرداني في ما يخص الحياة والموت ، الحب والكره ، السياسة والثقافة.
وهنالك هضم للحقوق الفردية ضمن سياق المطالبة بالحريات سواء للشعوب المنضوية تحت أطر دول معترف بها أو للأقليات المضطهدة، فالتجربة توضح أن هنالك تضحية بالحريات الفردية من أجل الحريات الجماعية، ولقد شهدت الأحزاب العربية والكردية حالات من إهمال الفرد والتضييق على حرياته، بالرغم من شعارات وأهداف هذه الأحزاب بالحرية والديمقراطية والنضال ضد الاضطهاد والدكتاتورية والاستبداد، ومارست هذه الأحزاب أساليبا غريبة بحق الأعضاء الذين قرروا لسبب ما الانفكاك من هذه الأحزاب، من نبذهم وعزلهم واتهامهم وحتى تخوينهم في كثير من الحالات ، هذا ولعل اندفاع الكثير من الأفراد للانخراط في هذه الأحزاب لا يأتي بسبب قناعاتهم بهذه الأحزاب وإنما بغية صنع وجاهات سياسية للحصول على رضى الجماهير وتقديرها مستغلين حالات التخلف الشعبي الواسعة،  ولعل تهميش الفردية يتبدى في المجال الإعلامي والفكري على شاشات الفضائيات الكردية من خلال إظهار شخصيات لا تمتلك الإمكانات الإعلامية والفكرية للدفاع عن الكرد وقضيتهم العادلة، وذلك بسبب انتمائهم الحزبي بينما يتم إهمال وتهميش شخصيات تمتلك تلك الإمكانات وذلك لأنها شخصيات مستقلة غير منتمية لأية أحزاب.
وهذا الإقصاء وهذا التهميش الممارس من قبل الأحزاب بحق أعضائها المستقيلين يقابله في الأنظمة العربية إقصاء وتهميش للخبرات والكفاءات والطاقات العلمية والثقافية والفكرية، وهذا ما يؤدي  في الداخل للاغتراب والتقوقع والانحسار الإبداعي و في الخارج إلى هجرتها والاغتراب الاجتماعي عن البلد الأصلي والتعرض لازدواجية التجنس واللغة والثقافة والتقاليد.
لكن رغم ذلك فإن هذه الطاقات تبدع وتنجز في مجالاتها إنجازات رائعة ما لا يتاح أمامها في بلدانها الأصلية، بسبب توفر المناخات الديمقراطية الكافية وملاقاتها للدعم والتحفيز والمساندة من المؤسسات الحكومية والمدنية في بلدان المهجر، والأمثلة كثيرة وعديدة ابتداء من فاروق الباز رائد الفضاء الأميركي – المصري الأصل- ومرورا بأدونيس الشاعر السوري والمرشح لجائزة نوبل للآداب وانتهاء بأحمد زويل المصري الأصل-  الحائز على جائز نوبل في الكيمياء ،  وغيرهم .
إنَ ما يدعو للألم والأسى حقا أن الفردية في العالم العربي تغيب وتتيه أمام موجات من المغالاة والمتاجرة الشعاراتية والصراخ في الفراغ، بينما الفرد المبدع يبحث عن إنسانية مبدعة متجسدة في الفرد لبناء مجتمعات قوية وسليمة ومعافاة من أمراض سياسية واجتماعية أدت وتؤدي إلى تخلف هذا العالم ( العالم العربي) وتعرقله عن اللحاق بركب الحضارة العالمية.
© منبر الحرية، 10 يناير/كانون الثاني2010

حواس محمود11 نوفمبر، 20100

منذ أواسط الخمسينيات ومرورا حتى السبعينيات وإلى حد ما في الثمانينيات سيطر نمط  من الحكم اتسم بأنه نمط عسكري انقلابي شمولي توتاليتاري ديكتاتوري استبدادي ، هذا النمط في معظم  مناطق سيطرته -سواء في القسم الآسيوي للمنطقة العربية أو القسم الأفريقي منه- جاء تحت شعارات تحرير فلسطين والوحدة العربية والدفاع عن مصالح الجماهير وتخللت بعض الشعارات الاشتراكية أو الإسلامية في خطابه  ، لكنه لم يحقق لا الأهداف التي انطلق منها ولا الشعارات التي تشدق بها بقيت فلسطين تحت الاحتلال ولم تسد القوانين الإسلامية الحقيقية في العدل والشورى والمساواة بل كانت تلك الشعارات مجرد حجج وتبريرات واهية لكي تفرض شرعيتها المزيفة على مقاليد الحكم والتحكم بمصائر الملايين من الشعوب العربية البسيطة المغلوب على أمرها وتم فرض أحكام الطوارئ والأحكام العرفية وزج في السجون والمعتقلات  ولا يزال العديد من المناضلين والشرفاء والمدافعين عن الوطنية الحقيقية والديمقراطية -كأسلوب حياة وطريقة حكم هدف نبيل للسلم والعدل والإخاء.
ومع مرور الأعوام استفحلت أزمة هذا النمط من الحكم وتكشفت أوراقه فلا الحر ية تحققت بل ساد القمع وكممت  الأفواه وفتحت السجون والمعتقلات لخيرة أبناء الشعب والوطن ، ولا الإسلام طبق بقيمه وعدالته وروحه السمحة والنبيلة ولا الاشتراكية تحققت إذ ساد الفقر والفساد والتهميش والقهر الاقتصادي بامتياز ، ولا الوحدة تحققت بل سادت التجزئة والتمزق وفرضت الدولة القطرية العربية قوانين صارمة على حرية حركة البضائع والمنتوجات بأنواعها وكذلك على حرية تنقل الأشخاص بين حدود الأمة العربية الواحدة في اللغة والتاريخ والجغرافية والمصير والتحديات المشتركة.
