معوقات التقدّم العربي

إدريس لكريني18 نوفمبر، 20100

أمام الوضعية المأزومة والحرجة التي وصل إليها ملف قضية الصحراء، نتيجة استحالة تطبيق خيار الاستفتاء، وازدياد المخاوف من انهيار اتفاقيات وقف إطلاق النار المبرمة بين الجانبين (المغرب والبوليساريو) وإمكانية اندلاع مواجهة عسكرية بين الطرفين من جديد، وذلك بعد استقالة مبعوث الأمين العام الأممي المكلف بملف القضية السيد “جيمس بيكر”، كان من اللازم والضروري البحث عن سبل جديدة تمكن من إيجاد حل يحظى بموافقة الطرفين.
فالأمم المتحدة لم تخف رغبتها في الإسراع لإيجاد حل لهذه المعضلة التي كلفتها كثيرا من الوقت والإمكانات، كما أن بعض القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة وبعض دول أوربا، ومن باب اهتمامها بالموقع الاستراتيجي للمنطقة وتنوع مكوناته الاقتصادية، أصبحت مقتنعة تمام الاقتناع، بأن مكافحة ما تسميه “إرهابا”، يتطلب احتواء مناطق التوتر ومواجهة الانفلاتات الأمنية وبخاصة بعد ظهور “قاعدة المغرب الإسلامي” وتمركزها في المنطقة.
وبخاصة وأن هذه الأخيرة توجد على مقربة من أوربا وقبالة القارة الأمريكية وبمحاذاة منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، المعروفة بتوتراتها ومشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية..
في ظل هذه الأجواء التي طبعها الجمود، قام المغرب بطرح مبادرة الحكم الذاتي، كاقتراح يستلهم عمقه من تجارب ومقاييس دولية عديدة متعارف عليها في هذا الشأن.
والحكم الذاتي هو نظام يستمد مقوماته من القانون الدستوري للدول، اعتمدته العديد من الدول كسبيل لتحقيق التنمية ولتدبير بعض الاختلافات العرقية أو الثقافية.. داخل بعض الأقاليم، عبر منحها استقلالا لممارسة مجموعة من الصلاحيات في إطار لامركزية سياسية، تحت إشراف السلطة المركزية، الأمر الذي يجعل منه حلا توفيقيا يوازن بين مطالب الاستقلال من جهة ومطالب فرض السيادة الكاملة من جهة أخرى.
إن الممارسة الدولية تحفل بتجارب نموذجية رائدة في هذا الشأن، سواء داخل الدول البسيطة كفرنسا وإسبانيا.. أو المركبة كبريطانيا وألمانيا.. والتي أثبتت نجاعتها على مستوى تدبير العديد من الصراعات الإقليمية أو العرقية المزمنة وتحقيق التنمية.
وإذا كان المغرب كدولة بسيطة قد اختار اللامركزية في بعدها الإداري منذ عدة سنوات، فإنه من خلال هذا المقترح يحاول توسيع وتطوير هذه اللامركزية الإدارية إلى لامركزية سياسية في هذه المنطقة.
وتشير المبادرة ضمن مقتضياتها إلى أن المغرب “يكفل من خلالها لكافة الصحراويين مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيدا عن أي تمييز أو إقصاء”، كما أن الفقرة 27 منها تنصّ على أنه: “يكون نظام الحكم الذاتي للجهة موضوع تفاوض، ويطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديمقراطية..”.
وجاء أيضا في المادة 28 من المشروع أنه سيتم “مراجعة الدستور المغربي وإدراج نظام الحكم الذاتي فيه، ضمانا لاستقرار هذا النظام وإحلاله المكانة الخاصة اللائقة به داخل المنظومة القانونية للمملكة”.
ويبدو أن نظام الحكم الذاتي المقترح في حالة الموافقة عليه، سيطبق في المنطقة بشكل خاص، حيث سيستثني باقي المجال الترابي الذي سيظل خاضعا للقواعد الإدارية القائمة (الجهوية، اللامركزية، اللاتركيز).
ويلاحظ أن المشروع لم يتحدث بتفصيل عن محددات الحكم الذّاتي، بقدر ما حدّد توجّهاته العامة، وهو وإن كان يحرص على سيادة المغرب في الأقاليم الصحراوية، من خلال احتفاظ الدولة بمجموعة من الصلاحيات السيادية المرتبطة بالعلم والنشيد الوطني والعملة والاختصاصات الدستورية والدينية للملك والدفاع والعلاقات الخارجية..، فهو ينصّ على مجموعة من الصلاحيات الحيوية والهامة التي ستخول للسكان، مع تخصيص مجموعة من الموارد المالية، بما سيضمن للساكنة هامشا مهمّا لتدبير شؤونهم المحلية، عبر مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية خاصة..
كما أنه تضمن عددا من الركائز والمقتضيات التي تحرص على صيانة حقوق وحريات الساكنة، وتضمن ممارستها. ويلاحظ أيضا أن المشروع أشار بشكل مكثف ضمن فقراته إلى التفاوض، فهو يتأسس في جزء كبير منه على الحوار، حتى أنه لم يشر بتفصيل مدقق إلى الاختصاصات التي ستخول للسكان في هذا السياق، ويبدو أن واضعي المشروع كانوا على وعي بهذا الأمر، وذلك لإتاحة الفرصة في هذا الصدد لما قد يتم بلورته من معطيات ومقترحات تفصيلية ستثريه وتعززه، من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين.
ومن ناحية أخرى، حاول المقترح المغربي استحضار الخصوصيات الاجتماعية والثقافية للمنطقة في كثير من بنوده (الفقرات 12 و19 و22 و25 و26 من المشروع).
كما نص على إمكانية عرض الصيغة النهائية المتفاوض بشأنها منه على استفتاء حرّ أمام السكان، كشكل من أشكال تقرير المصير الذي يستمدّ أساسه من الميثاق الأممي (الفقرة الثانية من الفصل الأول) وقرار الجمعية رقم 1415.
ويبدو هذا الطرح موضوعيا وواقعيا إذا ما استحضرنا أن العديد من المبادئ التي أقرّها القانون الدولي من قبيل عدم التدخل في الشؤون الداخلية والمساواة في السيادة.. تطورت ولم تعد بالقداسة والصرامة التي كانت عليها سابقا، نتيجة لمجموعة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أفرزها تطور العلاقات الدولية في العقدين الأخيرين. فهي (التحولات) تتيح التعامل مع مبدأ تقرير المصير بنوع من المرونة والواقعية، لأن الحكم الذاتي يمكن أن يشكل امتدادا لتقرير المصير، إذا ما مورس الحكم الذاتي في إطار ديمقراطي وضمن اختصاصات حيوية وهامة..
ولعل هذا ما دفع المبعوث الأممي السابق إلى الصحراء “فان فالسوم” الذي تابع تطورات الملف ووقف على خلفياته لأكثر من ثلاث سنوات، إلى التعبير صراحة في تقريره المقدم إلى مجلس الأمن عن عدم واقعية إنشاء كيان مستقل في الصحراء.
إن الانفصال هو أحد المظاهر المتعددة لحق تقرير المصير، لأن هناك سبلا أخرى تجد أساسها في القانون الدولي بإمكانها تحقيق أهداف وغايات هذا المبدأ، والحكم الذاتي يعد من أهم هذه المظاهر الناجعة، وتبدو موضوعية هذا الطرح في ضوء الحقائق والوقائع التي تجسدت في المنطقة على امتداد أكثر من ثلاثين سنة.
لقد لقي المشروع استحسانا كبيرا من قبل مجموعة من دول العالم، بما فيها بعض القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا.. وهو استحسان يترجم الشعور بواقعية وموضوعية هذه المبادرة، وبخاصة وأن المجتمع الدولي أصبح أكثر وعيا واقتناعا بأهمية وضرورة حسم هذا المشكل الذي أضحى من بين أقدم النزاعات التي خلفتها مرحلة الحرب الباردة، وكلّف شعوب المنطقة والمنتظم الدولي الكثير..، كما أن مجلس الأمن أشاد بدوره بهذه المبادرة واعترف بجديتها، بل إن المجلس في قراراته التي أعقبت طرح المبادرة(القرار 1754 بتاريخ 30 أبريل 2007 والقرار 1783 بتاريخ 31 أكتوبر 2007، والقرار 1813 بتاريخ 30 أبريل 2008، والقرار 1920 بتاريخ 30 أبريل 2010)، وإن أشار إلى التزامه بمساعدة الطرفين على التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم “يكفل لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره”، فقد ظلّ يؤكد على أهمية التفاوض بين الطرفين وعلى ضرورة بلورة حل مقبول لدى الطرفين.
إن استمرار التوتر في هذه المنطقة الحيوية لن يكون في صالح أي طرف، فخيار التسوية السلمية والبحث عن حل واقعي مقبول لدى الطرفين يفتح آفاق واسعة من التنسيق والتعاون، تفرضه التحديات الدولية الراهنة التي تؤكد يوما بعد يوم أن مناطق التوتر والصراع، تفرز تداعيات اجتماعية وسياسية واقتصادية.. خطيرة تتجاوز الحدود.
ومعلوم أن المشكل فوت فرصا عديدة على المنطقة المغاربية برمتها، فهو أثر بشكل سلبي ملحوظ في مسيرة المغرب العربي في زمن أصبح فيه التكتل أمرا ملحا، وأسهم في تنامي المشاكل بين المغرب والجزائر..، كما كانت كلفته الاقتصادية على دول المنطقة ضخمة جدّا.
© منبر الحرية،27 تموز/يوليو  2010

