peshwazarabic

peshwazarabic3 فبراير، 20110

يمكن إرجاع سر بقاء الجنرالات في حكم ميانمار لفترة الزمنية الطويلة إلى عدة عوامل من أهمها موقع ميانمار الاستراتيجي و الطاقة ! فقد برزت ميانمار على مدار الأعوام القليلة الماضية باعتبارها منتجاً ضخماً للطاقة في جنوب شرق آسيا. فبفضل الحقول الشاسعة من الغاز الطبيعي والواقعة بالقرب من سواحلها، أصبحت ميانمار الآن قادرة على جمع عائدات ضخمة من العملات الأجنبية. و في الوقت الحاضر، تأتي أغلب هذه العائدات (التي تتراوح ما بين مليار إلى مليار ونصف المليار من الدولارات، تبعاً لتقلب الأسعار) من تايلاند. إذ تستخدم بانجكوك الغاز القادم من بورما، عن طريق الأنابيب الممتدة على طول شواطئ خليج مارتابان، في توليد حوالي 20% من الطاقة الكهربية التي تحتاج إليها.
كما أن ميانمار الغنية بالطاقة لها علاقات وثيقة بمحيطها الأسيوي. فهي عضو في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، ورغم العقوبات الغربية على ميانمار، تتدفق الاستثمارات على ميانمار، من جانب رابطة آسيان في مجال الفنادق وغير ذلك من القطاعات ومؤخراً من جانب الصين والهند ، اللتان تتنافسان على تنفيذ المشاريع وبسط النفوذ في قطاع الطاقة الاستراتيجي. ونتيجة لهذا فقد تمكن جنرالات ميانمار من تأليب طرف على آخر. الصين – التي تستورد الطاقة منها – واصلت وتيرة تسريع العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية مع ميانمار في السنوات الأخيرة، وأقامت شركات صينية عددا كبيرا من المشروعات في ميانمار تغطي محطات الطاقة الكهرومائية، ومشروعات لشبكات الاتصالات، ومصانع للاسمنت والورق، ومصانع للآلات الزراعية، ومشروعات للكباري، و تعتبر ميانمار ذات أهمية إستراتيجية كبيرة بالنسبة للصين لأنها منفذ الصين إلى المحيط الهندي. وإلى جانب العلاقات التاريخية والإستراتيجية والعسكرية فان العلاقات الاقتصادية وثيقة بين البلدين سيما في مجال الطاقة حيث يجري إنشاء خط لأنابيب النفط بين ميناء سيتوى ذا المياه العميقة في ميانمار وبين مدينة كانمينج عاصمة محافظة يونان الواقعة في جنوب غرب الصين كما بدأت الصين باستثمار ما يعادل 04،1 مليار دولار أمريكي في بناء خط لنقل الغاز يمتد من ميانمار إلى كانمينج، وهذا الخط مقدر له أن ينقل 170 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المنتج بالشرق الأوسط إلى جنوب غرب الصين خلال العقود الثلاثة المقبلة. وحصلت ميانمار في مقابل ذلك على قرض من الحكومة الصينية يعادل 83 مليون دولار، لكي تستخدمه في استغلال مواردها الطبيعية. فجنرالات بورما أحسنوا استغلال التنافس الصيني الهندي إلى التسابق على مصادر الطاقة من ميانمار. فحين بدأت سياسة الهند المعروفة بـ”لنظرة إلى الشرق” التي انتهجتها في التسعينات، تؤتي ثمارها، و يظهر تأثيرها، أكثر فأكثر، في المنطقة.
عبر مبادرة خليج البنغال، والتي تضم في عضويتها كلاً من الهند، بنغلاديش ، بوتان، ماينمار، النيبال، سريلانكا، وتايلاند. ومجموعة مبادرة خليج البنغال كانت قد أنشئت في العام 1997 بهدف زيادة وترفيع حجم ومستوى التعاون التجاري والاقتصادي بين الهند وبنغلاديش وتايلاند وسريلانكا، ثم توسعت الرابطة بعد ذلك لتضم ميانمار الغنية بالطاقة نظرا لحاجة الهند الماسة إلى الطاقة حيث تعتبر الهند سادس دولة في العالم في استهلاك النفط وتلبي 70% من احتياجاتها للطاقة بالنفط الخام المستورد، ونتيجة لهذه الآفاق تقوم الحكومة الهندية حاليا بالاستثمار بشكل كبير لتأمين إمداداتها بالنفط من الخارج، ولذا لم تتردد الهند في توقيع اتفاقية مع جنرالات ميانمار (بورما) لمد خط أنابيب لنقل النفط. ولم تتردد الصين في استخدام نادر للفيتو على مشروع قرار أعدته الولايات المتحدة لإدانة ميانمار منذ سنوات. ويتزامن ذلك مع تسابق شركات نفط غربية وروسية للحاق بالركب رغم سجل النظام العسكري الحاكم في ميانمار وبالإضافة إلى ذلك استغل جنرالات ميانمار جشع شركات النفط الكبرى حيث تتجه تلك الشركات إلى دعم أنظمة الحكم الفاسدة. في سبيل جنى المزيد من الأرباح.
والملاحظ أن المجموعة الوحيدة التي نكاد نجزم بأنها لن تستفيد بأي حال من الأحوال من أي من هذه الثروات السخية تتألف من الشعب البورمي، صاحب هذه الثروات، التي تعني بالنسبة له الخلاص من حياة الفقر والعوز. وبدلا من ذلك ظهرت مؤخراً على قائمة نظام الجنرالات أفكار مثل بناء مفاعل نووي، وعاصمة جديدة، وزيادة الإنفاق العسكري، وغير ذلك الكثير من أجل الاحتفاظ بالسلطة التي أجادوا فنونها.
‎© منبر الحرية، 2 فبراير/شباط 2011