إذن هذا هو حال الدولة القطرية العربية ومع ذلك لا زلنا نسمع من يمجد بهذه الأنظمة وكأنها قد حققت لشعوبها جنات الفردوس وشعوبها ترفل في بحبوحة ونعيم
وتغيرت الشعارات تحت نفس المضامين والممارسات ولكن بأثواب وألبسة ومكياجات كثيرة ومتنوعة فمن التقدمية والرجعية الى الصمود والتصدي والدول العميلة الى الممانعة والاعتدال والله أعلم بما ستتفتق عقلية إعلام هذه الأنظمة بأي  مقولات وشعارات قادمة و كلها تساهم في إبقاء هذه المجتمعات تحت رحمة الغرب وحركيته الاستغلالية ومصالحه واستراتيجياته واستفادته من التقانة والعولمة وحرية السوق .. الخ
للأسف لا نجد إلا القليل من الأقلام  التي تتناول ظاهرة الدولة العربية بعد رحيل المستعمر الغربي وانتشار الفساد والخراب في الإدارت الحكومية والخاصة الأمر الذي لا يبشر  بأي خير للشعوب العربية بل تنبؤ بأحداث كثيرة ووخيمة ستدفع شعوب المنطقة ضريبة قاسية وستلفي نفسها وهي واقعة في صحراء قاحلة وقد جفت ينابيع الثروة والمال ولم يعد الندم ينفع وعندها فقط ستدرك ماذا عملت هذه الأنظمة بمصائرها ولكن بعد فوات الأوان.
المطلوب من النخبة الانطلاق من  روح المسؤولية والتنبيه عن المخاطر القادمة جراء فشل الدولة العربية المسماة الحديثة وهي دولة حديثة بالاستيراد والاستهلاك لا بالإنتاج والاستثمار وبخاصة الاستثمار البشري الذي هو أغلى وأهم استثمار وبعيدا عن التحجج بالشعارات الثورية والعبارات الطنانة  والجمل الرنانة لأن النوم الإيديولوجي مخادع وطويل ومخيب للآمال فهل من استفاقة قبل أن يدلهم الظلام الدامس.
© منبر الحرية، 31 يوليو/تموز 2009

حواس محمود11 نوفمبر، 20100

الحالة الواقعية في العالم العربي بكل جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تؤشر إلى وجود مخاض تحت السطح وأحيانا يخترق السطح ليظهر بقوة مبينا حاجة العالم العربي لتيار فكري يستطيع استيعاب كل التوجهات الأيديولوجية الأخرى ضمن سياقه العام.
و يتبين من خلال البحث و الملاحظة الدقيقتين أن لا تيار يستطيع أن يقود قاطرة العالم العربي إلى الأمام إلا الليبرالية. فالليبرالية بمفهومها الديمقراطي الواسع متركزة على حرية الفرد واعتباره اللبنة الأساسية لأي بناء قادم بأساسات فكرية قوية ومتينة لا تهزها رياح العواطف أو زلازل الأحداث الطارئة وهنا لا بد من الإشارة إلى مفهوم الليبرالية
فبحسب أحد التعريفات: الليبرالية هي فلسفة/فلسفات اقتصادية وسياسية ترتكز على أولوية الفرد، بوصفه كائنا حرا.
فمقولة الحرية هي المقولة المركزية التي يستند عليها كل البناء المذهبي لليبرالية، وانطلاقا من هذه المقولة يتم تحديد طبيعة رؤيتها لمختلف مجالات الكينونة الإنسانية:
فالليبرالية من الناحية الفكرية تعني “حرية” الاعتقاد والتفكير والتعبير، ومن الناحية الاقتصادية تعني “حرية”  الملكية الشخصية، و”حرية” الفعل الاقتصادي المنتظم وفق قانون السوق. وعلى المستوى السياسي تعني “حرية” التجمع وتأسيس الأحزاب، واختيار السلطة.. وهكذا نلاحظ أن مقولة الحرية لا تشكل فقط مبدأ من جملة مبادئ، بل هي مرتكز لغيرها من المبادئ.
فالواقع الاجتماعي العربي يتطلب من القوى الليبرالية والقوى اليسارية التي تلبرت أن تضع نصب أعينها مشكل القمع والفساد وان تنشر بين كافة فئات وقطاعات الجماهير ثقافة الإصلاح والديمقراطية وتبين خداع القوى المستلمة للسلطات التي رفعت شعار الإصلاح فقط لتساير موجة عالمية ولم يكن الإصلاح عندها مشروعا استراتيجيا. فقد تخلت عن هذا الشعار بمجرد أن تم تخفيف الضغط الخارجي وعادت لتمارس القمع والاضطهاد من جديد ومن المستغرب حقا وقوع التيارات الليبرالية في حالة من الخجل السياسي والضعف الفكري تجاه اتهامات الأنظمة الحاكمة في العالم العربي وإدعاءاتها لها بالعمالة للأجنبي وخيانة قضية فلسطين واللعب على الوتر العاطفي بالممانعة ورفع الشعارات الطنانة الرنانة لتلعب بها بعواطف الجمهور وتاركة قضايا المواطنين في غياهب النسيان والتجاهل لمدة تربو عن الخمسين عاما.
