peshwazarabic

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

تحتدم المناقشات والمجادلات هنا وهناك، عبر وسائل الإعلام في عالمنا العربي بخاصة، حول التقارير السنوية التي تصدر عن الأمم المتحدة بشأن التنمية البشرية في البلدان العربية. ثم ما تلبث هذه المناقشات وأن تدور دوراناً عجيباً لتستقر على نقاط ومحاور لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن تقلب أو تغير الصورة القاتمة التي ترسمها التقارير المشار إليها. بل أن طبيعة الإستقبال العربي المثقف ونصف المثقف لهذه الخلاصات الأممية المشحونة بالدلالات والنذر المخيفة، بالنسبة لمستقبلنا ولمستقبل أجيالنا الصاعدة، تكرس ذات الإختلالات والإخفاقات التي تقدمها هذه التقارير على نحو رقمي لا مجال فيه للشكوك وللظنون، حتى لو تركنا هامشاً من نوع ما للمبالغات وللـ”تدخلات” الغربية في صياغتها. لذا لم تكن دعوة صديقي الكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان لنشر هذه التقارير من أجل إطلاع العالم، العربي خاصة، على حقائقها “المريرة” دعوة “مشبوهة” كما يحلو للبعض أن يدّعي، ذلك أننا يجب أن نرى أنفسنا بالمرآة بغض النظر عن إرهاصات فريدمان أو دوافع جامعي البيانات ومحرري التقارير موضوع المناقشة.
لا مراء من أن مثل هذه التقارير تصدر عن أهم هيئة دولية معترف بها عالمياً ومعتمدة من قبل جميع الدول العربية كسلطة عالمية مستقلة ومحايدة، الأمر الذي يجعل خلاصاتها (حتى بإفتراض وجود “التشويه” المتعمد وليّ الحقائق المشبوه) صحيحة بنسبة عالية جداً ربما تتجاوز التسعين بالمائة. وهذه فرصة لنا في العالم العربي لكي نراجع الذات ونحتكم إلى النقد الذاتي الذي قد يكون قاسياً أحياناً، آخذين بنظر الإعتبار إخفاق أغلب الحكومات والمنظمات الإقليمية العربية في تجهيز مثل هذا التقرير لصانع القرار السياسي ولجمهور القرّاء الصغير نسبياً في عالمنا الذي هاجر القراءة والكتابة إلى إغتراب الفضائيات الرخيصة والأغاني والفنون المتدنية.
ربما لا تعرف كتل كبيرة من المواطنين في الدول العربية المتباعدة معنى “التنمية البشرية”، أو أنها تجهل أبعادها الإستراتيجية والإقتصادية والإجتماعية الحقيقية. ولكن ينبغي، على أقل تقدير، ملاحظة أن مفهوم التنمية البشرية يصب في فكرة إحالة الإنسان “الخام” إلى إنسان مثقف أو إلى إنسان يمتلك من المهارات ما يمكنه من أن يكون عضواً نافعاً مفيداً في المجتمع، بدلاً من أن يبقى “عالة” عليه، الأمر الذي يعرّض هذا الإنسان لمزالق الإنحراف والجريمة واللاجدوى وحتى إلى “البطالة المقنعة” المتفشية في الأقطار العربية التي يرنو فيها الناس لأن يكونوا مدراء ورؤساء مؤسسات جميعاً، إعتماداً على المستورد والوافد من أصحاب المهارات الصناعية والزراعية الأجانب، الأمر الذي يؤول إلى إستهلاك مبالغ مهولة من مدخولاتنا الإقتصادية الوطنية. لذا تشكل العمالة الوافدة، خاصة تلك المستقدمة من دول أجنبية، دالة واضحة المعالم على إخفاق أغلب أنظمتنا التعليمية والتربوية والمهنية والجامعية التي تتكاثر على نحو مدارس وكليات أنيقة كـ”الفطر” عبر مدننا وقرانا ولكن بلا جدوى، حيث تكون المعطيات أو المخرجات في أغلب الحالات نوعاً من “الأمية المقنّعة” التي تقدم لنا خريجين لا يقرأون ولا يكتبون. هذا ما يفسر إنحسار حركة التأليف والإبداع وضآلة أعداد ونوعية المطبوع والمقروء والمكتوب بأيدٍ عربية. أما إذا أراد المرء أن يتساءل عن “تسويق” المنتج الثقافي العربي إلى القاريء العالمي، فإن هذا نوع من الأحلام الوردية التي قد لا تتحقق قط، بإستثناء ثلاث أو أربع حالات شهدت قبولاً دولياً لكتّاب عرب هم من بقايا الأنظمة التربوية القديمة التي يحلو للبعض الإشارة إليها بتعبير الـ”رجعية”. ويبدو أن الخلل الأخطر الذي تعاني منه العديد من الدول العربية لا يتمثل فقط في أن الجميع يريدون أن يكونوا مدراءً وقادة إداريين، بل يتمثل كذلك في غياب مؤسسات التعليم المهني ومؤسسات المعاهد الفنية التقنية التي تصنع الفئة أو الحلقة الوسطية في بنية الإنتاج الصناعي والزراعي والتجاري، الأمر الذي يفسر فتح الأبواب واسعة لإستقدام المهارات الأجنبية، من الفنيين الجيدين إلى المربيات الجاهلات. إن مشكلة أنظمتنا التعليمية والتربوية والمعرفية تتبلور في أن الحكومات العربية لا تدخر جهداً ولا تمنع الأموال عن بناء المدارس وتأسيس الجامعات، مهتمة بـ”الكم” بدلاً من “النوع”، حيث يغرم القياديون التربويون والجامعيون بعملية تقديم أرقام أعداد الخريجين من هذه المدارس والجامعات إلى ولاة الأمر الذين يطلعون عليها ويسعدون بها نظراً لتزايد هذه الأعداد ومضاعفتها. ولكن أن يسأل المرء عن مستوى هؤلاء الخريجين وهل يمكن أن يقارنوا حرفياً بأقرانهم من خريجي المدارس والجامعات في اليابان أو ألمانيا، فهذه قضية أخرى تثير القلق وكوامن الحذر. هنا يكمن مأزق الجامعة أو المؤسسة الأكاديمية العربية التي تُخرّج أطباء لا يعرفون سوى الأسبرين ومهندسين بلا مهارات عملية وخريجي لغات أجنبية لا يقرأون سوى العربية، كما يحدث في العديد من الجامعات والمدارس !
لذا كانت النتائج مأساوية بحق: فقد تحولت العديد من مجتمعاتنا المزركشة بالشهادات والدرجات العلمية الأولية والعليا إلى مجتمعات إستهلاكية بدلاً من أن تكون مجتمعات إنتاجية، حسب معايير أعداد الكليات والمدارس التي تفتحها الحكومات العربية حتى في القرى النائية. وبدلاً من أن ينتج حملة الشهادات الأولية والعليا الكتب التي تخاطب الجمهور وتصنع الثقافة، لم نزل نعاني من “عقدة الخواجة” في جميع حقول الثقافة المحلية، بعد أن كانت الثقافة العربية الإسلامية هي منبع الثقافات العالمية في القرون الوسطى، عبر العصر العباسي خاصة. حتى في حقول الموسيقى والغناء والفنون العادية التي تغزو عقول أبناءنا وبناتنا من النشء والشبيبة، يبقى الإنتاج نمطاً ضعيفاً من محاكاة الفنون الرخيصة الموجودة في دول العالم الأخرى. لقد سدت السبل أمامنا، وأغلقت الأقدار أبواب الإبداع والإبتكار بدرجة تثير المخاوف والقلق: المخاوف من تواصل الإندفاع إلى الإستهلاك، والقلق من مستقبل خال من الإيحاء ومن المبادرة الحضارية والثقافية.
لماذا، إذاً، يميل بعض المعلقين العرب لأن ينحي باللائمة على الدول الغربية وعلى إسرائيل لتبرير تردي معطيات التنمية البشرية العربية. إن تقارير الأمم المتحدة أعلاه تقدم لنا مرآة لرؤية الذات ولمراجعة كل ما يشوب وجهنا من كلف وبثور يعكس ما نعاني منه في دواخلنا من أمراض إجتماعية وتردي ثقافي. ولكن رؤية الحقيقة المؤلمة عبر المرآة تذكرنا بشاعرنا العربي الكبير الحطيئة الذي لم ينجُ أحد من هجائه اللاذع، حتى إذا ما رأى صورة وجهه معكوسة عبر سطح الماء في بركة، هجا نفسه ولعن صورته بأقبح الأوصاف. إن إحالة مشاكلنا التربوية والتنموية إلى “الآخر” هي أسهل وأسرع الطرق للتملص من المسؤولية التاريخية: فهل منعت الإدارة الأميركية حكومة عربية من أن تفتح جامعة أو كلية رصينة، أم أن إسرائيل فجرت الثانويات والإعداديات المهنية التي تخلق أجيالاً من المهنيين والحلقات الوسطية المهمة في العملية الصناعية ؟ هذا كلام مردود، ذلك أن الدول العربية تمتلك من الموارد والقدرات الطبيعية الخام ما يجعلها قادرة على مواكبة العديد من دول العالم المتسابقة اليوم في مضمار التنمية البشرية. الخلل ليس في “الآخر” ( الضحية دائماً) وإنما الخلل يقبع في قصر النظر وفي الميل إلى تقديم الأرقام لولاة الأمر، بدلاً عن تقديم الحقائق ومستويات التعليم والتربية كما هي وكما ينبغي أن تكون.
© منبر الحرية، 26 يوليو/تموز 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20102

تلّقت الصناديق السيادية الخليجية كما العديد من الاستثمارات الخارجية العربية ضربة قوّية اثر انفجار الأزمة المالية العالمية، ومنيت هذه الصناديق الخليجية التي يقدّر حجمها بين 1.2 و1.5 تريليون دولار تشكّل قرابة الـ45 الى 50% من حجم الصناديق السيادية العالمية نتيجة لذلك بخسائر كبيرة قدرّتها بعض الأوساط بحوالي 450 مليار دولار في حين قدّرها البعض الآخر بنسبة بين 25 و40% من حجمها تقريبا حيث تتفاوت هذه النسبة بين صندوق وآخر تبعا لنوعية وأماكن الاستثمار.
ومن المعروف أنّ الإمارات تمتلك أكبر صندوق سيادي في العالم والمتمثّل بـ”جهاز أبوظبي للاستثمار” ويقدّر حجمه وفقا لمعهد بيتيرسون للاقتصاد الدولي وعدد من المؤسسات المالية والمصرفية العالمية بحوالي 875 مليار دولار كحد أقصى و 250 مليار دولار استنادا إلى صندوق النقد الدولي كحد أدنى. فيما تمتلك الكويت أكثر الصناديق السيادية شفافية مقارنة بغيرها، ويعتبر صندوقها “الهيئة العامة للاستثمار الكويتية” الأقدم عالميا ويقدّر حجمه بـ 213 مليار دولار مقارنة بـ50 مليار لصندوق قطر السيادي “الهيئة العامة للاستثمار القطرية”.
