اقتصاد العالم العربي

peshwazarabic10 نوفمبر، 20102

تلّقت الصناديق السيادية الخليجية كما العديد من الاستثمارات الخارجية العربية ضربة قوّية اثر انفجار الأزمة المالية العالمية، ومنيت هذه الصناديق الخليجية التي يقدّر حجمها بين 1.2 و1.5 تريليون دولار تشكّل قرابة الـ45 الى 50% من حجم الصناديق السيادية العالمية نتيجة لذلك بخسائر كبيرة قدرّتها بعض الأوساط بحوالي 450 مليار دولار في حين قدّرها البعض الآخر بنسبة بين 25 و40% من حجمها تقريبا حيث تتفاوت هذه النسبة بين صندوق وآخر تبعا لنوعية وأماكن الاستثمار.
ومن المعروف أنّ الإمارات تمتلك أكبر صندوق سيادي في العالم والمتمثّل بـ”جهاز أبوظبي للاستثمار” ويقدّر حجمه وفقا لمعهد بيتيرسون للاقتصاد الدولي وعدد من المؤسسات المالية والمصرفية العالمية بحوالي 875 مليار دولار كحد أقصى و 250 مليار دولار استنادا إلى صندوق النقد الدولي كحد أدنى. فيما تمتلك الكويت أكثر الصناديق السيادية شفافية مقارنة بغيرها، ويعتبر صندوقها “الهيئة العامة للاستثمار الكويتية” الأقدم عالميا ويقدّر حجمه بـ 213 مليار دولار مقارنة بـ50 مليار لصندوق قطر السيادي “الهيئة العامة للاستثمار القطرية”.
وتشير المعلومات المتوافرة إلى أنّ صناديق هذه الدول كانت الأكثر خسارة من غيرها وذلك نتيجة لاستثماراتها الخارجية ولاسيما في قطاع البنوك الذي مني بخسائر فادحة في الولايات المتّحدة الأمريكية وكذلك في الأسهم في الأسواق المالية. فجهاز أبو ظبي للاستثمار على سبيل المثال كان قد اشترى حصّة في “سيتي جروب” بنسبة 4.9% وقيمة حوالي 7.5 مليار دولار دون أن نذكر استثمارات الهيئة العامة الكويتية للاستثمار والتي استثمرت ايضا في “سيتي جروب” حوالي 3 مليارات وفي “ميريل لينش” حوالي مليارين والعديد من الاستثمارات الأخرى الكبرى.
ولا شك أنه سيكون على هذه الصناديق إعادة النظر باستراتيجياتها الاستثمارية، وتقييم الأداء الذي قامت به خلال الفترة الماضية. وتفرض المراجعة الذاتية لأداء هذه الصناديق التحوّل نحو الداخل العربي خاصة في هذه المرحلة الحرجة في ظل الانعكاسات القوية للأزمة المالية العالمية على الوضع الاقتصادي للبلدان العربية ومنها الخليجية بطبيعة الحال.
وقد بدأت هذه الصناديق بالفعل خلال المرحلة الماضية التحرك وان بخجل نحو الداخل، فقامت الهيئة العامة للاستثمار الكويتية بالتدخل في المرحلة الأولى للازمة، باتخاذ العديد من الإجراءات والخطوات لدعم آليات السوق المحلية في الكويت بما يكفل تحقيق الاستقرار وعودة الثقة، فعملت على زيادة حصتها في 8 من الصناديق الاستثمارية المحلية وتمّ تعديل بعض الشروط والضوابط بشأن مساهمة الهيئة في الصناديق الاستثمارية المحلية، وذلك لإعطاء مرونة لمديري الصناديق للمساهمة في استكشاف فرص استثمارية جديدة.
كما تدخّل جهاز قطر للاستثمار والذي يمثّل الصندوق السيادي لقطر بشكل نشط وملحوظ على الساحة المحليّة، وطرح خطّة بحجم 5.3 مليار دولار لشراء أسهم في البنوك المدرجة في البورصة القطرية لدعم ثقة المستثمرين في البنوك بلغت نسبتها حوالي 20%، وضخ الجهاز حوالي 20 مليار ريال في رأسمال البنوك القطرية، لتعزيز قدرة البنوك الوطنية على تمويل مشروعات التنمية في المرحلة القادمة بشكل أوسع، وتأكيداً للثقة الكبيرة في أوضاعها المالية، كما قام الجهاز بشراء أسهم في بنك قطر الإسلامي بنسبة 5% على أن يستحوذ على 10% من أسهم البنك بنهاية عام 2009.
ولم تكتف هذه الصناديق بالتحوّل نحو الداخل وان بشقّه الإنقاذي، بل قرر بعضها التوقف عن الاستثمار الخارجي في هذه الفترة الحرجة وإيقاف  العمليات الخارجية لمدة معينة كما فعلت “الهيئة العامة للاستثمار القطرية” التي قررت تأجيل عملياتها الخارجة لمدة 6 أشهر، فيما فضّل البعض الآخر التوجّه نحو شراء السلع بدلا من الأسهم التي كبّدتهم خسائر فادحة اثر انهيار الأسواق المالية العالمية.
هذه الخطوات وان كانت ايجابية لجهة دعم الاقتصاد المحلي والاستفادة من الأموال المتوافرة لتعزيز القدرة الذاتية وتخفيف أعباء وانعكاسات الأزمة المالية العالمية على الدول الخليجية، الا أنها تبقى غير كافية مقارنة بحجم الصناديق السيادية والدور الذي تلعبه على الصعيد العالمي. فحتى لو قدّر لهذه الصناديق أن تخسر في العالم العربي الـ450 مليار التي خسرتها على الصعيد العالمي لكان لهذه الخسارة منفعة على أكثر من صعيد بدلا من أن تذهب الأموال هباءً. إذ يشير بعض الاقتصاديين إلى أنّ هذا الرقم من الضخامة بمكان بحيث يمكنه حتى في في حال إنفاقه مباشرة دون استثماره تأمين الوظائف لجميع العاطلين عن العمل في العالم العربي لمدة حوالي 6 سنوات كاملة، أو سد الديون المترتبة على جميع الدول العربية، أو تأمين الغذاء المستورد للعالم العربي لمدّة 12 سنة، فما بالكم في حال تمّ استثماره في الداخل العربي وبشكل فعّال ومنتج.
من هذا المنطلق، فان المطلوب من هذه الصناديق التي من المفترض أن تحمي الاقتصادات الخليجية حال تراجع أسعار النفط، أن تعمل على تحقيق القيمة المضافة الحقيقية في الوطن العربي وعلى المستوى المحلي أولا. فليس المطلوب منها أن تكون مجرّد خزّان مالي يتم إنفاقه واستنفاذ مهامه حال تراجع أسعار النفط، ونعود بعدها إلى نقطة الصفر من جديد حال فراغه سواءا بسبب الخسائر التي تتكبدها هذه الصناديق في أصولها أو لتراجع أسعار النفط التي تعتبر فوائضها المموّل والمغذّي الأساسي لها.
يجب  الاستفادة من الدور الذي قامت به هذه الصناديق على المستوى العالمي، ونقل الخبرة والمعرفة والتكنولوجيا المكتسبة إلى بلدانها من خلال الاستثمارات الخارجية في الشركات والمؤسسات العالمية الكبرى ومن خلال تطوير الشراكات، والعمل على استيعاب هذه المعرفة المنقولة من خلال تهيئة البنية التحتية والبشرية واللازمة لتوظيفها والاستفادة منها. كما يجب على هذه الصناديق العمل على تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي على المدى البعيد من خلال توجيه ايجابيات الاستثمار الخارجي إلى الداخل، وتحويل الأزمة إلى فرصة حقيقية خاصّة أنّ الأسواق المحليّة كما رأينا تحوّلت إلى ملاذ لهذه الصناديق بعد تضررها على الصعيد الخارجي، وهو ما يستدعي المواءمة بين ضرورة الاستثمار الخارجي لما فيه مصلحة المحلي وعدم إهمال الاستثمار المحلي ذو الفرص الحقيقية لصالح الخارجي دون تحقيق أي قيمة إستراتيجية فعلية للاقتصاديات الوطنية على المدى  البعيد
© منبر الحرية، 01 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

في غضون شهر يناير 2009 قامت أجهزة الجمارك المغربية بإيقاف مجموعة من الحافلات المصرية كانت في طريقها إلى السوق المغربية. السبب الذي قدمته السلطات المغربية هو أن هذه الشحنة من الحافلات لا تخضع لبنود اتفاقية أغادير للتبادل الحر، و هي اتفاقية تم التوقيع عليها سنة 2004 بين المغرب و مصر و الأردن و تونس و يتم بمقتضاها الرفع الكامل للحواجز غير الجمركية و التوجه نحو إنشاء منطقة للتبادل الحر. من جانبها، تقول السلطات المصرية أن هذه ليست إلا عراقيل إدارية هدفها الحقيقي هو منع منتوجاتها من الوصول إلى السوق المغربية. و رغم أنه من المفترض أن تكون اتفاقية التبادل الحر هذه قد دخلت حيز التنفيذ في أبريل 2007 إلا أن تطبيقها على أرض الواقع يبقى أمرا صعب التحقيق لحد الآن. كيف يمكن إذن أن نفسر هذا التعثر؟
يبدو أن هناك نقطة مشتركة بين تصرف الحكومتين المغربية والمصرية؛ و هي الخضوع لإملاءات مجموعات الضغط الاقتصادية. ففي مصر هناك قطاع تركيب السيارات الذي يرى الفاعلون فيه أن دخول سيارة “لوغان” المركبة في المغرب إلى السوق المصرية يشكل تهديدا لمصالحهم.
لقد وجد المصدرون المغاربة صعوبات جمة في إيصال هذه السيارة للمستهلك المصري، بدعوى عدم احترامها لمقاييس الجودة. في حقيقة الأمر، كل المؤشرات تدل على أن هذا المنع ناتج عن ضغوطات شركات تركيب السيارات المصرية التي تريد الحفاظ على حصص إنتاجها في سوق داخلية للسيارات جد محمية.
في الجانب المغربي ينضر الفاعلون في قطاعات عدة كالنسيج و الفلاحة قدوم السلع المصرية بكثير من الريبة و الحذر. في هذا الإطار استجابت الحكومة المغربية للمطالب الملحة لمنتجي الأرز المغاربة بتحديد الكميات المستوردة من الأرز المصري، لأنهم يعتقدون أن استيراد الأرز المصري بكميات كبيرة قد يؤدي إلى القضاء على نشاطهم الاقتصادي.