مشكلة الليبراليين العرب أنهم غالبا ما يخجلون من اتهامات الإسلاميين والقومويين عندما يطالبون بالديموقراطية ويواجهون بتهمة العمالة للأجنبي. على المدافعين على المذهب الليبرالي  أن يؤكدوا للسلطات الحاكمة أن الجبهات الخارجية ( اللعب على الوتر الخارجي فلسطين- العراق- الإمبريالية ..الخ) لن تحل شيئا ما لم تتحصن الجبهات الداخلية باحترام المواطن وإفساح المجال لحريته بالتعبير والمشاركة أو بالعقد الاجتماعي بين الشعب والسلطة. ومن ميزات الليبرالية أنها تستوعب جميع التيارات الأخرى بينما هذه التيارات ( القومية – الماركسية التقليدية – الإسلامية السلفية) تفتقد هذه الميزة. وهذه ميزة الليبرالية التي لم تتمكن حتى الآن من تفعيل وتنشيط أفكارها في العالم العربي.
إن دور الليبرالية وتداعياته على العالم العربي يجب أن يطرح للنقاش خاصة بعد إخفاق التيارات التقليدية المذكورة في جميع المهمات التاريخية في العالم العربي سواء على الصعيد الداخلي ( غياب الحريات – الفساد- التخلف) أو الخارجي ( بقاء قضية فلسطين على حالتها الأزموية بدون حل وكذلك بعض الأراضي العربية المحتلة من عام 1967 وبقاء العلاقات العربية العربية في نقطة الصفر وكذلك العلاقات العربية الإقليمية والعلاقات العربية الدولية.
© منبر الحرية، 23 فبراير 2009

حواس محمود10 نوفمبر، 20100

تعيش المدينة العربية حالة الأزمة منذ أكثر من نصف قرن بسبب هجرة السكان من الريف إلى المدن، بحثا عن الراحة والصحة والأمان،  ولكن هذا البحث قد يؤدي إلى نتائج معكوسة، إذ تتفاقم الأزمة في المدن وتقل الخدمات الضرورية وتعج الأسواق بالمارة والسيارات، وتتكاثف المساكن المتجاورة، وتختلط المياه العذبة مع مياه المجارير وغيرها من المياه الملوثة مما يؤدي إلى الأمراض والأوبئة والتلوث البيئي.
أزمة المدينة العربية :
بادئ ذي بدء لا بد من التطرق إلى تعريف أرسطو عن المدينة التي يقول بأنها: “المكان الذي يعيش فيه الناس حياة جماعية من اجل هدف نبيل” ويقول الدكتور غانم هنا: “خلافا لما قد يعتقد الكثيرون لم تنشأ المدن المتطورة عن تجمعات صغيرة في التاريخ، بل كان نشوؤها ملازما للتجمعات الأولى، أي منذ بدأ الإنسان يستتب على بقعة من الأرض، وذلك كشكل مستقل للتجمع الإنساني”، ويشير أيضا إلى أن: “المدن قد أنشئت ليس تجاوبا مع متطلبات التصنيع، ففي كولومبيا مثلا أقام الرعاة في المدن، وفي الحضارات المصرية القديمة أو البابلية أو اليونانية أو الإيرانية نشأت المدن حول مراكز السلطة أو العشائر الدينية ” (1).
لقد مثلت المدينة كموضوع دراسة في العلوم الاجتماعية شيئا أكبر من تخطيطها الفيزيقي وتنظيمها الخدماتي ( كالخدمات التعليمية والصحية والأسواق وأجهزة الأمن … الخ) أي أنها –  أي المدينة  – في واقع الأمر بناء أو تركيب معقد من الأنساق القيمية والثقافية، إنها وكما يقول روبرت بارك :” نسق من عادات وتقاليد واتجاهات ومواقف منظمة ومشاعر متلازمة مع هذه العادات تتناقل عبر هذه التقاليد ” ( 2).
والمدن كانت وستظل المراكز الرئيسية للعلم  والإنتاج والفنون والثقافة، وباختصار للحضارة، وبالنسبة للعالم العربي فقد شهدت مدنه اتساعا كبيرا لم يسبق له مثيل، إذ أن نسبة سكان المدن ارتفعت من 27,7 في المائة عام 1960 إلى 46،8 في المائة عام 1980، وهي نسبة آخذة في الارتفاع، وبحلول عام 2000 فإن ستة أشخاص تقريبا من بين كل عشرة أشخاص من سكان المنطقة سيكونون من أهل المدن، ولقد تسببت هجرة السكان من الريف إلى المدن في ظاهرة ” ترييف المدن”، أي إضفاء طابع الريف على المدن، إذ تمركزت  العوائل المهاجرة في ضواحي المدن الكبرى في العالم العربي، هذه الضواحي التي تنقصها الخدمات حتى أن بعض المهاجرين قد احتلوا مقابر الأموات في مدينة القاهرة، ويقدر عدد الذين يعيشون في مقابر تلك المدافن القديمة ب 250000  و   900000نسمة، وتشير منى سراج الدين (3) (التي تلقي محاضرات حول تخطيط المدن في جامعة هارفارد) إلى أن المدن العربية التي تضج بالنشاط تنتج في الوقت نفسه فرص الحصول على مغريات عديدة، فهذه المدن تمثل في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية البؤرة الديناميكية للحياة العربية وقطب المغناطيس القوي الذي يجتذب النازحين.