peshwazarabic28 يناير، 20110

مهما أعُطيت ثورة تونس من أوصاف، فإنها ومن دون مبالغة، تعد الثورة الأهم في التاريخ العربي المعاصر، فلأول مرة يستطيع شعب عربي إسقاط نظام لطالما وصف بأنه الأكثر قسوةً بين أقرانه في المنطقة عن طريق التظاهر والمسيرات الشعبية. وتتضاعف هذه الأهمية من كونها تؤسس لمرحلة جديدة في تعاطي الشعوب العربية مع أنظمتها، فالثورة التي قام بها الشعب التونسي من شأنها أن تعطي الطامحين للتغيير في العالم العربي أملاً في غد مختلف. ولعل هذا الأمر هو ما يزعج الأنظمة العربية التي تعاملت مع هذه الثورة بكثير من التجاهل والتشكيك، حيث تم وصمها بثورة الجياع تارةً، وبانقلاب قام به الجيش في اللحظات الأخيرة تارةً أخرى، فيما الحقيقة أن الشعب التونسي قرر التخلص من سلطة الأمر الواقع التي احتكرت كل شيء والتي واجهته بالرصاص على مدى شهرٍ كامل، وليس ذنبه أن يقف الجيش في نهاية المطاف على الحياد ويرفض أن يكون أداة قمع في يد شخص مهووس بالسلطة.
لا شك أن هذا التربص بالثورة التونسية وراءه خوفٌ عميقٌ من أن تمتد تأثيراتها إلى هذه الدول التي تغرق في الفوضى والاستبداد، والتي لا تنفك أنظمتها التأكيد على أن تونس حالة خاصة، وأن ما حدث لن يتكرر بأي صورة من الصور في أيٍ منها، وأن ما يقوله البعض من أن هناك تشابهاً بينها وبين تونس ليس إلا مجرد كلام فارغ.
والحال، إن التقليل من ما حصل في تونس ليس سوى محاولة بائسة لإبقاء الحال على ما هو عليه في تلك الدول، وهو الأمر الذي لا يبدو أنه يلقى تأييداً من الشعوب التي اكتشفت فجأة أنها قوية بما يكفي لإسقاط أنظمتها برغم ما تملكه من جبروتٍ وقوة.
لقد أسقط التونسيون أساطير كثيرة، لعل أهمها أن ثمن التغيير كبير وباهظ بحيث لا يقدر على دفعه أحد، ومثّل سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين على يد القوات الأميركية وحلفاءها في العام 2003، وما تبع ذلك من حرب أهلية وانقسامات حادة ما تزال تهيمن على المشهد العراقي دليلاً على صحة هذه النظرية. ومن ضمن الأساطير التي أسقطتها الثورة التونسية استحالة التغيير في ظل انعدام حياة سياسية حقيقية، وما يترتب على ذلك من وجود أحزاب معارضة تقود الشارع في مواجهة السلطات القائمة، فقد قام الشعب التونسي بثورته متجاوزاً الطبقة السياسية التي تخلت عن دورها في تأكيد مبادئ وقيم الديمقراطية