العلاقات الجيو-إستراتيجية والسياسية الدولية

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

في جلسةِ حوارٍ على شاطئ المحيطِ الأطلسي في أبيدجان وبحضورِ عددٍ من أساتذةِ العلومِ السياسيةِ والشخصياتِ الثقافيةِ العالمية تمركزَ الحوارُ حولَ تفسيرِ (أو محاولة تفسير) الموقفِ الأمريكي منذُ نهايةِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ وللآن من عددٍ كبيرٍ من نظمِ الحكمِ الفاسدةِ في العالمِ الثالثِ، وما أدى إليهِ ذلكَ الموقف الأمريكي من نتائج وخيمة. وعلى سبيلِ المثال ، فقد أيدت الولايات المتحدة رؤساءَ جمهوريات الموز في أمريكا الجنوبية وشاه إيران وعددٍ من النظمِ التي لم يكن هناكَ شك أنها آيلة للسقوط – ولكن الولايات المتحدة كانت دائماً تساندُ الجانبَ الأسوأ . ويضاف إلى هذا (العك الأمريكي) موقف الولايات المتحدة خلال سني الحربِ الباردةِ والذي قام (في عددٍ من الحالاتِ) على مساندةِ الحركاتِ السياسيةِ الأصوليةِ (الثيوقراطية) ظناً من الولايات المتحدة أن هذا المارد (الأصولي) هو الذي سيُلجمُ المارد الآخر (الشيوعي) . وقد أثبتت التجربةُ أن إخراجَ ماردٍ من قمقمهِ لا يمكن أن يعني ضمان عواقب بروزهِ للسطح وإنطلاقه من قيدِ القمقم . ومعلومٌ للكافةِ أن الثورةَ الإيرانية التي أبكت الولايات المتحدة كثيراً كانت في سنواتٍ سابقة في ” حضن الولايات المتحدة ” إبّان هروبِ الخوميني إلى العراق ثم إنتقل الخوميني (بالتحديد) للحضن الفرنسي ولم يكمل بقاءه في ” الحضن الأمريكي ” . وفي عددٍ آخرٍ من الحالات ، تم إستعمالُ المارد الثيوقراطي بهدفِ إحداثِ توازنٍ مع ماردٍ آخرٍ . ولعل أشهرَ حالاتِ هذا اللعبِ غيرِ المسئول ، ما وقعَ في مصرَ في أوائلِ السبعينات عندما تم إستعمال المارد الثيوقراطي للحدِ من سطوةِ المارد التابع لمصرَ الستينات – وقد أدى هذا اللعب غير المسئول لقيام الماردِ الثيوقراطي بمأساة المنصة والتي قٌتل فيها أَولَ الذين أخرجوا المارد الثيوقراطي من قمقمه في مصرَ.
ولا شك عندي أن الماردَ الثيوقراطي الفلسطيني قد أُخرج من قمقمه لإحداثِ توازنٍ مع قيادةِ حركةِ فتح للنضالِ الفلسطيني – إلا أن الذين أخرجوه سوفَ يبكونَ طويلاً على تصرفِهم غيرَ العقلاني هذا. وقد إستمرَ الحوارُ طويلاً في محاولةٍ لفهمِ هذا ” العبث ” في المسلكِ الأمريكي والذي يكاد يتكرر في حالاتٍ أخرى جديدةٍ عديدةٍ كل عام … وكان الذي أوحى بالحوارِ وجودُ المتحدثين في منطقةٍ من العالمِ ضيّعها حكامُها الطغاةُ الفاسدون في ظل تأييدٍ قويٍ من الولايات المتحدة (موبوتو في زائير وغيره في مناطق أخرى مثل سوهارتو في أندونيسيا). وأذكرُ أنني كنتُ في تفسيري مختلفاً عن معظمِ الحضور ، فبينما ردَ البعضُ الظاهرةَ لضحالةِ الخبرةِ الدوليةِ للولايات المتحدة وبينما رد البعضُ الآخرُ الظاهرة للسيطرةِ اليهوديةِ على المقدراتِ الأمريكيةِ فقد كانت وجهةُ نظري أن المجتمعَ الأمريكي تحكمهُ إعتباراتٌ تتعلقُ بمصالحهِ على المدى الطويل تحتم أن يكونَ النظامُ السياسي في الولاياتِ المتحدة مسانداً للقوى القادرة على إحداثِ تطورٍ تنموي في مجتمعاتها بما في ذلك التطور الديموقراطي والتنمية الإقتصادية لصالحِ الإعتبارات الإجتماعية الأساسية . ولكن بمحاذاةِ هذه الإعتبارات توجدُ إعتباراتٌ أخرى تتعلقُ بمصالحِ المؤسساتِ الإقتصاديةِ والتي هي في الغالب الأعم مصالحٌ آنية (أي تتعلق بالمدى القصير) بصرفِ النظرِ عما سوفَ يحدثُ على المدى الطويل . وأضفتُ قائلاً : أن تاريخَ سياسة الولايات المتحدة منذ نهايةِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ يتجاذبها هذان الإعتباران فيجذبها أحدهم أحياناً للقيامِ بما يلبي المصالح الآنية للمؤسساتِ الإقتصادية ذاتَ التأثيرِ السياسي القوي (فتحدثُ المآسي التي ضربتُ أمثلةً لها من قبل) وتجذبها (في حالاتٍ قليلةٍ) إعتباراتُ المصالح طويلة المدى ، فتتخذُ الولايات المتحدة مواقفاً تتمشى مع ” المُثل العليا ” بما يحيرُ الدنيا (مثال : موقف الرئيس الأمريكي أيزنهاور من العدوانِ على مصرَ سنة 1956). وإذا كانت الإشتراكيةُ العلميةُ قد ماتت بسببِ أنها كانت تحملُ بذورَ فنائها داخلها (عدم القدرة على تحقيقِ النجاحِ الإقتصادي) فإن العالمَ الذي يسمى بالعالمِ الحُر وتقوده اليوم الولايات المتحدة يحملُ أيضاً بذرةً محتملةً لفناءهِ وهي ذلك التناقض المروّع بين المصالحِ الآنيةِ للقوى المؤثرة على القرارِ السياسي الأمريكي والمصالح طويلة المدى للمجتمع الأمريكي (وللعالمِ أيضاً).
وقد ختمتُ وجهةَ النظرِ هذهِ بقولي : أن هناكَ بوارق أمل أن يؤدي المناخ العام الذي ستفرزهُ الطفرةُ التكنولوجية وقفزة تكنولوجيا المعلومات الكونية وما قد (أقول : قد) يحدثُ من تطورٍ إيجابي لمنظومةِ حقوقِ الإنسانِ وحمايةِ البيئة (والتي لا تزال بدائية ومتضاربة التوجهات ومتسمة بعدمِ عدالةٍ مهول) قد يؤدي هذا المناخُ العام لتقويةِ إعتباراتِ المصالحِ طويلةِ المدى والتي طالما أجهضتها المصالحُ الآنيةُ للوحداتِ الإقتصاديةِ ذاتَ التأثيرِ المهولِ على صناعةِ القرارِ السياسي في الولايات المتحدة. كما أنني أضفت: أن هناكَ دوراً مهماً للدولِ المحوريةِ من بين دولِ العالمِ الثالث لتساهم بالإقتناع في تقويةِ هذا المناخ العام المأمول – علماً بأن إستمرارَ إحتقانِ العلاقة بين هذه الدولِ المحوريةِ في العالمِ الثالثِ والولاياتِ المتحدة الأمريكية هو أمرٌ يدعمُ بقاءَ الأحوالِ على ما هي عليه لصالحِ إعتباراتِ المصالحِ الآنيةِ المدمرةِ لسيناريوهات السلام العالمي وهو ما سيكون بمثابةِ الجرثومةِ التي ستدفع العالمَ لصداماتٍ وإحتقاناتٍ وإنفجاراتٍ قد تكون من أسبابِ إنهيارِ الوضعِ العالمي الحالي وإنقلابِ المسرحِ على رؤوسِ أكبرِ لاعبيهِ.
وقد ختمَ الحوارَ أستاذٌ فرنسي لامع للعلومِ السياسية بجامعةِ باريس رقم “1” بقوله : إذن فإنَ تراجعَ الولايات المتحدة الأمريكية كليةً عن نظريةِ أن هذهِ النظم الغريبة هي المانع لقدوم الطوفان ، إنما هو الوسيلةُ الوحيدة حقاً لتجنبِ الطوفانِ الذي تعمل المنظومة الحالية على تجنبهِ بالوسائلِ الكفيلةِ بالتعجيلِ بقدومهِ !
© منبر الحرية، 19 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

يكشف السياق التاريخي لنشوء المجتمع الأمريكي عن حالة فريدة, ذلك أن غياب ماض إقطاعي للولايات المتحدة، أدّى إلى خضوع الدولة للمجتمع المدني. ولهذا بقيت الدولة في هذه الحالة، دولة الحدّ الأدنى.
ظلت الدولة الأمريكية التي ظهرت على هذا النحو، كمستبد عديم الجدوى، منفصلة وتابعة للمجتمع المدني إلى حدّ كبير، وقد كرّس هذا الوضع النظام الاتحادي الذي مكّن سلطة المجتمعات المحلية لكل ولاية على حساب سلطة المركز حتى غدت كيانات سياسية أصيلة، شبه مستقلة, وكان الإسهام الأمريكي على صعيد نظرية النظام الفيدرالي أكبر تجديد جاءت به أمريكا في ميدان علم السياسة. فمنذ أمد غير قريب اتخذ الأمريكيون من الفيدرالية عقيدة ومبدأ رئيساً, وجعلوا من المجتمع المدني الديمقراطي أساساً, بحيث لايوجد أية سلطة بمعزل عن إرادته, ولا يمكن تصور فكرة البحث عن أية شرعية للسلطة خارج المجتمع. وبهذا فقط تكون الإرادة السياسية وحتى السيادة موزعة بالتساوي على كل فرد من أفراد هذا المجتمع, وتكون الخيارات السياسة تابعة لإرادة الجميع.