إن ازدحام السكان بات اليوم سمة عامة  في الحياة اليومية للمدن في  كافة أرجاء المنطقة، ويضطر أهل المدينة للتنافس سعيا وراء الحصول على موارد بعيدة المنال، وتختنق الشوارع بحركة المرور التي تلوث الهواء وتنفجر أنابيب المياه والمجاري، وتسد الطرقات، وتنتفخ الباصات بالركاب حيث توجد وسائل النقل العام، ولكي نكون على إطلاع واضح بأزمة المدينة يمكننا أن نذكر – هنا- بعض المشكلات الصحية في المدن العربية:
مياه الشرب : هناك سببان رئيسيان لأزمة المياه النقية يتعلقان بكمية المياه المتوفرة ونوعيتها ، الأول  النمو الحضري المتزايد وما يتمخض عن ذلك من تزايد في طلب المياه واستهلاكها. أما السبب الثاني فهو التلوث الذي صار يصيب جزءا من هذه المياه من مخلفات السكان والصناعة.
النقل وآثاره : إن أكثر العناصر الضارة بالبيئة الحضرية وضوحا للعيان عنصرا الازدحام والنقل، فساكن الحضر أول ما يميزه عن أخيه الريفي هو التوتر الناجم – لدرجة عالية- عن تعرضه المتواصل لاختناقات المرور والضوضاء وضياع ساعات العمل وتدني إنتاجيته المطلوبة. وتجدر الإشارة إلى أن وسائل النقل تقوم ببث مجموعة من الملوثات في الجو، تقدر بآلاف الأطنان في العام أهمها أول أكسيد الكربون والذرات العالقة في الهواء وثاني أكسيد الكربون وغيرهما، ويمكن القول بأن الرصاص مادة سامة تبثها الناقلات في شكل ذرات دقيقة في الهواء يستنشقها الإنسان، وتمتصها الرئتان بكفاءة شبه تامة، وعند دخوله الجسم يبدأ بمهاجمة المخ والأعضاء الأخرى، وحتى في الأطوار البسيطة لهذا التسمم يصاب الصبي بتدهور في أدائه الفكري وتشتت في ذاكرته للمدى القريب وضعف قراءته وتهجيه …الخ.
الصرف الصحي : تتراوح نظم الصرف الصحي في المدن العربية من الشبكات العامة الحديثة للصرف إلى أحواض الترسيب والآبار في كل بيت إلى المراحيض البلدية( الحفر) إلى المراحيض المهوَاة المحسَنة، وهذه كلها تحتاج إلى معايير تحكم أداءها، فالمراحيض البلدية مثلا تلزمها مواصفات دقيقة في التربة الحجرية الصلبة والتربة الرملية القابلة للانهيار، وفي المناطق ذات المستوى العالي للمياه الأرضية والمناطق التي تزداد فيها أخطار  تلوث المياه الجوفية المجاورة.
النفايات : ازدادت في عصرنا الحالي مخلفات المناطق المختلفة في المدينة (سكنية- تجارية- صناعية- خدمية ) حتى أضحى تراكمها يهدد صحة البيئة والمواطنين، وأصبحت تلال القمامة منظرا مألوفا في كثير من المدن العربية، ومصدرا للأمراض، خصوصا للصبيان، ويكون أثرها أبلغ ضررا في المناطق الرطبة، وفي مواسم الأمطار التي تساعد على توالد الذباب والبعوض والبكتريا والفطريات والقوارض، كما تزيد مخلفات المناطق الصناعية باحتوائها  على الأبخرة والمواد الكيميائية الضارة بالتربة والهواء ومصادر المياه.
تصريف المياه السطحية :  يخلق تجمع المياه السطحية وركودها  في كثير من المدن العربية مشكلة صحية وبيئية كبرى، خصوصا في الأحياء الفقيرة وفي مناطق السكن العشوائي التي لا تكون أرضها أصلا صالحة للبناء عليها والسكن، والمشكلة لا تكون فقط من مياه الأمطار والسيول،  بل تنبع إلى جانب ذلك من مواسير التغذية الرئيسية المسربة للمياه أو المنفجرة، ومياه الغسيل والاستجمام، بل أسوأ من ذلك مجاري التصريف الصحي الطافحة بسبب الانسداد  أو ضعف طاقة المحطات على السحب، فتظهر بذلك برك المياه الآسنة والجداول المليئة كخط رئيسي ولاسيما حين تختلط مياهها بالنفايات المنزلية والصناعية.
الصناعة وآثارها : شهدت المدن العربية بدايات التصنيع بشكل ملحوظ. ومع أهمية التصنيع وحتميته لنا فانه يجلب عللا لابد من مجابهتها، ومن أهمها التلوث بأنواعه – الهواء- الماء- التربة –، فإلى جانب تلوث البيئة بالضوضاء والحرارة، هناك تلوث للجو في دول النفط ينتج عن عمليات استخراج النفط وتكريره، وحين تكون مستودعات النفط تحت الماء يحدث بالإضافة إلى ذلك تلوث المياه، أما مخلفات عمليات التصنيع فكثيرا ما تجد طريقها إلى الأراضي المجاورة، عاملة بذلك على تدمير التربة، ولا يزال أغلب الأقطار العربية من دون قوانين ملزمة تحكم التصرف في مخلفات الصناعة.
السكن العشوائي : أضحت الكثير من المدن العربية مطوقة بأحزمة من السكن العشوائي ” أحزمة البؤس” كما يقولون لها وتفوق في بعض الحالات ما يزيد عن نصف سكان المدينة، ويوفر السكن العشوائي البيئة المهيأة للعديد من الأمراض البيئية منها والعضوية والنفسية والاجتماعية ( 4).