والحرية. وقد شكّل الشباب التونسي الفارق في هذا السياق، إذ تمكن من خلال شعارات غير مؤدلجة تتعلق بالخبز والحرية وبالكرامة الوطنية من إقناع فئات مختلفة من الشعب التونسي بالانضمام إلى حركة التغيير، فضلاً عن لعبه دور مؤثر في الدعاية لهذه الثورة من خلال تبادل الرسائل والصور عبر التويتر والفيسبوك وبث كل ذلك إلى العالم.
لكن أخطر هذه الأساطير التي أسقطتها الثورة التونسية، هي تلك التي تتعلق بالقوة المتخيلة للحاكم في الشرق، حيث دأبت كثير من النصوص “المقدسة” -أو التي اعتبرت كذلك في فترات مختلفة من التاريخ- على إعطاءه صفات خارقة، وقدرات استثنائية، ومزايا تختلف عن غيره من البشر.
والواقع أن كثير من حكام المنطقة قد استغلوا هذا الجانب على نحو سيء، فقد قدموا أنفسهم باعتبارهم نواب الله في الأرض يسألون الناس ولا يُسألون. وبالإضافة إلى هذه القوة المزعومة، فإن امتلاك الحاكم العربي لعشرات الأوصاف قد جعلته في أحيان كثيرة يبدو وكأنه رجل كل المهمات. فهو رئيس البلاد ورئيس الحكومة والقائد الأعلى للجيش، وزعيم الحزب الحاكم، وكبير القضاة، وراعي الفنون، والرياضي الأول، والمواطن البسيط عندما يتطلب الأمر ذلك. وهو فوق ذلك يملك الحكمة والقرارات الصائبة والحلول الناجعة لكل مشكلات الناس الكبيرة والصغيرة.
وقد ساعد في ترسيخ هذه الصورة، جيش من المنتفعين يتوزعون على أجهزة أمن قمعية، ووسائل إعلام تمارس قدراً كبيراً من التضليل، وكذا نخب سياسية تنازلت عن وعيها وعن وظائفها في الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، وكهنة لا يرون أبعد مما يراه الحاكم.
ولا شك أن تحالف هذه القوى المؤثرة والمؤيدة للنظام قد جعل المواطنين العاديين تحت ضغط عنيف ومستمر طوال الوقت، بحيث باتوا مطالبين في مناسبات كثيرة بتقديم آيات الشكر والعرفان لأنهم يعيشون تحت سلطته. والأخطر من ذلك كله، أن كثير من المواطنين العرب آمنوا بقدرة هذه الأنظمة على التحكم في حياتهم بشكل تام، بل ومعرفة ما في دواخلهم. لكن انهيار نظام بن علي على هذا النحو المفاجئ و بهذه السرعة أثبت للتونسيين ولشعوب المنطقة أن كل ما كان يقال عن قوة هذه الأنظمة أمرٌ مبالغٌ فيه. وهو الأمر الذي يؤشر إلى إمكانية حصول ذلك في دول عربية أخرى حتى ولو حاول زعماءها إقناع أنفسهم وإقناع الآخرين بعكس ذلك.
© منبر الحرية،28 يناير/كانون الثاني 2011