peshwazarabic18 نوفمبر، 20100

لنبدأ من عبارة لكم عشيّة أحداث 11 أيلول الإرهابيّة في أمريكا مازلت أتذكّرها، كتبتم حينها في جريدة (الحياة) تقولون بأنّ تبرّؤ الرأي العام العربيّ من الإرهاب موقفٌ طفوليّ… وفي موضع آخر كتبتم: أسامة بن لادن، قبل أن يكون صنيعة المخابرات المركزية الأمريكية، رجلٌ منّا وقد صنعته نظمنا الاجتماعيّة…أين هي مسؤوليّة الشعوب العربيّة والإسلاميّة من المدّ الأصوليّ التكفيريّ و التدميريّ في المنطقة؟
ج1-ينبغي تصحيح العبارة هنا. عندما نقول مسؤوليتنا، فنحن لا نقصد الشعوب بالمطلق لأنّ هذا لا معنىً له، إنّما نقصد مسؤولية المؤسسات التي أقَمنا عليها اجتماعَنا، كما نقصد الاختيارات الكبرى التي اعتمَدتْها النّخب الاجتماعيّة المسيّرة للمجتمع والموجِّهة له على المستويات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة والدينيّة معاً. فهذه المؤسّسات والاختيارات التي تمثّلها والتوجّهات التي تفرض عليها من قبل النّخب هي التي تحدّد إطار عمل الشعوب والأفراد، وغاياتهم وأساليب عملهم واختياراتهم المُحتَملة ووسائل تحقيقهم لغاياتهم. وإذا فسدت المؤسسات أو فسدت الاستراتيجيّات التي تسيّرها، فسد المجتمع نفسه، فسارَ نحو الصراع أو العنف والاستثمار في القيم السلبيّة، أو نحو الفوضى والاقتتال. فالشعوبُ محكومةٌ بمؤسّساتها والمشاريع الجمعيّة التي تندرج فيها والقيم التي تحرّكها، وليس بموروثها البيولوجيّ أو الثقافيّ. ولا ينبغي أن نتردّد في تأكيد فساد مؤسساتنا، وأكاد أقول جميعاً، الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة والدينيّة معاً. وهذا الفساد هو المسئول في الوقت نفسه عن تحويل البلدان إلى مزارع إقطاعيّة يعبث بها أمراءٌ من دون ثقافة ولا ضمير، حسب أمزجتهم الشخصيّة، خارج أيِّ مفهوم للسياسة والقانون والدين والأخلاق والإنسانيّة.  بقدر ما هي مسؤولة، أعني المؤسّسات الفاسدة، عن تفجير ينابيع الحقد والانتقام وإرادة تدمير المجتمع والانقلاب عليه لدى فئات لم تعد تحتمل النظام، ولكنها لا تعرف وسائل ولا طرقاً أخرى لمواجهته غير ما يستخدمه هو ضدّها. حركات التمرّد والانتقام والعصيان وحمل السلاح هي الابن الشرعيّ لنُظُم العسف والفساد و الإهانة والطغيان. ومصيرهما معلّقٌ واحده بالآخر.
2- هناك مفارقة كبيرة تبدو لي عند الحديث عن الديمقراطية في سوريا، فللوهلة الأولى يبدو وكأن هاجس الانتقال/التغيير الديمقراطيّ في سوريا هو”مالئ الدنيا وشاغل الناس” في حين أن أغلبية الشعب السوريّ لا تكترث لهذه القضيّة التي تبدو مركزيّة في خطاب المعارضة السوريّة(الذين ليسوا سوى مجموعات صغيرة  نجت بأعجوبة من مذبحة السياسة حسب تعبيركم في “الاختيار الديمقراطي”)، ناهيك عن تخوّف قطاعات واسعة  في سوريا،  مواطنين عاديين وناشطين في حقل الشأن العام، من أنّ البديل القادم للنظام القائم حالياً سيكون إمّا الفوضى(الحرب؟؟!!!) الأهليّة أو إسلام سياسيّ متشّدد(استبداد دينيّ إسلاميّ مذهبي الطابع)  أو مندوبي حكومات غربيّة(عملاء)….. ما بين اللامبالاة الشعبيّة و”الحياديّة السلبيّة” لآخرين وعداء الكثيرين للديمقراطيّة من جهة وحماس النشطاء السياسّيين والمثقّفين الوطنيّين لشعار الديمقراطيّة من جهة أخرى..، هل هو “الخوف والهروب من الحرية”  بتعبير إريك فروم، السّاكن في البنية الثقافيّة والسيكولوجيّة لإنساننا المُستعبَد هو الذي يقف خلف هكذا مواقف؟! وكيف يمكن تعزيز ثقة الناس بقبول عقدٍ اجتماعيّ سياسيّ جديد يؤسّس لسورية المستقبل بدلاً من نظام الاستبداد والفساد والتفكّك الاجتماعيّ والانهيار الاقتصاديّ؟
ج2- سكوت الناس وشلل إرادتهم لا يرجعان لخوفهم من الحريّة، كما يخاف الأسير الذي اعتاد الأسر من الخروج من قفصه. ربّما كان الأمر أعمق من ذلك. فالشعوب العربيّة والإسلاميّة لم تعرف الحرّيّة، ولا اختبرت ممارستها، بالمعنى السياسيّ والمدنيّ الحديث الذي نستخدمها به اليوم، أي من حيث هي حقوقٌ وممارسات فرديّة ومشاركة في تقرير الشؤون العموميّة. فهذا المعنى هو ثمرة الحداثة السياسيّة التي جعلت الشعب مصدر السلطة وأسّست لشرعيّة شعبيّة للسياسة، أي انتخابيّة ديمقراطيّة، بعد أن كانت شرعيّة ملكيّة تبقيها حكراً على الحاكم الملك أو السلطان. وباستثناء فترات قصيرة ومتقطّعة لم تعرف مجتمعاتنا حياة سياسيّة ديمقراطيّة فعليّة ولا سَنَحَت لها الفرصة لتمثّل قيم الحرّيّة بمعانيها المدنيّة والسياسيّة. بقينا ننظر إلى الحرّيّة من منظار الشريعة والعرف أيْ بوصفها صفة الشخص غير المملوك من غيره، أي عكس العبد والرقيق. ولذلك لا يبعث الحُكم الديكتاتوريّ مهما استمرّ وبالغ في تعسّفه على الشعور بانعدام الحرّيّة، فنحن نبقى من الناحية الشرعيّة أحراراً، ولا يثور الرأي العام ضده إلاّ عندما يرتبط بالظلم، فلهذا الأخير مدلولاً واضحاً وسلبيّاً في الثقافة والوعيّ الإسلاميّين. بل إن الديكتاتوريّة لا ترى كديكتاتوريّة، ولا تعبر هذه اللفظة عن شيء مهم في الوعي السّائد العام. إن المدلول الديكتاتوريّ يجد تجسيده في مصطلحات التعسّف والطغيان والفساد. فإذا لم تترافق السلطة المطلقة بالفساد لا نسميها ديكتاتوريّة، ونتسامح كثيراً مع تغييبها الحرّيّات، بل ربما نظرنا إليها كسلطة ايجابيّة إذا ارتبطت بالتطبيق الدّقيق للشريعة أو القانون واحترمت قاعدة الإنصاف في تعاملها مع الأفراد فلم تميّز بينهم. وهذا هو مضمون النظريّة الشّهيرة للمستبدّ العادل  الذي كان يطالب به المصلحون الكبار في العصور الإسلاميّة، بما في ذلك في عهد الإصلاح الدينيّ الأخير في أواخر القرن التاسع عشر. وأعتقد أن أغلبية النخب العربيّة والإسلاميّة لا تزال تعتقد حتى اليوم، بسبب عدم ثقتها بالشعب وجهلها العميق بمعنى الحرّيّات المدنيّة والسياسيّة هي نفسها، بأن حكم المستبدّ المستنير خيرٌ من حكم الديمقراطية الذي ربّما أتى بحكومات تقليديّة معادية للحداثة والتجديد.
والواقع أننا لم نعرف في مجتمعاتنا معنى السياسة الحديثة من حيث هي مشاركة لجميع أعضاء المجتمع في تقرير الشؤون العموميّة. لقد كُنا معتادين، مثلنا مثل شعوب العالم جميعاً في القرون الوسطى، على تسليم أمرنا لأسيادنا، ملوكاً أو أمراء أو أعيان، في الشؤون العموميّة، شؤون الحرب والسلام والحكم والقضاء، وربّما حتى الآن، بينما نعتمد في تنظيم شؤون حياتنا الخاصّة في كل ما عدا ذلك على تقاليدنا الدينيّة أو العرفيّة أو الاثنين معاً.
من الطبيعي في هذه الحال أنْ لا يحرّك شعارُ الحرّيّاتُ الفرديّة، الذي يعني المشاركة في تقرير الشؤون العموميّة، الأغلبيةَ الشعبيّة التي لم تؤمن يوماً أنّ من حقّها التدخّل في ما هو من اختصاص الأعيان. بل ربما كان مثل هذا الشعار سبباً في تنفيرها من السياسة لأنّه يبدو وكأنه شرك تستخدمه النخب السياسيّة المثقّفة والحديثة لدفعها إلى الوقوف في مواجهة السلطة وتعريضها لانتقام هذه الأخيرة العنيف. وحتّى أولئك الذين استبطنوا معنى الحرّيّة الفرديّة، وهم أقلية، لا يتجرّؤون على المطالبة بها لأنهم يدركون أنه لا أملَ في تحقيقها في النظم السياسيّة العربيّة الرّاهنة، وأنّ المجاهرة بها يمكن أنْ تعرّضهم لانتقام الحكّام تماماً كما كان الأقنان يتعرّضون للموت إذا اعترضوا على سياسات أسيادهم الإقطاعيّين أو ارتفعوا بتفكيرهم إلى مستوى مناقشة أحكامهم السياديّة.
لكنّ القول أنّ قلّة من النخب السياسيّة والثقافيّة الحديثة هي التي تملك الحسّ العميق بمعنى الحرّيّات الفرديّة، بقدر ما تطمح إلى المشاركة السياسيّة، والمعاملة على قاعدة المساواة ورفض العبوديّة، لا يعني أنّ قضية الحريّة لا تعنى إلاّ النخب المثقّفة الاجتماعيّة والسياسيّة، ولا تفيد غيرها. إنّ إقامة نظام مدنيّ قائم على احترام الأفراد ومشاركتهم جميعاً في الحياة السياسيّة، وتطوير وعيهم المدنيّ وتعميق شعورهم بالمسؤوليّة عن مجتمعهم وما يحصل فيه، عن حالته وتقدّمه ومستقبله ومصيره، لا يشكّل اليوم النظام الوحيد القادر على بناء جماعة سياسيّة حيّة وفاعلة ومبدعة فحسب، قادرة على التفاعل والتعاون والتواصل مع المجتمعات المحيطة بها والدفاع عن نفسها ومصالحها. إنّه يشكّل أكثر من ذلك شرط ولادة مفهوم المصلحة العموميّة، أي نشوء رؤية وطنيّة تساعد الفرد على النّظر أبعد من مصالحه الشخصيّة المباشرة ليأخذ بالاعتبار مصالح الآخرين أولاً، وليضع مصلحته الفرديّة ضمن قاعدة القانون الذي يشكّل مصلحة عموميّة، لأنّه لا بقاءَ للمجتمع من دونه، ثانياً. نظام الحرّيّة هو وحده الذي يمنع من استفحال الأنانيّة البغيضة وما يرتبط بها وتحميه من قيم الوصوليّة والانتهازيّة والمحسوبيّة، أي يخلق داخل كل فرد وعياً بأنه جزءٌ من كلٍّ، وأنّ الحفاظ على توازن الكلّ الاجتماعيّ وانسجامه هو شرطٌ لاستمراره في تحقيق مصالحه الخصوصيّة. وليس هناك أكثر دلالة على ذلك مما نشهده من ارتباط واضح داخل النظم الاستبداديّة بين إلغاء الحرّيّة وانعدام المسؤولية وسيطرة المصالح الأنانيّة التي تتسبّب في تدمير المؤسسات وتعميم الفساد والظلم والاقتتال معاً.
أما تأسيس عقد جديد ينقل المجتمع من الديكتاتوريّة والفساد نحو حياة ديمقراطية حقّة فهو مرتبط بمجموع العملية التحويليّة التي نسمّيها معركة الديمقراطيّة. وهي في نظري معركة تاريخيّة تستدعي الاستثمار الفكريّ والسياسيّ والاجتماعيّ والأخلاقيّ والاقتصاديّ الطويل، الذي يتطلّب جهداً متواصلاً وإراديّاً كبيراً من قبل النخب الاجتماعيّة وفي طليعتها المثقّفون، تتناقض كلّياً مع الانقلابات العسكريّة التي عرفناها في السابق، ولا تقتصر على انتظار انهيار النظام الاستبداديّ أو الانقلاب عليه. إنّها ترتبط بإعادة بناء الوعي ومنظومة القيم وترميم قنوات التواصل والتفاعل والتضامن بين أفراد المجتمع، وقبل ذلك، بين أفراد النخبة الاجتماعيّة. ومن دون ذلك لن يجلب الانقلاب على الوضع الاستبداديّ إلاّ وضعاً استبدادياً آخر شبيهاً به أو قريباً في صورته منه. فالديكتاتورية ليست انعكاساً لإرادة شخصيّة من قبل القائمين عليها، حتى لو ظهرت وكأنّها كذلك، ولكنها قائمة على شروطٍ موضوعيّة وذاتيّة ومرتبطة ببيئة فكريّة وثقافيّة وسياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة أيضاً. فشبكات المصالح الأنانيّة وما تتميّز به من بُنيات خاصة، هي التي تخلق المستبدّ الحاكم بأمره، وليس العكس. لذلك إنّ الخروج من الديكتاتورية لا يتحقّق إلاّ بتغيير يشمل جميع الأفراد ومستويات الحياة الاجتماعيّة، فهو مسؤولية الجميع، وفي مقدمتهم النخب الاجتماعيّة. والطريق  إليه هو تربية الناس وكلّ فرد على مبادئ المسؤوليّة، أي إدراك ترابط مصالح الفرد الخاصّة بمصالح الأفراد الآخرين، واستعداده للمشاركة في حمل المسؤوليّة. بل إنّ الديمقراطية ليست شيئاً آخر سوى مشاركة الجميع في تحمّل مسؤولية تقرير مستقبلهم المشترك. إذا وصلنا إلى هذا الموقف ونمّينا هذا الاستعداد عند الأفراد أصبحنا واقعاً، أو من حيث الواقع، مجتمعاتٍ ديمقراطيّة. فقاعدة الاستبداد الكبرى ومورده هو الاستقالة السياسيّة، أي التخلّي عن المسؤوليّة وتحييد الفرد لنفسه عن التفكير والعمل في الشؤون العموميّة.