وتشير المعلومات المتوافرة إلى أنّ صناديق هذه الدول كانت الأكثر خسارة من غيرها وذلك نتيجة لاستثماراتها الخارجية ولاسيما في قطاع البنوك الذي مني بخسائر فادحة في الولايات المتّحدة الأمريكية وكذلك في الأسهم في الأسواق المالية. فجهاز أبو ظبي للاستثمار على سبيل المثال كان قد اشترى حصّة في “سيتي جروب” بنسبة 4.9% وقيمة حوالي 7.5 مليار دولار دون أن نذكر استثمارات الهيئة العامة الكويتية للاستثمار والتي استثمرت ايضا في “سيتي جروب” حوالي 3 مليارات وفي “ميريل لينش” حوالي مليارين والعديد من الاستثمارات الأخرى الكبرى.
ولا شك أنه سيكون على هذه الصناديق إعادة النظر باستراتيجياتها الاستثمارية، وتقييم الأداء الذي قامت به خلال الفترة الماضية. وتفرض المراجعة الذاتية لأداء هذه الصناديق التحوّل نحو الداخل العربي خاصة في هذه المرحلة الحرجة في ظل الانعكاسات القوية للأزمة المالية العالمية على الوضع الاقتصادي للبلدان العربية ومنها الخليجية بطبيعة الحال.
وقد بدأت هذه الصناديق بالفعل خلال المرحلة الماضية التحرك وان بخجل نحو الداخل، فقامت الهيئة العامة للاستثمار الكويتية بالتدخل في المرحلة الأولى للازمة، باتخاذ العديد من الإجراءات والخطوات لدعم آليات السوق المحلية في الكويت بما يكفل تحقيق الاستقرار وعودة الثقة، فعملت على زيادة حصتها في 8 من الصناديق الاستثمارية المحلية وتمّ تعديل بعض الشروط والضوابط بشأن مساهمة الهيئة في الصناديق الاستثمارية المحلية، وذلك لإعطاء مرونة لمديري الصناديق للمساهمة في استكشاف فرص استثمارية جديدة.
كما تدخّل جهاز قطر للاستثمار والذي يمثّل الصندوق السيادي لقطر بشكل نشط وملحوظ على الساحة المحليّة، وطرح خطّة بحجم 5.3 مليار دولار لشراء أسهم في البنوك المدرجة في البورصة القطرية لدعم ثقة المستثمرين في البنوك بلغت نسبتها حوالي 20%، وضخ الجهاز حوالي 20 مليار ريال في رأسمال البنوك القطرية، لتعزيز قدرة البنوك الوطنية على تمويل مشروعات التنمية في المرحلة القادمة بشكل أوسع، وتأكيداً للثقة الكبيرة في أوضاعها المالية، كما قام الجهاز بشراء أسهم في بنك قطر الإسلامي بنسبة 5% على أن يستحوذ على 10% من أسهم البنك بنهاية عام 2009.
ولم تكتف هذه الصناديق بالتحوّل نحو الداخل وان بشقّه الإنقاذي، بل قرر بعضها التوقف عن الاستثمار الخارجي في هذه الفترة الحرجة وإيقاف  العمليات الخارجية لمدة معينة كما فعلت “الهيئة العامة للاستثمار القطرية” التي قررت تأجيل عملياتها الخارجة لمدة 6 أشهر، فيما فضّل البعض الآخر التوجّه نحو شراء السلع بدلا من الأسهم التي كبّدتهم خسائر فادحة اثر انهيار الأسواق المالية العالمية.
هذه الخطوات وان كانت ايجابية لجهة دعم الاقتصاد المحلي والاستفادة من الأموال المتوافرة لتعزيز القدرة الذاتية وتخفيف أعباء وانعكاسات الأزمة المالية العالمية على الدول الخليجية، الا أنها تبقى غير كافية مقارنة بحجم الصناديق السيادية والدور الذي تلعبه على الصعيد العالمي. فحتى لو قدّر لهذه الصناديق أن تخسر في العالم العربي الـ450 مليار التي خسرتها على الصعيد العالمي لكان لهذه الخسارة منفعة على أكثر من صعيد بدلا من أن تذهب الأموال هباءً. إذ يشير بعض الاقتصاديين إلى أنّ هذا الرقم من الضخامة بمكان بحيث يمكنه حتى في في حال إنفاقه مباشرة دون استثماره تأمين الوظائف لجميع العاطلين عن العمل في العالم العربي لمدة حوالي 6 سنوات كاملة، أو سد الديون المترتبة على جميع الدول العربية، أو تأمين الغذاء المستورد للعالم العربي لمدّة 12 سنة، فما بالكم في حال تمّ استثماره في الداخل العربي وبشكل فعّال ومنتج.
من هذا المنطلق، فان المطلوب من هذه الصناديق التي من المفترض أن تحمي الاقتصادات الخليجية حال تراجع أسعار النفط، أن تعمل على تحقيق القيمة المضافة الحقيقية في الوطن العربي وعلى المستوى المحلي أولا. فليس المطلوب منها أن تكون مجرّد خزّان مالي يتم إنفاقه واستنفاذ مهامه حال تراجع أسعار النفط، ونعود بعدها إلى نقطة الصفر من جديد حال فراغه سواءا بسبب الخسائر التي تتكبدها هذه الصناديق في أصولها أو لتراجع أسعار النفط التي تعتبر فوائضها المموّل والمغذّي الأساسي لها.
يجب  الاستفادة من الدور الذي قامت به هذه الصناديق على المستوى العالمي، ونقل الخبرة والمعرفة والتكنولوجيا المكتسبة إلى بلدانها من خلال الاستثمارات الخارجية في الشركات والمؤسسات العالمية الكبرى ومن خلال تطوير الشراكات، والعمل على استيعاب هذه المعرفة المنقولة من خلال تهيئة البنية التحتية والبشرية واللازمة لتوظيفها والاستفادة منها. كما يجب على هذه الصناديق العمل على تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي على المدى البعيد من خلال توجيه ايجابيات الاستثمار الخارجي إلى الداخل، وتحويل الأزمة إلى فرصة حقيقية خاصّة أنّ الأسواق المحليّة كما رأينا تحوّلت إلى ملاذ لهذه الصناديق بعد تضررها على الصعيد الخارجي، وهو ما يستدعي المواءمة بين ضرورة الاستثمار الخارجي لما فيه مصلحة المحلي وعدم إهمال الاستثمار المحلي ذو الفرص الحقيقية لصالح الخارجي دون تحقيق أي قيمة إستراتيجية فعلية للاقتصاديات الوطنية على المدى  البعيد
© منبر الحرية، 01 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

في غضون شهر يناير 2009 قامت أجهزة الجمارك المغربية بإيقاف مجموعة من الحافلات المصرية كانت في طريقها إلى السوق المغربية. السبب الذي قدمته السلطات المغربية هو أن هذه الشحنة من الحافلات لا تخضع لبنود اتفاقية أغادير للتبادل الحر، و هي اتفاقية تم التوقيع عليها سنة 2004 بين المغرب و مصر و الأردن و تونس و يتم بمقتضاها الرفع الكامل للحواجز غير الجمركية و التوجه نحو إنشاء منطقة للتبادل الحر. من جانبها، تقول السلطات المصرية أن هذه ليست إلا عراقيل إدارية هدفها الحقيقي هو منع منتوجاتها من الوصول إلى السوق المغربية. و رغم أنه من المفترض أن تكون اتفاقية التبادل الحر هذه قد دخلت حيز التنفيذ في أبريل 2007 إلا أن تطبيقها على أرض الواقع يبقى أمرا صعب التحقيق لحد الآن. كيف يمكن إذن أن نفسر هذا التعثر؟
يبدو أن هناك نقطة مشتركة بين تصرف الحكومتين المغربية والمصرية؛ و هي الخضوع لإملاءات مجموعات الضغط الاقتصادية. ففي مصر هناك قطاع تركيب السيارات الذي يرى الفاعلون فيه أن دخول سيارة “لوغان” المركبة في المغرب إلى السوق المصرية يشكل تهديدا لمصالحهم.
لقد وجد المصدرون المغاربة صعوبات جمة في إيصال هذه السيارة للمستهلك المصري، بدعوى عدم احترامها لمقاييس الجودة. في حقيقة الأمر، كل المؤشرات تدل على أن هذا المنع ناتج عن ضغوطات شركات تركيب السيارات المصرية التي تريد الحفاظ على حصص إنتاجها في سوق داخلية للسيارات جد محمية.
في الجانب المغربي ينضر الفاعلون في قطاعات عدة كالنسيج و الفلاحة قدوم السلع المصرية بكثير من الريبة و الحذر. في هذا الإطار استجابت الحكومة المغربية للمطالب الملحة لمنتجي الأرز المغاربة بتحديد الكميات المستوردة من الأرز المصري، لأنهم يعتقدون أن استيراد الأرز المصري بكميات كبيرة قد يؤدي إلى القضاء على نشاطهم الاقتصادي.
و تظهر كلتا الحالتين أن الحكومات، و هي تستجيب لمطالب مجموعات الضغط، تزعم أنها تفعل ذلك “لحماية” اقتصادياتها مما تعتقد أنه تهديدات ناتجة عن التبادل الحر. حسب هذا المنطق يكون التبادل دائما لعبة ذات مجموع صفري حيث أرباح طرف تؤدي إلى خسائر لدى الطرف الآخر. و هذه، في نظرنا، رؤية خاطئة لأسس التبادل الحر. و هي رؤية سائدة حتى بين أولئك الذين يؤمنون بايجابياته لأنهم يترددون في تطبيق مبادئه في جميع الحالات، نظرا لاعتقادهم أنه في ظل تشابه البنيات الإنتاجية بين الدول فإن التبادل الحر لا يمكن أن يكون مفيدا بالنسبة لجميع الأطراف. و هنا لابد أن نرجع إلى النظرية المؤسسة لهذا الطرح للاقتصادي البريطاني دافيد ريكارد و التي تقول أن على كل بلد أن يتخصص في فروع الاقتصاد التي يتوفر فيها على مزايا نسبية تتعلق بالإنتاجية. بعد ذلك يمكن لهذه الدول أن تتبادل بحرية منتوجاتها و تستفيد من مزايا التخصص. هذه النظرية صحيحة، لكن تفسيرها قد يتم بشكل خاطىء من طرف من يعتقدون أن التبادل التجاري يجب أن يتم بين بلدان مختلفة و حول منتوجات مختلفة. لكن، و كما ذكر بذلك عالم الاقتصاد الأمريكي الحاصل على جائزة نوبل لسنة 2008 بول كروغمان :” في غالب الأحيان فإن التبادلات التجارية تتم بين دول لا تتوفر فقط على بنيات إنتاجية متشابهة لكنها تتبادل نفس المنتوجا ت”.  وهذا يظهر بوضوح قي حالة فرنسا و ألمانيا اللتان تتبادلان السيارات و أيضا في حالة السويد التي تصدر “فولفو” إلى ألمانيا و تستورد منها « BMW ». إذن لا يمكن في أي حال من الأحوال تبرير الإنغلاق التجاري بحجة تشابه المنتوجات.