peshwazarabic26 يناير، 20110

من الخطأ أن يصبح جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة هدف بحد ذاته، بل من الحكمة أن تسخّر الدول النامية إمكانياتها للاستفادة من تلك الاستثمارات في إطار سياسات التنمية الشامل. ولكن لا يمكن تحديد السياسات العامة الأكثر فعالية لتحقيق تلك الاستفادة بشكل مطلق، بل من الضروري استخلاص العبر من تجارب بعض الدول في هذا الصدد مع الأخذ بعين الاعتبار توخي الحذر عند التطبيق، من منطلق أن لكل بلد إطاراً اقتصادياً وتاريخياً وجغرافياً وثقافياً وسياسياً يختلف عن الآخر.
إن عملية جذب الدول للشركات للاستثمار المباشر، تختلف من الدول الغنية إلى الدول النامية، حيث تعمل الدول المتقدمة على تقديم ما يعرف بالهبات المباشرة في كثير من الأحيان. بينما تلجأ الدول الفقيرة إلى حوافز تخفيض الضرائب. كما أن هنالك ترتيبات تفضيلية، مثل اتفاقيات الاتحاد الأوروبي مع كثير من الدول والتي تعرف باسم اتفاقيات الشراكة، وكذلك مبادرة الولايات المتحدة الأمريكية لحوض البحر الكاريبي. وأيضاً قانون النمو والفرص في افريقيا الصادر عن الولايات المتحدة. ولكن يجب النظر دائماً إلى مثل تلك الترتيبات على أساس أنها منفذاً مؤقتاً وليس دائماً.
والتحدي الأكبر يكمن في إمكانية تحقيق تلك الحوافز الفوائد المرجوة؟ وهل يؤدي ذلك إلى خطر إنفاق الأموال العامة؟ وهل هناك خطر من مدى القدرة على ضمان بقاء تلك الشركات في البلد المضيف؟ ومن يضمن بقاءها في حال انتهاء الحوافز أو توقفها؟ أو في حال لم يعد بإمكان الشركات الاستفادة من الترتيبات أو التفضيلات الممنوحه للدول من أجل تشجيعها؟
ومن الممكن استغلال منافع الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تضطلع به الشركات عبر الوطنية استغلالاً أكبر، فلقد بدأت التكنولوجيا تتغير، والعمليات والوظائف قابلة للتجزئة بصورة متزايدة، والحدود الفاصلة بين ما هو داخلي وما هو خارجي للمؤسسات تتبدل. والتحدي الذي تواجهه البلدان التي ترغب بالتطور والتقدم هو كيفية الاستفادة من تلك الشركات استفادة أكبر، وهنا تظهر أهمية السياسات العامة المعتمدة من قبل تلك الدول.
ومقدار النجاح الذي يحققه البلد المضيف للاستثمارات أصبح يعتمد على قدرة البلد على تطوير القدرات المحلية، والدول الأكثر نجاحاً في مجال استقطاب الشركات عبر الوطنية هي التي لجأت إلى اتباع نهج ثنائي يستند إلى تنمية القدرات المحلية مع استهداف الموارد والأصول للشركات. والصين تعتبر من أكثر الدول المعتمدة على هذا النهج في استراتيجيتها لجذب استثمارات الشركات عبر الوطنية. ومن عناصر هذا النهج :
توافق ما هو مستهدف في تشجيع الاستثمار مع الاستراتيجات الإنمائية والصناعية الأوسع نطاقاً للبلد المعني.
توفير رزمة من الحوافز بطريقة مركزة لتشجيع الشركات عبر الوطنية على الاستثمار في الأنشطة الرئيسية.
إشراك الشركات المنتسبة في تطوير ورفع المستوى المهني والتكنولوجي للموارد البشرية.
بنية رفيعة المستوى من قبيل مناطق التجهيز والمجمعات العلمية والمدن الصناعية بالإضافة إلى المناطق الحرة.
إن قدرة الدول النامية على الاستفادة من الفرص الجديدة الناشئة عن التنافس بين الشركات يعتمد إلى حد كبير على ما تتخذه بنفسها من إجراءات بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى ما تقدمه الدول المتقدمة من مساعدات سواء على صعيد تطوير القدرات المؤسسية، أو إزالة الحواجز أمام صادرات البلدان النامية خاصة في ظل بيئة تنافسية عالمية تزداد حدة. كذلك من الضروري طرح دور منظمة التجارة العالمية، الذي من الممكن أن تلعبه لتشجيع الدول النامية على التصدير والحد من سياسات الحماية المتبعة من قبل الدول الصناعية، كسياسات الدعم والإعانات المتخصصة، والتدابير الوقائية التي تقوّض فعلاً الفرص المتاحة أمام البلدان النامية لاستغلال ميزتها النسبية على أتم وجه.
الكثير من الأفكار والنظريات تعتبر أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتمثلة بالشركات هي من سلبت خيرات وإمكانيات الدول النامية وأنها تبحث فقط عن مصالحها الخاصة، وجعلت الدولة النامية أكثر تبعية لها. لكن في هذا السياق لا بد من التساؤل عن بعض التطورات الحاصلة في هذا الإطار:
هل كان بإمكان الصين الدولة العملاقة ودول أخرى كالهند وكوريا الجنوبية وإيرلندا تحقيق ما حققته في المجال الاقتصادي دون هذه الاستثمارات ؟
إذا كانت الدول النامية تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية فما هي طرق العلاج؟ وإذا كانت محصلة الأوضاع في كثير من الدول سيئة للغاية، فالحصول على شيء أفضل من لا شيء. فمصر لا تملك أية قدرة على مستوى صناعة السيارات، والآن تمتلك مصانع لتجميع سيارات “BMW” وما نتج عن ذلك من انعكاسات على المستوى التصدير، وخلق فرص عمل واكتساب خبرات ومهارات في مجال صناعة السيارات. فهل كانت مصر قادرة على فعل شيء من ذلك دون الاستثمار المباشر الأجنبي لشركة “BMW” ؟؟؟
© منبر الحرية،26 يناير/كانون الثاني 2011