3- ثمّة التباسات عديدة حول مفهومَيْ الديمقراطيّة والليبراليّة نظريّاً وإجرائيّاً وقد توسّعتم في هذا الموضوع….في حين أن نقاشاً مشابهاً دار حول العلاقة بين الديمقراطيّة والعلمانيّة في سوريا… هل صحيحٌ أنّ العلمانيّة يجب أن ُتطرح الآن بالترافق تماماً مع الديمقراطيّة، أم أنّ العلمانيّة كمطلب سياسيّ واقعيّ عند البعض وشعار برّاق بلا روح ومضمون ثقافيّ ديمقراطيّ عند آخرين، يجب أن يؤجّل لمصلحة أولوية إقامة نظام ديمقراطيّ أولاً…؟
ج3-لا ديمقراطية من دون “علمانية”، أي من دون قبول الأفراد بمبدأ الاحتكام للرأي في تقرير كل ما يتعلق بالشؤون العموميّة، بما في ذلك في القوانين والتّشريعات التي تحكم النّظام الاجتماعيّ. إذا فَرض فريقٌ على المجتمع مبدأ آخر غير الرأي في معالجة الشؤون العموميّة، لم تعد هناك ديمقراطية وإنّما نظامٌ مرهون بالنصوص المقدّسة التي يحتاج تفسيرها إلى تفاهم واتفاق مسبق بين جميع أصحاب العقيدة الدينيّة الواحدة، وهو أمرٌ مستحيل لأنّ الاختلاف في التأويل هو جوهر الحياة الفكريّة، وهو واقع الحال اليوم في كلِّ مجتمعات العالم وجماعاته الدينيّة. ولا أعني هنا بالنصوص المقدّسة الإلهيّة منها ولكن المنزّلة من قبل الحكّام الذين يؤلّهون أنفسهم أيضاً، حتى لو وسموها باسم العلمانيّة، كما حصل مع النظم الشيوعيّة. فقد كانت قوانينها توصف بالعلميّة، أي التي لا تخطئ، والتي لا يمكن أن يكون موقفنا إزاءها وإزاء منتجيها من العباقرة الأفذاذ، إلاّ موقف التسليم والاقتداء. ونستطيع أن نقول الشيء نفسه تجاه بعض الترسيمات القوميّة التي يعتبرها أصحابها ثوابت لا تناقش ولا يمكن للمواطنين، قلّة كانوا أم كثرة، التشكيك في صلاحيتها أو حتى طرحها على النقاش.
لكن تأكيد هذا المبدأ أو التوقف عنده لا يحلّ المشكلة أبداً. ذلك أنّ الاستخدام السياسويّ، والتعبئة التي حصلت في الصراعات الطويلة السابقة بين الأحزاب والفرق السياسيّة المتنازعة، قد غيّرا معنى العلمانية، بالمفهوم الذي ذكرته للتوّ، أي إنزال كل ما يتعلّق بتنظيم المجتمع من قواعد ومؤسسات ومبادئ وقيم، إلى مستوى الرأي والقبول بتعريضه لنار العقل الكاوية. فأصبح البعض ممّن يدافع عنها يطابق بينها وبين نزع الدين السماويّ من المجتمع أو السياسة بمعنى النشاط الاجتماعيّ اليوميّ، وأخذ البعض الآخر ينظر إليها في مواجهة الفريق الأول على أنها مرادفة للكفر والتخلّي عن الدين وأي إيمان واعتقاد، أو على الأقل تحييد الدين من حيث هو التزام عقائديّ وأخلاقيّ، عن الحياة العامة، وبالتالي الانحطاط بالإنسان الآدميّ في نظر هؤلاء إلى مستوى البهيميّة. هكذا صارت العلمانيّة سلاح أولئك الذين يريدون وضع حدٍّ لنفوذ الدين السماويّ وما يرتبط به من تقاليد محافظة في المجتمع، وصار التشهير بها وتشويه معناها وربطها بالدعوة إلى انعدام الدين والأخلاق ومساواة الإنسان والحيوان سلاح أولئك الذين يريدون تطبيق الشريعة الدينيّة وإقامة السلطة العادلة والأخلاقيّة. وشيئاً فشيئاً تحوّلت إلى مصدر إضافي للنزاع والصدام وسوء الفهم والقطيعة داخل قطاعات الرأيّ العام بدل أن تكون إطاراً لتجاوز اختلافاتهم العقائديّة، لا إلغائها، في سبيل توحيد كلمتهم وإرادتهم السياسيّة. وعمل تشويه معنى العلمانيّة وإفساد مضمونها ودلالاتها عبر هذه المعركة السياسيّة والاستخدامات الأداتيّة على إساءة سمعتها، وقاد إلى تحييدها من النقاش السياسيّ، أو استبعادها الإراديّ من قبل قسم كبير من أصحاب الرأي الديمقراطيّ والقوميّ، لتجنّب النزاعات العقائديّة الثانويّة، والاحتفاظ بأمل توسيع قاعدة التفاهم بين الأطراف والتيارات الاجتماعيّة على اختلاف فلسفاتها، خاصة بعد فساد المصطلح واختلاط مدلولاته. وهو ما كانت الحركة الوطنيّة قد فعلته منذ بداية القرن التاسع عشر عندما رفعت شعار “الدين لله والوطن للجميع”، من دون أن تغامر بفتح النقاش النظريّ الضروريّ لتأصيل المصطلح وتأسيسه في الفكر والثقافة العربيّة الحديثين. فبقي لذلك عائماً ومائعاً من دون معنى واضح ولا مدلول دقيق، وبالتالي موضع نزاع مستمرّ.
ليس هناك حلٌّ لهذا الاختلاط الهائل الذي ارتبط بمفهوم العلمانيّة وصبغ طريقة تعامل الأطراف السياسيّة المختلفة معه، وتحميله معاني متباينة ومتناقضة تكاد تقضي عليه، إلاّ بالعودة إلى الموضوع والقبول بفتح النقاش المعلّق أو المؤجّل منذ عقود حول العلمانيّة وإعادة تعريفها وتحديدها، في إطار بناء ثقافتنا السياسيّة الديمقراطيّة الجديدة المنشودة. فإذا حرّرنا معنى العلمانيّة من استهداف الدين السماويّ خصوصاً، كما أوْحَت به أو نشرته بعض العقائديات الماركسيّة واليساريّة والتحديثيّة عموماً، واستبعدنا التأويلات اللاإنسانيّة واللاأخلاقيّة  التي درجت عليها ولا تزال بعض التيارات السلفيّة الإسلاميّة، لن يبق منها سوى ما ذكرناه. أعني لن يكون للعلمانيّة معنىً آخر مختلف عن معنى المدنيّة، بما تعنيه المدنيّة من أسبقيّة الاعتماد على الرأي، أي من إخضاع جميع القرارات والأحكام المتعلّقة بالشؤون العامة للنقاش الحرّ والعقلانيّ بين ممثلي الشعب. والتأكيد على استخدام الرأي وإعمال الفكر في كل ما يتعلق بالشؤون العموميّة، أي السياسيّة، والمجتمع الحديث هو مجتمعٌ سياسيّ أساساً، لا يمكن أن تنفي الدين ولا حقّ المتدينين في استلهام القيم الدينيّة عند صوغهم لآرائهم وأفكارهم السياسيّة. فليس هناك مبدأ سياسيّ أو اجتماعيّ يمكن أن يستبعد الدين أو أن يقرر استبعاده من أن يكون مورداً للأفكار والقيم التي تحرّك المؤمنين وتوجّه تفكيرهم وأعمالهم وسلوكهم. إنّ ما يستبعد هو فرض الرأي، سواء أكان من استلهام الدين أو العقل، على الآخرين، وعدم القبول بقاعدة سيطرة الأغلبيّة على الأقليّة. لكن هذه السيطرة لا تعني سوى حقّاً مؤقّتاً سياسيّاً، لا يصبح شرعيّاً إلاّ بقدر ما تضمن الأغلبيّة احترام رأي الأقليّة،  ولا تقوم بما يحرم هذه الأقليّة نفسها من التحوّل، عن طريق  النقاش والحوار والنشاطات السياسيّة والثقافيّة القانونيّة، إلى أغلبية سياسيّة.  والخلاصة أنّ الديمقراطيّة لا تقوم من دون علمانيّة. لكنّ العلمانيّة لا تعني تبنّي عقيدة لا دينيّة ولا استبعاد الدين من الحياة العامة ولا تقييد الحرّيّات الدينيّة. إنّها تعنى حياد الدولة ومؤسّساتها تجاه الأديان والعقائد وعدم انخراطها فيها أو الاعتماد عليها للتغطية على سياستها غير المقبولة أو لخرق الشرعيّة الديمقراطيّة.
4-هناك حساسية فائقة لدى البعض من أن أي دعوة للديمقراطية في سوريا تعني بالضرورة سيطرة الإسلاميين المتشدّدين على نظام الحكم في البلاد…بالمقابل نجد أن الديمقراطيّة كنظام وثقافة لا تتمتّع بسمعة طيّبة ورصيد كبير في أوساط الإسلام السياسيّ بشكل عام….كيف نفسر هذا الالتباس والتناقض وما المخرج من هذه الإشكاليّة؟
ج4- ليس هناك تناقض بالضرورة. الفرق الإسلاميّة المتشدّدة الحديثة يمكن أن تستخدم أساليب حديثة لتحقيق أهداف قديمة. ويمكن أن تُستخدم الديمقراطيّة لبناء سلطة معادية لها. وهي ليست الفرق السياسيّة الوحيدة التي تفعل ذلك. فالفاشيّة فعلته من قبل. لكنني لا أعتقد أن الانتخابات الديمقراطيّة تعني بالضرورة سيطرة الإسلاميين، وأقل من ذلك الإسلاميين المتشدّدين. ربما كان ذلك مُحتَملاً منذ عقدين. وهو محتملٌ في مجتمعات تعاني من أزمة وطنيّة حادّة ودائمة كما هو الحال في فلسطين أو في العراق. لكن في الظروف الطبيعيّة، وفي بلدان تتمتّع بالحدّ الأدنى من الاستقرار لا يطمح الإسلاميّون بالحصول على أكثر من ثلث المقاعد في أي مجلس نيابيّ مُحتَمل، هذا في أحسن الأحوال. لكن لنْ يحصل المتشدّدون ربّما على خمسة بالمائة كأقصى حد. وأمامنا أمثلة كثيرة في كل الدول العربية التي حصلت فيها انتخابات مثل مصر وبعض دول الخليج والأردن والمغرب الأقصى وحتى الجزائر وتونس. لكنّ الإسلاميّين الذين سيفوزون ليسوا بالضرورة من النوع المنغلق الذي يرفض التفاهم مع قوى أخرى غير إسلاميّة. فهم يعرفون اليوم أنه ليس بإمكانهم حكم البلاد لوحدهم.
لكن ما هو أهمّ من ذلك هو أن أيّ انتخابات تقوم في سياق عملية انتقال مدروسة من حكم الحزب الواحد إلى حكم تعدّديّ لا تقوم ولا ينبغي أن تقوم عبر انقلابٍ عسكريّ وإنّما من خلال عملية سياسيّة يتم فيها التوافق بين القوى السياسية على شروط المرحلة الانتقاليّة، وبالتالي أيضاً على صوغ قانون للانتخابات يراعي مصالح الجميع ويمنع الانفراد أو الإجحاف بحقّ القوى المختلفة. ويشكّل هذا التفاهم ضمانة قويّة ضدّ الانحرافات أو المخاطر المُحتَملة لسيطرة الإسلاميين. بالإضافة إلى أنّ مؤسسات الجيش والأمن في جميع البلاد العربية تشكّل، كما هو الحال في تركيا، معقلاً للتيّارات غير الدينيّة. وليس من المطلوب حلّها للقيام بالانتقال نحو الديمقراطيّة.
بالعكس، إن تأجيل الانتقال هذا، بما يرافقه من تراكم التوتّر والضغط والاحتقان،  هو الذي يضاعف من مخاطر الانفجار والانتقال من دون تفاهم نحو حكم تعدديّ يصبح فيه الأكثر قدرة على تعبئة المشاعر الطائفيّة هو الحكم في اللعبة الانتخابيّة. إنّ ترك الأمور للصدف هو بالضبط الذي يهدّد باستلام الإسلاميين المتطرّفين بالفعل، وليس تنظيم الانتقال من خلال عملية تفاهم وطنيّ وتحوّل تدريجيّ مضبوط ومتّفق عليه. والقصد لو كانت هناك إرادة تحوّل ديمقراطيّ بالفعل، لحصل ذلك من دون أي مخاطرة، و لَكَان من السهل جداً التوافق على مراحل انتقاليّة تمنع أيّ انزلاق أو انحراف.
© منبر الحرية،15 تموز/يوليو  2010
(هذا  النصّ جزء من حوار نشر في مجلة الحوار”ثقافية فصلية حرّة، تصدر في سوريا”)

