شؤون سياسية

إدريس لكريني15 نوفمبر، 20100

ترتبط الديمقراطية عادة بتداول السلطة بشكل مشروع وسلمي؛ بما يسمح بإشراك المواطنين في تدبير أمورهم والمساهمة في اتخاذ القرارات التي تهمهم، واحترام حقوق الإنسان مع القدرة على تدبير الاختلاف بشكل بناء.. وهي مسيرة معقدة ومركبة تحتاج إلى مجموعة من العوامل والشروط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية والقانونية والمؤسساتية..
ومعلوم أن هناك علاقة قوية متبادلة بين الممارسة الديموقراطية واستقلالية القضاء؛ فالديمقراطية تظل بحاجة ماسة إلى قضاء مستقل قادر على مقاربة مختلف القضايا والملفات بنوع من الجرأة والنزاهة والموضوعية؛ بعيدا عن أي تدخل قد تباشره السلطات الأخرى؛ مثلما يظل القضاء من جانبه بحاجة إلى شروط موضوعية وبيئة سليمة مبنية على الممارسة الديمقراطية تعزز من مكانته وتدعمه وتسمح له بتحقيق العدالة المنشودة وترسيخ المساواة أمام القانون؛ بعيدا عن أي استهتار أو انحراف بالقوانين.
إن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدها المغرب فيما مضى؛ لم تكن لتقع بنفس الشكل والوتيرة (اختطافات واعتقالات تعسفية وتعذيب ودفن جماعي وإطلاق النار خلال أحداث اجتماعية شهدتها البلاد..) في وجود قضاء قوي ومستقل.
كما أن الانتخابات التي تفرز نخبا يفترض أن تتولى تدبير الشأن العام والوطني والسهر على قضايا المواطنين الحيوية؛ تتطلب وجود قضاء فعال ومستقل قادر على ضمان نزاهتها ومرورها في جو سليم وبناء؛ من خلال معاقبة المفسدين وتكريس تكافؤ الفرص واحترام إرادة الجماهير.
ولذلك فهناك عدد من الباحثين من يعتقد بأن وجود قضاء مستقل يؤكده ويحميه الدستور هو شرط أساسي للديموقراطية يتجاوز في أهميته إجراء الانتخابات ذاتها..
إن استقلالية القضاء تقتضي عدم وجود أي تأثير مادي أو معنوي أو تدخل مباشر أو غير مباشر وبأية وسيلة في عمل السلطة القضائية؛ بالشكل الذي يمكن أن يؤثر في عملها المرتبط بتحقيق العدالة، كما يعني أيضا رفض القضاة أنفسهم لهذه التأثيرات والحرص على استقلاليتهم ونزاهتهم.
وترسيخ استقلالية القضاء هو مدخل فعال للتغلب على الجريمة في مختلف أبعادها ووسيلة رئيسية لتكريس العدالة وحماية الحريات وضمان احترام حقوق الإنسان؛ وسيادة الثقة في القانون والمؤسسات والتشجيع على الاستثمار؛ كما أن هناك علاقة وطيدة بينه وبين بناء مجتمع ديموقراطي.
ويفترض أن يقوم مبدأ استقلالية القضاء على مجموعة من المرتكزات التي تعززه؛ من قبيل اختيار قضاة من ذوى الكفاءات والقدرات التعليمية والتدريبية المناسبة، ومنحهم سلطة حقيقية تتجاوز الصلاحيات الشكلية؛ وتسمح للقضاء بأن يحظى بنفس القوة المتاحة للسلطتين التشريعية والتنفيذية؛ وتجعله مختصا على مستوى طبيعة الهيئة القضائية والصلاحيات المخولة؛ مع توفير الشروط اللازمة لممارستها في جو من الحياد والمسؤولية، بالإضافة إلى وجود ضمانات خاصة بحماية القضاة من أي تدخل يمكن أن تباشره السلطتين التشريعية والتنفيذية في مواجهة أعمالهم أو ترقيتهم أو عزلهم؛ وإحداث نظام تأديبي خاص بهم، كما يتطلب وجود هيئة مستقلة تسهر على اختيار القضاة وتعيينهم على أساس الكفاءة وتأديبهم.
وينطوي مبدأ فصل السلطات على أهمية كبرى على اعتبار أنه يحدد مجال تدخل كل سلطة على حدة ويمنع تجاوزها؛ فالسلطة التنفيذية لا يجوز أن تتطاول على المهام القضائية بالضغط أو التأثير؛ أو الامتناع عن تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة في حقها من قبل مختلف المحاكم؛ أو تعطيل تنفيذها أو توجيه النقد إليها؛ مع الحرص على توفير الشروط التقنية والمادية الكفيلة بضمان حسن سير العدالة.
وعلى السلطة التشريعية أيضا؛ ألا تتدخل في أي منازعة تندرج ضمن الاختصاص المخول للقضاء؛ أو منح جزء من صلاحياته إلى جهات أخرى.

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

تداول المفكرون العرب مفهوم الدولة في سياق حديثهم عن الأمة الواحدة والمنشودة، فنشأ لديهم خلط بين مفهومي الدولة/ الأمة إلى درجة التماه بينهما. وكان ضرورياً من الناحية التاريخية والمنطقية التمييز بينهما، لأن كلّ منهما يشكل تعبيراً نوعياً عن كينونة تاريخية متمايزة، لها وجودها وتاريخها الخاص. وبنتيجة هذا الخلط بين المفهومين غاب عن هؤلاء كذلك التمييز بين الدولة والمجتمع المدني، وكانت نتائج هذا الموقف هي الأشدّ خطورة على صعيد الحريات الفردية. وكما يلاحظ فأن التركة النظرية لمنظري القومية العربية، أمثال الحصري، والأرسوزي، وعفلق تفتقر بقوة إلى نسق نظري أو فلسفة عن الدولة بمعزل عن مفهوم الأمة.
بتأثير من التجربة القومية الأتاتوركية، استلهم الحصري مفهوماً مركزياً للأمة/الدولة يقوم على الفصل العميق بين الوحدة القومية ومسألة الديموقراطية، التي تجاهلها إلى حدّ كبير، ولم يكترث بحرية الأفراد ودورهم الفاعل في تقرير المصير السياسي للأمة. إذ شددت أدبيات الفكر السياسي القومي على تحرر الجماعة/ الأمة والدولة المطابقة لها، فلم تحظى فكرة حرية الفرد وحقوقه بأي اعتراف لديها، ولم تتبلور فيها منظومة لحقوق الإنسان الخاصة بموازاة حقوق المواطن. ولم ينل المجتمع أي اعتراف باستقلال كينونته خارج الدولة. إن الدولة المتصوّرة في الفكر القومي العربي هي صنو الأمة، تنشأ وتتطور من خلال تحرر الأمة السياسي ككل و سيرورتها نحو الوحدة القومية، لهذا لم يكترث هذا التصور بحرية الفرد ولم يعني بمساواته قط.