peshwazarabic25 يناير، 20110

إن إسقاط أحد أكثر الأنظمة بوليسية في العالم العربي يؤسس لوضع جديد في العلاقة بين شعوب المنطقة وأنظمتها السياسية. المدخل للتغيير في تونس كان البطالة، مصحوبة بالقمع السياسي وسلطة الأمن والاستخبارات والفساد وتهميش المواطن، وإذا ما دققنا في الكثير من دول المنطقة العربية لوجدنا تقاطعاً في الظروف. هذا التقاطع سوف يزداد مع الوقت، ممهداً لتعبيرات بعضها عنيف وبعضها سلمي.
إن المدخل للتغيير في الواقع العربي لن يكون سوى حادثة بسيطة في يوم مشمس طبيعي وفي وقت لا يتوقعه أحد. الحدث التونسي كسر شيئاً في جدار الرهبة لدى المواطن العربي، وهو في طريقه لصناعة حالة نفسية جديدة ستعم العالم العربي حراكاً واحتجاجاً، صوتاً وممارسة.
إن الدرس الأهم ممّا وقع يمكن تلخيصه بالتالي: لا يوجد حكم في التاريخ الإنساني يحتكر السلطة لفترة طويلة ولا يخترقه الفساد ولا يصبح التسلط على الآخرين وهضم حقوقهم طريقة في الإدارة. احتكار السلطة عبر التاريخ مفسد، لأنه لا يسمح بالمساءلة وفصل السلطات، مما ينتج تحكماً بالاقتصاد وبمن يصعد ومن يسقط وبمن يغتني ومن يفتقر، وصولاً إلى تهميش وتغييب الطبقة الوسطى. لهذا السبب، ترتقي مقاومة الناس للاحتكار السياسي وتزداد مع الوقت، وصولاً إلى لحظات تاريخية. لقد دفعت الأوضاع بالشعوب العربية إلى الحائط، ولن تخرجها من هذا المأزق سوى حركات احتجاج تؤسس للمشاركة الحقيقية وتداول السلطة.
لقد أكد لنا الحدث التونسي أن خيارات البلدان العربية في التغيير ليست بين الديكتاتورية من جهة وبين التطرف الإسلامي وفرض الحدود الإسلامية من جهة أخرى. هذا الطرح أخاف في السابق قطاعات كبيرة من أبناء المجتمعات العربية وبناتها من الإسلاميين، بل وجعلها تفضل الديكتاتورية والفساد على الإسلاميين. تونس تقول لنا إنه يوجد خيار ثالث ديمقراطي يؤمن بالتعددية وتداول السلطة والدولة المدنية ويتصدى للفساد ويسعى للتنمية. الخيار التونسي يؤكد لنا أن الإسلاميين جزء من الحراك من دون أن يحتكروه ويصادروه، وأن حالهم في هذا هو حال جميع القوى الأخرى المشاركة. هذه الثورة ليست إسلامية بقدر ما هي حقوقية وإنسانية وسياسية.
ما وقع في تونس أرسل رسائل كثيرة. فتونس كانت من أكثر الدول منعا للـ«يوتيوب» ومنعاً للحريات الإعلامية وللمدونات، ولكن عندما وقعت الانتفاضة نجح المدوّنون والشبان في استخدام كل وسائل التكنولوجيا لكسر الرقابة والانتصار عليها. هذا يؤكد أن عصر الرقابة في التعامل مع الرأي الآخر هُزم في الشارع، وان قوانين الرقابة العربية التي تحد من حرية القول والكلمة والمواقع الإلكترونية والكتب والصحف والإعلام ما هي إلا خداع للنفس آن الأوان للتراجع عنها.
