يمكن إرجاع سر بقاء الجنرالات في حكم ميانمار لفترة الزمنية الطويلة إلى عدة عوامل من أهمها موقع ميانمار الاستراتيجي و الطاقة ! فقد برزت ميانمار على مدار الأعوام القليلة الماضية باعتبارها منتجاً ضخماً للطاقة في جنوب شرق آسيا. فبفضل الحقول الشاسعة من الغاز الطبيعي والواقعة بالقرب من سواحلها، أصبحت ميانمار الآن قادرة على جمع عائدات ضخمة من العملات الأجنبية. و في الوقت الحاضر، تأتي أغلب هذه العائدات (التي تتراوح ما بين مليار إلى مليار ونصف المليار من الدولارات، تبعاً لتقلب الأسعار) من تايلاند. إذ تستخدم بانجكوك الغاز القادم من بورما، عن طريق الأنابيب الممتدة على طول شواطئ خليج مارتابان، في توليد حوالي 20% من الطاقة الكهربية التي تحتاج إليها.
كما أن ميانمار الغنية بالطاقة لها علاقات وثيقة بمحيطها الأسيوي. فهي عضو في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، ورغم العقوبات الغربية على ميانمار، تتدفق الاستثمارات على ميانمار، من جانب رابطة آسيان في مجال الفنادق وغير ذلك من القطاعات ومؤخراً من جانب الصين والهند ، اللتان تتنافسان على تنفيذ المشاريع وبسط النفوذ في قطاع الطاقة الاستراتيجي. ونتيجة لهذا فقد تمكن جنرالات ميانمار من تأليب طرف على آخر. الصين – التي تستورد الطاقة منها – واصلت وتيرة تسريع العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية مع ميانمار في السنوات الأخيرة، وأقامت شركات صينية عددا كبيرا من المشروعات في ميانمار تغطي محطات الطاقة الكهرومائية، ومشروعات لشبكات الاتصالات، ومصانع للاسمنت والورق، ومصانع للآلات الزراعية، ومشروعات للكباري، و تعتبر ميانمار ذات أهمية إستراتيجية كبيرة بالنسبة للصين لأنها منفذ الصين إلى المحيط الهندي. وإلى جانب العلاقات التاريخية والإستراتيجية والعسكرية فان العلاقات الاقتصادية وثيقة بين البلدين سيما في مجال الطاقة حيث يجري إنشاء خط لأنابيب النفط بين ميناء سيتوى ذا المياه العميقة في ميانمار وبين مدينة كانمينج عاصمة محافظة يونان الواقعة في جنوب غرب الصين كما بدأت الصين باستثمار ما يعادل 04،1 مليار دولار أمريكي في بناء خط لنقل الغاز يمتد من ميانمار إلى كانمينج، وهذا الخط مقدر له أن ينقل 170 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المنتج بالشرق الأوسط إلى جنوب غرب الصين خلال العقود الثلاثة المقبلة. وحصلت ميانمار في مقابل ذلك على قرض من الحكومة الصينية يعادل 83 مليون دولار، لكي تستخدمه في استغلال مواردها الطبيعية. فجنرالات بورما أحسنوا استغلال التنافس الصيني الهندي إلى التسابق على مصادر الطاقة من ميانمار. فحين بدأت سياسة الهند المعروفة بـ”لنظرة إلى الشرق” التي انتهجتها في التسعينات، تؤتي ثمارها، و يظهر تأثيرها، أكثر فأكثر، في المنطقة.
عبر مبادرة خليج البنغال، والتي تضم في عضويتها كلاً من الهند، بنغلاديش ، بوتان، ماينمار، النيبال، سريلانكا، وتايلاند. ومجموعة مبادرة خليج البنغال كانت قد أنشئت في العام 1997 بهدف زيادة وترفيع حجم ومستوى التعاون التجاري والاقتصادي بين الهند وبنغلاديش وتايلاند وسريلانكا، ثم توسعت الرابطة بعد ذلك لتضم ميانمار الغنية بالطاقة نظرا لحاجة الهند الماسة إلى الطاقة حيث تعتبر الهند سادس دولة في العالم في استهلاك النفط وتلبي 70% من احتياجاتها للطاقة بالنفط الخام المستورد، ونتيجة لهذه الآفاق تقوم الحكومة الهندية حاليا بالاستثمار بشكل كبير لتأمين إمداداتها بالنفط من الخارج، ولذا لم تتردد الهند في توقيع اتفاقية مع جنرالات ميانمار (بورما) لمد خط أنابيب لنقل النفط. ولم تتردد الصين في استخدام نادر للفيتو على مشروع قرار أعدته الولايات المتحدة لإدانة ميانمار منذ سنوات. ويتزامن ذلك مع تسابق شركات نفط غربية وروسية للحاق بالركب رغم سجل النظام العسكري الحاكم في ميانمار وبالإضافة إلى ذلك استغل جنرالات ميانمار جشع شركات النفط الكبرى حيث تتجه تلك الشركات إلى دعم أنظمة الحكم الفاسدة. في سبيل جنى المزيد من الأرباح.
والملاحظ أن المجموعة الوحيدة التي نكاد نجزم بأنها لن تستفيد بأي حال من الأحوال من أي من هذه الثروات السخية تتألف من الشعب البورمي، صاحب هذه الثروات، التي تعني بالنسبة له الخلاص من حياة الفقر والعوز. وبدلا من ذلك ظهرت مؤخراً على قائمة نظام الجنرالات أفكار مثل بناء مفاعل نووي، وعاصمة جديدة، وزيادة الإنفاق العسكري، وغير ذلك الكثير من أجل الاحتفاظ بالسلطة التي أجادوا فنونها.
© منبر الحرية، 2 فبراير/شباط 2011