إن المناطق الحضرية تتمدد عشوائيا  في الريف جارفة في طريقها أرضا زراعية قيمة وإن قرى بأكملها يتم ابتلاعها، ولقد تحولت حقول زراعية بالقرب من المدن الرئيسية مثل القاهرة، بغداد، دمشق  بيروت، إلى مناطق سكن عشوائية أو مدن صفيح أو عمارات سكنية عادية، وبعد أن كانت تلك الحقول تمد المدن بالخضار والفواكه أضحت بيئات سكنية غير كاملة المواصفات من حيث النظافة والشروط الصحية المناسبة، ولم تعد مناسبة للغطاء الزراعي (5).
إن الأزمة التي تعيشها المدن العربية تتفاقم أكثر في ظل غياب المساكن السكانية لاحتضان هذا الكم الهائل من الناس، وترتفع قيمة الإيجارات إلى مستويات خيالية مخيفة في كثير من الأحيان، وتمتلئ مراكز المدينة وأسواقها بالسكان، واستدراكا وامتصاصا لهذه المشكلة أقيمت في مدينة حلب جدران في البيوت القديمة ذات الأفنية والتي كانت تضم من قبل أسرة واحدة بحيث قسمت إلى شقق تشغلها عدة أسر لكل منها قطعة صغيرة من الفناء (6)
ومن المفارقات العجيبة أنه بالرغم من ندرة المساكن إلا أنه هناك الكثير من البنايات والمساكن الخالية من السكان احتفظ بها أصحابها لأهداف تجارية صرفة، ويبرر أصحاب هذه المساكن في ( القاهرة- حلب – دمشق- بيروت ) خلاءها من السكان بأنهم مضطرون لذلك بسبب القانون الذي يجعل من المستحيل تقريبا إخلاءها إذا تم تأجيرها (7)
إن هذه الأزمات الحادة التي تعانيها المدينة العربية تتطلب حلا، وهذا الحل سيكون بإنشاء مساكن جديدة، وتوسع مديني،  ولكن  العديد من المشاريع فشلت، في هذا الصدد نذكر على سبيل المثال في مصر ( في عهد السادات ) تم وضع مخططات لإنشاء ثلاث مجمعات جديدة –العاشر من رمضان – مدينة السادات- مدينة الأميرية الجديدة (8).
وكانت الخطة استيعاب كل منها نصف مليون إنسان بحلول عام 2000 ولكنها فشلت في ذلك لأسباب متقاربة ، ويعود ذلك إلى عدم تلاؤم الإنسان في العالم العربي المتميز بخصوصية ونفسية وروحية وتقاليد خاصة تتناقض مع واقع وبيئة وسكن له طابع غربي، محول  على عقل ويد  وممارسة مقاولي وتجار العقارات والبناء إلى “علب كبريت”   جامدة، وجرت محاولات مماثلة في مدن الخليج وفشلت هي الأخرى – في معظمها- لأسباب مماثلة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن العيب ليس في البناء الغربي بحد ذاته وإنما في تنفيذ النموذج الغربي  الحرفي والكامل – إن جاز التعبير – في المنطقة العربية التي تختلف ببيئتها ونمطها البيئي والاجتماعي  عن البيئات الغربية.
لقد قفز الاستهلاك  المنزلي في مدن الخليج عاليا دونما ضابط من أجهزة القياس  في معظم الأحيان، وتوضح حالة الكويت الحاجة الماسة والمتزايدة للماء(9).
وقد كان بوسع الطبقات الصخرية المائية المحلية الوفاء باحتياجات السكان من الماء، إلى أن ازداد الطلب في بواكير هذا القرن وأرسلت المراكب الشراعية التقليدية المعروفة باسم ” البوم” لجلب المزيد من المياه العذبة من شط العرب.
إن الاستهلاك المنزلي في الكويت تضاعف خلال الفترة من الخمسينات إلى السبعينات أربع  مرات تقريبا، ومن اجل مواجهة الطلب بنيت محطات لتحلية المياه، وبالنسبة لدول المغرب  العربي وطبقا لمعطيات البنك الدولي فان حوالي 45% من المغاربة يقطنون المدن حاليا بالمقارنة بنسبة تقل في عام 1960 عن ثلاثين في المائة، وبالمثل يعيش نصف الجزائريين وأكثر من نصف التونسيين  في المدن، إن هذه المظاهر من الأزمة المتفاقمة في المدينة العربية تتطلب – بطبيعة الحال – حلا لها، وهذا الحل لن يكون سوى التخطيط العمراني، الذي يمكنه وحده ضبط الأزمات وحركة السكان والعمران بشكل يحافظ على صحة الإنسان وسلامته، وفي الآن نفسه على جمال وحيوية ونشاط المدينة ،  والتخطيط العمراني مهم جدا لأي مدينة، وفيما يلي سنتناوله بشيء من التفصيل:
التخطيط العمراني :
لنبحث في البداية عن ماهية التخطيط العمراني، وللوصول إلى فهم لهذه الماهية يمكننا إيراد بعض التعاريف لتقريب مفهوم ” التخطيط العمراني” من ذهن القارئ:
تعريف أول : ” التخطيط العمراني هو علم وفن وتقنية وسياسة ومهمته وضع نظام وظيفي واقتصادي وفراغي في المكان المأهول ” (10).
تعريف ثان : ” التخطيط العمراني يهدف إلى الاهتمام بالتنظيم الشامل للمدن والحواضر بغية توفير ظروف حقيقية وكاملة للإنسان ليعيش وينتج ويستجم ” (11).