ويؤكد الحدث التونسي أن سلطة الاستخبارات والأجهزة الأمنية والقمعية، التي هي أكثر السلطات قوة في البلاد العربية، لا تمنع انهيار نظام في لحظة محددة. في بعض الدول العربية يحتاج تعيين كل شاب أو شابة في شركة الاتصالات إلى إذن من أجهزة الاستخبارات، ومثله تعيين الأساتذة في الجامعات والموظفين في الدولة. في بعض الدول العربية تتدخل الاستخبارات في الحياة العامة وفي الاقتصاد والحكومة والوزراء والتعيينات والترقيات والتعليم، وحتى المجاري، بل ويصبح الحاكم أسير الرؤية الأمنية في كل شيء، مما يفقده الصلة بالواقع. هناك دول عديدة في العالم العربي يتحول فيها الحاكم أسيراً للرؤية الأمنية. وعندما يتحكم الخوف بقرارات النخب الحاكمة ستكون النتائج وخيمة ومتوترة كما شاهدنا في تونس.
إن القمع يشتري الاستقرار لفترة من الزمن، لكنه يؤلب قطاعات كثيرة من المجتمع ضد النظام، كما انه يعطي صورة مزيفة عن الوضع. ويعتقد العديد من الدول أن غياب الحراك السياسي العلني يعني السكينة والموافقة. لكن الحدث التونسي يؤكد أن واقعنا السياسي هش، وأن الكثير من الحراك بإمكانه آن يقع في الظل وتحت الأرض، وأن عود ثقاب يكفي لإشعال حريق لا يتوقف. وعندما يمتلك نظام السلطة الشاملة قلّما يستوعب بأن أكثر الفئات ضعفاً وتهميشاً وعزلة يكتسب جرأة وقوة غريبة في لحظة تحول وتحرر.
وتقول لنا التجربة التونسية إنه لو نفذ الرئيس السابق زين العابدين وُعودَه بعد انقلابه على حكم بورقيبة قبل ٢٣ عاماً، بفتح باب المشاركة وقيادة إصلاح صادق وشفاف وبناء تفاهم مع المعارضة الوطنية والإسلامية، لانتهى الأمر بحماية النظام العام ونجاح فكرة التداول على السلطة في تونس وتعميق الحياة الحزبية والسياسية وإنضاجها. لو فعل هذا لكان اليوم رئيساً لحزب في تونس يسعى لنيل الأصوات والتنافس مع بقية الأحزاب على قيادة تونس، كما هو الحال في كافة الدول الديمقراطية في العالم. كان على الرئيس بن علي قيادة إصلاح قبل عقد من الزمان لينجح في إيقاف الفساد وفتح الفرص أمام الشباب وإعلاء المشاركة السياسية.
الحدث التونسي دق ناقوس الخطر أمام القادة العرب، منذراً بضرورة تنفيذ الإصلاح السياسي الذي وعدوا به شعوبهم قبل عقد من الزمن. هذا الإصلاح يجب ألا يكون بسبب الطلبات الأميركية، كما كان الوضع عام ٢٠٠٣، بل بسبب طلبات المجتمعات والناس والشعوب والمنطق والكرامة الإنسانية. هناك عدة دول مرشحة لـ «العدوى التونسية» فيما لو لم تبدأ إصلاحات جادة للحياة السياسية وتجري انتخابات نزيهة وترفع سطوة الاستخبارات وتفتح الباب أمام الحريات الإعلامية والسياسية والاقتصادية. ونتساءل: هل بإمكان الأنظمة الراهنة آن تفرز من بين صفوف النخبة من يقود الإصلاح فينقذها من أزمتها القادمة؟
لا يجب أن يمر الحدث التونسي أمام القادة والمسؤولين العرب وكأن تونس استثناء. إن هذا التفكير يعني مزيداً من المفاجآت في أكثر الدول العربية اعتقاداً بأن ما وقع «هناك» غير ممكن «هنا».
المصدر: الحياة
‎© منبر الحرية،22 يناير/كانون الثاني 2011