و تظهر كلتا الحالتين أن الحكومات، و هي تستجيب لمطالب مجموعات الضغط، تزعم أنها تفعل ذلك “لحماية” اقتصادياتها مما تعتقد أنه تهديدات ناتجة عن التبادل الحر. حسب هذا المنطق يكون التبادل دائما لعبة ذات مجموع صفري حيث أرباح طرف تؤدي إلى خسائر لدى الطرف الآخر. و هذه، في نظرنا، رؤية خاطئة لأسس التبادل الحر. و هي رؤية سائدة حتى بين أولئك الذين يؤمنون بايجابياته لأنهم يترددون في تطبيق مبادئه في جميع الحالات، نظرا لاعتقادهم أنه في ظل تشابه البنيات الإنتاجية بين الدول فإن التبادل الحر لا يمكن أن يكون مفيدا بالنسبة لجميع الأطراف. و هنا لابد أن نرجع إلى النظرية المؤسسة لهذا الطرح للاقتصادي البريطاني دافيد ريكارد و التي تقول أن على كل بلد أن يتخصص في فروع الاقتصاد التي يتوفر فيها على مزايا نسبية تتعلق بالإنتاجية. بعد ذلك يمكن لهذه الدول أن تتبادل بحرية منتوجاتها و تستفيد من مزايا التخصص. هذه النظرية صحيحة، لكن تفسيرها قد يتم بشكل خاطىء من طرف من يعتقدون أن التبادل التجاري يجب أن يتم بين بلدان مختلفة و حول منتوجات مختلفة. لكن، و كما ذكر بذلك عالم الاقتصاد الأمريكي الحاصل على جائزة نوبل لسنة 2008 بول كروغمان :” في غالب الأحيان فإن التبادلات التجارية تتم بين دول لا تتوفر فقط على بنيات إنتاجية متشابهة لكنها تتبادل نفس المنتوجا ت”.  وهذا يظهر بوضوح قي حالة فرنسا و ألمانيا اللتان تتبادلان السيارات و أيضا في حالة السويد التي تصدر “فولفو” إلى ألمانيا و تستورد منها « BMW ». إذن لا يمكن في أي حال من الأحوال تبرير الإنغلاق التجاري بحجة تشابه المنتوجات.
و يضيف “كروغمان” أن التبادل التجاري بين دول ذات بنيات متشابهة يبقى مفيدا لجميع الأطراف، لأنه يسمح للمنتجين بالإستفادة من خزان من المستهلكين أكبر من ذلك الذي توفره السوق الوطنية و ذلك عن طريق ما يسمى بوفورات الإنتاج. كما أن المستهلكين سيستفيدون من اختيارات أوسع و أثمنة أرخص للسلع. و إذا ما أضفنا إلى ذلك عامل التنافسية بين منتجين مدفوعين إلى الإبتكار من أجل التميز عن منافسيهم، فإن ذلك سيخلق حتما فرصا أكبر و تقسيما جيدا للعمل مما سيؤدي الى تحقيق نمو اقتصادي دائم. الإنفتاح الاقتصادي يعني أذواقا جديدة لتلبية رغباتها و أثمانا أرخص بالنسبة للمستهلكين.
و إذا ما عدنا إلى تعثر التبادل الحر بين المغرب و مصر فإنه ناجم عن تصور خاطئ لأسس التجارة الدولية. تصور لا يرى ضرورة للتبادل إلا في حالة التكامل الاقتصادي ويغفل أن الطرفان سيستفيدان حتما لو تبادلا السلع بحرية.
إن المشكلة هنا لا ترجع إلى “اتفاقية أغادير” و لا إلى آليات تطبيقها بل إلى الرؤية التي يتم بها تفسيرها. لذا فيجب على الحكومات اعتماد البيداغوجية في تفسير مزايا الإنفتاح التجاري، كما يجب عليها التحرر من ضغط اللوبيات لأن هذا هو السبيل الوحيد لتغيير العقليات في اتجاه فهم صحيح لمزايا السوق الحرة والإقتناع بأن التبادل الحر سيبقى دائما لعبة ذات مجموع إيجابي.
© منبر الحرية، 25 مايو 2009

نبيل علي صالح10 نوفمبر، 20100

إزاء المخاطر والتحديات المحدقة لا بد لدول الخليج من الاستجابة الفاعلة والتكيف الإيجابي مع هذه الأوضاع والمتغيرات الاقتصادية، ولا غنى لها عن تعديل مجمل الهياكل الاقتصادية القائمة في داخلها، بما يؤهلها لاتخاذ الإجراءات والسياسات الاقتصادية اللازمة لمواكبة المنافسة المنتظرة.
كما أنه وفي ظل ارتفاع أسعار النفط وتراكم الوفورات النفطية في الخزائن والبنوك والتي جعلت دول الخليج في وضع اقتصادي واجتماعي مريح عموماً (بالرغم من الهبوط الحاد لأسعار النفط منذ نهاية صيف 2008) فإن الخيار الوحيد أمام هذه الدول للتعامل مع مجمل الاتفاقيات الاقتصادية الدولية (كاتفاقية الجات ومنظمة التجارة العالمية ومختلف التكتلات الاقتصادية القائمة بين الدول والتي تعتمد على الجودة والإدارة ومنافسة الابتكار والتميز الصناعي) هو في وجود تكتل اقتصادي خليجي قوي وفعال كبداية لتكتل اقتصادي عربي موسع مشابه للتكتلات القائمة. ولكن السؤال المطروح هنا: هل أن وجود ثروة مادية كبيرة بيد الخليجيين كافٍ لإيجاد تنمية اقتصادية حقيقية في بلدانهم، بما يفضي إلى رفع مستويات المعيشة، وتحسين ظروف الحياة، وبحيث يدفعها ويوفر لها الإمكانية الفعلية لتعزيز القدرة على القيام بتكتل اقتصادي فيما بينها لاحقاً؟!
إن الإجابة العملية على هذا التساؤل تبرز الأهمية المعقودة على مجلس التعاون الخليجي لاتخاذ مزيد من الخطوات العملية السائرة نحو تحقيق التكامل الاقتصادي الخليجي.
ولعل من بديهيات هذا التكامل الاقتصادي المنشود بين دول الخليج هو في البدء بتطبيق عدة أمور:
الأول: تفعيل الواقع الاقتصادي وتحريره في داخل كل دولة من الدول الخليجية من القيود الداخلية السياسية والاقتصادية. وهذا يتطلب رفع كفاءة البشر في تلك البلدان حيث لا تزال الأنظمة التعليمية عاجزة عن توفير عمالة وطنية متمكنة من تحمل مسؤوليات الاقتصادات الوطنية. وهنا تؤكد المعلومات الإحصائية أن بلدان الخليج لا تزال فقيرة في مواردها البشرية، وفي الوقت ذاته يتم توظيف كثير من هذه الموارد على أسس غير رشيدة وغير محسوبة العواقب، وبداعي التنفيع والكسب الخاص، وليس بهدف بناء الخبرة المهنية، واكتساب المهارات النوعية، والتميز في الأداء الاقتصادي.
إضافةً إلى ذلك –وقبل ذلك- يجب الاهتمام الكافي بالجانب النظري التعليمي الخاص بتنشئة الأجيال وأسلوب تربيتها وتدريبها، على مستوى معالجة نظم التدريب من أجل تحسين مخرجات التعليم، وهذا يتطلب:
–    توفير المباني التعليمية المجهزة والمهيأة بشكل مناسب للعملية التعليمية.
–    تحسين المستويات العلمية والخبرات العملية للهيئات التدريسية.
–    استخدام مناهج علمية متطورة حديثة.
–    الابتعاد عن الأسلوب التلقيني في التعليم، والتركيز على الأسلوب التحليلي القائم على تحريض الطاقات وتحفيز المواهب والقدرات الذاتية للفرد، تفكيكاً وتحليلاً واستنتاجاً.
–    اعتماد كل الوسائل والأدوات التعليمية العصرية التي تعزز كفاءة الأفراد، وتعظيم مبادراتهم الذاتية، وصقل تجاربهم العملية.
الثاني: زيادة حجم المشاريع المشتركة بين تلك الدول (وضرورة السعي إلى توسيع رقعتها الجغرافية والمادية، بما يخلق قاعدة مادية عريضة لقيام وتطور الأشكال الأخرى للتعاون). حيث تمثل المشروعات المشتركة صيغة تنسيقية في المجال الإنتاجي لزيادة الاعتمادات المتبادلة بين اقتصاديات دول المجلس التعاون، مما يخلق حاجة موضوعية للتنسيق والتكامل فيما بينها. كما أن تلك الاعتمادات سوف تقلص من حجم انكشاف الاقتصاديات الخليجية على العالم الخارجي، وبالتالي سيكون ذلك تقليصاً للآثار السلبية لهذه الظاهرة مثل تقلبات أسعار الواردات والصرف ومعدلات التضخم.
الثالث: زيادة وتطوير الطاقة الإنتاجية كماً ونوعاً في البلدان الخليجية بما يجعلها مؤهلة لتلبية متطلبات السوق الأكبر من السوق المحلية (من مختلف السلع والمنتجات والبضائع)، ولكي يصار لاحقاً إلى البدء بتحرير التبادل التجاري بينهم.
الرابع: فسح المجال للتحرك والانتقال السلس والحر لعناصر الإنتاج، والاستثمار بين دول مجلس التعاون الخليجي. خصوصاً عندما توجد مجموعة مشاريع مشتركة بين تلك الدول، مما يقتضي زيادةً في التنسيق الصناعي والإنتاجي والاستثماري.
الخامس: تنسيق الخطط التنموية بين دول الخليج العربي في سياق رغبتها الملحّة بتحقيق التكامل الاقتصادي أو (على الأقل) في سياق
توجهها نحو التوحيد الاقتصادي والتوافق على السياسات الاقتصادية المتعددة والمتنوعة.
السادس: إذا كان الهدف هو الاستفادة من الأموال المتاحة لدى الحكومات والأفراد والمؤسسات الخاصة من أجل تنويع القاعدة الاقتصادية، فإنه من المفروض أن تسهل عملية الاستثمار، ويوضع حد للعراقيل التي تحول دون التملك في الأصول في بعض القطاعات والأنشطة لغير المواطنين المحليين.
السابع: إنّ التنسيق الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي ينبغي أن يتم بالتوازي مع التنسيق السياسي والتنسيق العسكري فيما بينها، كما عبر عن ذلك الشيخ زايد، ولا يمكن لهذا التكامل الاقتصادي أن يتحقق من دون وجود أمن واستقرار حقيقي.. أي أن التنسيق والتكامل الاقتصادي يحتاج إلى حماية أمنية، كما أنها تشكل -في الوقت نفسه- دعماً كبيراً للخطط الأمنية، ويشكلان معها حلقات مترابطة تهدف في النهاية إلى تحقيق الرخاء والخير للمواطن في هذه المنطقة.
الثامن: البدء بتطبيق تداول العملة الخليجية الموحدة (نظرياً حدد الموعد في العام 2010).