في مثل هذه الأحوال من المفيد أن نستعين بعبارات توكفيل, الذي لم يستطع مفكّر من قبله, ولا من بعده إلى حدّ ما, أن يصوّر الحياة الأمريكية بمثل دقته, ولا أن يتكهن مثله بقوّة الديمقراطية الأمريكية الثقافي وزخمها السياسي, التي أثبتت للتوّ تفوقها وامتيازها بأنها قادرة على التغلب على تناقضاتها, وأن تتخطى مثالبها السياسية أكثر من أي نظام سياسي آخر.
إن الشطر الأعظم من أسباب نجاح هذه الديمقراطية, لا ترجع إلى الدولة فحسب, وإنما إلى المبادئ السائدة في المجتمع الأمريكي والراسخة فيه, ذلك أن تاريخ الديمقراطية هو بالدرجة الأول تاريخ مؤسسات ومجتمعات ديمقراطية قبل أي اعتبار آخر. ويلاحظ أن الديمقراطية التي تستطيع أن تتجاوز مثالبها وعيوبها السياسية, وبخلاف الديمقراطيات الراكدة التي تنجم عن مجتمعات راكدة, يصاحبها عادة تحول في العادات والأخلاق والقوانين, إنها الديمقراطية الخصبة والحية. بهذا المعنى الديمقراطية في أمريكا كانت بالنسبة لـتوكفيل تمثل حالة أخلاقية وثقافية للمجتمع المدني أكثر من كونها نظاماً سياسياً. ومن هنا لانبدو مكترثين بديمقراطية النظام السياسي للدولة, وقد غدت أمراً واقعاً ومعاشاً, فحسب. إنما الأكثر أهمية من ذلك التنويه بثقافة المجتمع المدني الديمقراطية, حين يغدو الأخير حافزاً للحرية الفردية ويؤدي في المآل إلى إظهار إبداعات الفرد الخلاقة وتميّزه. نحن نبدو معنيين هنا بالبحث في الحرية المدنية والمساواة الفعلية وطبيعة السلطة التي يمارسها المجتمع على أفراده وجماعاته وأقلياته. هذا هو السؤال الذي يتوقف على إجابته فهم التحول الذي حدث في أمريكا بانتخاب رئيس من أصول أفريقية للمرة الأولى. وهو السؤال الذي يبحث في التوافق بين قوة الأغلبية في المجتمع المدني ودور الأقلية, وفي الشروط التي تؤمن تخطي استبداد الأغلبية العرقية أو الدينية أو السياسية؟؟
قوّضت نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة العقبات الثقافية والأيديولوجية, التي كانت تحول دون انجاز المساواة التامة بين أفراد المجتمع الأمريكي, بسبب التباينات الثقافية والعرقية وغيرها, وأزاحت إلى حدّ كبير الحالة القديمة وتناقضاتها المضادة للمساواة. فلو كانت المسألة مجرد مساواة شكلية تتم عبر تحقيق إرادة الأغلبية باسم شرعية انتخابية لقادت إلى استبداد وهيمنة العنصر الأبيض فحسب, دون أن تمنح الفرصة أو الحرية, لبروز عنصر ينتمي إلى ثقافة الأقلية. وهذا هو التحدّي الخطير الذي استطاعت الديمقراطية الأمريكية أن تتخطاه, وذلكم هو النظام العقلاني القائم على الانسجام بين المساواة والحرية كما تكهن توكفيل. إن التهديد المرعب للحرية والمساواة يكمن هنا, في احتمال طغيان الأكثرية, وتلكم أحد أهم شرور الديمقراطية, التي تعمل في العمق, في المنطقة السرية للحياة, حيث تتغذى على الأفكار والعواطف الدينية, وعلى المشاعر العرقية اللاعقلانية.
وحققت الديمقراطية في حدها الأدنى, بهذا التحول, نوعاً من المساواة في الحقوق, ومن ثم نوعاً من المساواة في الشروط التي تقود إلى تقدير متساو لجميع الأفراد بصرف النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية والثقافية. وجعلت من الجميع متساوين دون أن تفقدهم خصوصياتهم أو حرياتهم الخاصة, وقادت باراك أوباما, المهاجر الأفريقي, إلى سدة الرئاسة في أعظم دولة رأسمالية, دون أن ترغمه على تغيير لون بشرته, وهذا ماكان الحلم المستحيل بالنسبة للسود الأمريكيين في وقت من الأوقات. إن الديمقراطية لاتحقق المساواة السياسية عبر ضمان ذات الحقوق فحسب, وإنما هي أداة لتخطي التباينات الثقافية والعرقية والاجتماعية, باسم الفضائل المدنية العليا. وهي تبين أن التفاوت, في الثروة والجنس والعقائد, لايقف حائلاً دون ممارسة الحقوق المدنية والسياسية ذاتها.
لقد أثبتت الثقافة الديمقراطية السائدة قدرتها هنا على التسامح وعلى حماية التنوع والانسجام في وقت واحد, وعلى ضمان الخصائص الثقافية والدينية المختلفة للمجموعات العرقية, وصون التطلعات الفردية على نحو متكافئ. وهنا تكمن جدارة المجتمع المدني الأخلاقية والثقافية, حين يبدو قادراً على مقاومة هيمنة عنصر أو ثقافة دينية أو عرقية بعينها على السلطة السياسية, أو السيطرة على المجتمع السياسي وطبعه بطابعه الخاص. فالمجتمعات المدنية القوية وحدها القادرة على مقاومة هيمنة دين أو عرق أو أية ثقافة معتقدية على السياسة, وعلى مجابهة تماه الدولة في أيديولوجية قومية أو مذهبية مستبدة. وبموازاة ذلك تبرهن هذه السابقة التاريخية على أننا نستطيع أن نعيش معاً بطريقة أفضل برغم اختلافنا, ونؤسس لحياة أرقى وأكثر انفتاحاً وإنسانية برغم التنوع القائم, الذي يعدّ شرطاً لأي تواصل إنساني, حقيقي ومثمر.
ويتعين علينا أن نذكر أيضاً, إن هذه الديمقراطية, علاوة على تعدديتها, هي في بعدها الشامل علمانية. وكما يشير آلان تورين فإن ميزة الديمقراطية تكمن هنا في تناقضها مع هيمنة معتقد بعينه أو دين على السياسة, وفي إثبات حرية الرأي لشخص أو طائفة. إن الاتكاء على ثقافة دينية, أومعتقدية, أو عرقية من جانب السلطة السياسية تقوض الديمقراطية وتقيد أسس المساواة.
إن انتخاب أوباما  يعكس شغفاً لامتناه بالمساواة لدى المجتمع الأمريكي, هذا الشغف الذي ينمو بلا انقطاع لديه ولا يشبع, لأن هذا المجتمع لن يتوصل قط إلى مساواة تكفيه, وقد بلغت الآن انبساطها الأكمل لديه بهذا الحدث. وأثبتت نبوءة توكفيل بأن التحول الديمقراطي الشامل بعيد عن أن يكون عارضاً ومؤقتاً أو ذا طابع محلي. إن الاندفاع المتواصل إلى تحقيق المساواة يوازيه هنا بالمثل تقدم نحو تحقيق الحريات الاجتماعية والسياسية, الأمر الذي يبرهن على الدور المتعاظم للمجتمع المدني في النظام السياسي, وعلى عزم مكوناته وذواته الفاعلة على التصرف بشكل مسؤول وحرّ في الحياة العامة.
© منبر الحرية، 17 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

يرى بعض الرأي أنه رغم ما تمثله السودان من أهمية حيوية للأمن الوطني المصري، سواء فيما يتعلق بحماية كامل الجناح الجنوبي لمصر، وسواء فيما يتعلق بالمصالح المائية المصرية، إلا أن مصر فيما يبدو قد تجاهلت السعي لإيجاد حل لمشكلة الجنوب السوداني إما من قبيل الحذر، أو لأن السياسة المصرية قد حيل بينها وبين القيام بدور هذا المجال من جانب قوى سودانية أو من جانب قوي إقليمية ودولية. لقد كان التعامل المصري مع مشكلة جنوب السودان يسيطر عليه الحذر إلى حد كبير ذلك أن التدخل المباشر قد تكون عواقبه أسوأ بكثير من التزام الحياد، ثم إن التزام الحياد قد يسفر عن إضرار بالأمن الوطني المصري ربما لا يمكن تفاديه. وإزاء ذلك لجأت مصر إلى استخدام أسلوب الدبلوماسية الهادئة في سعي منها للحفاظ على علاقتها مع كل القوي الفاعلة في السودان والعمل على تعزيزها، وقد كان هذا أمراً صعب المنال إزاء اضطراب خريطة القوى السياسية السودانية وتغير مواقعها من وقت لآخر. ولذا فإن الدور المصري لتسوية مشكلة جنوب السودان ظل محدودا إما تهوينا من شأن هذه المشكلة عندما اندلعت عام 1955، أو ربما يكون انفجار هذه المشكلة عامل ضغط على السودان لتقرر مصيرها بالوحدة مع مصر بدل الاستقلال. وقد يكون تردد السياسة المصرية في التدخل لتسوية مشكلة جنوب السودان راجعا إلى أن التدخل المصري قد يؤدي إلى بزوغ الحساسيات التاريخية بين الشعبين بما يسمح لقوى داخلية سودانية مناوئة لمصر الاستفادة منها في اللعبة السياسية الداخلية. وقد تواكب هذا وذاك مع عدم رغبة الحكومات السودانية المتعاقبة في قيام مصر بدور فاعل في تسوية مشكلة الجنوب قد يزعزع مركزها أمام بعض القوي الداخلية المناوئة لأي دور مصري في السودان.