حواس محمود18 نوفمبر، 20100

من المؤسف والمؤلم حقا أن الاستبداد أضحى سمة من سمات المجتمعات العربية، ذلك أن ديمومة الاستبداد عبر التاريخ العربي الإسلامي منذ معاوية بن أبي سفيان وحتى معاويات القرن العشرين والواحد والعشرين في العالم العربي هي بمثابة واقع الحال المستعصي على التحول والتبدل.
فبعد أن رحل الاستعمار من العالم العربي في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم استلمت طغم عسكرية زمام الحكم في البلدان العربية ونادت بشعارات  قوموية وصفق لها الجمهور كثيرا وازداد الوهم بقدرتها على تحرير فلسطين، ولكن الهزائم تلو الهزائم لاحقتها لكنها رغم كل ذلك بقيت صامدة وسيدة مستبدة جاثمة على صدور الموطنين من المحيط إلى الخليج فارضة أحكاما عرفية وقوانين طارئة مكبلة الحريات الأساسية ومعيقة التطور الطبيعي والتحول الاعتيادي لهذه المجتمعات مما أوقعها  في شباك الاستبداد الذي أفسح المجال كثيرا أمام الفساد وذلك كشرط أساسي لديمومة الهيمنة والسيطرة. وادعت هذه الأنظمة أن الجماهير ليست واعية وهي لا تستحق الديمقراطية والإصلاح لذلك فهي البديل الأبدي الذي لا يمكن أن يتزحزح، وعندما لاح أفق التغيير من الخارج في المثال العراقي بإسقاط صدام حسين الذي كان نموذج الاستبداد العربي بامتياز هاجت هذه الأنظمة وماجت ووضعت العصي في عجلة أي تغيير يأتي من الخارج فوقفت مساندة للإرهاب بعد أن كانت متحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الأخرى في الحرب ضد الإرهاب (حرب أفغانستان) وبالتالي أعطت صورة مشوهة لنموذج التغيير الديمقراطي في العراق( طبعا لا ننسى الأخطاء الأمريكية في هذا المجال ) وذلك بالوصول إلى نتيجة صادمة ومحرجة وهي إما  أن يكون هناك استبداد في العالم العربي أو القتل والتفخيخ والتفجير وعدم الاستقرار، فغدا الاستقرار ميزة الاستبداد، الاستقرار الذي يؤمن الأرضية المهيئة للفساد وذلك لأن الفساد ينتعش في جو الحروب والاقتتال  والإرهاب، وهكذا أوصلت الأنظمة العربية عبر جهودها الحثيثة لترسيخ سيطرتها واستمرارها في الحكم وعبر وسائل الإعلام التي تحولت إلى ناطق رسمي باسمها وباسم استبدادها، أوصلت الشعوب العربية إلى قناعة بقبول الأمر الواقع وهو الاستبداد والفساد وخراب البلاد والعباد، وسادت وتسود هذه المجتمعات ثقافة اليأس  والبؤس والقنوط، وكثرت موجات الهجرة إلى الدول الغربية للبحث عن ملاذ آمن من عصي وسياط هذه الأنظمة وقمعها وإفقارها للناس، ناهيك عن حجم الدمار البنيوي الكاسح الذي يضرب المجتمعات العربية التي أضحت فريسة لهذه الأنظمة الكابوسية القابعة على صدور المواطنين، ولم يعد هناك ثمة تفكير بأي طريق خلاصي لا من الداخل ولا من الخارج، في حالة هي أشبه ما تكون بنومة كهف طويلة طويلة ولا يعرف من الذي سيوقظ هذه المجتمعات، بعد أن ترسخ لديها قناعة بديمومة الفساد والاستبداد.
© منبر الحرية ، 13 يوليو / تموز 2010

peshwazarabic18 نوفمبر، 20100

دائما عندما تطرح مشكلة الفساد في العالم العربي، تطرح كقضية جزئية قابلة للحل بفعل إجراءات إدارية بحتة تتمثل بمحاسبة موظفين، ووضع قوانين وتفعيل قضاء و..، أي أن موضوع الفساد  مازال يحارب بطريقة إدارية، بعيدا عن النظر إليه كمسألة سياسية تدخل ضمن إطار ما يمكن تسميته بناء الدولة الوطنية القادرة أو السير باتجاه بنائها على الأقل.
وجهة النظر السائدة عربيا في مقاربة الفساد تقول بأن الفساد مشكلة كغيرها من المشاكل الإدارية التي تهدد كيان الدولة والسلطة التي تسعى بصدق لمحاربته، ولكنها لا تمتلك الآليات اللازمة لذلك، بسبب عدم تبلور مفهوم واضح للدولة وبسبب غياب الوعي، وتصل وجهة النظر هذه إلى نتيجة مفادها أن السلطة خاصة في الأنظمة الشمولية تريد محاربة الفساد، ولكنها لا تستطيع وتقف عاجزة أمام تغوله وتمدده في كل شرايين الدولة التي اختزلت بمجرد سلطة بعض الأجهزة.ولكن النظر إلى وجهة النظر السابقة من زاوية نقدية، ربما توضح لنا  أن وجهة النظر السابقة والإصرار على تعميمها شعبيا لتكون مقبولة ومغطاة معرفيا يجعل من وجهة النظر هذه – في أحد وجوهها –  نوع من أنواع الفساد المعرفي الذي تعممه السلطات وأركانها وأزلامها من أشباه المثقفين لإعطاء شرعية ما لأنظمة مستبدة تجعل من الفساد وتعميمه لعبتها المفضلة، في تدجين وتخريب وتركيع وتقطيع أوصال المجتمع الذي تحكمه ،ليغدو قطيعا بحق، فاقدا لكل مقومات النهوض والمقاومة تجاه من ينتهكوه ويسرقوا قوته هذا من جهة ، ومن جهة أخرى تعمل وجهة النظر السابقة عبر تعميمها وترويجها على أنها المقاربة الصحيحة للفساد على إخفاء وتغطية الفساد الحقيقي  مرتين، مرة عندما تغطيه معرفيا بعدم النظر إليه كما هو، أي تعميم الوعي الكاذب والواهم به على أنه هو الصحيح، ومرة عندما تحجب النظر عن الترابط القائم بين الفساد والأنظمة الشمولية، ترابطا يكاد يكون أبديا وفق عقد مقدس غير معلن، بحيث يمكن القول أن الاستبداد لا يستمر دون وجود أجهزة ترعى الفساد وتعممه، ترعاه وتستخدمه مرتين أيضا، مرة لتحقيق مصالح شخصية للأشخاص الممسكين بزمام الأمور( ثراء غير مشروع وجنس ومناصب) ومرة لتحقيق أمن النظام الشمولي، وهكذا يتداخل الفساد الشخصي مع الفساد العام في جدلية معقدة ومتراكبة على أكثر من مستوى، جدلية لا يمكن فهم آلياتها وتركيبتها بسهولة، جدلية لا تسمح لنظيف يد أن يستمر في سلطة أو منصب، لأنه يغدو معيقا لآلية عمل النظام نفسه.
ونظافة اليد هذه أكثر ما تربك النظام الشمولي وتحيره، فهو من جهة بحاجة إلى أشخاص نظيفي اليد ليكونوا واجهة تغطي استبداده وفساده ،  ومن جهة أخرى وهي الأهم أنه بحاجة لهم لإدارة اقتصاد أنهكه الفساد ووصل مرحلة الترنح، هكذا يجد نفسه مضطرا بحكم الحاجة إلى الاستعانة بهم، ولكن إلى حين فقط، لأن الإجراءات التي سيتخذها الخبراء النظيفي اليد، ستعمل في مرحلة أولى على كشف فساد بعض الرؤوس والإطاحة بها وليس للنظام الشمولي في هذا مشكلة أبدا، لأن مصلحته هي الأهم، ولكن بعدها ستمس هذه الإجراءات البنى والأسس التي يقوم عليها النظام ككل، وخاصة الأجهزة التي ترعى أمن النظام وتحميه(لأنها كما قلنا هي شريك أساسي في الفساد بشكل شخصي وبشكل عام)، وهنا يجد النظام نفسه محاصرا بين من يرعون أمنه و”فساده” ويخربون اقتصاده بذات الوقت، الأمر الذي يدفعه إلى إنهاء المرحلة واختزال محاربة الفساد بإطاحة بعض الرؤوس التي تكون كبش فداء المرحلة.
هكذا إذن يستخدم النظام الشمولي الفساد كأداة لإفساد المجتمع وتفتيته حتى يمكن السيطرة عليه وإخضاعه، والنظام يتمنى لو يستطيع أن يبقي بيدق الفساد بيده وحده، ولكن إحدى صفات الفساد أنه كالزئبق لا يمكن إمساكه، ينتشر في كل أنحاء المجتمع وينشر قيمه الخاصة به، لنجد بعد فترة أن الفئات الأكثر تضررا من الفساد هي من يدافع عنه ويشرعه، ويصبح الفساد قيمة مجتمعية كاملة، ويصبح الناس عبيدا له مرتهنين لقيمه باحثين عن الثراء السريع بأية وسيلة، لتغيب قيم العمل والجد وتحل محلها الوصولية واللصوصية المشروعة، وهذا يؤدي في النهاية إلى تدمير مؤسسات القطاع العام وخسارتها لأنها تصبح محكومة بإدارة فاشلة وناهبة يضاف لها عمال لا يعنيهم ربحت المؤسسة أم خسرت، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى خلق دولة مشوهة ومعطوبة تعاني من أزمات وانسدادات بنيوية عميقة في كل مستوياتها.   ويمكن القول أيضا أن الفساد  كالماء يتسرب بين الشقوق، بما فيها شقوق النظام نفسه، فيملأها وينخرها إلى أن تحين لحظة الهتك الكبرى فيسقط كل شيء، لنجد أن الفساد حربة بيد النظام ولكنها أيضا حربة ضده على المدى الطويل، إذ يعمل خصوم الأنظمة الشمولية على استخدام هذا الفساد لتوجيه حربته نحو نحرها.
ربما يساعدنا ما سبق في فهم بعض أسباب فشل كل حملات الإصلاح التي تعلن بين حين وآخر، وبشكل خاص نفهم سبب فشل وجهة النظر القائلة بإصلاح الأنظمة الشمولية من داخلها، لأن الإصلاح الذي يطرح بشكل إداري بعيدا عن نقد المنظومة السياسية القائمة، وطبيعة الدولة، سيكون فاشلا، لأن الإصلاح لا يمكن أن يكون جزئيا، لا بد له أن يكون كليا، ينطلق من مقاربة أسباب العطب بشكل جوهري وواضح ، أي لابد من المعاينة بشكل كلي لا جزئي لأعطاب الأنظمة وهو غير ممكن في النظام الشمولي.
يمكن الخلوص إلى نتيجة مفادها أن الفساد يعمل في خدمة الاستبداد ويسعى إلى تمكينه من السيطرة على مجتمعه وخنق قواه الحرة عبر تجريدها من كل وسائل مقاومتها المدنية، ليغدو الفساد شرطا واجبا لاستمرار الاستبداد دون أن يكون الاستبداد شرطا واجبا لاستمرار الفساد لأن الفساد مرض ينتشر حتى في الدول التي تملك ديمقراطيات عريقة، ويتمثل الفارق بين الأنظمة الشمولية والديمقراطية في مقاربة الفساد، بأن الأولى لا يمكن مقاربة الفساد فيها إلا من وجهة نظر سياسية وكلية، بينما في الثانية يكتفى بالنظر إليها كمشكلة إدارية وجزئية.
© منبر الحرية،05 تموز/يوليو  2010