وأخيراً فإننا نؤكد على أن ضرورات التنمية والاستجابة لمتطلبات التكتلات الاقتصادية الكبيرة والمتزايدة في هذا العالم (من التجمع الأوروبي الاقتصادي المشترك:EEC- إلى رابطة الدول الآسيوية المعروفة بمجموعة الآسيان- إلى التكتل الأمريكي الشمالي بين كل من الولايات المتحدة والمكسيك وكندا: NAFTA، وغيرها من الكتل الاقتصادية الإقليمية في أنحاء متفرقة من العالم)، إن ذلك كله يقتضي تفعيل وإغناء تجربة مجلس التعاون الخليجي، بما يساهم في إنجاز الأهداف والتطلعات الاقتصادية لشعوب المنطقة. وهذا يتطلب بدوره إعادة قراءة جديدة ومراجعة نقدية جادة لكل المرحلة السابقة من تجربة هذا المجلس على الصعيد الاقتصادي منذ قيامه وحتى الآن.. كما أن ذلك يلزم تلك المنظومة الخليجية بأمرين:
–    الأول: تفعيل وتعميق أواصر التعاون والتكامل بين دولها، وتحويل الاتفاقات الموقعة منذ فترة إلى واقع حي ملموس. ومن ثم تفعيل التعاون بين دول المجلس مجتمعة وبين تلك التكتلات بما يحقق تطوير المبادلات التجارية بين الطرفين والتغلب على العوائق التجارية.
–    الثاني: إعادة النظر بآليات رسم الاستراتيجيات الاقتصادية الخليجية بشكل ينعكس على الارتقاء بقدرتها التنافسية مع تلك التكتلات الاقتصادية.
وباعتقادي فإن التكتل الخليجي الاقتصادي الموحد المطلوب من قبل الجميع هناك، لن يصبح أمراً واقعاً، ما لم تلتزم دول الخليج بتنفيذ وتطبيق جميع البنود والنقاط الواردة ضمن الاتفاقية الاقتصادية الموحدة.
لكننا –وإن كنا ننظر إلى النواحي الإيجابية لمجمل النتائج المتوخاة من التكتل الاقتصادي لدول الخليج- فإن سلبيات عديدة تبرز أمامها، تجعلها تواجه عقبات اقتصادية في طريق التطبيق، يزداد وقعها سنة بعد أخرى، ويتسع نطاق انعكاساتها على جوانب الحياة المختلفة بوتيرة متسارعة حتى أوشكت تلك المعضلات أن تخلف وراءها سلسلة من التبعات الاجتماعية والسياسية لم يحسن الاقتصاد الخليجي في الجملة التعامل معها حتى الآن. بل إن بعض جوانب الاقتصاد الخليجي بات يتكامل مع الاقتصادي العولمي -بدليل اتفاقيات التجارة الحرة- بأسرع مما يتكامل ذاتياً.
© منبر الحرية، 10 مايو 2009

نبيل علي صالح10 نوفمبر، 20100

استقر الغرب الحديث اقتصادياً على أسس أربعة هي:
–    ليبرالية اقتصادية وحرية تداول المنتج والسلعة في ظل سوق مفتوحة (مسنودة بنظام سياسي ديمقراطي حر تداولي).
–    سيطرة شبه مطلقة على موارد الطاقة الطبيعية. (ظاهرة الاستعمار القديم والحديث).
–    هيمنة كاملة على سوق تصريف المنتجات التي يصنِّعها (مستعمرات كبيرة وممتدة جغرافياً وبشرياً تحولت إلى سوق ضخم مستهلك لمنتج المستعمِر).
–    التحكم في مواقع الإنتاج ووسائل الاتصال وطرق النقل ومنافذ البيع الدولية.
ضمن هذا السياق، وفي هذه الظروف (البحث عن أسواق لتصريف المنتجات-البحث عن أيدٍ عاملة رخيصة-البحث عن مواد خام) ولدت فكرة الاستعمار، وأدت إلى التحكم بالدول والأوطان، والسيطرة على مواقعها وثرواتها، ونهب خيراتها وطاقاتها المادية والبشرية الهائلة، وعلى خلفية ذلك اشتعلت الحروب وساد الدمار والانقسام والتفكك في كثير من الأمم والحضارات، قديمها وجديدها..
ولم تخلو أوروبا –على عكس صورتها المستقرة الراهنة- من الأزمات والانهيارات.. بل إنها مرت بمراحل صعبة من التفكك والدمار عاشت خلالها حروباً أهلية على مديات زمنية طويلة، ثم عادت وهيمنت هي بدورها على شعوب وحضارات أخرى بأكملها، وانطلقت لتغزو العالم سياسياً واقتصادياً وعلمياً بعد ذلك.
وبعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية نشأت في أوروبا فكرة وجود تجمع أو تكتل اقتصادي يجمع بين عدة دول، وكان الهدف منه زيادة المزايا النسبية في الإنتاج المادي للسلع والبضائع ومختلف أنواع المنتوجات، ومحاولة التخفيف من الآثار السلبية المترتبة على حركة المنافسة (بطابعها السلمي الرمزي أحياناً والحربي العنيف أحياناً أخرى) التي كانت تهيمن على العلاقات الدولية، بعد خروج الدول الأوربية من الحرب منقسمة ومتعبة ومحمَّلة بأعباء وتكاليف باهظة الثمن، خصوصاً على المستوى الاقتصادي، وقررت أن تستعيد وضعها ضمن القوى الدولية الكبرى من خلال عملها على ما يلي:
–    إنشاء منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي.
–    قبول خطة مارشال الأمريكية لإعادة تعمير أوروبا.
–    إنشاء المنظمة الأوربية العليا للفحم والصلب.
–    وو.. وأخيراً السوق الأوربية المشتركة التي قادت بدورها إلى قيام الاتحاد الأوربي بعملته الاقتصادية وطابعه السياسي المؤثر والفاعل على الساحة الدولية..
وبعد فترة من الزمن قامت الدول الأوروبية بمجموعة فعاليات ونشاطات اقتصادية أفضت إلى توقيع اتفاقية التجارة الدولية (الغات)، وكان من أهدافها:
1.    تحرير التجارة الدولية من كل الحواجز والمعيقات على المستوى القطري والعالمي.
2.    تسوية المنازعات والخصومات التجارية التي قد تحدث بين الدول الأعضاء.
3.    الإشراف على تجارة السلع والخدمات في العالم.
في هذا المناخ “السياسي-الاقتصادي” الضاغط بقوة (عبر قواه الكبرى المالكة لثلاثية القوة: المعرفة والسلطة والثروة) نأتي إلى عالمنا العربي الكبير وبالأخص منه دولنا في مجلس التعاون الخليجي التي كانت تبحث عن تكتل اقتصادي يجمع ويوحد الطاقات والموارد الطبيعية الهائلة التي تمتلكها بلدان الخليج العربي ضمن بوتقة واحدة فاعلة ومؤثرة في عالم مليء بالتحديات والمنافسات والمصالح.. أقول: نأتي، لنتساءل مع كثيرين هنا وهناك عن طبيعة هذا الموقع الذي يشغله الخليج العربي من تلك التحديات الاقتصادية على مستوى الهضم والاستيعاب والتأثير؟! وإلى أين وصلت أفكار القائمين على المجلس لجهة مواجهة النتائج العملية الناجمة عن وجود تلك التكتلات الاقتصادية الدولية الكبرى التي تعتنق مذهباً وحيداً هو مذهب المصالح والتبادلية والتنافسية والجودة؟!..
في الإجابة نشير إلى أن قادة وزعماء دول الخليج العربي وقعوا على قرارهم التاريخي بإنشاء مجلس التعاون الخليجي في العام 1981، بهدف مواجهة أخطار عديدة خارجية محدقة بهم، ربما كان التحدي الاقتصادي أحد أسباب هذه النشأة التكتلية الأولية..
ومنذ ذلك التاريخ لا تزال حزمة غير قليلة من القرارات الاقتصادية -التي وقع عليها القادة- حبراً على ورق، تنتظر اللحظة المناسبة للتحول من حيز الكلام إلى حيز الفعل.. حتى وصل الأمر أن اعتقد كثيرٌ من المراقبين أن ولادة سوق خليجي مشترك أو اتحاد جمركي موحد تحتاج إلى ما يشبه المعجزة لإثبات أن الأمل لا يزال مشروعاً في ظل التلكؤ والتباطؤ الذي ساد طوال فترة زمنية ليست بقليلة أحدثت شكوكاً واسعة تجاه أن يكون لهذا المجلس أصلاً أي طموح تكاملي يذكر في ظل الأسباب السياسية التي دفعت لإنشائه إبان حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران.
إن المخاطر والأثمان الكبيرة المطلوب دفعها (بالنظر إلى حجم النتائج السلبية المترتبة على عامل التأخر الزمني في الاستجابة لمقتضيات التحولات الاقتصادية الكبرى) قد ارتفعت أسهمها، وتزايدت بوتائر عالية حيث الهيمنة الكاملة للتكتلات الاقتصادية للدول الكبرى على الساحة الدولية (مجموعة دول الثمانية)، بما لها من قدرات ضخمة وإمكانيات تنافسية هائلة في الإنتاج والتوزيع، مما جعلها تمتلك اليد الطولى التي تتحكم من خلالها في أسواق العالم النامي.
وهذا ما يظهر عملياً عند دخول مؤسسات ومجموعات غير مصرفية في الأسواق المالية وتطور أنظمة المدفوعات الالكترونية، وهذا من شأنه أن يفرض ضغوطاً على الأنظمة الرقابية وأنظمة المدفوعات والتسويات الدولي، وكذلك على مقدرة السلطات النقدية على احتواء الصدمات الاقتصادية والمالية داخل حدودها الجغرافية والحيلولة دون امتدادها عبر الحدود.
كما أن النظام الدولي -بكل ما يحمل من خصائص اقتصادية وسياسية فعالة- سيؤدي على الأرجح إلى زيادة دور آلية السوق، وبالتالي فرض اعتبارات وتأثيرات هذا السوق المفتوح على الأحداث والتطورات الاقتصادية والمالية بصورة أكبر من تأثير الحكومات والنظم السياسية القائمة. وفي هذه الأحوال فمن المتوقع زيادة درجة انتقال التأثيرات المالية عبر الحدود بين البلدان.
© منبر الحرية، 09 مايو 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

إن التمعن و التوقف على تداعيات الحرب الأخيرة على غزة يؤكد وجود انقسام و اهتراء في الموقف العربي. موقف يحمل في طياته جذور تراكمات انهزامات ليست وليدة اللحظة. فهذه ليست المرة الأولى التي تعجز فيها الدول العربية على اتخاذ موقف موحد وقوي يشرح الرؤية العربية و يدافع عنها في المحافل الدولية. كيف يمكن أن نفسر هذا الضعف في الموقف العربي؟ و ما هي المسببات و الجذور التي تحكمت لحد الآن في مساره ؟ و ما هي الحلول التي يمكن أن تخرج المنطقة العربية من هذه الظرفية المتردية ؟
دعونا نبدأ بالمساندة القوية التي يتمتع بها الموقف الإسرائيلي لدى غالبية إن لم نقل كل الدول الغربية. إن هذا الأمر يرجع بالطبع إلى مرسبات المحرقة التي تعرض لها اليهود على أيدي النازيين خلال الحرب العالمية الثانية. فهذا الموضوع لا زال يلقي بظلاله على الحياة السياسية و الإعلامية و يضفي حساسية مفرطة على أي انتقاد يوجه لإسرائيل في أوروبا و الولايات المتحدة. لكن و مع حتمية و بديهية هذا الأمر.