أن الناظر للمراحل للتعامل مع مشكلة الجنوب السوداني , يجد أنه طغت على الفكر السياسي المصري تجاه السودان مدرستان:
المدرسة الأولى: ترى أن السودان غير المستقر أفضل بكثير بالنسبة للأمن الوطني المصري بحكم أنها ستظل منشغلة بقضاياها الداخلية، عاجزة عن ممارسة ضغوط على مصر لتعديل حصص المياه الواردة في اتفاقية مياه النيل لعام 1959، بل وعاجزة عن تسخير مواردها الطبيعية والبشرية بشكل لا يجعل منها قوة تهدد الأمن الوطني المصري.
المدرسة الثانية: ترى أن السودان القوية المعافاة يمكن أن تشكل رصيدا استراتيجيا لمصر، وأن ضعفها، وسيادة حالة عدم الاستقرار فيها يمكن أن يسفر عن تفتيتها،، بشكل يهدد الأمن الوطني المصري، وترى هذه المدرسة أن منطق التكامل بين الدولتين يمكن أن يكون مصدر قوة لكل منهما،. أن السياسة المصرية تفضل اللجوء إلى مقتربات المدرسة الثانية. إلا أن تطورات مضادة لهذا الإتجاه برزت مع تردي العلاقات بين البلدين خلال الفترة ما بين 1985 – 2003 نتيجة توجهات وممارسات النظم الحاكمة في السوادن خلال تلك الفترة حيث اتجهت السلطة السودانية الحاكمة لتوطيد علاقاتها مع دول كانت على عداء لمصر آنذاك والبحث عن التحالف مع دول أخري لموازنة الدور المصري أو لتقويضه في حوض نهر النيل، كما قامت وبالتوازي مع ذلك بتدمير عملية التكامل، وعملت على فتح ملف الحدود، ومياه النيل بين الدولتين مرة أخري في نفس الوقت الذي كان الجيش الشعبي لتحرير السودان قد تمكن من تدمير ما تم إنشاؤه في قناة جونجلي، وهكذا تحالف كل من حزب الأمة والجنوبيين بطريقة غير مباشرة في تخريب ما تم إنجازه من مرحلة التكامل بين البلدين، دونما سعي من جانبهما لحل مشكلة الجنوب.
وتقود الاتفاقات التي عقدت بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان
(الاتفاق الإطاري ماشاكوس 20 يوليو 2002 واتفاق الترتيبات الأمنية 25 سبتمبر 2003 واتفاق تقاسم الثروة 7 يناير2004، واتفاق تقاسم السلطة 26مايو2004 وبروتوكول تسوية الصراع في ولايات جنوبي كردفان والنيل الأزرق 26 مايو 2004وبروتوكول تسوية الصراع في منطقة ابيي 26 مايو2004، واتفاق الأمن والوقف الدائم لإطلاق النار، وترتيبات الفترة قبل الانتقالية، والانتقالية 21 ديسمبر2004 وأخيرا الاتفاق الشامل للسلام في31ديسمبر 2004) إلى أحد البدائل الثلاثة الآتية
البديل الأول : قيام دولة سودانية اتحادية عربية أفريقية
وهذا هو البديل المفضل، الذي يمكن أن يحقق مفهوم المواطنة المتساوية لكل أبناء السودان على اختلاف معتقداتهم، وإثنياتهم، وأقاليمهم، ومن شأنه أن يحقق إجماعا وطنيا سودانيا من جهة، ويدفع بالعلاقات المصرية/ السودانية قدما في إطار من الندية والمساواة لأنه يمكن أن يخدم ويحافظ على المصالح الاستراتيجية لمصر في السودان، و بشكل يمكن أن يزيل الحساسيات التاريخية المترسبة لدى بعض فئات الشعب السوداني والمتمثلة في الخوف من هيمنة مصرية ” متوهمة ” على أقدار السودان. إلا أن هذا البديل المفضل يصعب تحقيقه في المستقبل المنظور.
البديل الثاني : انفصال جنوب السودان
ويساند هذا البديل سيطرة الحركة الشعبية على معظم أراضي جنوب السودان وامتداد نفوذ عملياتها إلى شرق وغرب السودان وتمتعها بدعم من دول الجوار الإفريقي، وبمساندة غير محدودة من جانب الولايات المتحدة، ثم إن اتفاق ماشاكوس واتفاق نيفاشا قد كرسا هذا الوضع الانفصالي على طول الفترة الانتقالية.
إن خيار الانفصال – فيما لو تم – سيكون له آثار سيئة على المصالح الاستراتيجية المصرية، ولكن ليس بالصورة الخطيرة التي يروجها البعض، ذلك أن النيل الأزرق الذي يزود مصر بنحو 82% من احتياجاتها المائية لا يمر بجنوب السودان وبالتالي سيظل بعيدا عن التحكم في تدفقاته، و حتي النيل الأبيض والذي يزود مصر بالنسبة المتبقية يصعب بحال إقامة منشآت فيه تمنع تدفق مياهه إلى شمال السودان ومصر وإلا سيغرق الجنوب كلية، إضافة إلى انتشار المستنقعات الضخمة فيه. غير أن انفصال الجنوب لايعني بحال عدم الإضرار بالمصالح الاستراتيجية لمصر ذلك لأنه لا يعني انتهاء حالة الصراع بين الدولة الجنوبية “الأفريقية ” والدولة الشمالية العربية ” بشكل يدفع مصر إلى مساندة الشمال، والدول الأفريقية إلى مساندة الجنوب بشكل يؤدي إلى تدهور العلاقات المصرية مع دول حوض النيل.
البديل الثالث : قيام دولة سودانية ذات هوية أفريقية
وهذا هو البديل الأسوأ، الذي تتجه إليه السودان ويلقي ترحيبا من دول جوار جنوب السودان و من قبل الإدارة الامريكية.
© منبر الحرية، 15 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

جملة من التساؤلات والتناقضات يثيرها ويطرحها خطاب وزيارة الرئيس اوباما للرياض والقاهرة و تحتاج للمزيد من التأملات والتحليلات. فعلى الرغم من وصف الخطاب بالصفحة الجديدة من العلاقات مع العالمين العربي والإسلامي كما ذكرت سفيرة الولايات المتحدة في الكويت السيدة جونز، ووصفه بعض المحللين والساسة الأمريكان بأنه خطاب تصالحي مع العالمين العربي ولإسلامي فلابد من الوقوف عند الكلمة “التصالحي”, التصالح مع من مع الأنظمة؟ أم مع الشعوب؟
فإذا كانت الأنظمة بأغلبها صديقة للولايات المتحدة وتتسابق على كسب ودها فهل تحتاج إلى مصالحة؟  فلابد أن يكون التصالح مع الشعوب العربية والإسلامية . فإذا كان التصالح مع الشعوب فلابد أن تتوجه السياسة الأمريكية لأنصاف الشعوب والوقوف بجانبها لا أن تقف بجانب  الاستبداد و الانتهاكات المتتالية لحقوق الإنسان، فهل يعقل أن يبدأ الرئيس زيارته من الرياض وينتهي بالقاهرة العاصمتان المعروفتان بخروقاتهما و تجاوزاتهما لحقوق الإنسان.
فهنا تختفي القيم الديمقراطية الأمريكية وتقفز بدلها المصالح الأمريكية، وليس غريبا على السياسة الأمريكية هذه الازدواجية والتناقض، فالساسة الأمريكان كلهم برجماتيون عمليون، ففي الفلسفة البرجماتية لا دخل للأخلاق في عالم المصالح. إذا الخطاب لغة قديمة بمفردات جديدة  والهدف منه التخفيف من الضغط الشعبي على الحكومات المستبدة.
ومرة أخرى يتناقض الرئيس مع القيم الديمقراطية التي تدعو الولايات المتحدة الى نشرها في العالم، حينما قال أن الحرب على العراق كانت خطأ  وأقول له نعم يا سيادة الرئيس إنها خطأ لو لم يكن هناك نظاما ً دكتاتوريا مستبدا ً كالنظام المقبور ، فهل الإبقاء على الدكتاتوريات يا سيادة الرئيس من الصواب ؟ فإزالة نظام دكتاتوري بغيض ليس خطأ ً ياسيادة الرئيس . بل الإبقاء على الأنظمة الدكتاتورية ودعمها وإسنادها هو الخطأ بعينه، وليس من الضروري أن تزال الأنظمة الدكتاتورية بالحرب ولكن على الاقل وهذا أضعف الايمان أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطا ً على تلك الانظمة وان تحملها على عدم انتهاك حقوق مواطنيها.
واني أعتقد اعتقادا ً جازما أن الرئيس أوباما بكلمته هذه عن العراق كان يغازل المتشددين والطائفيين العرب الذين وقفوا ولا زالوا يقفون ضد العملية السياسية الجارية في العراق، لأن ما يجري في العراق يفتح الباب على مصراعيه لمطالبتهم أي ( الحكام العرب) بالديمقراطية والحرية والتعددية السياسية ومعنى ذلك زوال الأنظمة الحالية.