تعريف ثالث : ” التخطيط العمراني هو نظرية وممارسة لتخطيط المدن وبنائها، ويشمل ذلك مجموعة من التدابير الاجتماعية والاقتصادية والصحية العامة والبنائية التقنية والمعمارية ”  ( 12 ).
وتعرف ” الموسوعة البريطانية المختصرة ” التخطيط العمراني بقولها : ” التخطيط العمراني برنامج وأساس تخطيطي إلزامي لبناء المكان المأهول ومحيطه وإعادة بنائهما وتجميلهما وتطويرهما الشامل، وذلك لفترة تتراوح بين 15-20 سنة في إطار خطط الاقتصاد الوطني ” (13).
ويربط الدكتور احمد الغفري بين المدينة واحتياجاتها من جهة والتخطيط العمراني من جهة أخرى، فيقول ” إن المدينة تجسد على أرض الواقع الحياة الإنسانية العصرية  اليوم، والعصرية بالأمس، والعصرية في المستقبل، وتحتاج إلى متطلبات، وعلى التخطيط العمراني تلبيتها جميعا، لكي يتمكن الإنسان من ممارسة حياته الإنسانية دون أزمات “.
وظيفة التخطيط العمراني :
قد يقع مخطط  أو منظم المدينة في أخطاء تؤثر سلبا على السكان، وهذا التأثير أكبر بكثير  مما قد يقاس بخطأ مهندس إنشائي يسبب أضرارا لبعض سكان إحدى البنايات، يقول في هذا الصدد الدكتور احمد الغفري ” إن خطأ المهندس الإنشائي في تصميم جسر قد يؤدي إلى كارثة مرة واحدة، ولكن خطأ منظم المدينة يؤدي إلى كوارث مباشرة متتالية ( حوادث الطرق )، كما يؤدي إلى ما يشبه الموت البطيء (الضجيج ، سوء توجيه الأبنية – قلة المساحات الخضراء – توسيع الشوارع والأماكن المرصوفة كمصادر للوهج ) ( 14) .
وهناك أخطاء كثيرة يقع فيها منظم المدن منها : منظم المدن الذي يضع المصانع على طريق الرياح السائدة، أو يضع المسكن على شارع كثيف الحركة الآلية أو يبعده عن سوق تأمين الحاجيات  اليومية، أو يضع المنطقة الصناعية بجانب منطقة سكنية، أو يضع مدرسة في الطرف الآخر من شارع مزدحم بالسيارات، أو يتغافل عن تأمين ملاعب ورياض الأطفال ، أو يقلل من الحدائق إلى درجة أدنى …الخ.
وبالرغم من أن التخطيط العمراني اختصاص علمي، إلا أن مهندس التخطيط العمراني يلجأ ويزداد لجوؤه كلما ازداد  تمكنه من اختصاصه إلى حد كبير من الاختصاصات الأخرى، بهدف تحقيق الشروط المثلى لمعيشة  الإنسان وعمله واستجمامه، من هذه الاختصاصات :  الجغرافيا، علم الاجتماع، البيئة،  االعمارة،     الهندسة الإنشائية، علم المياه، الطبوغرافيا، الصحة العامة، المناخ، الصرف الصحي، ميكانيك التربة، الزراعة ، الفنون التشكيلية، ولكن مهندس التخطيط  العمراني يبقى قائد الأوركسترا( المايسترو)  لتحقيق التناغم المطلوب من جميع الاختصاصات الأخرى، ويمكن القول بأن ” التخطيط العمراني ليس تقسيما لشوارع يصطف على جانبها صفان من الأبنية، ومن المؤكد  أن المدينة هي المكان الذي يعيش فيه الإنسان، وهذا يتطلب من مهندس التخطيط العمراني أن يوسع مداركه ومعارفه قدر ما هي واسعة حياة الإنسان وعمله، وأن يؤمن لهذا الإنسان المأوى والراحة فيه وخارجه، وأن يقيه من المنغصات التي تؤدي إلى أمراض عصبية وجسدية، وتؤثر على إنتاجية عمله وعلى علاقاته بالآخرين ” (15).
إذن بالاستناد إلى ما سبق نجد أن التخطيط العمراني مسألة دقيقة وحساسة، وعليه أن يأخذ بالاعتبار عملية التوفيق بين الجانب الوظيفي والجانب الجمالي والجانب الاقتصادي، فعلى مدى نجاح التوفيق بين العناصر السابقة المتناقضة يمكن تقويم المخطط العمراني إيجابا أو سلبا، وبالاستناد إلى تعريف المدينة  ” المكان الذي يعيش فيه الإنسان ويعمل”، نرى أن مهمة منظم المدينة تعتمد بشكل رئيسي في تأمين مسكن للسكان وتلبية احتياجاتهم، وبالنسبة لتأمين المسكن ومستلزماته  يتوجب على منظم المدينة أن يؤمن للسكان جميع الخدمات الضرورية في إطار مرحلة التطور التي يعيشها هؤلاء السكان مع الأخذ بالاعتبار التطور المستقل، ويمكن تحديد هذه الخدمات ب :
الأملاك العامة : وتشمل الشوارع بأنواعها، الحدائق، الساحات.
المشيدات العامة : وتشمل المدارس، المراكز الطبية، المراكز الثقافية، أماكن العبادة، المراكز الإدارية ، مخافر الشرطة.
الأسواق التجارية.
التأثير على الحالة الصحية والنفسية للسكان :
يلعب منظم المدن دورا رئيسيا في التأثير على سلامة الحالة الصحية والنفسية للسكان سلبا أو إيجابا، ويمكننا في هذا السياق أن نورد أمورا كثيرة تؤثر على هذه الحالة بصورة عامة ( 16).