هناك عامل آخر لا يمكن استبعاده. إن الدول الغربية تساند إسرائيل أيضا، لأنها تمتلك النظام السياسي الأقرب و الأمثل للمنظومة الغربية. لذا فهي (أي إسرائيل) تقدم نفسها على أنها واحة من الديمقراطية وسط صحراء قاحلة من الإستبداد. أي بكل بساطة أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. تلك الدولة التي تصارع في جبهة متقدمة للدفاع عن العالم الحر.
صحيح أن إسرائيل استغلت بذكاء هذا الموضوع لتحقيق أطماعها في المنطقة. و صحيح أيضا أن هذا الطرح تحيط به هالة إيديولوجية واضحة المعالم و لكن الواقع الذي لا يمكن إنكاره ( ورغم كل التحفظات التي يمكن أن نضعها عليه و المتعلقة بالحقوق المدنية و السياسية لما يسمى بعرب 48، و تأثير الأحزاب الدينية و العسكرة المفرطة للدولة) هي الطبيعة الديمقراطية لهذا النظام. أي أنه يعرف تناوبا حقيقيا على السلطة و معارضة قوية و صحافة لا تتردد في انتقاد الحكومات المتعاقبة إذا ما أخلت بواجبها نحو الشعب. و الأهم من ذلك أن إسرائيل تتوفر على جهاز قضائي مستقل يكفي هنا أن نذكر أنه في ظل الجو المشحون للحرب و المساندة القوية للرأي العام لها فقد استطاع الآلاف من العرب و مناصري السلام التظاهر ضد الحرب و لمساندة غزة حاملين الأعلام الفلسطينية في قلب تل أبيب بعد موافقة المحكمة العليا على ذلك.
أما في الأنظمة العربية فالرؤساء ينتخبون بنسبة 99% ، و يورثون أبناءهم قبل رحيلهم و في بعض الأحيان يغيرون الدستور لإضافة ولاية ثالثة و رابعة. أما الصحافة المستقلة فإن وجدت فهي تصارع القيود و الأحكام القضائية الجائرة من أجل البقاء. و القضاء يبقى في غالب الأحيان خاضعا للسلطة التنفيذية و لا يتمتع بالاستقلالية إلا في حالات نادرة.
كيف يمكن إذن للأنظمة العربية أن تصدر موقفا قويا يعبر عن موقف شعوبها في هذه القضية و غيرها و هذه الشعوب لا تستشار و لا يسمح لها بإبداء رأيها و لا تستطيع أن تحاسب حكوماتها. في المقابل هناك موقف مناقض للموقف العربي، اتخذته دولة إقليمية غير عربية. هذه الدولة هي تركيا التي كان لها و منذ بداية هذه الحرب موقف ثابت و قوي. لقد انتقد وزيرها الأول إردوغان الهجوم الإسرائيلي بوضوح و دون لبس رغم عضوية بلده لحلف الشمال الأطلسي و ارتباطها بمعاهدات سياسية و عسكرية مع إسرائيل. كما غادر منتدى دافوس الإقتصادي احتجاجا على ما اعتبره تزييفا للحقائق من طرف الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز. و هو الأمر الذي لم يستطع القيام به الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي كان حاضرا في نفس الندوة رغم أن القضية الفلسطينية تمثل قضية مركزية في المؤسسة التي يتولى أمانتها العامة.
إن موقف إردوغان يمثل رأي غالبية الشعب التركي الذي اختار حزبه لتسيير دفة الحكم مرتين في انتخابات (2002 و 2007)، أي أن قوة موقفه نابعة من فوة و شرعية تمثيليته لشعبه. ليس لأنه ذلك الزعيم المنقذ الملهم الذي يتماهى مع تطلعات شعبه، و لكن لأن حكومته خارجة من صناديق الاقتراع و ستعود للاحتكام إليها من جديد بعد انتهاء ولايتها. لذا فهي تحترم رأي من أدلوا بصوتهم لصالحها و تعبر عنه و تدافع عنه داخليا و خارجيا.
قوة الموقف التركي يمكن أن تفسر أيضا و في ظل الأزمة العالمية الراهنة و التباطؤ الذي يشهده النشاط الإقتصادي في أوروبا و الولايات المتحدة، بدينامكية اقتصاد هذا البلد و الصحة الجيدة التي يتمتع بها منذ بداية العقد الحالي. وضعية ناتجة عن إصلاحات هيكلية و عميقة للإقتصاد و ليس عن ارتفاع ظرفي للعائدات النفطية كما هو الحال في بعض الإقتصاديات العربية.
إن عدم قدرة الجانب العربي على اتخاذ موقف قوي و ثابت يدافع عن مصالحه الإستراتيجية إبان هذه الحرب و غيرها لا ينجم فقط عن اختلال موازين القوة العسكرية لصالح إسرائيل. لأن هذا الأمر يتغير بتغير موازين القوى الدولية. أما الثابت فهو مسار التقدم السياسي و الإقتصادي في العالم العربي. مسار لم يبرح مكانه منذ عقود.
لقد آن الأوان للبلدان العربية، شعوبا و نخبا و حكاما، أن تبادر للخروج من دوامة الهوان التي ما فتئت تدور في رحاها. خروج لن يمر إلا عبر إصلاح هيكلي للمنظومة المؤسساتية السياسية و الإقتصادية. إصلاح يمنح المواطن العربي الحق في الإدلاء برأيه لاختيار و محاسبة حكوماته بكل نزاهة و شفافية. لأنه من المخجل حقا أن تصنف المنطقة العربية من طرف المنظمات المختصة كأكثر المناطق التي تسود فيها الأنظمة الاستبدادية. إصلاح يرفع عن الصحافة كل القيود و يجعل منها تلك السلطة التي تراقب ما تقوم به الحكومات من أعمال. فتفضح ما يخل بالقانون منها و تشيد بما يحترم المصلحة العامة. أما القضاء فبدونه لا يستقيم شيء في الدولة لأنه عماد الحكم الرشيد. و بدون إصلاحه لا يمكن القيام بأي إصلاح اقتصادي جذري لأن “دولة الحق والقانون” هي اللبنة الأساسية التي ترسي دعائم الملكية والحرية الاقتصادية و اقتصاد السوق.
هذا هو مسار التغيير الذي يمكن أن يصالح الأنظمة العربية مع شعوبها و يمنحها القوة للتعبير عن مواقفها بثبات في المحافل الدولية. إن احترام الدول العربية لرأي شعوبها سيضفي قوة و شرعية على تمثيلية مؤسساتها السياسية. و سيجعل الدول الأخرى و على رأسها الدول الغربية تستمع لمواقفها و تحترم قضاياها.
© منبر الحرية، 01 أبريل 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، كان هنالك إجماع بشأن السياسات الاقتصادية التي ينبغي تبنيها من أجل تحسين الإدارة الاقتصادية، ومن ثم بالتالي استعادة النمو في الدخل وخلق الوظائف فيما يعرف بإجماع واشنطن.
لكن هذا المنهج (إجماع واشنطن)، قد أثمر نتائج غير مرضية، بل ومدمرة في بعض الأحيان. حيث أن العديد من اقتصاديات المنطقة العربية، وغيرها قد عانت من الركود أو التراجع. و لم يتحسن مستوى المعيشة في كثير من الدول العربية ذات الاقتصاديات الفقيرة. تتجلي خطورة الوضع الاقتصادي وتداعياته السياسية في أزمة الركود الاقتصادية الحالية. فالركود الاقتصادي من شأنه أن يقوض شرعية الأنظمة العربية الحاكمة، بل وحتى قدرتها على ممارسة عملية الحكم في بعض الأحيان. وتشتد خطورة المشكلة بوجه خاص لكون الاقتصاديات الراكدة لا تستطيع توفير وظائف كافية لذلك المد المتنامي من الشباب الباحثين عن عمل في منطقة تعاني نظمها فشلا مديدا في حل تلك المعضلة. إن هذه الخلطة التي تجمع بين عجز الأنظمة، وتصاعد معدلات البطالة والفقر، ووجود قطاعات كبيرة من الشباب لخلطة سريعة الالتهاب جداً على الصعيد السياسي. إن الأداء الاقتصادي الباهت يسبب إحباطات شعبية تجاه قيادة النظام، ويفاقم نمو السكان من خطورة تلك المشاكل الاقتصادية ليجعل من الأشق على الأنظمة أن تحافظ على مستويات المعيشة الراهنة، ناهيك عن أن ترفع تلك المستويات. كذلك فإن الفساد الواسع النطاق يولد المزيد من الإحباطات هو الآخر عندما يضطرون للإنفاق من دخولهم المحدودة لدفع الرشاوى وغيرها من المدفوعات من أجل أن يؤمنوا لأنفسهم الخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة، ولكن التعبير عن أي من تلك الإحباطات لن يكون ممكناً من خلال هياكل الحكومة، وهذا بحد ذاته قد يتسبب في إحباطات إضافية تجاه الجهاز الحكومي. ويصبح الاحتمال أكثر وروداً هو أن تؤدي تلك الإحباطات إلى ازدياد المطالبات بالإصلاح السياسي الذي يسمح للمواطنين بان يكون لهم على الأقل صوت في عملية صنع القرار. والأنظمة العربية الحاكمة وفق خبرة الرصد لاستجابتها لتلك المتطلبات تكون دوما بإحدى طريقتين : فهي إما أن تزيد من حجم المساهمة الشعبية بهدف نزع فتيل الاستياء المتنامي، أو أن تلجأ إلى المزيد من القسر والإكراه.
وقد اختارت العديد من دول المنطقة العربية إستراتيجية تجمع بين عناصر من كلا الخيارين، وذلك باتخاذ إجراءات محدودة للإصلاح السياسي بينما يشن في الوقت نفسه هجوم على المعارضة التي تتجاوز الحدود المقبولة التي أقرها النظام. وقد لاقت هذه الإستراتيجية نجاحا كبيرا لأنها مكنت الأنظمة الحاكمة من أن تسيطر على شكل الإصلاح السياسي وإيقاعه. ومع ذلك فإنه ليس من الواضح بعد أن كان من المستطاع الثبات على هذه الإستراتيجية على المدى البعيد. كما أن هذه التحديات تهدد إدارة الدولة والاستقرار السياسي بطريقتين : طريقة مباشرة، طالما أن بعض التحديات تجعل المواطنين يتحدون الحكومات ( كالشباب العاطلين عن العمل مثلاً ) وطريقة غير مباشرة، من خلال ردود فعل الدول تجاه التحديات ( كالتقشف في الميزانية على سبيـل المثال) وقد يجادل البعض، بطبيعة الحال، بأن الفشل الاقتصادي لا يترجم تلقائياً إلى كارثة سياسية، كما أن ليس هنالك إجماع على مدى عمق التهديدات التي تمثلها هذه التحديات الاقتصادية للأنظمة الحاكمة القائمة.