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

الخصوصية على مستوى الجماعات والشعوب هي مفهوم يمتد ليتسع لعدة أنماط تراثية وحضارية وثقافية وغيرها والصفة الأكثر وضوحا لها هي الانطلاق من محاولة وضع علامات فارقة مميزة لتلك الجماعة عن غيرها .. من زاوية أخرى يمكن اعتبار الخصوصية كمنتوج ومؤثر في نفس الوقت لوعي جمعي ساعد في تشكيله العديد من العوامل المتشابكة وعلى امتداد الزمن ..
هذا عن التعريف .. أما عن استخداماته وهو جوهر الموضوع .. فقد عانى مفهوم الخصوصية كغيره من المفاهيم التي تتصف ببعض الغموض والقابلة للتطويع والمط من محاولات استلاب وتهجين وتغيير مسار باختلاف الهدف ومصدر الاستخدام ..
فمثلا .. عندما يتحدث سدنة المؤسسات الرجعية ( سياسية أو دينية ) عن الخصوصية فغالبا يكون الهدف هنا هو الارتداد إلى لحظة تراثية معينة والتوقف عندها .. أو كحائط صد أمام دعاوى الحداثة والتطوير والعقلنة أيضا .. قد يكون التشدق بالخصوصية بمفهومها السلبي هو علامة ضعف أو عجز أو حتى انهزام .. وغالبا ما يتولد أيضا الهجوم المضاد لها من قبل عباد الحداثة .. وهم المسار المواز لعباد التراث .. ووجه الشبه هنا هو الجمود والفشل في إنتاج مقولات حداثية تنويرية تتميز بالأصالة والمعاصرة في آن واحد ..
عندما يتحدث بعض العقلانيين التنويريين عن الخصوصية الثقافية لمجتمعاتنا المأزومة يكون التوجه هنا نحو مفاهيم تغيب عن الوعي الملتاع من أية محاولة لتفهم الماضوي وعقلنته والمندفع دوما نحو الاغتراب والانفصال والإقصاء ..
تلك المفاهيم الغائبة أو المغلوطة هي الاحتياجات الخاصة بكل مجتمع وطبيعة تركيبته الاجتماعية والسياسية وارتكازاته التاريخية وغيرها ..
وتكون الدعوة هنا إلى موائمة الخصوصية ليست ارتدادا أو مراوغة حداثية و إنما بناء عقلاني سليم وأعمق تم تأسيسه على فهم طبيعة المجتمع النازح نحو التغيير .
التنوير ما بين عبّاد التراث وعبّاد الحداثة ..
وعلى الجانب الآخر .. تكون الدعوة إلى ( استيراد ) الأشكال سابقة التجهيز من مقولات الحداثة والتنوير مغرقة في السذاجة وعلى خلفية من جهل بحركة التاريخ ومتطلبات التطور ..
فكل وأي حراك اجتماعي وتنوير عقلاني بأي مكان وزمان هو مسار محكوم بعوامله الخاصة ومتطلبات مرحلته وخصوصيته التي تتحول هنا إلى هوية وعلامة فارقة تحدد له أهدافه وآليات تحققه من أجل ما سبق وغيره الكثير وبالتوازي مع فشل الوعي باللحظة الراهنة وهي من ركائز التنوير الأصيلة كانت المراوحة العربية فكريا شعبيا ونخبويا ما بين عبادة الحداثة وعبادة التراث ..
بعبارات أكثر وضوحا .. فان الخصوصية هنا ( في مسارها العقلاني الايجابي ) لا تعني الجمود .. بل تعني ضرورة إنتاج المجتمعات لآليات تطورها بنفسها وبما يتسق مع متطلباتها واحتياجاتها .. وفي نفس الوقت .. بما لا يتعارض مع خط التطور البشري فكريا وإنسانيا .. وإن أضاف له يكون الخروج من الحرية إلى التحرر .. وهو ما أشك أن مجتمعاتنا بنفس الأنماط السلبية من التعاطي سواء من عباد التراث أو عباد الحداثة سوف تبلغه فضلا عن بدء السير في طريقه .. ويبقى الحل كما أراه في ضرورة تبني مسار تنويري عام وشامل وهذا للأسف أيضا يسير في اتجاهه المعاكس أشكال الحكم السلطوية التي تكرس للماضوي وأحيانا تمجده .
الخصوصية هنا ليست ( صفات ) بل ( احتياجات ) .. ليست ( وفرة ) بل ( افتقاد (
لذلك وبالتأمل في مفهومها الإيجابي الذي يطغى عليه استنكار واقع الحال المزري الذي نعاين وقائعه كمجتمعات عربية ( وهو حق ) لاكتشفنا أن ما هو موجود من صفات تميز مجتمعاتنا المأزومة من فقر وجهل وتخلف وغيرها هي بالتأكيد موجودة ومستفحلة لكنها هنا توجد كصفات أو أمراض اجتماعية وفكرية يضلع التنوير والحداثة بالقضاء عليها .. بينما يكون موقع كلمة ( الخصوصية ) هنا هو الآلية والطريقة التي تتواجد بها تلك الأمراض الاجتماعية .. وتكون الدعاوى إلى مراعاتها عند العلاج هي تفهم ذلك التموضع لها من اجل النجاح في إيجاد حل سليم يتمتع بالموائمة .
مثال لتوضيح ما سبق ..
كان المجتمع الأوروبي يتصف في مرحلة ما قبل عصر التنوير بالرجعية والظلامية والخضوع لسلطان الكنيسة بالتحالف مع الإقطاع .. هذا الوضع المعين أنتج آليات تنويره وتطوره المتمثلة في الثورة الصناعية والعقلية التي توازت مع إطلاق عصر التنوير لصرخته الأشهر (كن جريئا في استخدام عقلك) بينما وعلى الجانب الآخر لن نجد أبدا هذا الوضع التاريخي و الاجتماعي متحققا بأي شكل من الأشكال بمجتمعاتنا العربية .. فنحن لسنا كيانات منتجة بالمعنى الأصيل الذي كانت عليه الدول الأوروبية وقتها. بينما تحور الإقطاع لصورة مؤسسات وأفراد ينتسبون للرأسمالية ( بوجهها الإستغلالي ) وبمزاوجة مع مؤسسات رجعية سياسية أو دينية … وهذا كله على خلفية من هيمنة خارجية وتحديات هوياتية بل ومواقعة احتلال واستنزاف مادي ومعنوي. هذا الاختلاف .. هو المقصود بالخصوصية .
الوعي باللحظة الراهنة ..
إن القول باستحالة أن نستطيع كمجتمعات وشعوب عربية إنتاج حداثة وعصرنة تتميز بالأصالة والمعاصرة هو قول يتعارض مع الحداثة ذاتها التي تؤمن بشيء اسمه الحراك والتطور .. ليس فقط بالمفهوم الديالكتيكي بل وأيضا بالمفهوم التنويري كأفراد ثم كشعوب .
ولا تعني دعاوى ضرورة التمثل بالخصوصية المجتمعية هو الانغلاق أو الإقصاء أو التقوقع على الذات. لا تعني التحريم أو التخوين أو الوقوف على طرف الحلبة من المجتمعات المتحضرة التي تصوغ لنا للأسف حتى مقدراتنا فضلا عن وقائع حياتنا اليومية الاستهلاكية وأحيانا الفكرية ..
ولا تعني أبدا عدم الالتفات إلى تجارب الشعوب التي هي في الأساس إرث إنساني عظيم وملهم ..
بل تعني محاولة فهم عميق لطبيعة مجتمعاتنا وتركيبته المعقدة المتشابكة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وذلك من أجل النجاح في إنتاج طرائق ناجحة للخروج من عصور ظلام عربية طالت كثيرا.  أما عن دعاوى نقل التجربة كما هي .. فالأمر هنا لا يتعلق برفضي أو قبولي أو رفض وقبول المجاميع .. فهو بالأساس مستحيل منطقيا لمغايرة الزمان والمكان والوضع التاريخي ..
وهناك فارق كبير ما بين أن نتبنى مثلا التنوير أو الحداثة وغيرها .. وبين ان نتبنى نفس الآليات التي استطاعت تلك المجتمعات أن تحقق أهدافها بها ..
الأول .. أي تبني المفاهيم والطرائق التطورية مع إعادة إنتاج آلياتها ووسائل تحققها هو حق .. وهو ما يجاهد كل عقلاني حر إلى بلوغه وتسييده بمجتمعه المأزوم ..
بينما الثاني .. أي تبني نفس الآليات والطرائق لهو فضلا عن استحالته إنما يمنح مؤشرا مرعبا على عدم الوعي باللحظة الراهنة وهو ما سيأتي إليه الحديث الآن .
الوعي باللحظة الراهنة ببساطة هو الوعي الذي يستطيع استقراء الحاضر وتجاوز الماضي من أجل محاولة إنتاج المستقبل وهو مقابل لما يسميه البعض ( الوعي الأصولي ) وهو كما يتضح من اسمه الوعي الذي يعاني من التوقف عند نقطة تراثية معينة ..
ولذلك أيضا كان الاشتقاق الصادم ( عبادة الحداثة ) وذلك لأن هؤلاء أيضا إنما توقف وعيهم عند نقطة إحداثية ما لن تلبث أن تنتقل بدورها بحكم حركة التطور الى التراثي والماضوي
الوعي باللحظة الراهنة هو الوعي المعنى بالتنوير .. أو ان شئنا الدقة بحمل مشاعله .. وذلك لأنه قادر على الابتكار والإبداع لا النقل والإتباع ..
أي تغيير مجتمعي هو وليد التثوير في شتى مناحي الحياة .. والتثوير هو منتوج تنويري بحت .. وهنا التنوير يتجاوز مفهومه المعرفي لينسكب على كافة طرائق و آليات التعاطي الإنساني مع الحياة حتى الشخصية أو الاجتماعية فهو مرادف دوما للتطور ولكن الإرادي لا المحتوم.
© منبر الحرية، 22 سبتمبر/أيلول 2009