وضع الأبنية السكنية : يتطلب من منظم المدينة أن يوفر لسكانها القدر الكافي من الضياء والهواء والخصوصية والمنظر الجميل، وذلك بالتوافق والانسجام مع الظروف المناخية والاجتماعية والموقع، وتقع أخطاء كثيرة في هذا المجال، كمثال : قرب الأبنية بعضها من بعض لدرجة تفقد المسكن خصوصيته، وتجعله تحت أنظار سكان المبنى المجاور، مما يضطر العديد من السكان إلى إغلاق نوافذهم إغلاقا دائما، وبذلك هم يحرمون أنفسهم من الشمس والهواء.
تأمين مساحات محددة أو أنصاف أقطار تخديم لا يجوز تجاوزها بالنسبة لكل نوع من أنواع الخدمات، والغاية من ذلك هي تأمين حصول السكان على هذه الخدمات دون عناء كبير، وتحصل أخطاء في هذا المجال كمثال : بعد المدرسة وبخاصة ” الابتدائية”- حيث الأطفال الصغار-، عن كثير من الأبنية السكنية بعدا يخلق قلقا لدى الأم والأب، ويستمر هذا القلق إلى حين عودة الطفل من المدرسة.
توازن استعمالات الأراضي  يتوجب أثناء دراسة المخطط التنظيمي العام لمدينة من المدن أو المخطط التفصيلي لقطاع معين من المدينة، أن ينصب الاهتمام الأول على التوازن في استعمالات الأراضي، وتأمين تناسب سليم للمسافات بين مختلف الاستعمالات لتلبية احتياجات السكان الأساسية، وتقسم هذه الاستعمالات إلى أبنية وفراغات.
الأبنية : وتشمل السكنية والعامة، الإدارة ، الثقافية، الدينية، الصحية، التعليمية، التجارية والخدمية، أما الفراغات فتشمل حدائق خاصة، حدائق عامة، ساحات عامة، شوارع، مواقف سيارات، ممرات ، وأرصفة للمشاة، والغاية من التوازن بين مختلف استعمالات الأراضي هي أن لا يطغى استعمال على آخر، ويمكننا أن نضرب مثلا على سوء التوازن بين استعمالات الأراضي ما يتعلق بالشارع والرصيف،  إذ أن الدراسات أثبتت أن 70%من حوادث السير في الاتحاد السوفياتي السابق يعود سببها إلى سوء تخطيط الطرق، والشوارع، وأشار باحث فرنسي إلى أن هذه النسبة  هي 80%.
تنظيم المدينة والاستجمام : يقسم علماء تنظيم مدن الاستجمام إلى ثلاثة أنواع : يومي، أسبوعي، موسمي، وتقع على عاتق منظم المدينة مسؤولية اختيار مواقع الاستجمام الملائمة  في المدينة، ويمكن تأمين الاستجمام اليومي بتخصيص مساحات كافية للحدائق العامة وللمساحات الخضراء، وتوصلت الدراسات إلى نتيجة مفادها أن درجة حرارة المناطق الخضراء تنقص عما هي عليه في مناطق المدينة الأخرى ويصل الفارق إلى (15) درجة مئوية، كما أن المناطق الخضراء تقوم بتخفيف الضجيج في المدن نتيجة لتلاشي أو تخامد الموجات الصوتية المتساقطة على أوراقها المخملية المهتزة باستمرار ( 17).
جمال المدينة : تشكل المدينة ككل  وبأجزائها المختلفة مجموعات غنية معمارية وعمرانية معقدة ذات أحجام كبيرة، ويجب أن تتوفر فيها التكوينات المتناسقة تخطيطيا وفراغيا ومعماريا، أي أنه يجب أن تتوفر فيها العناصر الجمالية، وفي حال عدم توفرها فإنها لا تعدو أن تكون مجموعات أو تماثيل نحتية بشعة.
العمل العمراني العربي المشترك : – توصيات ندوة دبي –
إن الواقع التنظيمي والعمراني للمدن العربية وما يتخلله من أخطاء وما يترافق مع أزمات ومشاكل يدعونا إلى القول بضرورة تضافر الجهود في الدول العربية، وإلى العمل العربي المشترك، والتعاون لتبادل الخبرات ومناقشة الدراسات والبحوث في هذا المجال ، ويمكن أن ينظم هذا التعاون ضمن لجان مشتركة منبثقة عن الجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجي، أي على المستوى القومي العربي، أو على المستوى الجهوي، ويمكننا أن نذكر – في هذا السياق- بعض التوصيات ( في مجال التخطيط العمراني ) التي تم إقرارها في ندوة ” دبي” بدولة الإمارات العربية أثناء عقد المؤتمر العاشر لمنظمة المدن العربية من  3إلى 7 نيسان 1994 والتي كانت بعنوان ” المدينة العربية وتحديات المستقبل ” (18).
ضرورة إعداد استراتيجيات بعيدة المدى للتنمية الحضرية مع الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال.
نظرا لتعاظم أهمية المدن المتوسطة والصغيرة في تحقيق التنظيم الحضري والتوزيع الأمثل للسكان وكذلك في مجالات التنمية،   يجب أن  تولي الدول والمدن العربية اهتماما كبيرا لتدعيم دور المدن في خطط التنمية الشاملة.
الاهتمام بدور البلديات في إعداد استراتيجيات التنمية الحضرية ودورها أيضا في إعداد الخطط وتحديثها كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
النهوض بالمجتمعات الريفية والبدوية في البلاد العربية والتنمية الشاملة لهذه المجتمعات أسوة بالمجتمعات المتحضرة.