و يضيف “كروغمان” أن التبادل التجاري بين دول ذات بنيات متشابهة يبقى مفيدا لجميع الأطراف، لأنه يسمح للمنتجين بالإستفادة من خزان من المستهلكين أكبر من ذلك الذي توفره السوق الوطنية و ذلك عن طريق ما يسمى بوفورات الإنتاج. كما أن المستهلكين سيستفيدون من اختيارات أوسع و أثمنة أرخص للسلع. و إذا ما أضفنا إلى ذلك عامل التنافسية بين منتجين مدفوعين إلى الإبتكار من أجل التميز عن منافسيهم، فإن ذلك سيخلق حتما فرصا أكبر و تقسيما جيدا للعمل مما سيؤدي الى تحقيق نمو اقتصادي دائم. الإنفتاح الاقتصادي يعني أذواقا جديدة لتلبية رغباتها و أثمانا أرخص بالنسبة للمستهلكين.
و إذا ما عدنا إلى تعثر التبادل الحر بين المغرب و مصر فإنه ناجم عن تصور خاطئ لأسس التجارة الدولية. تصور لا يرى ضرورة للتبادل إلا في حالة التكامل الاقتصادي ويغفل أن الطرفان سيستفيدان حتما لو تبادلا السلع بحرية.
إن المشكلة هنا لا ترجع إلى “اتفاقية أغادير” و لا إلى آليات تطبيقها بل إلى الرؤية التي يتم بها تفسيرها. لذا فيجب على الحكومات اعتماد البيداغوجية في تفسير مزايا الإنفتاح التجاري، كما يجب عليها التحرر من ضغط اللوبيات لأن هذا هو السبيل الوحيد لتغيير العقليات في اتجاه فهم صحيح لمزايا السوق الحرة والإقتناع بأن التبادل الحر سيبقى دائما لعبة ذات مجموع إيجابي.
© منبر الحرية، 25 مايو 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

إن التمعن و التوقف على تداعيات الحرب الأخيرة على غزة يؤكد وجود انقسام و اهتراء في الموقف العربي. موقف يحمل في طياته جذور تراكمات انهزامات ليست وليدة اللحظة. فهذه ليست المرة الأولى التي تعجز فيها الدول العربية على اتخاذ موقف موحد وقوي يشرح الرؤية العربية و يدافع عنها في المحافل الدولية. كيف يمكن أن نفسر هذا الضعف في الموقف العربي؟ و ما هي المسببات و الجذور التي تحكمت لحد الآن في مساره ؟ و ما هي الحلول التي يمكن أن تخرج المنطقة العربية من هذه الظرفية المتردية ؟
دعونا نبدأ بالمساندة القوية التي يتمتع بها الموقف الإسرائيلي لدى غالبية إن لم نقل كل الدول الغربية. إن هذا الأمر يرجع بالطبع إلى مرسبات المحرقة التي تعرض لها اليهود على أيدي النازيين خلال الحرب العالمية الثانية. فهذا الموضوع لا زال يلقي بظلاله على الحياة السياسية و الإعلامية و يضفي حساسية مفرطة على أي انتقاد يوجه لإسرائيل في أوروبا و الولايات المتحدة. لكن و مع حتمية و بديهية هذا الأمر.
هناك عامل آخر لا يمكن استبعاده. إن الدول الغربية تساند إسرائيل أيضا، لأنها تمتلك النظام السياسي الأقرب و الأمثل للمنظومة الغربية. لذا فهي (أي إسرائيل) تقدم نفسها على أنها واحة من الديمقراطية وسط صحراء قاحلة من الإستبداد. أي بكل بساطة أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. تلك الدولة التي تصارع في جبهة متقدمة للدفاع عن العالم الحر.
صحيح أن إسرائيل استغلت بذكاء هذا الموضوع لتحقيق أطماعها في المنطقة. و صحيح أيضا أن هذا الطرح تحيط به هالة إيديولوجية واضحة المعالم و لكن الواقع الذي لا يمكن إنكاره ( ورغم كل التحفظات التي يمكن أن نضعها عليه و المتعلقة بالحقوق المدنية و السياسية لما يسمى بعرب 48، و تأثير الأحزاب الدينية و العسكرة المفرطة للدولة) هي الطبيعة الديمقراطية لهذا النظام. أي أنه يعرف تناوبا حقيقيا على السلطة و معارضة قوية و صحافة لا تتردد في انتقاد الحكومات المتعاقبة إذا ما أخلت بواجبها نحو الشعب. و الأهم من ذلك أن إسرائيل تتوفر على جهاز قضائي مستقل يكفي هنا أن نذكر أنه في ظل الجو المشحون للحرب و المساندة القوية للرأي العام لها فقد استطاع الآلاف من العرب و مناصري السلام التظاهر ضد الحرب و لمساندة غزة حاملين الأعلام الفلسطينية في قلب تل أبيب بعد موافقة المحكمة العليا على ذلك.
أما في الأنظمة العربية فالرؤساء ينتخبون بنسبة 99% ، و يورثون أبناءهم قبل رحيلهم و في بعض الأحيان يغيرون الدستور لإضافة ولاية ثالثة و رابعة. أما الصحافة المستقلة فإن وجدت فهي تصارع القيود و الأحكام القضائية الجائرة من أجل البقاء. و القضاء يبقى في غالب الأحيان خاضعا للسلطة التنفيذية و لا يتمتع بالاستقلالية إلا في حالات نادرة.
كيف يمكن إذن للأنظمة العربية أن تصدر موقفا قويا يعبر عن موقف شعوبها في هذه القضية و غيرها و هذه الشعوب لا تستشار و لا يسمح لها بإبداء رأيها و لا تستطيع أن تحاسب حكوماتها. في المقابل هناك موقف مناقض للموقف العربي، اتخذته دولة إقليمية غير عربية. هذه الدولة هي تركيا التي كان لها و منذ بداية هذه الحرب موقف ثابت و قوي. لقد انتقد وزيرها الأول إردوغان الهجوم الإسرائيلي بوضوح و دون لبس رغم عضوية بلده لحلف الشمال الأطلسي و ارتباطها بمعاهدات سياسية و عسكرية مع إسرائيل. كما غادر منتدى دافوس الإقتصادي احتجاجا على ما اعتبره تزييفا للحقائق من طرف الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز. و هو الأمر الذي لم يستطع القيام به الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي كان حاضرا في نفس الندوة رغم أن القضية الفلسطينية تمثل قضية مركزية في المؤسسة التي يتولى أمانتها العامة.
إن موقف إردوغان يمثل رأي غالبية الشعب التركي الذي اختار حزبه لتسيير دفة الحكم مرتين في انتخابات (2002 و 2007)، أي أن قوة موقفه نابعة من فوة و شرعية تمثيليته لشعبه. ليس لأنه ذلك الزعيم المنقذ الملهم الذي يتماهى مع تطلعات شعبه، و لكن لأن حكومته خارجة من صناديق الاقتراع و ستعود للاحتكام إليها من جديد بعد انتهاء ولايتها. لذا فهي تحترم رأي من أدلوا بصوتهم لصالحها و تعبر عنه و تدافع عنه داخليا و خارجيا.
قوة الموقف التركي يمكن أن تفسر أيضا و في ظل الأزمة العالمية الراهنة و التباطؤ الذي يشهده النشاط الإقتصادي في أوروبا و الولايات المتحدة، بدينامكية اقتصاد هذا البلد و الصحة الجيدة التي يتمتع بها منذ بداية العقد الحالي. وضعية ناتجة عن إصلاحات هيكلية و عميقة للإقتصاد و ليس عن ارتفاع ظرفي للعائدات النفطية كما هو الحال في بعض الإقتصاديات العربية.
إن عدم قدرة الجانب العربي على اتخاذ موقف قوي و ثابت يدافع عن مصالحه الإستراتيجية إبان هذه الحرب و غيرها لا ينجم فقط عن اختلال موازين القوة العسكرية لصالح إسرائيل. لأن هذا الأمر يتغير بتغير موازين القوى الدولية. أما الثابت فهو مسار التقدم السياسي و الإقتصادي في العالم العربي. مسار لم يبرح مكانه منذ عقود.
لقد آن الأوان للبلدان العربية، شعوبا و نخبا و حكاما، أن تبادر للخروج من دوامة الهوان التي ما فتئت تدور في رحاها. خروج لن يمر إلا عبر إصلاح هيكلي للمنظومة المؤسساتية السياسية و الإقتصادية. إصلاح يمنح المواطن العربي الحق في الإدلاء برأيه لاختيار و محاسبة حكوماته بكل نزاهة و شفافية. لأنه من المخجل حقا أن تصنف المنطقة العربية من طرف المنظمات المختصة كأكثر المناطق التي تسود فيها الأنظمة الاستبدادية. إصلاح يرفع عن الصحافة كل القيود و يجعل منها تلك السلطة التي تراقب ما تقوم به الحكومات من أعمال. فتفضح ما يخل بالقانون منها و تشيد بما يحترم المصلحة العامة. أما القضاء فبدونه لا يستقيم شيء في الدولة لأنه عماد الحكم الرشيد. و بدون إصلاحه لا يمكن القيام بأي إصلاح اقتصادي جذري لأن “دولة الحق والقانون” هي اللبنة الأساسية التي ترسي دعائم الملكية والحرية الاقتصادية و اقتصاد السوق.
هذا هو مسار التغيير الذي يمكن أن يصالح الأنظمة العربية مع شعوبها و يمنحها القوة للتعبير عن مواقفها بثبات في المحافل الدولية. إن احترام الدول العربية لرأي شعوبها سيضفي قوة و شرعية على تمثيلية مؤسساتها السياسية. و سيجعل الدول الأخرى و على رأسها الدول الغربية تستمع لمواقفها و تحترم قضاياها.