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

تحت شعار “العالم العربيّ: حلولٌ جديدةٌ لإشكاليات قديمة”؛ نظّمَ مشروع “منبر الحرية”، التابع لمؤسسة أطلس وبشراكة علمية مع معهد كيتو الأمريكيّ، جامعته الصيفية الأولى لموسم 2009 ما بين 9 و 16 تمّوز/يوليو في منتجع المهدية الشاطئي (30 كلم شرق العاصمة المغربية)، والتي من المنتظر أن يُعاد تنظيمها مرة أخرى ما بين 25 و30 أيلول/سبتمبر 2009 في العاصمة اللبنانية بيروت.
كانت الجامعة الصيفية لمنبر الحرية مناسبة لالتقاء رؤى ومنهجيات متعددة لتباحث الإشكاليات المعقدة التي تمس عمق المجتمعات العربية المعاصرة. هذا وقد عرفت الجامعة الصيفية لهاته السنة حضورَ باحثين مرموقين من مختلف أنحاء العالم العربيّ بغيةَ إثراء النقاش حول مجموعة من المحاور التي تهم الراهن العربيّ.
وفي هذا السياق تطرق الأكاديمي المصري الدكتور/ محمد حلمي عبد الوهاب، في مداخلته الأولى إلى “ما يتعدّى نفيَ الآخر، كيف ترى الخطابات الدينية إلى الليبرالية؟”، وأشار في بداية مداخلته إلى أنه ينبغي التمييز بين “النص الديني المقدس” و “الخطاب الديني” الناتج عن إعمال الفكر في فهم هذا النص، حيث يؤدي الخلط بينهما إلى إسقاط طابع القداسة وارتحالة من فضاء الأول “النص المقدس” إلى عالم الثاني “الخطاب/البشري”. ومن ثم، تكتسب الاجتهادات التأويلية ذات الطابع الإنسانيّ سمتا من القداسة، الأمر الذي يحولُ بطبيعة الحال دون تقويمها ونقدها.
كما أكد الباحث في مداخلته أن الخطاب الديني ليس واحدا كما يعتقد البعض؛ وإنما هناك مجموعة كبيرة جدا من الخطابات الدينية التي تصدر عن قطاعات مختلفة تتصارع فيما بينها على الحديث باسم الإسلام، وتتفق فيما بينها على أن ثمة حربا يشنها الغرب على الإسلام والمسلمين بلا هوادة، وأن أخطرها على الإطلاق هو ما تسميه بـ ”الغزو الفكري“. وبحسب هذا المنطق، فقد تسللت الليبرالية إلى بلاد الإسلام، مع أن الأخير ليس بحاجة إليها، وأنه ليس بالإمكان الجمع ما بين منهج مادي يرفض الأديان ومنهج الإسلام الرباني، فالليبرالية تعني في حكم الإسلام ألوانا متعددة من الكفر والشرك المناقض لحقيقته، وأشكالا مختلفة تناقض أخلاقه وقيمه، وأن من يقوم على إشاعة الفكر الليبرالي اليوم ليسوا سوى ”مجموعة من الزنادقة والملاحدة يناقضون جذور الإسلام وأصوله الأساسية”.
وهذا ما يؤدي، بحسب د. حلمي، إلى أن تنتصر الجهادية الانتحارية والمدمِّرة في النهاية، لذا لا بد لكي يسودَ انسجامٌ نسبيٌ بين المثال والواقع، أن تتغير رؤية العالَم لدى الإسلاميين وذلك عبر إقبال الدعاة على أمرين رئيسيين: أولهما الدعوة لبناء الدين، وفي موازاة ذلك إسقاط سوء الظن بالعالَم الآخر.
وفي نفس السياق، تناولت الأستاذة مرح البقاعي موضوع “مداولة الإسلام بين الزمني والروحي”، متسائلة عن موقع الإسلام اليوم من هيكلية الدولة بمؤسساتها ومرجعياتها وبيئتها السياسية المختلفة، وعن الدور الذي يُفترض أن يلعبه في المجتمعات المعاصرة.
هذا وتؤكد الأستاذة مرح أن الجدل الراهن القائم بين أضلاع المثلث الثلاثة: (الإسلام ـ السياسة ـ المجتمع)، والذي تحول سريعا إلى مواجهات فكرية وسياسية ـ وأحيانا مسلّحة، قد نأى بالمجتمعات الإسلامية عن قراءة الحالة المدنية في الشريعة الإسلامية، مما أجّج الصدام، المتواصل أصلا، بين الجماعات الإسلامية من جهة، والتيارات العلمانية والتنويرية، من جهة أخرى؛ مثلما أدى إلى تعاظم الاحتقان الاجتماعي.
وانطلاقا من تجارب بعض الحركات الإسلامية كالإخوان المسلمين وتجارب بعض الدول العربية في تعاملها مع الاجتهاد والإصلاح والعلمنة خلصت د.مرح إلى أنه يجب ردّ الإسلام إلى جوهره الاعتقادي الروحي الأول كونه علاقة منفردة ومتفرّدة بين الفرد والله، ذلك أن التعصب والجمود لن يؤد إلا إلى  الاحتقان السياسي والاصطفاف المذهبي والانقسامات العقائدية السياسية التي تضع منطقة الشرق الأوسط برمتها على حافات الانزلاق إلى حروب أهلية.
من ناحية أخرى، تطرق الدكتور إدريس لكريني، الأستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش، إلى مسألة الديمقراطية، ولكن من خلال دور النخب في الإصلاح الديمقراطي. ومن ثم جاء اهتمامه بالنخب السياسية منصبا على الإيمان بأن دراستها  تنطوي على أهمية كبرى، باعتبارها تساهم بشكل كبير في فهم وتفسير السلطة السياسية داخل الدولة. خاصة، وأن النخب السياسية العربية تجد نفسها أمام واقع سياسيّ عربي صعب، مما يفرضُ تحملها للمسؤولية نحو بلورة إصلاحات ديموقراطية ناجعة.
وفي مداخلته تلك أكد د.لكريني على وجود أزمة مركبة لهذه النخب، ممثلة في ضعف المصداقية لديها، بسبب سكوتها عن نقد الأوضاع الحالية ما أدى إلى فقد ثقة الجماهير العريضة في قيادييها.
وأنه من أجل أن تكون هذه النخب فاعلة على مستوى الإصلاح والتغيير، ينبغي عليها -بحسب د.لكريني- أن تراهن على الجماهير؛ والتي من خلالها ستستمد مشروعيتها وقوتها، كما أن إيمانها بالديموقراطية مبدأ وسلوكا يعد منطلقا لتحقيق تغيير حقيقي في الأقطار العربية.
وفي مداخلته الثانية قدم الدكتور الكريني نموذجا لتجربة مغربية متميزة في العالم العربي، وهي تجربة “هيئة الإنصاف والمصالحة” والتي كانت في أساسها محاولة لرد الاعتبار لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وجاءت في إطار التطورات التي شهدها المغرب في مسار حقل حقوق الإنسان، أو ما سمي بـ “مسلسل الانتقال الديموقراطي” الذي بدأ منذ منتصف التسعينيات.
وفي هذا السياق كانت اللجنة التي شكلت من نخبة من الناشطين والمناضلين الحقوقيين والمعتقلين السياسيين السابقين، قد كُلفت بمَهَمةِ مقاربة سياسية للملفات المرتبطة بالانتهاكات الجسيمة التي شهدها المغرب ما بين سنة 1956 و1999، والتي أرادت أن تكفل رد الاعتبار للضحايا وتمكن المتضررين من تعويضات مادية مناسبة.
هذا  وتدخل هذه التجربة في إطار ما يعرف دوليا بسياسات “العدالة الانتقالية” التي تؤمن تحولا سياسيا مرنا وهادئا، وتسمح بمصارحة الذات والتاريخ والعمل على تلافي التجارب القاسية في المستقبل.
لكن على الرغم من وجود العديد من العراقيل والانتقادات التي وجهت للهيئة؛ إلا أن د.لكريني أكد على أن تجربة “هيئة الإنصاف والمصالحة”، والتي تعد الأولى من نوعها بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تبقى تجربة شجاعة بكل المقاييس؛ سواء على مستوى إحداث الهيئة في حد ذاته، أو على مستوى بلورة النتائج والتوصيات التي خلصت إليها، وهي خطوة تاريخية تقتضي بأن يعززها فتح ورش إصلاحية في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية والقضائية والإدارية.
وفي إطار الاهتمام بالإشكالات التي تمس عمق المجتمع العربي طرح الباحث عزيز مشواط ممقاربة مهمة لموضوع “تضخم خطاب الهوية العربية”، وما ينتج عن ذلك من تساؤلات وإشكالات حول المفهوم ودرجة تعقيدهّ، ومدى مساهمة الدين في بناء الهوية العربيةّ، ودور الأزمات، بمختلف مستوياتها، في بناء الخطابات الهوياتية المتطرفة؟ .وكيف يمكن بناء هوية قائمة على أسس من التعايش والحوار المشترك؟
وبحسب ما يؤكد الأستاذ/ مشواط؛ فإن الهوية العربية تقف في مفترق الطرق بين اتجاه يرنو إلى التشكل وفق المتغيرات الجديدة، حيث انهيار المسافات بين المجتمعات بفعل الثورة التقانية ووسائل الاتصال المتدفقة من كل جانب. أما الاتجاه الثاني، فيمكن أن نسميه بالاتجاه النكوصي الافتراضي المتطفل على زمانه، والذي يقدم الهوية الأصلية بصفتها المقدسة والمطلقة والخاضعة للتأبيد والثبات، وهو اتجاه لا يمكن أن ينتج عنه سوى كسر الحوار وثقافة للعنف وتشويش للرؤية.
غير أن مسعى البحث عن الهوية الموحدة في الحالة العربية لا يتم بحسب مشواط دون اللجوء إلى الدين بحال من الأحوال. وعلى هذا الأساس يستعير الخطاب الهوياتي النكوصي من الدين عناصره المتمثلة في الحقيقة المطلقة والعقيدة الثابتة، فتصبح الهوية والدين متلازمان.
ويخلص الأستاذ/ مشواط إلى القول: إن أزمة خطابات الهوية في العالم العربي تتمثل في عملية التبسيط الشديدة التي يتعرض لها مفهوم الهوية نفسه، رغم شدة تعقده وإحالته على عوالم يستحيل تصنيمها واختزالها من خلال الثبات. كما تتمثل أيضا في استمرار منطق الثنائيات المتصلب مما يؤدي إما: إلى التمجيد والنرجسية الفارغة، أو إلى التعصب والعنصرية. وفي كلتا الحالتين ستكون النتيجة هي التقهقر، والتطرف فكرا وثقافة واجتماعا، مما ويقود إلى الانغلاق والتطرف.
وفي مداخلته الثانية، تطرق د. حلمي إلى بحث “إشكاليات تعثر التحول الديمقراطي وفشل مشروع الإصلاح في العالم العربي” في محاولة منه للإجابة عن التساؤلات التالية: كيف ولماذا تنبثق الديمقراطية، أو لا تنبثق، لدى أمة من الأمم دون غيرها؟!، ولماذا تتعثر تجارب التحول الديمقراطي في حقبة زمنية ومكانية محددة، فيما تنجح نظائرها في مناطق أخرى من العالم؟
بداية أشار د. حلمي إلى أن مفهوم الديمقراطية يصعب تعريفه أو حصره في تعريف واحد، وهو ما يجعل من الديمقراطية ديمقراطيات من حيث التعاريف، خاصة وأنّ تغير الظروف السياسية من خلال التطور الحضاريّ أضاف لها معاني ودلالات متعددة.
وفي المقابل ركز الباحث على تعثر المسلسل الديمقراطي في الدول العربية، خاصة مع اتباع أغلب النظم العربية المعاصرة سياسة الانفتاح السياسي من دون دمقرطة مما ينتج عنه مجموعة من الإشكالات من أبرزها:
•    بقاء مركز السلطة كما هو غير قابل للتغيير بوسائل ديمقراطية ومحتكرا لصالح ملك أو رئيس.
•    الحفاظ على شكل الدولة البيروقراطية التسلطية.
•    عدم حدوث أي تغيير جوهري يذكر بالهيكل التسلطي للقانون مع تزايد قبضة السلطة على مقاليده.
•    حصول انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان السياسية والاقتصادية.
هذا وقد جعل الباحث من مصر نموذجا للدول العربية التي عاشت نفس التعثر، حيث تحدث عن تطور المفهوم الديمقراطي وتعثره منذ خضوع مصر للخلافة العثمانية وإلى يومنا هذا.
وفي نهاية مداخلته اقترح د.حلمي استراتيجية جديدة لتنظيم الانتقال الديمقراطي والتي يمكن أن تتم من خلال معالجة الجوانب الرئيسية المرتبطة أساسا بمشاكل العالم العربي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وذلك من خلال الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي على اعتبار أن معالجة الأزمات الاقتصادية وما يرتبط بها من تقلص فرص التنمية تعد شرطا ضروريا وتمهد الطريق أمام التحولات السياسية الديمقراطية، وجعل الاختيار الديمقراطي هدفا ممكنا بالنسبة لجميع الطبقات الاجتماعية، هذا بالإضافة إلى العمل على إعادة البناء السياسي للمجتمع، أي زرع وتوطين الهياكل المؤطرة له والمعقلنة لسلوكه وحركته وبما يتضمن إدخال للشروط الملائمة لنمو النقابات والجمعيات والأحزاب السياسية.
وفي سياق آخر، عالج الدكتور نوح الهرموزي في مداخلته “إشكالية المعرفة والنمو الاقتصادي في العالم العربي” واقع المعرفة في العالم العربي المعاصر وعلاقة هذا الواقع بالنمو الاقتصادي، مؤكدا أن الجوانب الاقتصادية تشكل بدورها رهانات أساسية لتقدم الدول العربية المعاصرة. وفي تحليله لواقع النظم المعرفية والتعليمية في العالم العربي، أكد الهرموزي أن هذه النظم تتميز بوجود تباين بين التكوين العلمي ومدى ملاءمته لمستلزمات سوق العمل، هذا بالإضافة إلى عدم اهتمام الدول العربية بمجال البحث العلمي، والذي تخصص له ميزانية هزيلة جدا بالمقارنة مع المعدلات العالمية المرتفعة.
وإلى جانب ما سبق، أكد د. نوح على أن جودة التعليم وفعاليته تتوقف على قدرته على الاستجابة لمتطلبات العصر والقدرة على التكيف والابتكار داخل عالمنا المعولم، كما أن نموذج الدولة الكفيلة بإنتاج نظم تعليمية فعالة هي دولة الحق والقانون حيث تسود الشفافية وسيادة القانون والمساءلة، وحيث حقوق الملكية واضحة ومحترمة، وحيث يمكن للمواطنين المشاركة في الشؤون العامة بلا أدنى إكراه، وحيث تترك السلطة المركزية مجالا مفتوحا لمبادرات القطاع الخاص.
وفي مداخلته الأولى تناول الدكتور نعيم الظاهر، المدير الإقليمي لجامعة لاهاي الدولية بالأردن، إشكالية العولمة في العالم العربي، باعتبار أنها أصبحت ظاهرة حتمية، وانطلق في دراسته من التساؤل الذي يطرح نفسه بإلحاح، ألا وهو: هل ستعمل العولمة على محو الهوية الثقافية والدينية في المجتمع العربي المسلم ؟ أم أن هذه الثقافة ستكون قادرة على الحفاظ على أصالتها وخصوصيتها؟
وفي إجابته على التساؤل السابق أكد د. الظاهر أن تجاوز هذه الإشكالات يكمن في التفكير في أنسب الطرق التي يمكن لمجتمعاتنا معها دخول نظام العولمة، بما يضفي على هذا النظام الاجتماعي الاقتصادي الخصوصية العربية والإسلامية، وبما يضمن عدم فقدان الهوية الثقافية والدينية لها، وذلك من خلال تلافي الظواهر السلبية التي أفرزتها العولمة في المجتمعات التي ظهرت فيها، أو التقليل من حدة هذه الآثار إلى حدودها الدنيا على أقل تقدير.
وإذا كانت أزمة التعليم والبحث العلمي أصبحت تطرح نفسها بشكل كبير في وقتنا الراهن، فإن أزمات المجتمعات العربية أضحت أكثر عمقا في زمن العولمة والتقهقر السياسي والاجتماعي والاقتصادي في كثير من البلدان العربية المعاصرة، وهو ما دفع بالدكتور الظاهر إلى معالجة مفهوم الأزمة في مداخلته الثانية المعنونة: “العرب وإدارة الأزمات”، والتي تحدث خلالها عن معنى  إدارة الأزمات، وأعطى أمثلة ونماذج عربية ودولية لإدارة الأزمات أثناء وبعد الحرب الباردة. مؤكدا أن إدارة الأزمات تحتاج إلى تأييد المجتمع، ومساندته وتعضيده، ومن ثم كلما كان المجتمع معارضاً لقوى الأزمة، كلما كان من السهل التعامل معها، أما إذا كان مؤيداً ومسانداً لقوى الأزمة، كان من الصعب التعامل معها.
وبحسب الدكتور الظاهر؛ فإنه على الرغم من تعدد أشكال الأزمات وأنواعها، إلاّ أن الهدف من مواجهتها، يتمثل في الحدّ من التدهور والخسائر؛ والاستفادة من الموقف المستجد، في الإصلاح والتطوير؛ ودراسة أسبابها وعواملها، كي يمكن اتخاذ الإجراءات الملائمة، ليس فقط لحلها، ولكن أيضا لمنع تكرارها.
وفي ارتباط بالموضوع الرئيس للمنبر حاول الدكتور يوسف تيبس من جامعة محمد بن عبد الله بالمغرب الاقتراب من الأسس الفلسفية لمفهوم الحرية من خلال مداخلته: “قراءة في التصورات الممكنة لمفهوم الحرية في العالم العربي الإسلامي” انطلاقا من المرجعيات المؤسسة لمفهوم الحرية في الواقع العربي الإسلامي، ومقتضيات حرية الممارسة الدينية  وذلك من خلال نظريات فلاسفة الأنوار وكشف التعارض الكائن –بحسبه- ما بين الحرية الطبيعية والتصور الديني للحرية وحدودها.
في حين حوّلت الأستاذة مرح ندوتها عن “الحريّة والشباب” إلى ورشة عمل شارك فيها جميع المشاركين متدخلين ومشاركين حيث أجاب كل واحد منهم عن مفهومه وتعريفه الخاص للحرية ومعناها. ومن ثم تراوحت التعاريف المقترحة من قبل المشاركين بين تأييد “الحرية من دون قيود”، على اعتبار أنها تمثل الانفتاح على الحياة دون ضوابط، والخلاص من القيود والذهاب بالعقل إلى ما لانهاية، وبين تأييد “الحرية المنضبطة” وقد خلص المشاركون إلى تعريف الحرية بأنها: “اختيار ما نريد ضمن ضوابط توافقية”.
© منبر الحرية، 14 أغسطس/آب 2009