peshwazarabic18 نوفمبر، 20100

لا خلاف على أنّ هناك خلل عميق يؤثر على مسيرة التنمية في دولنا العربية عامة والمغرب العربي خاصة، كما أن هناك شبه إجماع بأن الإصلاح المنشود لإزالة هذا الخلل وإذكاء نهضة حقيقيّة، لابد وأن يبدأ بالإصلاح السياسي، إلا أننا غالبا ما نجد أن هذا الإصلاح في عمومه قد يتناول الشكل دون المحتوى فنعود إلى سيرتنا الأولى.
وهذا العجز والإعاقة التي ميزت مسلسل التنمية في دولنا ما هو إلا انعكاس عن سوء استغلال “الثروة البشرية”، وهي حقيقة لا يمكن إنكارها، فالتنمية الشاملة بحاجة لجهود أبناء المجتمع بكامله، فكلما عملت الدولة على تنمية قدراتهم عن طريق التأهيل والتدريب المستمر والإدماج كلما تقدمت اقتصاديا اجتماعيا وثقافيا . .
وفي هذا الصدد يمكننا التساؤل عن أعداد المعاقين في مجتمعاتنا؟؟ كما أذكر أنه كلما كانت أعداد المعاقين كبيرة كلما ضعفت الإمكانات التنموية في المجتمع، لأن الإنسان هو محور التنمية ومبتغاها .
هناك من سيذهب للقول بأن هذه المشكلة مطروحة عالميا، وقد عملت الأمم المتحدة على خلق آليات دولية للدفاع عن حقوق المعاقين وحرياتهم الأساسية، وأبرزها المنظمة العربية الإفريقية الدولية لحقوق المعاقين.
فهل تم فعلا العمل من أجل إدماج هذه الفئة الفاعلة في مجتمعاتنا؟؟
أحيانا يبدو لنا أن أعداد المعاقين في أوطاننا بسيطة بسبب أننا لا نراهم كثيرا من حولنا وحتى عندما نصادفهم فإننا نقصفهم بتلك النظرة التقليدية والصور النمطية.
إنهم بشر مثلنا لم يختاروا إعاقتهم بأنفسهم ولا يمكن تغييبهم عنا بسب إهمال المسؤولين في توفير خدمات ومرافق لتسهيل تنقلهم وممارسة حياتهم بشكل أفضل.
سنتوقف وقفة تأملية في حياة شاب مغربي يدعى “محمد العاطفي” الذي اختار طواعية عرض تجربته الشخصية عبر مرحلتين عاشهما في حياته قبل الإعاقة وبعدها ، يقول :
(أنا لم أختر إعاقتي لكنها كانت قضاءا وقدرا إثر سقوطي من علو 16 متر من موقع عملي كتِقْنِي في شركة للاتصالات بتونس “ويف يو” التي لم تعوضني لأنه لم يكن لي تأمين طيلة ثلاث سنوات التي عملت فيها معهم.
ورغم كل المجهودات والعمليات لتثبيت الفقرات التي كسرت في عمودي الفقري لم تعط أية نتيجة، أنا الآن أعاني من شلل نصفي وبدون عمل كما أني في طور الانفصال عن زوجتي حاليا.
فجأة وجدت نفسي مغيّبا ومهمشا عن الحياة العادية، لا أقوى حتى على قضاء أبسط حاجاتي اليومية، تخيل نفسك أنك كلما أردت الخروج من البيت لا تستطيع إلا بمساعدة أحدهم.
أشتكي من كل ما تشتكون منه أنتم وأكثر، فكيف أتقّبل نظراتكم المليئة بالشفقة ..؟؟ بل هناك من يرى أن ذوي الاحتياجات الخاصة هم مجموعة من المتسولين…!! قد نتفق على أننا كلنا نعاني من غياب الحقوق والحريات، لكن حتما التعامل اللّاإنساني والتمييز لا تبرير له سوى أننا نعيش أزمة قيم ومبادئ.
كما أتوجه إلى هيئة الطرق والمواصلات لتأخذ بعين الحسبان في منظومة النقل كل ما من شأنه أن يوفر الاستخدام السلس من ممرات خاصة وحافلات مزودة بمدخل خاص، ومساحة للمقعدين وعلامات وأزرار خاصة بالمكفوفين، وكل ما من شأنه تخفيف العراقيل والصعوبات عنا، لنتمكن من قضاء حاجاتنا بأنفسنا ونؤدي دورنا بشكل لا تصبح معه الإعاقة هي التغييب أو الانعزال).
إن معظم الدول العربية لها اهتمام محدود بذوي الاحتياجات الخاصة، نظرا لانعدام الحريات وحقوق الإنسان وانتشار الفساد، وأيضا اعتبار الحكومات لمواطنيها بأنهم رعايا لا قيمة إنسانية لهم، وتغاضيها عن تنفيذ برامج تنموية وصحية بحجة ضعف الموارد والإمكانات المالية. ونظرا للتحولات السريعة اليوم في المجالات الطبية والتربوية والاجتماعية لابدّ من دعم الجهود الجادة وتوحيدها من أجل الاتفاق والتنسيق للحد من هذا المشكل، وتوفير مناخ من العدل الاجتماعي والإنساني ليحصل كل فرد على حقوقه المشروعة دون تمييز ونقصان.
© منبر الحرية ، 2تمّوز /يوليوز 2010

نبيل علي صالح18 نوفمبر، 20100

لاشك بأن تحديد مسؤوليات واقع التردي والضياع والتخلف العربي القائم حالياً، ليست من المهام الصعبة والشائكة في ظل توافر إمكانات الرصد والمتابعة والوعي الدقيق لمجمل مشاكلنا الداخلية والخارجية الراهنة التي باتت –بالرغم من تحديدنا لها- عصية على الإصلاح والتغيير..
ويمكن الاستنتاج مباشرة ومن دون أية مواربة أو أدنى شكوك –حيث أن الوقائع والدلائل والشواهد العملية في عالمنا العربي والإسلامي أبلغ وأوضح من أية محاولة لحجبها- إن العرب لم يتمكنوا بعد من تكوين وإقامة دول مؤسساتية ونظم حكم قانونية حقيقية بالمعنى العملي والاصطلاحي للكلمة، وأن الواقع الراهن عندنا يعبر أصدق تعبير عن فشل نخبنا السياسية الحاكمة في الوصول إلى بناء هيكلية عملية واضحة عن مفهوم الدول المدنية الحديثة بالمعنى الثقافي والسياسي العملي.
..ويبدو أن لهذا الاستنتاج ما يؤيده في واقعنا العربي، فنحن لا نزال نعيش في ظل نظم “أهلية-قبلية” عتيقة غير مدنية (بالمعنى السوسيولوجي)، يمارس فيها الحاكم “الأعلى-الفرد” حكماً شبه مطلق، بعيد عن منطق العصر والتطور والحداثة السياسية وغير السياسية، ولا مكان فيه لأية منهجية تفكير علمية رصينة، ولا يعلو فيه سوى صوت الماضي والسلف بقرقعات سيوفه وتروسه التي انتقلت –بفعل قوة حضور وسطوة الأعراف والتقاليد والقيم المحافظة- من أيدي الزعامات القبلية القديمة إلى أيدي الخلف من النخب السياسية التقليدية والقبلية الجديدة التي يحكمها قانون البقاء والمصلحة والنزوع السلطوي الدفن، ويتحكم بوجودها فكر ومناخ الاستبداد التاريخي المقيم.
وفي سياق رفض تلك النخب القبلية العربية لمنطق وقانون التغير ومحاربتها لسنة التحول والتداول السياسي والاجتماعي الطبيعي -استجابةً لمنطق تغير الحياة وتطور الإنسان، ومنعها لأية محاولة يمكن من خلالها تشييد البنى الأساسية لإقامة مجتمع مدني متطور- فقد وصلت بها الأمور أن تقف بقوة حتى في وجه أي عامل تقدم علمي أو تقني (وليس سياسياً فقط)، وتمنعه من النفاذ أو الدخول إلى المجتمعات إذا كان يمكن أن يشتم من دخوله أية رائحة للتغيير أو أي حراك بسيط قد يفضي إلى حرف للأوضاع القائمة، أو تغيير بالأفكار ومن أي نوع كان، في العقلية أو السلوك أو التوازنات الاجتماعية أو السياسية.
ولا تزال تلك النخب القائمة تعمل –في سياق إحكام قبضتها على مجمل الحياة العامة في معظم البلاد العربية، وإسقاط أية محاولة لتغيير أو إصلاح الوضع العام على أي مستوى من المستويات التي تهم واقع وحياة ومعيشة مواطنيها ومجتمعاتها- على تكريس ثقافة الفساد والإفساد كجزء من سياسة المواجهة بينها وبين بعض مختلف الفئات الاجتماعية المتضررة والمختنقة الساعية بأي ثمن للتغيير والضاغطة بشدة على النظام، مما يجعلها تخصص قسماً كبيراً من موارد الدولة وإمكانات المجتمع المادية والمالية والبشرية الهائلة المتوافرة من أجل تكريس وجودها، وحماية مصالحها وصون امتيازاتها، وضمان بقائها واستدامة سطوتها وانفلاتها من عقال القانون والمحاسبة والمساءلة، وقيامها بفرض حال الاستقرار والثبات (أي فرض الثبات والموت) بالقوة المادية العارية أو بقوة الأمر الواقع والعنف الرمزي، وسد كل منافذ التغيير، وإحباط أي أمل بإصلاح الحال المعقد القائم..
وهكذا لم يبقَ هناك، في معظم البلاد العربية والإسلامية، أي هامش لتحقيق أي لون من ألوان الاستثمار الحاضر والمستقبل في مجمل الرأسمال الروحي والمادي لمجتمعاتنا، لا في الإنسان (من خلال فكره وعقله وطاقاته ومواهبه) ولا في الواقع والطبيعة (إبداعات واكتشافات وإنتاجات مختلفة). لأن الإنسان العربي منكفئ عن ساحة العمل والإنتاج والإبداع، ومستغرق في هموم معيشته وتأمين متطلبات وجوده الأساسية من مأكل وملبس ومشرب، ولا يهمه أي شيء آخر سوى تأمين لقمة الأكل لأسرته وأبنائه (اللهم أعطنا خبزنا كفاف يومنا).. وهذا هو ما أوصلته إليه قرون طويلة من ممارسة الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وسياسة التهميش وإلغاء الآخر.
من هذا المنطلق فإن الأمل بحدوث تطورات حقيقية سياسية واجتماعية وعلمية وصناعية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية عموماً، يمكن أن تستجيب لتحديات الحياة في الوجود المؤثر والفاعل،مرهون -ليس فقط بمدى قدرتنا الفكرية والعملية على الاستجابة الفاعلة لتلك التطورات- وإنما مرهون، أيضاً وبشكل أساسي، إلى ضرورة إحداث تغييرات هائلة على صعيد الحكم وإشكاليات السلطة والمشاركة والحرية .. الخ. لأن الأصل في إحداث أي تغيير حقيقي هو في امتلاك القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة المسؤولة والمعبرة عن طموحات الناس والمنسجمة مع تطورات وتغييرات الحياة الدولية.. وهذا التغيير المطلوب لن يتحقق لوحده بقدرة سماوية، بل لا بد من إرادة جماعية فاعلة لتحقيقه، حيث أن النخب الحاكمة –على وجه العموم- ليست لها أية مصلحة في عملية الإصلاح، فضلاً عن كونها أصلاً نظماً محافظة وتقليدية وغير قادرة على مجرد التفكير بالتغيير، ولا تمتلك الحد الأدنى من الإرادة الجدية والفاعلية العملية لإحداث التغيير أو الإصلاح المنشود، بسبب انغلاقها ومركزيتها وتغييب قوى التأثير عليها من خلال ما قامت به –وعلى مدى العقود الماضية- من سحق للمجتمعات، وتحطيم منظم للموارد والقدرات والطاقات.
من هنا فإن استثمار تطورات الحياة والاستفادة المثلى من أي تقدم علمي يمكن أن توفره الحضارة الحديثة لن يكون متاحاً أمام مجتمعاتنا وأفرادنا إلا إذا ساهمنا وشاركنا جميعاً –بصورة وبأخرى- في إنتاجه وإبداعه وتمثله عملياً، ومن باب أولى فهمه ووعيه على المستوى المعرفي والثقافي.
وأما على صعيدنا نحن كمجتمعات عربية هشة ومخلخلة المكونات والبنى التحتية، فإنه لا يمكن أن نطور العلم وننتج منجزاته الحديثة، في ظل تحكم سطوة العرف والتقليد الأعمى لسنة الآباء والأجداد، واتساع عقلية القبيلة المنزرعة فينا والمتحكمة بوجودنا ومصائرنا، والتي يعمل أصحابها على تدمير أي فرصة لربط -مجرد ربط- البلاد العربية والمسلمة عموماً بتيارات التقدم العلمي والتقني.. بل على العكس من ذلك، إنها تعمل على ترسيخ كيانها الذاتي البدائي، وتكريس طبيعة نموذجها السياسي الثابت وعديم الفائدة والجدوى والهدف، وحفظ بقاء النظم ولو كان ذلك على حساب مجتمع أو أمة بأكملها.
وبالنتيجة تكون المجتمعات العربية هي التي تدفع الثمن والتكلفة الباهظة التي تترتب على سلوك تلك السياسات الفاشلة والعقيمة للنظم السياسية الضعيفة الأفق القائمة، والتي تستمر في وجودها على قاعدة تعقيم الإنسان العربي وشل قدراته وسحق طاقاته، والتي ليس لها مبرر وجود سوى خدمة مصالح الفئات والطبقات والأفراد والنخب العصبوية التي تسيطر عليها وتتحكم بمقدراتها.
..ولا شك بأننا عندما نضع السلطات السياسية الشمولية القبلية في موضع المسبب الرئيسي لأزمة الوجود العربي المتخلف الراهن –والتي تتوالد عنها مشاكل وتحديات متلاحقة باستمرار- فإننا لا نعفي ثقافتنا السائدة حالياً –باعتبارها امتداد لثقافة الأمس إلى اليوم- من المشاركة في تلك المسؤولية.. فالحكام هم جزء من مجمل المشهد العام لمجتمعاتنا وحضارتنا وثقافتنا، كما أنهم صورة عنا في مواقع الحكم والقرار الأعلى. وإذا ما افترضنا وصول أي حزب آخر معارض إلى سدة الحكم في عالمنا العربي والإسلامي، فهل ستختلف النتائج التي سيحققها، عما هو سائد حالياً من كوارث سياسية واقتصادية واجتماعية في ظل هيمنة الثقافة التاريخية المتخلفة ذاتها، وفي ظل سيطرة عقلية التقليد والإتباع والامعية نفسها؟!!..
© منبر الحرية ، 30 يونيو / حزيران 2010