© منبر الحرية، 01 أبريل 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، كان هنالك إجماع بشأن السياسات الاقتصادية التي ينبغي تبنيها من أجل تحسين الإدارة الاقتصادية، ومن ثم بالتالي استعادة النمو في الدخل وخلق الوظائف فيما يعرف بإجماع واشنطن.
لكن هذا المنهج (إجماع واشنطن)، قد أثمر نتائج غير مرضية، بل ومدمرة في بعض الأحيان. حيث أن العديد من اقتصاديات المنطقة العربية، وغيرها قد عانت من الركود أو التراجع. و لم يتحسن مستوى المعيشة في كثير من الدول العربية ذات الاقتصاديات الفقيرة. تتجلي خطورة الوضع الاقتصادي وتداعياته السياسية في أزمة الركود الاقتصادية الحالية. فالركود الاقتصادي من شأنه أن يقوض شرعية الأنظمة العربية الحاكمة، بل وحتى قدرتها على ممارسة عملية الحكم في بعض الأحيان. وتشتد خطورة المشكلة بوجه خاص لكون الاقتصاديات الراكدة لا تستطيع توفير وظائف كافية لذلك المد المتنامي من الشباب الباحثين عن عمل في منطقة تعاني نظمها فشلا مديدا في حل تلك المعضلة. إن هذه الخلطة التي تجمع بين عجز الأنظمة، وتصاعد معدلات البطالة والفقر، ووجود قطاعات كبيرة من الشباب لخلطة سريعة الالتهاب جداً على الصعيد السياسي. إن الأداء الاقتصادي الباهت يسبب إحباطات شعبية تجاه قيادة النظام، ويفاقم نمو السكان من خطورة تلك المشاكل الاقتصادية ليجعل من الأشق على الأنظمة أن تحافظ على مستويات المعيشة الراهنة، ناهيك عن أن ترفع تلك المستويات. كذلك فإن الفساد الواسع النطاق يولد المزيد من الإحباطات هو الآخر عندما يضطرون للإنفاق من دخولهم المحدودة لدفع الرشاوى وغيرها من المدفوعات من أجل أن يؤمنوا لأنفسهم الخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة، ولكن التعبير عن أي من تلك الإحباطات لن يكون ممكناً من خلال هياكل الحكومة، وهذا بحد ذاته قد يتسبب في إحباطات إضافية تجاه الجهاز الحكومي. ويصبح الاحتمال أكثر وروداً هو أن تؤدي تلك الإحباطات إلى ازدياد المطالبات بالإصلاح السياسي الذي يسمح للمواطنين بان يكون لهم على الأقل صوت في عملية صنع القرار. والأنظمة العربية الحاكمة وفق خبرة الرصد لاستجابتها لتلك المتطلبات تكون دوما بإحدى طريقتين : فهي إما أن تزيد من حجم المساهمة الشعبية بهدف نزع فتيل الاستياء المتنامي، أو أن تلجأ إلى المزيد من القسر والإكراه.
وقد اختارت العديد من دول المنطقة العربية إستراتيجية تجمع بين عناصر من كلا الخيارين، وذلك باتخاذ إجراءات محدودة للإصلاح السياسي بينما يشن في الوقت نفسه هجوم على المعارضة التي تتجاوز الحدود المقبولة التي أقرها النظام. وقد لاقت هذه الإستراتيجية نجاحا كبيرا لأنها مكنت الأنظمة الحاكمة من أن تسيطر على شكل الإصلاح السياسي وإيقاعه. ومع ذلك فإنه ليس من الواضح بعد أن كان من المستطاع الثبات على هذه الإستراتيجية على المدى البعيد. كما أن هذه التحديات تهدد إدارة الدولة والاستقرار السياسي بطريقتين : طريقة مباشرة، طالما أن بعض التحديات تجعل المواطنين يتحدون الحكومات ( كالشباب العاطلين عن العمل مثلاً ) وطريقة غير مباشرة، من خلال ردود فعل الدول تجاه التحديات ( كالتقشف في الميزانية على سبيـل المثال) وقد يجادل البعض، بطبيعة الحال، بأن الفشل الاقتصادي لا يترجم تلقائياً إلى كارثة سياسية، كما أن ليس هنالك إجماع على مدى عمق التهديدات التي تمثلها هذه التحديات الاقتصادية للأنظمة الحاكمة القائمة.
ورغم أن المصاعب الاقتصادية المتصاعدة تجابه إدارات حكومات جميع الأنظمة بتحديات جسيمة، فإن شكوكاً كثيرة تحوم حول مدى قدرة الحكومات المختلفة في المنطقة العربية على التعامل مع هذه التحديات. فعند أقصى أحد الطرفين تهدد هذه التحديات بإمكانية تقويض، لا إدارة الدولة فقط، بل ومدى رضوخ المحكومين أنفسهم لسلطة الحكم.
ففي بعض البلدان، وبالأخص الأشد فقراً منها، قد تتغلب التحديات على أي هيكل حكومي، مفضية إلى انهيار النظام، كما حدث في أفغانستان والصومال. إلا أن حتى المشاكل الاقتصادية العميقة قد لا تتمكن من إسقاط الأنظمة التي لها قدرة مواصلة ضخ الامتيازات والمكاسب إلى مؤيديها الرئيسيين، وإخماد أصوات المعارضين. ولا توجد هناك علاقة بسيطة بين الركود الاقتصادي وانصياع المحكومين لسلطة الحكم.
لقد أبدت حكومات المنطقة وجماعات النخبة لحد الآن تفضيلا ملحوظاً لإتباع نمط إصلاح يمضي بخطوات تدريجية، أو حتى متثاقلة. والأسباب وراء ذلك تتفاوت ما بين حالة وأخرى، ولكنها عادة ما تكون مزيجاً من عاملين:
العامل الأول يتمثل في خشية بعض الأنظمة – ولها بعض الحق أن تخشى- من أن الإزاحة الاجتماعية التي سيسببها الإصلاح الاقتصادي الشامل سينتج عنها الوقوع في مخاطر زعزعة الاستقرار السياسي. أما العامل الثاني فهو أن ذوي المصالح المكتسبة وأقوياء النفوذ سوف يعملون أما على سد الطريق بوجه الإصلاحات، أو على ضمان أن يعود عليهم نوع معين من الإصلاحات بمكاسب لا تتناسب وحقيقة ما يستحقون على حساب الجماعات الأخرى في المجتمع. وتكون الحصيلة صورة مختلطة متداخلة تبدو فيها الأنظمة وقد أخذت بتطبيق شيء من الإصلاحات الاقتصادية، بل وفي أغلب الأحيان الكثير منها (وبالذات في مجال سياسة الاقتصاد الواسع). في حين ترجئ أو تتحاشى الإصلاحات الأكثر تعقيداً، كالخصخصة، وإصلاح القواعد التنظيمية، وتطوير حكم القانون.
وقد كانت نتائج ذلك النمط من الإصلاح مخيبة للآمال، سواء بسبب المصاعب المصاحبة التي لابد أن تواجهها أية سياسة اقتصادية، أو بفعل انعدام التوافق في عملية الإصلاح. ورغم أن الأداء الاقتصادي لدى بعض الأقطار كان أفضل بدرجة ملحوظة في أواسط التسعينيات وأواخرها منه في الأعوام العشرة الماضية، فإن سرعة النمو لم تبلغ في أي قطر من الأقطار العربية حتى اليوم حداً يكفل خفض نسبة البطالة أو رفع معدلات الأجور الفعلية ومستويات المعيشة.
© منبر الحرية، 5 فبراير 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

على الرغم من أنّ التداعيات المباشرة للازمة المالية العالمية على الدول العربية لم تكن ذات وقع كبير (إذا ما اعتمدنا على البيانات الرسمية الصادرة) قياسا بما حصل في الدول المتقدّمة، الاّ أنّ ذلك لا يعني أنّها تجنّبت الأسوأ، وأنها استطاعت أن تحيّد نفسها عن التداعيات المحتملة اللاحقة. فقد شهدت الدول العربية في المرحلة الأولى من الأزمة المالية العالمية خسائر مباشرة تمثّلت بـ:
أ- الدول النفطية: خسائر ضخمة ناجمة عن الانخفاض الكبير الذي شهدته أسواقها المالية، إضافة إلى تعرّض مصارفها لمشكلة الشح في السيولة مصحوبة ببعض الخسائر لدى بعض المؤسسات الكبرى التي تعاملت في المشتقات المالية والتي كانت سببا في اندلاع الأزمة المالية العالمية. وتشير التقديرات أيضا إلى انّ الصناديق السيادية لهذه الدول تعرّضت لخسائر بقيمة حوالي 400 إلى 450 مليار دولار.
ب- الدول الغير نفطية: وكانت التداعيات المباشرة للازمة المالية العالمية عليها أقل من الدول النفطية وذلك اعتمادا على درجة انفتاحها على الأسواق المالية وارتباطها بالاقتصاد العالمي، ولوحظ انّ المصارف في معظم هذه الدول تلافت نسبيا الوقوع في خسائر مالية نظرا للسياسة المتشددة التي كانت تتّبعها المصارف المركزية فيها، وابتعاد القطاع المصرفي ككل عن التعامل في المشتقات المالية ولعدم ارتباطه بشكل واسع بالخارج. وقد اقتصرت الخسائر المباشرة على الانخفاض الذي تعرّضت له الأسواق المالية فيها.
في المقابل، يبدو أننا بدأنا نشهد الآن معالم المرحلة الثانية من تداعيات الأزمة المالية العالمية والتي ستصبح جليّة في العام 2009. اذ يشير تقرير صندوق النقد الدولي الأخير إلى إن التباطؤ الذي تشهده البلدان النامية حالياً كبير للغاية نتيجة للأزمة المالية العالمية وللتأثير المباشر لأزمة الائتمان على الاستثمارات التي كانت ركيزة أساسية لمساندة الأداء القوي في بلدان العالم النامية على مدى السنوات الخمس الأخيرة.
ومع تضييق أوضاع الائتمان وانخفاض مستوى تقبل المخاطر، من المرجح أن يتقلص نمو الاستثمارات في بلدان العالم النامية ومنها بلداننا العربية بطبيعة الحال من 13 في المائة في عام 2007 إلى 3.5 في المائة في عام 2009، وهي نسبة كبيرة للغاية بالنظر إلى أن ثلث نمو إجمالي الناتج المحلي يُعزى إليها. كما من المتوقع تقلص حجم التجارة العالمية بنسبة 2.1 في المائة في عام 2009، وهي المرة الأولى منذ عام 1982، وان تشهد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انخفاضا في معدّل النمو من 5.8% إلى حوالي 3.9 في المائة في عام 2009.