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

لايحتاج المرء للإطلاع على التقارير الدولية أو الإقليمية حول موضوع التنمية البشرية في أغلب بلداننا العربية ليخرج بخلاصة تؤشر “التصحر” الذي تعاني منه الطاقات البشرية. وتتبلور هذه الظاهرة الخطيرة على نحو مؤلم في النزعة الإستهلاكية والميل إلى المنتجات المستوردة الجاهزة وفي العزوف عن الإبداع والعمل المثابر. كل هذا أدى إلى تدنّي روح المبادرة وغياب لذة العمل، إن لم نقل بهجة الكدح، التي تمنح الحياة طعماً ومعنى. بيد أن زحف التصحر البشري آخذ بالإمتداد بسرعة مذهلة، وهو في طريقه إلى ملامسة وإبتلاع أكثر المناطق الخضراء في النفس البشرية حيث تمتد كثبان الجهل والترهل والأمية المقنعة إلى أكثر قطاعات الحياة حيوية، كما سنلاحظ ذلك لاحقاً.
لا تتطلب عملية تشخيص هذه الظاهرة المقلقة التي تؤدي إلى هدر الموارد البشرية وتبديد الطاقات الشابة سوى القليل من القدرة على الملاحظة: ملاحظة الميل الواضح لدى الشبيبة والنشء إلى الخمول والكسل والبحث عن الوظائف (وليس المهن) التي تشكل واحدة من أخطر مظاهر التراجع الإقتصادي، وهي الوظائف الشكلية التي يراد منها الحصول على موارد وأجور دون تقديم شيئاً يذكر. هذه هي البطالة المقنّعة التي تعاني منها الدول الميسورة إقتصادياً التي تلتزم حكوماتها بصيانة حياة المواطن وضمان أمنه الإقتصادي من خلال خطط التشغيل، بأية طريقة وبأي ثمن. بيد أن الظاهرة المؤسفة تأخذ مدياتها الأوسع عبر عزوف الشبيبة عن الأعمال التي تكسب المهارات والخبرات. وإذا كانت الوفورات المالية قد أهلت عدداً من المجتمعات العربية إلى إستيراد كل شيء حرفياً، فإن الموضوع يأخذ مدياته الإستراتيجية والإقتصادية البعيدة عندما يستذكر حقيقة أن الموارد النفطية، مثلاً، إنما هي موارد ناضبة، وإن أهم الخطوات التي ينبغي للحكومات في المنطقة الإضطلاع بها تتمثل في إستثمار هذه الموارد للتأسيس لموارد أخرى تخدم قواعداً لإقتصاد صلب مضمون للمستقبل. هذا ما تعمل على تحقيقه العديد من الحكومات العربية، بيد أنها تعاني من صعوبة صد طوفان النزعة الإستهلاكية التي جردتنا حتى من أبسط الصناعات والحرف التي أتقنتها الأجيال السابقة لعصر النفط والبترودولار. بل أن الظاهرة راحت تتفاقم لتلقي بآثارها حتى على القطاعات الزراعية والرعوية، حيث يغادر الأبناء حرف آبائهم وأجدادهم كي “يسعدوا” ببيوقراطية الجلوس خلف منضدة في مكتب أنيق لإحدى دوائر الدولة أو شركات للقطاع الخاص. لقد أدت “حمى” البيوقراطية إلى مظاهر مؤسفة كالخجل من الأعمال اليدوية والعزوف عن الإنتاج الملموس المثابر، الأمر الذي أدى إلى ظواهر أكثر خطورة مما قد نتصور: منها إستيراد الأيادي العاملة من البلدان الفقيرة كي تخدمنا مقابل أجور ثقيلة مأخوذة من الموارد الطبيعية التي كان ينبغي أن تخصص لإستثمارات ذات جدوى مستقبلية.
عندما يدير المرء جهاز التلفاز على العديد من الفضائيات العربية، فإنه لا يمكن أن يفلت من ملاحظة تلك الأعداد المهولة من الشبان والشابات الذين يتشبثون بفنون الترفيه كالغناء والرقص والعروض الرخيصة التي لا تحتاج إلى مهارات أو إلى ثقافة مهما كانت. هذه “الجيوش” من المتطلعين للشهرة وللكسب السريع تعبر عن مأزق وتعقيدات نكوص التنمية البشرية في أغلب الأقطار العربية، حيث يعتمد هؤلاء على أشكالهم الخارجية أو على ما حفظوه من أغانٍ وحركات كي يتمكنوا من حصد الأموال بلا مؤهلات علمية أو حرفية تستحق الذكر. لاريب في أن هذه الظاهرة، كما هي عليه حال ظاهرة التشبث بالمنضدة البيروقراطية، تضع أصابع الإتهام على الأنظمة التربوية، المدرسية والجامعية الأولية، حيث أصبحت الدراسة في المدارس والكليات شيئاً من “الوجاهة” الإجتماعية، بغض النظر عن المهارات والمعارف المكتسبة. وتتجلى الحال على نحو أكثر مرارة لدى حملة الشهادات العليا الذين تكفي مقابلة واحدة مع بعضهم لإماطة اللثام عن أن ما يحملون من شهادات علمية لايزيد عن “ديكور” شخصي.
ربما يسأل المسؤولون في الوزارات ودوائر التخطيط المختصة في العديد من الحكومات في المنطقة: إذاً، إلى أين تذهب الأموال الأسطورية المخصصة لخطط التنمية البشرية في حقول التعليم العالي والمدارس المهنية ؟ لا ريب بأن على هؤلاء السادة المحترمين أن يضعوا أيديهم على الخلل، بدليل أننا نستورد كل شيء: من الخادمات والمربيات الأجنبيات اللائي نضع أطفالنا “أمانة” بين أيديهن، إلى المهندسين والبناة الماهرين الذين يقيمون لنا الجسور ويشقون لنا الشوارع كي نتسلى بقيادة سياراتنا المستوردة عبرها! ولكن مالذي تفعله المدارس والكليات التي تُفتح بالعشرات في أغلب البلدان العربية ؟ إنه سؤال مضنٍ يستوجب المراجعة والتحقيق بعد إجراء حسابات مالية وزمنية بسيطة حول تاريخ التعليم والتعليم العالي في البلدان العربية: هذا التاريخ الذي صار طويلاً منذ أن تحقق الإستقلال السياسي لأغلب الدول العربية كان يكفي ضمانة لأن نوفر جميع الحرف والمهارات بداخل بلداننا دون الحاجة لإستيرادها أو للإستعانة بها من الغير. بيد أن المؤسف هو أننا نرسل مرضانا إلى لندن أو نيويورك لإجراء العمليات الجراحية، بالرغم من أن كليات الطب في بلداننا لها تراث طويل من العمل وأجيال من المتخرجين، وبالرغم من أن حكوماتنا لم تبخل بإبتعاث الآلاف من الأطباء للتخصص في الجامعات الغربية. هذا كله تم إنجازه ولكن مريضنا لا يثق بالجراح المحلي لأنه يفضل أن تجري عمليته في إحدى مستشفيات لندن، والأدهى هو أن الذي يجري هذه العملية هناك يمكن أن يكون جراحاً هندياً أو عربياً مهاجراً ! هذه مفارقة تستحق الملاحظة لأنها تجسد البون الكبير بين جدوى إستثماراتنا على الصعيد التعليمي والجامعي التخصصي وبين جدوى إستثمارات الدول الأدنى مستوى معيشي: الفرق يتلخص في أن جيوبنا ممتلئة بالمال، بينما تعتمد جيوبهم على العمل والمثابرة والإبداع كي يصيبها شيئاً منه.
ويجسد الوضع الإقتصادي في العراق، على سبيل المثال، هذا النكوص المؤلم: فبعد عقود من “الضوضاء” حول بناء قاعدة صناعية رصينة ومشاريع مهولة للتصنيع العسكري والمدني (أدت إلى الحروب الدموية المعروفة) نجد أنفسنا اليوم نستورد كل شيء حرفياً: من علب الكبريت والملابس البسيطة والمشروبات الغازية إلى الأجهزة الكهربائية والمكائن الصناعية. إذاً، أين ذهبت الأموال الأسطورية التي أُقتُطعت من رغيف المواطن فخصصت لخطط “التنمية الإنفجارية” عبر أكثر من خمسة عقود كلفتنا الكثير الكثير من الرفاه والتقدم. لدينا الآن عشرات الجامعات ومئات الكليات، بينما كنا نتحدث عن الصواريخ البعيدة المدى وعن تصنيع الدبابات والمدافع والسيارات وعن إطلاق أول قمر صناعي عراقي، أما الآن فنحن نستورد حتى الإبرة والمسمار. هذا النموذج ينبغي أن يُستحضر كي يلاحظ المسؤولون والمواطنون في جميع دول المنطقة كيف يمكن لخطط التنمية أن تغدو “حبراً على ورق” لأنها تفتقر إلى الجدية وإلى الرقابة الدقيقة والتقييس العملي.
لا ريب في أن الدول المتقدمة صناعياً تعمل على تكريس هذا التيار الإستهلاكي اللامجدي الذي راح يستهلك الإنسان قبل الإقتصاد في العديد من دول المنطقة: فالغرب لا يمانع من قبول المئات من طلبة البعثات والعشرات من المتدربين من بلداننا في دورات أكاديمية أو مهنية، ولكنه يدرك جيداً أن هذه الكوادر والأموال المخصصة لها ستذهب هدراً في ظل تعاظم النزعة الإستهلاكية وتراجع المبادرة العلمية والحضارية. لهذا السبب تبقى الدورة العالمية المبتناة على إستيراد الدول الصناعية الغنية مواردنا الطبيعية، لإعادتها إلينا، بأضعاف مضاعفة من أسعارها، كمنتجات صناعية، منها منتجات بسيطة كنا نضطلع بصناعتها حتى سنوات قليلة خلت. إن دورة التراجع المستديم (وليس التنمية المستدامة) التي تعاني منها العديد من الإقتصاديات العربية بحاجة إلى وقفة جادة تتجاوز البيانات الرقمية المقدمة للقيادات السياسية لإستدرار الإطراء والمكافأة، وقفة تقيس جدوى جميع المخصصات المالية الموجهة إلى التنمية البشرية من أجل تجنب الوقوع في “دائرة سحر” التخلف الدوري المتعاظم التي تبقينا حبيسي فتح الإعتمادات والإستيرادات حتى آخر برميل نفط تبتطنه أرضنا.
© منبر الحرية، 11 أغسطس/آب 2009