عزمي عاشور18 نوفمبر، 20100

إن السياسة في‏ ‏المجتمعات‏ ‏العربية‏ ‏‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏كونها ‏تأخذ‏ ‏ ‏‏الشكل‏ ‏الغربي‏ ‏في وجود مؤسسات سياسية،  ‏إلا‏ ‏أنها‏ ‏في‏ ‏تفاعلاتها‏ ‏لا‏ ‏تعبر‏ ‏عن‏ ‏مضمونها، ‏وقد‏ ‏يكون‏ ‏هناك‏ ‏مبرر ‏لكون‏ ‏ ‏الثقافة‏ ‏هنا‏ ‏مختلفة‏ عن‏ ‏الثقافة‏ ‏في‏ ‏الغرب‏، ‏وبالتالي‏ ‏فجوهر‏ ‏العملية‏ ‏السياسية‏ ‏يأتي‏ ‏مختلفا‏‏، وهذا‏ ‏أمر‏ ‏مقبول، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏الأمر‏ ‏يتعدى‏ ‏هذا‏  الشكل عندما  يتعلق ذلك ‏ باستقرار‏ ‏هذه‏ ‏المجتمعات‏ ‏ويعوقها‏ ‏عن‏ ‏عملية‏ ‏التنمية‏ ‏والتقدم‏‏.‏ ‏فتصبح‏ ‏‏قيم ‏ ‏العدالة‏ ‏والحرية‏ ‏وتفعيل‏ ‏القانون ‏‏ مغيبة، وتصبح ثقافة البشر خالية من روح هذه القيم، فلا تجد إخلاصا في عمل ولا صدق في مقولة ولا قانون لا يحتمل الموائمات، ولا يسري على الجميع بدون استثناءات.‏  ‏وعملية انتقال السلطة  لا تعدم وجود مثل هذه الثقافة  المشوشة التي لا تعترف بضعف إمكانياتها وتقبل الهزيمة لتستطيع أن تقوي من نفسها، لذلك  نجدها تلجأ لحيل غير مشروعة لتجور على قيمة العدالة
.
‏فالعدالة‏ من المنظور السياسي  ‏تقتضي‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏هناك‏ ‏نظام‏ ‏سياسي‏ ‏حر‏ ‏منتخب‏ ‏ومرضي‏ ‏عنه‏ ‏من‏ ‏قبل‏ ‏أفراد المجتمع، ‏أما‏ عدم وجود  ‏‏هذا‏ ‏النظام‏ ‏فيعني‏ ‏أن‏ ‏هناك‏ ‏خللا‏ ‏يهدد‏ ‏هذه‏ ‏القيمة‏ ‏والخطورة‏ ‏هنا‏ ‏لا‏ ‏تكمن‏ ‏في‏ ‏أن‏ ‏رأس‏ ‏السلطة‏ ‏غير‏ ‏مرضي‏ ‏عنه‏ ‏من‏ ‏قبل‏ ‏المجتمع،‏ ‏وإنما‏ ‏تكمن‏ ‏في‏ ‏مأسسة‏ ‏المجتمع‏ ‏بنهج‏ ‏يعمل‏ ‏وفق‏ ‏منطق‏ ‏غياب‏ ‏العدالة‏، ‏فمثلا‏ ‏نجد‏ ‏أنه‏ ‏على‏ ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏وجود‏ ‏المناصب‏ ‏السياسية‏ ‏المرتبطة‏ ‏بالنظام ‏كالوزراء‏ ‏وما‏ ‏شابه‏ ‏ذلك‏، ‏وهم‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏سلطة‏ ‏تنفيذية‏، ‏نجد‏ ‏في‏ ‏هذه‏ ‏المجتمعات‏ ‏نفوذ‏ ‏لمناصب‏ ‏غير‏ ‏رسمية‏، ‏وهذا‏ ‏في‏ ‏حد‏ ‏ذاته‏ ‏قد‏ ‏يبدو‏ ‏مقبولا‏ ‏في‏ ‏النظم‏ ‏السياسية‏ ‏الديمقراطية‏ ‏على‏ ‏اعتبار‏ ‏كونهم‏ ‏يعملون‏ ‏من‏ ‏الخلف‏ ‏لمستشارين‏، ‏وبالتالي‏ ‏الذي‏ ‏يظهر‏ ‏في‏ ‏الصورة‏ ‏هو‏ ‏صاحب‏ ‏المنصب‏ ‏التنفيذي، ‏وهو‏ ‏الذي‏ ‏له‏ ‏الكلمة‏ ‏الأولى‏ ‏والأخيرة‏ ‏في‏ ‏موقعه، ‏ إلا أن الصورة  تبدو مثيرة للشفقة والسخرية معا ‏ في مجتمعاتنا عندما‏ ‏نرى ‏أن‏ ‏كل‏ ‏هؤلاء‏ ‏قد‏ ‏يبدون‏ ‏تابعين‏ ‏ومسخرين‏ ‏لمن‏ ‏لا‏ ‏منصب‏ ‏رسمي‏ ‏له‏ ‏بشكل‏ ‏يجلي حقيقة الثقافة السياسية، ‏وهو ما ‏يطرح‏ ‏التساؤل‏ ‏هل‏ ‏ ‏قيم‏ ‏‏كالعدالة‏ ‏واحترام‏ ‏القانون‏ ‏لها وجوه أخرى؟‏‏  وهل السياسة في المجتمعات العربية  في طريق استخراجها مفاهيم جديدة  تعكس هذا التفاعل الموجود على ارض الواقع؟، وفي هذا الإطار يمكن النظر إلى مستقبل عملية انتقال السلطة في المجتمعات العربية  عبر طريق التوريث  في النظم الجمهورية، فإذا كان الواقع العربي شهد وجود حالات نادرة لانتقال السلطة عبر التوريث، إلا أن الواقع العملي يشهد بعد مرور عشر سنوات  أن النظم غير الملكية بصدد تهيئة المجتمع مؤسسيا وسياسيا لتقبل انتقال السلطة على نفس النهج من الأب إلى الابن، ولكن السؤال كيف يتم تهيئة الواقع لخلق الشرعية على أمر غير مشروع؟  وهذه العملية لها مرحلتين
:
أولا :المرحلة الأولى وهي التي تشكل محاولة إعطاء أبوة لجنين غير شرعي، فإذا كانت  المؤسسات السياسية  داخل الدول العربية  تأخذ شكلا ديكوريا، إلا أنها في نفس الوقت  تشكل واقع مهيمن ومسيطر في وجود رئيس للدولة ومجلس وزراء ولسلطات من تنفيذية إلى تشريعية وقضائية، أي أن السلطة، مع سلطوية النظام تمارس بشكل ما عبر هذه المؤسسات، وبالتالي فعملية تداول السلطة والمواقع بين السلطات الثلاث تخضع لمعايير متعارف عليها، يوجد فيها حد أدنى من الموضوعية سواء في اختيار منصب رئيس الوزراء  من قبل رئيس الجمهورية أو حتى المجالس التشريعية، فاختيار النواب في حده الأدنى يتم وفقا لنتائج الانتخابات، بصرف النظر عن نزاهتها أم لا، المهم هناك وسيلة، هذا فضلا على أن السلطة القضائية تخضع أيضا لتراث من الممارسة للعدالة والقانون يضمن لها النزاهة في حدها الأدنى، أما فيما يتعلق بانتقال السلطة عن طريق رئيس الجمهورية، فيبقى هو الجانب المظلم، حيث لم تستطع  هذه المجتمعات أن تخلق تراثا مؤسسيا وثقافيا داخلها لتداول السلطة وفق ما تقتضيه قواعد الدستور والقانون، بالأخص في المرحلة التي ارتبطت ببناء الدولة الوطنية عقب حصول هذه الدول على الاستقلال، نتيجة لأسباب عديدة، أهمها أن انتقال السلطة عبر هذه الفترة كان يأتي نتيجة لعملية انقلاب حالة دولة العراق التي شهدت أكثر من انقلاب قبل أن يستقر الحكم في يد صدام حسين وأيضا بالمثل  سوريا. وثانيا طوال  فترة حكم  النخبة التي جاءت نتيجة انقلاب، (نموذج معمر القذافي 1969-حتى الآن)، ونموذج علي عبد الله صالح  في اليمن 1979-حتى الآن، ثالثا، انه حتى في الحالات التي كان يتم فيها انتقال السلطة سلميا مثل حالة الدولة المصرية التي جاءت عقب ثورة يوليو 52،  كان  ذلك يتم في إطار نخبة النظام وفق قواعد بيروقراطية وسلطوية،  عن طريق  تولي نائب الرئيس المنصب بعد عملية استفتاء  شكلي تتحكم فيه الدولة على شخصه بعد فراغ المنصب (الرئيس السادات 1970 وحالة الرئيس مبارك 1981)، وبالتالي تراث انتقال السلطة  في الحالات الثلاث لا يعبر بشكل كبير عن وجود تراث سلمي لانتقال السلطة،  وتفاعلات السياسة بهذا الشكل على مدار الستين سنة قد افرز في الوقت الحالي نمطا جديدا، يتمثل في انتقال السلطة إلى الأبناء عن طريق خلق وضع خاص من رحم ديكتاتورية هذا النظام لمن يرونه مؤهلا لخلافة الأب حتى لو كان ذلك بتسخير إمكانيات الدولة الرسمية لخلق حالة شرعية لهؤلاء الأبناء، وكل ذلك بالنسبة للدولة السلطوية تقدر عليه.
ثانيا : الموائمة مع الطرف الخارجي، كما هو معروف فإن انتقال السلطة بهذا الشكل يثير حفيظة الخارج، بالأخص الدول التي لها مصالح في المنطقة، وتخشى من سريان الفوضى التي تؤثر على مصالحها، ومن هنا فهذه النظم تعمل حساب  للطرف الخارجي والذي ليس وضعه بجديد في المنطقة، فهو يلعب هذا الدور منذ عهد الاحتلال في أواخر القرن التاسع عشر، ومن ثم كان من الضروري وجود مخرج لإرضاء وطمأنة الطرف الخارجي  يأخذ أحد احتمالين كلاهم مر: الأول يتمثل في تقديم تنازلات من اجل تمرير التوريث بشكل لا يثر حفيظة الطرف الخارجي، قد تكون هذه التنازلات ثوابت وطنية. والثاني هو أن يتم تهيئة المجتمع قانونيا ومؤسسيا لإخراج  انتقال السلطة بشكل مرضي لجميع الأطراف، وهو أمر لا تقتدر على فعله غير النظم الديكتاتورية التي تهيمن على مجتمعات ضعيفة، في أن توجد انتخابات، وهي لعبة هذه النظم التي أثبتت كل الانتخابات والاستفتاءات التي أجريت على مدار الخمسين سنة الماضية أن نتيجتها تأتى وفقا لرغبة الحاكم وليس وفقا لرغبة الشعب إلا فيما نذر، ومن هنا يتقدم المرشح المهيأة له الظروف السياسية والأمنية بشكل طبيعي ضمن  مرشحين كومبارس آخرين لإحباك العملية التي مقاليدها بيد النظام وليس بيد أصوات البشر الذين يختارون.
إن خطورة هذا الوقع لانتقال السلطة حتى لو جاءت بشكل سلمى تكمن في أنها تخلق ثقافة جديدة داخل هذه المجتمعات، فمنطق الحق لن يذهب لمن يستحقه وفق من العدالة وإنما وفق منطق النفوذ، ومن ثم تصبح مثل هذه الثقافة وكأنها عرف وشيء طبيعي أن يوالى الأقارب أقاربهم، فنجد التوريث يدخل كل شريحة في المجتمع  فأصحاب النفوذ في المهن الأخرى يورثون أبنائهم بالطرق غير الشرعية أماكنهم مثل الجامعات وغيرها
إن فراغ السلطة في المجتمعات العربية يعد كارثة تفوق وجود السلطة في شكل ديكتاتوري وسلطوي، ومن هنا فإن مأسسة المجتمعات العربية لتهيئة انتقال السلطة من رئيس إلى آخر باتت من  الشأن العام الذي يهم جميع الأفراد عامتهم ونخبتهم، فمثل هذا الأمر بات ليس من  الأسرار العليا  التي لا يجوز الحديث فيها، وإنما أصبح للجميع الحق في معرفة مصير ما سوف يؤول إليه مستقبل بلدهم  والطريقة المثلى لاختيار من يحكمهم.
© منبر الحرية ، 28 يونيو / حزيران 2010