ومع انخفاض أسعار النفط بالشكل الذي حصل فاقدة أكثر من 70% من قيمتها خلال 5 أشهر فقط على أبواب العام 2009، يبدو واضحا انّ العام الجديد سيُخضع الاقتصاد العربي لامتحان عصيب، حيث ستبدأ التداعيات الحقيقية والغير مباشرة بالظهور، وستبرز عندها قدرة أو عدم قدرة الدول على تحمّل هذه الأعباء. وقد تنقلب المعادلة في هذه المرحلة على الأرجح، حيث ستعاني الدول العربية غير النفطية كثيرا إذا لم تحسن إدارة اقتصادها، في الوقت الذي ستتعرض الدول نفطية لخسائر كبيرة ليس اقلّها نتيجة انخفاض أسعار النفط، وستنكشف قدرة وحجم العوائد على امتصاص الصدمة في حينه.
وعلى أية حال، فاّن المؤشرات الأولية تعطينها فكرة عن معالم التداعيات التي ستتعرض لها الدول العربية في المرحلة الثانية، وهي تتمثّل بـ:
أ- بالنسبة للدول النفطية:
1- تراجع حاد في العوائد النفطية: اذ عمّقت الأزمة المالية من الانخفاض الحاد في أسعار النفط، مما من شانه أن يؤدي إلى تراجع العوائد النفطية بشكل كبير، حيث تشير أرقام صندوق النقد الدولي، إلى أنّ خسارة كل دولار واحد من سعر برميل النفط تؤدي إلى أن تخسر السعودية مقابله حوالي 3.5 مليار دولار، والإمارات مليار دولار، والكويت 950 مليون وقطر 350 مليون.
2- تراجع معدلات النمو: ستضطر دول الخليج إذا استمر انخفاض أسعار النفط إلى ترشيد الإنفاق نظرا للضغط الذي سيتولّد على الميزانيات لديها التي ستدخل عجزا كما يبدو، وهو ما سينعكس سلبا على معدّل النمو الاقتصادي فيها وعلى المشاريع التنموية وتاليا على الوضع الاقتصادي ككل.
3- تراجع حجم التجارة الخارجية: اذ ستتراجع حجم الصادرات التي تتكون من النفط في معظمها وذلك بسبب انكماش اقتصاديات أكبر الدول المستهلكة للنفط في العالم وعلى رأسها الولايات المتّحدة الأمريكية، اليابان وأوروبا، كما سيتقلّص بالضرورة حجم الواردات حينها بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي والطلب في الدول الخليجية.
4- تراجع في حجم الاستثمارات الأجنبية: سواء المباشرة الواردة إلى هذه الدول أو المباشرة الصادرة منها، إذ سيتم التركيز على عودة الاستثمار الخارجي لهذه الدول في هذه المرحلة لتحصين الداخل، وللمساعدة على تلافي التداعيات الأسوأ الممكن حصولها لاحقا.
وتفرض كل هذه العوامل على الدول العربية النفطية تحديات تتمثل في ضرورة دفع العجلة الاقتصادية إلى الأمام كي لا تقع في فترة ركود، ولتحافظ على معدّلات نمو معقولة في ظل التقديرات بانخفاض نسبتها إلى النصف عن الفترة السابقة. إضافة إلى ضرورة مواكبة الصناديق الاستثمارية لاقتصادها بحيث تخفف من آثار وانعكاسات الأزمة المالية العالمية عليه.
ب- بالنسبة للدول العربية الغير النفطية:
1- على الرغم من أنّ وقع التأثيرات المباشرة للازمة المالية العالمية على هذه الدول كان أخف من غيرها في المرحلة السابقة، الاّ انّه من المنتظر أن تدخل في نفق التداعيات الغير مباشرة، وهذا يعني انّ الصورة قد لا تبقى وردية على المدى المتوسط والبعيد، اذ من المتوقع أن يطال تأثير الأزمة المالية العالمية اقتصاديات هذه الدول وتحديدا القطاعات المرتبطة بالطلب الخارجي مثل السياحة والعقار السياحي والصادرات، والتي من المفترض أن تشهد تراجعا في ظل الكساد الذي ضرب أكبر الاقتصاديات العالمية، وبما انّ اقتصاد معظم هذه البلدان خدمي ويقوم على مثل هذه القطاعات فمن المتوقع ان ينعكس التأثير السلبي لأدائها على الاقتصاد ككل وبالتالي على وضعها المالي وعلى نموها.
2- كما انّ هذه الدول ونتيجة اعتماد اقتصادياتها في جزء كبير منها على تدفقات الدول العربية النفطية المالية وعلى استثماراتها، فمن المتوقع أن تتضرر هي أيضا جراء انخفاض أسعار النفط إلى هذا الحد، وأن ينخفض حجم التحويلات القادمة إليها من دول الخليج أيضا.
لذلك فان التحدي الأكبر لهذه الدول سيتمثّل بالحفاظ على معدّل نمو اقتصادي ايجابي وعلى الاستمرار في مسيرة الإصلاح الاقتصادي، وعلى تأمين مناخ استثماري آمن وجاذب لتحويل أكبر قدر من الاستثمارات إليها في القطاعات المهمّة والمنتجة خاصّة، لتساعد على خلق فرص عمل وتنمية اقتصادية حقيقية وزيادة في الإنتاجية من شانها أن تحد من آثار أي انكماش قد يضرب حركة الاقتصاد الكليّ.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 4 يناير 2009.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

لم يشهد ربع القرن الماضي أزمة اقتصادية إقليمية في الاقتصاد العالمي أعمق من الكارثة الاقتصادية العميقة التي لحقت بالعالم العربي. وباستثناء ملحوظ للبلدان التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي بعد انهياره والتي تعرضت لانكماش شديد في الناتج العام في سياق إدارة تحوّل هزيلة، فإن الشعوب العربية شكلت المنطقة الوحيدة في العالم الحديث التي تراجع فيها معدل الفرد من الدخل الوطني بالأسعار الثابتة عام 2005 إلى اقل مما كان عليه عام 1980. لقد تراجعت حصة الفرد الحقيقية من الناتج المحلي الإجمالي مقيّمة بالنسبة لسبعة عشر بلداً عربياً من 5375 دولاراً مقدرة بالقوة الشرائية المكافئة عام 2002 إلى 5189 دولاراً.
وفي الوقت الذي انكمشت فيه الاقتصادات العربية كان الاقتصاد العالمي يواصل النمو بمعدل ارتفاع في دخل الفرد بنسبة 1.8% سنوياً. نتيجة لذلك فقد اتسعت الفجوة بين البلدان العربية وغير العربية بشدة خلال الخمسة وعشرين عاماً الماضية. في عام 1980 كانت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في العالم العربي تساوي 93.2% من معدلها على المستوى العالمي، أما في عام 2005 فقد تراجعت إلى 57.9%، وهذا هبوط هائل في المكانة النسبية بلغ حوالي 38%. بل إن التراجع الاقتصادي في البلدان العربية مقارناً بالغرب (22 دولة متقدمة في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وأستراليا) كان أكبر من ذلك: 41% تقريباً. في عام 1980 كانت حصة الفرد في البلدان العربية من الناتج المحلي الإجمالي تعادل 26.3% من مستواها في الغرب، وهبطت هذه النسبة في عام 2005 إلى 15.6% فقط.
حتى بلدان جنوب الصحراء الإفريقية، المعروفة عالمياً بأنها أكثر المناطق اضطراباً في العالم، شهدت تراجعاً في حصة الفرد فيها من الدخل مقارنة بالمستويات في البلدان الغربية بمعدل أقل من التراجع الذي حصل في العالم العربي: 1.8% و2.1% سنوياً على التوالي. وحتى بلدان الكتلة السوفييتية السابقة استطاعت بعد استئناف نموها الاقتصادي منذ عام 1998 تضييق الفجوة بينها وبين الغرب بمعدل 7 نقاط مئوية. البلدان العربية وحدها هي التي واصلت التراجع.
لماذا؟ لماذا يحدث مثل هذا الركود في إحدى أغنى المناطق في العالم؟ ما هي العوامل التي قد تفسر انحداراً استثنائياً كهذا؟ هناك عدة نظريات شائعة بهذا الخصوص: الدين (أي الإسلام)؛ الخصوصيات العرقية (أي القومية العربية)؛ ولعنة الموارد (أي الثروة النفطية). بيد أن أياً من هذه النظريات لا تعطي تفسيراً معقولاً عند إخضاعها لفحص دقيق.
لم تسلك البلدان الإسلامية غير العربية نهجاً مختلفاً فقط عن البلدان العربية بل إنها حسّنت من وضعها في الاقتصاد العالمي بصورة واضحة، فقد ازداد معدل حصة الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي من 40.9% من المستوى العالمي عام 1980 إلى 43.8% عام 2005.
التذرع بالقومية العربية كسبب للركود يبدو ايضاً موضع شك، فلثلاثة عقود متتالية سبقت عام 1980 كانت البلدان العربية تزيد من حصة دخل الفرد فيها بسرعة مدهشة—بلغت 3.9% سنوياً—وهي، لأغراض المقارنة، كانت بوتيرة أسرع من معدل نمو اقتصادات شهيرة خلال ربع القرن الماضي مثل تشيلي، وقبرص، وهونغ كونغ، والهند، وإندونيسيا، ولوكسمبورغ، وماليزيا، وسنغافورة.
أما مسألة “لعنة النفط” فمن الصعب إلقاء اللوم عليها أيضاً. فأولاً، النفط لم يكن عائقاً للنمو الاقتصادي السريع الذي تحقق خلال الفترة بين 1950-1980، وإضافة لذلك فإن زيادة أسعار النفط في سبعينات القرن الماضي قد عملت بصورة جوهرية على تسريع التنمية في العالم العربي. ثانياً، النمو الاقتصادي في البلدان العربية بقي بطيئاً بإصرار في الفترة من 1980-2005 بغض النظر عن سعر النفط—سواءاً كان مرتفعاً أو منخفضاً—أو طاقة إنتاجه تزايداً أو تراجعاً. إضافة لذلك فإن التدفق الهائل في الموارد المالية إلى المنطقة في السنوات الأخيرة قد فشل في إحداث أي تغيير إيجابي ملموس في المستوى النسبي مقارنة مع المتوسط العالمي أو متوسط المناطق الأخرى بما في ذلك الغرب.
لماذا حدث ذلك؟ ما هي نقطة التحول؟ ما الذي عكس نمو الاقتصادات العربية؟ ما الذي أعاد الشعوب العربية للخلف بما يعادل ثلاثة عقود من حيث معدل حصة الفرد من الدخل؟
إن الحل لهذا اللغز هو الأقطار المصدّرة للنفط (أوبك). إنه دخول هذا الكارتل الاحتكاري في أنشطة الحياة في منتصف سبعينات القرن الماضي بطريقة غيرت بشدة ديناميات النمو والرخاء الاقتصادي في العالم العربي. إنه تأميم المنشآت الإنتاجية في صناعة النفط وبنيتها التحتية، وتخصيص حصص الإنتاج، وإدارة الإنتاج الفائض، واللجوء إلى التخطيط المركزي في قطاع الطاقة، وإنتاج أسلوب “حزمة الأسعار العادلة”، وخلق “أسواق تحت السيطرة”، كل ذلك أدى إلى تدمير اقتصاد عربي فعال وحيوي وديناميكي.