إدريس لكريني15 نوفمبر، 20100

يعتبر التعدد العرقي واللغوي والديني  والثقافي.. من الظواهر الإنسانية المعهودة التي تتقاسمها العديد من المجتمعات(وجود الأكراد في سوريا والعراق وتركيا، النوبة في السودان ومصر، الطوارق في مالي والنيجر؛ الباسك في إسبانيا، الكروات والسلوفينيين.. في يوغوسلافيا؛ السيخ والأساميين والتيبواس.. في الهند والبربر في شمال إفريقيا وفي السودان وفي جزر الكناري وسردينيا وصقلية ومالطة والأندلس..)، ففي القارة الإفريقية التي يزيد عدد الدول فيها عن الخمسين؛ تتعايش حوالي 2200 إثنية متميزة بلغاتها وثقافتها..، وفي آسيا التي تحتضن أكثر من ثلاثة ملايير من البشر؛ يوجد أكثر من 2000 إثنية متباينة في اللغة والدين والعادات والتقاليد؛ وعلى المستوى العالمي هناك حوالي 8000 إثنية و6700 لغة.
وقد أكدت التجارب والممارسات الميدانية أن درجة انصهار وتعايش مختلف هذه الأجناس داخل المجتمع الواحد؛ تظل في جانب مهم منها متوقفة على طبيعة التعامل الذي تسلكه السلطات السياسية والاجتماعية نحوها؛ فالنأي عن العدالة والحرية والديموقراطية يحرض   مختلف المكونات الاجتماعية على الاختباء خلف الخصوصية والميل نحو الانغلاق عن المحيط العام؛ والبحث عن مشاريع بديلة خاصة بها؛ مما يفضي إلى مظاهر من الصراع والاضطراب والتعصب والانقسام؛ فيما التشبث بهذه القيم والمبادئ يكرس الوحدة الوطنية ويدفع نحو التعايش والاندماج.
إن التنوع بشتى مظاهره(الثقافية، الإثنية، الدينية، اللغوية..) يحتمل وجهين: الأول؛ إيجابي وذلك بالنظر للدور الهام الذي يمكن للتعدد أن يسهم به في تحصين وتقوية كيان الدولة؛ إذا كانت تستوعب أهمية هذه التعددية وتكرسها ميدانيا، والثاني؛ سلبي لما يمكن أن يشكله من خطر على استقرار الدولة ووحدتها، وبخاصة داخل الدول التي تتميز فيها مقاربة هذا الملف بالعقم والانحراف.
فالحيف والتهميش والإقصاء الذي يمكن أن يطال أحد مكونات المجتمع؛ سيؤدي حتما إلى تدهور التضامن الداخلي وتهديد وحدة المجتمع؛ ويسبب في بروز أزمات اجتماعية وسياسية، ويستثمر أيضا من قبل بعض القوى الخارجية المترصدة، في شكل مؤامرات قد تعصف بالاستقرار الداخلي للدول الضعيفة(برز ذلك بشكل جلي خلال أحداث أبريل 2001 بالجزائر عندما اعتبر وزير الخارجية الفرنسي آنذاك “أن فرنسا لا يمكنها أن تظل صامتة بصدد ما يقع من قمع وعنف في الجزائر”).
في حين؛ فالممارسة الديموقراطية واعتماد العدالة بأبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية..؛ تشكل مدخلا كفيلا بتدبير المشاكل والاختلافات، وضمانة للتعايش المجتمعي والوحدة الوطنية؛ وبتحصين المجتمع ضد أية مؤامرات خارجية.
وإذا كانت بعض الدول قد استطاعت أن تتوفق إلى حد كبير في تدبير التعددية الثقافية واللغوية والدينية والعرقية.. داخل مجتمعاتها؛ مثلما هو الشأن بالنسبة لبلجيكا وفرنسا..؛ فإن دولا أخرى شهدت انفجارا للصراعات العرقية والدينية.. بالشكل الذي عكس قصورا واضحا في تدبير هذا الملف(الاتحاد اليوغوسلافي السابق، رواندا، الصومال؛ العراق..)، فيما تحاول دول أخرى إيجاد حلول لهذه المسألة من خلال تدابير وإجراءات تتباين في مظاهرها وفعاليتها من منطقة إلى أخرى؛ وبخاصة في ظل التحولات المتسارعة التي شهدتها الساحة الدولية في العقود الأخيرة؛ انتقال مجموعة من القضايا الداخلية إلى دائرة الاهتمام الدولي(الديموقراطية؛ حقوق الإنسان، تلوث البيئة، الهجرة..).
وتعتبر المنطقة العربية التي تختزن ضمن مكوناتها الاجتماعية أقليات عرقية وإثنية ودينية.. مختلفة(لبنان؛ دول المغرب العربي؛ العراق؛ السودان؛ لبنان..) من ضمن أكثر الأقطار حاجة إلى استثمار هذا التعدد لتقوية كيان المجتمع والدولة؛ عبر مقاربة أكثر عدالة وديموقراطية.
إن هذه القضايا وبعد أن ظلت لسنوات طويلة محكومة بطوق أمني صارم وخضعت في العديد من الأحيان لتدابير صارمة باعتبارها شأنا سياديا داخليا يرتبط بقضايا “حساسة”، استأثرت باهتمام دولي كبير في العقدين الأخيرين؛ نتيجة للتحولات الكبرى التي شهدها العالم(انهيار الاتحاد السوفييتي الذي فرض سياسة صارمة في مواجهة الأقليات والإثنيات..)؛ وما تلاها من تدويل لقضايا حقوق الإنسان وحرياته؛ حيث أصبحت تحتل مكانة بارزة ضمن خطاب مختلف الفاعلين الدوليين من منظمات حكومية وغير حكومية ودول.. ورأي عام دولي إلى جانب قضايا حيوية أخرى؛ ظلت منسية ومهملة بفعل ظروف الحرب الباردة.
وقد كان لهذه التحولات أثر ملحوظ في تزايد المطالب والنضالات الأمازيغية بشمال إفريقيا؛ كما أنها وإلى جانب الأحداث المتتالية التي شهدتها الجزائر في منطقة “القبايل”؛ وتزايد الاهتمام الحقوقي والإعلامي والثقافي بالمسألة؛ أثرت بشكل ملموس في تعاطي الدولة المغربية مع هذا الملف الحيوي بشكل متدرج.
وهكذا؛ وضمن التفاعل مع هذه المتغيرات وما تفرضه من تحديات؛ وخشية من تطور الأمور إلى أشكال من الانفلات وعدم التوقع، تبنى المغرب مجموعة من المبادرات والقرارات التي توخي من خلالها إيجاد مقاربات كفيلة بمعالجة التعدد اللغوي والثقافي الذي اعتوره نوع من الإهمال في السنوات الماضية.. حيث بدأت محاولات رد الاعتبار للثقافة الأمازيغية داخل المشهد الإعلامي المغربي المسموع منه والمرئي والمقروء؛ واعتمد حرف تيفيناغ وبدأ تدريس الأمازيغية في بعض الأقسام التعليمية الأساسية؛ ثم أنشئ المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2001؛ الذي حددت مهامه في:”صياغة وإعداد ومتابعة عملية إدماج الأمازيغية في نظام التعليم والقيام بمهام اقتراح السياسات الملائمة التي من شأنها تعزيز مكانة الأمازيغية في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني وفي الشأن المحلي والجهوي”؛ حيث أصدر العديد من الكتب والمنشورات؛ وترجم أخرى إلى الأمازيغية..
وقد رافق هذه المبادرات بروز مواقف متباينة داخل الأوساط الأمازيغية؛ بين من ثمن هذه الخطوات واعتبرها منطلقا لتأهيل شامل للأمازيغية؛ وبين من رفض المقاربة الرسمية باعتبارها لم تكن تتويجا لحوار وطني واسع، وأكد على أن الاهتمام الحقيقي بالمسألة يبدأ بدسترتها(التأكيد عليها في الدستور) من خلال الإشارة لمسألة تعدد الهوية واعتبار اللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، كسبيل وحيد يكفل ويضمن إدماجها بشكل حقيقي في حياة المجتمع ويحصنها قانونيا.
كما اعتبر بعض المعارضين أن المقاربة الرسمية جاءت محكومة بهاجس أمني؛ وتوخت في العديد من جوانبها وقف التطور الذي تشهده القضية، مع حصرها في الجانب الثقافي؛ واحتواء الجزء السياسي منها..
وعلى العموم؛ يمكن القول إن التحولات السياسية التي شهدها المغرب في العقود الأخيرة، انعكست بشكل إيجابي وملموس على المسألة الأمازيغية، فالمجهودات الملحوظة التي بذلت خلال السنوات الأخيرة في سبيل رد الاعتبار للثقافة الأمازيغية وإدماجها؛ باعتبارها جزءا من التراث المغربي ومكونا أساسيا من ذاكرة المغاربة وثقافتهم، تعد عملا إيجابيا على طريق تحصين البلاد ضد أي مظهر من مظاهر عدم الاستقرار؛ وتقوية الوحدة الوطنية وتعزيز الهوية..
كما أن الحركة الأمازيغية التي استفادت من مختلف التحولات السياسية المحلية أو تلك التي أفرزها المحيط الدولي؛ راكمت تجربة مهمة وطورت عملها ووسعت من قاعدتها الشعبية؛ بالشكل الذي أسهم في تحقيق مجموعة من المطالب والإنجازات.
وإذا كانت مبادرات الدولة بحاجة لأن تظل مفتوحة باستمرار نحو مزيد من المقاربة الديموقراطية الكفيلة وحدها باستثمار التنوع المجتمعي لتعزيز قوة ووحدة المجتمع.
فإن هناك مجموعة من التحديات تطرح نفسها أمام الحركة الأمازيغية، تفرض تحديد أولوياتها، والاستفادة من بعض أخطائها والخروج من مأزق الصراع والتشتت الداخليين، وتطوير بعض خطاباتها لبلورة مزيد من المكتسبات على طريق تمتين وحدة المجتمع.
© منبر الحرية، 9 أغسطس/آب 2009