وفي الختام تبقى كلمة الرئيس اوباما خطوة مهمة بالاتجاه الصحيح وإن كان إختيار المكان غير موفق، وهي بديل جيد عن المواجهة واستعمال القوة وتبقى الشعوب العربية والإسلامية تنتظر ما سيترجم من هذه الكلمة من أفعال على الواقع وسيبقى الشعب العراقي هو الآخر ينتظر جدية تطبيق الاتفاقيات الموقعة بينه وبين الولايات المتحدة ومدى جدية الحكومة الأمريكية في دعم القيم الديمقراطية في العراق والضغط على أصدقائها من دول المنطقة في عد م تحميل العراق وشعبه آثام وخطايا النظام السابق  .

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

مع كل انتخابات تجري في البلدان العربية ويحصل فيها “الزعيم” أو “من يسبحون باسمه” على نسبة تأييد تتجاوز 90 في المائة، يعود السؤال الأزلي إلى الواجهة: لماذا تأبى طبائع الاستبداد على الاختفاء من المنطقة العربية؟ هل حكم علينا بالعيش المؤبد تحت حكم ديكتاتوريات أزلية؟ وهل الاستبداد ماركة عربية مسجلة؟
للاستبداد تفسيرات كثيرة، ربطه البعض بكونه ظاهرة مرضية في المجتمعات، مثل ما هو ظاهرة مرضية في نفسية المستبد. ووصفه د. أنطوان سيف في كتابه “وعي الذات وصدمة الآخر” بـ “إنه فيروس شديد الخطورة يدمر كل خلايا الجسم الاجتماعي ويشل حركتها المبدعة.كما يشل الجسم السياسي فتعم قيم الانتهازية والتملق، وتعم الفوضى والفساد مما يتيح الفرصة لمزيد من تغلغل وتقوية فيروسات جديدة وهذا بدوره يضعف المناعة”.
مهما تعددت التفسيرات واختلفت، إلا أن الذين تجشموا عناء تفسير استبداد المنطقة قسمان، الأول يرى أن القراءات الخاطئة والتراثية للإسلام مسؤولة عن إرساء “طبائع الاستبداد” من خلال مجموعة من الأطروحات المتمثلة أساسا في ضرورة طاعة أولي الأمر وما رافقها من قراءات أيديولوجية للدين للتحكم في رقاب الناس وغيرها.. والثاني يربط الاستبداد بتعرض المنطقة لموجة استغلال بشع مع فترات الاستعمار وما أفرزه ذلك من ربط مصالح المنطقة بالخارج، الذي لا يزال يدعم نخبا سياسية غير ديمقراطية، تحفظ مصالحه ويحافظ على بقائها في السلطة.
التفسيران على وجاهتهما يعانيان من الكثير من الاختزال، لأن المتمعن في طبيعة السلطة السياسية القائمة في الوطن العربي يكتشف أن هناك سلطتان أساسيتان تتحكمان في سلوك المجتمعات العربية  هما السلطة الدينية، التي تفرض نفسها على المجتمع من خلال التعاليم اللاهوتية والأخلاقية فتضبط سلوك الناس بثنائية الخير والشر، والجنة والنار،والحلال والحرام…وسلطة الدولة الدنيوية التي تفرض أعرافها وقوانينها للتحكم بسلوك المجتمع من خلال استخدام آلية العنف (الشرطة؛ والجيش؛ والمخابرات؛ والأمن..) فمن يخرج عن الأعراف والقوانين الوضعية التي أقرتها الدولة يستحق العقاب ويزج في السجون والمعتقلات.
ما بين الآليتين استغلال متبادل، لا يمكن الفصل بينهما، إنهما وجهان لعملة واحدة، فأدعياء الدين يجدون في الدولة وسيلة لحفظ الامتيازات والسيطرة على مقدرات الناس، وتأبيد الجهل والأمية والتفسيرات الخرافية للواقع.. في حين تسخر الأنظمة السياسية، رغم زعم بعضها فصل الدين عن الدولة، الدين ومؤسساته بحثا عن شرعية شعبية مفقودة. هذا التداخل في مستويات الاستغلال يحول الاستبداد العربي إلى ظاهرة مركبة، ويدخل الشعوب في حلقة مفرغة تستعصي على التوقف جارفة معها آمال المنطقة في أنظمة ديمقراطية تعلي من شأن الإنسان المبدع والخلاق وتمنح للمواطن كرامته الإنسانية.
إن تدقيق البحث في أعماق المجتمعات العربية الإسلامية لا يكشف فقط تغلغل ثقافة الاستبداد في كل ركن من أركان الإنسان العادي، بل إن الاستبداد مكون عضوي في التربية والاقتصاد والسياسة، إذ يمارس كل استبداده في مجال اختصاصه: الرجل في أسرته، والمدرس في قسمه، والمدير في مؤسسته، والمسؤول مهما كان منصبه وصولا إلى قمة الهرم السياسي. مما يدفعنا إلى التساؤل” كيف يمكن إنتاج مؤسسات ديمقراطية، كبنيات فوقية بتعبير الماركسيين، في حين تنضح البنيات التحتية بالاستبداد؟
إن اختراق الاستبداد لكل البنيات المجتمعية يجعل استئصاله مهمة عسيرة، بدون الوقوف على جذوره العميقة، والمتمثلة في عقلية القطيع التي تكرست عبر قرون من الوصاية والاحتقار لقيمة الإنسان، واعتباره مجرد رعية تابع، لم يصل بعد إلى سن الرشد. إن المشكلة الأساس التي تواجه العديد من العرب اعتقادهم بأن الديمقراطية مكسب إنساني سهل لا يحتاج إلى مكابدة ومعاناة، في حين أنه قيمة سعت وراءها الشعوب والأمم، عبر تاريخ طويل من التأسيس الفلسفي والسياسي والاجتماعي.
لقد نشأت الديمقراطية في الغرب كمسؤولية وكوعي اجتماعي، ترافق مع انحسار المد الإقطاعي في أوروبا خلال القرنيين الثاني عشر والثالث عشر وما أعقبها من صراعات سياسية وثقافية أفرزت نتائج جعلت من الديمقراطية مسؤولية بالدرجة الأولى تجسدت في الثورات العديدة التي شهدتها أوروبا طلبا لتحقيق المواطنة وهي الثورات التي بلغت ذروتها في الثورة الفرنسية.
وبالمقابل فإن “الديمقراطية” في صيغتها “العربية” لاتزال منتوجا مستوردا، حيث لم يشهد الوطن العربي تطورا سياسيا مماثلا فقد تحولت السلطة من الخلفاء إلى السلاطين وعاد الناس إلى الارتداد إلى أصولهم القبلية والطائفية بحثا عن الأمان من السطو والاستعباد. وحتى مبدأ الشورى الذي سنه الإسلام لم يعد ذو قيمة سياسية فاعلة، بعد أن تحولت العلاقة بين الحاكم والمحكوم إلى علاقة سلطوية يؤطرها تصور الإنسان ليس كمواطن بل كتابع و مريد .
مجمل القول، أن المجتمع العربي يعرف اليوم تغيرات سريعة، لكنها لا تسير دائما في اتجاه تأسيس المجتمع الديمقراطي، إنه يتطور، ولو نسبيا، في منسوب التصنيع وربما البنيات التحتية والاقتصادية الجاهزة، لكنه يمضي في ميادين الحرية بمختلف أنواعها إلى مزيد من الانغلاق الذي يكرسه تقاطع مصالح بعض الأنظمة الحاكمة والحركات المتطرفة في استغلال الدين لتأبيد التبعية والوصاية على الإنسان… لكن رغم سوداوية الواقع، فإن الثابت وجود أرضية في المنطقة تقبل التغيّر وإشاعة روح الديمقراطية وحقوق الإنسان والحداثة والقيم العالمية في نفس الوقت الذي توجد فيه مقاومات ترفض التجديد الذي تعتبره متعارضا مع القيم والعناصر الثقافية “الدخيلة”. وهنا يلزم التفكير في صيغ مقبولة لا تلقى هذا الكم الهائل من المقاومات المتزايدة.
إن فهم فشل المجتمعات العربية في التحرر من الممارسات الاستبدادية والمكرسة لقيم الوصاية والتبعية، لا يستقيم إلا من خلال عمل تكاملي تتضافر فيه مقاربات من تخصصات مختلفة، التي يجب أن تنصب على دراسة الأنظمة التربوية والعائلية والمجتمعية. أما الهدف الإنساني فيتمثل أساسا في التقليص من “المقاومات” التي تتخذ صيغا مصلحية وتتخذ رداء الوطنية أوالدين أوالخصوصية. صحيح أنه لا يمكن أن نحلم بانتهاء هاته “المقاومات” الزائفة في الأمد القريب، لكن عملا ثقافيا واجتماعيا وسياسيا وعلميا يقتضي تشجيع أصوات المفكرين العرب والمسلمين الذين يعانون من كثير من الإقصاء، خاصة وأن الهدف الأساسي هو” الدفع بالإنسانية في اتجاه الأفضل عبر تحقيق شرط “حرية الوعي “.
© منبر الحرية،11 يونيو/حزيران 2009

نبيل علي صالح16 نوفمبر، 20100

يتحدثون ويقولون –وهم في ذلك مستمرون منذ عقود وعقود- بأن أمريكا الامبريالية هي سبب بلاء الأمم والشعوب، وأن الغرب استعماري حقود ذو نزعة افتراسية في القيمة والمبدأ، وهو قد دمر وقتل أجمل ما في حضاراتنا الشرقية من قيم ومبادئ وأخلاق، أي أنه هو المسؤول الأول والأخير عن كل تلك المشاهد المأساوية التي نراها أمامنا والتي يختصرها هذا الخراب الروحي والمادي الذي يلف مجتمعاتنا ويضرب ساحاتنا ومواقعنا العربية..