ورغم أن المصاعب الاقتصادية المتصاعدة تجابه إدارات حكومات جميع الأنظمة بتحديات جسيمة، فإن شكوكاً كثيرة تحوم حول مدى قدرة الحكومات المختلفة في المنطقة العربية على التعامل مع هذه التحديات. فعند أقصى أحد الطرفين تهدد هذه التحديات بإمكانية تقويض، لا إدارة الدولة فقط، بل ومدى رضوخ المحكومين أنفسهم لسلطة الحكم.
ففي بعض البلدان، وبالأخص الأشد فقراً منها، قد تتغلب التحديات على أي هيكل حكومي، مفضية إلى انهيار النظام، كما حدث في أفغانستان والصومال. إلا أن حتى المشاكل الاقتصادية العميقة قد لا تتمكن من إسقاط الأنظمة التي لها قدرة مواصلة ضخ الامتيازات والمكاسب إلى مؤيديها الرئيسيين، وإخماد أصوات المعارضين. ولا توجد هناك علاقة بسيطة بين الركود الاقتصادي وانصياع المحكومين لسلطة الحكم.
لقد أبدت حكومات المنطقة وجماعات النخبة لحد الآن تفضيلا ملحوظاً لإتباع نمط إصلاح يمضي بخطوات تدريجية، أو حتى متثاقلة. والأسباب وراء ذلك تتفاوت ما بين حالة وأخرى، ولكنها عادة ما تكون مزيجاً من عاملين:
العامل الأول يتمثل في خشية بعض الأنظمة – ولها بعض الحق أن تخشى- من أن الإزاحة الاجتماعية التي سيسببها الإصلاح الاقتصادي الشامل سينتج عنها الوقوع في مخاطر زعزعة الاستقرار السياسي. أما العامل الثاني فهو أن ذوي المصالح المكتسبة وأقوياء النفوذ سوف يعملون أما على سد الطريق بوجه الإصلاحات، أو على ضمان أن يعود عليهم نوع معين من الإصلاحات بمكاسب لا تتناسب وحقيقة ما يستحقون على حساب الجماعات الأخرى في المجتمع. وتكون الحصيلة صورة مختلطة متداخلة تبدو فيها الأنظمة وقد أخذت بتطبيق شيء من الإصلاحات الاقتصادية، بل وفي أغلب الأحيان الكثير منها (وبالذات في مجال سياسة الاقتصاد الواسع). في حين ترجئ أو تتحاشى الإصلاحات الأكثر تعقيداً، كالخصخصة، وإصلاح القواعد التنظيمية، وتطوير حكم القانون.
وقد كانت نتائج ذلك النمط من الإصلاح مخيبة للآمال، سواء بسبب المصاعب المصاحبة التي لابد أن تواجهها أية سياسة اقتصادية، أو بفعل انعدام التوافق في عملية الإصلاح. ورغم أن الأداء الاقتصادي لدى بعض الأقطار كان أفضل بدرجة ملحوظة في أواسط التسعينيات وأواخرها منه في الأعوام العشرة الماضية، فإن سرعة النمو لم تبلغ في أي قطر من الأقطار العربية حتى اليوم حداً يكفل خفض نسبة البطالة أو رفع معدلات الأجور الفعلية ومستويات المعيشة.
© منبر الحرية، 5 فبراير 2009

نبيل علي صالح10 نوفمبر، 20101

وفرت العائدات النفطية الهائلة –التي نجمت عن الارتفاع الكبير في أسعار النفط والذي وصل إلى ذروته في صيف العام 2008 قبل أن تبدأ بالانخفاض الهائل خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام نفسه- موارد إضافية ضخمة داعمة لميزانيات الدول الخليجية التي تعتمد بمعظمها على تصدير النفط والصناعات النفطية الملحقة به (حيث تملك دول مجلس التعاون حوالي 44% من الاحتياطيات المؤكدة من النفط الخام في العالم، وحوالي 15% من احتياطيات الغاز الطبيعي.. وهذه الدول تنتج حوالي 15% من الناتج العالمي للنفط الخام، وتصل صادراتها من النفط الخام إلى حوالي 20% من إجمالي الصادرات العالمية).. وهو ما تجسد عملياً في مضاعفة العائدات المالية من النفط إلى أرقام قياسية، وتحقيق فوائض في الميزانية العامة والحساب الجاري والناتج المحلي الإجمالي.
وقد أحدث هذا الوفر الكبير (الذي يمكن تسميته بالطفرة النفطية) صدمةً حقيقية عملية لدى كثير من النخبة الاقتصادية وصناع القرار السياسي والاقتصادي الخليجي ممن يعملون على تطوير مجتمعاتهم على مختلف الأصعدة والمستويات الاقتصادية والتنموية.. بما يزيد من فرص ازدهارها وتقدمها وتأمين مستقبلها، وتمكنها من الاندماج التقني والاقتصادي في السوق الدولية، ويوفر لأبنائها عمالة متقدمة علمياً وتكنولوجياً..
وقد لاحظنا أن معظم الدول الخليجية أنشأت مؤسسات وشركات إعمارية وبنائية عملاقة وتكتلات صناعية (ظاهرة المدن الصناعية والعلمية في السعودية والكويت مثلاً) وصناديق تنموية ليس فقط في داخل بلدانها وإنما تخطت حدودها لتستثمر في بلدان مجاورة عربية وإقليمية وحتى في كثير من الدول الكبرى في أوروبا وأمريكا..
ولكن السؤال المطروح هنا، أنه ومع ازدياد أعداد سكان دول مجلس التعاون الخليجي، والحجم الهائل في زيادة الطلب على الاستهلاكيات والاحتياجات اليومية، وتعاظم القوة الشرائية لدى المواطن الخليجي الذي أدى إلى إقباله الشديد على الشراء في ظل تنوع (وضخامة) العروض المقدمة: كيف يمكن –في ظل ذلك كله- معالجة الخلل الهيكلي القائم في أسواق العمل الخليجية المتمثل حصراً في ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل من المواطنين مع الازدياد المطرد في أعداد الأيدي العاملة الخارجية المستقدمة من دول عربية مجاورة ودول أخرى آسيوية، حيث نلاحظ مثلاً وجود ما نسبته 60%من الأيدي العاملة الخارجية تقوم بتشغيل مختلف القطاعات الاقتصادية في كل من المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين وسلطنة عمان؟!!.. ثم وفي حال قررت الدول الخليجية الاعتماد على عمالة مواطنيها، فهل تتوفر لدى هؤلاء الخبرة العلمية الميدانية خصوصاً وأن الشركات والمؤسسات الاقتصادية الخاصة تطلب خبرات علمية وكوادر مدربة ذات مواصفات دولية محددة، حيث أن ميزان الربح والخسارة –في النهاية- هو المعيار الحاكم في أية شركة تجارية أو صناعية أو زراعية، أما منطق الشعارات والخطابات فهذا هراء لا طائل منه إطلاقاً؟!..
إذاً أين الخلل: هل هو موجود في ذهنية وعقلية الفرد والمواطن الخليجي (وطبيعة تصوراته وثقافة العمل عنده) العازف عن الانخراط في بعض مجالات العمل، أم أن الخلل قائم في طبيعة السياسات التعليمية والاقتصادية المطبقة في البلدان الخليجية والتي لا يمكن أن تساهم في تأمين شروط التأهيل العلمي الحقيقي لأبنائها ومجتمعاتها كشرط للانخراط في العمل الميداني مما يساهم في زيادة الطلب على تأمين العمالة الوافدة المدربة والمؤهلة لتنفيذ مشاريع التنمية والإعمار والبناء في دول الخليج؟!..
في الواقع لقد أدى الاعتماد الكبير على العمالة الوافدة إلى زيادة تعقيد عملية تجزئة أسواق العمل في تلك الدول، حيث لاحظنا أن القطاع الخاص الخليجي هو الذي يستقدم ويستقطب العمالة الوافدة، بينما تركزت العمالة الوطنية في القطاعات الحكومية العامة، وهذا ما جعل من غير الممكن الاستمرار في توظيف كامل العمالة الوطنية عندما بلغت قيود الميزانية حدودها القصوى، وازدادت بالتالي معدلات البطالة بين المواطنين.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن حكومات مجلس التعاون الخليجي –وفي سياق سعيها لحل إشكالية البطالة، وعدم الاعتماد الكلي على النفط في تطوير مختلف أوجه نشاطات مجتمعاتها- استفادت من تلك الزيادات الهائلة للإيرادات النفطية في تأمين النمو للكثير من القطاعات غير النفطية، ولكن على ما ظهر هناك أن الهياكل الاقتصادية الحالية لتلك الدول غير جاهزة فعلياً للتحول المذكور، مما أثر سلباً على تلك التغيرات المطلوبة في هيكل توزيع الناتج.
طبعاً القطاع الخاص الخليجي –وغير الخليجي- يريد لسهمه أن يبقى في حالة ربح وصعود، ولذلك فهو يفضل توظيف العمالة الوافدة الخبيرة على العمالة الوطنية غير الخبيرة التي تطلب – في حال توفرت الخبرة والتدريب عندها- أرقاماً كبيرة لا تقارن مع مستويات الأجور المعطاة لنظرائهم الأجانب. وفي المقابل نجد أن أجور العمال الأجانب أقل من نظرائهم الوطنيين، وأنهم يعملون لساعات أطول خاصة في القطاع الخاص، فضلاً عن انخفاض المزايا الممنوحة لهم بالمقارنة بالعمالة الوطنية. وهذا ما ساهم أيضاً في زيادة نسبة البطالة بين صفوف الشباب الخليجي.
ويبدو أن استمرار القطاع العام الخليجي في الهيمنة على مختلف القطاعات الإنتاجية، وقبوله توظيف العمالة المحلية من دون خبرات علمية سيؤدي إلى تضخمه ولاحقاً إلى انخفاض كفاءة المشروعات التي ينفذها، وذلك بالمقارنة بالقطاع الخاص.
ويعتقد كبار المحللين الاقتصاديين أن تضخم القطاع العام له أيضاً آثار سلبية على مستويات الرفاهية العامة. لأنه سيجعل من عملية التحول إلى الخصخصة مسألة معقدة بسبب تزايد فاتورة عملية إعادة هيكلة المشروعات العامة، والتكلفة الفادحة التي ستترتب على تحويل العمالة الوطنية بالقطاع العام نحو القطاع الخاص، وتعد النقطة الأخيرة من الأسباب الأساسية لبطء عمليات التحول نحو القطاع الخاص.
انطلاقاً من ذلك لابد من البدء بتطوير التعليم وتنمية القوة البشرية، لأن ذلك سيسهم مساهمة فعالة في عملية الإصلاح الاقتصادي وتصحيح الاختلالات الهيكلية القائمة في صلب الاقتصاد الخليجي وتحديداً منها مشكلة البطالة.