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

شهدت إيران في الثاني عشر من شهر حزيران الجاري انتخابات لرئاسة الجمهورية الإسلامية، بمنافسة ملفتة بين التيار الإصلاحي، والتيار المحافظ الحاكم ، وحضورا لم تشهده إيران من قبل حسب المراقبين، وقد رصدت الانتخابات وسائل الإعلام لمختلف الدول، وبهذا الحضور الكثيف، تفاءل الإصلاحيون من أن النجاح بات شبه مؤكد، بل أن أحد المصادر في وزارة الداخلية الإيرانية  قد أبلغ المرشح الإصلاحي السيد مير حسين موسوي مباركا ومهنئا بفوزه الأكيد، وعليه صياغة كلمته حينما يشهر  فوزه أمام الملأ..
بيد أن النتائج المعلنة رسميا، أفادت بنجاح الرئيس الحالي  السيد أحمدي نجاد لدورة رئاسية ثانية، وبفارق كبير بينه، وبين السيد الموسوي، أي 63 بالمئة لأحمدي نجاد و33 بالمئة لحسين الموسوي، هذه النتيجة بحسب المراقبين  قد صدمت الإصلاحيين وسرعان ما أعلنوا عن لعب  وتزوير في النتائج، ويبدو أن وزارة الداخلية الإيرانية قد أدركت خطورة الموقف، فقد شهدت العاصمة طهران اضطرابات، فنزلت إلى الشوارع أرتال من جيل الشباب خاصة، إلى جانب العنصر النسائي، وهذا الثنائي عدّا أكثر المتضررين بفوز الرئيس نجادي، وهما أكثر حماسا للإصلاحات في البلاد، وهذه النتيجة عمقت الهوة بين الشباب والعنصر النسائي من جهة والدولة من جهة أخرى، فجاء الرد بإغلاق الهواتف ومواقع البريد الإلكترونية، وتم قطع التيار الكهربائي.. وتتالت التصريحات، وبالتالي توالت الإجراءات، فالسيد مير حسين الموسوي أعلن أنه هو الفائز، وبالتالي فالنتيجة هي مزورة وطلب من الجماهير الغاضبة النزول للشارع، فما كان من السلطة أن حاصرته في داره، وألزمته المكوث في بيته، وقطع عنه مختلف وسائل الاتصال بالخارج، في حين أن الرئيس نجاد، اعتبر نجاحه وهذا الحشد التي بايعته بمثابة  ملحمة وطنية، في الوقت الذي أعلن السيد الكروبي المرشح الثالث لرئاسة الجمهورية من أن النتيجة غير مقبولة وغير شرعية..
لكن الملفت هذه المرة أن الانتقاد قد طال المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، الذي لم يقف موقف الحياد- حسب زعم الإصلاحيين – فقد كان عليه أن يكون أبا للشعب، واعتبر موقفه هذا الداعم للسيد نجاد انقلابا ضد الشعب…
لاشك أن الاحتقان كان موجودا ويبدو لي أنه سيأخذ مسارا تصعيديا أكثر بعد الانتخابات، فقد تم اعتقال نحو مئة من المحافظين بينهم شقيق الرئيس السابق محمد خاتمي.. وهذا دليل على تخبط وإرباك طاقم نجاد..
إن الشكوى في عهد السيد نجاد، كانت بسبب ازدياد نسبة البطالة، وتوسع رقعة الفقر، وعدت ولايته حينها كارثة على الصعد كافة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا… فكيف له إذن بالولاية الثانية..!
كما ثمة توجس عربي من خبايا نفوس المعممين في إيران، وبالتالي تمددهم إلى فلسطين ولبنان بعد العراق متجاوزين الواقع العربي ورؤيتهم في الحلول المطروحة للخروج بحلول ممكنة في النزاع العربي الإسرائيلي، منها إقامة دولتين عربية وإسرائيلية في فلسطين.. لكن أيران لها موقف آخر من الحل وهو الحل المستحيل، أي(اللاحل)  تحرير فلسطين، لهذا كانت حركة حماس أول المعلقين دعما لنجاح السيد نجاد..
فماذا بعد الانتخابات، وتبّوء السيد أحمدي  نجاد سدة الرئاسة مرة ثانية، باعتقادي أن الأمور ليست بسهولة تصورها، وكأنها زوبعة، أو سحابة صيف، لا تلبث أن تنقشع خلال بضعة أيام، حسب مصادر مؤيدة لأحمدي نجاد، لاشك أن أيران ستشهد هدوءا في غضون الأيام القليلة القادمة، لكنها لن تنعم بهدوء دائم، ربما ذلك الهدوء أو الركود سيسبق العاصفة .. وفي الحقيقة، أن قراءتين مختلفتين تتجذران في الواقع الإيراني، شئنا أم أبينا.! فالتيار المعارض سيشتد عوده، وقد بدا ذلك إقباله الملفت لصناديق الانتخابات، وهذا الإقبال كان دليلا على توق الشعب الإيراني على التغيير والانفتاح ورزمة من الإصلاحات، وأن التيار التقليدي المحافظ الحاكم لن يتقدم خطوة  باتجاه هذا، بل العكس فقد أعلن الرئيس أحمدي نجاد خلال مناظرته أنه لن يتراجع عن سياساته، أي لن يتراجع عن علاقاته المأزومة بمحيطه  لا سيما جيرانه من العرب، لن يتراجع عن التدخل في العراق ولبنان وفلسطين، وأخيرا وليس آخرا اليمن ومصر..أنه لن يتراجع عن تخصيب اليورانيوم، أما عن التنمية في إيران، لاسيما إقامة مشاريع استثمارية، فهذا غير مشجع الكلام فيه، فقد بدد مليارات الدولارات في فترة حكمه، ما صنعه هو في غضون حقبة أربع سنوات من حكمه، أنه قام بتوزيع الصدقات وقدم الأعطيات للأسر الفقيرة التي تعيش تحت خط الفقر، فبدل أن يسعى لتوفير فرص العمل والإقبال على الاستثمارات، جعل من فقراء إيران متسولين، ينتظرون كيسا من بطاطا أو من رز وماعونا من الزيت..إلخ في حين كانت نسبة البطالة في ارتفاع، والعزلة الإيرانية السياسية من كل الجهات، أما عائدات النفط التي بلغت نحو 270مليار دولار، فكانت تبدد في دعم سياساتها الخارجية لاستمالة أتباع كحماس وحزب الله، أو دعم حتى بعض التنظيمات السنية المتطرفة كالقاعدة مثلا، للقيام ببعض الأعمال الإرهابية للأهداف التي هم يرسمونها، في حين أنهم يرفضون تعيين وزيرا سنيا أو حتى معاون وزير سني في حكومتهم الطائفية، أي قوامها من طائفة الشيعة فقط، والسنة يبلغ تعدادهم نحو عشرين مليون سني… كما عمدوا على إبقاء بعض الدول على موقف الحياد تجاه سياساتها الخاطئة.. فلننتظر ونترقب..!
طاقم الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عبر عن شكوكه في نتائج الانتخابات، كما شكك في نسبة المشاركة من المقترعين، التي ناهزت 85 بالمئة حسب زعمهم، واليوم الإدارة الأمريكية في ما يشبه ورطة بشأن تواصل الحوار، وبعض من هؤلاء قد انتقدوا سياسة أوباما في التساهل والدخول في حوار مع إيران.
ستشهد إيران احتقانا اجتماعية وليس استقرارا، والهوة ستزداد شرخا بين المعارضين المناهضين لسياسة المحافظين التقليديين، فالنتائج كانت مؤذية لمشاعر ومستقبل العنصر النسائي والشباب، اللذين يريان في الولاية الجديدة  للرئيس أحمدي نجاد بمثابة كارثة  سياسية واقتصادية واجتماعية، والأشهر القليلة القادمة كفيلة بمدنا بصورة واضحة عن مستقبل إيران السياسي، وإلى أية كوارث تسوقهم  هذه السياسة التقليدية الخرقاء.