حقيقة أن صناعة الطاقة تشكل في البلدان العربية الأعضاء في أوبك من 50%-70% من الناتج المحلي الإجمالي تعني أن الحكومات تملك الجزء الأكبر من الاقتصاد وتخضعه لتخطيط مركزي—وهو ما لا يختلف كثيراً عن البلدان الاشتراكية السابقة والعواقب الخطيرة المشابهة على النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية. الفرق الوحيد هو أنه، وخلافاً للبلدان الاشتراكية، فإن بلدان أوبك تقوم بإدارة صناعة النفط بصورة فعالة ليس فقط على المستوى الوطني بل على المستوى الدولي أيضاً. المسألة ليست فقط تخطيطاً مركزياً بل هي “تخطيط مركزي تام”!
هذا هو السبب في أن الأداء السيء للبلدان العربية الأعضاء في أوبك ينبغي ألا يثير دهشة أحد. لقد تراجعت مستويات حصة الفرد من الدخل في هذه البلدان بشدة بين 1980 و2005: في السعودية من 18 إلى 11 ألف دولار، وفي الكويت من 20 إلى 17 ألفاً، وفي ليبيا من 6 إلى 3 آلاف دولار، وفي الإمارات العربية المتحدة من 33 إلى 24 ألفاً، وفي قطر من 38 إلى 12 ألفاً.
المقارنة المدهشة أن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية غير الأعضاء في منظمة الأوبك قد ازدادت: في البحرين من 14 إلى 20 ألف دولار، في عُمان من 5 إلى 9 آلاف دولار، في تونس من 3800 إلى 6900 دولار، في مصر من 2700 إلى 4200 دولار، في سوريا من 4500 إلى 5200 دولار، وفي اليمن من 3000 إلى 3300 دولار. بل إن البلدان العربية التي ليس لديها نفط يذكر على الإطلاق مثل (الأردن، ولبنان، وموريتانيا، والمغرب) قد حققت نمواً اقتصادياً إيجابياً—وإن كان متواضعاً.
قد تبدو الأرقام المطلقة لحصة الفرد من الدخول في مجموعة البلدان الثانية غير مثيرة للاهتمام ومع ذلك فإن ازديادها قد أدى إلى تحسن الاقتصاد وحياة الناس. الأرقام المطلقة في البلدان الأعضاء في أوبك قد تبدو مدهشة، بيد أن تراجعها يشير إلى توجه إلى الجانب السلبي.
في عام 1980 كانت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية الأعضاء في أوبك تزيد بنسبة الثلث عنها في البلدان العربية المجاورة غير الأعضاء. وبحلول عام 2005 كان الوضع قد انعكس بأكثر من الضعف، فقد أصبحت حصة الفرد من الدخل في الدول العربية غير الأعضاء في أوبك تزيد بنسبة 74% عنها في الدول العربية الأعضاء. لقد كانت نسبة حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية الأعضاء في أوبك تعادل 167% من مستوى المعدل العالمي قبل 25 عاماً فأصبحت اليوم 72% فقط. البلدان العربية غير الأعضاء في أوبك تفوقت في أدائها ليس فقط على زميلاتها البلدان العربية الأعضاء في الكارتل بل حدث أن كانت المجموعة العربية الفرعية الوحيدة التي حققت نمواً متوازياً أيضاً مع الاقتصاد العالمي، وبذلك لم تتسع فجوة مستوى الدخل بينها وبين الاقتصاد العالمي.
لقد فشلت منظمة الأوبك في إنجاز ما وعدت به العالم عند إنشاء المنظمة الاحتكارية العابرة للحكومات. وبدت سياسات الإنتاج في المنظمة انحيازية، وغير قابلة للتنبؤ، ومقوِّضة للثقة، وليست غير تكرارية بل هي تكرارية بصورة أساسية. بعض عواقب “المرض الأوبكي” تشمل ارتفاع معدل أسعار النفط في العالم، وارتفاع تكلفة الاستكشاف والاستخراج والتطوير، والزيادة في أسعار الغاز، والتراجع الحاد في معدل نمو إنتاج النفط وتصديره. لقد أدت سياسات أوبك إلى قدرة احتياطية أكبر، واستثمارات أقل، ونمو أقل في معدلات الإنتاج، ونمو أقل في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وزيادة حدة “عدم الأمان النفطي”.
ولكن جميع هذه العواقب التي لحقت بالاقتصاد العالمي تَبْهت بالمقارنة مع الكارثة الاقتصادية التي جلبتها أوبك على البلدان الأعضاء فيها، بما في ذلك البلدان العربية منها. اليوم يبلغ معدل حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في سبعة بلدان عربية أعضاء في أوبك ما يقل بنسبة 33% عن معدله عام 1980. ولأغراض المقارنة فإن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي على المستوى العالمي زادت بنسبة 55%، وفي أوروبا بنسبة 49%، وفي أمريكا الشمالية بنسبة 65%، وفي آسيا بنسبة 140%، وفي الصين بمعدل 7.6 أضعاف، وحتى في جنوب الصحراء الأفريقية بلغت الزيادة 3.2%.
يتطلب وقف الكارثة الاقتصادية في العالم العربي إلغاء الأسس التي يقوم عليها وجود احتكار طويل المدى فرضه تدخلات حكومية على المستويات الوطنية والدولية. أفضل الطرق فعالية لتحقيق ذلك هي الخصخصة الكاملة لقطاع الطاقة وفتحه للاستثمارات الخاصة (بصرف النظر إن كانت محلية أو أجنبية) وإزالة جميع العوائق على الاستثمار في البنية التحتية المتعلقة بالوقود مثل خطوط الأنابيب والموانئ وشبكات الطاقة الكهربائية واستبدال الأسواق المسيطر عليها بأسواق تنافسية حرة. وينبغي تفكيك منظمة الأوبك، هذه المنظمة التي تقع عليها مسؤولية تراجع الاقتصادات العربية عن سائر اقتصادات العالم.
بعد ذلك ستصبح الدول العربية قادرة على تضييق فجوة الدخل وتجاوزها في نهاية المطاف، وهي الفجوة التي اتسعت بسرعة واستمرت بطريقة سخيفة طيلة العقود الأخيرة.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 23 كانون الثاني 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

مسقط، عُمان – إن الفكرة المتمثلة في أن الحريّة الاقتصادية هي أمر جوهري لتقدم البشر قد أخذت تنتشر في العالم العربي. وأثناء عشاء احتفالي أُقيم هنا وحضره المئات من الديبلوماسيين العرب والضيوف البارزين الآخرين، فقد قامت منظمة عمانية جديدة، وهي مؤسّسة البحوث الدولية، بنشر تقرير “الحرية الاقتصادية في العالم العربي” والذي يوضّح كيف أن الفروق الكبيرة في السياسات داخل المنطقة يمكن أن تُحدث فروقاً كبيرة في النتائج الاقتصادية.
ينظر التقرير في 39 حالة متغيّرة في 16 بلداً بالمنطقة، حيث تتراوح من حجم الحكومة إلى السياسة النقدية والمالية والانفتاح التجاري والتنظيم وسيادة القانون. إن التقرير الذي جرى نشره بالاشتراك مع معهد فريزر، علماً أن مؤشّره العالمي حول حرية الاقتصاد معروف جيداً، يوحي بأن ما يصدق على العالم ككل يصدق أيضاً في العالم العربي: إن البلدان التي تتمتع بحرية اقتصادية تميل إلى أن تصبح أكثر ازدهاراً وتنمو بشكل أسرع.
تقول الدراسة بأن “العالم العربي هو لحاف مرقّع بألوان مختلفة من النظم الاقتصادية”. لذلك، فإن مدى التبادل الطوعي وأمن حقوق الملكية وحريّة التنافس وحريّة الاختيار تختلف بشكل واسع داخل المنطقة. إن لبنان وعُمان متعادلتان بالنسبة للمقام الأول فيما يتعلق بمفهوم حريّة الاقتصاد، في حين تتعادل كلّ من الإمارات العربية المتحدة والكويت في المقام الثاني. وتأتي كلّ من سوريا والجزائر في أسفل القائمة.
إن بعض المراقبين قد لا يفاجئون بحقيقة أن البلدان التي تتمتّع بحرية اقتصادية أكبر والتي تهيمن عليها دول النفط، تنزع أيضاً إلى تحقيق إيرادات أكبر. إن معدّل دخل الفرد في كلّ من عُمان والكويت يبلغ 13032 دولاراً و 17073 دولاراً على التوالي، في حين يبلغ معدّل دخل الفرد في سوريا فقط 3651 دولاراً، على سبيل المثال. ولكن النفط ليس دائماً نعمة، إن العديد من الدول غنية بالنفط ولكن، نظراً لأن حكوماتها تستطيع الوصول بسهولة إلى ثروة النفط، فإنه يتم فعل القليل لتحسين الاقتصاديات الشاملة لتلك الدول والأوضاع المادية لمواطنيها. وهكذا تصبح الثروة النفطية عائقاً لحريّة الاقتصاد. لقد عملت “لعنة النفط” على ابتلاء بلدان مثل فنزويلا ونيجيريا والمكسيك وروسيا.
إن لعنة النفط ليست بهذه الشدّة تماماً في دول الخليج. فدول النفط بوجه عام تنجز بشكل أفضل من الدول العربية الأخرى. وقد يكون سبب ذلك مرتبطاً بالتجارة. ومن الجدير بالذكر أن دول النفط المدرجة في التقرير (لم يتم إدراج العراق بسبب الافتقار إلى معلومات) قد احتفظت لمدة طويلة بمستوى عالٍ نسبياً من حرية التجارة. إن وجود نظام تجاري متحرّر يعتبر هاماً لأنه يخلق ديناميكية سياسية محلية تشجّع الناس على المشاركة في أنشطة منتجة بدلاً من السعي للحصول على محاباة من الحكومة. وباختصار، فإن التجارة الأكثر تحرّراً تقلّل من قدرة المصالح الخاصة على تخفيض الحريّة الاقتصادية، وقد تساعد على زيادة الحريّة الاقتصادية في مجالات أخرى.