مراعاة الاختيار الجيد والدقيق للموقع الجغرافي والموقع الطبيعي للمدن الجديدة، في ظل الظروف المكانية والأحوال البيئية من اجل الحفاظ على توازن البنية الاقتصادية.
من الضروري  أن تقوم المدينة الجديدة على عنصر التخطيط الكامل، الذي يضمن بناء مستوطنة مستوفية لجميع الشروط التي يجب توفرها لقيام المدينة واستمرارها.
ضرورة حفظ وإحياء المواقع التاريخية، وكذلك الارتقاء بالأحياء القديمة والمتخلفة، مع تأكيد التوازن في التنمية والتخطيط الحضري، وتكوين لجان متخصصة من ذوي الخبرة والاهتمام بالتراث والتخطيط العمراني لتقييم التراث العمراني فنيا في المدن، وتقرير ما يجب هدمه وما يجب الحفاظ عليه، وتطبيق الأساليب العلمية في ترميم المباني التاريخية.
وفي الختام يمكن  القول بأن العديد من الأزمات التي حدثت وتحدث في المدن، وان حالة الاغتراب المديني التي تصيب العديد من سكان المدن،  سببه سوء التخطيط العمراني، ذلك أن التخطيط العمراني يتغلب عليه في كثير من الأحيان أهداف تجارية صرفة، من قبل تجار ومقاولي العقارات الذين يهمهم فقط الربح السريع ولا يهمهم صحة وسلامة المواطن، ولذلك فالتخطيط العمراني يتوجب عليه وضع المخططات العمرانية استنادا إلى دراسة ميدانية موسعة بالأخذ بعين الاعتبار جميع حيثيات وظروف التواجد السكاني وعلاقته بمستويات المدينة الاقتصادية والثقافية والعلمية والسياحية، وبما يؤدي في المحصلة إلى الحد أو إزالة الأضرار الناجمة عن سوء التوضعات العمرانية، وكما رأينا لا يمكن أن يكون التخطيط العمراني ترفا حضاريا، وإنما هو حاجة موضوعية لبناء وسكن ومدينة منتظمة متناسبة الأبعاد والتوضعات السكنية والخدمية والاستجمامية، بحيث تشكل في مجموعها لوحة جمالية حضارية متناسبة الألوان والمسافات غنية بالوظائف، زاخرة بالحيوية والنظام.
الهوامش :
د. أحمد الغفري ” تخطيط المدن ” مطبعة الجمهورية – دمشق 1993 – ص 5، ص 7
د. باقر النجار مجلة ” عالم الفكر” مقال ” البتية الثقافية والاجتماعية للمدينة الخليجية في الحقبة النفطية  ، المجلد 24  عدد 4  ابريل / يونيو 1996  – الكويت – ص 77
لين سيمارسكي ، ترجمة عبد الفتاح الصبحي ، مجلة ” الثقافة العالمية ” الكويتية ، مقال ” أزمة المدن في العالم العربي ” العدد 41 يوليو / تموز 1988 – المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت – ص 7
عادل مصطفى أحمد مجلة ” المستقبل العربي” مقال ” المدينة المعافاة في الوطن العربي دعوة إلى التعاون بين المدن العربية ” العدد 211 ايلول / سبتمبر 1996 بيروت مركز دراسات الوحدة العربية ص 85، ص 91
عامر ذياب التميمي ، مجلة ” العربي” مقال النمو السكاني والتحديات أمام العرب عدد 434 يناير / كانون الثاني 1995 ت الكويت وزارة الاعلام ص 108
لين سيمارسكي – الثقافة العالمية- مصدر سابق ص 9
8- 9 مجلة الثقافة العالمية ص10، ص9
تعريف اورده ليوبين توفيق  في بحثه ” المدينة والتخطيط العمراني ” في كتاب ” التخطيط العمراني ” لمجموعة من المؤلفين ص 9 ولم يشر إلى مصدره ، نقلا عن د. احمد الغفري كتاب ” تخطيط المدن ” مصدر سابق  ص18
المصدر السابق ص 9  نقلا عن د. الغفري مصدر سابق ص 18
” الموسوعة السوفيتية الكبرى ” ص 396 نقلا عن ” تخطيط المدن ” د. الغفري ص 19
د. احمد الغفري ” التخطيط العمراني اختصاص علمي أم هواية ” مجلة  المهندس العربي عدد 112 – سورية – دمشق نقابة المهندسين  ص 4
15-16 د. احمد الغفري ” تخطيط المدن ” مصدر سابق ص 160 ، ص 22 ، ص 152-157
17 – د. عمر وصفي مارتيني ” تخطيط المدن ” حلب – جامعة  حلب – كلية الهندسة – قسم العمارة 1981 ص 475
18- مجلة ” المهندس العربي ” – توصيات ندوة المدينة العربية والمستقبل ” عدد 115 / 1994 ص 58
© منبر الحرية،6 شتنبر/سبتمبر 2010

حواس محمود3 نوفمبر، 2010

 كاتب وباحث من سورية – مهندس مدني- عضو نقابة المهندسين السوريين  خريج جامعة حلب 1986
يكتب في الدوريات العربية والمحلية – نشر مقالاته في أكثر من ستين دورية ومجلة ثقافية ومحكمة-
صدرله 3 كتب هي 1- موضوعات سجالية
2-  التكنولوجيا والعولمة الثقافية
3- المائدة الأدبية
وله مشاركات على الانترنت في عدة مواقع وهو عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018