ويقولون لنا –وهم لا زالوا يقولون ويؤكدون ويحلفون ويقسمون- بأن إسرائيل كيان محتل غاصب دموي، وهو كيان وهمي ومصطنع يجب أن يزول ويرمى في البحر بأيدي أبناء ومجاهدي العروبة والإسلام.. ويقولون بأن الصهيونية والماسونية تتحكمان بالحضارات والشعوب الإنسانية منذ فجر التاريخ الذي وطأت على أرضه أقدام أبينا آدم وأمنا حواء بعد خروجهما الميمون من الجنة السماوية، ويتحدثون عن أن التعاليم التلمودية والتخيلات التوراتية المؤسطرة هي التي تتحكم بعقول وسلوكيات دول وسياسيين وأحزاب كبرى في العالم، وتؤثر في وعي كل تلك القوى الامبريالية والغربية والرجعية والمتأمركة والمتصهينة عربية كانت أم غير عربية.
ويبشرونك ويقولون بأن زوال إسرائيل من الوجود –ومعها حاضنها وراعيها الامبريالي- قادم لا محالة، وهو أمر تكويني اعتقادي إلهي (ناموس كوني) سيأتي في مقبل الأيام على أيادي وسواعد جنود الله في الأرض ممن أخلصوا لله حق إخلاصه، وعبدوه حق عبادته، وجعلوه نصب عيونهم وعقولهم وأفئدتهم ليلاً ونهاراً..
هكذا قالوا ويقولون ويحللون ويفككون ويركبون منذ عقود وعقود، ولم يتغير شيء في الواقع العملي المعاش، أو على صعيد وعي ضرورات وجودنا وتطور مجتمعاتنا، حيث أننا ما نزال نعاني من الاستبداد والقهر والفقر والحرمان والتخلف وإعادة اجترار ثقافة التخلف، كما ولا تزال تسيطر علينا مفاهيم التدين الشعبي بمفرداته ومفاهيمه العصبوية الغيبية التي تربط الفرد بالمطلق وتوعده بالجنة، وتحثه على رفض واقعه القائم ليعيش حالة الانفصام النفسي بين ما يفكر فيه ويعتقد من جهة، وبين ما هو قائم بين ظهرانيه من جهة ثانية..
ولا شك أن أولئك المفكرين والسياسيين محقون في كثير مما يقولونه ويفكرون فيه، لأن الواقع يشهد على ذلك، حيث أنه (أي الواقع) مصنوع لدى مراكز القرار الدولي هنا وهناك… ولكن الحقيقة المرة الساطعة مثل نور الشمس في كبد السماء، والسؤال الكبير الذي يتهرب منه أتباع تلك العقلية الدوغمائية والوعي الوثوقي الزائف هو: ماذا فعلتم وقدمتم من عمل لمواجهة كل مقتضيات ونتائج هذه التحديات الخطيرة التي سنسلم جدلاً بحقيقة وجودها كلها؟!.. هل استطعتم بناء إنسان عربي واعي واثق منتج فاعل شجاع غير خاضع وغير ذليل، يفكر بعقله وليس بقلبه؟! وهل قمتم ببناء مجتمعات عربية قوية قادرة على التأسيس الصحيح للتعامل مع الآخر…
أين يكمن الخلل إذاً؟!!.. في الذات، في الفكر، أم في الواقع والممارسات السياسية والاقتصادية للنخب العربية الاستبداية التي لا تزال مسيطرة على اجتماعنا الديني والسياسي العربي والإسلامي منذ تحويل معاوية الخلافة إلى ملك عضوض (حيث المقولة الشهيرة لأحد عماله على المدينة: أمير المؤمنين هذا “أشار إلى معاوية”، ومن بعده هذا “وأشار إلى ابنه يزيد” فمن أبى فهذا، “وأشار إلى السيف الذي يحمله”)، وما رافقها من حروب وفتن واضطرابات وأحقاد وأزمات ودماء ودموع.. إنه سؤال إشكالي يكاد يكون –على صعيدنا العربي- سؤالاً وجودياً في العمق والجوهر.. لا يزال المفكرون والنهضويون العرب والمسلمون يجترحون الإجابة عليه منذ عقود طويلة في محاولة منهم لتقديم حلول جدية وعقلانية عملية رصينة لاستنهاض واقعنا المتخلف على كل الوجوه والأصعدة.
وفي إطار محاولاتهم تلك يكاد مثقفونا يجمعون على أن الأزمة القائمة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية لها جذر ثقافي ومعرفي بامتياز. وهي تعود –بالدرجة الأولى- إلى سيطرة المفاهيم والاعتقادت الدينية البدائية على البنية الثقافية والنفسية السوسيولوجية لأفرادنا ومجتمعاتنا. بحيث باتت مرجعيات السلف وفقهاء الوعظ المسجدي العتيق هي المتحكمة والمهيمنة على عقول وأفئدة الناس، وهي صاحبة الحق والصلاحية المعتمدة لتصدير فتاوى الحق والباطل ونشرها هنا وهناك سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بمعرفة أو بدون معرفة.
وقد كان من الطبيعي جداً أن تنمو تلك العقليات وتكبر تلك المرجعيات العصبوية في داخل واقعنا العربي، وذلك بسبب الغياب أو التغييب القسري لأية حركة نهوض عقلية تنويرية حقيقية في عالمنا العربي والإسلامي، وأيضاً بسبب الدعم الكبير المعنوي والمادي الذي تتلقاه تلك المرجعيات من كثير من السلطات العربية الحاكمة، ومحدثي النعمة (حيتان الاقتصاد الجدد) ممن أثروا بصورة غير شرعية على حساب مصالح المجتمع وحقوق الناس.
من هنا ينبغي التأكيد والإصرار دائماً على أن معادلة التقدم والنهضة المنشودة تبدأ من الداخل الفكري والاجتماعي والسياسي العربي، أي أنها تنطلق من البحث الجدي عن مظاهر الخلل القائمة، وهي قائمة بدايةً في الفكر والثقافة لتنتهي في السياسة والاقتصاد والاجتماع.
ولهذا نقول بأن شرط التقدم الصحيح كامن في بناء الداخل على أسس متينة وصحيحة من الوعي والمعرفة والتنمية السياسية والاقتصادية للفرد والأمة ككل. لأن المجتمع المريض المثقل بالعلل والأمراض والتشوهات غير قادر على تبني خيار النهضة والسير في طريقها، وتحمل تبعاتها، وهو بذلك قد يتمكن من إحداث خلل ما في معادلة النهضة التي لا تزال الدول المتقدمة التي وضعت الإنسان في موضع القلب من تفكيرها وممارساتها، تمتلك وتقبض على نواصيها بالعلم والعقل.
من هنا نعتقد بأن الفرد المعافى في عقله ووعيه، والمجتمع القوي بحرية أبنائه ونظمهم لأمورهم الداخلية على قاعدة تداول السلطة، وحرية تشكيل الأحزاب، وإطلاق الحريات العامة، وحرية الإعلام والنقد العلمي الموضوعي.. هو الكفيل بتأمين المناخ اللازم لقلب وتغيير المعادلة القائمة حالياً. وما عدا ذلك هو مجرد كلام وتأجيل للملفات، ورمي للمشاكل التي تثيرها إلى قادم الأيام.
لقد أضحى العالم قرية صغيرة، وهو يموج يومياً بمتغيرات هائلة، ونحن نعيش في قلب أحداثه ووقائعه، ولذلك ينبغي على دعاة وأتباع عقلية المواجهة –من النخب الأيديولوجية المغرقة في مفاهيم السحق والمحق والإلغاء والإخصاء- أن تدرك العالم على حقيقته، وكما هو موجود في الخارج، وليس كما تتصوره وتتخيله هي، وتقرأه في الكتب الصفراء القديمة.. صحيح أن المؤامرات قائمة والدسائس تحاك ليلاً ونهاراً، ولكنها جزء لا يتجزأ من سياسات واستراتيجيات كل الدول بما فيها بلداننا العربية التي تزعم العمل بميزان الدين والحق والعدل.. ومعظم –إن لم نقل كل- الدول الكبرى ليست جمعيات خيرية توزع الأموال هنا وهناك بالمجان، ومن دون مواقف ومصالح متبادلة. فهذه هي حالة السياسة منذ بداية التاريخ، أخذ ورد، خذ وهات وطالب. ولكن السؤال هو: ماذا أنتجنا حتى الآن لنقدم؟!.. وهذا ليس تجريح أو جلد للذات بمقدار ما هو نقد لها، وتحريض على العمل والعلم والمعرفة.
ولذلك على سياسيينا ومفكرينا أن يدركوا بأن عليهم تغيير نظرتهم ووعيهم عن ذواتهم وعن العالم المعاش من حولهم، لأن الرهان معقود هنا على ناصية المعرفة النقدية، في الوعي والإدراك وحسم قضية التغيير المطلوب على صعيد الفكر والذات الحضارية العربية والإسلامية.
© منبر الحرية، 06 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

تنصب الشعوب عليها الحكام ليدافعوا عن حريتها، لا ليستعبدوها، كما يقول ج.ج. روسو. من هنا تكتسب الحكومات شرعيتها السياسية والأخلاقية، التي تؤسَّس على حرية مواطنيها، وليس العكس. إذ بمقدار مايكون الشعب حرّاً فإن شرعية الحكم لاتزيد على أن تكون تعبيراً عنه، وممثلة لإرادته الحرّة. وبهذا المعنى فإن الشعب الحرّ حين يرتضي الخضوع لسلطة حاكمة منبثقة عن تلك الإرادة، فإنه لايخضع إلا لنفسه، فلا يجوز لأي حاكم مخوّل أو سلطة مفوضة الإدعاء بالسيادة على الشعب، الذي لاسيادة لأحد سواه. ولا تستطيع أية قوّة أو سلطة، تحت أية ذريعة، أن ترغمه على الخضوع لها أو تنتزع منه تلك السيادة، أو إدعاء الوصاية على حريته ومصيره.