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

هل عاد “فعل” الخطابة السياسية ليستقطب الوهج الإعلامي والالتفاف الجماهيري حول المنابر، المحلية منها، والعالمية، في آن؟ وهل تقدُّمُ الرئيس الأميركي باراك أوباما كخطيب استثنائيّ في تاريخ الزعامات الدولية عامة، والأميركية على وجه الخصوص، من شأنه أن يشجّع على  الدور الاستيتكي – اللغوي لبلاغة “النص” وفصاحة “السياسيّ” في إشاعة مناخات السلام والحوار والتوافق بين شعوب الأرض قاطبة؟
الجواب قد يأتي إيجابا ـ في نظر بعض المحلّلين والمراقبين السياسيين ـ  وذلك في مشهدين متباعدين ـ في تقديري على الأقل ـ أولهما حدث دوليّ بامتياز، وهو الخطاب التاريخي الذي ألقاه أوباما  تحت قبة جامعة القاهرة العريقة في الرابع من شهر حزيران/يونيو الجاري، حيث اختار الرئيس الأميركي منبرا معرفيا وثقافيا ليكون موقعا رمزا للحوار مع العالم الإسلامي؛ وذلك  في مسعى حثيث من الإدارة الأميركية الجديدة لترويج أجواء الشراكة والتآلف مكان نوازع الانفصال والصدام بين العالمين الأميركي من جهة، والإسلاميّ/ العربيّ، من أخرى.
الإضافة “الثقافية” التي برزت في خطاب أوباما ـ الحدث، والتي تُسجّل له ولمستشاريه الثقافيين، استشهاده بالتسامح الديني بين الأديان السماوية الثلاثة، الذي كان قائما في دولة الأندلس، دولة الجذب والانتشار الثقافيين التي تشكّل المفرق التنويري في التاريخ الإسلامي، والتي عمرت 8 قرون، بين ما يقارب 750 و1550 ميلادية، وقامت على فتوحات ترفعّت عن أعمال استهداف العُزْل، أونهب الخيرات، أواقتراف التطهير العرقي والاضطهاد الدينيّ؛ في رقعة جغرافية هي في العمق من طريق الحرير، الذي وصل الشرق والغرب، وشكل محجّأ لثقافات عالمية قاطبة، ومرجلا لتلاقحها مع الثقافة الإسلامية.
أما المشهد الثاني الذي يؤكّد على فعل “سلاح” الكلمة الحرّة في مقاومة قوى الظلام والانكفاء والتطرّف، فقد كان مسرحه مناطق القبائل الباكستانية الحدوديّة مع أفغانستان، وأبطاله أدباء وشعراء ومغنّون أقاموا حفلا في مدينتهم باره جنار ـ والاسم يعود إلى شجرة تتميّز بها المنطقة ـ وذلك لإحياء جهود السلام وإشاعة روح الأمن في المدينة إثرمجموعة من العمليات الإرهابيّة تعرّضت لها المنطقة، كان آخرها تفجير انتحاريّ في العام 2008؛ الأمر الذي أثار الفرقة والانقسام والتوجّس بين أبناء البلد الواحد، وأدّى إلى تراجع ملحوظ في دخولهم التي كانت تزدهر في المواسم السياحية، ما قبل انتقال موجات العنف والتطرّف الدينيّ إلى مناطقهم.
هكذا خرج شعراء باره جنارعن صمتهم، واتّخذوا من جمال الشعر ولغة الفن سلاحا لمقاومة الظلاميّات ومطبّات الجاهليين والسلفيين. أحدهم استعاد في أبياته السلام الذي اندثر مع تقدم نوازع التعصّب والكره والترهيب بين أبناء البلد الواحد، ونعى في قصائده غناء الطيور الذي تحوّل في نظر الأصوليين إلى جريمة ينكرها الإسلام؛ والشجر الذي يُنحر واقفا ويتحول إلى حطب في موقد أمراء الحرب.
وهكذا توجّه أوباما، من معقل الاعتدال الإسلاميّ الأزهريّ، بخطاب مستجدّ اللغة والمصادر، بما لم نعهده في التاريخ السياسي الأميركي بخاصة، والغربي بشكل عام؛ في لغة تصالحيّة تستعيد استضاءات التاريخ الإسلاميّ في عصره التنويريّ، وتنبذ مظاهر العنف والتشدّد في الماضي والحاضر، في آن.
شعراء باكستان، وسيّد البيت الأبيض، يجتمعون ـ على تواضع الحراك السياسي في سهول باره جنار مقارنة بالمكتب البيضاوي ـ على أن إغناء الحوار والتقارب الثقافيين بين الشعوب هوالطريق الأمثل لرأب الهوّات، واستعادة الثقة، ودحر العنف، وإشاعة أجواء السلام، محليّا كان أم كونيّا! فهل من مستجيب؟!
© منبر الحرية، 09 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

تعد الانتخابات بشتى أنماطها من تشريعية، جماعية و مهنية… فرعا أساسيا في العلوم السياسية، فالديمقراطية بدون انتخابات لا تعدو أن تكون مفاهيم مجردة وشعارات فارغة تستهدف التضليل الفكري والسياسي. وإذا كان الانتخاب يفيد الاختيار في منطوق دلالته المصطلحية، فإن معناه أكبر من ذلك على مستوى الدلالة السياسية والقانونية. فالفعل الانتخابي كما يقول المفكر محمد عابد الجابري يستوجب مجالات عدة للتصرف الحر، فلكي تمارس الجماهير حقها بكل حرية وعلى أسس ديمقراطية يجب أن تكون حرة حقيقة لا مجازا. بمعنى أن تريد وتعرف ما تريد ولماذا تريد، وتملك القدرة على تحقيق الذي تريد. فهل الكرنفالات الانتخابية المتوالية منذ عدة عقود في المشهد المغربي أتاحت الفرصة لذلك؟
إن قراءة السلوك الانتخابي المغربي في تقاطعه مع النسق السياسي لن تكون سليمة إلا بموقعتها ـ القراءة ـ في الدائرة المناسبة لهذا السلوك المتسم بالطابع المغربي الخاص، الذي تساهم كل الأطراف (سلطة، أحزاب، مجتمع مدني) في إضفائه على كل عرس انتخابي، فالسلطة مثلا كانت دائما ذات إستراتيجية خاصة في كل المواسم الانتخابية التي عرفها المغرب على امتداد الخمسين سنة الماضية تتمثل في فعل الاختراق لرسم الخطة وتوجيه مسار اللعب وفق ما يحافظ على مكاسبها، بدل بقائها خارج ميدان اللعبة كما تستلزم أعراف الديمقراطية. فمن لا يذكر تجارب مثل جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية ¬1963 و تجربة التجمع الوطني للأحرار 1977 و تجربة الإتحاد الدستوري 1984 وتجربة الحركة الديمقراطية الاجتماعية 1997 ومؤخرا تجربة صديق الملك وحزب الأصالة والمعاصرة 2007 وكلها استنساخ لما سلف دون أي تجديد أو ابتكار يذكر لا من قبل مؤسسين الظل أو الواجهة. ولا شك أن هذه التجارب تحمل من الدلالات ما تنوء عن حمله هذه مقالة من هذا الصنف الذي نقدمه.
إنها معضلة تنضاف إلى جملة من الأعطاب من قبيل بلقنة المشهد الحزبي، غياب أقطاب وكتل سياسية تقوم على أساس البرامج، الدعارة السياسية وشراء الذمم،… التي تعتري العملية الانتخابية التي تعد عصب الديمقراطية.
بيد أن كل هذا ليس مانعا من محاولة تحليل الفعل الانتخابي للوقوف على مضمون الثقافة السياسية المسيطرة من جهة، وكشف طبيعة النخب التي وصلت لمدارج السلطة عن طريق هذا النمط من السلوك. إن هذا الأخير ـ كما يقول السوسيولوجي المغربي عبد الرحيم العطري في كتابه صناعة النخبة بالمغرب ـ لا ينبني على معطيات علمية ورؤى تقييمية للبرامج الحزبية المطروحة في حلبة الصراع الانتخابي، بل يتبلور وفق معايير العقل الجمعي وبصمات التنشئة الاجتماعية. أضف إلى هذا أن الاقتراع لا يكون على أحزاب وبرامج وإيديولوجيات وتوجهات بل يكون على أساس محددات تقليدية من قبيل العصبية القبلية والانتماء وشراء الأصوات.
معطيات إلى جانب أخرى تستدعي القطيعة مع كل ما له صلة بها والسعي نحو التأسيس لحكامة انتخابية جديدة، التي إذا كانت تعني بمدلولها الواسع حتمية وضع الإطار المناسب في المكان المناسب في الوقت المناسب، فإن مضمون الحكامة الانتخابية يعني أكثر من ذلك بالنظر لأهمية هذا الفعل في مسار الديمقراطية. ما يستدعي تحويل الانتخابات من عنصر ناظم للحياة السياسية يفتقد لأدنى المقومات إلى سلوك وثقافة هما الكفيلان بتحويل مقولة حكم الشعب نفسه بنفسه من شعارات ومفاهيم مجردة إلى واقع حي ملموس، يحتكم إليه على أساس تنافس حر وشريف للأشخاص والهيئات والبرامج والرؤى المجتمعية. وقبل ذلك إعادة نحث مفهوم جديد للمواطنة يحمل في طياته جملة تلكم الواجبات والحقوق المتبادلة بين الدولة والمواطن، والرامية إلى إقامة تجربة جديدة واعية للحيلولة دون استمرار هذا العبث الانتخابي والتأسيس لثقافة انتخابية جادة وفاعلية.
إنها جملة من المرامي الأساسية لإقامة سلوك انتخابي بديل، بيد أن جوهر هذا التأسيس والعمود الفقري له يكمن في القوانين المؤسسة “للعبة الديمقراطية” فالدستور المغربي لسنة 1996 المؤطر للمشهد السياسي، والذي تتعالى الأصوات بتعديل بنوده لا يسمح في جوهره بإقامة ديمقراطية. وأمام الإكراهات الدستورية و الإكراهات العالمية وموجة العولمة المتسمة بالتغيير السريع مضطر إلى إعادة النظر فيها بين الفينة والأخرى لإحياء تيمة الليبرالية داخلها، دون أن تكون له الإدارة على تغيير هذه الترسانة من القوانين لإعادة رسم قواعد اللعبة من جديد وفق تشريعات ليبرالية تتناسب مع الظرفية الراهنة. فإعادة الثقة والمصداقية والحنينية المفقودة للعمل السياسي بالمغرب رهين بجملة من التحديات منها ليبرالية التشريعات، احترام إرادة المواطن، تخليق المشهد السياسي المغربي والقطيعة مع كل الدعاوى الرامية إلى الفصل بين السياسة والأخلاق.
يبدو جليا أن النسق السوسيو سياسي بالمغرب محتاج أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة مراجعة جل العوامل المساهمة فيه بغية إقامة فلسفة تؤسس لفعل انتخابي يسمو إلى مستوى القدسية للمساهمة في تشيد مغرب اجتماعي حداثي ديمقراطي.
© منبر الحرية، 04 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