فالفرد هو العنصر الحاسم في أي عمل، وهو الثروة الحقيقية لأي مجتمع على مستوى الهدف والغاية والطموح. وبقدر ما ينجح أي مجتمع في تفعيل قدرات أفراده والارتقاء بإمكانياته فإن النجاح والفلاح سيكون من نصيبه، وسيحقق في النهاية طموحاته وأهدافه المتوخاة في التنمية والتطور والازدهار.
والفرد القادر على العطاء والإنتاج هو الفرد الخبير المدرب، ومن هنا تتأكد أهمية التعليم والتدريب كنشاط رائد في عملية التنمية، حيث يقع على كاهل النظام التعليمي مهمة تأهيل القوى البشرية الوطنية لمواجهة احتياجات التنمية في الأجلين المتوسط والطويل، كما تبرز أهمية التدريب في ضوء الحاجة لإعادة تأهيل وتدريب مخرجات التعليم لمواجهة احتياجات سوق العمل على المدى القصير، فضلاً عن التهيئة المستمرة لقوة العمل لمواجهة الاحتياجات المتطورة لأسواق العمل في ظل التقدم التكنولوجي المتواصل. وبالإضافة إلى التأهيل العلمي الحديث، تحتاج نظم التعليم إلى تطوير مناهجها بشكل واضح كي يتماشى مع متطلبات العصر، والانتقال من التركيز على الحفظ إلى الفهم والاستيعاب والابتكار، وتنمية مواهب الابتكار والتعامل مع وسائل التعليم الحديثة والحاسب الآلي ووسائل الاتصال الحديثة واللغات الأجنبية.
وعندما يتوفر العنصر البشري الخبير والمدرب، سيكون من الطبيعي جداً أن تعتمد عليه قطاعات العمل الخاصة في مجتمعاته، وسيحدث نوع من الشراكة والتكامل بين القطاعين العام والخاص على مستوى التنافس في الاعتماد على العمالة الداخلية المستقرة في بلدانها.
كما أن توفر العمالة الداخلية سيسهم من جهة ثانية في معالجة الخلل السكاني القائم في الدول الخليجية على مستوى ترشيد استخدام العمالة الوافدة، والعمل على توطين الوظائف من خلال تشجيع عمليات الإحلال، وتنمية القوى البشرية في المنطقة من خلال الدعوة إلى إلزامية التعليم لكل من البنين والبنات، والاهتمام بالتعليم الفني والمهني، وفتح مجالات العمل أمام المرأة، والعناية بمراكز التدريب. وبالرغم من الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص في هذا الجانب إلا أن استعداده في هذا المجال ما يزال محدودا. وتلعب السياسات الحكومية دوراً هاماً في تعقيد هذه المشكلة. حيث أدى ارتفاع معدلات الأجور للوطنيين –كما ذكرنا سابقاً- إلى عزوف القطاع الخاص عن توظيف مواطني دول المجلس، كما ساعد هيكل الحوافز للعاملين بالحكومة إلى عزوف العمالة المحلية عن الانخراط الميداني في العمل لصالح القطاع الخاص، وجاءت مخرجات قطاع التعليم لتعقد من المشكلة، حيث يوجد تفاوت واضح وصريح بين مستوى وطبيعة مخرجات التعليم واحتياجات القطاع الخاص. ولذا ينبغي التركيز في المستقبل على قضايا التعليم والتدريب وحل مشكلة البطالة، وذلك بهدف التغلب على اختلالات هيكل البنية السكانية واختلالات سوق العمل بما له من انعكاسات سلبية على دول المجلس.
ومن الممكن أن تلعب الاتفاقية الاقتصادية الموحدة دوراً مركزياً في هذا المجال من خلال تفعيل اتفاقيات حرية انتقال عنصر العمل بين الدول الأعضاء، ويمكن الاستفادة من التجربة الأوروبية في هذا المجال عن طريق الإعلان عن الوظائف المتاحة بكافة دول المجلس بشكل مركزي، وبحيث يتم إعطاء أفضلية في عملية شغل الوظائف بدولة ما إلى مواطني تلك الدولة أولا ثم مواطني دول المجلس الآخرين ثانياً، قبل أن يتم شغل تلك الوظائف من خلال العمالة الوافدة.
ولا بد من التأكيد أخيراً على أن بداية الحل الذي يمكن تصوره لمشكلة البطالة (التي تفتح أمامها مشاكل أخرى على الطريق نفسه) هو في الاعتراف الحقيقي بحجم المشكلة التي تواجهها الهياكل الاقتصادية الخليجية، وهي وجود بون شاسع وواسع لا يزال قائماً بيننا وبين أسس ومعايير قواعد التقدم العلمي والتقني الحديث بالمعنى العملي، ولذلك سنبقى ولسنوات طويلة بحاجة ماسة للكثير من الخبرات والكفاءات والكوادر الأجنبية غربية أم غير غربية وفي كافة المجالات، وأما ادعاؤنا بأن لدينا ثروات هائلة طبيعية (كالنفط مثلاً) فإنه لن يمكننا من الاستمرار في العيش الطويل والآمن في بلداننا عند مستويات رفاهيتنا المتوفرة حالياً بين أيدينا (خصوصاً وأننا مهددون بالركود الاقتصادي بعد أزمة أسواق المال وبدء انهيار كثير من البورصات والبنوك الدولية)، ما لم نعمل مباشرةً وعلى الفور، على إعادة النظر (وتركيز النقد الفكري) في مجمل طرائق تفكيرنا وأساليب عيشنا، وإعادة دراسة وموضعة ما بين أيدينا من القدرات والإمكانيات والمهارات والطاقات الهائلة التي لا نزال نمتلكها حالياً أو تلك التي يمكن أن نوفرها لأنفسنا في المجالات الأخرى في الحاضر والمستقبل ضماناً لنا ولأجيالنا اللاحقة كي يبقى لنا أثر طيب يمكن أن تذكرنا به في حياتها المستقبلية.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 12 يناير 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

على الرغم من أنّ التداعيات المباشرة للازمة المالية العالمية على الدول العربية لم تكن ذات وقع كبير (إذا ما اعتمدنا على البيانات الرسمية الصادرة) قياسا بما حصل في الدول المتقدّمة، الاّ أنّ ذلك لا يعني أنّها تجنّبت الأسوأ، وأنها استطاعت أن تحيّد نفسها عن التداعيات المحتملة اللاحقة. فقد شهدت الدول العربية في المرحلة الأولى من الأزمة المالية العالمية خسائر مباشرة تمثّلت بـ:
أ- الدول النفطية: خسائر ضخمة ناجمة عن الانخفاض الكبير الذي شهدته أسواقها المالية، إضافة إلى تعرّض مصارفها لمشكلة الشح في السيولة مصحوبة ببعض الخسائر لدى بعض المؤسسات الكبرى التي تعاملت في المشتقات المالية والتي كانت سببا في اندلاع الأزمة المالية العالمية. وتشير التقديرات أيضا إلى انّ الصناديق السيادية لهذه الدول تعرّضت لخسائر بقيمة حوالي 400 إلى 450 مليار دولار.
ب- الدول الغير نفطية: وكانت التداعيات المباشرة للازمة المالية العالمية عليها أقل من الدول النفطية وذلك اعتمادا على درجة انفتاحها على الأسواق المالية وارتباطها بالاقتصاد العالمي، ولوحظ انّ المصارف في معظم هذه الدول تلافت نسبيا الوقوع في خسائر مالية نظرا للسياسة المتشددة التي كانت تتّبعها المصارف المركزية فيها، وابتعاد القطاع المصرفي ككل عن التعامل في المشتقات المالية ولعدم ارتباطه بشكل واسع بالخارج. وقد اقتصرت الخسائر المباشرة على الانخفاض الذي تعرّضت له الأسواق المالية فيها.
في المقابل، يبدو أننا بدأنا نشهد الآن معالم المرحلة الثانية من تداعيات الأزمة المالية العالمية والتي ستصبح جليّة في العام 2009. اذ يشير تقرير صندوق النقد الدولي الأخير إلى إن التباطؤ الذي تشهده البلدان النامية حالياً كبير للغاية نتيجة للأزمة المالية العالمية وللتأثير المباشر لأزمة الائتمان على الاستثمارات التي كانت ركيزة أساسية لمساندة الأداء القوي في بلدان العالم النامية على مدى السنوات الخمس الأخيرة.
ومع تضييق أوضاع الائتمان وانخفاض مستوى تقبل المخاطر، من المرجح أن يتقلص نمو الاستثمارات في بلدان العالم النامية ومنها بلداننا العربية بطبيعة الحال من 13 في المائة في عام 2007 إلى 3.5 في المائة في عام 2009، وهي نسبة كبيرة للغاية بالنظر إلى أن ثلث نمو إجمالي الناتج المحلي يُعزى إليها. كما من المتوقع تقلص حجم التجارة العالمية بنسبة 2.1 في المائة في عام 2009، وهي المرة الأولى منذ عام 1982، وان تشهد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انخفاضا في معدّل النمو من 5.8% إلى حوالي 3.9 في المائة في عام 2009.
ومع انخفاض أسعار النفط بالشكل الذي حصل فاقدة أكثر من 70% من قيمتها خلال 5 أشهر فقط على أبواب العام 2009، يبدو واضحا انّ العام الجديد سيُخضع الاقتصاد العربي لامتحان عصيب، حيث ستبدأ التداعيات الحقيقية والغير مباشرة بالظهور، وستبرز عندها قدرة أو عدم قدرة الدول على تحمّل هذه الأعباء. وقد تنقلب المعادلة في هذه المرحلة على الأرجح، حيث ستعاني الدول العربية غير النفطية كثيرا إذا لم تحسن إدارة اقتصادها، في الوقت الذي ستتعرض الدول نفطية لخسائر كبيرة ليس اقلّها نتيجة انخفاض أسعار النفط، وستنكشف قدرة وحجم العوائد على امتصاص الصدمة في حينه.
وعلى أية حال، فاّن المؤشرات الأولية تعطينها فكرة عن معالم التداعيات التي ستتعرض لها الدول العربية في المرحلة الثانية، وهي تتمثّل بـ:
أ- بالنسبة للدول النفطية:
1- تراجع حاد في العوائد النفطية: اذ عمّقت الأزمة المالية من الانخفاض الحاد في أسعار النفط، مما من شانه أن يؤدي إلى تراجع العوائد النفطية بشكل كبير، حيث تشير أرقام صندوق النقد الدولي، إلى أنّ خسارة كل دولار واحد من سعر برميل النفط تؤدي إلى أن تخسر السعودية مقابله حوالي 3.5 مليار دولار، والإمارات مليار دولار، والكويت 950 مليون وقطر 350 مليون.
2- تراجع معدلات النمو: ستضطر دول الخليج إذا استمر انخفاض أسعار النفط إلى ترشيد الإنفاق نظرا للضغط الذي سيتولّد على الميزانيات لديها التي ستدخل عجزا كما يبدو، وهو ما سينعكس سلبا على معدّل النمو الاقتصادي فيها وعلى المشاريع التنموية وتاليا على الوضع الاقتصادي ككل.