يصعب البرهان على أن الحكومة القوية هي الأكثر مسؤولية وقدرة على صون حرية مواطنيها. ذلك أن قوّة الحكومة لا تبدو مبررة وضرورية إلا في حالات معدودة جداً، وهي تلك التي يعجز فيها المجتمع عن القيام بمهامه ومواجهة مشكلاته. فالمجتمع الأكثر كمالاً وصحة واستقلالاً، هو الأقل حاجة إلى سلطة سياسية قوية. ويستنتج توماس بين أن ثمة علاقة عكسية بين مجتمع حرّ وحكومة بسيطة تمثل الحدّ الأدنى من السلطة، وبين مجتمع مقيد مستعبد وحكومة معقدة، مركزية وقوية. ذلك أن الحكومات القوية هي الأكثر بُعداً عن الحرية، والأقرب إلى الاستبداد، ويتعذر في أيّة دولة تعتمد على تركيز لسلطة الحكم وعلى شمولية القوّة أن تصان الحريّة، إذ لابدّ أن تقع تحت إغراء إساءة استعمال السلطة وتتعسف حتى ولو كانت دولة ديمقراطية. من هنا تقتضي حرية الأفراد والمجتمع تحديداً للسلطة وتقييدا دائماً لاندفاعها، وكبحاً لها ولجماً، الأمر الذي يستحيل تحققه بوجود حكومة قوية، لا تكترث بالحدود، وتنعدم لديها الروادع المجتمعية والدستورية.
لقد غدا التمييز بين الدولة والحكومة، لجهة المنشأ والأهداف، أمراً بدهياً في أدبيات الفكر السياسي. ومن الواضح أن التباين في الغاية من القوّة بين الكينونتين هو أيضاً أساسي. فلا يجوز تزييف هذه المسألة عبر تحويل الهدف من قوّة الدولة إلى الداخل، واختزال ذلك في قوّة السلطة، الأمر الذي يعني ببساطة إضعاف المجتمع والهبوط إلى الدكتاتورية. إن قوّة الدولة لاتكون قط إزاء المجتمع، وموجهة نحو الداخل، بل تكون إزاء الآخر- الخارج، الذي ينافس وجودها ويهدده. وثمة ميل دائم لديها لإثبات قوتها إزاء الكينونات المماثلة، التي تشكل تحدياً لها وتستهدفها، وهي تحقق ذاتها على هذا الأساس. وبخلاف الحكومات القوية، فإن أكثر الدول قوّة هي تلك الأكثر ديمقراطية، وتكفل لمواطنيها أعظم قدر من الحرية والمساواة. فلا يمكن لأية دولة أن تبرهن على وحدتها وقوتها إزاء الخارج، مالم تكن ديمقراطية مبنية على المساواة بين مواطنيها وتعدّ حريتهم غاية أساسية لهم. والحال أن السلطة القوية أو الحكم الذي يتكئ على القوة يشعر باستمرار بضعفه إزاء المجتمع، لأنه يضمر اعتقاداً بأن التهديد الداخلي لها، لا الخارجي، هو الأشد خطراً على وجوده. ويعيش دائما تحت شعور هذا التهديد بهزيمته المحتملة أمام المجتمع مما يدفعه إلى التطرف في القوة والهيمنة.
الشعوب الحرّة فقط تستطيع أن تدافع عن وجودها وعن استقلالها. والبشر مالم يتركوا أحراراً، أو أن يعيشوا حريتهم ويشعروا بها داخل أوطانهم، لايمكن للفضيلة الوطنية أن تتحقق فيهم. والحال أن الشعب الجاث على ركبتيه لا يمكن أن يصمد أمام أي تهديدٍ خارجي أو يقاوم. وعلى الدوام كانت أقدام الطغاة في الداخل تمهد طريق الغزاة، وهذا ماحصل بالفعل في العراق، البلد الذي لم يجد شعبه بدّاً من التخلص من عبودية الداخل إلا عبر الرضوخ والقبول بالغزو الخارجي، وينبغي النظر إلى ردّة فعل العراقيين عشية سقوط بغداد على هذا الأساس.
ثمة استنتاج، عمومي ونسبي، يلزم عن معيار التمييز السابق نشير إليه هذا السياق. هو إن ما ينبغي البحث عنه في الدولة هو قوّتها، لا شرعيتها. فالحديث بهذا المعنى ينبغي أن يكون عن الدولة القوية، لا الدولة الشرعية. لأن شرعية الدولة هي في وجودها بالذات، في عقد تأسيسها، ولايفترض البحث عنها خارجها. ولا تبدو هذه المعادلة بالنسبة لسلطة الحكم غير ذي أهمية. إلا أن الأولوية هنا، وبخلاف الدولة، تكمن في الشرعية، شرعية الحكم والسلطة السياسية، التي تتمثل في توافق السلطة مع مصالح المجتمع. في حين أن قوة نظام الحكم ومركزيته لا يصلحان إلا لإضعاف المجتمع والشعب الذي يأخذ بهما، ويقودانه في المحصلة إلى العبودية والقهر.
يواجه العراقيون مجدداً مشكلة احتكار السلطة، عبر الدعوة إلى ( المرْكزة) والعودة إلى نظام حكم قويّ يختزل في نفسه السلطة والسيادة. بذريعة أن غياب مركز ثقل سياسي واقتصادي ونظام وصاية، هو الجذر الحقيقي للفوضى والعنف والانقسام السائد. والحال أن التجربة التاريخية، تدحض هذه الادعاءات، وتثبت أن أكثر أشكال العنف والاضطراب قسوة، وأكثر الحروب المدمرة حدثت بوجود سلطة قوية مستبدة. فهي عوضاً عن أن تكون سبباً للأمن والسلام، والحرية ووسيلتها، أصبحت مصدراً للفتن والقهر والخراب الشامل.
© منبر الحرية، 01 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

جاءت السلطة القومية في عدد من البلدان العربية بخطابها المختلف تماماً، في جوهره، عما كان ينبغي أن يكون عليه مستقبل الإنسان والتاريخ في هذه البلاد. وكانت بحاجة ماسّة إلى أن تستعير لسان الأمة والقضية القومية وتنصب نفسها وصية عليهما، ناطقة باسمها. ولم يكن لأحد أن يمتلك الجرأة على اختراق أو نقض هذا المطلب المركزي الذي أعلنته. أو ألا يتساوق مع هذه المركزية الأيديولوجية، أو المعيار الكلي الذي ساد لنصف قرن تقريباً. بل كان ثمة خضوع طوعي غالباً أو قسري له من جانب المؤسسات والأفراد. وقد استغلت تلك النظم القومية هذه القضية أحسن استغلال، وبررت بها جميع تحريفاتها السياسية. فلم يعد لأيّة قضية إنسانية أو ألم أو قهر من قيمة طالما أنه كان يستجيب للأغراض الأيديولوجية المباشرة لهذا الشعار، حتى أن خراب البصرة ودمار بغداد أو بيروت عدّ مقبولاً وأمر اعتيادياً متى ما كان مكرّساً له، ولم يكن يساوي شيئاً إزاءه.
إن ظهور هذا الشعار اقترن بصعود الأحزاب القومية التي أتت من أقبية التاريخ وأنفاقه ومن هوامشه الأيديولوجية في حقبة الخمسينات وما تلاها، عبر الانقلاب على مشروع الدولة الوطنية وابتلاعه. وراحت تمتطي دبابة العروبة لتحتل واجهة المسرح السياسي، مستعينة بأيديولوجية قومية شمولية، أثبت التاريخ إنها كانت في حقيقتها مضادة لمشروع الأمة الحداثي، ولتحققه على الأرض عوضاً عن أن يكون مجرد شعار ديماغوجي خالد مرفوع إلى السماء.
فرض خطاب السلطة القومية نظاماً معيارياً زائفاً وروّجت له، مفاده إن كل قضية إنسانية أو سياسية هي هامش بالنسبة للمركز الأوحد، الذي تقود إليه كل الدروب، ومن ثمّ ليس لها من معنى إلا لأنها تدور في فلكه. وسوى ذلك يعنى الانحراف عن المسار والخروج على دائرتها أو الانزياح عنها، أيّ التعين في العراء، في المساحة اللامتعينة للخطيئة الأيديولوجية، في المحيط الذي لا حدود له، لأن المتعين الوحيد هو هذا المركز، أو البؤرة المقدسة للقضايا القومية. وكل مسألة لاتكتسب أهميتها أو مبرر وجودها إلا بالقياس إليها. لكن هل كانت القضية الفلسطينية هي المركزية فعلاً بالنسبة للنظم التي أرادت لها أن تكون كذلك بالنسبة للعموم؟؟
السياسة المعلنة للأنظمة العربية كانت تتبع هذه  العقيدة أو الإستراتيجية. ذلك أن مطلب القضية المركزية يعني استحالة شرعية أي قضية أخرى سوى شرعية السلطة الممثلة لها أو الناطقة باسمها، وفي الواقع لم تك تستهدف من وراء ذلك سوى تأكيد مركزية سلطتها وإدامة استبدادها المعهود. فمركزية القضية المعلنة لديها لم تكن سوى تعبير مقلوب عن مركزيتها بالذات ورغبتها العميقة في مواصلة طَوَفان العالم والمجتمع في فلكها. وكلما أوغلت النظم القومية في كلامها عن مركزية القضية وتشدقت بها كان ذلك برهاناً وشاهداً على غياب الأصل ولامركزيته في وعيها، وعدّ دليل نفاق أيديولوجي ومراءاة سياسية.