peshwazarabic21 يناير، 20113

في الثاني و العشرين من أغسطس عام 1999، بلغ عدد سكان كوكب الأرض ستة مليارات نسمة، يتوزعون على 189 دولة هم أعضاء الأمم المتحدة، كما يتوزعون علي عدد هائل من الجماعات القومية واللغوية والدينية و العرقية

peshwazarabic18 يناير، 20110

قدم لنا الحدث التغييري في تونس نموذجاً صريحاً وواضحاً عما يمكن أن تتمخض عنه دولة الاستبداد العربي أو أية دولة أخرى يحكمها نظام قمعي بوليسي، لا هم له سوى البقاء في الحكم وديمومة الكراسي والنهب العاري لثروات مجتمعه، ومن ثم توريث السلطة لأولاده وأحفاده.

peshwazarabic13 يناير، 20110

تشير الوقائع اليومية، إلى تدهور الحريات الشخصية في مجتمعاتنا، حيث لم تعد العملية تقتصر على حرمان الفرد من حقوقه الخاصة، بل بإجباره على تبني خيارات الآخرين، في ميدان العمل والثقافة والديانة والسياسة، ليحكموا عليه بالجمود، فيتم حرمان المجتمع من الاستفادة من طاقته الذهنية الخلاقة، حيث لا يمكن للفرد أن يكون منتجا، ما لم يكون حرا محبا لاختياراته.

peshwazarabic12 يناير، 20114

في العقود القليلة الماضية، وعلى تخوم القرنين العشرين والحادي والعشرين، شهد العالم نشاطا غير مسبوق من قبل الحركات الأصولية الإسلامية المتشددة ونشاطهم المحموم في إشاعة الفكر التكفيري.

peshwazarabic12 يناير، 20110

تخيف فكرة الانفتاح الكثير من العرب والمسلمين. فهي من جهة تذكر بحقبة الرئيس الراحل أنور السادات، والتي جاءت بعد مرحلة اشتراكية طويلة استفاد منها البعض ولم يستفد منها الكثيرون، وانتهى الأمر بمصر كضحية لذات البيروقراطية التي أراد الانفتاح أن يتعامل معها.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018