peshwazarabic18 نوفمبر، 20100

من  الواضح  أن  بوسع  الدولة  أن  تكون  دولة  سلطة  سياسية  حاكمة،  دون  أن  تكون  دولة  مواطنين  إذا  لم تعترف  بأن  مهمة  النظام  السياسي،  هي  الاهتمام  بمصالح  المحكومين  ورعايتها  وبتنمية  الدور  السياسي للمواطن،  وضمان  مساهمته  الحرة  بوصفه  فاعلا  سياسياً . إذ  ينبغي  أن  يشعر  المواطنين  أنهم  يساهمون في  بناء  الحياة  والمجتمع  السياسيين،  فإذا  لم  يتعمق  لديهم  هذا  الشعور  بالانتماء  إلى  المجتمع السياسي  والدولة،  وإنما  إلى  أسرة  فقط،  أو  قرية،  أو  طائفة،  أو  عرق،  أودين،  فإن  هذا  الوعي  بالانتماء  الأخير يترسخ  على  حساب  شعورهم  بالمواطنة  العمومية  والمشتركة
.
تقاس المساهمة السياسية للمواطن بمعايير واضحة تتعلق بقدرته السياسية على التعبير عن آرائه بحرية وبترجمة قناعاته السياسية وتجسيدها خلال العمل الفردي أو الجماعي المنظم، وبدرجة تأثيره على آليات عمل النظام السياسي وقراراته، و تحكمه بسلوك ممثليه. فبمقدار ما يمتلك المواطن الوعي السياسي والأدوات والوسائل التي تتيح له ترجمة هذا الوعي في سلوك حرّ بعيد عن الإكراه، تكون البيئة السياسية هي الأمثل. وقد وجد الفلاسفة السياسيون أمثال لوك Locke ومل Mill وتوكفيلTocqueville  وغيرهم أن هذه المعايير هي أساسية لنظام ديمقراطي ناجح قائم على التعددية وحرية التعبير وحقوق الأقليات.
المشاركة السياسية الحرة والطوعية للمواطنين، هي شرط أساس لأي نظام سياسي حديث كفَ عن أن يكون مستبداً وبالياً. وقد أظهرت التجربة التاريخية للعديد من المجتمعات أن حيوية الأخيرة، وتماسكها واستقرارها، رهين بدرجة الإسهام السياسي والمبادرة لدى المواطنين. بينما يفسّر هشاشة النظام السياسي وعدم استقراره وضعف المجتمع المدني بعزوف الأفراد أو منعهم عن المشاركة السياسية، وتحاشيهم المساهمة وليس العكس. لقد مثل النظام العراقي البائد نموذجاً حيّاً لهذا الموقف. إذ اعتقد أن من شأن القمع وسلطة الخوف وحدهما أن توحدا المجتمع، فحوله إلى عبد لقوته المتعسفة. وقد  أفضى ذلك إلى تدمير روح الاجتماع الإنساني بالذات، فتحول المجتمع في أحسن أحواله إلى جمهرة قلقة وعدمية، محتقنة ومفككة، تسودها الكراهية وعدم الثقة.
يتعلم المواطن في زمن الاستبداد والقهر أن يكون سلبياً إلى أقصى درجة، وخلق الرعب لديه نوعاً من العدمية السياسية واللامبالاة، التي كرست الاغتراب الداخلي وعمقت من تصدع الوحدة السياسية والاجتماعية المطلوبتان إزاء أيّ تحدّ خارجي. ومن هنا أخفقت جيوش صدام الجرارة في الإنابة عن المجتمع دفاعاً عن نظامه وعن سيادة البلاد. إن الدرس الرئيس، الذي يمكن استخلاصه من التجربة العراقية هو، أن أقدام الطغاة والمستبدين هي التي تمهد الطريق أمام الغزاة حينما تجعل من أعناق مواطنيهم موطأ لها وتروضهم على الخنوع والذل.
لا يستطيع النظام السياسي الدفاع عن المجتمع وحمايته من دون مواطنين أحرار يستشعرون حريتهم، مهما ادعى ذلك. فالنظام الذي يؤثر القمع يولّد الخوف في  الأذهان ويخلق مقداراً كبيراً من عدم الثقة، ويؤدي كل ذلك، في نهاية المطاف، إلى القطيعة بينه وبين الأساس الاجتماعي لشرعيته وبقائه.
إن النظام السياسي الذي لا يثق بالوعي السياسي الوطني لمواطنيه، ليس له أن يفرض وعياً وطنياً مشتركاً بالقوة من دون أن يغامر بإثارة العداء والكراهية نحوه. إن عملية التعبئة الأيديولوجية التي تبدو مفروضة هنا، لا تخلق شعوراً وطنياً مشتركاً وفاعلاً، ومن  ثم عوضاً من أن تحقق تواصلاً سياسياً محتملاً بين النظام السياسي والمجتمع المدني، فإنها تحدث صدعاً بين الطرفين. إنها في أحسن الأحوال تجعل المجتمع يتحرك ويتكلم بشعارات لا تتفاعل ووعي أفراده وضمائرهم.
إن من شأن الكوابيس الأيديولوجية، التي تنجم عن تماهي المجتمع والدولة مع أيديولوجية حزب حاكم، أن تضعف الشعور بالمواطنة لدى الأفراد وتخنق لديهم كل ابتكار أو تنوع خصب في الرؤى، وتقيّد روح المبادرة. فالمجتمع الديمقراطي الحديث في أبرز تعريف له، هو المجتمع الذي يشرك أكبر تنوع ثقافي ممكن وتنوع في الآراء مع أوسع استخدام ممكن للعقل، مع ضمان أكبر قدر ممكن من الاحترام للتطلعات الفردية والجماعية، ودون اللجوء إلى أي شكل من أشكال العنف أو القهر أو الإقصاء..
من جانب آخر، فإن الاعتقاد بأن المصلحة الوطنية تقتضي هذا التماهي بين المصادر الثلاث، إنما يقوض كل أساس سياسي أو قانوني لمعارضة تعسف السلطة، ويطيح بكل إمكانية لتصحيح مثالبها وتعويضها، وبالتالي يعدّ العدة لشرْعنة أخطائها، بجعلها القاعدة الناظمة للحياة السياسية. فيصير لزاماً على الدولة إذا شاءت أن تكون وطنية وديمقراطية حقاً، أن تعترف لمواطنيها بحقهم في   المعارضة ضمن إطار القانون، بالأسلوب الفردي أو الجماعي. فلا تقوم الدولة فقط بتحديد سلطتها على هذا النحو، وإنما تفعل ذلك من موقع وعيها بأن شرعية نظامها السياسي واستمراريته مرهونتان بدرجة تفاعلها وتواصلها مع المجتمع المدني، وبقوة الأخير ومقدار تأثيره.  فإذا لم تفعل ذلك، فإن ادعائها بأن شرعيتها مستمدة من تمثيل مواطنيها يعد نفاقاً بلا طائل..
إن اجتماع المساهمة السياسة للمواطنين مع تحديد السلطة وتقييدها  بوساطة الحقوق الأساسية، يعدّ الأساس الراسخ لأي نظام سياسي حديث، الذي بدونه لا تكون الدولة دولة مواطنين أحرار. لكن يتعين أن يتوج كل ذلك غياب مبدأ مركزة السلطة ونفي كل صفة جوهرية عنها، بوصفها حزب واحد، تنطق باسم الشرعية الأخلاقية والسياسية للمجتمع. الأمر الذي يمكن ترجمته بشكل ملموس في التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرّة ونزيهة تعتمد رغبة الأغلبية قانوناً لها.
© منبر الحرية، 28 يونيو / حزيران 2010