لقد لعبت الإمارات العربية المتحدة دوراً إيجابياً بصفة خاصة في تشجيع حرية التجارة والاقتصاد. ويشير سالم الإسماعيلي، وهو مؤلف مشارك في وضع مؤشر حرية الاقتصاد العربي، إلى الإمارات العربية المتحدة -وهي البلد الخليجي الذي احتفظ بنظام تجاري حرّ لأطول مدّة– بأنها تقدّم انطباعاً عملياً وواقعياً للدول المجاورة. وبما أن تجارتها قد بقيت حرّة نسبياً خلال العشرين سنة المنصرمة، فقد عملت الإمارات العربية المتحدة بشكل مطّرد على زيادة مستوى الحرية في مجالات أخرى لاقتصادها، حيث قامت بجذب الاستثمارات وتحقيق النمو. وقد قامت بلدان أخرى بمحاكاة هذه القدوة. إن التنافس في السياسات بين البلدان هو هام بشكل مماثل للتنافس في السوق.
ومع ذلك، يلاحظ التقرير أنه في العالم العربي “تظلّ معظم أنواع التفاعل الاقتصادي… محدودة وغير هامة بشكل ملفت للنظر”. فالتجارة بين بلدان الشرق الأوسط تمثّل فقط حوالي 8 بالمائة من تجارة المنطقة. إن الافتقار إلى حرية الاقتصاد في عدد كبير من البلدان العربية يحدّ من التجارة، ممّا ينتج عنه أن الدول الأكثر غنى “تجد منتجات أفضل وأرخص خارج المنطقة بدلاً من دول المنطقة التي تتوفّر فيها الأيدي العاملة، والتي بدأت حريّة الاقتصاد فيها تصبح منخفضة نسبياً”.
وتبقى هنالك مشاكل أخرى حتى في البلدان العربية الأكثر تحرّراً من الناحية الاقتصادية. ففي عُمان، على سبيل المثال، ارتفعت نسبة البطالة إلى 15 بالمائة، وحكومتها، التي تقوم بتوظيف حوالي نصف القوى العاملة العمانية، حجمها كبير. ولحسن الطالع، يبدو أن هذا البلد يدرك بأن احتياطياته النفطية لن تدوم إلى الأبد، وبالتالي فقد استمر في رفع مستواه الخاص بحريّة الاقتصاد. إن التقدّم المذكور في عُمان ودول الخليج الأخرى ولبنان يمنح الأمل بأن كافة الدول العربية تستطيع تحقيق ودعم الرخاء الاقتصادي.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 3 كانون الثاني 2006.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

لقد شهد عشرات الملايين من العرب سقوط رئيس العراق السابق صدام حسين في ربيع 2003، ووجدوا في سقوطه إنعكاساً لوضعهم الحالي، حيث يمثل التحول في العراق البداية لسقوط “الجدار العربي” – الحاجز غير المرئي للسلطوية والصرامة والذي يعزل المنطقة تماماً كما قام جدار برلين في أحد الأيام بتقسيم أوروبا إلى قسمين.
واعتماداً على حالة القلق التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، أصبح الوضع العربي الراهن في هذه الأيام صعب الاحتمال، ولكن، ماذا سوف يحل محله؟ يوجد هناك ثلاثة إمكانيات قاتمة: فوضى من النوع التي سمحت لأسامة بن لادن أن يقوي نفوذه في أفغانستان، أو حروباً أهلية كالتي نهبت كلاً من الجزائر والسودان، أو نظاماً جديداً كأسلوب صدام السلطوي.
ليس على العالم أن يفعل شيئاً من أجل إدراك تلك السيناريوهات سوى الانتظار ومراقبة الوضع الحالي الذي يزداد فساداً وغرقاً في فوضى عارمة. ولكن هناك بديلاً إيجابياً وهو عبارة عن طريق إصلاحي يؤدي إلى تأسيس نظام القانون، وحقوق الأفراد، ومجتمع مدني أكثر قوة، ودمقرطة في جميع أنحاء العالم العربي.
وبالرغم من العنف الذي يلحق بالعراق الآن، إلا أن إيجاد الطريق نحو ذلك البديل أمر محتمل. لقد كان العالم العربي مستقراً نسبياً خلال العقد أو العقدين الماضيين، فقد اختفت فعلياً عمليات الاغتيال والانقلابات والاضطرابات الاجتماعية التي سادت المنطقة ما بين 1945– 1990 اللهم وجود بعض الاستثناءات لما ذكر وهما الاجتياح العراقي للكويت والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إضافة إلى حرب لبنان الأهلية وحرب السودان والجزائر الأهلية.
ولم يحسّن الاستقرار النسبي بسبب طفرة النفط عام 1973 من الأمور شيئاً بل ولّد حكومات فاشلة، ونمو اقتصادي سلبي، وقيام جماعات إسلامية متطرفة، كما ولّد المزيد من القمع. وسبب هذا القصور حالة من اليأس وتوق إلى العنف، كما قال لي شاب عربي أثناء وصفه لوطنه: “إن البلاد لم تقم يوماً بالاستثمار من أجل الشباب، فلا يوجد لنا مكان، كما أنه ليس مرغوباً بنا، ولذلك فإن باستطاعتي حرق هذا المكان والانتقال دون ان ينتابني أي شعور بالندم.”
كيف يستطيع الشرق الأوسط إيقاف هذا اليأس والغضب الذي ينتاب فئات هامة من الشعب؟ لقد قام المسلمون بتجارب عديدة على معظم المذاهب السياسية الأكثر حداثة: الاشتراكية (الجزائر ومصر والعراق وليبيا وسوريا واليمن)، الشيوعية (جنوب اليمن)، الرأسمالية ممزوجة بالملكية (الخليج العربي والأردن والمغرب العربي)، كما أنها قامت ببعض التجارب على الأيديولوجيات المحلية –الناصرية والبعثية والخمينية، ولكن الأيديولوجية الوحيدة التي لم يتم تطبيقها في المنطقة هي الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية.
وتعتبر الدول الملكية (والأميرية) من الكويت إلى البحرين وعمان والإمارات العربية المتحدة وقطر أفضل مَن يسعى إلى اتباع الطريق الليبرالي وذلك لطبيعة أمرائهم وملوكهم وأنظمتهم التي تعتمد على قاعدة سكانية صغيرة وتتفاعل مع المجتمع بروحية عصرية تقوم على التعايش بين التيارات والآراء المختلفة. لقد كانت نهضة دبي وانفتاح فطرة ديمقراطية للكويت وإصلاحات عمان والبحرين دليلاً على نمط التفكير الذي ساد العديد من دول مجلس التعاون.
وعلى العكس، فإن الإصلاح القابل للتطبيق في السعودية يواجه تحديات أكبر بكثير. فالانقسام السعودي على بيئة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر وعلى السياسة الأمريكية الناتجة عن تلك الإحداث كان كبيراً في المملكة. كما وتقوم القوانين والصفة الدينية للبلاد –التي تعتبر أساساً لشرعية نظام الحكم– بالتقليل من المساحة العامة والحريات التي تتناقض والتفسير الوهابي للإسلام. لهذا تحولت قضايا المرأة إلى أحد المسائل الحساسة للغاية في المملكة.
من جهة أخرى ينتاب الكثير من السعوديين الخوف من أن تؤدي الضغوطات المحيطة بالإصلاح السياسي والديني إلى تعاظم في نفوذ ودور المتطرفين على حساب التوازنات السعودية التقليدية في ظل حكم آل سعود. ومن جهة أخرى، نجد أن ردة الفعل السعودية على الإرهاب الداخلي قد دفعت بالمتطرفين خطوات إلى الوراء. إن آفاق الإصلاح قائمة في المملكة ولكن شروطها وظروفها تتميز بالتعقيد والصعوبة والمخاطر بنفس الوقت.
أما في الأردن فيتطلب الإصلاح إعادة ترتيب للبنية الاجتماعية من خلال بناء مؤسسات دولة حديثة تنفتح على جميع مواطنيها. إن تفعيل آليات الديمقراطية ودور الجيل الجديد في الحكم الأردني منذ وفاة الملك حسين واضحة في التغيرات التي تشهدها المملكة ولكن هذه التغيرات تتطلب نظرة واضحة لتغيير بنى الأردن العشائرية والقبلية والحكومية التي سادت في العقود الماضية. إن إعطاء الأردنيين الفلسطينيين حرية أكبر في المساهمة سياسياً واقتصادياً ومهنياً بأساليب فعّالة، أساسي لمستقبل المملكة. ولكن من جهة أخرى على الأردنيين من أصول فلسطينية أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه الأردن وينطلقوا من القبول الواضح بالأردن كوطن لهم يتطلب بناؤه وازدهاره.
وتواجه الدول العلمانية في الشرق الأوسط مشاكل مختلفة، فقد تآكل دور مصر القيادي البارز الذي تبوأته في العالم العربي، وذلك بانتقال النفوذ إلى قطر والإمارات المتحدة والأردن وانتقاله المحتمل في الوقت الحالي إلى عراق ديمقراطي. وتستطيع مصر إستعادة القيادة العربية فقط من خلال قيادتها بشكل يحقق النهضة الثقافية، والليبرالية، والديمقراطية، والإصلاح التعليمي، والتنمية الاقتصادية.
إن تاريخ مصر يدعم هذا الدور، فقد سقطت الملكية عام 1952 من دون أعمال عنف، وعلى مدار 250 عاماً قامت مصر بإظهار قدرتها على انتاج اتجاهات سياسية راديكالية واصلاحية أيضاً، وبالتأكيد سوف يعني مصير عملية الإصلاح في مصر إما موت أو إعادة إحياء العالم العربي نوعاً ما.
إن الوضع في سوريا مشابه للوضع في مصر، إلا أنه يختلف عنه ببعض الأدوار. فقد ساعد سقوط صدام على إلقاء الضوء على بعض الأمور التي يفضل النظام بقائها في الظلام كالدور التي تقوم به سوريا في لبنان، ودعمها لحزب الله ولبعض المنظمات الفلسطينية، والتعدي على حقوق الإنسان.