إن تاريخ هذا الشعار الذي اعتبر المعيار المركزي للمشروع القومي العربي، هو تاريخ مركزية السلطة القومية واستبدادها الشامل والمحكم. وقد قام على المزاوجة والتماهي بين رغبة السلطة في البقاء والهيمنة من جانب والشرعية الأخلاقية والسياسية للمحنة الفلسطينية من جانب آخر، واستغلال الأخيرة لغاية استمرارها سلطة مطلقة لا تكترث بأية قضية إنسانية أو سياسية عادلة. وهنا يقبع التعارض بين الميتافيزيقا الأخلاقية للقضية السياسية وبين ذرائعية السلطة القومية وميكافيليتها، بين التمثيل السياسي لمشروع إنساني وسياسي وواقع ممارسة السلطة. ولهذا لايمكن وصف مطلب القضية المركزية إلا بأنه ضد عدالة القضية وروحها من حيث هي قضية إنسانية شاملة، وضد تحققها الواقعي والعادل.
لقد أتلفت القضية الفلسطينية بكثرة الحديث عن مركزيتها، حتى غدت قضية الهامش بالفعل بالنسبة لسياسات النظم القومية. التي كانت تغفل، وهي تتخفى وراءها، الكثيرَ من المطالب العادلة والملحة كقضايا التنمية الوطنية والحرّيات العامة وغيرها، وتمارس كل أشكال القمع والقهر بحق شعوبها، حتى غدا يسيراً على أي نظام عربي مستبد أن يرتّق كل جرائمه السياسية وممارساته الوحشية بخِرق شعارات القضية المركزية.
واقع الحال إن الحضور المباشر للقضية الفلسطينية في خطاب السلطة القومية لم يكتسب بالفعل مكانة مركزية إلا على مستوى التصوّر أو التمثيل الأيديولوجي المجرد والزائف، الذي هو أبعد مايكون عن التعبير الحقيقي لواقع القضية وآفاقها العقلانية والتاريخية. لأن المطلوب بالنسبة لتلك النُظم لم يكن حلّ المعضلة حلّاً واقعياً وعادلاً، وإنما تكريس احتكارها لشرعيتِها السياسية والإنسانية. وهكذا بدا أن مطلب مركزية القضية الفلسطينية كان نفياً للقضية من موقعها الحقيقي تحت وطأة مركزية السلطة القومية وإدعائها احتكار الشرعية الأيديولوجية، إقصاء لها من حيزها الفعلي واستبعاد لدورها، وبالمقابل استعادة لدور الاستبداد والتعامل معها كقناع أيديولوجي للشرعية القومية للسلطة.
كانت النظم العربية القومية تؤكد أولوية شكل العلاقة مع القضية الفلسطينية لترسخ، بالمقابل، العلاقة مع ذاتها، وتحتكرها لمصلحتها الذاتية. فهي حين كانت تعلن مركزية القضية الفلسطينية، لم يكن الهدف من وراء ذلك سوى إثبات المكانة الخاصة والحيوية لها وتكريس مركزية سلطتها بالذات من خلال هذا الادعاء. ومن ثم تعيد إنتاج مركزية شرعيتها القومية والسياسية وحتى الأخلاقية، إزاء إعادة إنتاج هامشية الآخر وقضاياه. إن جميع المسائل والقضايا الحيوية الأخرى بدت تافهة وسخيفة، رجعية وخاطئة، من وجهة نظرها، فقط لأن ثمة نظام قومي تقدمي وشرعي واحد، لايفتقر للضرورة التاريخية والعقلانية هو نظامها بالذات، وهو الوحيد المرشح والمؤهل لتحقيق التطابق بين المستقبل العربي ووحدته. هكذا كان الحال مع عدد من النظم القومية المتسلطة ولايزال.
إذن ثمة تفاوت هائل بين ماكانت تعلنه تلك النظم وتروّج له وبين اعتقادها الخاص على صعيد مركزية القضية الفلسطينية في مجالات السياسة والإعلام والممارسة عموماً، حيث يعاد تكريس ذلك المعيار لمصلحة بقاءها وإدامة سلطتها. من هنا فإن إعادة  اكتشاف حقيقة هذه القضية ومكانتها، من وجهة نظر مغايرة لكل ما ألفناه من خطابات جاهزة للحكومات العربية ومؤسساتها الأيديولوجية، يعدّ شرطاً سياسياً لاستقلال الخطاب الوطني الفلسطيني ومفاهيمه من جانب أول، ويعني من جانب ثان الإفلات من شرك الادعاءات الأيديولوجية للأنظمة القومية التي كانت تجيّر شرعية القضية لحسابها الخاص، ويترتب على ذلك تحرير جميع المسائل والقضايا الحيوية كالتنمية والحرّيات العامة وغيرها من قبضة التسويف والمماطلة والتأجيل، وتضع تلك الأنظمة عارية دون كساء أيديولوجي بمواجهة أسئلة شعوبها وقضاياها الملحة.
© منبر الحرية، 20 أبريل 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

إذا كانت “الديمقراطية” هي أعظم إنجازاتِ الجنسِ البشري منذ بدايةِ مسيرةِ تمدنه وحتى هذه اللحظة فإن “التعددية” هي أحدُ منابع الديمقراطية . فلما كان الإنسانُ قد أصبح على يقينٍ من أن “التعددية” في المذاهب والآراءِ ووجهاتِ النظرِ والذوقِ هي من أهم معالم “الإنسانية” فقد كان من الطبيعي أن تقوم النظم السياسية على أساسِ إحتواءِ وإحترامِ التوجهات المختلفة مع عدم السماح لأيٍّ منها (ولو كان يحظى بأغلبيةٍ قويةٍ أو حتى مطلقةٍ) من إستئصال حق الآخرين في الإختلافِ ورؤيةِ الأمورِ بشكلٍ مختلفٍ والإعتقاد في برامج وأفكار ونظم ونظرياتٍ أخرى.
بل إن الإنسانيةَ تحولت مع تطورِ مسيرةِ تمدنها من “التسليم بأن التعددية من معالمِ الإنسانيةِ الأساسيةِ” إلى “الإعتقادِ بأن التعدديةَ من مصادر ثراءِ الإنسانيةِ” .. وأن التعددية هي من أهم منابعِ الإبداعِ والإبتكارِ والتجديدِ والتجويدِ .
ورغم ذلك الإيمان بالتعددية على سطح الحياةِ المعاصرةِ فإن الغوص تحت جلدِ معظمِ البشرِ في هذا العصر يثبتُ أننا لا نزال في مرحلةٍ بدائيةٍ للغاية من تمثل قيمةِ الإيمانِ بمعنى ومزايا التعددية – وينطبق ذلك على أكثر المجتمعات تقدماً (وفي طليعتها المجتمع الأمريكي) كما ينطبق على كثير من الدول الأقل تقدماً بما في ذلك دول العالم الثالث . فلا يزال هناك زخمٌ من نقص الفهمِ وسوءِ الظنِ المتبادلِ بين الحضاراتِ المختلفةِ يجعل فوائدَ وعوائدَ التعددية أقل بكثيرٍ من أن يمكن أن يكون كما يؤدي كل ذلك في غيرِ كثيرٍ من الأحيان إلى محاولةِ البعضِ “تنميط العالم” وهو هدف مستحيل من جهةٍ ويعارض التعددية من جهةٍ أخرى ويبذر بذور الصراعِ والصدامِ الذين يمكن للإنسانية أن تعيش وتنمو وتزدهر بشكلٍ أفضل بدونهما .
ومن الأدلةِ الواضحةِ على التراثِ المهولِ من سوءِ الفهمِ وسوءِ الظنِ والأفكارِ المشوهةِ بشكلٍ متبادلٍ بين الحضاراتِ فكرة الحضارةِ الغربيةِ على معظم الحضارات الشرقية والتي تقوم في بعضِ الأحيانِ على تصوراتٍ وهميةٍ لا أساس لها من الصحةِ وكذلك فهم أبناء الحضارات القديمة للحضارة الغربية وهو فهم مشوب بتشوهات هائلة ويركز على المثالب ويتجاهل المناقب رغم تمتع معظم البشر في العالم بالعديد من إنجازات الحضارة الغربية .
وإذا كان البعضُ اليوم في الغربِ بوجهٍ عامٍ وفي الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ بوجهٍ خاصٍ يميلُ إلى أن العلاقة بين الحضارات ستكون في المستقبل صراعاً وصداماً ولا سيما العلاقة بين الحضارة الغربية والإسلام ، فإن أدبيات هذا الإتجاه تدلُ على فقرٍ معرفيٍّ مذهلٍ : فكتاب (صدام الحضارات) لصموئيل هنتنجتون وغيره من الكتابات المماثلة لإشخاصٍ مثل بول كنيدي وفوكا ياما هي خلطة من الكتابات الصحفية/ السياسية أكثر من كونها كتابات رصينة تقوم على معرفةٍ واسعةٍ بالحضاراتِ ودون أن تتوفر لدى أصحابها الرؤية التي تسمح لهم بان يروا آلية صنع سيناريو الحوار وعدم الإقتصار على سيناريو الصدام – ولا يعني ذلك أن سيناريو الصدام مستبعدٌ وإنما يعني أن سيناريو الحوار ممكنٌ إذا كانت الرؤيةُ في هذا الإتجاه وبُذلت الجهود الفكرية والثقافية لتدعيمه .