peshwazarabic18 نوفمبر، 20101

وفق ماكس فيبر  يكون النظام الحاكم شرعيا عند الحد الذي يشعر مواطنوه أن ذلك النظام صالح ويستحق التأييد والطاعة[1]، وأحد مصادر الشرعية السياسية لنظم الحكم  ما يسميها فيبر العقلانية القانونية الداعية إلى اعتماد قواعد مقننة لتحديد واجبات وحقوق منصب الحاكم، ومساعديه وطريقة ملء المناصب وإخلائها وانتقال السلطة وتداولها وممارستها وهو تحديد واضح ومفصل للحقوق والواجبات، يجعل مبادرات الحكم قابلة للتوقع لأنها مشروطة في أصولها وفي نتائجها بشبكة من القوانين المعروفة والمتفق عليها. أما ايستون فقد أطلق صفة ” البنيوية” في محاولة لتأكيد دور المؤسسات وأهمية عملية المؤسسات. ووصف صموئيل هانتيجتون هذه العملية بأنها مسار تكتسب فيه المؤسسات والمعاملات القانونية استقراراً وقيمة لذاتها (3)
مأسسة العملية السياسية تعنى احتواء عملية صنع واتخاذ القرارات السياسية ضمن إطار المؤسسات السياسية، مما يسهل على النظام السياسي اكتساب قدر يعتد به من الشرعية السياسية . ذلك أن التنظيم المؤسس للعملية السياسية بقدر ما يمكن المبادئ  والقيم الديمقراطية للممارسة السياسية فإنه يفيد في تحقيقه خصائص عديدة منها : قانونية العملية السياسية  إذا تمكنت المؤسسات من أن تنظم عملها شبكة معقدة ومحكمة من الضوابط والتوازنات، وتعمل وفقا لأحكام محددة وأسس للتوظيف والتمويل وتقويم الأداء، وتخضع لمقاييس معروفة وعلنية للنجاح والفشل وضوابط للمراقبة والمحاسبة وقواعد للتنسيق بينها. وعقلانية العملية السياسية، ذلك أن المؤسسات والمناصب تسمح في إطارها بالعمل على أساس الكفاءة المهنية، مما ينعكس مباشرة على واجباتها تجاه المواطنين.علاوة علىعمومية العملية السياسية حيث يلغى العمل المؤسسي بالاعتبارات الشخصية واعتماد اعتبارات المواطنة ويركز عليها .وأخيرا استقرار العملية السياسية لأن العمل في المؤسسات لا يتأثر بتغير الأفراد . ويمكن إنتاج القرارات الحكومية والعمل على تنفيذها إذا ما تمتعت بالدعم الذي تقدمه المؤسسات المركبة والقوية. ويربط بين وجود المؤسسات والعمل على تقوية الدولة من خلال علاقة تبادلية لفاعليته ، فالدول عديمة المؤسسات تكون على العكس دولاً ضعيفة وسيئة، لأنها عاجزة ولا تستطيع السيطرة لضمان المصالح الخاصة والعامة . وبناء المؤسسات السياسية لا يمثل استجابة لمطالب المشاركة السياسية وحدها، بل هي أداة للحفاظ على الاستقرار السياسي من جراء التهديد الذي يتعرض له بفعل اتساع حجم الضغط الموجه نحو النخب الحاكمة من جانب القوى الاجتماعية الساعية للمشاركة السياسية .
ولا تكاد تخلو دولة عربية من وجود مؤسسات حيث تتعدد الأحزاب السياسية في بعض الدول العربية وتنتخب فيها مجالس نيابية، ولكن يشوب البيئة التي تقوم فيها هذه الأحزاب وعملية انتخاب هيئة المجالس وأدائها وبخاصة دورها الرقابي نقائص تقلل من قيمتها كمكون عضوي في نسق النظام السياسي . والمعروف أن الانتخابات تدار إلى حد كبير من قبل السلطة المهيمنة في المجتمعات النامية، ومنها الدول العربية فتمارس السلطة التنفيذية التدخل في عملية الترشيح بداية وتؤثر جوهريا في مجريات عملية الانتخابات بكاملها، وتتعرض الانتخابات لأنواع متباينة من الإفساد، ومن بينها توظيف الحظوة من السلطة والمال وانتهاك الحقوق بل تقوم مؤشرات على معالجة النتائج محلياً ومركزياً . وفي أحيان أخرى يصدر القضاء أحكاماً ببطلان الانتخابات في بعض الــدوائر، ولكنها لا تنفذ وتتحول المجالس النيابية إلى ما يشبه إدارات متدنية الكفاءة للسلطة التنفيذية تتوسل لرضاها بأن تأتمر بأمرها، ولا ينتظر من مثل هذا المجالس أن تمارس جدياً دورها الأصيل في الرقابة على للسلطة التنفيذية . وبالنسبة لمؤسسة القضاء ، فيلاحظ أن الدساتير غالباً ما تضم نصوصا نبيلة مستمدة في الغالب من مصادر أجنبية ولكن كثيراً من نصوصها يبقى حبراً على ورق وكثيراً ما يعطل العمل بالقوانين العادية، وتفرض حالة الطوارئ لسنين طوال وتسن القوانين لصالح الاستبداد، وقد لا تنفذ القوانين الحامية للحريات حتى وإن حكم بها القضاء، ويعانى سلك القضاء في بلدان المنطقة من مشكلات عديدة تقلل من هيبته، وفي النهاية من استقلاله وفي مقدمة ذلك تعمد الحكومة عمداً الإحجام من تنفيذ أحكام الجهات القضائية والتحايل على استقلال القضاء  .
إن الدرس الذي تستخلصه من واقع تتبع خبرات مسالك النظم العربية ، أن هناك علاقة جد وثيقة بين درجة مؤسسات المنظمات والإجراءات السياسية والقدرة على التكيف مع المتغيرات الخارجية والتحديات الداخلية بنجاح  والتعامل مع قوى التغيير بفاعلية والاحتفاظ في ذات الوقت بتوازن النظام السياسي
© منبر الحرية ،24 يونيو / حزيران 2010


[1] Max Weber The Theory of Social and Economic Organization translated by AM. Henderson      and Talcott parson Edited with an introduction by Talcott parcons(New York Oxford Univ Press 1947 pp 120-126).
(3) Samuel p .Huntington , political order in changing societies (New Havern ct: Yale unin press,1968)p.24

peshwazarabic18 نوفمبر، 20100

مازال فهمنا قاصرا حول مسألة الديمقراطية، فلا توجد مؤشرات توحي للنظم الديمقراطية بأنها دخلت في صلب حياتنا اليومية، رغم أن معظم مؤسستنا وأحزابنا الايدولوجية تنتهي أسمائها  ( بالديمقراطية ) إلا أنها تبقى حبراً على ورق، طالما لم نستطع أن نقوم بعملية التحول إلى الديمقراطية( قولاً وممارسةٍ)، وأن نشعر بانتمائنا إلى الوطن، وأن نمارس وطنيتنا  بموجب أخلاقيات الهوية والانتماء
.
الانتخابات احتلت الجانب الهام ببعده السياسي للديمقراطية. فممارسة الانتخابات بشكل ديمقراطي كما يقال تركت للمواطن الإحساس أنه مواطن وهو مصدر السلطات، ولو أنه يعي جيدا أنها فترة وجيزة تنتهي كقيمة  سياسية، وينتهي حلمه معها .
الديمقراطية وبموجبها تتحقق المساواة والعدالة الاجتماعية والتي بدورها تحقق للمواطن الاستقرار والأمن، كل هذه الأحلام الجملية تنتهي بمجرد انتهاء العملية الانتخابية، ولمسنا ذلك من خلال التجارب الانتخابية في أكثر من مكان. مع أن الانتخابات كانت تبدو ديمقراطية حسب آراء وتقارير المراقبين الدوليون لعمليات انتخابية مثلما  حصل في( فلسطين، مصر، العراق….الخ)
أسئلة مشروعة
ويبقى التساؤل القائم وهو مشروع إلى متى نتكلم ولا نفعل إلا القليل؟، إلى متى نبقي عملية استيراد المفاهيم مثلها مثل بضاعة ستوك؟ لعدم قدرتنا على تسويقها في سوقنا الاجتماعية، ورغبتنا الفطرية بالهوية والانتماء لمجتمعاتنا؟، هذه الأسئلة تبقى في نسق التساؤل، ونبقى نستورد المفاهيم  من دون أن نستطيع أن نطبعها ونجعلها في صلب حياتنا اليومية
.
وصحيح أن الانتخابات تلبي الجانب المرتبط بعلاقة الفرد بالدولة والعكس أيضاً، خالقة بذلك الجانب السياسي للديمقراطية، حيث يعطى الفرد المنتمي إلى الدولة صفة المواطنة، والتي بموجبه يستطيع المواطن إفراغ كمونه السياسي بممارسة الانتخابات، متطلعاً لعلاقة بين الأفراد عن طريق المواطنة( الوطن للجميع)، ويكون طريقة لاتخاذ القرارات بمشاركة جماعية، فلا مواطنة دون الديمقراطية، ولا ديمقراطية دون المواطنة.
الديمقراطية تتعلق بكيفية اتخاذ القرارات، فاتخاذ القرارات بشكل ديمقراطي، أي وفقاً لرغبة الأغلبية، يعني بالضرورة أن تكون المجموعة التي يتخذ فيها القرار محدودة ومعروفة، أما الانتخابات السياسية فهي تتعلق بالدولة، أي أنها تهم مجموع المواطنين.
الديمقراطية لا تختزل بالانتخابات
إذا لم تحقق الديمقراطية سيادة القانون أي سيادة الشعب (القانون الذي يحوي الجميع تحت مضلته)، والانتماء للوطن، وإذا لم يكن القانون فوق الجميع على الحاكم والمحكوم، والكل متساوون ومتحابون في المجتمع، وإذا لم تحقق المساواة والعدالة بين الجميع، فكيف يتم الاستقرار والأمن؟ معادلة الديمقراطية لا تتحقق إلا  بثالوث (الحرية والمساواة والعدالة)، فلن يكون هناك شيء نستطيع أن نقول عنه بأنه نظام ديمقراطي وبامتياز.
فكيف لنا أن نقول عن نظام أو دولة تقوم بعملية الانتخابات ولو بشكل شبه ديمقراطي بأنه ديمقراطي؟، ومن خلال هذا التساؤل نستطيع الاشارة إلى أن الديمقراطية لا تختزل فقط بالعملية الانتخابية  كما هو دارج لدينا، فشعوبنا لم تتشرب بعد النفس الديمقراطي، فكيف أكون مواطناً ديمقراطيا مع أنني محروم من أبسط  حقوقي العامة وحرياتي، سواء كانت الحقوق سياسية أو مدنية أو ثقافية أو اجتماعية، وطالما مازلنا في عصر يردد الشعارات التي يخدم بها جهة صناع القرار في الدول ذات النظم الاستبدادية الذي بدوره يختزل الديمقراطية والانتخابات في شخصه، فهو الديمقراطي وهو الذي يعرف مصلحة المجتمع كله.
متطلبات الانتخابات الديمقراطية
من متطلبات العملية الانتخابية أن تكون حرة ونزيهة، وأن لا تكون هناك تجاوزات من قبل القائمين على العمليات الانتخابية في فرض سلطاتهم على الانتخابات، وأن تقوم بدورها المنوط إليها حسب المعايير والمواثيق الدولية، وأن تتمثل في الإطار الدستوري للنظام الديمقراطي. فمعيار قوة الانتخابات الديمقراطية، هو أن يكون للانتخابات مقاصد ووظائف ويترتب عليها مجموعة من النتائج الفعلية في نظام الحكم، وليست أن تكون هدفاً في حد ذاتها
.
معيار حرية الانتخابات الديمقراطية يتمثل في كون الانتخابات تُجرى في ظل قاعدة حكم القانون، وتتسم بالتنافسية، وتحترم الحقوق والحريات الرئيسية للمواطنين.
معيار نزاهة الانتخابات الديمقراطية، يعني أن الانتخابات تتم بشكل دوري ومنتظم، وتتسم عملية إدارتها والإشراف عليها وإعلان نتائجها بالحياد السياسي والعدالة والشفافية.
وعندما يكون القانون فوق الحاكم والمحكوم ، أي سيادة القانون ودولة القانون تتحقق المواطنة على أساس المساواة والكرامة والعدالة.
© منبر الحرية ،يونيو / حزيران 2010

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018