ولكن إذا أراد الرئيس بشار الأسد أن لا تعاني بلاده من العزلة والتراجع الاقتصادي، عليه أن يباشر في تحرير بلاده سياسياً وثقافياً واقتصادياً، حيث أنه يستطيع أن يتخذ الكثير من الخطوات الجريئة رغم القيود التي ورثها. إن آفاق نجاح هذه العملية محفوفة بالمخاطر. فالدول التي لم تشهد تجارب ديمقراطية وقامت على حكم الحزب الواحد تواجه الكثير من المصاعب في عملية الانتقال نحو الحريات والديمقراطية. ولكن البيئة الجديدة الناتجة من الحادي عشر من سبتمبر تجعل الخيارات أمام سوريا محدودة. لهذا يمكن الاستنتاج بان الانتقال نحو الديمقراطية أصبح خياراً مفروضاً ولكن السؤال بأي شكل وما هي طبيعة النتائج أمام آفاق تداول السلطة وبناء الديمقراطية في سوريا؟
أما في إيران، فيتوق الإيرانيون إلى الإصلاح، وينعكس توقهم هذا في الانتصارين الساحقين اللذين حققهما الرئيس خاتمي في الانتخابات. ولكن تشير من جهة أخرى مقاومة المحافظين لأبسط التغييرات إلى إدراكهم بأن الإصلاح الجذري سوف يضع دورهم الحاكم على المحك. وبالرغم من ذلك، لم تكن عملية الإصلاح أقرب مما هي عليه الآن في إيران قط، وذلك بسبب مطالبة الشباب الذين يشكلون الأغلبية العظمى من الشعب الإيراني به. ولم يشهد أي بلد عربي حركات مطالبة بالتغيير الاجتماعي والثقافي أقوى من الحركات التي تكونت في إيران. إن إيران مقبلة على صراعات مفتوحة في خياراتها وستحدد نتيجة هذه الصراعات مستقبل إيران.
ويعتبر الإصلاح الأهلي في منطقة الشرق الأوسط هو فقط نصف المعركة، ويتمثل النصف الآخر في تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولن ينجح الإصلاح وسط النزاعات التي تشجّع التطرف والكراهية ولذلك يجب هدم جميع الجدران التي تقف عائقاً أمام دمج العرب مع العالم في ظل مجتمعات أكثر حداثة. لقد بدأ التغيير في منطقة الشرق الأوسط، أما حجم التغيير وطبيعة القلاقل التي ستصاحبه فهو ما لم تتضح صورته حتى الآن. لقد بدأ يسقط جدار برلين العربي على مراحل وسط حروب وتناقضات كثيرة.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 3 كانون الثاني 2006.

peshwazarabic9 نوفمبر، 20100

عرض الاجتماع السنوي الثامن عشر لليوم العالمي للماء نفس المشاكل القديمة واستمر في رفضه للحلول العملية. و كالعادة، قضى مليار شخص يوم 22 آذار (مارس) دون ماء نظيف، بالإضافة إلى عدم حصول ثلث البشرية على مرافق صحية ملائمة كما سيموت حوالي ثلاثة ملايين ونصف مليون رجل وامرأة وطفل من الأمراض الناجمة عن ذلك. مع ذلك لا يزال كثير من الساسة و المنظمات غير الحكومية یفضلون الأيديولوجيا على الأفكار ویرفضون ما يقدمه القطاع الخاص إلى فقراء العالم.   غالباً ما يدعي الناشطون أنهم يدافعون عن الفقراء ضد الشركات التي تريد تعظيم أرباحها. لكن هذه الفكرة أقرب إلى العقيدة الجامدة منها إلى الواقع. بالنظر إلى أن أقل من 10 بالمائة من إدارة الماء في العالم هي في أيدي القطاع الخاص فإن من الصعب أن نفکر كيف يمكن لوم الشركات علی العرض السيئ.
الواقع أن الحكومات هي التي تدير الماء بطريقة سيئة وتسيء تخصيصه وتعطيه لمحسوبيها لأغراض سياسية ولجماعات الضغط القوية النافذة مثل المزارعين. بينما يظل الفقراء في المناطق الريفية أو في الأحياء الفقيرة المعدمة غير قادرين على الحصول على الماء. لا تتوقف الجماعات المناهضة للخصخصة عن الترديد أن الماء يجب أن يتم تأمينه من قبل الحكومات، لكنها تتجاهل أن الحكومة هي أكبر أعداء الفقراء.   من جانب آخر، تدعي حركة التنمية العالمية وجماعات مماثلة أخرى أن القطاع الخاص لم يفعل شيئاً يذكر للفقراء، وأنه لم يوصل الماء إلا إلى ثلاثة ملايين شخص في البلدان النامية على مدى السنوات الخمسة عشرة الماضية. لكن هذا الرقم لا يأخذ في الاعتبار أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، حيث حدثت طفرة في إدارة القطاع الخاص للماء وفي عدد الأشخاص الذين يحصلون على الماء منذ التسعينيات. ففي الأرجنتين على سبيل المثال انخفضت أسعار المياه في المناطق المدارة من قبل القطاع الخاص، وارتفع عدد الأشخاص المزودون بالماء، وانخفض عدد الإصابات بالأمراض المعدية وعدد الوفيات بين الأطفال.
كما أن الناشطين المناوئين للخصخصة أمعنوا في تشويه إدارة القطاع الخاص للمياه بالتركيز على الشركات متعددة الجنسيات مع تجاهلهم في الوقت نفسه لشركات توفیر الماء الصغيرة التي أوصلت المياه إلى أشخاص تخلت عنهم حكوماتهم. في كثير من المدن الإفريقية يباع الماء في قنينات بلاستيكية إلى عابري السبيل، في حين أن 500 شركة صغيرة من شركات تزويد المياه في باراغواي تؤمن الماء إلى نصف مليون شخص باستخدام الصهاريج أو عبر شبكة الأنابيب. تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن “أكثر من نصف السكان في معظم المدن في البلدان النامية يحصلون على خدمات المياه الأساسية من موردين خارج مصلحة المياه الحكومية القائمة. ”
منظمة الصحة العالمية، شأنها شأن الناشطين، تتجاهل هؤلاء المورِّدين “غير الرسميين” للماء. فهي ترفض اعتبارهم أطرافا تساهم في تحسين خدمات الحصول على الماء، على اعتبار أنهم غير خاضعين لجهاز تنظيمي ولا يمكن التنبؤ بتصرفاتهم، وتزعم أنهم عاجزين عن خدمة أعداد كبيرة من المستهلكين.   عجز لا يقره مئات الملايين من الأفراد الذين يعتمدون على هذه شركات للتزود بالماء. بالنسبة للكثير، تمثل هذه الشركات الفرق بين الحياة والموت.
إن شركات توريد الماء غير الرسمية مختلفة الأشكال والأحجام لكن قاسمها المشترك هو تأمين الماء مقابل تحقيق الربح. يعتبر عملاء هذه الشركات من بين أفقر الناس، ومع ذلك فإنهم مستعدون لدفع المال في سبيل حماية عائلاتهم من الأمراض، وفي سبيل الاستفادة من وقتهم على نحو أجدى من البحث عن میاە نظيفة.   إن نجاحات شركات الخدمة الخاصة في تأمين الماء في مختلف أنحاء أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا تدحض الزعم القائل إن الفقراء أفقر من أن يدفعوا المال مقابل الماء، وإن القطاع الخاص ليس لديه حافز لخدمتهم. الواقع أن الفقراء في الغالب يدفعون أموالاً في سبيل الحصول على الماء تفوق ما يدفعه أهل المناطق المزدهرة التي تتمتع بموارد مياه “رسمية”.
في دراسة للبنك الدولي لمدن أمريكا الجنوبية تبين أن المياه التي تنقلها الصهاريج تكلف في المتوسط ما بين أربع مرات إلى عشر مرات زيادة على أسعار الماء التي تتقاضاها الشبكات العامة. في منطقة كيبيرا، وهي من أفقر أحياء نيروبي ويعيش فيها حوالي مليون شخص، تباع كل صفيحة ماء سعة 20 لتراً تقريباً بأربعة أضعاف متوسط سعر الماء في كينيا.   يجدر بالناشطيين الذين يكتفون باتهام القطاع الخاص بأنه يضع الأرباح قبل الأفراد أن يضعوا نصب أعينهم ثلاثة أمور:  الأول هو أن شركات توريد الماء ستتوقف عن توريد الماء وتأمين الصحة إذا لم تحقق الربح. الثاني هو أن الحكومات هي الملومة بالدرجة الأولى عن الأسعار المرتفعة للماء لأنها تقيد عرض الماء من طرف القطاع الخاص أو تجعله مخالفاً للقانون. الثالث والأخير هو أن الأفراد يشترون الماء من الموردين طواعية، ويكون في الغالب أمامهم مجال الاختيار بين مجموعة من شركات التوريد. وواقع توريد الماء في العالم يدعوا إلى قراءة نقدية للمقاربة الكلاسيكية.
مصر
تحسن وضع الماء والصحة بصورة عجيبة في مصر منذ الثمانينيات، خصوصاً في المناطق الريفية. مع ذلك فإن الافتقار إلى مياه الشرب النظيفة والعوامل الصحية المناسبة يساهم في 17 ألف حالة وفاة بين الأطفال كل عام في مصر، وهذه النسبة تشكل 20 بالمائة من بين وفيات الأطفال.
الأردن
رغم أن الأردن هي واحدة من أكثر المناطق جفافاً على الكرة الأرضية، إلا أنها تستفيد من تغطية شبه شاملة للمياه والمرافق الصحية. لكن الأردن يواجه صراعاً في سبيل زيادة المحافظة على الماء وتحسين الكفاءة، خصوصاً في مجال تخفيض تسرب الماء والعدادات الرديئة و تسرب المياه في الخزانات.
الجزائر
يعتبر معدل الحصول على الماء الصالح للشرب مرتفعاً نسبياً في الجزائر، حيث تصل النسبة إلى 88 بالمائة من السكان في المدن و 82 بالمائة من السكان في المناطق الريفية. لكن معدلات التغطية في انخفاض مستمر منذ منتصف التسعينيات، حيث هبطت من التغطية شبه الكاملة في المدن و 88 بالمائة في المناطق الريفية في عام 2002. ألقي اللوم على نقص المياه على غياب الاستثمار في أنظمة الماء، وقِدم شبكات التوريد وسوء الإدارة.
المغرب
رغم أن جميع السكان تقريباً في المدن المغربية يتمتعون بالحصول على مياه الشرب المأمونة، إلا أنه لم يكن هناك تحسن يذكر بالنسبة لساکنة المناطق الريفية، حيث أن 59 بالمائة فقط من السكان في تلك المناطق كانوا يتمتعون بالحصول على الماء في عام 1987 وعام 2004.
موضوع اليوم العالمي للماء لهذه السنة هو الجودة، وبالتالي فإن السماح لشركات توريد الماء بالعمل ينبغي أن يكون من الأولويات. بعد ذلك تستطيع هذه الشركات امتلاك الموارد والأراضي والبنية التحتية ومن ثم توسيع نطاق أعمالها، بحيث تخدم عدداً أكبر من الناس بأسعار أدنى وماء أنظف. هذه المشاريع الصغيرة، وليس الوعود الفارغة من الحكومات، هي التي تستطيع تحسين توريد الماء للفقراء في أسرع وقت ممكن.
© منبر الحرية، 28 مارس/آذار 2010

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018