كثيرا ما تعرّف السيادة الوطنية، بالحصول على الاستقلال فحسب، أي  بجلاء المحتل، وتحرر البلاد من هيمنة واحتلال دولة أجنبية؛ والوطن عند هؤلاء، هو الرقعة الجغرافية، التي حددت حدودها برحيل العدو المحتل.
إن السيادة الوطنية لكي تكتمل في الإطار الجغرافي، لا بد لها أن تترافق مع حرية الفرد الإنسان، فما معنى حرية الأوطان دون حرية الإنسان.! وماذا يجني الفرد الواحد منا، إذا استبدّ به الظلم والإفقار والفساد..سواء تم ذلك بسيف الأعجمي، أم بسيف ذوي القربى.؟ وكثيرا ما تكون ممارسات الأجنبي في فترات من التاريخ أخف وطأة في الجور من (الوطني).. فما عاد ينطلي حتى على المواطن العادي، الكلام الإنشائي، ولا يجذبه زيف بريق السيادة الوطنية التي يجأر بها السلطويون للتغطية على انتهاكاتهم وتسلطهم…
ماذا يختلف عند الفرد المحكوم إذا تشابه المآل والنتيجة، في الظلم والتهميش والإقصاء.. فهؤلاء الحاكمون ينظرون إلى السيادة الوطنية ــ فضلا عمّا ذكرناه ــ من زاوية واحدة وحيدة، وهي الالتفاف حول النظام، حول السلطة، أيا كانت طبيعتها.. وأحيانا تقترن السيادة الوطنية بمفهوم أيديولوجي، دون أن تكون الغاية منها، مقاومة الوصاية والهيمنة، فالسيادة الوطنية، لا يجمعها جامع لا مع المفهوم الديني، ولا الشيوعي التقليدي، ولا القومي المتعصب..
فالنظرة الدينية تشك في ولاء غير المسلم للوطن، ومعيار الوطنية في عرف الشيوعية التقليدية هو معاداة أمريكا، ودون الاستفادة منها حتى في ميادين العلوم المهمة، أثنى لينين على إبرام عقد مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكان لا يسعه الفرح لهذا العقد، وأشاد به، وبأنه السبيل للدخول إلى العالم الأمريكي، طبعا للاستفادة من التكنولوجية الأمريكية، التي لا غنى عنها لأي بلد.. وغالبية القوميين في دولهم القومية، يتميزون بروح الاستعلاء القومي على الأقليات القومية الأخرى ويعدّونها مطية للخارج، بغرض الإساءة إليها، انطلاقا من الأفق القومي الضيق، وهذا ينتهي بالضرورة إلى النيل من الوحدة الوطنية..
من هنا يكون الرد الوطني من قبل هؤلاء الحاكمين للحفاظ على السيادة الوطنية، أي على سلطتهم وسلطانهم، هو قانون الطوارئ، ورصد كل حركة اجتماعية، وقمع المعارضة، واحتكار السلطة, ووأد الحريات، وامتهان الكرامات، وجعل الوطن كيانا مراقبا مكشوفا من عسس السلطة، عندها تكتمل السيادة الوطنية في مفهوم هؤلاء.. وما أيسر بالتالي من إلصاق تهم الخيانة والعمالة، وضعف الشعور الوطني بفلان وفلان..
السيادة الوطنية، لا تعني السيطرة على حركة الناس السياسية، بل لا بد من ترك المجال واسعا أمام الصراع والتنافس السلمي السياسي والاقتصادي، فالتضييق في الجانب السياسي، والتشدد على المواطنين، بالنتيجة لا بد أن يتعرض الواقع لمخاطر العنف، فعلى الحاكم أن يعلم بأن الدولة ليست لمن يحكمها فحسب، هذا هو تفكير ورؤية  كل (حاكم منفرد في أرض بلا ناس) كما قاله أحد الإثينيين لوالده الملك بتهكم.. هذا التفكير بالطبع خاطئ  من أساسه..
إن نظام الحزب الواحد أو النظام اللاحزبي، يعني النظام الشمولي، الذي يتوسل الاستبداد، ويجرد الجماعات والأحزاب من حقوقها السياسية، فالسيادة الوطنية، مناقضة لفكرة حكم الحزب الواحد، إذن لا بد من نبذ هذه التجربة، واقتلاعها من التفكير وعدم القبول بها كنهج، فالسيادة الوطنية لا تتم إلا ضمن دولة دستورية، يحس الفرد فيها من أن الدستور والقوانين، قد صيغت بمساهمته بهذه الطريقة أو تلك.. حينها فالدستور لا بد أن يحترم، والقوانين لا بد لها أن تسود على الجميع، دون استثناء، ولا بد من وجود قضاء مستقل، لا يكبل إلا بنزاهة القاضي..كما أن ممثلي المؤسسات لا بد لهم أن ينتخبوا أصولا، لا أن يعينوا قسرا..
في الحقيقة لا تكتمل السيادة الوطنية دون تمتع المواطنين بالحريات غير منقوصة، حرية الرأي التعبير، حرية التجارة والتنقل وحرية تشكيل أحزاب وروابط مدنية وسياسية، فلا بدّ أن تتأصل الديمقراطية في مفاصل الحياة السياسية، بحيث لا تبقى الديمقراطية مجرد آلية لانتخابات شكلية، وبالتالي توظف لخدمة الفئات الحاكمة، فلا بد أن يطلق سراح العقل من أسر التبعية لسلطان جائر، فالسيادة الوطنية من قبل السلطة الحاكمة، تستدعي وجوب وجود معارضة سلمية منافسة، فهي أصلا تضبط الحكم، من خلال تطلعها لكي تحكم مستقبلا، واستعدادها للمنافسة في الانتخابات المقبلة الدورية، وليس بطرائق غير شرعية كالانقلابات مثلا…
السيادة الوطنية تعني التركيز على عمل المؤسسات، واستبعاد النزعة الفردية الإرادوية في كبت الحريات.. السيادة الوطنية لا بد أن تقر بحقوق الإنسان الفرد، لا بد أن تقر بحقوق الأقليات العرقية والدينية في الدولة الوطنية الواحدة.. السيادة الوطنية لا تعني ألبتة أن يستأثر بكامل الحقوق طغمة من الأقوياء، اغتصبوا السلطة عنوة.. السيادة الوطنية تنفي احتكار السلطة من قبل أيّ  كان، لا بد من توزيع عادل للتمثيل في الحكم…
لكي تكتمل السيادة الوطنية، لا بد من بحث عن سبل للتنمية، فكثير من هؤلاء السلطويين يمررون سياسة تنموية غير فعالة، سياسة الإدارة المركزية المشددة، ويدعون البلد في حالة ركود اقتصادي، فالعنصر الأساسي في السياسة الاقتصادية لأي بلد، تكمن أساسا في حرية أبنائه لاختيارهم السياسة الاقتصادية الأنسب والملائم، فكثيرا ما نرى من هؤلاء بحجة السيادة الوطنية، يعطلون الإصلاحات اللازمة، وهم يعنون غالبا بالسيادة الوطنية، خدمة مصالحهم، مصالح الطبقة الحاكمة التي اغتصبت السلطة عنوة بانقلاب أو غيره، واستمرارهم في دفة السلطة.. وما يخلفون هؤلاء من ميراث يشهد على فساد ونفسية هؤلاء الأباطرة الأقزام.. لكي يكتمل الاستقلال والسيادة الوطنية،لا بد من الاستقلال الاقتصادي، والالتفات إلى الشعب الذي لا بد أن تشمله خيرات الوطن…
السيادة الوطنية  أخيرا تتحدد بمدى احترام السلطة لحقوق المواطنين، وضرورة إشعار الفرد، بأن الدولة هي الحصن لحمايته وإعالته..السيادة الوطنية هي بناء مستقبل زاه لأبناء الوطن، يرفلون في ظلّه بالحرية أولا وثانيا، وفي مناخات الحرية، سوف يضمن العيش الكريم  حتما..!
© منبر الحرية، 03 يونيو/حزيران 2009

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018