إن عالمَ اليومِ الذي يرفع شعارات مثل (الديمقراطية) و(حقوق الإنسان) و(الحريات العامة) و(التعددية) ينبغي أن يدرك أن نبلَ هذه القيم لا ينفي أن تعاملَ الإنسانِ معها على أرض الواقع لا يزال في مرحلةٍ أُولى وهو ما يجعل الممارسات العملية تتسمُ أحياناً بنقيض تلك القيم وينطبق ذلك بوضوحٍ على قيمة التعددية إذ ترفعُ الحضارة الغربية لواءَ قيمةِ التعدديةِ بيدٍ ويرفع بعضُ أبناءِها لواءَ تنميطِ العالمِ بيدٍ أخرى ، وهي حالة إرتباك تعكسُ كون البشرية في مرحلةٍ أولى من مراحل نمو بعض هذه القيم .
فالتعدديةُ إذا كانت تعني (والأرجح أنها بالفعل كذلك) أن تعددَ المشارب والمذاهب والثقافات والأذواق والآراء وأساليب الحياة هي معلمٌ أساسيٌّ من معالمِ الحياةِ البشريةِ على الأرض بل ومن مصادر ثراء هذه الحياة فإن النتيجة يجب أن تكون (الخلاف في ظل الوحدة) والخلاف هنا ينطبق على ما ذكرته من مشارب ومذاهب وتوجهات أما الوحدة فتعني (الإنسانية) .. كما أن ذلك لا يمكن إلاِّ وأن يعني توسيع ثقافة إحترام الغيرية (Otherness) على أن يحدث ذلك بين كل الأطراف وبشكلٍ متكافئ في وقتٍ واحدٍ – وإحترام الغيرية يتناقض بداهةً مع أي محاولة لتنميط العالم . وجديرٌ بالتنويه هنا أن تنميط العالم ليس توجهاً عاماً للحضارة الغربية إذ لا تشارك فيه أوروبا الغربية وإنما هو توجه أمريكي في المقام الأول وليس له من مرجعٍ إلاِّ الفقر الأمريكي المذهل ثقافياً …. يتبع
© منبر الحرية، 3 أبريل 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

“تعرض علينا شاشات التلفزة كل يوم صورا عن الدمار في الجانب الفلسطيني. وأنا أتساءل : أين هي الصور التي تظهر عمق المصيبة والرعب في الجانب الإسرائيلي”.
بهذه الكلمات تحدثت رئيسة مجلس اليهود المركزي في ألمانيا شارلوته كنوبلوخ إلى نحو 1500 يهودي اجتمعوا في التاسع من يناير 2009 في ميونخ لدعم إسرائيل في حرب غزة. وهذه الكلمات هي انتقاد واضح لوسائل الإعلام التي غطت القتال لأكثر من ثلاثة أسابيع.
نشاط الأعلام في مناطق الأزمة بشكل عام  مشروط دائما بقدرته على جمع المعلومات وقدرته على النفوذ الى مناطق القتال، وهو ما كان صعبا في حرب غزة الأخيرة.
وأغلب ما كتب في الصحف وما  نقلته شبكات التلفزة والإذاعات ومواقع الإنترنت كان انطباعات ساقها كتاب وصحفيون ألمان بناء على ما وجدوه في متناولهم من معلومات.
فتحت عنوان “إسرائيل تسرق الغاز الفلسطيني” كتب راينر روب بصحيفة “يونغا فيلت” الألمانية اليسارية يقول”إن إسرائيل شنت حملتها العسكرية الدموية الأخيرة على غزة بدافع رئيسي هو وضع يدها والسيطرة الكلية على احتياطيات الغاز الهائلة الموجودة أمام ساحل غزة”، وقد نشرت ترجمة المقال في موقع الجزيرة نت.  ويدرك المرء منذ الوهلة الأولى أن هذه هي مقالة رأي، و هذا الرأي يصدر غالبا بناء على أحكام جاهزة وهي أحكام مبنية على آراء شخصية ومتأثرة إلى حد كبير بنظرية المؤامرة التي تجد لها رواجا في العالم الثالث.
من جانب آخر، علّق مراسل صحيفة “يديعوت احرنوت” في برلين “ايلداد بيك” على ما قالته السيدة شارلوته كنوبلوخ بالقول :
“إن الإعلام الألماني تباين في تناوله لموضوع الحرب في غزة، وما قالته السيدة كنوبلوخ صحيح، وقد لحظنا هذا الأمر في مراحل أخرى من النزاع في الشرق الأوسط، وأعني بذلك الحرب في لبنان وما يسمى بالانتفاضة الثانية، والسبب هو حقيقة أن الأعلام الألماني في الغالب لم يكن يصل إلى مواقع الحدث في غزة، من هنا كان عليهم أن يتوخوا مزيدا من الحذر في الاعتماد على مصادر خبرية فلسطينية، وقد رأينا في مناسبات أخرى من التغطية الصحفية لأحداث الشرق الأوسط  أن الفلسطينيين لم يكونوا مصدرا موثوقا في نقل الحقائق والأرقام، بل أنهم كانوا يوظفون الأعلام لأغراضهم، لذا اكرر القول انه كان على الأعلام الألماني وغيره أن يتوخى الحذر في اعتماد المصادر الفلسطينية. وأعتقد أن المرء يمكن أن يلحظ بوضوح الفرق في التغطية الصحفية في الصحافة الألمانية المكتوبة، فالصحف الليبرالية والمحافظة حافظت على تغطية معتمدة محايدة للحدث، فيما تمادت الصحف الأخرى كصحيفتي ” زود دويتشه” و” برلينر تسايتونغ” وبعض الصحف التي أضعها في صف اليسار والتي تتبنى بشكل دائم خطا مناوئا لإسرائيل، و ذهبت بعيدا في تغطيتها للأحداث الأخيرة في غزة”
واستأنفت السيدة كنوبلوخ في خطابها بميونخ الهجوم على الأعلام الألماني بالقول:
” وما لايعرفه احد في هذا البلد (ألمانيا) أن هناك قتلى في الجانب الإسرائيلي أيضا، والضحايا هم من الجنود ومن المدنيين على حد سواء، وإذا كان عدد الضحايا في إسرائيل محدودا لحد الآن فذلك لأن الدولة اليهودية قد نجحت في وظيفتها التي قامت لأجلها وهي حماية مواطنيها”
وهذا يعني عمليا أن الأعلام الألماني قد فشل في إبراز صورة الحرب في الجانب الإسرائيلي، وهو ما يعتبر خللا مهنيا لا يمكن السكوت عنه في العمل الصحفي. فهل يتفق هذا الرأي مع الرأي العام في إسرائيل؟
أجاب عن هذا السؤال البروفسور ( موشي تسمرمان) أستاذ التأريخ المعاصر في الجامعة العبرية بالقدس: ” الصحف في العادة غير محايدة، فهي تأخذ موقفا مسبقا، أو منحازا من الأحداث، وفي هذا المثال( أي حرب غزة ) لم تكن الصحافة الألمانية استثناء، فمن وجهة نظر الرأي العام الإسرائيلي، فأن الأعلام الألماني كان أكثر حيادا من الصحافة الأسبانية وغيرها. ويمكن للمرء عموما القول بأن نقل أخبار حرب كهذه جاء في الغالب منحازا إلى الطرف الأضعف في المعركة، والطرف الأضعف في هذه الحالة هو الفلسطينيون الذي يسكنون في غزة، من هنا برز الانطباع السائد عن التغطية الإعلامية بشكل عام وليس الأعلام الألماني حصرا، فالجميع يرى أن التغطية غير عادلة، منحازة إلى سكان غزة ومضادة لدولة إسرائيل”.
الأعلام الألماني، مثله مثل الأعلام في سائر العالم الحر، لا يتبنى خطابا موحدا في تناوله لأي موضوع، والدولة الألمانية لا تملي على وسائل الأعلام لغتها كما تفعل الدول الشمولية التي تفرض لغة الأعلام الواحد على الصحف والقنوات الأخرى. من هنا فأن موقف الأعلام تباين تبعا لتوجهات الكتاب والصحف، فالكتّاب ذوي النزعة اليسارية تبنوا وجهة نظر مدافعة عن سكان غزة معتبرين الحرب القائمة بين إسرائيل وبين حركة حماس التي تحكم غزة حربا على غزة وأهلها،من هنا تقرأ في عناوينهم عبارة ( الحرب على غزة). مراسل صحيفة “يديعوت احرنوت” في برلين “ايلداد بيك” يعرض وجهة نظر تحليلية عن هؤلاء:
” في أوروبا نعاني مشكلة جيل 68،وهو جيل حاضر في الصحافة والجامعات والسياسة وغيرها، وهم أناس يسعون إلى فرض رؤياهم وتصوراتهم عن الأشياء على من حولهم بطريقة غير ديمقراطية، واعتقد أن هذا يلاحظ أيضا بوضوح في الأعلام الأوروبي عموما، لكن هذه المشكلة تظهر بشكل أكثر حدة في اسبانيا، انكلترا، وأيرلندا إلى حد ما، علاوة على دول اسكندنافيا، ويمكنك أن تحس بتأثيرها واضحا في ألمانيا أيضا ولكنه ليس بقوة تأثيره في الدول التي أشرت إليها”
في المقابل، تبنّى كتاب اليمين والمحافظون موقفا آخرا، معتبرين أن الحرب في غزة هي قتال بين الجيش الإسرائيلي وميلشيا حماس التي ألغت اتفاقية الهدنة وبدأت تضرب مدن وسكان إسرائيل بالصواريخ والقنابل..وهكذا فقد اعتبروا ما يجري صراعا بين قوتين وليس هجوما أحادي الجانب كما يميل كتاب اليسار إلى تصويره، وفي وسط الصراع حوصر السكان الأبرياء. لذا فقد حرص هؤلاء الصحفيون والكتّاب على استخدام مصطلح ( الحرب في غزة) لوصف القتال.
© منبر الحرية، 19 مارس 2009

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018