3- تراجع حجم التجارة الخارجية: اذ ستتراجع حجم الصادرات التي تتكون من النفط في معظمها وذلك بسبب انكماش اقتصاديات أكبر الدول المستهلكة للنفط في العالم وعلى رأسها الولايات المتّحدة الأمريكية، اليابان وأوروبا، كما سيتقلّص بالضرورة حجم الواردات حينها بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي والطلب في الدول الخليجية.
4- تراجع في حجم الاستثمارات الأجنبية: سواء المباشرة الواردة إلى هذه الدول أو المباشرة الصادرة منها، إذ سيتم التركيز على عودة الاستثمار الخارجي لهذه الدول في هذه المرحلة لتحصين الداخل، وللمساعدة على تلافي التداعيات الأسوأ الممكن حصولها لاحقا.
وتفرض كل هذه العوامل على الدول العربية النفطية تحديات تتمثل في ضرورة دفع العجلة الاقتصادية إلى الأمام كي لا تقع في فترة ركود، ولتحافظ على معدّلات نمو معقولة في ظل التقديرات بانخفاض نسبتها إلى النصف عن الفترة السابقة. إضافة إلى ضرورة مواكبة الصناديق الاستثمارية لاقتصادها بحيث تخفف من آثار وانعكاسات الأزمة المالية العالمية عليه.
ب- بالنسبة للدول العربية الغير النفطية:
1- على الرغم من أنّ وقع التأثيرات المباشرة للازمة المالية العالمية على هذه الدول كان أخف من غيرها في المرحلة السابقة، الاّ انّه من المنتظر أن تدخل في نفق التداعيات الغير مباشرة، وهذا يعني انّ الصورة قد لا تبقى وردية على المدى المتوسط والبعيد، اذ من المتوقع أن يطال تأثير الأزمة المالية العالمية اقتصاديات هذه الدول وتحديدا القطاعات المرتبطة بالطلب الخارجي مثل السياحة والعقار السياحي والصادرات، والتي من المفترض أن تشهد تراجعا في ظل الكساد الذي ضرب أكبر الاقتصاديات العالمية، وبما انّ اقتصاد معظم هذه البلدان خدمي ويقوم على مثل هذه القطاعات فمن المتوقع ان ينعكس التأثير السلبي لأدائها على الاقتصاد ككل وبالتالي على وضعها المالي وعلى نموها.
2- كما انّ هذه الدول ونتيجة اعتماد اقتصادياتها في جزء كبير منها على تدفقات الدول العربية النفطية المالية وعلى استثماراتها، فمن المتوقع أن تتضرر هي أيضا جراء انخفاض أسعار النفط إلى هذا الحد، وأن ينخفض حجم التحويلات القادمة إليها من دول الخليج أيضا.
لذلك فان التحدي الأكبر لهذه الدول سيتمثّل بالحفاظ على معدّل نمو اقتصادي ايجابي وعلى الاستمرار في مسيرة الإصلاح الاقتصادي، وعلى تأمين مناخ استثماري آمن وجاذب لتحويل أكبر قدر من الاستثمارات إليها في القطاعات المهمّة والمنتجة خاصّة، لتساعد على خلق فرص عمل وتنمية اقتصادية حقيقية وزيادة في الإنتاجية من شانها أن تحد من آثار أي انكماش قد يضرب حركة الاقتصاد الكليّ.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 4 يناير 2009.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

لم يشهد ربع القرن الماضي أزمة اقتصادية إقليمية في الاقتصاد العالمي أعمق من الكارثة الاقتصادية العميقة التي لحقت بالعالم العربي. وباستثناء ملحوظ للبلدان التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي بعد انهياره والتي تعرضت لانكماش شديد في الناتج العام في سياق إدارة تحوّل هزيلة، فإن الشعوب العربية شكلت المنطقة الوحيدة في العالم الحديث التي تراجع فيها معدل الفرد من الدخل الوطني بالأسعار الثابتة عام 2005 إلى اقل مما كان عليه عام 1980. لقد تراجعت حصة الفرد الحقيقية من الناتج المحلي الإجمالي مقيّمة بالنسبة لسبعة عشر بلداً عربياً من 5375 دولاراً مقدرة بالقوة الشرائية المكافئة عام 2002 إلى 5189 دولاراً.
وفي الوقت الذي انكمشت فيه الاقتصادات العربية كان الاقتصاد العالمي يواصل النمو بمعدل ارتفاع في دخل الفرد بنسبة 1.8% سنوياً. نتيجة لذلك فقد اتسعت الفجوة بين البلدان العربية وغير العربية بشدة خلال الخمسة وعشرين عاماً الماضية. في عام 1980 كانت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في العالم العربي تساوي 93.2% من معدلها على المستوى العالمي، أما في عام 2005 فقد تراجعت إلى 57.9%، وهذا هبوط هائل في المكانة النسبية بلغ حوالي 38%. بل إن التراجع الاقتصادي في البلدان العربية مقارناً بالغرب (22 دولة متقدمة في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وأستراليا) كان أكبر من ذلك: 41% تقريباً. في عام 1980 كانت حصة الفرد في البلدان العربية من الناتج المحلي الإجمالي تعادل 26.3% من مستواها في الغرب، وهبطت هذه النسبة في عام 2005 إلى 15.6% فقط.
حتى بلدان جنوب الصحراء الإفريقية، المعروفة عالمياً بأنها أكثر المناطق اضطراباً في العالم، شهدت تراجعاً في حصة الفرد فيها من الدخل مقارنة بالمستويات في البلدان الغربية بمعدل أقل من التراجع الذي حصل في العالم العربي: 1.8% و2.1% سنوياً على التوالي. وحتى بلدان الكتلة السوفييتية السابقة استطاعت بعد استئناف نموها الاقتصادي منذ عام 1998 تضييق الفجوة بينها وبين الغرب بمعدل 7 نقاط مئوية. البلدان العربية وحدها هي التي واصلت التراجع.
لماذا؟ لماذا يحدث مثل هذا الركود في إحدى أغنى المناطق في العالم؟ ما هي العوامل التي قد تفسر انحداراً استثنائياً كهذا؟ هناك عدة نظريات شائعة بهذا الخصوص: الدين (أي الإسلام)؛ الخصوصيات العرقية (أي القومية العربية)؛ ولعنة الموارد (أي الثروة النفطية). بيد أن أياً من هذه النظريات لا تعطي تفسيراً معقولاً عند إخضاعها لفحص دقيق.
لم تسلك البلدان الإسلامية غير العربية نهجاً مختلفاً فقط عن البلدان العربية بل إنها حسّنت من وضعها في الاقتصاد العالمي بصورة واضحة، فقد ازداد معدل حصة الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي من 40.9% من المستوى العالمي عام 1980 إلى 43.8% عام 2005.
التذرع بالقومية العربية كسبب للركود يبدو ايضاً موضع شك، فلثلاثة عقود متتالية سبقت عام 1980 كانت البلدان العربية تزيد من حصة دخل الفرد فيها بسرعة مدهشة—بلغت 3.9% سنوياً—وهي، لأغراض المقارنة، كانت بوتيرة أسرع من معدل نمو اقتصادات شهيرة خلال ربع القرن الماضي مثل تشيلي، وقبرص، وهونغ كونغ، والهند، وإندونيسيا، ولوكسمبورغ، وماليزيا، وسنغافورة.
أما مسألة “لعنة النفط” فمن الصعب إلقاء اللوم عليها أيضاً. فأولاً، النفط لم يكن عائقاً للنمو الاقتصادي السريع الذي تحقق خلال الفترة بين 1950-1980، وإضافة لذلك فإن زيادة أسعار النفط في سبعينات القرن الماضي قد عملت بصورة جوهرية على تسريع التنمية في العالم العربي. ثانياً، النمو الاقتصادي في البلدان العربية بقي بطيئاً بإصرار في الفترة من 1980-2005 بغض النظر عن سعر النفط—سواءاً كان مرتفعاً أو منخفضاً—أو طاقة إنتاجه تزايداً أو تراجعاً. إضافة لذلك فإن التدفق الهائل في الموارد المالية إلى المنطقة في السنوات الأخيرة قد فشل في إحداث أي تغيير إيجابي ملموس في المستوى النسبي مقارنة مع المتوسط العالمي أو متوسط المناطق الأخرى بما في ذلك الغرب.
لماذا حدث ذلك؟ ما هي نقطة التحول؟ ما الذي عكس نمو الاقتصادات العربية؟ ما الذي أعاد الشعوب العربية للخلف بما يعادل ثلاثة عقود من حيث معدل حصة الفرد من الدخل؟
إن الحل لهذا اللغز هو الأقطار المصدّرة للنفط (أوبك). إنه دخول هذا الكارتل الاحتكاري في أنشطة الحياة في منتصف سبعينات القرن الماضي بطريقة غيرت بشدة ديناميات النمو والرخاء الاقتصادي في العالم العربي. إنه تأميم المنشآت الإنتاجية في صناعة النفط وبنيتها التحتية، وتخصيص حصص الإنتاج، وإدارة الإنتاج الفائض، واللجوء إلى التخطيط المركزي في قطاع الطاقة، وإنتاج أسلوب “حزمة الأسعار العادلة”، وخلق “أسواق تحت السيطرة”، كل ذلك أدى إلى تدمير اقتصاد عربي فعال وحيوي وديناميكي.
حقيقة أن صناعة الطاقة تشكل في البلدان العربية الأعضاء في أوبك من 50%-70% من الناتج المحلي الإجمالي تعني أن الحكومات تملك الجزء الأكبر من الاقتصاد وتخضعه لتخطيط مركزي—وهو ما لا يختلف كثيراً عن البلدان الاشتراكية السابقة والعواقب الخطيرة المشابهة على النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية. الفرق الوحيد هو أنه، وخلافاً للبلدان الاشتراكية، فإن بلدان أوبك تقوم بإدارة صناعة النفط بصورة فعالة ليس فقط على المستوى الوطني بل على المستوى الدولي أيضاً. المسألة ليست فقط تخطيطاً مركزياً بل هي “تخطيط مركزي تام”!
هذا هو السبب في أن الأداء السيء للبلدان العربية الأعضاء في أوبك ينبغي ألا يثير دهشة أحد. لقد تراجعت مستويات حصة الفرد من الدخل في هذه البلدان بشدة بين 1980 و2005: في السعودية من 18 إلى 11 ألف دولار، وفي الكويت من 20 إلى 17 ألفاً، وفي ليبيا من 6 إلى 3 آلاف دولار، وفي الإمارات العربية المتحدة من 33 إلى 24 ألفاً، وفي قطر من 38 إلى 12 ألفاً.
المقارنة المدهشة أن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية غير الأعضاء في منظمة الأوبك قد ازدادت: في البحرين من 14 إلى 20 ألف دولار، في عُمان من 5 إلى 9 آلاف دولار، في تونس من 3800 إلى 6900 دولار، في مصر من 2700 إلى 4200 دولار، في سوريا من 4500 إلى 5200 دولار، وفي اليمن من 3000 إلى 3300 دولار. بل إن البلدان العربية التي ليس لديها نفط يذكر على الإطلاق مثل (الأردن، ولبنان، وموريتانيا، والمغرب) قد حققت نمواً اقتصادياً إيجابياً—وإن كان متواضعاً.
قد تبدو الأرقام المطلقة لحصة الفرد من الدخول في مجموعة البلدان الثانية غير مثيرة للاهتمام ومع ذلك فإن ازديادها قد أدى إلى تحسن الاقتصاد وحياة الناس. الأرقام المطلقة في البلدان الأعضاء في أوبك قد تبدو مدهشة، بيد أن تراجعها يشير إلى توجه إلى الجانب السلبي.
في عام 1980 كانت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية الأعضاء في أوبك تزيد بنسبة الثلث عنها في البلدان العربية المجاورة غير الأعضاء. وبحلول عام 2005 كان الوضع قد انعكس بأكثر من الضعف، فقد أصبحت حصة الفرد من الدخل في الدول العربية غير الأعضاء في أوبك تزيد بنسبة 74% عنها في الدول العربية الأعضاء. لقد كانت نسبة حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية الأعضاء في أوبك تعادل 167% من مستوى المعدل العالمي قبل 25 عاماً فأصبحت اليوم 72% فقط. البلدان العربية غير الأعضاء في أوبك تفوقت في أدائها ليس فقط على زميلاتها البلدان العربية الأعضاء في الكارتل بل حدث أن كانت المجموعة العربية الفرعية الوحيدة التي حققت نمواً متوازياً أيضاً مع الاقتصاد العالمي، وبذلك لم تتسع فجوة مستوى الدخل بينها وبين الاقتصاد العالمي.
لقد فشلت منظمة الأوبك في إنجاز ما وعدت به العالم عند إنشاء المنظمة الاحتكارية العابرة للحكومات. وبدت سياسات الإنتاج في المنظمة انحيازية، وغير قابلة للتنبؤ، ومقوِّضة للثقة، وليست غير تكرارية بل هي تكرارية بصورة أساسية. بعض عواقب “المرض الأوبكي” تشمل ارتفاع معدل أسعار النفط في العالم، وارتفاع تكلفة الاستكشاف والاستخراج والتطوير، والزيادة في أسعار الغاز، والتراجع الحاد في معدل نمو إنتاج النفط وتصديره. لقد أدت سياسات أوبك إلى قدرة احتياطية أكبر، واستثمارات أقل، ونمو أقل في معدلات الإنتاج، ونمو أقل في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وزيادة حدة “عدم الأمان النفطي”.
ولكن جميع هذه العواقب التي لحقت بالاقتصاد العالمي تَبْهت بالمقارنة مع الكارثة الاقتصادية التي جلبتها أوبك على البلدان الأعضاء فيها، بما في ذلك البلدان العربية منها. اليوم يبلغ معدل حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في سبعة بلدان عربية أعضاء في أوبك ما يقل بنسبة 33% عن معدله عام 1980. ولأغراض المقارنة فإن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي على المستوى العالمي زادت بنسبة 55%، وفي أوروبا بنسبة 49%، وفي أمريكا الشمالية بنسبة 65%، وفي آسيا بنسبة 140%، وفي الصين بمعدل 7.6 أضعاف، وحتى في جنوب الصحراء الأفريقية بلغت الزيادة 3.2%.
يتطلب وقف الكارثة الاقتصادية في العالم العربي إلغاء الأسس التي يقوم عليها وجود احتكار طويل المدى فرضه تدخلات حكومية على المستويات الوطنية والدولية. أفضل الطرق فعالية لتحقيق ذلك هي الخصخصة الكاملة لقطاع الطاقة وفتحه للاستثمارات الخاصة (بصرف النظر إن كانت محلية أو أجنبية) وإزالة جميع العوائق على الاستثمار في البنية التحتية المتعلقة بالوقود مثل خطوط الأنابيب والموانئ وشبكات الطاقة الكهربائية واستبدال الأسواق المسيطر عليها بأسواق تنافسية حرة. وينبغي تفكيك منظمة الأوبك، هذه المنظمة التي تقع عليها مسؤولية تراجع الاقتصادات العربية عن سائر اقتصادات العالم.
بعد ذلك ستصبح الدول العربية قادرة على تضييق فجوة الدخل وتجاوزها في نهاية المطاف، وهي الفجوة التي اتسعت بسرعة واستمرت بطريقة سخيفة طيلة العقود الأخيرة.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 23 كانون الثاني 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

مسقط، عُمان – إن الفكرة المتمثلة في أن الحريّة الاقتصادية هي أمر جوهري لتقدم البشر قد أخذت تنتشر في العالم العربي. وأثناء عشاء احتفالي أُقيم هنا وحضره المئات من الديبلوماسيين العرب والضيوف البارزين الآخرين، فقد قامت منظمة عمانية جديدة، وهي مؤسّسة البحوث الدولية، بنشر تقرير “الحرية الاقتصادية في العالم العربي” والذي يوضّح كيف أن الفروق الكبيرة في السياسات داخل المنطقة يمكن أن تُحدث فروقاً كبيرة في النتائج الاقتصادية.
ينظر التقرير في 39 حالة متغيّرة في 16 بلداً بالمنطقة، حيث تتراوح من حجم الحكومة إلى السياسة النقدية والمالية والانفتاح التجاري والتنظيم وسيادة القانون. إن التقرير الذي جرى نشره بالاشتراك مع معهد فريزر، علماً أن مؤشّره العالمي حول حرية الاقتصاد معروف جيداً، يوحي بأن ما يصدق على العالم ككل يصدق أيضاً في العالم العربي: إن البلدان التي تتمتع بحرية اقتصادية تميل إلى أن تصبح أكثر ازدهاراً وتنمو بشكل أسرع.
تقول الدراسة بأن “العالم العربي هو لحاف مرقّع بألوان مختلفة من النظم الاقتصادية”. لذلك، فإن مدى التبادل الطوعي وأمن حقوق الملكية وحريّة التنافس وحريّة الاختيار تختلف بشكل واسع داخل المنطقة. إن لبنان وعُمان متعادلتان بالنسبة للمقام الأول فيما يتعلق بمفهوم حريّة الاقتصاد، في حين تتعادل كلّ من الإمارات العربية المتحدة والكويت في المقام الثاني. وتأتي كلّ من سوريا والجزائر في أسفل القائمة.
إن بعض المراقبين قد لا يفاجئون بحقيقة أن البلدان التي تتمتّع بحرية اقتصادية أكبر والتي تهيمن عليها دول النفط، تنزع أيضاً إلى تحقيق إيرادات أكبر. إن معدّل دخل الفرد في كلّ من عُمان والكويت يبلغ 13032 دولاراً و 17073 دولاراً على التوالي، في حين يبلغ معدّل دخل الفرد في سوريا فقط 3651 دولاراً، على سبيل المثال. ولكن النفط ليس دائماً نعمة، إن العديد من الدول غنية بالنفط ولكن، نظراً لأن حكوماتها تستطيع الوصول بسهولة إلى ثروة النفط، فإنه يتم فعل القليل لتحسين الاقتصاديات الشاملة لتلك الدول والأوضاع المادية لمواطنيها. وهكذا تصبح الثروة النفطية عائقاً لحريّة الاقتصاد. لقد عملت “لعنة النفط” على ابتلاء بلدان مثل فنزويلا ونيجيريا والمكسيك وروسيا.
إن لعنة النفط ليست بهذه الشدّة تماماً في دول الخليج. فدول النفط بوجه عام تنجز بشكل أفضل من الدول العربية الأخرى. وقد يكون سبب ذلك مرتبطاً بالتجارة. ومن الجدير بالذكر أن دول النفط المدرجة في التقرير (لم يتم إدراج العراق بسبب الافتقار إلى معلومات) قد احتفظت لمدة طويلة بمستوى عالٍ نسبياً من حرية التجارة. إن وجود نظام تجاري متحرّر يعتبر هاماً لأنه يخلق ديناميكية سياسية محلية تشجّع الناس على المشاركة في أنشطة منتجة بدلاً من السعي للحصول على محاباة من الحكومة. وباختصار، فإن التجارة الأكثر تحرّراً تقلّل من قدرة المصالح الخاصة على تخفيض الحريّة الاقتصادية، وقد تساعد على زيادة الحريّة الاقتصادية في مجالات أخرى.
لقد لعبت الإمارات العربية المتحدة دوراً إيجابياً بصفة خاصة في تشجيع حرية التجارة والاقتصاد. ويشير سالم الإسماعيلي، وهو مؤلف مشارك في وضع مؤشر حرية الاقتصاد العربي، إلى الإمارات العربية المتحدة -وهي البلد الخليجي الذي احتفظ بنظام تجاري حرّ لأطول مدّة– بأنها تقدّم انطباعاً عملياً وواقعياً للدول المجاورة. وبما أن تجارتها قد بقيت حرّة نسبياً خلال العشرين سنة المنصرمة، فقد عملت الإمارات العربية المتحدة بشكل مطّرد على زيادة مستوى الحرية في مجالات أخرى لاقتصادها، حيث قامت بجذب الاستثمارات وتحقيق النمو. وقد قامت بلدان أخرى بمحاكاة هذه القدوة. إن التنافس في السياسات بين البلدان هو هام بشكل مماثل للتنافس في السوق.
ومع ذلك، يلاحظ التقرير أنه في العالم العربي “تظلّ معظم أنواع التفاعل الاقتصادي… محدودة وغير هامة بشكل ملفت للنظر”. فالتجارة بين بلدان الشرق الأوسط تمثّل فقط حوالي 8 بالمائة من تجارة المنطقة. إن الافتقار إلى حرية الاقتصاد في عدد كبير من البلدان العربية يحدّ من التجارة، ممّا ينتج عنه أن الدول الأكثر غنى “تجد منتجات أفضل وأرخص خارج المنطقة بدلاً من دول المنطقة التي تتوفّر فيها الأيدي العاملة، والتي بدأت حريّة الاقتصاد فيها تصبح منخفضة نسبياً”.
وتبقى هنالك مشاكل أخرى حتى في البلدان العربية الأكثر تحرّراً من الناحية الاقتصادية. ففي عُمان، على سبيل المثال، ارتفعت نسبة البطالة إلى 15 بالمائة، وحكومتها، التي تقوم بتوظيف حوالي نصف القوى العاملة العمانية، حجمها كبير. ولحسن الطالع، يبدو أن هذا البلد يدرك بأن احتياطياته النفطية لن تدوم إلى الأبد، وبالتالي فقد استمر في رفع مستواه الخاص بحريّة الاقتصاد. إن التقدّم المذكور في عُمان ودول الخليج الأخرى ولبنان يمنح الأمل بأن كافة الدول العربية تستطيع تحقيق ودعم الرخاء الاقتصادي.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 3 كانون الثاني 2006.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018